المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جائزة نوبل للآداب



وسيم أحمد الفلو
12-10-2007, 12:40 AM
يحلو لبعض النقاد أن يقسم مراحل التجربة الأدبية للكاتبة البريطانية دوريس ليزينج التي فازت بجائزة نوبل للأدب هذا العام (2007) الى ثلاث مراحل.

يطلقون على المرحلة الأولى المرحلة الشيوعية التي تتسم بالطابع الاجتماعي للأحداث في رواياتها، ويحددون هذه الفترة بالسنوات الممتدة ما بين عام 1944 وعام 1956، باعتبار ان تلك السنة شهدت انسلاخها عن الحركة الشيوعية بعد اصابتها باحباط من النظام الستاليني.

أما المرحلة الثانية فيصنفها أولئك النقاد بأنها مرحلة الكتابات السيكولوجية، باعتبار أن ليزينج كتبت في هذه المرحلة روايات غارت فيها في أعماق النفس البشرية، وتنتهي هذه المرحلة حسب أولئك النقاد بعام 1969 وهو عام صدور رواية "مدينة بأبواب أربعة".

أما المرحلة الثالثة فيطلقون عليها اسم "المرحلة الصوفية"، والتي عادت بعدها الى كتابة روايات تجمع بين سمات المراحل الثلاثة .

لا شك في أن كل كاتب يمر بمراحل مختلفة خلال حياته الابداعية، ولكن أي محاولة لاي تقسيم قسري اعتباطي يرصد بالسنين بداية ونهاية كل مرحلة يفتقر الى فهم لماهية عملية الكتابة الابداعية.

الأسلوب الكتابي ينضج ويختمر، والرؤية الفلسفية والنظرة الى الحياة كذلك ولكن هذا لا يحدث بشكل لحظي أو محدد زمنيا بل بشكل متواصل.

فضلا عن ذلك فان فلسفة ليزينج التي بدأت على هدايتها كتاباتها الأولى بقيت حاضرة عبر كل المراحل الثلاثة تلك.

ليزينج ترى في الكتابة وسيلة لاضافة أبعاد وفضاءات الى عالم محدود، وقد بدأت ممارستها لهذه الفلسفة في مراحل مبكرة حين كانت حدود عالمها الفيزيائية محدودة، تزيدها التربية القاسية التي أخضعت لها ومعاناتها كطفلة وشابة ضيقا .

أهم مؤلفات دوريس ليزينج
العشب يغني
الكراسة الذهبية
مذكرات الذي نجا
الحب مرة أخرى
سلسلة "أطفال العنف"
كانت الكتابة بالنسبة لليزينج وسيلة للهرب بشخصياتها المتفردة الى مجاهل العام واللامحدود لتمارس صراعاتها وتحولاتها.

سيرة ذاتية واسقاطات
منذ روايتها الأولى "العشب يغني" الصادرة عام 1949 انتهجت ليسزنج الكتابة القائمة على السيرة الذاتية، ولكن ليس بالمعنى الحرفي التبسيطي للكلمة، ففي الأدب لا يمكن بسهولة تعريف الحد الفاصل بين الحقيقي والخيالي في الأحداث والتداعيات الروائية.

اذن هي تسقط ذاتها ورؤياها على شخصياتها، وقد تعمل العكس، اي تستخدم تفاصيل من حياتاها الشخصية وتستعير لها شخصيات من نسج الخيال، وأحيانا تكون روايتها نسيجا مختلطا من هذا وذاك.

في روايتها "العشب يغني" كما في العديد من رواياتها الأخرى نرى الضوء يسلط على الغبن العنصري والظلم الاجتماعي (حيث هي عاشت لسنوات طويلة في جنوب افريقيا العنصرية وقتها)، وكذلك الصراع بين العناصر المتضادة بشكل عام.

هذا الصراع نجده في العديد من رواياتها اللاحقة، وأحيانا يتخذ شكل صراع الأضداد في داخل الشخص نفسه، وفي أحيان أخرى يصبح الصراع بين الضمير الفردي كمعادل للخير والضمير الجماعي كمعادل للخير الزائف، وهنا يبرز بوضوح تأثرها بالكاتب الروسي تيودر دوستويفسكي.

في عام 1956 أصبح وجود ليزينج غير مرغوب فيه في جنوب افريقيا بسبب توجهات كتاباتها وموقفها المعلن من العنصرية.

الأنثى النمط والمرأة المرأة
كانت شخصيات ليسينج الأنثوية محط انتقادات ذوي التفكير النمطي ونشيطات الحركة النسوية "feminists" على حد سواء.

لاحظت ليزينج أن الزواج والولادة كان يعني نهاية لحياة المرأة من حيث هي شخصية مغامرة متفردة ومتفاعلة مع عالمها، لتصبح شخصية محددة المعالم تمارس دورا اجتماعيا محدودا رسم لها بعناية.

