المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في ذكرى استشهادك



أبو محمد القلموني
27-08-2007, 11:35 AM
في ذكرى إستشهادك أيها العملاق أستميحك عذرا وأرجوك بإلحاح أن تغفر صفاقتي ! سأغمس ريشتي في حبر تافه لأكتب عنك ! أنت الذي لم تغمس ريشتك يوما في غير الدم و لم تسطر يوما واحدا كلمة لم تتغذى من لحمك ! لذلك كله أنت اليوم حي بيننا ، تعيش في علياء الجنان وتخرج أنفاسك الحرة حرة تدفئ قلوبنا و أرواحنا في زمن الجليد !

ها هي ذكراك الواحدة و الأربعون تمر وأنت متكئ هناك في الظلال إلى جذع نخلة ، الحور من حولك تصدح بنشيد التوحيد ، وعيناك الساحرتان ترمقان بلهفة أفق الجنان تبحثان عبثا عن طيف الزاوية التي حبست فيها تلك الليلة ! حيث دماؤك السخية الزكية النابضة بالأريج الثائرة على النتن!

في تلك الليلة كنت تقرأ في سجل أيامك ، تكتب فيه آخر سطورك و تطويه في هدوء بسبابتك الطاهرة و ابتسامتك الآسرة ، مستفزا وإلى اليوم عشاق النتن الثائرين على الطهر !

ذكراك أيها الشهيد عبق يطهر خواطرنا ولو لبعض الوقت ، قبل أن ترتد سريعا إلى مستنقعها الراكد الحامل للخبث !

في ذكراك أمل جديد نقتبسه من طيف ابتسامتك الهازئة بالأهوال ، نودعه مهجنا و نستنزل به جود عطايانا وتضحياتنا ! ألست أنت من بذل نفسه رخيصة لئلا يتحكم هؤلاء العبيد برقابنا ؟! فأسقطت بالدم مذاهب العهر و العربدة ، لترتفع رايات النقاء و الصفاء تخفق حيث لا يتوقعها أحد ! تخرج من الجبال و الوديان و الأقاصي و المؤسسات و المدن ، تباغت الماكرين المستكبرين ، تصفعهم ، تلتف حول أعناقهم لتستنزف حسراتهم و تخنقهم بها !

في ذكراك تهز الحروف أرواحنا كما لم تهزها من قبل ، فيتساقط رطبها جنيا نديا يطفئ ظمأ هواجرنا !

ذكراك أيها الشهيد ذاكرة لموحد عارف يتطلع كل يوم إلى السماء بشوق جارف !


ماذا عساي أقول و قد قلت أنت كل شيء وإسترحت هناك في العلياء ترمقنا بصمتك المهيب ! ليت شعري إذا تحدثت فأنت متدفق و إذا صمتت فأنت هادر ! فأين المفر؟!


ما هذا السحر الذي يكتسح شواطئ عينين تغمرهما الدموع العابقة؟ وأي أفق واسع يبدو للواقفين على صخوره يتطلعون بعشق إلى أطرافه المترامية؟!
تبحر المعاني في صفحة مقلتيك لتنصب بلا برزخ بين دفتي كتبك ، فنتعلق بها خوفا من الغرق في زمن العواصف الهائجة!

قل لي أيها الشهيد من أنت؟ عرفتك منذ صغري أتفيأ ظلالك و أسترشد بمعالمك. و أستمتع بخصائصك و مقوماتك. لكنني أحس أنني لازلت أجهل من ذاتك الكثير ! ربما كنت أنت السبب يوم حرصت على أن يكون قلمك نجما لا يدل عليك!
فإني كنت كلما اقتربت من دروب كلماتك ، أبتعد بها عن تضاريس شخصيتك أكثر. فهل هو درس آخر من دروس التجرد تمليه للواقفين عند شواطئ عينيك؟!

في ذكراك تطوي الكلمات أجنحتها ، تصطف على أعواد الصمت تنتظر بيانك الساحر! فماذا أنت قائل؟!
أم تراك ستصمت اليوم فتتركنا لتداعيات سطورك الملتهبة تفعل فعلها في نفوسنا! هكذا هو صمتك بين الكلمات و هكذا أنت اليوم في ذكرى رحيلك!

نادرة هي تلك الرسائل التي تخلع مع كل سطر فيها قطعة من رداء ألفاظها السابغ ، تكشف جديدا من جسد معانيها البض المكتنز . تدغدغ ذكورة عزائمنا ، تضرم في داخلنا الحرائق و تسكرنا برائحة فائحة منبعثة من ثناياها !
هذا هو الفارق حقا بين كلماتك الصادقة الجريئة ، الكاسية العارية ، وبين غيرها من الكلمات التي تأخذ برخصة الجلباب!

نعاهدك يا عاشق التوحيد أن نبقى حيث تكون كلماتك ، نرتعش بها و ندور معها ، و نغرف من بيانك لنرمي به في وجوه القوم ، نطهر بنار العشق نجاساتهم و نؤسس لاستخلاف المستضعفين!

