ASLAN
10-03-2012, 08:03 PM
محمد رسول الله
محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي...
القرشي الإسماعيلي الإبراهيمي
فهو رجل من العرب من بلدة مكة الواقعة في بلاد شبه جزيرة العرب (معظمها اليوم يقع ضمن حدود الدولة المسماة المملكة العربية السعودية)
مكة هذه يقول كثير من علماء الأرض والفلك والجغرافيا إنها قلب العالم، أو إنها أكثر بقاع الأرض احتمالا لأن تكون قلب الكرة الأرضية.
وهي بلدة صحراوية جبلية..
عاش فيها منذ قديم الزمان الجنس البشري العربي
والعرب كانوا موجودين قبل سيدنا إبراهيم أبي الأنبياء
وكانت لهم قبائل كبيرة مشهورة في التاريخ القديم لها حضارات عريقة وعجيبة.!
يقول المؤرخون إن كل أو الأغلبية الساحقة من تلك القبائل العربية القديمة اندثرت وانقرضت، وإنما العرب الباقون بعدهم إلى اليوم هم قبائل أخرى تعلّمت منهم العربية ومعظمهم من نسل النبي الكريم إسماعيل -أخي إسحاق- بن إبراهيم عليهم السلام.
فيما يسمّى بالشرق الأوسط، وفي قلب العالم، مهد الأنبياء والرسالات، وبالتحديد في شبه جزيرة العرب عاش هؤلاء القوم عيشة بسيطة أقرب ما تكون إلى الطبيعة والعفوية بعيدة إلى حد ما عن تعقيدات التمدّن، لذلك امتازوا باعتدال الطبائع والأمزجة، واتصفوا بصفات رائعة من الصدق والصراحة والوفاء والكرم والسخاء والشجاعة وعزة النفس ورفض الظلم والذل، وبذل المعروف، والتنافس في صفات الرجولة، وتعظيم حق الكلمة والذمة، وقوة الإرادة والعزيمة، وعلو الهمة، والفصاحة والذكاء والاعتناء بالآداب وقوة الحافظة، رغم أنهم لا يعرفون الكتابة.
لابد أنه لحكمةٍ عظيمة كانت هذه المساحة من العالَـم هي محل كل الرسل والرسالات السماوية.!
محمدٌ هذا الرجل الذي هو رجل عظيم عند كل المؤرخين من المسلمين (المؤمنين بنبوته والمتبعين له) وعند غير المسلمين من النصارى واليهود وغيرهم : ولد في سنة 571 بعد ميلاد المسيح عليه السلام، وعاش يتيما ، لأن أباه مات حينما كان هو جنيناً في بطن أمه، ثم ماتت أمه أيضا في وقت مبكر من عمره، وذلك بعد أن بلغ هو ست سنين، فتربّى يتيما في رعاية جده ثم في رعاية عمه بعد موت جده إلى أن صار شاباً يافعا..
وبعد مرور حوالي أربعين سنة على مولده، أي بعد أن صار رجلا كاملا عرف الحياة وجرّبها وتزوج وأنجب وربّى أطفالا وعرف الناس وعرفوه وتكوّنت له في قومه قيمة، كانت هذه القيمة تدور كلها باتفاق جميع المؤرخين على صفات الصدق والأمانة والذكاء وقوة العقل وفصاحة الكلمة وحسن الأخلاق ومكارم السجايا والتشبّع بالفضائل التي يتنافس الرجال العقلاء عادة في تحصيلها والافتخار بها من الكرم والشجاعة ورفض الظلم والضيم والذل ومساعدة المحتاجين والعطف على الضعفاء والخدمة للناس ومساعدتهم ومحبة الخير لهم والبعد عن المعايب والشرور والصفاف المذمومة التي ينفر منها كل العقلاء.
ومع ذلك فقط كان -شأنه شأن الأغلبية الساحقة من أهل زمانه- أميّـا لا يعرف القراءة ولا الكتابة.