لهذا أخذت ليزينج بأيدي شخصياتها النسائية وأطلقتها في عوالم غير محدودة، وجعلتها تتفاعل في حرية أثيرية خلقت منها انسانا ثريا بالنجاحات حينا وبالاحباطات في احيان كثيرة.

المرأة في روايات ليزينج قد تكون معاكسة للصورة النمطية للأنوثة، وهذا ما أخذه عليها منتقدوها من ذوي الفكر التقليدي، ولكنها امرأة لا تتجنب المواجهة ولا تحتمي بجناحي الرجل بل تستخدم أجنحتها الغضة للتحليق فوق الهاوية في أحيان كثيرة، ولا بأس ان خانتها تلك الأجنحة أحيانا وسقطت في الهاوية.

ولماذا لم يعجب موقفها هذا "نساء الرفض" في الحركات النسوية " ؟ لأن ليسينج في كتاباتها لم تر العلاقة بين الرجل والمرأة صراعا جنسيا على الامتياز، ولم تكن المرأة عندها ضحية للرجل بل رفيقة له في مواجهة ما يواجهه كلاهما من غبن المجتمع بقوانينه، وتسلط ضمير المجموع لينفي ضمير الفرد.

ليزينج تعتقد ان أخذ المرأة موقفا عدائيا من الرجل وتوجيه أصابع الاتهام كلها له هو شكل معاكس للنمطية التي تحاصر بها وتشكو منها المرأة نفسها.

كل هذا نجده واضحا في رائعتها "المذكرات الذهبية" التي نشرت عام 1962.

هل هناك مراحل ؟
في كل "مراحلها" التي يصر بعض النقاد على وسم مسيرتها الابداعية بها كانت ليزينج ذات رؤية متفردة وفي غاية العمق للظواهر والقضايا التي عالجتها، وحتى في مواقفها السياسية، ولكن رؤيتها العامة وموقفها بخطوطه العريضة لم يتغير على مدى السنين السبع والخمسين من مسيرتها الكتابية الطويلة.

ليزينج تناصب العداء كل أشكال التعسف ، حتى حسن النية منها، ولذلك نجدها شخصية مثيرة للجدل حتى في أوساط من يظن المرء للوهلة الأولى انهم رفاقها.

كان انخراطها في الحركة الشيوعية بسبب موقفها من الظلم الاجتماعي والاقتصادي والعنصري وانحيازها للمعدمين والمسحوقين، وكان تركها لتلك الحركة في مرحلة مبكرة لأنها اكتشفت الثغرة بين المبادئ الصارخة والمسلك المراوغ والانتهازي.

كان انحيازها لقضايا المرأة قائما على نفس المبدأ، وكذلك كانت قطيعتها مع تلك الحركات: هي أذكى وأعمق من أن تتصور الرجل عدوا للمرأة وسببا لبؤسها، بل نفذت ببصيرتها الخارقة الى لب الوضع، ووجهت أصابع الاتهام الى المؤسسة دون الفرد.

حتى في ما يسمى بـ"المرحلة الصوفية" كانت رؤيتها قائمة على القناعة بأن "تحرر الفرد رهن بفهمة للعلاقة بين مصيره الفردي ومصير المجتمع ككل"، ونستطيع أن نقول أن هذه الرؤية ميزت كتاباتها منذ البداية الى النهاية.

AN

أبو حسن
16-10-2007, 09:02 AM
"عبر النفق"
قصة قصيرة
تأليف : دوريس لسنغ
ترجمة: زعيم الطائي

متوجها الى الشاطىء، في صباح أول يوم من أيام الأجازة، توقف الصبي الأنكليزي عند منعطف الطريق، ناظراً من مكانه العالي الى منخفض الخليج الصخريالنائي المقفر، ثم أكمل سيره متمهلاً عبر الساحل المزدحم الذي يعرفه جيداً منذ سنوات عديدة، كانت أمه قد سبقته وهي تتمشى أمامه، تحمل حقيبتها ذات الخطوط اللامعة بأحدى يديها، وقد تركت الذراع الأخرى تتدلى على جنبها سائبة، بيضاء لا شيّة فيها، تحت الشمس الساطعة، نظر الصبي الى بياض، الذراع العارية، وأدار عينيه، بتقطيبة واضحة، نحو الخليج البعيد، ثم عاد للتطلع اليها ثانية، عندما شعرت أنه غائب في ذهنه عنها، التفتت اليه (أوه، أنت هنا، ياجيري) قالت، وقد بدت عليها نظرة توق، أعقبتها بأبتسامة (لماذا ياعزيزي، الا تفضل المجيء معي، ألا تريد صحبتي؟) تجهمت ملامحها من جديد، متعمدة بقلق بالغ تعرف السر الجاذب الذي توله به، حيث شغلها التفكير حوله بجد كبير، كانت تتملكه لهفة قد أستحوذت كيانه، وبأبتسامة معتذرة زائغة، عاود الركض خلفها من جديد وقد تملكه الندم، غير أنه ظل يتلفت عبر كتفيه الى الوراء نحو الخليج المقفر، وفي كل صباح، حينما يبدأ باللعب عند الساحل الآمن، لايتوقف ذهنه لحظة عن التفكير فيه.