أبو محمد القلموني
27-08-2007, 11:43 AM
بسبب خلل تقني فقدنا الموضوع و المداخلات التي تبعته.
سألت عن الشخصية المقصودة بهذه الكلمات ، فأجاب أحد الإخوة بالجواب الصحيح الذي هو : الاستاذ الشهيد سيد قطب رحمه الله.

ثم سألت عن تاريخ استشهاده فأصابت الأخت نادين الجواب لما عينته بتاريخ :29-08-2007 .

و سألت سؤالا بقي دون جواب صحيح حتى الآن ، فأعيده هنا:

هل فيكم من يستطيع أن يأتيني بنص لسيد رحمه الله يشير بوضوح و بتصريح لا غموض فيه إلى ما عنيته لما قلت : (ربما كنت أنت السبب يوم حرصت على أن يكون قلمك نجما لا يدل عليك ) ؟

habouleh
27-08-2007, 02:21 PM
هيك صعبتها:rolleyes:

فشلان
27-08-2007, 02:58 PM
هيك صعبتها:rolleyes:


اسمك حلو كتير :eek: :eek: :eek:

habouleh
28-08-2007, 11:12 AM
مرسي خجلتني ولو:p

أبو حسن
30-08-2007, 10:25 AM
ثم سألت عن تاريخ استشهاده فأصابت الأخت نادين الجواب لما عينته بتاريخ :29-08-2007 .


1966 وليس 2007




و سألت سؤالا بقي دون جواب صحيح حتى الآن ، فأعيده هنا:

هل فيكم من يستطيع أن يأتيني بنص لسيد رحمه الله يشير بوضوح و بتصريح لا غموض فيه إلى ما عنيته لما قلت : (ربما كنت أنت السبب يوم حرصت على أن يكون قلمك نجما لا يدل عليك) ؟

تفضل هذا النص لعله هو المقصود :


إننا نحن إن " نحتكر " أفكارنا وعقائدنا، ونغضب حين ينتحلها الآخرون لأنفسهم، ونجتهد في توكيد نسبتها إلينا، وعدوان الآخرين عليها! إننا إنما نصنع ذلك كله، حين لا يكون إيماننا بهذه الأفكار والعقائد كبيرا، حين لا تكون منبثقة من أعماقنا كما لو كانت بغير إرادة منا حين لا تكون هي ذاتها أحب إلينا من ذواتنا !

إن الفرح الصافي هو الثمرة الطبيعية لأن نرى أفكارنا وعقائدنا ملكا للآخرين، و نحن بعد أحياء. إن مجرد تصورنا لها أنها ستصبح – و لو بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض- زادا للآخرين وريا، ليكفى لأن تفيض قلوبنا بالرضى والسعادة والاطمئنان!

"التجار" وحدهم هم الذين يحرصون على "العلامات التجارية" لبضائعهم كي لا يستغلها الآخرون ويسلبوهم حقهم من الربح، أما المفكرون و أصحاب العقائد فكل سعادتهم في أن يتقاسم الناس أفكارهم وعقائدهم ويؤمنوا بها إلى حد أن ينسبوها لأنفسهم لا إلى أصحابها الأولين !..

إنهم لا يعتقدون أنهم "أصحاب" هذه الأفكار والعقائد، وإنما هم مجرد "وسطاء" في نقلها وترجمتها.. إنهم يحسون أن النبع الذي يستمدون منه ليس من خلقهم، ولا من صنع أيديهم. وكل فرحهم المقدس إنما هو ثمرة اطمئنانهم إلى أنهم على اتصال بهذا النبع الأصيل !..

أبو محمد القلموني
30-08-2007, 01:31 PM
جزاك الله خيرا على تصحيح خطأ غير متعمد عثر به قلمي . والحق أن الأخت نادين لما أجابت بالجواب الصحيح على سؤالنا عن تاريخ الإستشهاد ذكرت السنة الصحيحة في مشاركتها.

بالنسبة للنص المطلوب الإتيان به فقد كنت أوضحته في ما مضى ، لكن توضيحي ذهب في جملة مشاركات ومواضيع عديدة فقدناها لما وقعت المشكلة التقنية قبل أيام!

فهو ذلك النص الذي يدعو فيه صراحة إلى طرح أحد أهم كتبه جانبا و استبداله بالقرآن مباشرة ! ومقصود الاستاذ طبعا واضح هنا فهو يعني أن تستعين بما كتب ليصلك بالقرآن وليس ليكون ما كتبه هو المقصد و الهدف . وهذا منه كلام في غاية الدقة و مؤشر واضح بين على نية مخلصة و تجرد منقطع النظير كان يتحلى به شهيدنا الغالي.

فلا أظن هذا النص يغيب عن مثلكم يا أخي أبا الحسن :)

أبو محمد القلموني
06-09-2007, 11:53 AM
( وإني لأهيب بقراء هذه الظلال ألا تكون هي هدفهم من الكتاب ، إنما يقرءونها ليَدْنوا من القرآن ذاته ، ثم ليتناولوه عند ذلك في حقيقته ، ويطرحوا عنهم هذه الظلال . وهم لن يتناولوه في حقيقته إلا إذا وقفوا حياتهم كلها على تحقيق مدلولاته وعلى خوض المعركة مع الجاهلية باسمه وتحت رايته ) الظلال.

