المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فتاوى فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا القلموني رحمه الله تعالى



أبو حسن
07-10-2007, 11:08 AM
الهدف من هذه الصفحة هو نقل فتاوى فضيلة الشيخ العلامة محمد رشيد رضا القلموني رحمه الله تعالى كما هي لنتعرف على آثار هذا العلامة الذي أنجبته القلمون وليس الهدف مناقشة ما ورد في هذه الفتاوى، فمن أراد مناقشة شيء يرد في أي فتوى منقولة فليفتح موضوعا جديدا.

أبو حسن
07-10-2007, 11:12 AM
كتب رئيس اللجنة المتشكلة لتفتيش رسم المصاحف المطبوعة ببلدة قزان ملا صادق الايمانقولي القزاني إلى الشيخ محمد رشيد رضا ما يأتي:

بسم الله الرحمن الرحيم . حضرة الأستاذ الفاضل السيد رشيد رضا حفظه الله ومتعنا وسائر المسلمين بعلومه الشريفة .

أما بعد ، فإن من المسائل التي تدور بيننا الآن مسألة رسم المصاحف المطبوعة في بلدة قزان حيث إن العلماء صرحوا بأن رسم المصاحف يجب فيه الاتباع لرسم المصاحف التي كتبت بأمر سيدنا عثمان - رضي الله عنه - ، وفي رسم المصاحف القزانية مخالفة كثيرة لرسم تلك المصاحف . فتشكلت بقزان لجنة من العلماء والقراء لتفتيش رسم هذه المصاحف ونصوص العلماء فيه وتكلموا في وجوب الاتباع وعدمه فذهب كثير منهم إلى أنه ينبغي اتباع رسم المصاحف العثمانية وأن الرسم سنة متبعة ، على ما نص عليه أبو عمرو الداني والشاطبي وابن الجزري والسيوطي والزمخشري وغيرهم . وبعضهم قالوا إنه لا يجب اتباع الرسم محتجين بقول شيخ الإسلام العز بن عبد السلام حيث قال: " أما الآن فلا يجوز كتابة المصحف على المرسوم الأول خشية الالتباس ولئلا يوقع في تغيير من الجهال ، ويجيب الفريق الأول عن هذا بأن المواضع التي يتوهم فيها الالتباس يمكن التخلص منها بالنقط والأشكال . ثم فتشوا المصاحف المطبوعة في الديار الإسلامية من الأستانة ومصر والهند وغيرها فوجدوا فيها أيضا مخالفة كثيرة لرسم المصاحف العثمانية فما ندري ما سبب عدم اعتنائهم في هذا الباب؟

أأهملوا في رسم كتابنا المقدس ، أم لا يقولون بلزوم الاتباع؟ .

وإذا كان الاتباع واجبا كما يقول به أكثر الأئمة فما ينبغي أن نصنع لنقرأ برواية حفص المعروفة في بلادنا في مثل كلمة آتان في سورة النمل آية 36 ، فإنه كتب في مصاحف سيدنا عثمان - رضي الله عنه - كلها بغير "ياء" بعد "النون" في مثل هذه المواضع تخلصا من الالتباس والتلفيق في القراءة .

وهل يجوز مخالفة الرسم لأجل الضرورة في مثل تلك الضرورة؟

وما نصنع في الكلمات التي حذفت فيها الألفات في بعض المصاحف المطبوعة والمكتوبة القديمة مثل كلمة الأعلام والأحلام والأقلام والأزلام والأولاد ، وتلك الكلمات كتبت في بعض المصاحف " الأعلم والأحلم والأقلم ، بحذف "الألف" بعد "اللام" والحال أن قاعدة الخط العربي تقتضي إثبات الألف في مثلها: وليس فيها نص صريح من علماء الرسم في حق الحذف أو الإثبات هل ينبغي فيها اتباع قاعدة رسم الخط العربي وإثبات الألفات أم نقول :" كانوا يعتبرون الظهور وعدم الالتباس ولهذا كانوا يحذفون الألفات فيما ظهر المراد (منه) مثل الكلمات المذكورة " فنحذف الألفات فيهن . ورسم المصاحف المطبوعة هنا ليس على نسق واحد ، وفي بعضها يحذف الألفات . وأن المصحف الذي يحفظ في بلدة بترسبورغ عاصمة الروسية في المكتبة الإمبراطورية ويظن كونه واحدا من مصاحف سيدنا عثمان - رضي الله عنه - قد حذف فيه الألفات في مثل هذه المواضع . والعلامة شهاب الدين المرجاني القزاني الذي أفنى عمره في خدمة العلم ، وصنف كتابا مفيدا في رسم المصحف وكان مأمورا بتصحيح المصاحف المطبوعة من جهة الحكومة قد حذف الألفات قصدا في مثل هذه الكلمات ولزيادة الاطمئنان ولكون المسألة عامة مهمة ومتعلقة بعموم أهل الإسلام اتفقنا على المراجعة إلى جنابكم المحترم بالاستفسار في تلك المسألة رجاء أن تتفضلوا بإبداء ملاحظاتكم العالية في صفحات المنار . والسلام والإكرام . .


فأجاب:

إن ديننا يمتاز على جميع الأديان بحفظ أصله منذ الصدر الأول ، فالذين تلقوا القرآن عمن جاء به من عند الله - صلى الله عليه وسلم - حفظوه وكتبوه وتلقاه عنهم الألوف من المؤمنين ، وتسلسل ذلك جيلا بعد جيل . وقد أحسن التابعون وتابعوهم وأئمة العلم في اتباع الصحابة في رسم المصحف وعدم تجويز كتابته بما استحدث الناس من فن الرسم ، وإن كان أرقى مما كان عليه الصحابة - رضوان الله عليهم - ، لأنه صنعة ترتقي بارتقاء المدنية ، إذ لو فعلوا لجاز أن يحدث اشتباه في بعض الكلمات باختلاف رسمها وجهل أصلها . فالاتباع في رسم المصحف يفيد مزيد ثقة واطمئنان في حفظه كما هو يبعد الشبهات أن تحوم حوله ، وفيه فائدة أخرى وهي حفظ شئ من تاريخ الملة وسلف الأمة كما هو .

نعم إن تغير الرسم واختلاف الإملاء يجعل قراءة المصحف على وجه الصواب خاصة بمن تلقاه عن القراء ولذلك أحدثوا فيه النقط والشكل وهي زيادة لا تمنع معرفة الأصل على ما كان عليه في عهد الصحابة . ثم إنه يجعل تعليم الصغار عسرا ولذلك أفتى الإمام مالك بجواز كتابة الألواح ومصاحف التعليم بالرسم المعتاد كما نقل .

قال علم الدين السخاوي في شرحه لعقيلة الشاطبي : قال أشهب - رحمه الله -: سئل مالك - رضي الله عنه - أرأيت من استكتبته مصحفا أترى أن يكتب على ما أحدث الناس من الهجاء اليوم؟

فقال: لا أرى ذلك ولكن يكتب على الكتبة الأولى . قال مالك : ولا يزال الإنسان يسألني عن نقط القرآن ، فأقول له: أما الإمام من المصاحف فلا أرى أن ينقط ولا يزاد في المصاحف ما لم يكن فيها ، وأما المصاحف الصغار التي يتعلم فيها الصبيان والألواح فلا أرى بأسا . ثم قال :" أشهب " والذي ذهب إليه مالك هو الحق إذ فيه بقاء الحال الأولى إلى أن يعلمها الآخر ، وفي خلاف ذلك تجهيل الناس بأوليتهم .

وقال أبو عمرو الداني ( في كتابه المسمى الحكم في النقط) عقيب قول مالك هذا: ولا مخالف لمالك في ذلك من علماء الأمة ، ا . هـ .

فالذي أراه هو أن تطبع المصاحف التي تتخذ لأجل التلاوة برسم المصحف الإمام الذي كتبه الصحابة عليهم الرضوان حفظا لهذا الأثر التاريخي العظيم الذي هو أصل ديننا كما هو ، لكن مع النقط والشكل للضبط . ولو كان لمثل الأمة الإنكليزية هذا الأثر ، لما استبدلت به ملك كسرى وقيصر ، ولا أسطول الألمان الجديد الذي هو شغلها الشاغل اليوم . وأما الألواح والأجزاء وكذا المصاحف التي تطبع لأجل تعليم الصغار بها في الكتاتيب ، فلتطبع بالرسم المصطلح عليه اليوم من كل وجه تسهيلا للتعليم ، ومتى كبر الصغير وكان متعلما للقرآن بالرسم المشهور لا يغلط إذا هو قرأ في المصاحف المطبوعة برسم الصحابة مع زيادة النقط والشكل . وكذلك يكتب القرآن في أثناء كتب التفسير وغيرها بالرسم الاصطلاحي ليقرأه كل أحد على وجه الصواب . وبهذا تجمع بين حفظ أهم شيء في تاريخ ديننا ، وبين تسهيل التعليم وعدم اشتباه القارئين .

أما ما احتج به العز بن عبد السلام على رأيه فليس بشيء ، لأن الاتباع إذا لم يكن واجبا من الأصل ، فإن فرق بين الآن الذي قال فيه ما قال ، وبين ما قبله وما بعده ، بل يكتب الناس القرآن في كل زمن بما يتعارفون عليه من الرسم ، وإذا كان واجبا في الأصل وهو ما لا ينكره فترك الناس له لا يجعله حراما أو غير جائز ، لما ذكره من الالتباس بل لا يزال هذا الالتباس في أنه لا يسلم له .

وأما ما طبعه المسلمون من المصاحف في الأستانة وقزان ومصر وغيرها من البلاد غير متبعين فيه رسم المصحف الإمام في كل الكلمات ، فسببه التهاون والجهل والاعتماد على بعض المصاحف الخطية التي كتبت قبل عهد الطباعة ، فرسم فيها بالرسم المعتاد الكلمات التي يظن أنه يقع الاشتباه فيها إذا هم كتبوها كما كتبها الصحابة كلفظ " الكتاب" بالألف بعد التاء ، وهو في المصحف الإمام بغير ألف ليوافق في بعض الآيات قراءة الجمع فكتبوه بالألف . ولم أر مصحفا كتب أو طبع كله بالرسم المعتاد .

ونحمد الله تعالى أن وفق بعض الناس إلى طبع ألوف من المصاحف برسم الصحابة المتبع ، وأحسن المصاحف التي طبعت في أيامنا هذه ضبطا وموافقة للمصحف الإمام المتبع هو المصحف المطبوع في مطبعة محمد أبي زيد بمصر سنة 1308 إذ وقف على تصحيحه وضبطه الشيخ رضوان بن محمد المخللاتي أحد علماء هذا الشأن وصاحب المصنفات فيه . وقد وضع له مقدمة بين فيها ما يحتاج إليه في ذلك . فالذي أراه أنه ينبغي للجنة القرآنية أن تراجع هذا المصحف ، فإنها تجد فيه حل عقد المشكلات كلها إن شاء الله تعالى ككلمة الأقلام وأمثالها وهي بغير ألف وكلمة آتاني التي رسمت في المصحف الإمام آتن فيرون أن هذا المصحف وضع فوق "النون" "ياء" صغيرة مفتوحة هي من قبيل الشكل ، لتوافق قراءة حفص فهي فيه هكذا آتن .

