المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ضمائر متشقلبة



غَوار
29-05-2011, 01:07 AM
"1"





في لمحة كالبرق تجلت امامه بينما كان يسير في " زواريب " قريته الصغيرة ، لم تكن المرة الأولى ، لكنها المختلفة!
هذه المرة هطل عليه وابل من الأفكار بمجرد ان لاحظت حواسه حراكها ، من هذه ؟ لماذا هي هنا ؟ لماذا هذا الشعور ؟
بسرعة "هزهز" رأسه يمينا و يسارا ، ثم طأطأه ،اسرع الخطى … تنهد … و اطلق زفرة دفع فيها ما خالجه من افكار و انطلق ، انطلق و قد رمى وراه اجزاءاً من الثانية معلناً انه لم يزل حر العقل طليق الفؤاد .

دخل على زمرة من الشباب ،ردوا عليه سلامه و انهالت عليه تراحيب و تعليقات من هنا و هناك "هلا والله " “الله معك يا كبير "”و لك مية اهلى و سهلا" “شو مورد يا خال" واجهها بإبتسامة لطالما ارتسمت على وجهه متى ما نَظرت إليه ، مازح المُتحلقين على "حَصيرة الأَشْ "وهو يهوي الى مجالستهم .
سم الله و صلى على نبيه و بدأ بنبرته الحانية ، و ما اجمله من خطاب ، يطير بالحاضرين في رحاب العقل ، يعلمهم كيف ان للعقل و الفكر الدور الرائد في نهوض الأمم ، يربط لهم بين عمق الأيمان و رقي العقل و علو الهمة ، يربطهم بما امرنا به خالقنا و ما جرى على لسان نبيه (صلى الله عليه و سلم) و يوثق الرباط بحثهم على العمل بمقتضى فهمهم لدينهم و مواجهة مجتمعٍ اضاع البوصلة بوعي الداعية و توقد لبه.
يعيد و يفصل و يفسر و يمعن التفسير و برفقته كم هائل من الأمثلة و الوقائع ،و ديدنه ما للعقل من اهمية و ما لأصحاب الألباب من فضل عند الله عز و جل و في محيطهم .
يرسم لهم من معين الكتاب و السنة و آثار الصحابة و التابعين ما ملوا سماعه في خطابات المشايخ ، و لكنه يتقن الرسم ، رَسْم الخطوط و الوجهات العملية الملموسة ، يتقن تلوينها بالتفاؤل و العزيمة و العزة ، يتقن العرض ببساطة مداعباً عقول الشباب .
انهى حديثه بدعاء يذكر الحاضرين بأن ما نطقه هو محض فضل من الله و يربط كل هذا السعي بفوز الآخرة الذي يمر بفوز الدنيا .


يتبع ...

الشامي
29-05-2011, 03:48 AM
جميل... ننتظر التتمة :)

Nader 3:16
30-05-2011, 10:54 PM
جميل جداً كبداية
استحضرت درس الاخ احمد الله يحفظو من خلال وصفك الجميل

بإنتظار التتمة...

غَوار
02-06-2011, 08:37 PM
"2"