صباح اليوم التالي، أوقات السباحة المعتادة والحمام الشمسي، قالت أمه (هل مللت من الشاطىء العادي، ياجيري؟ أتحب الذهاب الى مكان آخر؟)
(أوه، كلا. !) أجابها بسرعة متذرعاً بتلك الأبتسامة المشتاقة المندفعة المغمورة بقليل من الندم - كنوع من الأخلاق الفروسية، حينما كان يتمشى معها في الممرالصاعد، قال (أود الذهاب لألقاء نظرة على تلك الصخور تحت هناك).

أولت الفكرة بالغ عنايتها، كان المكان يبدو موحشاً، لايرتاده أحد، لكنها أجابت (بالتأكيد يا جيري، حينما تنتهي من هناك، تعال الى الشاطىء الكبير، أو توجه حال عودتك الى الفيللا مباشرة، أذا أردت) قفلت راجعة، شاهد تلك الذراع العارية، المتأرجحة، وقد تبدى عليها شيء من الأحمرار أثر شمس البارحة، حاول تقريباً أن يشرع في الركض خلفها مرة أخرى، بشعور لايحتمل، أنها ستذهب وحيدة، لكنه لم يفعل، وبقي ساكناً في مكانه.
فكرت هي، بالطبع قد كبر بما فيه الكفاية، أن يكون آمناً بدوني، أمن الضروري أن أجعله لصيقاً بي؟يجب أن يبادر هو من ناحيته بالشعور بذلك، وعلي أن أكون حذرة في التعامل معه في هذا الشأن.

فهو مازال طفلاً، ليس له، إلا أحد عشر عاماً، وهي أرملة، لذا فقد قررت أن لاتدع الغيرة تتسلل الى قلبها، وأن لاتقلل من رعايتها له في الوقت نفسه .وبذا توجهت يساورها القلق الى شاطئها .

أما بالنسبة لجيري، فما أن أطمأن الى أن والدته قد وصلت الشاطىء، حتى شرع بالنزول الى المنحدر، من مكانه، حيث الصخور البنية الحمراء، كانت تنجرف ألوان الأزرق المخضر في المنطقة الهدبية بين الصخور ممتزجة مع البياض الناصع لمشهد البحر الواسع، وماأن توغل بالنزول، شاهدها تنفصل بين النتوءات والفتحات تحت العراء، والصخور القاسية وتجعدات السطوح الملتفة، وقد أصطبغت بالأزرق المعتم ولون الأرجوان، أخيراً وما أن أستمر في الأنزلاق والعدو في نزوله للياردات المعدودة المتبقية، حتى شاهد الحافات البيضاء للموج في المنطقة الضحلة، مياه مضيئة متحركة فوق الرمال البيضاء اللامعة، الى جانب الأزرق القوي المندمج في شكل متوحد.

ركض قافزاً نحو الماء، مبتدئاً سباحته، كان سباحاً ماهراً، بعدها خرج ليرتمي فوق الرمال البراقة، في المنطقة التي أستلقت فوقها صخور تشبه مردة لالون لها تحت السطح المستوي، أخيراً هاهو في بحر حقيقي – بحر دافىء، حيث تيار البرودة المعتاد يتسلل بين المياه العميقة، مصطدماً بأطرافه من الأسفل .

حينما كان يتطلع من مكانه سابقاً نحو الخليج، لم يكن يرى الخليج الصغير وحده، بل النتوءات المتشعبة مابينه وبين الساحل الشاسع، عائماً على السطح المبهج راح ينظر الى مكان أمه، تلك هي، هناك، نقطة صفراء عائمة تحت مظلتها، كشريحة من قشر البرتقال، عاد سابحاً بأتجاه الجرف، لكي يطمأن أنها مازالت هناك، لكنها في نفس الوقت كانت مستوحدة تماماً .

عند حافة الرأس الصخري، الذي وسم جانب الخليج البعيد حيث النتوءات المنتشرة والأحجار المتساقطة المتناثرة، كان هنالك عدد من الصبية، خلعوا ملابسهم، جاؤا يتراكضون، نازلين مع الجرف المنحدر، صوب الصخور، عراة كلهم، سبح الصبي الأنكليزي بأتجاههم، متحاشياً مرمى الأحجار، كانوا من مستوطني السواحل، صقلت ألوان بشرتهم باللون البني الداكن، يتكلمون لغة لايفهمها، ولذا فلن يستطيع التأقلم معهم، وأن كان في أشد التوق لذلك، متلهفاً بكل كيانه، سبح مقترباً منهم، أستداروا نحوه وجعلوا يرقبونه بعيونهم السوداء الضيقة، المتوعدة، بعد ذاك أبتسم له أحدهم ورفع له يده محيياً، كان ذلك كافياً، أن يتشجع بالأقتراب أكثر، وماأن مرت دقائق حتى كان معهم في الجانب الصخري، تعلو محياه تلك الأبتسامة العصبية اليائسة المتضرعة، نادوه بتحيات مبتهجة، غيرأنه ظل محتفظاً بتلك الأبتسامة المتجاهلة، فكروا أنه أجنبي ضل الطريق الى مكان البلاج، تابعوا لعبهم متناسين وجوده، لكنه أحس بالمتعة بصحبتهم.