وجملة القول أننا نرى أن الصواب الذي ينبغي أن يتبع ولا يعدل عنه ، هو أن تطبع الأجزاء والمصاحف التي يعلم فيها المبتدئون بالرسم الاصطلاحي لتسهيل التعليم ، وهو ما جرت عليه الجمعية الخيرية الإسلامية هنا بإذن الأستاذ الإمام - رحمه الله تعالى - ، فهي تطبع أجزاء القرآن كل جزء على حدته بالرسم الاصطلاحي وتوزعها على التلاميذ في مدارسها . وأما سائر المصاحف فيتبع في طبعها رسم المصحف الإمام كالمصحف الذي ذكرناه آنفا . وإذا جرى المسلمون على هذا في الأستانة ومصر وقزان والقريم وسائر البلاد الإسلامية ، فلا يمضي جيل أو جيلان إلا وتنقرض المصاحف التي طبع بعض كلماتها بالرسم الاصطلاحي وبعضها برسم الصحابة . ولا ضرر من وجودها الآن إذ هي مضبوطة بالشكل كغيرها ، فالاشتباه والخطأ مأمونان في جميع المصاحف ولله الحمد .



منقول من مجلة البحوث الإسلامية - العدد السادس من ربيع الثاني إلى جمادى الثانية لسنة 1402هـ، الصفحة 25

Nader 3:16
07-10-2007, 11:37 AM
فكرة جميلة.......

الله يعطيك العافية...و يعيننا على القراءة!!!!!!

أبو حسن
07-10-2007, 12:38 PM
من صاحب الإمضاء الحرفي في ( دمشق الشام ) ع ...

س : سيدي الأستاذ صاحب المنار الأغر : ما رأي الأستاذ حفظه الله في تمثيل الروايات الأخلاقية التي لا يشوبها ضروب الخلاعة ، أو من ظهور النساء حاسرات على المسارح ، والتي تحبب الحضور بالفضيلة ، وتنفرهم من الرذيلة ؟ يجوز لنا أن نعتبر التمثيل غيبة فنحرمه بدعوى أن الغيبة محرمة ؟ وهل ورد في النصوص الشرعية تصريحا أو تلميحا ما يدل على حرمة التمثيل الأخلاقي ، أو يشير إلى اجتنابه ، وعهدنا بهذا النوع من التمثيل أنه خير ما يغرس في النفوس حب الفضائل وكره الرذائل ؟

أرجو إجابتي على هذه الأسئلة حتى لا يبقى مجال لتغرير المسلمين باسم الشريعة ، ورميها بسهام غير سديدة ، هدانا الله بمناركم الوضاح إلى أقوم طريق .

الجواب : جاءنا مثل هذا السؤال أيضا من دمشقي آخر أشار إلى اسمه بحرفي (م . ن) ، وجاء في سؤاله : أن للسؤال واقعة حال في دمشق ، وهي : أن تلاميذ المدرسة العثمانية بدمشق مثلوا قصة زهير الأندلسي التي تشرح كيفية انقراض المسلمين من الأندلس ، فقام بعض الحشوية من طلاب الشهرة ، وأصحاب الدعوى يشنعون على المدرسة ، ويكفرون تلاميذها ومعلميها ، ويزعمون أنهم حاولوا هدم الإسلام بتذكير المسلمين بأسباب انقراض المسلمين من مملكة إسلامية كانت زينة ممالك الأرض بالعلوم والفنون والآداب ، وخطبوا بذلك على المنابر في رمضان ، وصدق فيهم قول من قال : إن لمتعصبي دمشق في كل رمضان ثورة .

أشار السائل الذي نشرنا نص سؤاله إلى ما صرح به السائل الآخر من احتجاج محرمي التمثيل على تحريمه بأنه يتضمن الغيبة ، وقال هذا المصرح : إن بعضهم حرم قراءة الجرائد والمجلات بمثل هذا الدليل .

نقول : إن صح قولهم : أن تلك القصة أو الواقعة التي مثلت في دمشق ، كانت متضمنة لشيء من الغيبة - وهو ما يستبعد جدا - فالمحرم فيها هو الغيبة لا جميع القصة ، ولا القصص التي تمثل ولا التمثيل نفسه . وكان الأظهر أن يقولوا : أنها تتضمن الكذب في بعض جزئياتها ، وكأنهم فطنوا إلى كون الكذب غير مقصود فيها ، ولا يتحقق إلا بالنسبة إلى مجموع القصة إذا كان ما تقرره وتودعه في الأذهان من مغزاها المراد غير صحيح ، كأن تصور قصة زهير لقرائها ، وحاضري تمثيلها : أن الإسبانيين اضطهدوا المسلمين ، وفتنوهم عن دينهم ، وخيروهم بين الكفر والخروج من الوطن ، ويكون هذا الذي تصوره لم يقع أو وقع ضده .

هذه القصص التمثيلية من قبيل ما كتبه علماؤنا المتقدمون من المقامات التي تقرأ في المدارس الدينية وغير الدينية ؛ كمقامات البديع ، ومقامات الحريري ، وقد كان الحريري رحمه الله تعالى توقع أن يوجد في عصره أمثال أولئك المتنطعين الذين حرموا قصة زهير الأندلسي ، فرد عليهم بقولهم في فاتحة مقاماته :

على أني وإن أغمض لي الفطن المتغابي ، ونضح عني المحب المحابي ، لا أكاد أخلص من غمر جاهل ، أو ذي غمر (حقد) متجاهل ، يضع مني لهذا الوضع ، ويندد بأنه من مناهي الشرع ، ومن نقد الأشياء بعين المعقول ، وأنعم النظر في مباني الأصول ، نظم هذه المقامات ، في سلك الإفادات ، وسلكها مسلك الموضوعات ، عن العجماوات والجمادات ، ولم يسمع بمن نبا سمعه عن تلك الحكايات ، وأثم رواتها في وقت من الأوقات ، ثم إذا كانت الأعمال بالنيات ، وبها انعقاد العقود الدينيات ، فأي حرج على من أنشأ ملحا وردت في المنار (مقامات) . للتنبيه ، لا للتموين ، ونحا بها منحى التهذيب ، لا الأكاذيب ، وهل هو في ذلك إلا بمنزلة من انتدب لتعليم ، وهدي إلى صراط مستقيم [مقامات الحريري] تحقيق سلفستر دي ساسي . باريس - دار الطباعة الملكية 1822 صـ (11، 12) . .

فهو يقول : إنه لم يعرف عن أحد من علماء الأمة إلى زمنه أنه حرم أمثال تلك القصص التي وضعت عن الحيوانات ككتاب [كليلة ودمنة] وغيره ؛ لأن المراد بها الوعظ والفائدة ، وصورة الخير في جزئياتها غير مرادة ، وما سمعنا بعده أيضا أن أحدا من العلماء حرم قراءة مقاماته ، ولكن اجتهاد بعض المغرورين بالحظوة عند العوام ، يتجرءون على تحريم ما لم يحرمه الله ورسوله ، ولا حرم مثله أحد من علماء الملة ، وهم مع هذا يتبرءون بألسنتهم من دعوى الاجتهاد واسم الاجتهاد ، ويشنعون على من يقول : إنه يمكننا أن نعرف الأحكام بأدلتها الشرعية ، فهم يعترفون بأنهم ليسوا أهلا للاستدلال ، ولا لمعرفة حكم بدليله ، ويدعون أنهم مقلدون لبعض الأئمة المجتهدين رضوان الله عليهم ، فليأتونا بنص من أولئك الأئمة على تحريم ما حرموه إن كانوا صادقين .

ثم نقول من باب الدليل : قد فسر الحرام في بعض كتب الأصول بأنه : خطاب الله المقتضي للترك اقتضاء جازما ، فليأتونا بخطاب الله المقتضي بتحريم تمثيل الوقائع الوعظية والتهذيبية ، أما أصول المحرمات في الكتاب ، فقد بينها الله تعالى بالإجمال في قوله : سورة الأعراف الآية 33قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ أفلا يخشى أولئك المتجرئون أن يكونوا من الذين يقولون على الله ما لا يعلمون ، الذين قال فيهم أيضا : سورة النحل الآية 116وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ وقال صلى الله عليه وسلم : صحيح البخاري الإيمان (52) ، صحيح مسلم المساقاة (1599) ، سنن الترمذي البيوع (1205) ، سنن ابن ماجه الفتن (3984) ، مسند أحمد بن حنبل (4/270) ، سنن الدارمي البيوع (2531).إن الحلال بين وإن الحرام بين ، وبينهما مشتبهات ، لا يعلمهن كثير من الناس الحديث ، وهو في [الصحيحين] والسنن كلها من حديث خيار الآل والصحب علي وولده الحسين والعبادلة الثلاثة وعمار والنعمان بن بشير رضي الله عنهم . فإذا كان الحرام بينا ، فكيف يخفى منه مثل هذا الحكم على جميع المسلمين في هذه القرون الطويلة، ولا يهتدي إليه إلا أولئك المضيقون في هذا العام؟ ‍!

إننا لا نرى وجها ما لهذا التحريم، ولو سلمنا أن في القصة الممثلة كلاما يصح أن يعد غيبة أو كذبا، فإنا نعلم أن في كثير من كتب الحديث والفقه والوعظ أحاديث موضوعة، ولم يقل أحد أن ذلك يقتضي تحريم تأليف تلك الكتب وقراءتها وطبعها، وفي كتب الحديث طعن في الرجال فهل نحرم علم أصول الحديث؟ ألا إنه ليحزننا أن يكون لأمثال هؤلاء المفتاتين المتنطعين كلمة تسمع في مدينة دمشق الفيحاء التي هي أجدر البلاد بأن تكون ينبوعا لحياة الدين والعلم والارتقاء في سورية وجزيرة العرب كلها، وما آفتها إلا نفر من المتنطعين قد جعلوا الدين عقبة في طريق الارتقاء العلمي والعملي، فنسأل الله تعالى أن يلهمهم الرشد، ويهديهم طريق القصد، وأن يبصر العامة كالخاصة في تلك المدينة الزاهرة بحقيقة أمرهم حتى لا تتبع كل ناعق منهم .

[فتاوى رشيد رضا] (3\1090) ، و[المنار] (14)(1911) \827 - 830

منقول من أبحاث هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، المجلد الثالث - إصدار : سنة 1421 هـ - 2001 م ص 297 - 301

أبو حسن
07-10-2007, 12:54 PM
السؤال: هل يجوز تمثيل حياة بعض الصحابة على شكل رواية أدبية خلقية تظهر محاسن ذلك الصحابي الممثل؛ لأجل الاتعاظ بسيرته ومبادئه العالية مع التحفظ والتحري لضبط سيرته دون إخلال بها من أي وجهة كانت أم لا؟

الجواب: لا يوجد دليل شرعي يمنع تمثيل الصحابة أو أعمالهم الشريفة بالصفة المذكورة في السؤال

أنظر [ فتاوى رشيد رضا ] (6\2348). .

منقول من أبحاث هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، المجلد الثالث - إصدار : سنة 1421 هـ - 2001 م ص 301

أبو حسن
07-10-2007, 01:06 PM
التمثيل العربي: اشتغال المرأة المسلمة به وتمثيل قصص الأنبياء [المنار] (20 (1917) \ 310- 316). من صاحب الإمضاء بمصر محمد محمد سعفان طالب بمدرسة القضاء الشرعي.