بعد بلوغه هذا العمر أعلن أنه قد جاءه الوحيُ من السماء، وأن الله قد أوحى إليه وبعث إليه ملكاً من الملائكة يعلمه الدين والرسالة، وأخبره أن الله اختاره ليكون رسولا للعالمين وأنه خاتم الأنبياء والرسل، لا نبيّ بعده.
وبدأ محمد صلى الله عليه وسلم ينشر دعوته في البداية بشكل سريّ في أصدقائه الموثوقين ومعارفه وأقاربه..
واستجاب له مجموعة من الرجال والنساء من أهل بلدته.
ثم بدأ يتوسّع في دعوته وأعلنها وصرح بها..
فعارضه قومه ووقفوا ضدّه بكل قوة وعناد، وكذبوه ورموه بشتى أنواع التهم..
قالوا ساحر ، وقالوا كذاب، وقالوا مجنون، وقالوا شاعر أديب فصيح يسحر الناس بكلامه، وقالوا أشياء كثيرة فيها تناقض عجيب.!
صبر على تكذيبهم له، وتحمّل إيذاءهم له في شرفه وسمعته وحتى في جسده..! في سبيل نشر دعوة الله التي أمره بتبليغها للناس، ولم تكن الدعوة لتنتشر أبدا إذا لم يصبر عليها صاحبها ولم يبدأ بقومه ولم يصطنعْ منهم أنصارا..
كان يواجه شراسة قومه وعنفهم ضدّه باللين والرفق والعفو الصفح..
هم يؤذونه ويعذبون أصحابه الضعفاء ويسخرون منهم ويستهزئون بهم ويقاطعونهم ويحاصرونهم... وهو مستمر في دعوتهم إلى الخير ويشرح لهم الرسالة التي بعثه الله بها، ويذكرهم بها ليل نهار وبكل الطرق والوسائل المتاحة، ويصبر على كلامهم غير اللائق ويرجو لهم الخير، وقد كان الخير حقا في دعوته، ولكن الإنسان كثيرا ما يكون عدوّ ما جهل.!
كان يريد لهم الخير والعز والشرف والسعادة في الدنيا والآخرة، وكانوا يريدون لأنفسهم الخسران.!
وكان سادة قومه وكبراؤهم يقودون ضده حملات التشويه والتنفير بكل ما أوتوا من قوة ومال..!
حقا لقد كان أكثر قومه في عماية وغشاوة بسبب كثير من العوامل التي تراكمتْ عليهم، من الانغماس في الحياة الدنيا والغفلة عن حقيقة الوجود، ومن طاعة الكبراء والرؤساء والاستكانة إليهم، ومن الخوف من تغيّر الأوضاع، وحب السلامة والاكتفاء بالحال الموجود...! وكلها أسباب واهية، خسروا بها وضيّعوا فرصتهم، ولو بُعثَ منهم أحدٌ اليوم وسألناه فإننا نتوقع يقيناً أنه سيخبرنا عن حالةٍ لا مثيل لها من الندامة الحسرة..!
وأما سادتهم وكبراؤهم فقدغرّتهم السيادة والرئاسة التي خافوا أن يفقدوها إن هم اتبعوا الحق الذي يدعوهم إليه محمد، واندفعوا في عناد شديد، لكن هل أفادهم ذلك شيئا؟ وها نحن نذكرهم ونذكره ونذكر ما جرى بعد مرور القرون، من الذي بقي وانتصر ومن الذي ذهب خاسرا لا يُـذكر إلا بالخزي واللعن؟!
واستمر محمد صلى الله عليه وسلم في دعوته وتدرج وكان الوحي ينزل عليه شيئا فشيئا ويربّي الناس على الدين الحق المتضمّن لكل رحمة وعدل وإحسان وبرّ حكمة وإصلاح، والذي تألفه النفوس الطيبة، والآمر بكل خير والناهي عن كل شر.. إلى أن يئس من إسلام قومه وتآمروا عليه يريدون قتله، فأمره الله عز وجل بالهجرة، فهاجر إلى بلدة "المدينة" التي بها قبره ومسجده الآن.