هذا هو النص الذي سألت عنه . هل رأيتم كيف ينضح بالصدق و يطفح بالإخلاص ؟ عزيزة حقا هي الأقلام التي تنهج نهجك يا شهيدنا الغالي.

كتابنا اليوم في وادي المغانم القريبة التافهة يحرسون القطيع بأقلامهم ، يحصونه بحرص فاضح كل لحظة ! و يستعينون على حفظه وكنزه بالكلاب النابحة اللاهثة فوق أوراقهم ، تنجسها بما لا يطهره ماء البحر!

أبو محمد القلموني
29-08-2008, 12:40 PM
اليوم يصادف الذكرى الثانية و الأربعين لاستشهاد الأستاذ الكبير سيد قطب رحمه الله تعالى. وبهذه المناسبة أرفع هذا المقال و أنقله إلى موضعه الصحيح. وأغتنم الفرصة لأوجه الدعوة إلى من لم يقرأ كتابه "معالم في الطريق" أن يقرأه . فهذا الكتاب يعده البعض السبب الحقيقي و الدافع الرئيسي الذي جعل الطاغية يحكم عليه بالإعدام. ولتكن هذه القراءة قراءة متأنية و فاحصة و شاملة للكتاب كله بجميع فصوله احترازا من الوقوع في سوء الفهم كما جرى مع أقوام حملوا ألفاظه ما لا تحتمله في سياقها و لا في فكر كاتبها الشهيد رحمه الله تعالى!

نور
02-09-2008, 12:54 PM
محمود الجوهري يروي ذكرياته مع سيد قطب ومالك بن نبي
http://www.ikhwanonline.com/ramadan/Photos/ikh11(4).jpg
المهندس محمود الجوهري
- الشهيد خطب بنات شقيقته سرًّا "لإخوان محكوم عليهم بالمؤبد"
- المفكر الكبير مالك بن نبي كان على علاقة وطيدة بالإخوان المسلمين

حوار: يوسف أحمد
لا شك أن شهيد القرآن والفكر والأدب العلاَّمة سيد قطب ترك تراثًا ذاخرًا، بلغ آفاقًا لم يصل إليها أحد من نظراء عصره، وتعرَّض رحمه الله للظلم حيًّا وميتًا؛ فبعد حادثة استشهاده التي روَّعت الأمة وهزَّت القلوب وأرهبت العقول؛ ما زالت ألسنة الظلم والطغيان تكيل الاتهامات لهذه القمة الشامخة، وتوجه إليها السهام السوداء، ورغم كل ذلك ظل اسم سيد قطب رحمه الله علمًا على الفكر والأدب والثبات على المبادئ حتى النهاية.

المهندس محمود الجوهري أحد تلاميذ الشهيد سيد قطب وممن عاصروه وعايشوا أفكاره؛ حيث سُجِن قرابة ثماني سنوات، وتعرَّض لأبشع أنواع التعذيب داخل السجن الحربي، تحدث إلى (إخوان أون لاين) حول ملامح شخصية الشهيد سيد قطب وما قدمه وما تعرَّض إليه من تشويه، وما طال تلميذه الذي آثر الآخرة على الدنيا في السطور التالية:
* في البداية.. كيف تعرفتم على شخصية الشهيد سيد قطب؟ وما علاقتكم به؟
** كان والدي مريضًا ونُقِلَ إلى مستشفى قصر العيني في غرفة خاصة بتوصية من أستاذ الأمراض الباطنية؛ لأن أخي وقتها كان طبيب "امتياز" في المستشفى، وكان قد طلب الطبيب المعالج من أخي الدكتور أحمد أن يكون والدنا تحت رعايته في قسم الأمراض الباطنية التي يشرف عليها.

في هذه الأوقات كان الشهيد سيد قطب يعاني من أمراض ألمَّت به ونُقِلَ على إثرها إلى مستشفى قصر العيني، وكان ضابط المباحث يريد غرفةً خاصةً للشهيد، حتى يفصله عن باقي المرضى، ولم تكن هناك غرفة سوى التي كان فيها والدي، وعندما أراد إخراج والدي، قال له رئيس القسم إنه والد لأحد الأطباء في المستشفى، فارتضى الضابط أن يكون الشهيد مع والدي في نفس الغرفة، ومن هنا كانت العلاقة والتي تطورت بعد ذلك.

أما عن حدود علاقتي بالشهيد فكانت علاقة الأب بابنه.. علاقة أبوية؛ فكانت أفكاره وما زالت تكبر بداخلي يومًا بعد يوم.

* هل سبق ذلك قراءة لكتاباته الكثيرة في ذلك الوقت؟
** في الحقيقة.. بداية تعرفي على الشهيد كانت قبل ذلك بكثير من خلال قراءتي عنه، وأنا عمومًا لم أتعرَّف إلى الإخوان إلا من خلال كتبهم؛ فقد كانت فترة صباي من أصعب الفترات التي مرت على الجماعة، وقتها كان يتم تعذيب كل الإخوان في السجون، وقتها بحثت عن كتب سيد قطب وكتب الشيخ الغزالي، وبخاصة كتاب "خلق المسلم" والذي يُعدُّ من أوائل الكتب التي قرأتها.