بسم الله الرحمن الرحيم: إلى فضيلة مولانا وراشدنا السيد رشيد رضا . جمعتني النوادي بطائفة من المتعلمين الذين قلما يخلو مجلسهم من البحث، وبأية مناسبة - دار بيننا ذكر التمثيل العربي، وبسطنا على بساط بحثنا المرأة المسلمة والتمثيل ؛ تمثيل روايات الأنبياء عليهم السلام عموما، وخاتمهم خصوصا، فقر رأى فريق منا على جواز ذلك كله؛ إذ لا تتم أدوار التمثيل وفصوله إلا بالمرأة، فإذا جوزنا التمثيل جوزنا ظهور المرأة المسلمة على مسارح التمثيل، وأي مانع يمنع تمثيل روايات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، عموما وخاتمهم خصوصا، وهو لم يخرج عن كونه درس وعظ على طريقة التأثير النافع الذي ينشده مشاهير الوعاظ، وقل ممن يصادفه أو يجد له أثرا، ومنع فريق آخر ذلك وعده نوعا من التقليد الإفرنجي الذي يستحوذ على بعض البسطاء فيعدونه مفتاح تمدن الأمة، في حين أنه شر عليها وعلى أخلاقها الذاتية.

فهذا ما كان من الفريقين ، أما أنا كاتب هذه السطور فقد أعلنت الحيدة حتى أسترشد برشدكم أو أستنير بفتيا مناركم، والسلام.

الجواب: قلت: هدانا الله وإياك بحجة الصواب في الحكم، وعصمنا أن نقفو ما ليس لنا به علم:

إن بعض الأندية جمعك بطائفة من المتعلمين البحاثين، وأنهم ذكروا (التمثيل العربي) فاختلفوا في جواز اشتغال المرأة المسلمة به، وفي جواز تمثيل قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عامة وخاتمهم خاصة، فقالت طائفة منهم: بجواز الأمرين، وعللوا الأول: بأن أدوار التمثيل وفصوله لا تتم إلا بالمرأة، فإذا جوزنا التمثيل جوزنا ظهور المرأة المسلمة على مسارح التمثيل، وعللوا الثاني: بأنه درس وعظ على طريقة التأثير النافع الذي ينشده مشاهير الوعاظ، وقل من يصادفه أو يجد له أثرا، وقالت طائفة أخرى بمنع الأمرين، وعدوه من التقليد الإفرنجي الضار، الذي يغتر به الأغرار، وقلت: إنك وقفت حتى تستفتي المنار، فهاك ما أفهمه في المسألتين بالاختصار.

لم يأت فريق المجيزين بشيء من العلم، يدل على ما جزموا به من الحكم، فإن سلمنا لهم أن التمثيل لا يتم إلا بالمرأة لا نسلم لهم أن جوازه يستلزم جواز اشتغال المرأة المسلمة به، بل نسألهم ماذا يعنون بهذا التمام؟ وهل يعتد به شرعا؟ ولماذا لا يستغنى فيه بالمرأة غير المسلمة التي تستبيح من أعماله ما لا يباح للمسلمة؟ وبأي حجة جعلوا القول بجواز التمثيل الذي ينقصه وجود المرأة المسلمة أصلا بنوا عليه القول بجواز اشتغالها بالتمثيل، وهل يعدو التمثيل المطلق أن يكون مباحا أو مستحبا بشرط خلوه من فعل الحرام وذرائع الفساد، واشتماله على الوعظ النافع والإرشاد؟ أو ليس الصواب أن يقال - والأمر كذلك-: إن التمثيل الذي يتوقف على قيام المرأة المسلمة ببعض أعماله على الوجه المعروف في دور التمثيل بمصر غير جائز؛ لأن ما توقف على غير الجائز فهو غير جائز، أو لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح؟

منقول من أبحاث هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، المجلد الثالث - إصدار : سنة 1421 هـ - 2001 م ص 303 - 304

الشامي
07-10-2007, 03:18 PM
السلام عليكم ... كيفكم يا جماعة:)

الله يبارك فيك أخي أبو حسن على الفكرة ...

أخوكم:rolleyes:

أبو حسن
08-10-2007, 08:10 AM
وفيكم بارك الله يا نادر ويا الشامي

أبو حسن
08-10-2007, 08:19 AM
السؤال : ما هو الحكم في إحضار الحكيم المعمول به في بعض الممالك الإسلامية الشرقية لأجل الاطلاع على من يخبر بموته وشهادته بصحة الخبر واكتشاف سبب الموت حتى لا يدفن الإنسان حيا ، ولا يخفى المرض المعدي ، وفي ذلك مما يفيد الأمة في حالتها الصحية ما لا يخفى ، فهل ذلك - رعاكم الله - مما لا يجوز مطلقا ، ولو كان الحكيم مسلما ولم يستتبع الكشف على الميت أدنى عملية جراحية أو ما يوجب أقل إهانة لكرامة الميت ولو مع تخصيص حكيم لمباشرة الرجل وحكيمة لمباشرة المرأة ، أو يسوغ مطلقا أم المقام فيه تفصيل ، أفيدونا تؤجروا وترحموا ؟ .

الجواب : ليس في هذه المسألة نص عن الشارع ، وهي من المسائل الدنيوية التي تتبع فيها قاعدة : درء المفاسد وجلب المصالح ، وحينئذ يختلف الحكـم باختلاف الأموات ، فإذا وقع الشك في موت من ظهرت عليه علامات الموتى وعلم أن الطبيب يمكنه أن يعرف الحقيقة بالكشف عليه - فإن الكشف عليه يكون متعينا ، ويحرم دفنه مع بقاء الشك في موته وإبقائه عرضة للخطر ، ويختار الطبيب الذي يوثق به للعلم ببراعته وأمانته على غيره ؛ لأن العبرة في ذلك بالثقة ، فإذا لم يوجد طبيب مسلم يوثق به ووجد غيره اعتمد عليه ، بل إذا وجد طبيب مسلم غير موثوق به وطبيب غير مسلم موثوق به بتكرار التجربة يرجح الاعتماد على الثاني ؛ لأن المسألة ليست عبادة فيكون الترجيح فيها بالدين ، بل أقول : إن من اشترط من الفقهاء إسلام الطبيب الذي يؤخذ بقوله في المرض الذي يبيح ترك الغسل والوضوء إلى التيمم ليس لاعتبار ذلك من أركان العدالة التي هي سبب الثقة ، وقد صرحوا حتى في هذه المسألة الدينية بأن المريض إذا صدق الطبيب الكافر بأن الماء يؤذيه في مرضه كان له أن يعمل بقوله ، وإذا كان من اشتبه في موته امرأة ووجدت طبيبة يوثق بها قدمت على الطبيب حتما ، فإن لـم توجد كشف عليها الطبيب ، كما هو الشأن في جميع الأمراض ، ومن درء المفاسد والقيام بالمصالح العامة ما تفعله ( مصلحة الصحة ) بمصر وحيث توجد من مقاومة أسباب الوباء والأمراض المعدية ، ومن أعمالهم ما هو مفيد قطعا ، ومنه ما تظن فائدته ، فإذا علم أن في الكشف على الميت لمعرفة سبب مرضه مصلحة عامة - لم يكن ما يعبرون عنه بتكريم الميت مانعا من ذلك ، نعم ، إن إهانة الميت محظورة ، ولكن الإهانة تكون بالقصد ، وهو منتف هنا على أن درء المفاسد وحفظ المصالح العامة من الأصول التي لا تهدم بهذه الجزئيات ، والمدار على العلم بأن هنا مفسدة يجب درؤها أو مصلحة يجب حفظها ، فإذا علم أولو الأمر ذلك عملوا به والشرع عون لهم عليه .

نقلا عن أبحاث هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية ، المجلد الثاني ، الصفحة 60

أبو حسن
09-10-2007, 12:01 PM
س: ما قولكم دام فضلكم في أحكام السياسة والقوانين التي أنشأها سلطان البلد أو نائبه ، وأمر وألزم حكام بلده وقضائه بإجرائها وتنفيذها، هل يجوز لهم إطاعته وامتثاله لإطلاق قوله تعالى : (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) الآية ، أم كيف الحكم ؟ أفتونا مأجورين؛ لأن هذا شيء قد عم البلدان والأقطار ؟


ج : إذا كانت تلك الأحكام والقوانين عادلة غير مخالفة لكتاب الله وما صح من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم - وجب علينا أن نعمل بها إذا وضعها أولو الأمر منا، وهم أهل الحل والعقد، مع مراعاة قواعد المعادلة والترجيح والضرورات ، وإن كانت جائزة مخالفة لنصوص الكتاب والسنة التي لا خلاف فيها- لم تجب الطاعة فيها؛ للإجماع على أنه (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) وهذا نص حديث رواه بهذا اللفظ أحمد والحاكم ، عن عمران والحكم بن عمرو الغفاري ، وصححوه بلفظ : (لا طاعة لأحد في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف) ، ولا يشترط أن تكون هذه القوانين موافقة لاجتهاد الفقهاء فيما أصلوه أو فرعوه برأيهم؛ لأنهم صرحوا بأن الاجتهاد من الظن، ولا يقوم دليل من الكتاب والسنة ولا من العقل والحكمة على أنه يجب على الناس أن يتبعوا ظن عالم غير معصوم، فلا يخرجوا عنه ولو لمصلحة تطلب، أو مفسدة تجتنب، ولا بغير هذا القيد .

وكذلك يطاع السلطان فيما يضعه- هو أو من يعهد إليه ممن يثق بهم - من القوانين التي ليس فيها معصية للخالق، وإن لم يكونوا من أولي الأمر الذين هم أهل الحل والعقد لأجل المصلحة، لا عملا بالآية، ولكن إذا اجتمع أهل الحل والعقد ووضعوا غير ما وضعه السلطان وجب على السلطان أن ينفذ ما وضعوه دون ما وضعه هو؛ لأنهم هم نواب الأمة، وهم الذين لهم حق انتخاب الخليفة ولا يكون إماما للمسلمين إلا بمبايعتهم، فإن خالفهم وجب على الأمة تأييدهم عليه لا تأييده عليهم .

وبناء على هذه القاعدة التي لا خلاف فيها عند سلف الأمة؛ لأنها مأخوذة من نصوص القرآن الحكيم . قال الخليفة الأول في خطبته الأولى : (وليت عليكم ولست بخيركم، فإذا استقمت فأعينوني، وإذا زغت فقوموني)، وقال الخليفة الثاني على المنبر أيضا : ( من رأى منكم في اعوجاجا فليقومه)، وله كلام آخر في تأييد هذه القاعدة، وقال الخليفة الثالث على المنبر أيضا : (أمري لأمركم تبع)، وقال الخليفة الرابع في أول خطبة له وكانت بعدما علمنا من الأحداث والفتن : ( ولئن رد إليكم أمركم إنكم لسعداء، وأخشى أن تكونوا في فترة) ، وهذا مأخوذ من قوله تعالى : (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)

[فتاوى المنار] رقم (406)

نقلا عن أبحاث هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية ، المجلد الثالث ، صفحة 180-182

أبو حسن
09-10-2007, 12:09 PM
س : رجل يضمن محل تجارته من الحريق في إحدى شركات الضمان ( السيكورتاه) على مبلغ معين من المال ، وقدر الله واحترق ذلك المحل ، فهل يجوز له شرعا مطالبة شركات الضمان بهذا المبلغ ويكون حلالا أم لا ؟ وهل كل أنواع الضمانات ضد الحريق والحياة والغرق والسرقة شرعية يجوز عملها أم لا ؟

ج : كل ما في السؤال الأول فهو من المعاملات المالية غير المشروعة في الإسلام فلم يرد بها نص من الشارع ، ولم يقرها بالاجتهاد إمام عادل ، وإنما هي من العقود الحادثة عند أولي المدنية المادية في هذا العصر ، ومن التزمها في غير دار الإسلام والعدل لزمته شاء أم أبى ، وإنما هو مخير في أخذ ما ثبت له دون ما ثبت عليه ، وللمؤمن في غير دار الإسلام أن يأكل مال أهلها بعقودهم ورضاهم ؛ فهو لا يكلف معهم التزام أحكام دار الإسلام التي يلتزمونها ، ولكن عليه أن يحاسب نفسه على إضاعة ماله باختياره فيما له مندوحة عنه .
[ فتاوى المنار] ( 4\1640، 1641 ) . .