أبتدؤوا في الغوص مرة بعد مرة، من أعلى نقطة على الجدار البحري المزرق، بين الصخور الخشنة، ذات النهايات المدببة، بعد أنتهائهم من الغطس وخروجهم من الأعماق، سبحوا من جديد، ساحبين أنفسهم خارجاً، منتظرين دورهم في الغطس كرة أخرى، بدوا لجيري كفتية كبار، وجرب هو أن يغطس، فراحوا يراقبونه بفضول، وعندما عاد سابحاً لنقطتة، فسحوا له مكاناً بينهم، أشعره ذلك بتقبلهم له، مما جعله يعود الى الغوص من جديد، فخوراً بما حققه أمام نفسه .

حالاً أستعد أكبر الأولاد، ثم قفز أمامهم الى الماء، دون أن يظهر له أثر، بقي الآخرون ينتظرون خروجه مترقبين، بعد أنتظار جيري لأندفاع الرأس الأملس البني من الماء، أطلق صيحة محذرة، راحوا ينظرون اليه متكاسلين، ثم عادوا يراقبون بأعينهم سطح الماء، بعد مرور وقت طويل، برز الصبي من الجهة الأخرى للصخور المعتمة الهائلة،
مالئاً رئتيه بالهواء، وهو يلهث مطلقاُ صيحة النصر، فهرع الجميع في الحال غاطسين مرة واحدة في القعر، بلحظة أمتلأ بدردشتهم الصباح، بعدها كان الهواء وسطح الماء فارغين، ولكن خلال الزرقة الكامدة، كانت الأشكال السوداء تبين متلمسة طريقها في العتمات.

غاص جيري، ملقياً كل ذكريات المدرسة جانباً، تحت الماء، وبينما هو في غطسته لاح له جدار من الصخور السود، تلمسها، أثناء صعوده فوق الماء، كانت الصخور تشكل مانعاً واطئاً لم يتمكن من النظر خلاله، لم يعد يرى أحداً الى جواره، أو تحته، داخل الماء، وأختفت كل الأشكال السود السابحة المعتمة من حوله، بعدها برز أحد الأولاد وتبعه الآخرون في الجهة البعيدة من حاجز الصخور، فعرف حينذاك أنهم يسبحون عبر فجوات ودهاليز تتخلل الجدار، هبط الى الأسفل تارة أخرى، فلم ير شيئاً بين ملوحة البحر اللاسعة غير الصخور الجرداء، حالما أخرج رأسه ثانية، كان الأولاد جميعا فوق صخرة الغطس، يهيؤون أنفسهم لمحاولة بطولية أخرى، في هذا الوقت، محاولاً مداراة محاولته الفاشله، وخجله، صرخ جيري بالأنكليزية (أنظروا لي، أنظروا)وبدأ يرش من حوله الماء ويضرب بيديه مثل كلب أخرق .

نظروا اليه بفضول، بوجوه عابسة، بعبوس عرفه لحظات الخسارة، حينما يريد أن يسترعي أنتباه أمه بأدعاء بطولي، فيثير خوفها وقلقها لكي ينال بعدها تقطيبة جامدة بدلاً من المكافأة التي توقعها.

وأثناء لحظات خجله تلازمه تلك التكشيرة الغريبة كعلامة فارقة لايمكن أزالتها، نظر الى مجموعة الأولاد الكبار السمر فوق الصخرة منادياً بصوت عال:
“Bonjour! Merci!Au revoir!monsieur، monsieur، ”
(صباح الخير !شكراً! مساء الخير !مسيو، مسيو)
بينما كان يعلق أصابعه حول أذنيه، ويهزهما بشكل مضحك، أخذ الماء يندفع الى فمه، أختنق به، حتى كاد يغرق، طفا من جديد، الصخرة أمامه، قد خف وزنها أخيراً، وأرتفعت مع الأولاد، خارج الماء، كأنها في حالة أنعدام للوزن، مضوا كلهم طائرين من حوله، وسقطوا في الماء، الآن، أمتلأ الهواء بالأجساد الطائرة، وبقيت الصخرة خالية تماماً تحت أشعة الشمس الدافئة، أصبح يعد لهم مع نفسه، واحد، أثنان، ثلاثة.