* ماذا تتذكر عن أول حوار كان بينك وبين الشهيد سيد قطب؟
** كان أول حوار بيني وبينه في المستشفى عندما ذهبت إليه، لآخذ رأيه في تفسير معنى آية من سورة النحل، يقول الله عز وجل ﴿وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94)﴾ (النحل)، فقلت للشهيد وقتها: أرى أن الله عز وجل يجعل الغدر في مرتبة الصد عن سبيل الله؛ فرد عليَّ الشهيد: هو ذاك.

* إجابته كانت مختصرةً وموجزةً للغاية، رغم ما يُعرف عن أفكاره وتفسيره لمعاني القرآن في ظلاله؛ حيث يميل الشهيد إلى الحديث المطول..
** هذه حقيقة.. عندما يكتب الشهيد فإنه يكتب باستفاضة كبيرة، ولكن عندما يتكلم فإنه يوجز أشد الإيجاز، ولأن الموقف نفسه ربما لم يحتج إلى تعليق، فاكتفى بعبارته المشار إليها.

* ما ذكرياتك مع الشهيد سيد قطب؟
** أتذكر أن والدتي جاءتني ذات مرة وقالت لي لقد وجدت عروستك، وأشارت عليَّ بابنة أخت الشهيد سيد قطب وكانت تسمى "حميدة"، وذهبنا معًا لرؤيتها وقابلنا بالفعل الشهيد سيد قطب؛ فقال لي إن البنات مخطوبات "سرًّا" لإخوة داخل السجون حُكِمَ عليهم بعشر سنوات وأكثر، وهناك من دخل السجن ولا يعلم وقت خروجه.

* ما العلامات البارزة في شخصية الشهيد سيد قطب؟
** كثيرة هي الصفات التي تميِّز شخصية الشهيد سيد قطب؛ فكان تفكيره عميقًا جدًّا وإذا أراد أحد أن يتمثل صفاته فعليه بهذه الصفة الرفيعة؛ فالمسلمون يحتاجون إليها كثيرًّا.

* ماذا تتذكر لصاحب (الظلال) من مقولات سمعت بها؟
** أتذكَّر له في تعريفه للمال معنى في غاية الجمال؛ فعندما سُئِلَ عن تعريفه للمال قال إنه وسيلة أو وعاء "اختزان الجهد"، فسبق بهذا المعنى من تخصصوا في الاقتصاد.


سيد قطب

* ما هو السبب الحقيقي وراء تشويه صورته لدى كثير من وسائل الإعلام؟
** لا شك أن الشهيد سيد قطب تعرَّض لتشويه ربما يكون متعمَّدًا، ولكن القدر الأكبر وراء تشويه هذه الصورة كان لجهل من سعوا لتشويهه، أو تعرَّضوا لأفكاره بهذا الشكل المتطرف.

* هل تتذكر مواقف شخصية بينك وبين الشهيد سيد قطب؟
** أتذكر أنه أنقذني من ضرب كنت أتعرَّض له بعد تجرُّئي على الخطابة في المسجد القريب من بيتي؛ لأنني لم أستأذن وقتها عامل المسجد، وكان هذا تقليدًا متبعًا؛ حيث وجدت سيد قطب يستقبلني بعد الانتهاء من الخطبة ويسلِّم عليَّ ويُخرجني من بين الصفوف منقذًا إياي من الضرب المبرح.

* تعدَّدت الجوانب الشخصية لدى الشهيد، فعرفناه مفكرًا وأديبًا وشاعرًا وإنسانًا، ما هو الجانب الأبرز في شخصيته من كل هذه الجوانب؟
** كل هذه الجوانب أراها مجتمعةً في شخصية الشهيد، فأنا لم أعرفه إلا كذلك، وما زلت أعرفه إنسانًا رغم وفاته، كما أراه أديبًا فحلاً، كما أراه مفكرًا وشاعرًا.

* اختلف الكثيرون في شخصية الشهيد سيد قطب؛ فالبعض عدَّه أحد الأقطاب الملهمة للفكر المتطرف، فيما عده البعض الآخر منظرًا لم تنجبه الأمة!.
** الذي يعتبره ملهمًا للفكر المتطرف لم يقرأ عنه، ومن قرأ عنه واعتمد هذا الرأي عنه، فهو لا يعرف شيئًا، وأدعوه أن يعود القراءة له مرةً أخرى، فسيد قطب لم يكن ليكفِّر أحدًا قبل ذلك، فكان فكره وسطيًّا معتدلاً أدبيًّا، ربما تأثر قليلاً بالوضع الذي كان موجودًا فيه حيث التعذيب والسجون، ولكنه كان معبرًا ومفسرًا عن أفكار صحيحة.

* ما شكل العلاقة بينك وبين الشهيد سيد قطب، وهل كانت هذه العلاقة الوحيدة في حياتك أم كانت لك علاقات أخرى بشخصيات فكرية؟
** علاقتي بالشهيد كما ذكرت لك كانت علاقة بنوة وأبوة، فرباط هذه العلاقة كان من خلال الأفكار التي كنا نؤمن بها سويًّا، أما عن وجود علاقات أخرى في حياتي، فكانت علاقتي بمالك بن نبي لا تقل عن علاقتي بالشهيد سيد قطب، وقد عرض وزوجته عليَّ الزواج من ابنتهما، وكانا لا ينجبان، وعندما سألت من تكون هذه العروس، قالوا لي ابنة أحد الشهداء، فقد كان بن نبي يعتبر أبناء الشهداء وبناتهم أبناءً له.