وأجاب أيضا عن التأمين على الحياة فقال : لم يذكر السائل كيفية هذا الضمان ولا عقده ، والمشهور أن هذه العقود التي تشبه الميسر ( القمار ) في كون الذي يعطي المال لشركة الضمان لا يعطيها إياه في مقابلة عمل تعمله له أو منفعة تسديها إليه ، وإنما يرجو بذلك أن تأخذ ورثته منها أكثر مما أعطى إن هو مات قبل المدة المعينة ، وجمهور الفقهاء يصرحون بأن مثل هذا العقد باطل ومحرم ؛ لما فيه من إضاعة المال الواجب حفظه وعدم بذله إلا فيما فيه منفعة دينية أو دنيوية معلومة أو مظنونة ، وليس كل العقود التي يحكم الفقهاء ببطلانها محرمة دينا ، فإنهم قد يشترطون شروطا اجتهادية لا يحكم قاضيهم ، ولا ينفذ أميرهم الحكم إلا إذا تحققت في العقد ، وإن لم يكن في ترك الشروط منها مخالفة لأمر الله ورسوله ، وقد صرخ بعض الفقهاء بحل جميع العقود والشروط التي يتعاقد الناس عليها ويشترطونها إذا لم تكن مخالفة للكتاب والسنة الصحيحة ، وهذا هو الصواب .
[ فتاوى المنار] ( 3\964 ) . .


نقلا عن أبحاث هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية ، المجلد الرابع ، صفحة 89-90

أبو حسن
10-10-2007, 12:00 PM
س: ما قولكم دام فضلكم في رجل من المسلمين اشترى من القطن ألف قنطار مثلا موصوفة في ذمة البائع بثمن معلوم- في شهر المحرم مثلا- على أن يستلمها منه في أجل معلوم- شهر ربيع الأول- كذلك ودفع بعض الثمن عند التعاقد وأجل باقيه إلى الاستلام . فهل للمشتري قبل قبض المبيع وقبل حلول الميعاد أن يبيع ذلك القطن الموصوف في الذمة ويكون تمكين البائع للمشتري من البيع في أي وقت من أوقات الميعاد قبضا وتخلية حتى يكون ذلك البيع صحيحا؛ لأنه معرض للربح والخسران الذي هو قانون البيع ، ويكون ما عليه المسلمون اليوم في تجاراتهم من المضاربة وبيع (الكنتراتات) جائزا في دين الله تعالى . أم يكون ذلك بيعا فاسدا وعملا باطلا مشابها للميسر كما يزعمه بعض الناس؟ وإذا كان باطلا فأي فرق بين قبضه بنفسه وبين إذن البائع له بالبيع في أي وقت وما السر في ذلك ، وأين اليسر في قوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) بل هو عين الحرج في البيع والشراء ، وقد قال تعالى: ( َمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) . أم كيف يحرم المسلمون من منفعة هذه التجارة العظيمة التي تعود على الكثير منهم ، نطلب من حضرتكم الجواب الموافق لكتاب الله وسنة رسوله ودينه الصحيح من غير تقيد بمذهب من المذاهب ، مفصلا مبينا فيه سند الجواز أو المنع على لسان مجلتكم الغراء التي أخذت على عاتقها خدمة الإسلام والمسلمين؛ لأن الإجابة على هذا السؤال بما يوافق الشرع أعظم شيء يستفيده التجار المسلمون من أمر دينهم ، وكلهم بلسان واحد يطلبون من حضرتكم الإجابة في أقرب وقت على صفحات المنار سواء كانوا بالإسكندرية أو غيرها ، وفيهم مشتركون في مجلة المنار الغراء ، والكل مشتاق إليها اشتياق الظمآن للماء ، ليطمئن الجميع ، نسأل الله تعالى أن يعلي شأنكم ويعضد عملكم ويجعلكم ملجأ للقاصدين؟


ج: نهى الكتاب العزيز عن أكل أموال الناس بالباطل أي بغير حق يقابل ما يأخذه أحد المتعاوضين ، وأحل التجارة واشترط فيها التراضي فقط ، ومن أكل أموال الناس بالباطل ما ورد في الأحاديث من النهي عن بيع الغرر ، وعن الغش ، وعن بيع ما لا يملك لعله لا يقدر عليه .

وقد ورد في حديث ابن عمر في الصحيحين وغيرهما (أنهم كانوا يتبايعون الطعام جزافا بأعلى السوق فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه حتى يحولوه) ، وفي رواية (ينقلوه) ، وقال: (من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه) ، وفي رواية لأحمد : (من اشترى طعاما بكيل أو وزن فلا يبعه حتى يقبضه) ، وروى أحمد ومسلم عن حديث جابر : إذا ابتعت طعاما فلا تبعه حتى تستوفيه " وهذه الأحاديث خاصة بالطعام وبالتجارة الحاضرة تدار بين التجار كما يدل عليه كونهم كانوا يفعلون ذلك في السوق وأمروا بالتحويل .

وفي حديث حكيم بن حزام عند أحمد والطبراني قال (قلت: يا رسول الله ، إني أشتري بيوعا فما يحل لي منها وما يحرم؟ قال: "إذا اشتريت شيئا فلا تبعه حتى تقبضه) وهو عام . ولكن في سنده العلاء بن خالد الواسطي ضعفه موسى بن إسماعيل . وهناك حديث آخر عام في الطعام وغيره خاص بالسلع الحاضرة ، وهو حديث زيد بن ثابت عند أبي داود وابن حبان والدارقطني والحاكم قال: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) ، وقد خص بعض العلماء النهي بالطعام واستدلوا على ذلك بأحاديث أخرى تدل على صحة التصرف بالمبيع قبل القبض ، ومن هذه التصرفات ما هو مجمع عليه كالوقف والعتق قبل القبض وقد علل ابن عباس النهي: بأن الشيء الحاضر إذا تكرر بيعه ولم يقبض كان ذلك بمنزلة بيع المال بالمال ، أي: فإن المال ينتقل من يد إلى يد والشيء حاضر لا يمس كأنه غير محتاج إليه ولا مراد ، رواه الشيخان . قال مسلم : إنه قال لما سأله طاووس عن ذلك: ألا تراهم يبتاعون بالذهب الطعام مرجأ؟ .

وحاصل هذا التعليل أن النهي لمنع الاحتيال على الربا ، ولا بد في التجارة أن تكون السلع هي المقصودة فيها لا سيما إذا كانت حاضرة ، فما معنى شراء فلان السلعة الحاضرة بعشر جنيهات وبيعها من آخر بخمس عشرة وهي حاضرة وهم حاضرون إلا الحيلة على الربا؟ وأي فائدة للناس في حل مثل هذا اللعب بالتجارة وإننا نعلم أن بيع البورصة ليس من هذا القبيل ، ولكن أحببنا أن نورد أصل مآخذ العلماء في تحريم بيع الشيء قبل قبضه ليميز المسلم بين البيوع التي تنطبق عليها الأحاديث وغيرها .

ثم إن علماء المسلمين كافة يجيزون إرجاء الثمن أو إرجاء القبض ولكن أكثرهم يمنع بيع الشيء قبل قبضه مطلقا فإن احتجوا بالأحاديث المذكورة آنفا فقد علمت أنها لا تدل على هذا الإطلاق ، وإن قالوا إن بيع ما في الذمة لا يخلو من غرر وربما يتعذر تسليمه نقول: إن هذا رجوع إلى القواعد العامة التي وضعها الدين للمعاملات وكلها ترجع إلى حديث: (لا ضرر ولا ضرار) ، فكل ما ثبتت مضرته ولم يكن في ارتكابه منع ضرر أكبر منه فهو محرم وإلا كان حلالا ، وهذا ينطبق على قاعدة بناء الشريعة على اليسر ودفع الحرج . ولا شك أن في مبايعات البورصة ما هو ضار وما هو نافع ، وتحرير ذلك بعد العلم بأصول الأحكام التي ذكرناها متيسر للتاجر المتدين وقد جاء في الصحيح (النهي عن بيع المحاضرة) : وهو بيع الثمار والحبوب قبل بدو صلاحها ، وذلك لما كثر تشاكيهم ، ودعوى البائعين أن الآفات والجوائح أصابت الثمر قبل بدو صلاحه ، وإنما هذا في ثمر شجر معين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟) والحديث في البخاري . ولا يدخل في هذا بيع كذا قنطارا من القطن قبل بدو صلاحه إذا لم يعين شجر القطن .

ويدل على ذلك جواز السلم الذي يدخل في تجارة البورصة ، فإن الكثير منها في معنى السلم ، إلا أنه لا ينطبق على جميع شروطه وأحكامه المشروحة في كتب الفقه فنذكر حقيقة ما جاء فيه في الأحاديث الصحيحة فيه إثارة للموضوع ، فإننا غير واقفين على تفصيل ما يجري في البورصة من البيوع فنكتفي بالكلام فيها .

روى أحمد والشيخان وأصحاب السنن من حديث ابن عباس قال: (قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال: "من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) . فالكيل المعلوم شرط؛ لأنهم كانوا يسلفون في ثمار نخيل بأعيانها وفيه غرر وخطر كما علم مما تقدم .

وأما الآجل فقال الشافعية : إنه ليس بشرط ، وإن الجواز حالا أولى وهو الراجح ، وإن خالفهم الجمهور . وأقل التأجيل عند المالكية ثلاثة أيام وروى أحمد والبخاري من حديث عبد الرحمن بن أبزى وعبد الله بن أبي أوفى قالا: (كنا نصيب المغانم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يأتينا أنباط من أنباط الشام فنسلفهم في الحنطة والشعير والزيت إلى أجل مسمى قيل: أكان لهم زرع أو لم يكن؟ قالا: ما كنا نسألهم عن ذلك) .

وفي رواية لأحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه (وما نراه عندهم أي المسلم فيه) . وهو دليل على أنه لا يشترط في المسلم فيه أن يكون عند المسلم إليه . قال ابن رسلان : وأما المعدوم عند المسلم إليه وهو موجود عند غيره فلا خلاف في جوازه . وأجاز الجماهير السلم فيما ليس بموجود عند العقد خلافا للحنفية ، ويدل عليه حديث ابن عباس السابق ، فإن السلف في الثمار إلى سنتين نص فيه إذ الثمار لا تمكث سنتين .

وروى أبو داود وابن ماجه من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره) وفي إسناده عطية بن سعد العوفي . قال المنذري : ولا يحتج بحديثه . وإذ كان هذا الحديث غير صحيح ولا حسن فلا يوجد حديث غيره يدل على امتناع جعل المسلم فيه ثمنا لشيء قبل قبضه أو امتناع بيعه قبل القبض . ثم إن بيعه قبل القبض ليس فيه شيء مما لم يكن في العقد الأول فيحال عليه الفساد فهو جائز فعلم من هذا كله أن بيع ما في الذمة جائز كالحوالة فيه إلا إذا كانت التجارة غير مقصودة ، بل حيلة للربا أو المقامرة ، أو كان في ذلك غش أو تغرير: ومنه أن يبيع الإنسان ويشتري وليس له مال ولا سلع تجارية ، وإنما يخادع الناس فإن ربح طالبهم وإن خسر لا يأخذون منه شيئا فليحاسب مؤمن بالله نفسه بعد العلم بأحكام دين الله ، والله الموفق والمعين .