عند الخمسين أصابه الهلع، لابد أن الجميع قد غرقوا، في الكهوف المائية للصخور ! عند المئة، أخذ يحدق من حوله في جوانب التل، متسائلاً أن كان يتحتم عليه الصراخ طالباً العون، أمعن في العد سريعا، سريعاً، ليعجل بأحضارهم، ليقدموا الى السطح مسرعين – كل شيء بدلا من رهبة العد المستمر دون جدوى، في زرقة الصبح الخالي، عندما وصل في العد مئة وستين، أمتلأ سطح المياه ا لذي يحيط الصخرة بالأولاد السمر وهم ينفخون الماء بأفواههم النافورية كالحيتان، يعومون عائدين جهة الساحل دون أن يعيرونه أهتماماً، تسلق صخرة الغطس، ثم أتخذ له مجلساً هناك، فأحس بخشونتها وحرارتها بين أفخاذه، تجمع الأولاد بعيداً، أرتدوا ملابسهم وأتخذوا طريقهم عبر الساحل نحو لسان آخر، غادروا مبتعدين، ماأن رآى أختفاءهم عن ناظريه، حتى أجهش بالبكاء، موجهاً قبضته نحو عينيه، دون أن يراه أحد، أسلم نفسه وحيداً لبكاء مرير.

بدا له أن وقتاً طويلاً قد مضى، فعاد سابحاً الى المكان الذي أستطاع فيه رؤية أمه، نعم مازالت هناك، لمح البقعة الصفراء تحت المظلة البرتقالية، سبح عائداً بأتجاه الصخرة الهائلة، تسلقها، وعام ثانية في البركة بين الصخور الغاضبة النابية، نزل الى الأسفل حتى مس حائط الصخور ثانية، لكن الماء المالح تسبب بأذى عينيه حتى لم يعد بأمكانه رؤية شيء.

خرج الى السطح، وتوجه سباحة صوب الشاطىء، عائداً الى الفيللا منتظراً عودة والدته، شاهدها بعد حين تسير متمهلة صاعدة في طريق عودتها الى البيت، بحقيبتها المتأرجحة ذات الخطوط، وذراعها العارية المتدلية الى جانبها، تطلق لمعاناً تحت الضوء (أريد نظارات سباحة وقائية) قال بصوت يمتزج فيه التحدي والتوسل معاً، حدجته بنظرة صابرة يشوبها الفضول، وأجابت بتلقائية (حسن، بالتأكيد ياعزيزي).

ولكنه يريدها، الآن، الآن، الآن! يجب أن يحصل عليها وفي هذه اللحظة، وليس في وقت آخر.ظل متضايقاً ومنزعجاً حتى أصحبته الى المتجر، وحالما دفعت ثمنها، خطفها من بين يديها متلهفاً كما لو كانت ستحتفظ بهما لنفسها، ثم هرول مسرعاً نازلاً درجات الممر صوب الخليج.

عبر سباحة نحو الصخرة المانعة، أحكم نظاراته حول عينيه، ثم شرع بالغوص، لكن تأثير الملوحة كسر مرفقها المطاطي، فتسيب أحد أطرافها، كان يعرف أن عليه النزول من مكانه عند السطح حيث القعر الصخري، أصلح وضع النظارة وأعادها بأحكام حول عينيه، تنشق شهقة عميقة، وأدلى رأسه في الماء، الآن بأمكانه الرؤية جيداً، كأنما أمتلك عينين مختلفتين، لسمكة، كل شييء صار أمامه واضحاً، حساساً ومترددا في لمعة الماء.
تحته، على مبعدة ستة أو سبعة أقدام الى الأسفل، رأى الأرضية نظيفة تماماً، مغمورة بالرمل الأبيض البراق، تترقرق بقوة وثبات تحت الموج، كان شكلان رماديان يحومان هناك، وبعد فترة قصيرة، عبرت من فوق رأسه قطعة لوح خشبي، وسمكتان تشم أحداهما أنف الأخرى، وبرباطة جأش سكنتا في مكانهما بلا حراك، ثم أنطلقتا متجهتين قدماً، بعدها أنحرفتا في أستدارة طويلة، كما لو كانتا تؤديان رقصة تحت الماء، بضع بوصات من فوقهما كان الماء يطلق شرراً، يتساقط بأنحراف مضيىء على مختلف الجهات، أقبلت أعداد غفيرة من الأسماك الدقيقة بطول أضفار الأصابع، بدأت تلوح عائمة خلال الماء، وفي لحظات أحس بها تلامس بدقة بالغة أطرافه، وكما لو أنه يخوض بحراً من الرقائق الفضية، شاهد الصخرة البحرية الهائلة التي كان الأولاد ينطلقون منها، تبزغ منحرفة بين الرمال البيضاء المسودة، فمرق بخفة بين حزم الأعشاب البحرية المخضوضرة، لم ير أية فجوة أمامه، توغل أكثر في الأعماق .

أبو حسن
16-10-2007, 09:04 AM
أرتفع أكثر من مرة نحو السطح، يملأ صدره بالهواء، ثم يقفل عائداً الى أغواره، وكرة أثر أخرى، كان يتلمس سطح الصخرة الماثلة، يتحسسها، يحتضنها بيأس حاجته لمنفذ أثناء تعلقه بالجدار الداكن، ، بعدها، صدفة، أثناء تعلقه بالجدار الداكن، وركبتاه تصعدان، أحس بقدميه وهو يدفعهما أمامه لاتصطدمان بأية عقبات، حينها عرف أنه قد عثر على الفتحة ضالته.