* ترى مَن من الدعاة والمفكرين يشبه الشهيد سيد قطب في صفاته وخصاله؟
** الشهيد عبد القادر عودة من أكثر الشخصيات التي أرى لها شبهًا مع الشهيد سيد قطب، فعندما جاءت له قضية متهَم فيها بعض من شباب الإخوان؛ عكف على دراستها وانتهى بعد هذه الدراسة بحكم قضى فيه بالبراءة على هؤلاء الشباب، وقال في حيثيات الحكم إن هذا الشباب من خيرة أبناء الأمة على الإطلاق.
وبعد نطقه بالحكم اتصل بأسرته قائلاً لهم إنه سوف يسافر إلى القاهرة ولن يعود للبيت هذه الليلة، وذهب كي يقابل الشهيد حسن البنا لمبايعته، وقد كان، واستُشهد بعد ذلك، فخصالهما واحدة والشبه قريب بينهما.

الإمام حسن البنا



* وهل لمالك بن نبي علاقة بالإخوان آنذاك؟
** كانت علاقة مالك بن نبي بالإخوان علاقةً قويةً للغاية، وكان يتصل بي هاتفيًّا، كلما نزل القاهرة، كما كان من أحد محرِّكي الثورة الجزائرية، وكان من رعاة أبناء الشهداء، فكان بحق مجاهدًا ومناضلاً.

* هل عاصرتم الإمام الشهيد حسن البنا؟
** أنا لم أعاصر الإمام الشهيد حسن البنا، ولكنني عاصرت الذين عاصروه، وتربيت على موائد محبيه، الذين أخلصوا له ولفكرته التي حملها، وكان الشهيد سيد قطب أحد أبرز هؤلاء المخلصين الذين تربوا على يديه.

* ما أهم الشخصيات التي التقيت بها داخل السجن الحربي؟
** التقيت بكل العارفين بالله، فكان في صحبتنا الأستاذ المرشد الحالي محمد مهدي عاكف والسابق المستشار محمد المأمون الهضيبي والأسبق المستشار حسن الهضيبي، كما كان في صحبتي أيضًا داخل السجن الدكتور محمود عزت، وأتذكر من العارفين لله أيضًا الشيخ الغزالي خليل عيد والد الشاعر الإسلامي عصام الغزالي، ولا أكون مبالغًا إذا قلت إنني لم أجد في مصر من يعرفه، كما أنني لم أجد في دول الخليج ما لا يعرفه.

* هل تتذكر أول يوم تم اعتقالك فيه؟
** نعم.. أول يوم تم اعتقالي فيه كان يوم 8/11/1965م، وكنت وقتها مطلوبًا للاعتقال قبل هذا الموعد بشهرين، ولكن شاء الله أن يكون اعتقالي في هذا التاريخ، وخرجت من السجن الحربي يوم 16/10/1971، ومما أتذكره من مفارقات عند خروجنا، كان يأتي للسجن كشف خروج كل فترة، في بعض الأوقات كانت متقاربة، وفي بعض الأوقات كانت متباعدة، وجاء ذات ليلة كشف خروج في منتصف الليل باسم واحد طلب خروج الشيخ الغزالي خليل عيد؛ فرفض الخروج، وقال لهم من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ألا يعود الغائب عن أهله في منتصف الليل، وطلب أن يخرج في النهار فهدَّدوه بإعادة الاعتقال ثانية، فرفض الخروج، وبعد اتصالات بوزير الداخلية آنذاك، تم تنفيذ رغبة الشيخ المعتقل؛ حيث تم عزله عن بقية المعتقلين، حتى لا يقوموا بإرسال خطابات لأسرهم من خلاله، وخرج فعلاً نهار اليوم التالي.

ومن المواقف العجيبة والغريبة في ذلك أن نفس الشيخ تم اعتقاله تحت مسمى نشاط معادٍ وليس "إخوان مسلمين"، فلم يكن له ملف داخل القاهرة، وكان نشاطه في القرية التي كانت ينتمي إليها في المنصورة، وكانت تقريبًا تهم النشاط المعادي لا تأخذ إلا أحكامًا مخففة، ورغم ذلك طلب الشيخ من الضباط أن ينقلوه إلى عنبر الإخوان المسلمين؛ لأنه كان لا يطيق الجلوس مع الشيوعيين في عنابر "النشاط المعادي"، رغم أن ذلك سوف يكلفه المكث في السجن لأجل غير مسمى، وربما ينتهي ذلك باستشهاده، إلا أنه آثر أن يكون في العنبر الذي يوجد فيه إخوانه.