نقلا عن مجلة البحوث الإسلامية ، العدد الثامن والأربعون ، الإصدار : من ربيع الأول إلى جمادى الثانية لسنة 1417هـ ، الصفحة 39-45

أبو محمد القلموني
10-10-2007, 04:44 PM
هكذا عهدنا بك يا أبا الحسن مواضيع تنضح فوائدا و مشاركات تفيض تميزا. فجزاك الله عنا كل خير.

معلوم أن الشيخ رشيد كان متأثرا بالشيخ محمد عبده المعروف بأشعريته . فهل نجد لديكم فتوى يتضح بها مذهب الشيخ رشيد رضا في مسائل الأسماء و الصفات؟

وللشيخ رشيد رضا كتاب في امتداح الحركة الإصلاحية التي قام بها الإمام محمد بن عبد الوهاب. فهل ثمة فتوى توقفنا على رأيه في مسألة الخروج على الحكام؟

أبو حسن
11-10-2007, 12:20 PM
بارك الله فيكم أخي الحبيب وفي جهدكم المشكور لإثراء هذا المنتدى

بالنسبة لموضوع الصفات ففي آخر زيارة لي إلى القلمون وقعت على كتاب لم يتسن لي مطالعته للدكتور رضوان أظن عنوانه "أمالي الشيخ رشيد رضا" وقد خصصه للبحث في موقف الشيخ رشيد من مسألة الأسماء والصفات فانظره لعلك تجد فيه بغيتك

أما بالنسبة لسؤالكم الثاني فليس بين يدي شيء حول هذا الموضوع حاليا

أبو حسن
30-10-2007, 09:06 AM
من طائفة- من طلبة المدارس العليا:

جناب الأستاذ الفاضل:

سلاماً واحتراماً وبعد، فقد قرأنا في بعض الكتب الإفرنجية الموضوعة حديثاً أنه ظهر في بلاد العجم منذ ستين عاماً رجل يقال إنه هو المهدي المنتظر ، وبشر بمجئ نبي، ويزعمون أن نبوته قد صحّت فقد جاء رجل اسمه بهاء الله، وآمن به خلق كثير من كافة الأديان وخليفته الآن هو ابنه عباس أفندي نزيل مصر الآن. فنرجوا إيقافنا على حقيقة هذا المذهب الجديد وإبداء رأيكم فيه بما أنكم ممن يلجأ إليه في مثل تلك المسائل ولكم الفضل من بعد الله عز وجل.



الجواب:

البابية فرقة من الباطنية، والبهائية منهم يعبدون الرجل الملقب ببهاء الله، وبقد بينا حقيقة أمرهم في مجلدات المنار الماضية، ولما جاء زعيمهم عباس أفندي القطر المصري عدنا إلى الكلام في بيان حالهم وذكرنا نبذاً تاريخية من سيرة سلفهم الغسماعيلية والقرمطة فراجعوا هذا في المجلد الماضي، فإن أشكل عليكم بعد ذلك من أمرهم فراجعونا فيه

ثم إن مسألة كون نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين على ثبوتها بنصوص الكتاب والسنة هي ثابتة بالعقل عند كل من يعرف حقيقة الدين الغسلامي، ووجه حاجة البشر إلى الدين مطلقاً، فإن كتابه القرآن الحكيم وسنته في بيانه قد بينا للناس كل ما يحتاجون إليه من أمر الدين في طور استقلال نوعهم، ورشده بالعقل والعلم فقد كانت الأديان السماوية قبله مؤقته، كما بين ذلك المسيح عليه الصلاة والسلام في معرض البشارة به غذ قال ما معناه: إنه لا يمكن أن يبين لمن بعث فيهم كل ما يحتاجون إليه_ أي لعدم استعدادهم- وغن الذي ياتي بعده هو الذي يبين لهم كل شيء؛ لأن الدين سارٍ كالمخاطبين به على سنة الارتقاء، وقد بين الأستاذ الإمام هذا المعنى بإجمال بليغ في رسالة التوحيد، وذكرناه مراراً في المنار. وسنشرحه شرحاً وافياً إن شاء الله تعالى قي مقدمة التفسير التي نبين فيها كليات الإسلام بالتفصيل ووجه الحاجة إليها واكتفاء البشر بالاهتداء بها في الوصول إلى منتهى الكمال البشري الممكن.

أبو حسن
30-10-2007, 09:28 AM
من (ف-صحفي قديم).

حضرة العالم الفاضل صاحب المنار الأغر، نشرت مجلة البيان التي تصدر في مصر مقالاً عن البهائيين وزعيمهم عباس أفندي جاء فيها ما يأتي:" ذلكم مولانا عباس أفندي الملقب بعبد البهاء بطل الإصلاح الديني وسيد المصلحين الدينيين، والمصدر الصحيح الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه (البهائية هي كمال حي) - (هي الكاثوليكية الصادقة)، وما دعوتها في الحقيقة إلا دعوة إصلاح ورقي للإسلام- إن أنصارها استخرجوا أسمى تعاليم القرآن فنقوها ما علق بما ليس من الدين الصحيح في شيء- (إن نعيم الآخرة وهم وخيال)

هذا بعض ما جاء في تلك المجلة وما نشره صاحبها المسلم الأزهري عقب مقابلته لزعيم البهائيين في الإسكندرية.

وقد رد على البيان الأستاذ صاحب عكاظ في عدة مقالات، وتبعه كاتب في جريدة الشعب ثم تبعتهما جريدة الأفكار،وكلهم كان يطلب إلى صاحب البيان تكذيب ما نشره في هذا الموضوع والرجوع إلى الحق ولكنه كان يقول لهم: أني أكتب عن البهائيين وزعيمهم كما كتبنا عن فولتير وسبنسر ونيتشه، وكما كتب الأوربيون عن العظماء والفلاسفة والنابغين.

فما رأي العالِم الجليل صاحب المنار قي ما نشره البيان في موضوع البهائيين وزعيمهم وما رأيه في رد عكاظ أولاً والشعب والأفكار ثانياً؟



ج:

بينّا في المنار مراراً أن البهائية قد انتحلوا ديناً جديداً في هذا العصر، وان دينهم أبعد عن الإسلام من دين اليهود؛ لأن دين اليهود دين التوحيد الذي هو أساس الإسلام، وأساس دين البهائية وثني مادي، وهم يعبدون والد زعيمهم عباس أفندي الملقب بـ(عبد البهاء) وما هذه اللقب إلا عنوان القول بإلوهية البهاء.

ولهم شريعة ملفقة من الأديان المختلفة، وفلسفتها هي عين فلسفة سلفهم من فرق الباطنية، الذين حاربوا الإسلام بالدسائس التي اخترعتها لهم جمعيات المجوس السرية لإفساد أمر المسلمين، وإزالة ملكهم انتقاماً للمجوسية التي أبطلها الإسلام.

ألا وإن ميرزا حسين الملقب بالبهاء هو وولده الداهية عباس أفندي قد جعلا تنقيحاً جديداً لما دعا إليه الأبله الثرثار ميرزا محمد على الذي اشتهر بلقب (الباب) وإنما مهد السبيل لدعوته في بلاد الفرس بدعة الشيخية، الذين هم أكبر المفسدين في الشيعة الإمامية، وسننشر في المنار شيئاً من فلسفتهم الخيالية، التي انتزعوها من أباطيل الباطنية، وزفوها في معرض الأساليب الصوفية.

وجملة القول أن دين البهائية دين مخترع، افتراه الباب المخدوع، ونقحه بتمادي الزمان الباقعة عباس أفندي، وهو أضر على الإسلام من كل دين في الأرض لأن أهله يسلكون في الدعوة إليه مسلم سلفهم الطالح في مخادعة عوام المسلمين، وإيهامهم أنهم يصلحون لهم دينهم، واحتجاجهم بالشبهات التي يحرفون بها القرآن والأحاديث بالتأويلات البعيدة، فهم أكبر فتنة على المسلمين في هذا العصر، ولاسيما على الشيعة؛ لأن الغلو في التشيع سلم للباطنية، ولهذا كان يقول بعض العلماء: "ائتني برافضي كبير أخرج لك منه باطنياً صغيراً، وائتني بباطني كبير أخرج لك زنديقاً كبيرا".

فمن عرف دين البهائية من لمسلمين ومدحه واستحسنه وشهد بكونه حقاً أو إصلاحاً للإسلام، وكونه هو أو زعيمه معصوماً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كان بذلك مرتداً عن الإسلام وإن زعم أنه مسلم، فهو زنديق منافق كسائر الباطنية إذا كانوا ضعفاء بين المسلمين، فالبهائية كسلفهم من الباطنية يتوسلون بدعوى الإسلام بين المسلمين ليقبل كلامهم في دعوتهم إلى باطلهم، وتحريف معاني القرآن للاستدلال عليها وإبطال ما يفهمه المسلمون منها، فإذا كان صاحب البيان قد قال ما نقله عن السائل معتقداً له فالأمر ظاهر، وإن كان كتبه عن جهل بحقيقة القوم فكان الواجب عليه بعد أن نبهته جريدة عكاظ وغيرها أن يرجع إلى الحق ويصرح ببطلان دين البهائية، وتحذير المسلمين من خداع دعاته (ويسموهم مبلغين)

وأما ما ذكره السائل عن الاعتذار عن تقديس دين وثني مادي وتقديس داعيته وأحد مخترعيه- بأن مدحه له كمدحه لفولتير- فهو غريب، فإن مدحه لفولتير إن كان باطلاً فهو تأييد للباطل بالباطل، وإن كان يراه حقاً ويرى أن ما قاله في عباس أفندي ودينه حق أيضاً، يكون قد ارتد عن الإسلام ودخل في دين البهائية. وإلا فإن من قال حقاً وقال باطلاً لا يكون قوله الحق مرة عذراً له إذا قال الباطل بعده. والذين مدحوا مثل فولتير من كتاب الإفرنج كانوا مثل مارقين من النصرانية، فهل يرضى صاحب البيان أن يكون مدحه لعباس كمدحهم لفولتير؟

وليس ما نقله السائل عن البيان قول مؤرخ يحكي شيئاً وقع لا رأي له فيه، حتى يقال: "إن حاكي الكفر ليس بكافر"، بل ذلك مدح لهذا الدين الجديد وتفضيل له على غيره يتضمن دعوة المسلمين إليه. فإذ لم يكن هذا مراده فليصرح كتابة ببراءته من البهائية والتحذير من كفرهم بالإسلام. على أن فيما نقله السائل عنه ما هو في نفسه بالإجماع، كإنكار حقيقة نعيم الآخرة، وتسميته وهماً وخيالاً بناءً على أن هذا من مذهبهم، وجملة القول: إن من شأن المسلم أن لا ينشر شيئاً يعد كفراً في دينه، وأن لا ينقله عن غيره مقراً له ومستحسناً. فكيف ينوه بمدح دين جديد يراد به نسخ الإسلام وإبطاله من الأرض، ويصفه بأنه هو الحق الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ.. } فصلت 42

وقد قرأنا بعض ما نشر في عكاظ رداً على البيان فرأيناه مبنياً على أساس الصواب ولم نر ما كتب في جريدة الشعب؛ لأننا لا نكاد نقرأها بل قلما نراها -وكذا جريدة الأفكار- والحق ظاهر في نفسه.

أبو حسن
11-11-2007, 10:40 AM
س: الشيخ محمد نجيب بالمدرسة الشمسية بتونتار ( روسيا ) :

هل القَصص الواردة في القرآن أنزلت لأجل الاعتبار والاتعاظ ؟ أم هي وقائع تاريخية ؟ أم على التبعيض ؟ أرجو بيان هذه المسألة المهمة في أحد أعداد المنار ولكم الأجر والمنة .