خرج من الغرفة ،لحقه احد الشباب ، بادره سائلا عن خصوصية مرت به و ما يلزمه من تصرف تجاهها و عرض عليه جزءاً من ما إرتآه .
لم يعود من عرفوه على شخصية صعبة المنال و تَحُفُها حالة من " اللبكة " في التواصل مع من حوله ، بل اينما حل خالط الجميع و حاول التقرب منهم و محادثتهم بعيدا عن الرسميات و تعقيدات المجتمع .
ترك السائل يكمل و يستطرد في خواطره … ثم بادره بجملة سريعة بلهجته العامية "لَحِنَكْ عَمْ تْفكير بطريقة عَقلانية و بتَدرُجْ رائع و رابط الموضوع بأدلة من القرآن و السنة ، و رأيك ما في احلى مِنُ "
هذه عادته يبتعد عن خصوصيات الناس و لو رَمَوها في وَجْه ،يحاول في كل فرصة ان يعطي قيمة لعقل محدثه ، زرع ثقة في من امامه بإمكانية تجاوز ما هم فيه بصبر و حِلم .
إنه "علي " في ريعان الشباب ، متوسط ، وسيم ، نظرته تأسر الحاضرين بما فيها من براءة ،"طَبَةْ "رأسه تحمل في كنافاتها حِدة ذكاء .
تباين هائل يصدم من قارن بين" علي" و افراد اسرته ، فوالده لا يكاد يفارق ال"ءَهوة" بين لعب ال"شَدةْ"و ال"زَهْرْ"، اما والدته ، قليلة المشاوير ، من "صْباحية " الى "عَصْرونية" الى "سَهرا صِباحية " على ال"مَسْطْبِة" هي و خليلاتها يتناولن فيها ما لذ و طاب من اخبار القرية ممزوجة ببهار الغيبة و " مَلْطوعَة " على جمر النميمة .
اما اخته الوحيدة "رولا" او "رورو " لقبها الذي اطلقه عليها "شبابز و صبايا " القرية ، فلم تكن ترى غرفتها و البيت إلا في موعد النوم ، بين ال"التْمُشْكْحَة " و الأخرى “مُشْوار " ، لا تكاد تمر في "زاروبة " إلا سلمت عليها صاحبة هنا او صاحب هناك .

غَوار
02-06-2011, 08:39 PM
شكرا للإخوة الشامي و نادر على مدحهم
ملاحظة نسيت ذكرها ان هذه القصة هي محض خيال "غَوار"

غَوار
04-06-2011, 12:10 PM
"3"



خرج مسرعاً ، أغلق الباب … تريث ماسحاً دموعاً كانت قد بللت وجنتيه المتوردتين ، اخذته “صَفْنَة “ استجمع فيها قوته و ثقته بالنور الذي ملاء عليه قلبه و رمى بقلبه بين يدي ربه، و لسان حاله يقينٌ ان الفكرة لا تهزم او تحاصر بإذائها .
إنه والده مرة أخرى ، تجاذبا اطراف الحديث في ما يدور حولهم من احداث ، و كان ل”علي” طَرْحُ نَظْرَتِه الى ما اعتبره حالة صدء في تفكير المجتمع الذي اصبح لا يحرك ساكنا تجاه اي قضية مسته او ثوابته . انتفض والده “ مِين عَمْ يحْشِيلَك هل الأفكار بْمُخَكْ !؟ ولا مْفَكِرْ انتا و لي عَمْ يِحْكو هيك بتحبو الله اكتر منا ؟ “
كلمات طالما خرقت جدار قلب “علي” .
بصوت خافت “ بابا “ ، “علي” الذي واجه نماذج كثيرة كهذه الفكرة ، اراد ان يوضح لوالده شيء آخر ، شيء اثمن من استطراده في الدفاع عن فكرته ، اراد ان يدل والده من اي استقى فكرته ، من اي معين نهل .
لم تعودني يا “بابا “منذ صغري على ان ارهن عقلي و تفكيري لأحد ، علمتني تحرر العقل من اقوال الناس والذهاب به الى ما يلامسه من قناعة ، “بابا “ حاولت جاهدا ايصاله الى قناعة بما قال “فلان او علان “ لم استطع . اي تحرر عقلي اذا رهنت افكاري عند انسان آخر ، او حتى مجموعة من الناس ؟
نظرتُ في ما حولي ، هذا التناغم بين السماء و الأرض ، هذا النسق المتكامل ، هذه الفطر التى زرعها الله في خلقه ، ارشدتني الى اعادت فطرتي ، ان اجعلها طافية فوق كل نزعاتي البشرية ، دلتني ان ارمي نفسي في سنة الله للمفلحين، و ان انظر الى هذا الكون بأسره من منظار كلمات الله في قرآنه و ما أوحاه الى نبيه .
“رُوحْ مِنْ وِجِي و بَلا فَلسَفِة “ .


يتبع ...