* ماذا عن أهم مفارقاتك داخل السجن؟
** أتذكر يوم خروجي من السجن وقف الأخ أمين البسيوني، والذي كانت تستعين به الإدارة في مناداة أسماء المفرج عنهم، وقتها كان يستبشر الجميع بسماع صوت هذا الأخ، فأخذ ينادي على الإفراج في حق محمد قطب إبراهيم "شقيق الشهيد سيد قطب"، والمرشد الثاني للجماعة حسن إسماعيل الهضيبي، فجاء أخ يسمى عناني وكان صوته منخفضًا بعض الشيء، وطلب من أمين أن يستأذن الضابط لينادي مكانه، وكان عناني يعمل في الخدمة، فيعرف أعداد الموجودين جميعًا في العنبر، فنظر في الكشف وعندما وجد أعداد المطلوب الإفراج عنهم 118 وكل الموجودين في العنبر نفس العدد، قال بصوت عالٍ أجشّ: إفراج للجميع، دون أن ينادي على أحد باسمه.

* ماذا تتذكر عن مرحلة اعتقالك؟ وما هي التهم التي كانت توجَّه إليكم؟
** أول ما اعتقلونا كان في سجن شمال، وكانت زنازين تحت الأرض، وقد جسَّد ذلك أحد المعتقلين معنا ويسمى أحمد رائف، ولك أن تتخيل أن أحمد رائف نفسه اعتُقل في "رؤيا"؛ حيث كان يجلس على مقهى فقيل له من قبل أحد معارفه، أنا شفت اليوم في "رؤيا" أنك رئيس جمهورية، وعلى إثرها تم اعتقاله واعتقال كل من له صلة بأحمد رائف، كما اعتقل آخرون في نكتة "دعابة".

* كيف استقبلت اعتقالك؟ وكيف تعايشت مع هذا الجو المشحون؟
** استقبلت اعتقالي برضا من الله عز وجل ويقين بأن هذه الدعوة حتمًا سوف يكون لها النصر، كما أتذكر أن أول كلمة قالها المحقِّق وقتذاك: إنك معتقل مدى الحياة، فردَدت عليه قائلاً له مدى الحياة، تقصد حياتي ولا حياة عبد الناصر، ولا حياة من بالضبط؟!

* البعض يروي أنك كنت تقوم بالترويح عن المعتقلين من خلال أعمال فنية؟
** هذا صحيح.. وأتذكر أيام ماتت فيه ابنة أخ من المعتقلين وكان يسمى يوسف قتة، وعندما كانت تأتي إليه زوجته، يطالبها بأن تأتي بابنتهما في الزيارة القادمة كي يعرضها للزواج على أحد المساجين، وكانت تقول له إنها في البلد بجوار عمه "وتقصد مخفية وأنها توفيت ودفنت في البلد"؛ فكشف الأمر الإخوان بعد ذلك، وكانت هناك حوادث مماثلة لذلك كثيرة داخل عنبرنا؛ فقمت بإعداد يوم فني للترويح على النفوس، وهذا اليوم هو من الأيام التي أتمنى أن يغفر الله عز وجل بشأنها؛ حيث أدخلت السرور والبسمة على إخواني.

وسيم أحمد الفلو
06-09-2008, 12:12 PM
الامان الثقافي بقلم: إبراهيم الهضيبي

في يوم 29 آب 1966 تلقى الرئيس المصري جمال عبد الناصر رسالة من الملك السعودي فيصل بن عبد العزيز، يتوسط فيها للعفو عن سيد قطب الذي قضت المحكمة العسكرية بإعدامه، فطلب ناصر من معاونيه إعادة عرض الرسالة عليه في صباح اليوم التالي، وأمر بتنفيذ حكم الإعدام في تلك الليلة، حتى يعفي نفسه من الحرج، وحتى لا يضطر للعفو عن سيّد قطب إكراماً للملك فيصل.

وفي طريقه الى المشنقة رد سيّد قطب بكلمات خالدة على من طلبوا منه أن يكتب تأييداً لعبد الناصر مقابل العفو عنه فقال: إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة يأبى أن يكتب كلمة يتقرّب بها لحاكم طاغية، فإن كنت مسجوناً بالحق فأرتضي حكم الحق، وإن كنت مسجوناً بالباطل فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل.

وهكذا سيق المفكر الإسلامي الكبير إلى حبل المشنقة مرفوع الرأس شجاعاً مصراً على عدم التراجع عما اقتنع به وعمل من أجله.

العلاقة بين التنظيم والمجتمع

لي تحفظات كثيرة على كتابات سيد قطب -رحمه الله- وعلى أفكاره، وقد بحثت فيها طويلاً بعد قراءتي لجل ما كتب، وكتبت بحثاً مقارناً بين أفكاره وأفكار الإمام حسن البنا أنشره قريباً بإذن الله، وأغلب التحفظات تتعلق بالعلاقة بين التنظيم والمجتمع، وقضية التكفير والاستعلاء والعزلة الشعورية والانفصال عن المجتمع، ومغالاته في رفضه القوانين الوضعية حتى في دائرة العفو في الشريعة، وهي أفكار تناقض منهج الإمام البنا.