ج: تقدم الإلماع في التفسير غير مرة إلى أن قصص القرآن لا يراد بها سرد تاريخ الأمم أو الأشخاص وإنما هي عبرة للناس كما قال تعالى في سورة هود بعد ما ذكر موجزًا من سيرة الأنبياء عليهم مع أقوامهم : { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ } ( يوسف : 111 )

ولذلك لا تذكر الوقائع والحوادث بالترتيب ، ولا تستقصى ؛ فيذكر منها الطمّ والرمّ ، ويؤتى فيها بالذرة ، وأذن الجرة كما في بعض الكتب التي تسميها الملل الأخرى مقدَّسة . وللعبرة وجوه كثيرة ، وفي تلك القصص فوائد عظيمة ، أذكر أنني كتبت منها نحو ثلاثين ؛ إذ وجهت نفسي للبحث عن فوائد التكرار فيها , وهذه الوجوه تذكر مفصلة في مواضعها من التفسير الذي ننشره في المنار . وأفضل الفوائد وأهم العبر فيها التنبيه على سنن الله تعالى في الاجتماع البشري ، وتأثير أعمال الخير والشر في الحياة الإنسانية ، وقد نبه الله تعالى على ذلك في مواضع من كتابه كقوله : { ِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ } ( الحجر : 13 ) , وقوله : { سُنَّتَ اللَّهِ الَتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الكَافِرُونَ } ( غافر : 85 ) يذكر أمثال هذا بعد بيان أحوال الأمم في غمط الحق والإعراض عنه والغرور بما أوتوا ونحو ذلك ، فالآية الأولى جاءت في سياق الكلام عن المعرضين عن الحق لا يلوون عليه ، ولا ينظرون في أدلته لانهماكهم في ترفهم وسرفهم وجمودهم على عاداتهم وتقاليدهم . والآية الثانية جاءت في سياق مُحَاجَّة الكافرين والتذكير بما كان من شأنهم مع الأنبياء ، وبعد الأمر بالسير في الأرض والنظر في عاقبة الأمم القويّة ذات القوة والآثار في الأرض ، وكيف هلكوا بعدما دعوا إلى الحق والتهذيب ، فلم يستجيبوا لما صرفهم من الغرور , وبما كانوا فيه ، ولم ينفعهم إيمانهم عندما نزل بهم بأس الله وحَلَّ بهم عذاب التفريط والاسترسال في الكفر وآثاره السوءى .

وليس المراد بنفي كون قصص القرآن تاريخًا أن التاريخ شيء باطل ضار ينزه القرآن عنه . كلا , إن قصصه شذور من التاريخ تُعَلِّم الناس كيف ينتفعون بالتاريخ ، فمثل ما في القرآن من التاريخ البشري كمثل ما فيه من التاريخ الطبيعي من أحوال الحيوان والنبات والجماد ، ومثل ما فيه من الكلام في الفلك - يراد بذلك كله التوجيه إلى العبرة والاستدلال على قدرة الصانع وحكمته ، لا تفصيل مسائل العلوم الطبيعية والفلكية التي مكَّن الله البشر من الوقوف عليها بالبحث والنظر والتجربة ، وهداهم إلى ذلك بالفطرة وبالوحي معًا ، ولذلك نقول : لو فرضنا أن المسائل التاريخية والطبيعية المذكورة في الكتاب ليست مطابقة إلا لما يرى ، أو يعتقد الناس كلهم أو بعضهم في زمن التنزيل ؛ لِمَا كان ذلك طعنًا فيه ؛ لأن هذه المسائل لم تقصد بذاتها ، بل المراد منها توجيه النفوس لطريق الاستفادة بما أشرنا إليه فتنبه .

المنار، المجلد السابع، عدد غرة ربيع الأول - 1322هـ الموافق 16 مايو - 1904م

أبو حسن
12-11-2007, 12:32 PM
س: من الفاضل الغيور صاحب الإمضاء في سربايا ( جاوه )

( بسم الله الرحمن الرحيم )

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وآله وصحبه ومن هداه .

حضرة الأستاذ الكبير العلامة المدقق مفتي الآفاق وناصر السنة ، السيد محمد رشيد رضا المحترم ، دام ذخرًا للمسلمين ، ونورًا للمدلجين ، وملجأ للسائلين .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد فإن خمسين مليونًا من إخواننا المسلمين في جاوة وجزائر المضيق سائرون في ظلمات الجهل لا مدرسة واحدة لهم راقية ولا معلمين عندهم أكفاء ، ولا دروس منتجة كما علمتم ذلك وأكثر منه مما حملت إليكم من هنا الصحف والأخبار ، وكم فاه الخطباء وكتبت الجرائد في حثهم على فتح المدارس وتعميم دور العلم وتنظيم سير التعليم ؟ ولكن ذهبت تلك الصيحات كصرخات في واد ، والمستعمرون اغتنموا هذه الفرصة ففرقوا بينهم ، ونصروا كثيرًا منهم ، وسهَّلوا إدخال أولادهم في مدارسهم المنظمة الجذابة ! فماذا ننتظر ؟ إن المدارس طبعًا لا تقوم إلا بالمال والمال عندنا بأيدي جهال لا يعرفون قدر العلم ولا يريدون أن يعرفوا ، ينفقون المبالغ الكبيرة في أمور خسيسة أو ضارة ولا يريدون أن ينفقوا في مدارسهم التي بها حياة أولادهم وأمتهم شيئًا .

فبقيت مدارسنا عشرات السنين كما هي في تأخرها وفوضويتها واختلالها وخلوها من الوسائل التي تنهض بها ، وهي على قلة عددها مختلفة المشارب متباينة الأنظمة ، ضئيلة الجدوى لا تسمن ولا تغني من جوع ؛ لأنها لا تتجاوز حدود الابتدائية ، وأكثرها لا تتعدى درجة الأولية .

هذا والأمم الأجنبية المجاورة لنا كالإفرنج والصين ، بل الجاويين الذين كانوا يتعلمون في مدارس الحكومة لهم ما يسد حاجتهم من المدارس فترقت عقلياتهم ، وتهذبت أخلاقهم ، واستطاعوا أن يفكروا في شئونهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والصحية وغيرها ، وأنشؤوا جمعيات راقية ، وأصدروا صحفًا متنوعة كثيرة ، وفتحوا دكاكين تجارية كبيرة ، وأقاموا شركات مختلفة نافعة ، وعلى الأقل يستطيعون أن يتوظفوا .

وأما المسلم وبالخصوص العربي هنا ، فأبواب الأعمال أمامه مسدودة حتى الوظائف ، فلا حيلة له إلا أن يشتغل سائقًا أو تاجرًا بسيطًا يشاكس صاحبه ، فليس لدى المسلمين ولا سيما العرب في هذه البلاد جمعيات نافعة ، ولا مدارس منتجة ، ولا صحف منظمة ، ولا تجارات كبيرة ، ولا شركات مطلقًا ولا قدر ولا حرمة في القلوب ، وأما أخلاقهم فلا حاجة إلى أن أذكر لكم أنها سافلة جدًّا بفضل الجهل أيضًا !!

هكذا سيدي بلغت الحالة بإخوانكم المسلمين بجاوة ! ! وما أوصلهم إلى ذلك كله إلا الجهل ، ونحن كما قلنا لكم آيسون من مساعدة أغنيائنا ؛ لأنهم مع الأسف جهال لا يعرفون قدر العلم ولا يدركون آثاره ونتائجه ، والمرء عدو ما جهل فلا نترقب أقل التفات أو مساعدة منهم ولا من إخواننا مسلمي مصر أو الشام أو الهند أو غيرها ؛ لأن كلا منهم مشغول بما يخص بلاده ، ولا ريب أنهم سمعوا ويسمعون أن في جاوة والجزائر حولها هذا المبلغ الهائل من المسلمين تحت خطر الجهل والنصرانية ، ومع هذا لم تتحرك جمعية من الأقطار الإسلامية ولا معهد من المعاهد الدينية ولا إنسان واحد لإنقاذهم من هذا الشر المحدق .

فإذا كان الأمر كذلك فهل يجوز لنا في نظر الشريعة السمحة أن نعمل يانصيب أو نشتريه لتشييد المدارس وجلب المعلمين ، ولكم جزيل الثواب والسلام .


( جواب المنار )

إن شعبا هبط هذا الدرك الأسفل من الجهل وفساد العقائد والأخلاق لا يمكن أن ينقذه ويرفعه ما تصوره المستفهم المستخفي من جمع مال بقمار اليانصيب لتنشأ به مدارس عامة للتعليم بدرجاته الثلاث : من ذا الذي يجمع هذا المال ؟ ومن ذا الذي يتولى تلك الأعمال ؟ ومن ذا الذي يضع النظام والمناهج للمدارس التي يحيا بها الشعب بعد موت ، ويعز بعد ذل ، ويغنى بعد فقر ؟ إن إصلاحًا كهذا لا ينهض به إلا رجال من كبار العقول والهمم والعزائم وأولي العلم والغيرة والإخلاص ، فهل وجد هؤلاء الرجال في جاوه ؟ وتمهدت لهم الوسائل للتعليم المنقذ من الثقة بهم ، والمعلمين الكفاة لديهم ، ومن محاولة جمع المال من الطرق المشروعة كالصدقات والتبرعات والوقف الخيري ، فلم تف بالحاجة ولم يبق في وجوههم إلا وسيلة (اليانصيب ) ؟ على وعورة طريقه وتوقف شراء أوراقه على ثقة المشترين بالبائعين بالرجاء في نجاحهم ؟ ما أظن أن شيئًا من هذا واقع .

إن جمعية الشبان المسلمين في مصر طبعت ألوفًا من أوراق اليانصيب لجمع مال تنشئ به دارًا لها ، ووجدت من الحكومة المصرية ميلاً لمساعدتها بإعطائها أرضًا في مكان من أحسن أحياء القاهرة عمرانًا وبالسماح لها بتوزيع أوراقها في المدارس ومعاهد الحكومة وأرسلت من أوراقها هذه عددًا كثيرًا إلى الأرياف وإلى الهند أيضًا ، وبعد التجربة الطويلة اضطرت إلى الإعلان في الصحف بأنه لم يجتمع عندها المال الكافي لربح ( النمرة ) الأولى وأنها مستعدة لإعادة كل ما جمعته من المال للذين يعيدون إليها الأوراق التي اشتروها .

إن شعبًا كبيرًا لا يمكن أن ينهض ويجدد حياته بجمع المال بهذه الطريقة العوجاء ، والسير عليها بالأرجل العرجاء ، مع ضعف الأسباب لنجاح مثله فيها ، وإنما هذه طريقة دولية قلما تثمر ثمرًا كافيًا إلا بكفالة دولية أو ما يقرب منها من الجمعيات الغنية القوية ، وهي محرمة في شريعة الإسلام ، ولن تنهض هذه الأمة بارتكاب ما حرم الله عليها ، والحالة التي وصفتموها ليست من الضرورات التي تبيح المحظورات وهي كما وصفنا .

وأحيلكم على ما أوصيت به بعض الشبان الإندونيسيين بوصية حفظها في كناشة ، ونشرتها في الجزء الثامن من المنار ، ولعلكم قرأتم خبر مشروع القرش الذي نجح في مصر في العام الماضي ، وتفكروا في القيام بمثله عندكم ، وأدام الله توفيقكم .