غَوار
09-06-2011, 07:09 PM
“4”



قادته قدماه ، وجد نفسه يقف ،يضع يديه مُحَلَقَتين على اطراف فهمه “ يااااااا هِلااااااااالْ …و لِكْ لِيييَيَااااااااللللْ “ أتاه الرد كأنه صدى صوته “ إييييه “ و أطل عن ال”بَلْكونْ” بال”بْروتيل “
”طْلاع عَلوشْ … خَلينا نِعْمِلنا بْريءْ شاي “
“ لا مرة تانية ، نْزيل خلينا نطلعلنا مُشوار “
“يلا ح نُطْ إلبِسْ “

إنطلقا ، لا سؤال الى اين ؟ ، فليس لهم ب”كزدورة “ الشارع ، مَرا على ال”ءَهوة” ،اخذ كل منهم “ءَنِينِة جَزَرْ زْغِيرا”
ساروا حتى اطلا على قريتهم من على ال”خِزانَاتْ”
اعلنا بجلستهم عن إنخلاعهم من القيود ، أنه لا حدود يمكنها تَطويق ما حَملته قلوبهم قَبل عقولهم .
تلألأ " قلمونهم " أراح مقلتيهم ، شَحن اعينهم لنظرة اعمق في ما حولهم ، لإعادة مواجهة المجتمع برؤية واضحة لا يُغشيها ضباب شبهات من هنا و هناك .
شهقة ، تنشقا بها عبير ال”صنوبرات” ، سَحَبا ما في المنطقة من عبق تاريخ مزهر ، زَفرة ، اطلقا فيها كل محمل و انتقاد ، كل حِمل على زلات و نكسات من حولهم .
هدوء أصفى لهم ما حملته آذانهم من أنين الأرض ، تألم ، صُراخ ، اين انتم ؟ لماذا هذا الهجران ؟ إشتقت لم يدوسني ليقيم ارادة الله !
إنه مَسْحهم الدوري لحواسهم !
قطع خلوتهم دوي أذان … تبع صوت أذان خافت ، إنها لحظة مهيبة ! منظر يأخذ الأباب ، الى صغرالعالم و انكماشه اما”الرسالة “ و صوت يطير بهم الى صميم “الحلم “ ، حلم بالصدع بهذه “الرسالة “ في كل الأنحاء ، يوقظون بها من استطاعوا ، يُحي بهم الله قلوب حُفر لها قُبُر بنعم اساءوا استخدامها ، حُث عليها تراب من غفلة ران عليها ، تركناها ، محوناها من ذاكرتنا حتى انا نسينا زيارتها و قراءة ما أُمرنا عليها ، حتى اننا لم نعمرها !
أنهيا ال”جزرات “ ، أسرع “هلال” و أقام الصلاة ، إبتسم هارباً من الإمامة .
كَبر “علي” ، صلى بصغار السور ، سورة “ النصر" و في لحنه عَميق إيمان بنصر قادم ، يقين تام بمَعود الله ، و في الركعة الثانية سورة “المسد” استأناساً ، ما من احد مهما تجبر و خطط فلن يغنيه في النصر على الفكرة و المبداء .
سَلم ، كل منهم أخذ زاوية على ال”خِزان” و دخل في وتره .




يتبع ...

Nader 3:16
09-06-2011, 07:18 PM
يا زلمة كبّر الخط
حط حجمو 5 ..رح نموت بالاراية

غَوار
23-06-2011, 02:48 PM
سوف اقوم تكبير الخط من الآن فصاعدا اخ نادر بس ما تعصب !


يا زلمة كبّر الخط
حط حجمو 5 ..رح نموت بالاراية

غَوار
23-06-2011, 02:57 PM
“5”



