وسيم أحمد الفلو
06-09-2007, 10:00 PM
أحلام مستغانمي
أنتظر الصيف لأكتب، وينتظر الفرنسيون الصيف ليقرأوا• لذا كان الصيف دوماً وليمة الناشرين، مذ انتبهوا لوجود ثلاثين مليون مصطاف ترتفع لديهم حمّى القراءة في هذا الموسم• "كتب الصيف" تتربّص بك في الأكشاك والمكتبات، تطاردك في المطارات وفي محطات القطار•• وتقدِّم لك هدية بـ"التقسيط" على حلقات في أشهر المجلات، حتى تَخَالَهم سيهدونك مع كلّ مرهم يقيك الشمس كتاباً يقيك الضجر، أو "واقياً"•• يقيك عواقب النظر!
دُور النشر التي تعرف حرص الفرنسيين على الوقت، كما هوسهم باختزان ما استطاعوا من أشعة الشمس لتلوين أجسادهم بتلك السمرة الصيفية، رفعت منذ سنوات شعاراً شهيراً، ظاهره ثقافي وباطنه تجاري، يقول "لا تسمرّوا بغباء"، تحثّ المصطافين على الاستفادة من الساعات التي يقضونها منبطحين تحت الشمس، للمطالعة، وتصفّح كتاب•
كنت أظن القراءة هَوَسَاً فرنسياً، حتى دُعيت قبل سنوات إلى مكتبة لاهاي• ذُهلت عندما رافقني أحد مسؤوليها في متاهاتها وأخبرني أنهم يقتنون كلَّ كتاب يصدر في العالم، أيّــاً كانت لغته• فميزانيتهم لاقتناء المؤلفات الجديدة تتجاوز المليون دولار سنوياً! ولا أدري إذن كم تكون ميزانية مكتبة جامعة "ييل" الأميركية، التي يوم دُعيت لأُحاضر فيها تحوّل انبهاري بها إلى حُزن• فهي تُباهي بأنها أكبر وأعرق مكتبة جامعية في العالم، وتملك من مخطوطاتنا، ما يدفع إلى البكاء!
ثمّ قرأت مؤخراً، أنّ مدينة لندن تفاخر بكونها تملك أوسع مكتبة في أوروبا، محيلة مكتبة "ليل" الفرنسية إلى المرتبة الثانية، وهذا السبق لم يأتِ عَبَثَاً، كما تحدث الأشياء عندنا، هَوَسَاً منّا بالأكبر والأضخم والأغلى، إنما أتى تماشياً مع مزاج البريطانيين وحاجتهم الْمُلحّة إلى القراءة، ما يجعلهم أكثر الشعوب الأوروبية انصرافاً إلى "رياضة القراءة الراقية"، وهذا ما يُبرِّر الرقم المذهل لعدد الإصدارات في بريطانيا، التي بلغت المئة ألف كتاب سنوياً (من بينها 4160 رواية) مقابل فرنسا التي لا تتخطّى (يا عيب الشوم!)، عتبة الأربعين ألف عنوان سنوياً!
أتمنى ألاّ يموت بعضكم من الضحك أو البعض الآخر من البكاء، إن أنا أخبرتكم أن الدول العربية مجتمعة تصدر سنوياً ثمانية آلاف عنوان، بما في ذلك الكتب المدرسية، وكتب الطبخ والشعوذة والسحر واستحضار الأرواح، وهو يقارب إصدارات إسرائيل (تسعة آلاف عنوان)، على الرغم من أن سكانها لا يتجاوز عددهم الخمسة ملايين نسمة، وأنه كلّما ترجمنا كتاباً إلى العربية (أعني كلّما سطَوْنا على حقّ مؤلِّف أجنبي وترجمنا كتابه من دون علم منه غالباً) تكون اليابان أثناء ذلك قد ترجمت 1000 كتاب!
لا أدري بعد هذه الأرقام، أيجب أن ينتحرَ القارئ، أم الكاتب أم الناشر العربي؟ فالناشر في الخارج يجلس على إمبراطورية تجعله أغنى من تاجر السلاح، بينما الناشر عندنا بقّال يتصرّف بعقليّة وميزانية "دُكَّانجي الحيّ"• لذا، لا عَجَب أن تعيش بعض دُور النشر العربية على نهب مؤلِّفيها، بعدما عجزت عن نهب القارئ المنهوب•• "زي الجيب المثقوب أصلاً" لتنغيص حياتهم، أنقل لناشرينا أرباح إحدى الشركات الأميركية للنشر، التي بلغت في عام واحد 562 مليون دولار، فقط لا غير•
المهم، منذ شهرين لم ألتقِ عربياً في "كان" ممسكاً بكتاب• في أحسن الحالات هو ممسك بجرائد ملوّنة•• أو بأكياس المشتريات• أتعرّف إليهم، من احترافهم "فنّ المخاتلات في السير مع الزوجات"• فهم يتفوّقون في التلصُّص والمخالسة، مُتذرِّعين بالرجولة لوضع "مسافة شرف" بينهم وبين "الحرمة" الماشية خلفهم، مأخوذة بواجهات المحال، بعد أن فقدت "راداراتها" القدرة على التقاط لهاث النظرات، لزوج لا يقصد الريفييرا الفرنسية للقراءة الصيفية، بل لمطالعة الحسناوات•
لكأنّ شعار الفرنسيين "لا تسمرّوا بغباء" قد غَـدَا عندنا "لا تسمرّوا بوفاء"•
أنتظر الصيف لأكتب، وينتظر الفرنسيون الصيف ليقرأوا• لذا كان الصيف دوماً وليمة الناشرين، مذ انتبهوا لوجود ثلاثين مليون مصطاف ترتفع لديهم حمّى القراءة في هذا الموسم• "كتب الصيف" تتربّص بك في الأكشاك والمكتبات، تطاردك في المطارات وفي محطات القطار•• وتقدِّم لك هدية بـ"التقسيط" على حلقات في أشهر المجلات، حتى تَخَالَهم سيهدونك مع كلّ مرهم يقيك الشمس كتاباً يقيك الضجر، أو "واقياً"•• يقيك عواقب النظر!