نال السطح من جديد، تسلق حول الصخور المتعرشة باحثاً عن حجرة ثقيلة، حتى أكتشف وجود واحدة كبيرة الحجم، أنزلق الى أحد الجوانب مع صخرته نحو الأسفل مستعملاً ذراعه، فوقع بكل ثقله مباشرة فوق الأرض الرملية، تعلق بشدة بمرساته الصخرية الثقيلة، أضطجع على جانبه متطلعاً أسفله الى الرف المظلم الذي دخلت فيه قدمه من قبل، فلاحت له الفتحة، فجوة غير طبيعية، لكنه لم يلمح لها عمقاً، ترك تشبثه بالنتوء، وتعلق بيديه في حواف الفتحة، محاولاً أقحام جسده الى الداخل .

أدخل رأسه بادىء الأمر، صافاً كتفيه جانباً الى صدره، لم يستطع رؤية شيء في الداخل، أحس بشيء دبق وناعم يلامس فمه، رأى سعفة سرخسية معتمة تتحرك بأتجاه الصخرة الرمادية، فأصابه الفزع، ظاناً أياها أخطبوطاً، عبر الأعشاب العالقة زاحفاً بجسده الى الخلف ملقياً نظرة سريعة أثناء تراجعه، رأى حزم الأعشاب البحرية وهي تطفوا عند فم النفق. غير أنه أستطاع الوصول الى ضوء الشمس الكافي، سبح حتى أدرك الشاطىء، وهناك أستلقى على صخرة الغوص، ناظراً الى زرقة الماء النقية من تحته، كان يعرف أن عليه أكتشاف ذلك الكهف أو الثقب أو النفق الذي سيؤدي الى الجانب الثاني، مهما كلفه الأمر .

فكرأولاً، أن عليه التحكم بأنفاسه، ترك نفسه تحت الماء مع حجرة كبيرة أخرى بين يديه كي يستطيع المكوث بشكل أسهل في القاع، أبتدأ يعد، واحد، أثنان، ثلاث، أخذ يعد بثبات، بأمكانه الآن سماع أية نأمة لمسرى الدم وسط صدره، أحدى وخمسون، أثنتان وخمسون، صار صدره يؤلمه، غادر الصخرة، أنطلق في الهواء المفتوح، كانت الشمس توشك على النزول، في الفيللا، وجد أمه تتناول عشاءها، فقط قالت (هل قضيت وقتاً ممتعاً؟) أجاب (نعم !).

أمضى ليلته يحلم بشلالات الضوء المائية داخل كهف الصخور، حالما أنهى فطور الصباح، حتى غادر متجها ً صوب الخليج.

أثناء الليل كان أنفه ينزف بشكل سيء، قضى ساعات تحت الماء، متعلماً كيف يكتم أنفاسه لمدة أطول، ماعادت لديه القدرة الأن، فداهمه شعور بالغثيان والضعف، قالت أمه (لو كنت مكانك ياعزيزي، لما كنت أبالغ بالأمر).

طوال اليومين التاليين، أستمر جيري في تمرينات الرئة، كمالوأنها كل شيء في حياته، وكل مايبغي أن يكونه متوقف على هذه المسألة، وعاد أنفه الى النزف مرة أخرى وقت الليل، أصرت والدته أن يصحبها في الغد ويمضي الوقت معها، كان من الصعب عليه قضاء اليوم متخلياً عن الأهتمام بتمارينه، لكنه بقي معها على الشاطىء، الذي تبدى له كملعب للأطفال، كانت أمه تقضي أغلب نهاراتها مستلقية تحت شمسه.لذا لم يشعر أن له مكان فيه .

في اليوم التالي، دون أن يطلب أذناً، للذهاب الى شاطئه، غادر قبل أن تتبين الأم أن كان الأمر خطأ أم صواباً، قضى ماتبقى من اليوم مستكشفاً، ماإذا كانت له القدرة على تحسين الوضع وبلوغ الرقم العاشر، الأولاد الكبار جعلوا يمرون بينما كان يعد المئة والستين، أخذ يعد بسرعة، وقد داهمه الخوف، الآن من المحتمل، أذا حاول، بفسيكون بأستطاعته أجتياز النفق، لكنه لم يقدم على المحاولة بعد، خشية، أو عناداً طفولياً، أو كبحاً لجماح عواطفه، كل ذلك ألزمه الأنتظار، وفي نفس الوقت، أستلقى بجسده على الرمل الأبيض تحت الماء، محملاً بالحجارة التي جلبها معه، دارساً طرق مداخل النفق، فقد عرف كل بروز وزاوية فيه، كما تبينها بنفسه، أو أحس بملمسها الحاد فوق كتفيه.