كانت تقطن هناك في "المدينة" بعض القبائل العربية التي آمن أفراد منها بمحمد ودعوته أثناء رؤيتهم له وسماعهم كلامه ودعوته في مواسم الحج إلى مكة، فتحمّسوا لنصرته وإعانته من جراء قوة إيمانهم بما دعاهم إليهم من رسالة الله عز وجل، وعرضوا عليه أن يهاجر إليهم في بلدهم لكي يكون عندهم وينصرونهم ويؤونه، ويستطيع من هناك أن ينشر دعوته.
وبالفعل هاجر محمد صلى الله عليه وسلم وأمر كل من يستطيع من أصحابه أن يهاجر، فهاجروا رجالا ونساء وأطفالا في سبيل الدين، لم يكن هناك أي غرض دنيوي ولا شخصي، لا اقتصادي ولا سياسيّ ولا أي شيء غير الدين الذي آمنوا به وعرفوا أنه حقا رسالة الله الذي خلقهم وأوجدهم وأراد منهم أن يعبدوه واختبرهم بهذه الاختبارات في هذه الحياة الدنيا.
لم يكن لتلك القبائل العربية البسيطة مطامح سياسية ولا توسّعية..
ولم يكونوا أهل تمدّن يُـذكر بين مدنيات العالم في ذلك العصر.
ولهذا كانت القناعة بالحقيقة والإيمان بالحق المطلق له تأثير كبير على نفوسهم، فانفعلوا به انفعالا يقول كثير من المؤرخين إنه لا يوجد له مثيل في التاريخ تقريبا إلا في بعض أتباع الرسل السابقين..!
في تلك البلد التي هاجر إليها وبين أولئك القوم من أهلها ومن المهاجرين أقام محمد صلى الله عليه وسلم نواة دولته، وبدأ ينشر دعوته بحرية أكثر، وبدأ ينظم شؤون أتباعه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وشرّع لهم بإذن الله له ووحيه إليه تشريعات أخذت تنحو إلى التكامل بالتدريج حتى تستوعبها حركة الانتقال الحضاري والفكري لدى الناس.
ودخل في حروبٍ مع قومه الأصليين "قريش" الذين أخرجوه من بلدته الأصلية، وانتصر عليهم بقوات قليلة العدد والعدة، وكانت أول معركة كبيرة بينه وبينهم معركة بدر التي لها عند المسلمين وفي تاريخهم شأن أي شأن.
ثم توالت الحروب بينه وبينهم، وهم مجتهدون غاية الاجتهاد في القضاء عليه وعلى دعوته وأتباعه ودولته الناشئة..
إلى أن نصره الله عليهم، واستطاع أن يغلبهم وأن يفتح عاصمتهم وهي بلدته الأصلية التي أخرجوه منها وهي مكة قلب العالم.
وبذلك انتهت الحروب بينه وبين قومه الذين كانوا هم أشرف العرب نسباً وأكثرهم احتراما لأنهم أهل مكة وأهل الكعبة بيت الله العتيق المعظم الذي بناه إبراهيم وإسماعيل.
ومن أثر ذلك أن دخل كل أهل الجزيرة العربية تقريبا في دين محمدٍ صلى الله عليه وسلم وآمنوا به واتبعوه.
أي كل العربِ تقريبا..
فلم يكن هناك عربٌ في ذلك الزمان خارج نطاق هذه المنطقة، وهي شبه جزيرة العرب.
بعدها بدأ محمد صلى الله عليه وسلم يبعث الرسائل إلى ملوك الدول الأخرى يدعوهم إلى الدخول في دين الإسلام، والإيمان بالرسالة التي بعثه الله بها، فبعث إلى ملك مملكة الرومان البيزنطيين، وإلى ملوك مملكة فارس وغيرهما.
توفي محمد صلى الله عليه وسلم في تلك الأثناء، ولم يعش حتى يدخل بنفسه في تعامل كامل إلى النهاية مع هذه الدول الكبرى.