المجلد 33، عدد ذو القعدة - 1352هـ الموافق فبراير - 1933م

أبو حسن
18-11-2007, 10:28 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

حضرة العلامة الحجة ، مولانا الأستاذ السيد محمد رشيد رضا صاحب المنار الإسلامي أدامه الله تعالى للأمة إمامًا مصلحًا آمين .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد فإني أرجو من فضلكم أن تتفضلوا بالجواب عن الأسئلة التى تتعلق بصلاة الجمعة فلم تزل أفهام الناس تختلف فيها باختلاف أقوال الفقهاء فيها ألا وهي :

( 1 ) قال بعض العلماء : يُشْتَرط أن يكون إمام الجمعة ممن سمع الخطبة ، وإن زاد على الأربعين ، فهل هذا القول صحيح أم لا ؟

( 2 ) قال في الجمل على شرح المنهج :

( فرع ) لو خطب شخص وأراد أن يقدم شخصًا غيره ليصلي بالقوم فشرطه أن يكون ممن سمع الخطبة وينوي الجمعة إن كان من الأربعين وإلا فلا ؛ إذ تجوز صلاة الجمعة خلف مصلي الظهر اهـ شوبري ، فما معنى قوله : ( وإلا فلا ) فسِّروه لنا ، وهل يشترط على الصبي أو العبد أو المسافر أو مصلي الظهر أن يسمع الخطبة إذا كان إمامًا للجمعة أو لا ؟

إذ هم قد قالوا : إن أحد الأربعة يصح أن يكون إمامًا للجمعة ، فإني لم أفهم اشتراطهم على الإمام أن يكون ممن سمع الخطبة ، وإن زاد على الأربعين ، فإنهم ليسوا من أهل الجمعة ، وإن سمعوا الخطبة فسماعهم لها لم يجعلهم معدودين من العدد الذي تصح به الجمعة ، ومع ذلك تصح إمامتهم ، هذا والمرجو منكم الجواب عن هذه الأسئلة ، ولو كانت عند أهل العلم من البديهات ، ولكن الجواب عن أمثالها لا يخلو من حسن الإفادات .


( ج ) الحق أن تشديد فقهاء الشافعية في أحكام صلاة الجمعة لا يطاق وهم يستنبطون من كل استباط أحكامًا ، وإن كان الأصل الأول لا يقوم عليه دليل كاشتراط الأربعين الموصوفين بالصفات المعلومة في انعقاد الجمعة ، وإذا كان هذا غير صحيح ؛ لأن الأدلة قامت على خلافه سقط كل ما بُنِيَ عليه مما سألتم عنه هنا وغيره ، والمتبادر من أحكام الإمامة عند جماهير العلماء أن من صحت إمامته لغير الجمعة صحت إمامته لها ، وكل من صلى الجمعة وجب عليه أن ينويها ، و الشوبري ليس شارعًا لهذه الأمة ولا إمامًا مجتهدًا فيها ، فمن كلَّف نفسه ما لم يكلفه الله من التعبد بآرائه وآراء أمثاله فحسبه ما يرهق به نفسه في الدنيا ، والذي يجب على كل مسلم حضر الجمعة حيث تقام أن يصلي مع المسلمين كما يصلون ، فإن كان ممن لا تجب عليه كالمسافر ذهبت رخصة السفر بدخوله فيها ، وكانت صلاته كصلاة سائر المسلمين ، ولا يجب عليهم أن يعدوا المصلين ويجعلوا لكل نوع منهم صلاة غير صلاة الآخرين .


المنار، عدد محرم - 1347هـ، الموافق يوليو - 1928م

أبو حسن
30-06-2008, 09:52 AM
حكم وقوف التعظيم لشعار الأمة أو الدولة

السؤال

من صاحب الإمضاء في ( بتاوي - جاوه ) تأخر سهوًا .

فضيلة العلامة الحجة السيد محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار الغراء ، أدام الله للإسلام نفعه ومتع به ، آمين .

بعد إهداء ما يليق بفضيلتكم من مراسم التحية والاحترام وفائق السلام ، ترون القصد من هذا المرقوم سؤالاً كنت أود أن أورده على قواعد الأسئلة بإيجاز ، ولكن استحسنت أن أصحبه بقليل من الشرح لا لأهميته فحسب بل لإفادتكم أيضًا لكي توردوا السؤال على الوجه الذي يتناسب مع الجواب .

كنت قد وجهت هذا السؤال لحضرة العلامة الداعي إلى الله بقوله وفعله السيد علي بن عبد الرحمن الحبشي العلوي الحضرمي القاطن الآن بمدينة بتاوي فصادف حضوري عند وقت رقمه مسطورًا لفضيلتكم . فأشار عليَّ أن أرقم له السؤال في مكتوب ليضمنه المسطور الذي سيرسله للمنار ، وأن أنتظر الجواب ريثما يراه على صفحات مجلتكم فيطلعني عليه . وذلك لا لعدم المعرفة منه ، لا ، حاشا وكلا . ولكن لعدم حبه للتظاهر بالانحياز لحزب من الأحزاب الأندونساوية بجاوه . وقال : إننا عرب مهاجرون يلزم أن نبقى على الحياد تجاه كل حركة أندونسياوية ، ولا بد في جوابنا ما لا يُرضي أحد الفريقين . ومن ثم أشار علي برقم السؤال هكذا :

وهو أن في الجزائر الأندونساوية قامت ضجة بين عظيمين من الأحزاب الأندونساوية وهما الحزب الوطني والحزب الإسلامي ، انتقد هذا الأخير على الأول وقوفهم لدى اجتماعاتهم احترامًا للعلم الذي وضعوه شعارهم القومي ، ولوقوفهم أيضًا عند سماعهم للحن النشيد الموضوع لوطنيتهم مع نوع من الانحناء كما هي العادة المتبعة في الشرق والغرب ، وكذا عندكم في مصر وغيرها من البلدان الإسلامية يقومون بواجب الاحترام والتعظيم لعلمهم ونشيدهم عند رؤيته وسماعه مع نوع انحناء .

فهل عملهم هذا ينافي الدين ويناقض ما أتى به محمد صلى الله عليه وسلم أو هو من قبيل العادة فقط ؟ . وكيف حكمه في ديننا الحنيف ؟ ( مع العلم بأن للإسلام في أدواره أعلامًا ) ونريد البيان أيضًا كيف كان احترام الصحابة للعلم المحمدي إذا كان هناك احترام منهم ؟

وقد قال الحزب المنتقِد : إنه يمس بأصول الدين الإسلامي وإن الوقوف لقطعة من القِمَاش ضرب من الجنون ، فما أحوج البيمارستانات إلى معالجتهم ! وإنه مروق من الدين بحجة أنهم ينحنون لغير الله ، وبرهان واضح على عدم معرفتهم بالدين وما يدعوهم إليه ، وإنه خدش لجبهة الشريعة الغراء ، إلى غير ذلك مما جعل حتى غير المسلمين يدلون بدلائهم في المسألة . وقد خبط الحزب المنتقَد عليه في الدفاع وإفهام المنتقدين خبطًا مما جعل من واجب كاتب هذه السطور أن ينبه العلماء ليبينوا المسألة بيانًا يحسن السكوت عليه .

فنرجو من غيرتكم على هذا الدين أن تفسحوا في مجلتكم للجواب على صفحاتها بما يشفي العليل ، ويبرد الغليل ونرجو أن لا نحال على عدد سابق لصعوبة التفتيش عليه .

وإننا للجواب على صفحات المنار - بفارغ الصبر - منتظرون ، وفي الختام تفضلوا بالتنازل لقبول أسمى سلامنا وفائق احتراماتنا .

... ... ... ... ... السيد علي بن عبد الله السقاف العلوي
... ... ... مدرس بمدرسة عنوان الفلاح بتاوي ويلتفريدن - جاوه


الجواب

الدين كله اتباع ، وأمور الدنيا فوضها الشارع إلى علم أهلها بها , بناءً عليه نقول : لو كان لتعظيم العلم الذي اتخذ شعارًا قوميًّا بالقيام عند نصبه مثلاً صبغة دينية كأعلام أهل الطريق بأن نصب في المسجد ، أو كان نصبه مقترنًا بالأذكار وتلاوة القرآن بحيث يعد كالمشروع دينًا أو قال متخذوه : إنه مطلوب شرعًا - لقلنا : إن عملكم هذا بدعة في الدين ، وقولكم هذا افتراء على الله ، وإن مجموعهما شرع لم يأذن به الله . أما وهم يعدونه من الحاجات لا العبادات ، وينظمونه في سلك السياسات لا الشرعيات - فحكمه حكم سائر ما يستحدث الناس من أمور الدنيا في معايشهم وصحتهم وتنقلاتهم وأسفارهم ونظم التربية والتعليم في مدارسهم ، والإدارة والسياسة والحرب ، الأصل في هذه العادات الإباحة وقد يعرض لها الحظر أو الوجوب أو الندب لضررها أو نفعها فلا يحكم بتحريم شيء من ذلك ولا كراهيته لذاته شرعًا ما دام لم يخالف نصًّا من كتاب الله تعالى ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو يشتمل على ضرر عام أو خاص تحرمهما الشريعة بدليل قطعي فيكون حرامًا ، أو غير قطعي فيكون مكروهًا .

كذلك إذا اشتمل فعله على منفعة مشروعة وتركه على مضرة ممنوعة فإن الحكم يكون بضد ما تقدم ، بأن يكون فعله واجبًا أو مندوبًا ، وتركه محرمًا أو مكروهًا ، لما ذُكر لا لذاته ، فلا شك في أن جميع مستحدثات أسلحة الحرب الحديثة وعتادها ووسائل النقل فيها واجبة في قتال المسلمين لمن يقاتلونهم بها ، ومن عجز عن الحج ماشيًا أو راكبًا على جمل أو دابة وقدر عليه بركوب البواخر المستحدثة وسكك الحديد أو الطيارات وجب عليه الحج على هذه النقالات الحديثة .

وأما الانحناء لغير الله فإن فعل بقصد القربة والثواب أو عدّه فاعله مطلوبًا شرعًا فإنه يكون عبادة محرمة وقد يكون استحلاله كفرًا كما يفعل الذين يطوفون بقبور الصالحين ويقبلونها ويلتمسون أركانها من باب التدين وطلب النفع أو رفع الضر من المدفونين فيها ، وأما الانحناء الذي لا شبهة للتدين فيه فهو من العادات المباحة . وقد يتجه القول بكراهته إذا كان بشكل الركوع في الصلاة للاشتباه به في الصورة وإن خالفه في النية .

وأما قول من قال إن تكريم العلم القومي أو الدولي جنون فهو يتضمن الحكم بأن أكثر البشر مجانين ، فإذا حكموا عليه بمثل حكمه عليهم فأي الحكمين يكون أرجح في العالم ؟ !

فيا أيها المسلمون ، لا تَغْلُوا في دينكم ، ولا تلبسوا الحق بالباطل ، فدينكم يسر لا حرج فيه ، ووسط لا إفراط ولا غلو فيه . ومن أخطأ في اجتهاده ثم ظهر له الحق فليرجع إليه ، فإن الرجوع إليه فضيلة ، والإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة .

هذا ، وأما الأعلام ورايات الحرب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ودول الإسلام فلم يكونوا يقومون لها عند رفعها ، ولكنها كانت محترمة لا يحملها إلا الأخيار ، فكان علي المرتضَى كرم الله وجهه كثيرًا ما يحمل راية النبي صلى الله عليه وسلم وقد حمل رايته يوم فتح مكة سعد بن عبادة سيد الأنصار ، فلما قال : اليوم يوم الدمدمة ، اليوم يوم الملحمة ، اليوم تُستحَل الكعبة . وشكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الراية منه وأعطاها لولده لئلا يعد أخذها إهانة له وللأنصار رضي الله عنهم .