وفي الفيللا، أتخذ له مجلساً مقابل الساعة، عندما لم تكن أمه قريبة منه، يختبر توقيت قدرته، شاكاً في تمكنه من قطع أنفاسه دون أجهاد مدى دقيقتين، كلمة(دقيقتين) التي ترتبط بالساعة، تنتهي بمغامرته البالغة الضرورة بالنسبة له.

بعد الأيام الأربعة الأخرى، قالت أمه في الصباح بشكل أعتيادي، يجب عليهم العودة الى البيت، قبل يوم من رحيلهم، أحب أن يفعلها، يفعلها حتى لو تسببت في القضاء عليه، قال متحدياً نفسه، ولكن قبل يومين من عزمهم السفر –يوم أنتصاره بزيادة العد الى خمس عشرة - نزف أنفه الكثير من الدماء، وعاد الصداع الى رأسه من جديد، مما أضطره الأستلقاء على الصخرة بجسده الهزيل، كقطعة من العشب البحري، وهو يشاهد دمه المتخثر القاني ينساب فوق أديمها ويسيل ببطء نقاطاً صغيرة على البحر، أشعره ذلك بالخوف، أفرض أن الدوخة عاودته داخل النفق !؟فرضاً- لو أنه مات هناك حصراً؟ فرضاً لو أن دواراً أصاب رأسه من حرارة الشمس، حتى كاد أن يتخلى تماماً عن قضيته، فكر بالأياب الى البيت والأستلقاء هناك، حتى مجيىء الصيف القادم، ربما بعد أن يكمل سنة أخرى من عمره – أذن فسيتمكن عندها من أجتياز النفق بيسر .

لكنه رغم قراره هذا، الذي شغل به، وجد نفسه ينتفض قائماً فوق الصخرة محدقاً تحته في الماء، وقد عرف الآن، وفي تلك اللحظة بالذات، ماأن توقف أنفه عن النزف، ورأسه مازال يوجعه وهو ينبض –فكر تلك اللحظة بأعادة المحاولة. لو لم يفعلها الآن، فلن يقوم بها مرة أخرى قط، أخذ يرتجف رعباً، وفكر بألغاء فكرته، وقد تملكه الفزع، حتى أخذ جسمه يرتعد، وماذا عن طول النفق الصخري تحت الأعماق، وحتى تحت الضوء الشمسي، كان الحاجز الحجري واسعاً وثقيلاً، أطنان من الصخورألقيت في طريقه، فلو لقي مصرعه هناك، سيبقى جسده مرمياً حتى يأتي يوم – ربما ليس قبل السنة القادمة - حين يأتي أولئك الأولاد وقت سباحتهم ليجدوه مترهلاً ومنتفخاً في مكانه هناك . لبس نظارتي الغوص، ثبتهما جيداً، جرب عدته، لكنهأدرك رجفة في ذراعيه، عندها أختار أكبرالأحجار التي يقدر حملها، ثم أنزلق نازلاً على الحافة الصخرية، نصفه في البرودة، والنصف الآخر تحت لفح الشمس، نظر عالياً في فراغ السماء، وملأ رئتيه بالهواء مرة بعد مرة، ثم أنساب بجسده وسط الماء من جديد مع صخرته الثقيلة، غاطساً بسرعة، أفلتها ثم أبتدأ العد، أمسك حواف الفتحة بيديه، ساحباً نفسه الى الداخل، حرك كتفيه الى الجوانب، كما تعلم من قبل، حشر جسده مدخلاً قدميه بادىء الأمر .

حالاً ألفى نفسه وسط فتحة بركة صغيرة واضحة بين الصخور، مليئة بالماء الرمادي المصفر، أخذ الماء يدفعه بقوة نحو السقف الحاد، أخذت البروزات الناتئة تؤلم ظهره، أستعان بيديه، دافعاً نفسه أسرع فأسرع، مستعملاً أرجله كعتلات، لكنه شعر بأرتطام رأسه بشيء ما، وأحس بألم حاد أصابه بدوار، خمسون، واحد وخمسون، أثنان وخمسون...لم يكن لديه ضوء، وبدى ضغط الماء بمثل ثقل الأحجار، واحد وسبعون، أثنان وسبعون... لم تعد رئتاه تجهدانه، أحس بنفسه كبالون طائر، أصبحت رئتاه خفيفتين ورخوتين، لكن رأسه أستمر بالدوي.

أخذ جسده يضرب السقف الحاد بشكل مستمر، كان دبقاً وحاداً، حتى خشي أن يكون قد صدم أخطبوطاً، وتساءل فيما إذا كان النفق يحوي نباتات بحرية ضارة تتشابك حول جسده، أندفع أماماً بتشنج وذعر، متفادياً أرتطام رأسه بشيء، أثناء سباحته، تاركاً ليديه ورجليه حركتهما الحرة، المنفلتة، في طلاقة الماء، يجب أن تكون الفتحة أكثر أتساعا عند مخرجها، فكر، عليه العوم بشكل أسرع، وخشي أن يؤذي رأسه مرة أخرى فيما لو كانت الفتحة ضيقة أكثر.