بحسب الأصول والمبادئ التي تنضمنتها شريعة الإسلام التي بُعثَ بها محمد صلى الله عليه وسلم تولى الخلافة أي الرئاسة من بعده -بواسطة الاختيار من قِبل الأعيان- صاحبُه ووزيره أبو بكر الصديق، وكان هو من أول من آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وهو أقرب أصحابه إليه وأحبهم إليه وأعلمهم وأكملهم في الصفات والمؤهلات.
ثم بعده استمرت دولة الإسلام والمسلمين كلما مات خليفة استخلف غيرهُ بالانتخاب، إلى أن حصلت نزاعات وحرب أهلية بين المسلمين انتهت بعد سنين بالمصالحة والسلام، ثم قام أحد الخلفاء بتعيين ابنه من بعده فتحول النظام من تلك اللحظة إلى نظام ملكي وراثي، واستمر على ذلك في معظم فترات تاريخ المسلمين.
وعجلة التاريخ لا تتوقف إلى أن ينتهي أجل الدنيا، فوجدتَ للمسلمين دولٌ إثرَ دول.. كان منها الجيد، ومنها الأقل جودة، منها المتمسك بدين الإسلام وبرسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ومنها المفرط فيها الآخذ منها الاسم وبعض الشعارات فقط دون المضمون الحقيقيّ...وهكذا.
مرت أمة الإسلام بأطوار ومراحل مختلفة في تاريخها من القوة والضعف، في جميع المجالات : السياسية والعسكرية والاقتصادية والحضارية المدنية الفكرية والعلمية وغير ذلك.
كانت قائدة العالم في وقت من الأوقات، ذاقَ العالم في ظل قيادتها طعم العدل والرحمة والإحسان، وهي الصفات الثلاث التي يقول جماعة من المؤرخين المنصفين إنها لم تجتمع في التاريخ كما اجتمعتْ في ظل قيادة الإسلام.!
وكان الصالحون من الخلفاء على نهج الرسول محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ينشرون الإسلام ويدعون إليه ويفتحون بهذا الدين بلاد العالم، كانت فتوحاتهم وتوسعاتهم مثالا فريدا في التاريخ، لم تكن لدوافع اقتصادية ولا سياسية توسّعية للسيطرة ولقضاء الشهوات ولا للانتقام... وإنما كانت لنشر الدين الحق والخير الذي جاءت به رسالة محمدٍ صلى الله عليه وسلم وإيصاله إلى المستضعفين، ثم ترك الحرية لهم في أن يعتنقوه بعد ذلك أو يرفضوه، بعد أن يتحرروا من كل قوة تمنعهم من الاختيار.
ثم ضعفتْ دولة المسلمين وانحدرت بأسباب كثيرة : الغرور، والاغترار بمجرد الأسماء والألقاب والدعاوى، والانغماس في الشهوات... وغير ذلك مما يصيب الأمم من الأمراض..!
ولكنها رغم كل الضعف والانحطاط الذي أصابها، لازلت في مجملها -كأمة- باقية صامدة على نفس المبادئ والأصول والأطر والتشريعات التي جاء بها نبيها محمد صلى الله عليه وسلم.
وهي تشهد اليوم نهضة قوية، بعد أن نشأ فيها مصلحون أقوياء من أبنائها، وبعد أن ذاقت مرارة العدوان والظلم والقهر من بعض الأوروبيين خاصة، وبعد أن تفطّنت لواقعها وحالها وإلى ما حولها من العالم، وأدركت أنها غفلت كثيرا وتخلفت في ميدان سباق الأمم، فجعلت تنفض عن نفسها غبار السنين، وتتململ للقيام والنهوض والعودة إلى المنافسة وإلى القيادة، وقد عرفت أن عزّها وشرفها وقوتها وسعادتها في هذه الحياة وفي الحياة الآخرة هي في التمسك بدينها وما يدعوها إليه دينها من الفضائل والأخلاق والقيم الخيّرة الحميدة.!
محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي...
القرشي الإسماعيلي الإبراهيمي
فهو رجل من العرب من بلدة مكة الواقعة في بلاد شبه جزيرة العرب (معظمها اليوم يقع ضمن حدود الدولة المسماة المملكة العربية السعودية)
مكة هذه يقول كثير من علماء الأرض والفلك والجغرافيا إنها قلب العالم، أو إنها أكثر بقاع الأرض احتمالا لأن تكون قلب الكرة الأرضية.
وهي بلدة صحراوية جبلية..
عاش فيها منذ قديم الزمان الجنس البشري العربي
والعرب كانوا موجودين قبل سيدنا إبراهيم أبي الأنبياء
وكانت لهم قبائل كبيرة مشهورة في التاريخ القديم لها حضارات عريقة وعجيبة.!
يقول المؤرخون إن كل أو الأغلبية الساحقة من تلك القبائل العربية القديمة اندثرت وانقرضت، وإنما العرب الباقون بعدهم إلى اليوم هم قبائل أخرى تعلّمت منهم العربية ومعظمهم من نسل النبي الكريم إسماعيل -أخي إسحاق- بن إبراهيم عليهم السلام.
فيما يسمّى بالشرق الأوسط، وفي قلب العالم، مهد الأنبياء والرسالات، وبالتحديد في شبه جزيرة العرب عاش هؤلاء القوم عيشة بسيطة أقرب ما تكون إلى الطبيعة والعفوية بعيدة إلى حد ما عن تعقيدات التمدّن، لذلك امتازوا باعتدال الطبائع والأمزجة، واتصفوا بصفات رائعة من الصدق والصراحة والوفاء والكرم والسخاء والشجاعة وعزة النفس ورفض الظلم والذل، وبذل المعروف، والتنافس في صفات الرجولة، وتعظيم حق الكلمة والذمة، وقوة الإرادة والعزيمة، وعلو الهمة، والفصاحة والذكاء والاعتناء بالآداب وقوة الحافظة، رغم أنهم لا يعرفون الكتابة.
لابد أنه لحكمةٍ عظيمة كانت هذه المساحة من العالَـم هي محل كل الرسل والرسالات السماوية.!
محمدٌ هذا الرجل الذي هو رجل عظيم عند كل المؤرخين من المسلمين (المؤمنين بنبوته والمتبعين له) وعند غير المسلمين من النصارى واليهود وغيرهم : ولد في سنة 571 بعد ميلاد المسيح عليه السلام، وعاش يتيما ، لأن أباه مات حينما كان هو جنيناً في بطن أمه، ثم ماتت أمه أيضا في وقت مبكر من عمره، وذلك بعد أن بلغ هو ست سنين، فتربّى يتيما في رعاية جده ثم في رعاية عمه بعد موت جده إلى أن صار شاباً يافعا..
وبعد مرور حوالي أربعين سنة على مولده، أي بعد أن صار رجلا كاملا عرف الحياة وجرّبها وتزوج وأنجب وربّى أطفالا وعرف الناس وعرفوه وتكوّنت له في قومه قيمة، كانت هذه القيمة تدور كلها باتفاق جميع المؤرخين على صفات الصدق والأمانة والذكاء وقوة العقل وفصاحة الكلمة وحسن الأخلاق ومكارم السجايا والتشبّع بالفضائل التي يتنافس الرجال العقلاء عادة في تحصيلها والافتخار بها من الكرم والشجاعة ورفض الظلم والضيم والذل ومساعدة المحتاجين والعطف على الضعفاء والخدمة للناس ومساعدتهم ومحبة الخير لهم والبعد عن المعايب والشرور والصفاف المذمومة التي ينفر منها كل العقلاء.
ومع ذلك فقط كان -شأنه شأن الأغلبية الساحقة من أهل زمانه- أميّـا لا يعرف القراءة ولا الكتابة.