المنار، عدد صفر - 1350هـ الموافق يوليو - 1931م، الجزء 31 الصفحة 739

أبو حسن
24-11-2008, 12:28 PM
فتوى عن الحج:

http://forum.qalamoun.com/showthread.php?p=65524&posted=1#post65524

شحتوت
26-11-2008, 07:34 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد فبارك الله بك وجزاك عنا كل خير وأتمنى من الجميع أن يعوا معنى هذا الرد الجميل من فضيلته والسلام عليكم.

أبو حسن
20-01-2009, 10:05 AM
الحلف بالرسول والحلف بغير الله

(س) حضرة الأستاذ الفاضل السيد محمد رشيد رضا منشئ مجلة المنار:
سأل سائل عن الحلف بغير الله تعالى فقال قوم: يجوز الحلف برسوله صلى الله عليه وسلم فأنكرتُ ذلك لعدم مشروعيته، فنسب آخرُ للمنار تقرير جواز الحلف بغير الله تعالى من نبي وولي، فأسأل من فضيلتكم بيان الحق بهذه المسألة على صفحات المنار بدون إحالة على أعداد سابقة خدمة للدين المبين واقبلوا في الختام سلامًا واحترامًا.

حاشية: وأرجو بيان حكم الحلف بغير الله تعالى.

(ج) صح في الأحاديث المتفق عليها أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحلف بغير الله، ونقل الحافظ ابن عبد البر الإجماع على عدم جوازه قال بعضهم: أراد بعدم الجواز ما يشمل التحريم والكراهة؛ فإن بعض العلماء قال: إن النهي للتحريم وبعضهم قال: إنه للكراهة. وبعضهم فصَّل فقالوا: إذا تضمن الحلف تعظيم المحلوف به كما يعظم الله تعالى كان حرامًا، وإلا كان مكروهًا.

أقول: وكان الأظهر أن يقال: إن المحرم أن يحلف بغير الله تعالى حلفًا يلتزم به فعل ما حلف عليه والبر به؛ لأن الشرع جعل هذا الالتزام خاصًّا بالحلف به أي بأسمائه وصفاته، فمن خالفه كان شارعًا لشيء لم يأذن به الله. وبهذا يفرق بين اليمين الحقيقي وبين ما يجيء بصيغة القسم من تأكيد الكلام وهو من أساليب اللغة، وقد قالوا بمثل هذه التفرقة في الجواب عن قول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي: (أفلح وأبيه إن صدق) فقد ذكروا له عدة أجوبة منها نحو ما ذكرناه، قال البيهقي: إن ذلك كان يقع من العرب ويجري على ألسنتهم من دون قصد للقسم، والنهي إنما ورد في حق من قصد حقيقة الحلف.

قال النووي في هذا الجواب: إنه هو الجواب المرضي. وأجاب بعضهم بقوله: إن القسم كان يجري في كلامهم على وجهين للتعظيم وللتأكيد، والنهيُ إنما وقع عن الأول. وأقول: إن هذا عندي بمعنى قول البيهقي. وقيل: إنه نسخ وقيل: إنه خصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم وقد ردوهما.

والظاهر أن ما كان من حلف قريش بآبائها كان يقصد به التعظيم والالتزام ما حلف عليه، ولذلك كان من أسباب النهي وإلا فلأنهم مشركون غالبًا.

روى أحمد والشيخان في صحيحيهما عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع عمر وهو يحلف بأبيه فقال: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت) وفي لفظ (من كان حالفًا فلا يحلف إلا بالله) فكانت قريش تحلف بآبائها فقال: (لا تحلفوا بآبائكم) رواه مسلم والنسائي.

وروى الشيخان عنه أيضًا (من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله) رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو حصر، وفي معناه حديث أبي هريرة عند أبي داود والنسائي وابن حبان والبيهقي مرفوعًا (لا تحلفوا إلا بالله ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون).

فهذه الأحاديث الصحيحة، ولا سيما ما ورد بصيغة الحصر منها، صريحة في حظر الحلف بغير الله تعالى، ويدخل النبي صلى الله عليه وسلم في عموم (غير الله تعالى) والكعبة وسائر ما هو معظم شرعًا تعظيمًا يليق به؛ ولا يجوز أن يعظم شيء كما يعظم الله عز وجل ولا سيما التعظيم الذي يترتب عليه أحكام شرعية، ولقد كان غلو الناس في أنبيائهم والصالحين منهم سببًا لهدم الدين من أساسه واستبدال الوثنية به، ونسأل الله الاعتدال في جميع الأقوال والأفعال.

اليمامة الحضرمية
02-07-2009, 09:20 PM
https://2hotuq.bay.livefilestore.com/y1pc-d9g2YSDQRLPFASL_PSlDrcICcRNDlP-1Rq7HBDIl79225xT15hfuSb33Q2kvVuGh7x76qZjHvZZAkTKCM UhWyKQCNiI2Li/gif.gif

أيمن غ القلموني
04-05-2010, 02:01 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

إلى حضرة السيد الإمام، مفتي الإسلام، سيدي محمد رشيد رضا، مفتي "المنار" المضيء حفظه الله...

إنني مسلم موحد الله - لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم - وأريد أن أطلع على الحقوق المطلوبة مني للحق عز وجل، وأريد أن أسألكم سؤالاً واحدًا يكون جوابه من لطفكم وعواطفكم، لا حرمنا الله من متعتكم الدنيوية، وأريد نشره في مجلتكم "مجلة المنار" التي أتمنى لها خير النجاح، وهو كما يأتي، ولكم الأجر والثواب عند الله الواحد القهار:

ما هي الطريقة الشاذلية؟ منافعها؟ مضارها؟ تأثيرها؟ مقصودها؟ خطتها؟
نشوءها؟ نموها؟

وإن كان عندكم شيء زيدوا على ما سألت أنا، ولكم الفضل سيدي.

ملاحظة؛ إن الذي أجبرني على أن أسأل حضرتكم هذا السؤال هو شيء واحد، وهو أخي يعرض عليَّ دخول هذه الطريقة ومسلكها، وأيضًا الذي جعلني أن أمتنع عن القبول؛ هو كلام الناس يحكون في حقها ما لا تقبله المسامع.

فيا ترى هذا الكلام صحيح أم لا؟ أخبرنا.

فإن كان لا، فتكون أولاً نفعتني وثانيًا نفعت الذي يريد أن يسلك في هذا المسلك.

فلهذا سألت هذا السؤال، وأملي بأن ينشر على صفحات "مناركم" مع جوابه، ولكم الفضل سيدي ومولانا.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



الجواب:

كان سبب تأخير الجواب عن هذا السؤال؛ أنني كنت أريد أن أكتب خلاصة تاريخية لهذه الطريقة وفروعها، ولا سيما الفرع الذي انتشر واشتهر في فلسطين بدعوى الحلول والجمع بين النساء والرجال في الأذكار والخلوات، وغير ذلك من المنكرات التي أشار إليها السائل بقوله: "يحكون في حقها ما لا تقبله المسامع".

وهذه الخلاصة تتوقف على بحث ومراجعة، ولذلك مرت هذه السنوات ولم أجد لها فراغًا، ونسيت هذا السؤال، بل ضل عني بين الأسئلة المهملة، لأسباب مختلفة، منها سبق الجواب عن مثلها، ومنها انتظار الفرص للبحث عن موادها وأدلتها كهذا السؤال.

وإن أكثر فتاوى "المنار" في هذه السنين؛ تُكتب بدون مراجعة شيء من الكتب، وأقلها بعد مراجعة لا تستغرق وقتًا طويلاً، ولما نجد فرصة لكتابة هذه الخلاصة.

والذي ننصح به للسائل عن الطريقة الشاذلية:

أن يتجنبها ويتجنب أمثالها من هذه الطرائق التي بيَّن غرضها أحد كبار رجالها في القرن الماضي، وهو السيد محمد الزعبي الجيلاني - شيخ الطريقة القادرية في طرابلس الشام - وهو والد الأستاذ الكبير السيد عبد الفتاح الزعبي - نقيب السادة الأشراف والخطيب المدرس في الجامع الكبير المنصوري من زهاء قرن -

فقد أخبرني هذا الأستاذ؛ أن بعض مريدي والده سأله عن سبب اختلاف أصحاب هذه الطرائق في عمائمهم وشاراتهم وأعلامهم وأورادهم وأذكارهم، مع دعواهم أن الغرض من سلوك كل طريقة منها معرفة الله تعالى وعبادته الصحيحة؟!

فقال له السيد المنصف رحمه الله تعالى: (تغيير شكل لأجل الأكل)!

وأخبرني الأستاذ الشيخ محمد الحسيني - أشهر علماء طرابلس لهذا العهد - أنه كان مرة في درس الشيخ الخضري الكبير في الجامع الأزهر، فمرَّ بالقرب من الجامع موكب لأهل الطريق، بدفوفهم وصنوجهم وضجيجهم، فسكت الشيخ عن تقرير الدرس إلى أن بعدوا وخف صوتهم، وقال لتلاميذه: (إن جميع طرق الصوفية دخلتها البدع، إلا الطريقة النقشبندية والطريقة الدمرداشية) اهـ.

ولكنني انتظمت بعد سماع هذا القول في سلك الطريقة النقشبندية، فألفيتها لم تخل من البدع، ثم اختبرت الطريقة الدمرداشية فوجدتها كذلك، ولكن بدعهما أهون من بدع غيرهما، فليس فيهما معازف ولا ملاه ولا أغاني ولا عبادة قبور، ولا أوراد غير ذكر الله تعالى.

وقد تكلمت على بدعة الرابطة عند النقشبندية، وبدعة الذكر بالأسماء المفردة عندهم وعند غيرهم من قبل.

وأين هي من التيجانية والحلولية والإباحية من الشاذلية الترشيحية وغيرها؟!

فعليك أيها المسلم؛ أن لا تقرب أحدًا منهم.

وإن لبعض من تفقه من شيوخهم؛ فائدة في إرشاد العوام إلى الصلاة والصيام وذكر الله، وإن كان بعضه غير مأثور أو مبتدع - كالذكر بالأسماء المفردة، وهو هو، وآه آه - فلو اعتصموا بالمأثور لكان خيرًا لهم، وقد فصَّلنا هذه المسائل مرارًا.

وعليك بتلاوة القرآن والأذكار والأوراد المأثورة في السنة الصحيحة، وحسبك من مختصراتها كتاب "الكلم الطيب من أذكار النبي صلى الله عليه وسلم" لشيخ الإسلام ابن تيمية، فإن أحببت المزيد فعليك بكتاب "الأذكار" للإمام النووي أو "الحصن الحصين" للمحدث الجزري.

مجلة المنار، العدد 9
جمادى الآخر/1351 هـ

أبو الفداء أحمد بن طراد
04-05-2010, 04:11 AM
أحسنتم أحسن الله إليكم ونفع بكم

أبو الفداء أحمد بن طراد
21-07-2010, 02:08 AM
اشتريت فتاوى الإمام محمد رشيد رضا التي جمعها الأستاذ الخوري، وصلاح الدين المنجد، وإن يسر الله الأمر سأرفعها لكم هنا ـ إن شاء الله ـ، أو انسج على منوالها وذلك بوضع كل كلام الإمام من المجلة، ونقل التعليقات ( أي؛ تعليقات الخوري، والمنجد فيه )

الشامي
21-07-2010, 02:59 AM
الله يبارك فيك أخي أبو الفداء...

أبو الفداء أحمد بن طراد
15-12-2010, 11:01 PM
لم ييسر لي رفعها، ولكن المكتبة الوقفية رفعتها ـ فجزاهم الله خيرا ـ، ودونكم الرابط:
http://www.waqfeya.com/book.php?bid=5637