مئة، واحد بعد المئة...كان الماء باهتاً، أخذته نشوة النصر، لكن رئتيه بدأتا تؤلمانه، عدة خبطات وسيكون خارجاً، أستمر يحسب بجنون، وصل، مئة وخمس عشرة، بعدها، مر وقت طويل، فعاد يقول، مئة وخمسة عشر، مرة ثانية، أصبح أخضر الماء الزمردي يضيء كل ماحوله، بعدها، شاهد في الأعلى شقاً يخترق الصخور، كانت الأشعة تأتي من جهته، فأضاءت حجارة النفق السوداء النظيفة، وجد في طريقه صدفة بلح البحر، وفجأة عم الظلام.

كان على وشك الأنتهاء، نظر الى الشق كما لو أنه مليء بالهواء وليس الماء، أستنشق بملء فمه هواءً، مئة وخمس عشرة، سمع الصوت يطن في رأسه - ولكنه تذكر أن منذ زمن طويل، عليه التوجه صوب الظلام، أو أنه سيغرق، فقد بدأ رأسه يتورم، وأصيبت بالتصدع رئتاه، مئة وخمس عشرة، مئة وخمس عشرة، ظلت تدور في رأسه، فتمسك بالصخورخلال العتمة، دافعا مقدمة جسده أماماً، مخلفاًً منطقة الماء المريحة التي تغمرها الأشعة. شعر بنفسه كمن أشرف على الموت، وبلا وعي تماماً، جاهد في اليم، بين فترات فقدان الوعي، الأورام ملأت رأسه بالألم، الهائل والضجيج، بعدها شاهد الظلمة تنشق عن موجة من الضوء الأخضر، تلمست يداه الطريق أمامه، لاشيء، رفس بقدميه الى الوراء، وفجأة وجد نفسه منفتحاً على سعة البحر.

عائماً فوق السطح، بدأ يرفع رأسه ليعب الهواء، وهو يلهث مثل سمكة، شعر الأن بأنه يريد أن ينحسر تدريجياً، ويغمر بالماء. لم يقطع مسافة العودة المتبقية بينه والصخرة سابحاً، قبض عليها بكلتا يديه، ودفع نفسه نحوها، أراح وجهه فوقها وهو يلهث، لم يعد ير شيئاً غير الأحمر الكامد، المتخثر المعتم، لكأن عينيه تكادان تنفجران، فأعتقد انهما قد ملئتا بالدم، خلع نظارتيه وسكب عنهما النقاط التي تساقطت في البحر، كانت دماء أنفه النازف قد ملأتهما .

غرف بيديه حفنة من ماء البحر البارد الملحي، رشها على وجهه، لم يتبين بعدها إن كان الذي تذوقه كان طعم المياه أم مذاق دمه، بعد فترة وجيزة، هدأ قلبه، وتوضحت الرؤية أمام عينيه، نهض من مكانه، شاهد الأولاد الأهالي يقتحمون الماء ويلعبون على مبعدة نصف ميل عنه، لم يجد في نفسه الرغبة للأقتراب منهم، لم يرغب بأي شيء، عدا العودة الى البيت والأستلقاء على فراشه .

بعد دقائق، سبح جيري نحو الشاطيء، مرتقياً طريق الممر المؤدي الى الفيللا، ألقى نفسه على فراشه وأستغرق في النوم، أيقظه بعد فترة وقع خطوات على الممر في الخارج، كانت أمه عائدة الى البيت، أندفع مسرعاً الى الحمام، لكي لايدعها ترى وجهه المبقع بالدم و الدموع، خرج من الحمام، قابلها عند المدخل، وقد برقت عيناه (هل قضيت صباحاً ممتعاً؟) سألته و كفها تربت على كتفه الدافئة المسفوعة بالشمس (أوه، أجل، شكراً) أجاب(تبدو شاحباً بعض الشيء) ثم أستأنفت بقلق وحدة (كيف ضربت رأسك؟) (أوه، مجرد ضربة خفيفة) أخبرها.

تطلعت اليه عن قرب، بدى لها مجهداً، بنظرات غائمة، تضايقت لذلك، وأخذت تكلم نفسها متشكية، أوه، لاتتذمري ! لم يحصل شيء، أنه يجيد العوم مثل سمكة.

بعدها جلسا يتناولان العشاء سوية .
(ماما ..) قال (أنني أستطيع البقاء في الماء لمدة دقيقتين - ثلاث دقائق في الأقل) أخذت في الكلام معه(أتستطيع ياعزيزي؟) قالت (حسن، لن أرهقك بذلك، لاأعتقد أنك ستذهب للسباحة ثانية هذا اليوم؟) كانت تبدو على أتم الأستعداد للقتال حول أراداته المستمرة، لكنه فضل التخلي عن كل شيء في الحال، والأستسلام نهائياً، فلم تعد في نظره أدنى أهمية لذهابه الى الخليج المقفر مرة أخرى أبداً.