بعد بلوغه هذا العمر أعلن أنه قد جاءه الوحيُ من السماء، وأن الله قد أوحى إليه وبعث إليه ملكاً من الملائكة يعلمه الدين والرسالة، وأخبره أن الله اختاره ليكون رسولا للعالمين وأنه خاتم الأنبياء والرسل، لا نبيّ بعده.
وبدأ محمد صلى الله عليه وسلم ينشر دعوته في البداية بشكل سريّ في أصدقائه الموثوقين ومعارفه وأقاربه..
واستجاب له مجموعة من الرجال والنساء من أهل بلدته.
ثم بدأ يتوسّع في دعوته وأعلنها وصرح بها..
فعارضه قومه ووقفوا ضدّه بكل قوة وعناد، وكذبوه ورموه بشتى أنواع التهم..
قالوا ساحر ، وقالوا كذاب، وقالوا مجنون، وقالوا شاعر أديب فصيح يسحر الناس بكلامه، وقالوا أشياء كثيرة فيها تناقض عجيب.!
صبر على تكذيبهم له، وتحمّل إيذاءهم له في شرفه وسمعته وحتى في جسده..! في سبيل نشر دعوة الله التي أمره بتبليغها للناس، ولم تكن الدعوة لتنتشر أبدا إذا لم يصبر عليها صاحبها ولم يبدأ بقومه ولم يصطنعْ منهم أنصارا..
كان يواجه شراسة قومه وعنفهم ضدّه باللين والرفق والعفو الصفح..
هم يؤذونه ويعذبون أصحابه الضعفاء ويسخرون منهم ويستهزئون بهم ويقاطعونهم ويحاصرونهم... وهو مستمر في دعوتهم إلى الخير ويشرح لهم الرسالة التي بعثه الله بها، ويذكرهم بها ليل نهار وبكل الطرق والوسائل المتاحة، ويصبر على كلامهم غير اللائق ويرجو لهم الخير، وقد كان الخير حقا في دعوته، ولكن الإنسان كثيرا ما يكون عدوّ ما جهل.!
كان يريد لهم الخير والعز والشرف والسعادة في الدنيا والآخرة، وكانوا يريدون لأنفسهم الخسران.!
وكان سادة قومه وكبراؤهم يقودون ضده حملات التشويه والتنفير بكل ما أوتوا من قوة ومال..!
حقا لقد كان أكثر قومه في عماية وغشاوة بسبب كثير من العوامل التي تراكمتْ عليهم، من الانغماس في الحياة الدنيا والغفلة عن حقيقة الوجود، ومن طاعة الكبراء والرؤساء والاستكانة إليهم، ومن الخوف من تغيّر الأوضاع، وحب السلامة والاكتفاء بالحال الموجود...! وكلها أسباب واهية، خسروا بها وضيّعوا فرصتهم، ولو بُعثَ منهم أحدٌ اليوم وسألناه فإننا نتوقع يقيناً أنه سيخبرنا عن حالةٍ لا مثيل لها من الندامة الحسرة..!
وأما سادتهم وكبراؤهم فقدغرّتهم السيادة والرئاسة التي خافوا أن يفقدوها إن هم اتبعوا الحق الذي يدعوهم إليه محمد، واندفعوا في عناد شديد، لكن هل أفادهم ذلك شيئا؟ وها نحن نذكرهم ونذكره ونذكر ما جرى بعد مرور القرون، من الذي بقي وانتصر ومن الذي ذهب خاسرا لا يُـذكر إلا بالخزي واللعن؟!
واستمر محمد صلى الله عليه وسلم في دعوته وتدرج وكان الوحي ينزل عليه شيئا فشيئا ويربّي الناس على الدين الحق المتضمّن لكل رحمة وعدل وإحسان وبرّ حكمة وإصلاح، والذي تألفه النفوس الطيبة، والآمر بكل خير والناهي عن كل شر.. إلى أن يئس من إسلام قومه وتآمروا عليه يريدون قتله، فأمره الله عز وجل بالهجرة، فهاجر إلى بلدة "المدينة" التي بها قبره ومسجده الآن.
