أبو خليل
12-06-2011, 02:42 PM
حسن أيوب .. العَلاَّمَة الوَرِع .. والفقيهُ المجدد ..!! (1)
http://www.islameiat.com/App/Upload/articles/_1876_120x100.jpg (http://www.islameiat.com/App/Upload/articles/_1876_120x100.jpg)
كتب: عبد السميع محمد راضي
لِعِظَمِ مكانته عندي ، لا أجد من الكلمات والتعبيرات ، ما يناسب مقامه وشخصيته ، فكما عرفته وعايشته عن قُرْبٍ لسنوات طويلة ، أؤكد صادقاً ، ودون أي مبالغة ، أنه أكبر بكثير من كل ما يمكن أن أقوله فيه ، أو أكتبه عنه ، ولا يمكن للكلمات والتعبيرات ، مهما كبرت أو تَجَمَّلَتْ ، أن تَفِيَهُ حقه ، ولم يكن هو ـ حَيَّاً أو مَيِّتَاً ـ في حاجة إلى قولي ، أو قول غيري ، وليس هذا فحسب ، بل لو كان حَيَّاً لَصَمَّ أُذنيه عن سماع أقوالنا فيه " علم الله " ، وسيأتي لاحقاً في مقالات قادمة - بمشيئة الله تعالى - ما يشهد لذلك ..!!
وما أُسطره هنا في هذا المقال ، وفيما سيأتي من مقالات لاحقة ، ما هو إلا غيض من فيض ، وسطر من قِمَطْرٍ ، في بحر زاخر ، من مسيرة جهاده وعطائه وإنجازاته ، تلك التي بلغت زهاء خمسة وسبعين عاماً متواصلة من سِنِي حياته وعمره ..!!
ومن ثم كانت حياته من الجهاد والعطاء ، والثبات والتضحية ، والمعاناة والألم ، والابتلاء والصبر ، صفحات واضحة ، وكتاب مفتوح لكل من عرفه ، وعرف تاريخه ، وهو تاريخ معلوم كالشمس في رابعة النهار، وقد أثبته التاريخ المعاصر في مصادره المكتوبة والمسموعة والمرئية ، بأحرف من نور ، وبكل الفخر والشرف ..!!.
قال تعالى :{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت : 6. ]
ويكفي أنه كان عَالِمَاً ربانياً ، عاش عصر المتغيرات والفتن ، وهي في أوج زينتها وإغراءاتها وشدتها ، دون تأثير أو تغيير أو تَحَوُّلٍ ، وظل قابضا على دينه ، ثابتاً على يقينه ، مُتَّبِعَاً لهدي نبيه ، مبلغاً لرسالة ربه ، على بصيرة ، دون زَيْغٍ ولا غواية ، ودون كللٍ ولا ملل ، رغم ما حاق بحياته ودعوته من بلاء وشدة ..!!.
قال تعالى : { يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ }[ سورة إبراهيم : 27 ] .
وقال تعالى : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } [ فصلت : 33 ] .
ولم يكن في دنياه إلا زاهداً ، متصفاً بمحاسن الصفات والأخلاق ، وشرف العلم والعمل ، وحُسْن الأسوة والإتباع ، وقد رأى أحد تلاميذه النجباء ـ تأكيداً لذلك ـ أنه يمشي خلف النبي - محمد صلى الله عليه وسلم - يقتفي أثره ، فكلما رفع النبي قدماً ، وضع الشيخ : حسن أيوب ، قدمه مكانها ، وهي رؤيا صالحة ، من رجل نحسبه صالحاً ، تشرح الصدر ، وتَغْبِطُ القلب ، وتبشر بخير ، سمعتها بنفسي من فم الشيخ ، وسمعها غيري من تلاميذه المحبين الأوفياء ..!!
قال تعالى : {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [ فاطر : 28 ] .
وقال تعالى : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [ الزمر : 9 ] .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ( من يرد الله به خيراً يفقهه فيالدين ) متفق عليه .
نعم ، لقد استطاع شيخنا الراحل : حسن أيوب ، بصدقه وإخلاصه أن يشق طريقه في الدعوة - بحصافة وحنكة - نحو إحداث اليقظة والتغيير ، في كثيرين ممن عرفوه ، وتابعوه ، والتفوا حوله ، من جنسيات متعددة ، في كل بلد نزل فيه ، وفي كل دولة حلَّ بها ؛ إذْ كان لفكره المتميز ؛ وتأثيره المتفرد ؛ وحيوية موضوعاته ؛ وتجدد أطروحاته ؛ وجمال أسلوبه وإلقائه ؛ ومواكبته الدقيقة للأحداث والمستجدات ، صدىً كبيراً ، وتأثيراً واسعاً ، مما أحدث في جمهوره المتنامي ، يقظة عامة ، وتغييراً ملموساً ، على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع ، ولا سيما الشباب منهم ، ومن ينتمون لأجيال الصحوة الإسلامية بمختلف تياراتهم وتوجهاتهم وانتماءاتهم ..!!.