بدأ مشوار العودة ، متفائلة طموحة … اعادا قبلها نفسيهما و نبض قلبيهما الى نبضات الفطرة .
في مشوار العودة ، سار “هلال “ في المقدمة و سلك الطريق الأطول ، بادره “علي “
“ليش ؟ “
“مْفَكِرْني مَني حاسِسْ انو في شي عَمْ يُبْرمْ براسَك و مْخَباي ؟ “
بلغت اخوتهما من صدقها و شفافيتها و تجذرها حد اخوة “المرآة “ ، بمجرد لمحة يمكن لأحدهما ملاحظة خواطر الآخر .
بدأ “علي “ كلماته ببطئ ، يصف حالته في العائلة و حرصه عليهم و على بر والديه ، مقدمة بسيطة قدم بها لينهمك بعدها في وصف محاولات والديه الدائما لبعثرت نشاطه و همته في الدعوة و إبعاده عن خط الفكرة و الحركة.
في السرد كان “علي” يزرع بعض التساؤلات عَله يسحب من “هلال” نصيحة او توجيهاً يستفيد منه في تغير نظرة والديه او على الأقل كسب موقف شبه إيجابي تجاه دعوته .
لم يبخل “هلال” بما عنده، تكلم بما فاضت به كلماته و كأنه في تأصيل للمسألة ، ربط فيها تجارباً و حالات مماثلة لصحابة و تابعين و معاصرين و اخوة له ، و كيف كان خطهم و كيف نجحوا في تجاوزها .
إرتسمت ابتسامة على وجه “علي” و هو يستأنس بكلمات "هلال" ، يرسم من خلالها طريقا واضحة المعالم و واعية الهدف .
ختم “هلال” “صبرك في هذه المحنة هو قمة البر ، و من لا خير فيه و حرص على اهله كيف تجد فيه خيراً و حرصاً للمجتمع او للامة ؟ “




يتبع ...

غَوار
02-07-2011, 07:16 PM
“6”





توالت الأيام ، و هذه سنته الثالثة ، النضوج بدا واضحا في تحركه و سكونه ، اتسعت معارفه من الناس و تضخمت مكتسباته المعرفية و العلمية و الفكرية .
تطورات هائلة ، لقد “ تِعِبْ “ على نفسه و سعى و لازال الى الكسب كلما استطاع لذلك سبيلا .
بدأ نجمه يلمع بين اقرانه ، ان كان في الجامعة او في القرية ، بما لديه من حكمة في القول و الفعل ، و بخلقه الحسن و نفسه المتواضعة .
كان خارجاً من احد “دْكَاكين” القرية ، “أبَطْ” ...رفع رأسه فإذا بها امامه ، “تْنَحْنْحِت” و اطرقت رأسها خجلاً ، ابتعد لها ، مرت .
سار و في مخيلته تلك الخَجلة الملائكية ، و لم يزل تحت قفصه الصدري شيئ يتحرك !
احس بمخالجة تداعب جسمه ، “ايشودا؟ بِصِيرْ إساتني أُبِطْ ؟ “
انها كتلة من جميل صنع المنان ، رُزمة من الأخلاق المكدسة .
“لأ”
محاولاً طرد هذا الشعور و هذه الأفكار من رأسه ، لكن سرعان ما كانت تعود الى فؤاده تلك الطلة الحَييَة .
أوصل الأغراض الى البيت ، و صلى العشاء ، قرأ ورده ، أوتر ، خلد الى الفراش .
لم يستطع ان يدخل في غفوته بسرعة ، فلم يغادره الموضوع بعد ، بعد مكابدة في طرده لم يسطتع ، غلبه نعاسه في اخر المطاف .
استقظ مبتسماً على وقع تلك النظرة الخجلة !
امضى نهاره و الأفكار تتقاذفه في ما بينها ، و يرد على نفسه مبتسما “ ما بصير غِرقْتْ بْكِشْتبان مُويا!”
بعد صلاة العصر ، سلم على “هلال” و وقفا في زاوية المسجد ، فاجأه “هلال “ قائلا
“حَاسَك مِحْلَو !”
ابتسامة اظهرت ل”هلال” بعض ما خفي ، اكملها بقولها “لَو بْتَعْرِفْ شْصُايِرْ مَعي... روح نِمْشي مُشْوار تَ ءُلك “ .
بث في هذا المشوار الرواية كما حدثت و اضاف فيها بعض البعد الجمالي و الروحي ، فتلك كلماته .
“ ولا أزْعَرْ “
و انطلقت ضحكتان !



يتبع ...