كانت تقطن هناك في "المدينة" بعض القبائل العربية التي آمن أفراد منها بمحمد ودعوته أثناء رؤيتهم له وسماعهم كلامه ودعوته في مواسم الحج إلى مكة، فتحمّسوا لنصرته وإعانته من جراء قوة إيمانهم بما دعاهم إليهم من رسالة الله عز وجل، وعرضوا عليه أن يهاجر إليهم في بلدهم لكي يكون عندهم وينصرونهم ويؤونه، ويستطيع من هناك أن ينشر دعوته.
وبالفعل هاجر محمد صلى الله عليه وسلم وأمر كل من يستطيع من أصحابه أن يهاجر، فهاجروا رجالا ونساء وأطفالا في سبيل الدين، لم يكن هناك أي غرض دنيوي ولا شخصي، لا اقتصادي ولا سياسيّ ولا أي شيء غير الدين الذي آمنوا به وعرفوا أنه حقا رسالة الله الذي خلقهم وأوجدهم وأراد منهم أن يعبدوه واختبرهم بهذه الاختبارات في هذه الحياة الدنيا.
لم يكن لتلك القبائل العربية البسيطة مطامح سياسية ولا توسّعية..
ولم يكونوا أهل تمدّن يُـذكر بين مدنيات العالم في ذلك العصر.
ولهذا كانت القناعة بالحقيقة والإيمان بالحق المطلق له تأثير كبير على نفوسهم، فانفعلوا به انفعالا يقول كثير من المؤرخين إنه لا يوجد له مثيل في التاريخ تقريبا إلا في بعض أتباع الرسل السابقين..!
في تلك البلد التي هاجر إليها وبين أولئك القوم من أهلها ومن المهاجرين أقام محمد صلى الله عليه وسلم نواة دولته، وبدأ ينشر دعوته بحرية أكثر، وبدأ ينظم شؤون أتباعه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وشرّع لهم بإذن الله له ووحيه إليه تشريعات أخذت تنحو إلى التكامل بالتدريج حتى تستوعبها حركة الانتقال الحضاري والفكري لدى الناس.
ودخل في حروبٍ مع قومه الأصليين "قريش" الذين أخرجوه من بلدته الأصلية، وانتصر عليهم بقوات قليلة العدد والعدة، وكانت أول معركة كبيرة بينه وبينهم معركة بدر التي لها عند المسلمين وفي تاريخهم شأن أي شأن.
ثم توالت الحروب بينه وبينهم، وهم مجتهدون غاية الاجتهاد في القضاء عليه وعلى دعوته وأتباعه ودولته الناشئة..
إلى أن نصره الله عليهم، واستطاع أن يغلبهم وأن يفتح عاصمتهم وهي بلدته الأصلية التي أخرجوه منها وهي مكة قلب العالم.
وبذلك انتهت الحروب بينه وبين قومه الذين كانوا هم أشرف العرب نسباً وأكثرهم احتراما لأنهم أهل مكة وأهل الكعبة بيت الله العتيق المعظم الذي بناه إبراهيم وإسماعيل.
ومن أثر ذلك أن دخل كل أهل الجزيرة العربية تقريبا في دين محمدٍ صلى الله عليه وسلم وآمنوا به واتبعوه.
أي كل العربِ تقريبا..
فلم يكن هناك عربٌ في ذلك الزمان خارج نطاق هذه المنطقة، وهي شبه جزيرة العرب.
بعدها بدأ محمد صلى الله عليه وسلم يبعث الرسائل إلى ملوك الدول الأخرى يدعوهم إلى الدخول في دين الإسلام، والإيمان بالرسالة التي بعثه الله بها، فبعث إلى ملك مملكة الرومان البيزنطيين، وإلى ملوك مملكة فارس وغيرهما.
توفي محمد صلى الله عليه وسلم في تلك الأثناء، ولم يعش حتى يدخل بنفسه في تعامل كامل إلى النهاية مع هذه الدول الكبرى.