كما كان لمنهجه الوسطي المعروف ، الذي يجذب ولا ينفر ، ويجمع ولا يفرق ، وييسر ولا يعسر، ويبشر ولا ينفر ، ويُقْرِبُ ولا يُبَعِّدُ ، في الدروس والخُطَب ، في المحاضرات والندوات ، وقْعَاً خاصاً - محبوباً ومرغوباً - لدى الجميع ، ولا سيما النساء والفتيات ؛ إذْ كان له بهن اهتمامات خاصة ، في الدروس على وجه الخصوص ؛ لقناعته أن المرأة ركيزة أساسية من ركائز البناء والإصلاح ..!!
ومن ثم ترك أثره المحمود ، وبصماته المؤثرة ، على نطاق واسع ، في أُناس شتى من أقطار مختلفة ، رجالاً ونساء ، شيباً وشباناً ، في عدة أجيال ، كلهم يحملون له الحب والتقدير والإجلال ، وقد اختلف معه من اختلف - قريب أو غريب - ولا يملك الجميع في النهاية إلا احترامه وتقديره ، لرفيع خصاله ، وسمو سجاياه ..!!
قال تعالى : {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُواالْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [ المجادلة : 11 ] .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: (إن الله وملائكته ، وأهل السمواتوالأرض ، حتى النملة فى جحرها ، وحتى الحوت ، ليصلون على معلمي الناس الخير ) رواهالترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح .
شرف لي ..!!
عملتُ معه بـ " جَدَّة " في مطلع " الموسوعة الإسلامية الميسرة " قبل سفره إلى مصر ، وكتبتُ بخط يدي بعض أصولها ، وهذا شرف لي ، وتعلمتُ منه عملياً من فنون الكتابة والتأليف والبحث والمراجعة ما لم أتعلمه بهذا التوسع والشمول من قبل ، واستفدتُ من موضوعاتها ، علماً محكماً ، وفقهاً دقيقاً ، وتبويباً منظماً ، علماً أن مادة الموسوعة من علم الشيخ وتأليفه ، وأنا لها فقط من المدونين ..!!
وكان مُقْبِلاً على البحث والكتابة والتأليف ، بحب وشغف ، ومتعة وسعادة ، وكان غزير الإنتاج في قليل من الوقت بشكل مدهش ، حتى إنك لتجد الوقت ضيقاً جداً في تدوين ما أعده لك في سويعات قليلة أو في اليوم الواحد ، كما كان بإمكانه أن يراجع كتاباً ويُصَوّبُ أخطاءة في قليل من الوقت ، قبل أن يوضع في طبعته الأخيرة ، كل ذلك وهو في منتصف السبعينات من العمر ..!!.
ولقد تَطَوَّعْتُ له بالحج مرة ، كما تطوعتُ له بالعُمْرَةِ مرتين ، كان ذلك في حياته وهو يعلم ، كما تطوعتُ له بالعمرة مَرَّةً بعد رحيله ؛ وفاءً لِمَا قطعته على نفسي بعد مماته ، وبمشيئة الله تعالى لئن أمَدّ الله في عمري وأعانني وقواني ، لَأَتَطَوَّعَنَّ له بالحج بعد أن أسلم الروح إلى خالقه .
ولستُ وحدي الذي قطع ذلك على نفسه ، بل غيري من تلاميذه الخُلَّصِ الأوفياء عزموا على ذلك ، وفي مقدمتهم تلميذه المخلص الشيخ : أحمد القطان ، الذي صرح بذلك ، بل وبعضهم بالفعل سارع بعمل العمرة له ، وذَبَحَ الذبائح ، وعَمِل سلسبيل الماء ؛ لِسُقْيَا الناس في الطرقات ، صدقة ، وصدقة جارية ، فور علمهم بنبأ وفاته ؛ تقديراً له ؛ ووفاءً لفضله عليهم في العلم والدعوة ، والسلوك الأخلاق ، وإني لأدعو الله أن يجعل ذلك في موازين حسناته ، وحسناتنا أجمعين ..!!