وحتى مع اعتبار بحث (دعاة لا قضاة) الذي كتبه الأستاذ حسن الهضيبي شرحاً وليس رفضاً لأفكار قطب (والحق أنه كان رفضاً لها وفق ما نقله لي جدي المأمون الهضيبي رحمه الله)، فإن كتابات قطب تظل مصطدمة بأفكار البنا في النقاط التي سبق ذكرها، مع وضع التجهيل بديلاً للتكفير، ففكرة وجود فصل بين التنظيم والمجتمع التي طرحها قطب تصلح لأن تكون منطلقاً لفهم التناقض الكامل في الرؤية الحركية بين البنا وقطب.

ولكن برغم ذلك، وفي ذكرى وفاته أجدني متعاطفاً، وبشدة مع سيد قطب، ربما بنفس قدر إدانتي لأفكاره، وذلك لأسباب متعددة، ليس أقلها هو أن من يمتلك شجاعة السير إلى حبل المشنقة وهو يقدر على تجنبه إن فرّط في ما يراه صواباً، هو شخص من معدن خاص، عنده صلابة أخلاقية نادرة، ويستحق كل الاحترام والتقدير.

ثم إن الشهيد قطب أديب مفكر، له كغيره من المفكرين والأدباء شطحات هي قرينة الإبداع، وقمعها قمع للإبداع، ولنا أن نسير في الأرض فننظر كيف تعاملت المجتمعات الغربية مع مفكريها ومنظريها وكيف قدرتهم برغم ما في أفكار وكتابات بعضهم من شطحات مماثلة، وبالتالي فإن المدان حقيقة هو ليس المفكر، وإنما هو من أعدم المفكر بسبب أفكاره، ومن حارب القلم (وإن كان خاطئاً) بحبل المشنقة، ووقائع التاريخ تصدق ما قاله قطب، الذي أحيا أعداؤه أسطورته (إن كلماتنا تبقى عرائس من الشمع حتى إذا متنا من أجلها قامت وانتفضت ودبت فيها الحياة).

والحقيقة الأهم في رأيي هي أنه لا بدّ من فهم السياق الذي كتب فيه سيد قطب «المعالم» وجل «الظلال»، لا بهدف تبرير ما بها مما يعتبر أخطاء فكرية فهي غير مبررة، وإنما بغرض فهم الأسباب، فقطب كما يبدو من كتاباته ومن شهادات اخوانه شخص مرهف الحس متفجر المشاعر، أديب حقيقي تعرض للسجن ظلماً فتفاعلت معه مشاعره وغلا من دون شك في رد فعله تجاهه، غلواً يصفه الدكتور محمد عمارة والشيخ يوسف القرضاوي بأنه وصل لحدٍّ لم يصل إليه أي مفكر سابق من مفكري الصحوة الإسلامية.

ولكن من هو في شجاعة سيد قطب التي تظهر جلياً في موقفه وقت الإعدام هو صنف نادر من الناس، لديه الشجاعة الأدبية على المراجعة والتصحيح إذا سنحت لذلك الفرصة، وهي بكل أسف لم تسنح بسبب الإعدام.

أسئلة بلا إجابات

نعم، إنه من الظلم الحكم على تجربة تم إعدامها قبل اكتمالها، ولكن قطب بحسه النقدي كان سيدرك أن كتاباته تطرح أسئلة لا بد لها من إجابات، وكان سيجد في الإجابات شططاً يدرك معه أهمية مراجعة تلك الأفكار، وهو لو أتيحت له فرصة مناقشة أفكاره، كما سنحت لبعض من تأثروا به حين ناقشوا بحث «دعاة لا قضاة» بعد استشهاده، لتراجع هو عن أفكاره التي تبناها في العقد الأخير من عمره.

بل أزعم أن تراجعه عن أفكاره كان سيكون كتابياً، فكان سيكتب ما به يخطئ نفسه، فهو ليس أقل شجاعة من طارق البشري الذي كتب في مقدمة الطبعة الثانية من كتاب «الحركة السياسية المصرية» 1945- 1952 نقداً متكاملاً للمنهجية التي التزمها هو في كتابة الطبعة الأولى، ولا خالد محمد خالد الذي استجاب لنقد الشيخ محمد الغزالي رحمهما الله فكتب كتاباً بعنوان (الدولة في الإسلام) ينقد فيه ما كان كتبه من قبل ويخطئ نفسه، ولا عبد الوهاب المسيري رحمه الله الذي كتب في مذكراته نقداً شديداً لمرحلة المادية في حياته (بعنوان: من ضيق المادية إلى رحابة الإيمان)، ولا غيرهم من المفكرين الذين امتلكوا شجاعة الاعتراف بالخطأ، والانحياز للحقيقة، لم يكن سيد قطب أقل شجاعة من هؤلاء وهو الذي سيق بشجاعة إلى حبل المشنقة.

التكريم الحقيقي للشهيد سيد قطب من قبل محبيه إنما يكون بالقيام بتلك المراجعات مع التزام الشجاعة والصلابة الأدبية التي تميز بها قطب، وأما الاتباع الأعمى لأفكاره، أو ربما عدم القدرة على نقدها لأسباب عاطفية تتراوح ما بين الإعجاب بالشخص وخلطه بالفكرة، وبين الانبهار بالخطاب العاطفي وعدم القدرة على نقده فكرياً، أقول إن هذا الاتباع هو خروج على منهج الأستاذ قطب نفسه، وتقليل من قيمته، وهو أمر يقدح في الاتباع لا المتبوع.