بحسب الأصول والمبادئ التي تنضمنتها شريعة الإسلام التي بُعثَ بها محمد صلى الله عليه وسلم تولى الخلافة أي الرئاسة من بعده -بواسطة الاختيار من قِبل الأعيان- صاحبُه ووزيره أبو بكر الصديق، وكان هو من أول من آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وهو أقرب أصحابه إليه وأحبهم إليه وأعلمهم وأكملهم في الصفات والمؤهلات.
ثم بعده استمرت دولة الإسلام والمسلمين كلما مات خليفة استخلف غيرهُ بالانتخاب، إلى أن حصلت نزاعات وحرب أهلية بين المسلمين انتهت بعد سنين بالمصالحة والسلام، ثم قام أحد الخلفاء بتعيين ابنه من بعده فتحول النظام من تلك اللحظة إلى نظام ملكي وراثي، واستمر على ذلك في معظم فترات تاريخ المسلمين.
وعجلة التاريخ لا تتوقف إلى أن ينتهي أجل الدنيا، فوجدتَ للمسلمين دولٌ إثرَ دول.. كان منها الجيد، ومنها الأقل جودة، منها المتمسك بدين الإسلام وبرسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ومنها المفرط فيها الآخذ منها الاسم وبعض الشعارات فقط دون المضمون الحقيقيّ...وهكذا.
مرت أمة الإسلام بأطوار ومراحل مختلفة في تاريخها من القوة والضعف، في جميع المجالات : السياسية والعسكرية والاقتصادية والحضارية المدنية الفكرية والعلمية وغير ذلك.
كانت قائدة العالم في وقت من الأوقات، ذاقَ العالم في ظل قيادتها طعم العدل والرحمة والإحسان، وهي الصفات الثلاث التي يقول جماعة من المؤرخين المنصفين إنها لم تجتمع في التاريخ كما اجتمعتْ في ظل قيادة الإسلام.!
وكان الصالحون من الخلفاء على نهج الرسول محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ينشرون الإسلام ويدعون إليه ويفتحون بهذا الدين بلاد العالم، كانت فتوحاتهم وتوسعاتهم مثالا فريدا في التاريخ، لم تكن لدوافع اقتصادية ولا سياسية توسّعية للسيطرة ولقضاء الشهوات ولا للانتقام... وإنما كانت لنشر الدين الحق والخير الذي جاءت به رسالة محمدٍ صلى الله عليه وسلم وإيصاله إلى المستضعفين، ثم ترك الحرية لهم في أن يعتنقوه بعد ذلك أو يرفضوه، بعد أن يتحرروا من كل قوة تمنعهم من الاختيار.
ثم ضعفتْ دولة المسلمين وانحدرت بأسباب كثيرة : الغرور، والاغترار بمجرد الأسماء والألقاب والدعاوى، والانغماس في الشهوات... وغير ذلك مما يصيب الأمم من الأمراض..!
ولكنها رغم كل الضعف والانحطاط الذي أصابها، لازلت في مجملها -كأمة- باقية صامدة على نفس المبادئ والأصول والأطر والتشريعات التي جاء بها نبيها محمد صلى الله عليه وسلم.
وهي تشهد اليوم نهضة قوية، بعد أن نشأ فيها مصلحون أقوياء من أبنائها، وبعد أن ذاقت مرارة العدوان والظلم والقهر من بعض الأوروبيين خاصة، وبعد أن تفطّنت لواقعها وحالها وإلى ما حولها من العالم، وأدركت أنها غفلت كثيرا وتخلفت في ميدان سباق الأمم، فجعلت تنفض عن نفسها غبار السنين، وتتململ للقيام والنهوض والعودة إلى المنافسة وإلى القيادة، وقد عرفت أن عزّها وشرفها وقوتها وسعادتها في هذه الحياة وفي الحياة الآخرة هي في التمسك بدينها وما يدعوها إليه دينها من الفضائل والأخلاق والقيم الخيّرة الحميدة.!