وكما أنه شرف عظيم لي أن أكون واحداً من تلاميذه ومحبيه ومُقَرَّبِيْهِ ، فهو لِي شيخٌ ووالِدٌ ومُرَبٍّ عظيم ، وهو وإنْ وجَدَ مِنِّي - في حياته - حُبَاً وإجلالاً وتوقيراً ، فهو حق المُعَلِّمِ على تلميذه ، وَبِرُّ الْوَلَدِ لِشَيْخِهِ وَوَالِدِهِ ، ففخراً لي كذلك أن أجِدَ منه في حياته حباً واهتماماً وتقديراً ؛ تأكيداً لحق التلميذ على شيخه وأستاذه ، والْوَلَدِ على والِدِهِ ، وكما كان لي ـ في حياته ـ معلماً وشيخاً ووالداً ، كنتُ وسأظل له تلميذاً وفَيَّاً ، وابناً باراً به ، حياً وميتاً ؛ إذْ ترك فيَّ أعمق الأثر ؛ لفضله - بعد الله - عليَّ ، علماً وخلقا ً، سلوكاً وقدوة ، كرامةً وعِزَّةً ، وسأظل أنا وأهلي وأبنائي مدينون له بالفضل ما حَيِيْنَا ..!!.
زيارة قبره ..!!
وقفتُ أمام قبره - زائراً - في أُولى سفرياتي لمصر بعد رحيله ، وتحديداً مقابر منوف ، بمحافظة المنوفية ، تلك المقابر الكبيرة الهائلة ، التي خَيَّمَ عليها السكون والصَّمْت ، والموت القادم لكل كائن حي ، وكنتُ أدرك تماماً أنني أقف أمام قبرٍ يضم بين رفات أمواته فقيهاً من فقهاء العصر ، وقمة من قمم الإسلام ، وعظيماً من عظماء الأمة ، وَوَرِعَاً من أوْرَعِ من عَرَفْتُ ، ونجماً من نجوم الدعوة المجددين ، وشيخاً من شيوخ الأزهر الثائرين ، وعَلَمَاً من أعلام مصر المتميزين ، ورائداً من رواد الإصلاح الصادقين المخلصين ، أحسبه كذلك ولا أزكي على الله أحداً ..!!
وكنت - في تلك الزيارة - أسترجع من سيرته العطرة ، ومناقبه الكثيرة ، معاني العزة والكرامة ، والنبل والشرف ، والمروءة والشهامة ، والنخوة والحمية ، والعمل الدءوب لإعلاء كلمة الله ، واقتفائه أثر القرآن والنبوة ، بكل ما أُوتي - في حياته - من عزم وإخلاص وقوة ..!!
وقلتُ : هنا في هذا البرزخ ، في أُولى منازل الآخرة ، يرقد جسدك ، ويقبع جثمانك ، وتنتهي من الدنيا حياتك ، حتى يبعث الله من في القبور ، لِيُبَشَّرَ كلٌ بخاتمة عمله الأبدي ، ونهاية مصيره السرمدي ..!!
بينما في قلوب المخلصين من أبناء الأمة - من تلاميذك ، وأحبائك ، والعارفين بفضلك - تعيش سيرتك ، وتحيا مناقبك ، ويستفاد بعلمك ، ويتكرر ذِكْرُك ، ولا يُمْحَى أثرك ؛ بما تركته من علم ؛ ومؤلفات ؛ وطلبة ؛ ودعاة ؛ وعلماءٍ ، في بقاع شتى ، يتناقلون إلى الناس علمك ودعوتك ، فأنتَ الحي وإن كُنْتَ في لَحْدِكَ مَيِّتَاً ، ونحن الأموات وإن كنَّا - ما نزال - أحياء في ديارنا وأعمالنا وأهلينا ودنيانا ، فكم من أُنَاسٍ ماتوا ، ووارى الثَّرَى أجسامهم ، وأفْنَتِ الديدان لحومهم ، وأمْضَت القرون في رحيلهم ، وهم في الناس بصالح أعمالهم ، وجميل مناقبهم ، وطِيْبِ آثارهم أحياء ، وكم من أحياءٍ يمشون على الأرض زَهْوَاً ، وهم في الناس أموات ، وأحسب شيخنا : حسن محمد أيوب ، من تلك المشكاة الأولى ، الفواحة الخالدة ، ولا أزكيه على الله ..!!