فالمريد أو الطالب الحقيقي هو الذي يتعلم من أستاذه دون أن يقدسه، ويختلف معه دون أن يجرح فيه، ولنا في الأئمة الأربعة مثلا على ذلك وقد تتلمذوا على يد بعضهم.

مطلوب من محبي قطب (وعلى رأسهم أعضاء جماعة الإخوان التي انتمى قطب إليها) إنصافه بالاقتراب من درجة الشجاعة التي تميز بها، ورفض تقييمه للواقع ورؤيته الحركية، والاستفادة من كتاباته الرائعة التي بدأ بها حياته، ولعل أهمها «العدالة الاجتماعية في الإسلام».

ومطلوب من محبي قطب، ومن محبي الوطن بشكل عام، الاستمرار في معركة الحرية، والدفاع عن حرية الكلمة والرأي، وحرية التفكير والإبداع، التي من أجل الدفاع عنها سلم قطب رأسه للمشنقة.

أبو محمد القلموني
07-09-2008, 12:11 AM
على الذين يريدون أن يتناولوا بالنقد البناء و التحليل المعمق الدقيق أفكار سيد رحمه الله أن ينتبهوا إلى القضية الاساس التي كانت تشغل سيد رحمه الله و تعد كل كتاباته متمحورة حولها. وأعني قضية التوحيد.

وهذه القضية لم تكن في فكر الشهيد مجرد قضية عادية يطرحها من زاوية واحدة سياسية كانت أو اجتماعية ... لكنها كانت تمثل فكر الشهيد و كان يتناولها بكل أبعادها و كل مظاهرها. وكانت مقتضياتها الكبرى واضحة في حسه كل الوضوح يستدل عليها بوفرة وافرة من الأدلة في مواضع كثيرة جدا في كتبه.

بصراحة ووضوح شديدين أقول: إن الذين لا تشغلهم فكرة الشهيد هذه و لا يعيشون هواجسها و لا يتبنون قضيتها الكبرى سيجدون في أفكار الشهيد مبالغة بل و ربما غلوا.

بعد استشهاد سيد رحمه الله تعالى برز في تحليل أفكاره و مدى قربها أو بعدها من أفكار الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله تعالى إتجاهان: إتجاه يقول بالتقارب و يتزعمه الأستاذ محمد قطب و إتجاه آخر يقول بالتعارض و لعل كاتب المقال منهم.

في كتابه "الصحوة الإسلامية" و الذي هو فصل من كتابه الكبير: "واقعنا المعاصر" يشرح الأستاذ محمد قطب فكرته والتي يقول فيها بان البنا رحمه الله تعالى كان ينظر في بداية الأمر إلى المجتمع الإسلامي بعد سقوط الخلافة على أنه لا يزال يحتفظ بالمقومات الكبرى للفكرة الإسلامية ، و أن جهد الدعاة يجب أن ينصب على ترميم بعض الخلل الجزئي و لفت الأنظار إلى فكرة الخلافة مرة أخرى بوصفها الجامعة الطبيعية للمسلمين شرقا و غربا.
لكن البنا ، بحسب الأستاذ محمد قطب ، غير من نظرته تلك و بدلها تبديلا كاملا لما إكتشف الحقيقة المروعة! فجاء خطابه الشهير : "معركة المصحف" ليمثل التبدل الكامل في النظرة و مؤشرا على بدء عهد جديد من النضال الدعوي و الفكري للحركة الإسلامية. ثم اغتاله الطغاة ومعه اتجاهه الجديد الذي لم تسنح له الفرصة للتبلور بصورة واقعية .

هذا الذي تقدم قد يمثل جدلا قام ، و ربما لا يزال قائما في صفوف أبناء الحركة الإسلامية. لكن بما أن أفكار الشهيد سيد رحمه الله تعالى كانت قد خرجت و في وقت مبكر جدا من إطار "الإخوان المسلمين" إلى الإطار الأعم للدعوة الإسلامية. و حيث أن أغلب العاملين في حقل الدعوة الإسلامية تأثروا في مرحلة ما ، و بعضهم لا يزال إلى اليوم ، بفكر الشهيد رحمه الله تعالى. فأرى لزاما على كل من يريد أن يقدم تفسيرا آخر لفكرته الظاهرة المشروحة في كتبه أن يأتي بتعليلات واضحة وأدلة جازمة تبين لنا كيف صار ما تعرض له في السجن هو المؤثر الأوحد الذي أملى عليه شرح أفكاره المنتقدة من قبل هؤلاء! هل لهم أن يخبرونا مثلا كيف كان وضعه في السجن ملهما له أن يكتب كتابه الشهير الأخير على أوراق السجن ، والذي ضاعت بعض فصوله ولم تصلنا حتى اليوم. وأعني الكتاب التربوي الهادئ الغني الرائع :"مقومات التصور الإسلامي" . فأين هي بصمات التعذيب في كتابه المقومات الذي يمثل عصارة فكره و ما انتهى إليه رحمه الله تعالى ؟!!