دُور النشر التي تعرف حرص الفرنسيين على الوقت، كما هوسهم باختزان ما استطاعوا من أشعة الشمس لتلوين أجسادهم بتلك السمرة الصيفية، رفعت منذ سنوات شعاراً شهيراً، ظاهره ثقافي وباطنه تجاري، يقول "لا تسمرّوا بغباء"، تحثّ المصطافين على الاستفادة من الساعات التي يقضونها منبطحين تحت الشمس، للمطالعة، وتصفّح كتاب•
كنت أظن القراءة هَوَسَاً فرنسياً، حتى دُعيت قبل سنوات إلى مكتبة لاهاي• ذُهلت عندما رافقني أحد مسؤوليها في متاهاتها وأخبرني أنهم يقتنون كلَّ كتاب يصدر في العالم، أيّــاً كانت لغته• فميزانيتهم لاقتناء المؤلفات الجديدة تتجاوز المليون دولار سنوياً! ولا أدري إذن كم تكون ميزانية مكتبة جامعة "ييل" الأميركية، التي يوم دُعيت لأُحاضر فيها تحوّل انبهاري بها إلى حُزن• فهي تُباهي بأنها أكبر وأعرق مكتبة جامعية في العالم، وتملك من مخطوطاتنا، ما يدفع إلى البكاء!
ثمّ قرأت مؤخراً، أنّ مدينة لندن تفاخر بكونها تملك أوسع مكتبة في أوروبا، محيلة مكتبة "ليل" الفرنسية إلى المرتبة الثانية، وهذا السبق لم يأتِ عَبَثَاً، كما تحدث الأشياء عندنا، هَوَسَاً منّا بالأكبر والأضخم والأغلى، إنما أتى تماشياً مع مزاج البريطانيين وحاجتهم الْمُلحّة إلى القراءة، ما يجعلهم أكثر الشعوب الأوروبية انصرافاً إلى "رياضة القراءة الراقية"، وهذا ما يُبرِّر الرقم المذهل لعدد الإصدارات في بريطانيا، التي بلغت المئة ألف كتاب سنوياً (من بينها 4160 رواية) مقابل فرنسا التي لا تتخطّى (يا عيب الشوم!)، عتبة الأربعين ألف عنوان سنوياً!
أتمنى ألاّ يموت بعضكم من الضحك أو البعض الآخر من البكاء، إن أنا أخبرتكم أن الدول العربية مجتمعة تصدر سنوياً ثمانية آلاف عنوان، بما في ذلك الكتب المدرسية، وكتب الطبخ والشعوذة والسحر واستحضار الأرواح، وهو يقارب إصدارات إسرائيل (تسعة آلاف عنوان)، على الرغم من أن سكانها لا يتجاوز عددهم الخمسة ملايين نسمة، وأنه كلّما ترجمنا كتاباً إلى العربية (أعني كلّما سطَوْنا على حقّ مؤلِّف أجنبي وترجمنا كتابه من دون علم منه غالباً) تكون اليابان أثناء ذلك قد ترجمت 1000 كتاب!
لا أدري بعد هذه الأرقام، أيجب أن ينتحرَ القارئ، أم الكاتب أم الناشر العربي؟ فالناشر في الخارج يجلس على إمبراطورية تجعله أغنى من تاجر السلاح، بينما الناشر عندنا بقّال يتصرّف بعقليّة وميزانية "دُكَّانجي الحيّ"• لذا، لا عَجَب أن تعيش بعض دُور النشر العربية على نهب مؤلِّفيها، بعدما عجزت عن نهب القارئ المنهوب•• "زي الجيب المثقوب أصلاً" لتنغيص حياتهم، أنقل لناشرينا أرباح إحدى الشركات الأميركية للنشر، التي بلغت في عام واحد 562 مليون دولار، فقط لا غير•
المهم، منذ شهرين لم ألتقِ عربياً في "كان" ممسكاً بكتاب• في أحسن الحالات هو ممسك بجرائد ملوّنة•• أو بأكياس المشتريات• أتعرّف إليهم، من احترافهم "فنّ المخاتلات في السير مع الزوجات"• فهم يتفوّقون في التلصُّص والمخالسة، مُتذرِّعين بالرجولة لوضع "مسافة شرف" بينهم وبين "الحرمة" الماشية خلفهم، مأخوذة بواجهات المحال، بعد أن فقدت "راداراتها" القدرة على التقاط لهاث النظرات، لزوج لا يقصد الريفييرا الفرنسية للقراءة الصيفية، بل لمطالعة الحسناوات•
لكأنّ شعار الفرنسيين "لا تسمرّوا بغباء" قد غَـدَا عندنا "لا تسمرّوا بوفاء"•