فاللهم انفعنا بعلمه ، وانفعه بما علمنا ، وارفعه بذلك في أعلى عليين ، مع من أنْعَمْتَ عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً .
http://www.islameiat.com/App/Upload/articles/_1876_120x100.jpg (http://www.islameiat.com/App/Upload/articles/_1876_120x100.jpg)
كتب: عبد السميع محمد راضي
لِعِظَمِ مكانته عندي ، لا أجد من الكلمات والتعبيرات ، ما يناسب مقامه وشخصيته ، فكما عرفته وعايشته عن قُرْبٍ لسنوات طويلة ، أؤكد صادقاً ، ودون أي مبالغة ، أنه أكبر بكثير من كل ما يمكن أن أقوله فيه ، أو أكتبه عنه ، ولا يمكن للكلمات والتعبيرات ، مهما كبرت أو تَجَمَّلَتْ ، أن تَفِيَهُ حقه ، ولم يكن هو ـ حَيَّاً أو مَيِّتَاً ـ في حاجة إلى قولي ، أو قول غيري ، وليس هذا فحسب ، بل لو كان حَيَّاً لَصَمَّ أُذنيه عن سماع أقوالنا فيه " علم الله " ، وسيأتي لاحقاً في مقالات قادمة - بمشيئة الله تعالى - ما يشهد لذلك ..!!
وما أُسطره هنا في هذا المقال ، وفيما سيأتي من مقالات لاحقة ، ما هو إلا غيض من فيض ، وسطر من قِمَطْرٍ ، في بحر زاخر ، من مسيرة جهاده وعطائه وإنجازاته ، تلك التي بلغت زهاء خمسة وسبعين عاماً متواصلة من سِنِي حياته وعمره ..!!
ومن ثم كانت حياته من الجهاد والعطاء ، والثبات والتضحية ، والمعاناة والألم ، والابتلاء والصبر ، صفحات واضحة ، وكتاب مفتوح لكل من عرفه ، وعرف تاريخه ، وهو تاريخ معلوم كالشمس في رابعة النهار، وقد أثبته التاريخ المعاصر في مصادره المكتوبة والمسموعة والمرئية ، بأحرف من نور ، وبكل الفخر والشرف ..!!.
قال تعالى :{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت : 6. ]
ويكفي أنه كان عَالِمَاً ربانياً ، عاش عصر المتغيرات والفتن ، وهي في أوج زينتها وإغراءاتها وشدتها ، دون تأثير أو تغيير أو تَحَوُّلٍ ، وظل قابضا على دينه ، ثابتاً على يقينه ، مُتَّبِعَاً لهدي نبيه ، مبلغاً لرسالة ربه ، على بصيرة ، دون زَيْغٍ ولا غواية ، ودون كللٍ ولا ملل ، رغم ما حاق بحياته ودعوته من بلاء وشدة ..!!.
قال تعالى : { يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ }[ سورة إبراهيم : 27 ] .
وقال تعالى : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } [ فصلت : 33 ] .
ولم يكن في دنياه إلا زاهداً ، متصفاً بمحاسن الصفات والأخلاق ، وشرف العلم والعمل ، وحُسْن الأسوة والإتباع ، وقد رأى أحد تلاميذه النجباء ـ تأكيداً لذلك ـ أنه يمشي خلف النبي - محمد صلى الله عليه وسلم - يقتفي أثره ، فكلما رفع النبي قدماً ، وضع الشيخ : حسن أيوب ، قدمه مكانها ، وهي رؤيا صالحة ، من رجل نحسبه صالحاً ، تشرح الصدر ، وتَغْبِطُ القلب ، وتبشر بخير ، سمعتها بنفسي من فم الشيخ ، وسمعها غيري من تلاميذه المحبين الأوفياء ..!!
قال تعالى : {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [ فاطر : 28 ] .
وقال تعالى : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [ الزمر : 9 ] .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ( من يرد الله به خيراً يفقهه فيالدين ) متفق عليه .
نعم ، لقد استطاع شيخنا الراحل : حسن أيوب ، بصدقه وإخلاصه أن يشق طريقه في الدعوة - بحصافة وحنكة - نحو إحداث اليقظة والتغيير ، في كثيرين ممن عرفوه ، وتابعوه ، والتفوا حوله ، من جنسيات متعددة ، في كل بلد نزل فيه ، وفي كل دولة حلَّ بها ؛ إذْ كان لفكره المتميز ؛ وتأثيره المتفرد ؛ وحيوية موضوعاته ؛ وتجدد أطروحاته ؛ وجمال أسلوبه وإلقائه ؛ ومواكبته الدقيقة للأحداث والمستجدات ، صدىً كبيراً ، وتأثيراً واسعاً ، مما أحدث في جمهوره المتنامي ، يقظة عامة ، وتغييراً ملموساً ، على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع ، ولا سيما الشباب منهم ، ومن ينتمون لأجيال الصحوة الإسلامية بمختلف تياراتهم وتوجهاتهم وانتماءاتهم ..!!.
كما كان لمنهجه الوسطي المعروف ، الذي يجذب ولا ينفر ، ويجمع ولا يفرق ، وييسر ولا يعسر، ويبشر ولا ينفر ، ويُقْرِبُ ولا يُبَعِّدُ ، في الدروس والخُطَب ، في المحاضرات والندوات ، وقْعَاً خاصاً - محبوباً ومرغوباً - لدى الجميع ، ولا سيما النساء والفتيات ؛ إذْ كان له بهن اهتمامات خاصة ، في الدروس على وجه الخصوص ؛ لقناعته أن المرأة ركيزة أساسية من ركائز البناء والإصلاح ..!!
ومن ثم ترك أثره المحمود ، وبصماته المؤثرة ، على نطاق واسع ، في أُناس شتى من أقطار مختلفة ، رجالاً ونساء ، شيباً وشباناً ، في عدة أجيال ، كلهم يحملون له الحب والتقدير والإجلال ، وقد اختلف معه من اختلف - قريب أو غريب - ولا يملك الجميع في النهاية إلا احترامه وتقديره ، لرفيع خصاله ، وسمو سجاياه ..!!
قال تعالى : {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُواالْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [ المجادلة : 11 ] .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: (إن الله وملائكته ، وأهل السمواتوالأرض ، حتى النملة فى جحرها ، وحتى الحوت ، ليصلون على معلمي الناس الخير ) رواهالترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح .
شرف لي ..!!
عملتُ معه بـ " جَدَّة " في مطلع " الموسوعة الإسلامية الميسرة " قبل سفره إلى مصر ، وكتبتُ بخط يدي بعض أصولها ، وهذا شرف لي ، وتعلمتُ منه عملياً من فنون الكتابة والتأليف والبحث والمراجعة ما لم أتعلمه بهذا التوسع والشمول من قبل ، واستفدتُ من موضوعاتها ، علماً محكماً ، وفقهاً دقيقاً ، وتبويباً منظماً ، علماً أن مادة الموسوعة من علم الشيخ وتأليفه ، وأنا لها فقط من المدونين ..!!
وكان مُقْبِلاً على البحث والكتابة والتأليف ، بحب وشغف ، ومتعة وسعادة ، وكان غزير الإنتاج في قليل من الوقت بشكل مدهش ، حتى إنك لتجد الوقت ضيقاً جداً في تدوين ما أعده لك في سويعات قليلة أو في اليوم الواحد ، كما كان بإمكانه أن يراجع كتاباً ويُصَوّبُ أخطاءة في قليل من الوقت ، قبل أن يوضع في طبعته الأخيرة ، كل ذلك وهو في منتصف السبعينات من العمر ..!!.
ولقد تَطَوَّعْتُ له بالحج مرة ، كما تطوعتُ له بالعُمْرَةِ مرتين ، كان ذلك في حياته وهو يعلم ، كما تطوعتُ له بالعمرة مَرَّةً بعد رحيله ؛ وفاءً لِمَا قطعته على نفسي بعد مماته ، وبمشيئة الله تعالى لئن أمَدّ الله في عمري وأعانني وقواني ، لَأَتَطَوَّعَنَّ له بالحج بعد أن أسلم الروح إلى خالقه .
ولستُ وحدي الذي قطع ذلك على نفسه ، بل غيري من تلاميذه الخُلَّصِ الأوفياء عزموا على ذلك ، وفي مقدمتهم تلميذه المخلص الشيخ : أحمد القطان ، الذي صرح بذلك ، بل وبعضهم بالفعل سارع بعمل العمرة له ، وذَبَحَ الذبائح ، وعَمِل سلسبيل الماء ؛ لِسُقْيَا الناس في الطرقات ، صدقة ، وصدقة جارية ، فور علمهم بنبأ وفاته ؛ تقديراً له ؛ ووفاءً لفضله عليهم في العلم والدعوة ، والسلوك الأخلاق ، وإني لأدعو الله أن يجعل ذلك في موازين حسناته ، وحسناتنا أجمعين ..!!
وكما أنه شرف عظيم لي أن أكون واحداً من تلاميذه ومحبيه ومُقَرَّبِيْهِ ، فهو لِي شيخٌ ووالِدٌ ومُرَبٍّ عظيم ، وهو وإنْ وجَدَ مِنِّي - في حياته - حُبَاً وإجلالاً وتوقيراً ، فهو حق المُعَلِّمِ على تلميذه ، وَبِرُّ الْوَلَدِ لِشَيْخِهِ وَوَالِدِهِ ، ففخراً لي كذلك أن أجِدَ منه في حياته حباً واهتماماً وتقديراً ؛ تأكيداً لحق التلميذ على شيخه وأستاذه ، والْوَلَدِ على والِدِهِ ، وكما كان لي ـ في حياته ـ معلماً وشيخاً ووالداً ، كنتُ وسأظل له تلميذاً وفَيَّاً ، وابناً باراً به ، حياً وميتاً ؛ إذْ ترك فيَّ أعمق الأثر ؛ لفضله - بعد الله - عليَّ ، علماً وخلقا ً، سلوكاً وقدوة ، كرامةً وعِزَّةً ، وسأظل أنا وأهلي وأبنائي مدينون له بالفضل ما حَيِيْنَا ..!!.
زيارة قبره ..!!
وقفتُ أمام قبره - زائراً - في أُولى سفرياتي لمصر بعد رحيله ، وتحديداً مقابر منوف ، بمحافظة المنوفية ، تلك المقابر الكبيرة الهائلة ، التي خَيَّمَ عليها السكون والصَّمْت ، والموت القادم لكل كائن حي ، وكنتُ أدرك تماماً أنني أقف أمام قبرٍ يضم بين رفات أمواته فقيهاً من فقهاء العصر ، وقمة من قمم الإسلام ، وعظيماً من عظماء الأمة ، وَوَرِعَاً من أوْرَعِ من عَرَفْتُ ، ونجماً من نجوم الدعوة المجددين ، وشيخاً من شيوخ الأزهر الثائرين ، وعَلَمَاً من أعلام مصر المتميزين ، ورائداً من رواد الإصلاح الصادقين المخلصين ، أحسبه كذلك ولا أزكي على الله أحداً ..!!
وكنت - في تلك الزيارة - أسترجع من سيرته العطرة ، ومناقبه الكثيرة ، معاني العزة والكرامة ، والنبل والشرف ، والمروءة والشهامة ، والنخوة والحمية ، والعمل الدءوب لإعلاء كلمة الله ، واقتفائه أثر القرآن والنبوة ، بكل ما أُوتي - في حياته - من عزم وإخلاص وقوة ..!!
وقلتُ : هنا في هذا البرزخ ، في أُولى منازل الآخرة ، يرقد جسدك ، ويقبع جثمانك ، وتنتهي من الدنيا حياتك ، حتى يبعث الله من في القبور ، لِيُبَشَّرَ كلٌ بخاتمة عمله الأبدي ، ونهاية مصيره السرمدي ..!!
بينما في قلوب المخلصين من أبناء الأمة - من تلاميذك ، وأحبائك ، والعارفين بفضلك - تعيش سيرتك ، وتحيا مناقبك ، ويستفاد بعلمك ، ويتكرر ذِكْرُك ، ولا يُمْحَى أثرك ؛ بما تركته من علم ؛ ومؤلفات ؛ وطلبة ؛ ودعاة ؛ وعلماءٍ ، في بقاع شتى ، يتناقلون إلى الناس علمك ودعوتك ، فأنتَ الحي وإن كُنْتَ في لَحْدِكَ مَيِّتَاً ، ونحن الأموات وإن كنَّا - ما نزال - أحياء في ديارنا وأعمالنا وأهلينا ودنيانا ، فكم من أُنَاسٍ ماتوا ، ووارى الثَّرَى أجسامهم ، وأفْنَتِ الديدان لحومهم ، وأمْضَت القرون في رحيلهم ، وهم في الناس بصالح أعمالهم ، وجميل مناقبهم ، وطِيْبِ آثارهم أحياء ، وكم من أحياءٍ يمشون على الأرض زَهْوَاً ، وهم في الناس أموات ، وأحسب شيخنا : حسن محمد أيوب ، من تلك المشكاة الأولى ، الفواحة الخالدة ، ولا أزكيه على الله ..!!
فاللهم انفعنا بعلمه ، وانفعه بما علمنا ، وارفعه بذلك في أعلى عليين ، مع من أنْعَمْتَ عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً .