المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القلمون في ذاكرة علامتها الشيخ محمد رشيد رضا قدس الله روحه ومجلته المنار



أبو حسن
13-11-2007, 02:23 PM
المنار، المجلد الثالث والعشرون، عدد شعبان - 1340هـ الموافق أبريل - 1922م


تعقيبا على مقالة لأمير البيان المجاهد شكيب أرسلان رحمه الله بعنوان : "المجاعة في سورية أثناء الحرب ومَنْ هم المسؤولون الحقيقيون عنها ؟"


المنار : إن قرية القلمون في ساحل لبنان بقرب طرابلس الشام ، وأهلها كلهم مسلمون ، وأكثرهم شرفاء من ذرية الرسول صلى الله عليه وسلم ، وروى لنا الثقات عمن رأى اسمها في دركنار الدولة بالباب العالي - أنها سُميت فيه بسيدة القرى والمزارع ، ولقد مات ثلثا أهلها جوعًا ، ووجد فيها مَن أكل الجيف ، وامرأة أكلت من لحم أولادها ، على أنهم كانوا - قبل شدة المجاعة - يفيضون على جيران قريتهم النصارى فضل قوتهم !

أبو حسن
13-11-2007, 02:26 PM
المنار، المجلد الثالث، عدد 11 محرم - 1318هـ الموافق 10 مايو - 1900م


( أعجوبتان )

كتب إلينا من القلمون أنه ولد لحمود عبيد من زوجه رابعة بنت مصطفى الخباز بنت بدنها كبدن البشر إلا أن رأسها بدون وجه وعينيها في مكان الناصية من رأسها وأذنيها بحذاء عينيها , وهما كأذني الأرنب ولها أربع شفاه بعضها فوق بعض يرى أهل القانون أن الحكمة في خلق هذه البنت ممسوخة هي الانتقام من أبويها , فإن المرأة كانت متزوجة وعشقت هذا الرجل فنشزت , وأساءت معاملة زوجها الأول حتى اضطرته إلى طلاقها , وتزوجت بالثاني .

أما الأعجوبة الثانية فهي بنت وُلدت لرجل من دده ( قرية في لبنان ) نصفها الأعلى كالبشر ونصفها الأسفل كتلة كالبطيخة .

محمد أحمد الفلو
13-11-2007, 04:27 PM
المنار، المجلد الثالث والعشرون، عدد شعبان - 1340هـ الموافق أبريل - 1922م
المنار : إن قرية القلمون في ساحل لبنان بقرب طرابلس الشام ، وأهلها كلهم مسلمون ، وأكثرهم شرفاء من ذرية الرسول صلى الله عليه وسلم ، وروى لنا الثقات عمن رأى اسمها في دركنار الدولة بالباب العالي - أنها سُميت فيه بسيدة القرى والمزارع ، ولقد مات ثلثا أهلها جوعًا ، ووجد فيها مَن أكل الجيف ، وامرأة أكلت من لحم أولادها ، على أنهم كانوا - قبل شدة المجاعة - يفيضون على جيران قريتهم النصارى فضل قوتهم !

فخلف من بعدهم خلف

الشامي
13-11-2007, 05:49 PM
السلام عليكم :) .. كيفكم يا جماعة ..

الله يبارك فيك أخي أبو حسن على ما تتحفنا به من تراث العلامة الشيخ رشيد رحمه الله ....

أخوكم:rolleyes:

أبو حسن
14-11-2007, 08:16 AM
هذه مقالة يرثي فيها الشيخ رشيد والده رحمهما الله تعالى وهي تلقي بعض الضوء على واقع الحياة الإجتماعية في القلمون خلال تلك الفترة.


المنار، المجلد الثامن، عدد 16 رجب - 1323هـ الموافق 15 سبتمبر - 1905م


المصاب العظيم بوالدنا البر الرحيم

[ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ]

في يوم الأحد رابع رجب الحرام، فُجعنا بوفاة والدنا، ومربينا، ومربي اليتامى، وكافل الأرامل، الشيخ الجليل، السيد النبيل، علي رضا الحسيني الحسني أحد سادات الديار الشامية المشهورين وأجواد الأمة المحسنين، وله من السن ستون سنة، أو ثلاث وستون سنة في الأكثر - وليس عندي هنا قيد لسنة ولادته - فصبرنا واحتسبنا رجاء صلوات ربنا ورحمته وهدايته ومثوبته ؛ فلم نقل ولم نفعل ما لا يُرضي ربنا -جل جلاله- فله ما أعطى وله ما أخذ وإليه المصير.

وُلِدَ تغمده الله - تعالى - برحمته ورضوانه في قرية القلمون بسفح لبنان من الجهة الشمالية بجوار طرابلس الشام، وفيها تعلم مبادئ القراءة والكتابة، ثم اشتغل بطلب العلم في طرابلس على المرحوم الشيخ محمود نشابة أشهر علماء الديار السورية، وشيخ الشيوخ في طرابلس عدة سنين، وأدى امتحان العسكرية فيها غير مرة، ثم انقطع عن الطلب قبل أن يتم حضور الكتب، ويصل إلى مقام التدريس لشدة حاجة والده إليه في إدارة أملاكه، والنظر في أعماله مع الحكومة والناس ؛ إذ لم يكن يومئذ له ولد رشيد سواه، ولكنه لم ينقطع عن المطالعة في كتب الدين والأدب والتاريخ، بل كان يتراوح بين هذه الكتب ما سمح له الوقت، وكان قوي الذاكرة طلق اللسان جريء الجنان، يذكر ما يحفظ من الأشعار، وأخبار الأوائل، ووقائع الأواخر كلما عرض ما يذكر بشيء منها، ولكنه كان يعيد الشيء المحفوظ كما قرأه أول مرة ؛ فإن اتفق أن كان محرفًا أو ملحونًا أعاده كذلك عند الاستشهاد به غالبًا، وإن عرف بعد حفظه ما فيه من خطأ أو تحريف، كأنما ينطبع في ذهنه لا يقبل المحو، وكأن ما يعرض بعد ذلك من التصحيح ينطبع في مركز آخر من مراكز الدماغ فلا يلقيه إلى اللسان إلا إذا أورد المحفوظ لأجل بيان صحته. ومن قوة ذاكرته أنه كان يحفظ كل ما مر به في سفره وحضره، وكل ما له عند الناس، أو لهم عنده من الحقوق المالية وإن طال عليها الزمان.

وكان مهيبًا وقورًا حتى في طور الشباب ؛ يجله كل من جالسه وإن كان أكبر منه سنًّا أو فضلاً وجاهًا كمشايخه وكبار الحكام. وأعرف ما عرف به، وغلب على سائر أخلاقه الجود والسخاء ؛ فقد كان مِضْيافًا متلافًا، مَبْذُول القِرى لكل طارق من غني وفقير، وقريب وغريب، ومسلم وغير مسلم، كل من نزل به يلقى ما يليق به من الإكرام والحفاوة، وكان في أول العهد يتكلف لأهل الوجاهة والثروة ؛ إذا استضافوه زيادة عما جرت به العادة في المنزل، ويقدم لغيرهم ما راج حتى كنا ننكر عليه، ثم رجع عن هذا إلى قاعدة الصوفية (لا نبخل بموجود، ولا نتكلف لمفقود) حتى ربما أنكرنا ذلك أحيانًا، ولا حاجة لاستثناء ما لأهل الخصوصية الذين يدعوهم إليه من الاختصاص، وإنما الكلام في العادة اليومية مع الضيوف، وقد بلغت عنايته بأبناء السبيل أنه كان يحمل الطعام إليهم بنفسه أحيانًا. وقد جاع الناس في سنة من السنوات ؛ فكان يرسل الدقيق والأرز إلى بيوت القانعين الذين يفضلون الموت على السؤال في حنادس الظلام، والناس نيام، وله في إخفاء الصدقة حذق غريب.

أنعم السلاطين العظام على جدنا الثالث بسبعة قراريط من مال عشر القلمون وما يتبعها من المزارع ؛ لينفق منها على مسجده الذي جدده في القرية، وعلى نفسه فلما وصل هذا إلى والدنا -رحمه الله تعالى- كان في الغالب يأخذ من الحكومة حصتها بما يسمونها (الالتزام) ثم يسمح لأكثر الأهالي بعشر كثير مما يزرعون من البقول وغيرها، وما يجنون من الثمار، لا يعنى إلا بعشر حب الحصيد والزيتون، وكان كثيرًا ما يفوض إليهم أمر ما يجب عليه من غير أن يخرص ويقدر: يجيئه الرجل بشيء من النقد يزعم أنه عشر ما استفاده من أرضه فيقبل. وكنا نقول له يجب أن تضبط جميع ما لك عند الناس ثم تأخذ ما شئت وتسمح بما شئت - فلا يعجبه. وكان كريمًا بجاهه أيضًا، إذا قصد بحاجة أو قدر على دفع مكروه أوجب منفعة للناس فإنه يبذل جهده.

وكان حسن المجاملة عظيم التساهل في معاشرة المخالفين في الدين مع الغيرة الشديدة على الإسلام، والمناضلة عنه بما يحج المناظر ولا يؤذيه، وإنني منذ دخلت في سن التمييز أرى في دارنا وجهاء النصارى من طرابلس ولبنان، بل أرى فيها القسوس والرهبان، لا سيما أيام الأعياد، وأرى الوالد -رحمه الله تعالى- يجاملهم كما يجامل من يزوره من الحكام ووجهاء المسلمين، ويذكر ما يعرف من محاسنهم في غيبتهم بكل إنصاف، وقد كان هذا من أسباب دعوتي إلى التساهل والوفاق وتعاون جميع أهالي البلاد على ما يرقي البلاد مع القسط والبر المشروعين فإن الإنسان إذا تربى على شيء، ورأى ثمرته في نفسه وفي من يعاشر، كان أعرف بفائدته لاتفاق فكره ووجدانه فيه.

وكان شديد الغيرة على الدولة العلية، وقد عرف كثيرين من وزرائها وعظمائها كالمرحومين شرواني باشا وحمدي باشا اللذين وليا الصدارة وولاية سورية وكامل باشا والي أزمير اليوم، والصدر الأعظم من قبل، وجميع متصرفي لبنان السابقين وغيرهم، فكان لإجلاله لهؤلاء، واعتقاده بحسن سياسة أكثرهم كبير الأمل في الدولة. ولا أعلم أنه صدر منه قول، ولا فعل ينافي الإخلاص للدولة، والسلطان المعظم، وكان يعزّ على الجواسيس المفسدين أن يأخذوا من أقواله ما يشون به عليه، إلا أن يكون حسن ذكره لمصر، وثنائه على أميرها الماضي وأميرها الحاضر، وقد زارها في أيامهما على أنني عرضت عليه عندما زار مصر في سنة 1317 أن أستأذن له في زيارة الأمير فلم يرض، ومع هذا كان يملأ الأندية ثناء على سموه، وعلى أستاذنا الإمام، وكذا على صاحب المؤيد الذي عرفه هنا، وأما اتهامه بالسياسة في هذا العام، وجعله تحت المراقبة إلى أن وافاه الحمام، فسببه وشاية من مصر فيه إلى السلطان بأنه من أعوان مريدي إقامة الخلافة العربية (الموهومة) على أنه منذ سنين لم يفارق القرية ؛ فهل تقلب الدول وتؤسس الممالك من شيخ مريض في قرية لا زعماء فيها ولا ثروة، ولا سياسة، ولا حكومة، ولا مدارس ؟

وإن تعجب فعجب عُجاب أن تهتم الدولة بأمر الشيخين- الشيخ محمد عبده والسيد علي رضا - وتأخذ الحذر منهما بعد أن نزل بهما مرض الموت، وأعجب من هذا أن يبقى هذا الحذر على أشده بعد موتهما ؛ فإن كانا قضيا عمرهما، ولم يحفظ عنهما قول، ولم يعرف لهما فعل يؤذي الدولة ؛ فهل يخشى من رفاتهما في القبر أن يقلب دولة ويؤسس دولة ؟ يا للخجل من تلاعب سفهاء الجواسيس بالدول، الحق أقول : إنني كنت شديد الميل إلى البحث في خلل الدولة، وبيان طرق إصلاحها، وما منعني من الاسترسال في ذلك إلا الشيخان، أعلم أن والدي يستاء إن كتبت ما لا يُرضي الدولة وأستاذي كان ينهاني عن الكتابة في السياسة مطلقًا.

وكان الوالد تغمده الله برحمته معتصمًا بكمال الصبر في المصائب : ابتلي بمرض الصدر المعروف بالربو وهو في شبابه ؛ فكانت النوبة تشتد عليه أحيانًا حتى يمنعه الزفير من النوم والكلام المتصل، فلا تراه إلا حامدًا شاكرًا. وكان فخورًا بنسبه إلى البيت النبوي خلافًا لما عليه أسرتنا من البعد عن الفخر. وكان سنيًّا شافعي المذهب، ويميل إلى الشيعة إلا أنه يعظم الشيخين والسيدة عائشة ويقول في معاوية (لا نسبه ولا نحبه) وينحي على غير الصحابة وعمر بن عبد العزيز من بني أمية إنحاء شديدًا. وقد كان يقرأ في كتاب أمام أستاذه الشيخ محمود نشابة فجاء ذكر معاوية، فقال له الشيخ : لِمَ لَمْ تقل (سيدنا معاوية) قال الوالد (سيدكم معاوية) قال الشيخ : ألا تعترف بالسيادة لصاحب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكاتب الوحي ؟ قال إنني لم أنكر صحبته، ولا كتابته للوحي، ولكن أقول : إنه لا سيادة لأموي على هاشمي ؛ فسكت الشيخ -رحمه الله تعالى- وكان الشيخ يحترمه حتى كان يخاطب جميع تلامذته ويذكرهم بأسمائهم، ولا يذكره إلا بلقب السيد.

وكان - طيب الله ثراه - سليم القلب، بريئًا من الحقد والحسد، بعيدًا من الإيذاء والانتقام، إلا أنه كان يحتقر من عاداه بقدر ما يتودد لمن والاه، فلا يعرف الدهان والتملق، وكان باطنه خيرًا من ظاهره لأعدائه وأحبائه ؛ فمهما أعرض عن عدوه وازدرى به في الظاهر لا يستحل أن يؤذيه في الباطن، وإنني لأستحي أن أصف ما امتاز به في معاملة الأصدقاء لئلا يشتم منها رائحة المنة على أحد منهم، مع أنه كان يرى لهم المنة إذا حكموا في ملكه حكمه فيه.

وجملة القول : إن مزاياه كثيرة، وفضائله عظيمة، ولا بدع ؛ فإن البيت الذي نشأ فيه يندر أن يوجد مثله في هذه الأمة الآن ؛ في سلامة الفطرة، وطهارة الأخلاق وحسن الفعال ؛ وإنني والله لم أحكم إلا بعد الأسفار وطول الاختبار، بل أقول إن قريتنا تمتاز على القرى والمدن التي نعرفها بالخُبر والخَبر بالعفة والشجاعة، والتقوى، والأخذ بالسنن، والبعد عن البدع، وإنما كانت كذلك بوجود بيتنا فيها ؛ إذ لا يخلو مسجدنا من واحد منا يقرأ علوم الدين والتهذيب للعامة واستعداد أهلها للعلم عظيم، وكلهم في الأصل شرفاء النسب، مشهورون بالسيادة وقد كتب في سجل الإحصاء العام للدولة المودع في الباب العالي المعبر عنه بالدركنار (القلمون سيدة القرى والمزارع) نعم، صار فيها دخلاء كثيرون، أكثرهم من مسلمي لبنان، وأكثر ما يقع فيها من المخالفات الضرب، وسرقة الثمار. وفق الله أهلها وتاب عليهم، إنه هو التواب الرحيم.

ومما كنت أنكره على الوالد -عفا الله عنه - بعد ما عرفت طرق التربية الحديثة، وقرأت علم الأخلاق، اختيار الشدة والترهيب في التربية ؛ فقد بلغنا مبلغ الرجال ونحن نهاب مؤاكلته ومكالمته والاتكاء أمامه. وكان يعاقبنا على الذنب بالإعراض والهجران حتى نتوسل إليه بأن يرضى. وقد صار في أخريات سنيه يمازح أولاده الصغار، ويجمعهم على الطعام ذكرانًا وإناثًا ؛ إذا اتفق خلو البيت من الضيوف، وكان يوصينا دائمًا بالخوف من الله -تعالى- دون سواه. عفا الله عنه وأحسن إليه ورحمه رحمة واسعة بمنه وكرمه، وأحسن عزاءنا عنه وثوابنا فيه.

أبو حسن
14-11-2007, 09:12 AM
المنار، المجلد الثامن، عدد 16 ربيع الثاني - 1323هـ الموافق 19 يونيه - 1905م

محاربة الوهم للعلم
أو تأثير السعاية في الدولة العثمانية

... وقد أرسلت حكومة طرابلس وكيل المدعي العمومي (رئيس النيابة) والمستنطق وبعض شرطتها إلى القلمون فدخلوا دارنا وأخذوا ما فيها من الكتب والأوراق وقبضوا على شقيقنا السيد إبراهيم أدهم فأودعوه مع الكتب في دار الحكومة مهد العدل والأمن، وإننا ننتظر ما يكون بعد ذلك من حسن معاملتها لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ودخلوا دار علي كسن من القلمون ؛ لأن له ولدًا مجاورًا في الأزهر، ولا أدري ماذا وجدوا فيها ولعلهم لم يجدوا شيئًا، وقد وقع مثل ذلك في بيروت حتى أن حكومتها فتشت مطبعة الإقبال ومكتبة الإنسي وأخذت ما فيهما من الكتب للبحث فيها.

Nadine
14-11-2007, 10:40 AM
ولقد مات ثلثا أهلها جوعًا ، ووجد فيها مَن أكل الجيف ، وامرأة أكلت من لحم أولادها ، على أنهم كانوا - قبل شدة المجاعة - يفيضون على جيران قريتهم النصارى فضل قوتهم !

انا هالقصة سامعتها من اهلي , وحسيتها انها واقعية وبتتسدأ , ما حدا بيعرف شو بيصير فيه بوئت المجاعة , الله يجنبنا هالمواقف.

مشكور اخ ابو حسن

الشامي
14-11-2007, 05:04 PM
السلام عليكم :)...

أطلب من أخي أبو حسن أن لا يتوقف عن سرد ما يجده عن الشيخ رحمه الله...

والله يجزيك الخير...

أخوكم:rolleyes:

أبو حسن
15-11-2007, 06:33 AM
المنار، المجلد الحادي عشر ، عدد ذو القعدة - 1326هـ الموافق ديسمبر - 1908م


رحلة صاحب المنار في سوريا
(2)
(القلمون)


مكثت في طرابلس أسبوعًا، زارني في أثنائه أكثر أهل القلمون وأخذوا يستعجلونني بالخروج إليها، فلما كان يوم الموعد الذي ضربته لهم انقسم أهلها شطرين : أحدهما جاء طرابلس لأجل أن يكون معي، وأكثر أفراده من الشبان والكهول ؛ والآخر خرج لاستقبالنا مسافة ربع الطريق وثلثه ونصفه بين القلمون وطرابلس، وأكثره من الشيوخ والنساء والأطفال، والمسافة كلها ساعة ونصف.

كان عدد كثير من الشبان يحملون السلاح فطفقوا منذ خرجنا من طرابلس يطلقون بنادقهم ومسدساتهم في الهواء، فرغبت إليهم أن يكفوا عن ذلك فامتثلوا، حتى إذا ما وصلنا إلى الموضع المعروف بأبي حلقة ألفينا فيه نفرًا من شبان طرابلس فحيونا بإطلاق البارود والرصاص في الهواء فأجابهم من معنا بمثل تحيتهم، بل بأحسن منها، فلم أنكر عليهم ذلك لعلمي بأن العرف يقضي بتسجيل العار عليهم إذا لم يفعلوا. وكذلك فعلوا عندما أشرفوا من رابية (ظهر الرويسات) على القلمون، لإيذان من بقي فيها بقدومنا، وعندما وصلنا إلى دارنا أيضًا، لأنه من قبيل سلام المفارقة. وقد ذكرت هذا لأنه من العادات التي لم أكن أعرفها من قبل، وسيأتي ذكر شيء آخر في معناه.

وكان من حفاوة أهل القلمون بي أن حمل بعض نسائها مجامر العود الهندي وغيره من البخور أمامي من طرابلس إلى القلمون، وكان فيمن خرج للقاء ممن بقي فيها من يحمل المجامر أيضًا. وقد راعني وأثر في نفسي رؤية الأولاد الصغار من بنين وبنات في الخامسة والسادسة فيما فوق يتعسفون الطريق ويتسلقون الروابي بين الأشواك والحجارة، تبعوا في ذلك آباءهم وأمهاتهم وإخوتهم، وكان النساء يغنين ويزغردن، ولهن في ذلك أغاني مناسبة للمقام، وهذه العادة قديمة عند نساء البادية والقرى والبلاد التي لم يتسع نطاق الحضارة فيها. وقد ورد في هذا الباب أن النساء استقبلن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند قدومه إلى المدينة وهن يضربن بالدفوف وينشدن الأناشيد، ومنها قولهن :
طلع البدر علينا... من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا... ما دعا لله داع
أيها المبعوث فينا... جئت بالأمر المطاع

وكان فيمن خرج للقائنا مسافة نصف ساعة شيوخ وعجائز في عشر التسعين وعشر المائة من السن، وهم صائمون وصحتهم جيدة، بل مشى إلى طرابلس أكثر من واحد من هؤلاء المعمرين. أهل القلمون يعمرون لاعتدالهم في معيشتهم ورياضتهم الدائمة بالعمل في الأرض مع جودة الهواء والماء، فالخمر لا تدخل القلمون ولا يشربها أحد من أهلها، والفاحشة غير معروفة فيها ولله الحمد والمنة، وهاتان الكبيرتان هما أفتك بصحة الناس من كل ما يأتيه الناس.

سألت رجلاً من هؤلاء الشيوخ (هو الحاج علي طوط) عن سنه فقال : أربع وتسعون سنة. وهو يواظب على صلاة الفجر في المسجد غلسًا وربما يجيئه قبل طلوع الفجر حتى في أوقات المطر والبرد، كهذه الأيام. ويمشي عدة ساعات في النهار وهو صائم. وسألت رجلاً آخر (هو السيد عبد القادر علي) عن سنه فقال : لا أدري ولكنه ذكر لي حكايات منها أنه كان ملاحًا في البحر فجاءه مرة علي طوط ليعمل معه عمل البحر فلم يقبله لأنه صغير لا يستطيع أن يحرك المجداف. فالظاهر من هذا أنه يكبره بزهاء خمس عشرة سنة، فهو قد ناهز العشرة الأولى بعد المائة أو جاوزها ولا يزال يصوم ويعمل في أرضه بالعزق وشيبه غير تام. فليعتبر بهذا بعض الشبان والكهول المتفرنجين في مصر وغيرها الذين يزين لهم الترف والتهاون بالدين ترك الصيام محافظة على الصحة ! ! ولو عقلوا لعلموا أن البطنة هي التي تفسد عليهم صحتهم حتى أن أكثرهم ليتناول الأدوية والعقاقير والمياه المعدنية لأجل إصلاح المعدة والمعَى وتسهيل الهضم وهم في سن الشباب فماذا تراهم يفعلون إن شاخوا ؟ على أنه قلما يشيخ منهم أحد !

ومما يفيد ذكره في هذا الباب : باب الاعتبار بحال الناس في الدين أن أهل القلمون كانوا بهدي بيتنا أبعد مسلمي بلادنا عن البدع، كما أنهم أبعدهم عن المعاصي. ولما انتهى دور الإرشاد فيهم إليَّ رأيت عندهم من البدع أنهم يوقدون السرج والشموع عند قبرين، أحدهما قبر السيد محمد القصيباتي الحسني، المشهور في المقبرة القديمة، وهو أحد أجدادهم وأجدادنا من جهة الأمهات ؛ وثانيهما قبر بني حديثًا عند عليقة على شاطئ البحر، وكانوا يربطون بهذه العليقة خرقًا صغيرة يقتطعونها من ثيابهم الخلقة يسمونها آثارًا لأجل شفاء المرضى، وكل من هذا وذاك معروف في جميع البلاد. فما زلت أنهاهم وأعظهم حتى تركوا البدعتين، نساء ورجالاً، وصار من يزور القبور منهم يكتفي بالسلام على الموتى والدعاء لهم والتفكر في الموت والآخرة، كما هو المأثور.

وكان أكثر النساء من غير أسرتنا تاركات للصلاة وجاهلات بأحكامها وأحكام الطهارة وآداب الزوجية، فجعلت لهن مكانًا أعظهن وأعلمهن به كما أعلم الرجال في المسجد، فصلحت حالهن في زمن قريب، وكن أسرع امتثالاً من الرجال. وكذلك كان يوجد رجال يتركون الصلاة ولا يحضرون الدرس في المسجد، فكنت أختلف إليهم في بيوتهم، وأذكر أنه استعصى واحد من البلداء الخاملين فأمرت الشبان فسحبوه سحبًا، ولكنه لم يواظب وأعيانا أمره فاكتفيت منه بوعد مكذوب. وكان فيها رجال يسرقون الثمرات كثيرًا وغيرها من المتاع قليلاً، فندر ذلك ندورًا، كأن لم يكن شيئًا مذكورًا، وكان عمدتي في وعظهم وتعليمهم كتاب إحياء العلوم وكتاب الزواجر وشرح المنهاج، فصار فيهم متفقهون في دينهم يستحضرون ما لا يستحضره كثير من العلماء المدرسين، وكلهم من الفعلة والفلاحين والصيادين.

على هذا تركت القلمون عندما سافرت إلى مصر، ولذلك قال أزهد الزاهدين، وبقية السلف الصالحين، العالم الأصولي السائح المعتبر الشيخ عبد الباقي الأفغاني، رحمه الله تعالى : لو بقي رشيد في بلده يعلم الناس ويرشدهم لكان خيرًا له من الذهاب إلى مصر، حيث لا يستطيع أن ينفع كما ينفع هنا. قال هذا عندما ذكر سفري له وهو لا يعلم أن قصدي بالسفر التصدي لإرشاد أعظم، وتعليم أعم وأشمل، ولما عدت إليها في هذه الأيام علمت أنه قد فتن كثير من أهلها فتركوا الصلاة، واتصل بعضهم بالذين اعتدوا على بيتنا من أشقياء طرابلس فأغراهم هؤلاء بقطع الأشجار وشهادة الزور وإضاعة الحقوق وكادوا يجذبونهم إلى الخمر والفحشاء والقيادة، أغروهم بالمال وغروهم بأنهم يحمونهم من الحكومة وإن سلبوا ونهبوا وضربوا وقتلوا، فسلسوا لهم وساعدوهم على نهب بيتنا، وتقطيع الأشجار من بعض بساتيننا وكرومنا، ونحمد الله أن كان هؤلاء المغرورون قليلين، وأن كان أكثر الأهالي لهم ولمضليهم من الكارهين، ونحمده أن جعل الشر أضعف من الخير.

عدت إلى هؤلاء الناس وهم قومي الذين أغار عليهم ما لا أغار على سواهم، وكنت أظن أن ما لي من مثال الهداية والدين في نفوسهم قد صغر وتضاءل في هذه الفترة، فإذا هو قد كبر وعظم حتى صار خياليًّا مقرونًا بشيء من الخرافات، فقد كان الرجال والنساء والأطفال يفدون على دارنا ليلاً ونهارًا ومعهم الضعفاء والمرضى والمخدجون يلتمسون الشفاء مني باللمس والرقي وكتابة النشرات وما يعبرون عنه بالحرز والحجاب، على أن في رجالهم من يعرف رأيي في ذلك، فكنت أتلطف في بيان الحق لهم بقدر ما يسمح به المقام ويليق بحال المخاطب، وأحثهم على المداراة الصحية والتداوي ومراجعة الأطباء عند الحاجة، وقد سبق للمنار البحث في هذه المسائل والجمع بين الأحاديث الواردة في الرقي، كحديث إقرار الذين رقوا الملدوغ بسورة الفاتحة، وحديث وصف الذين يدخلون الجنة بغير حساب بأنهم لا يسترقون، على أن إقناع النساء بلباب الحق في هذه المسائل عسير، ولا يتم ولو مع الإرشاد في زمن قصير، ونسأل الله تعالى أن لا يجعلنا فتنة لأنفسنا، ولا لمن يحسن الظن بنا.

قلت مرة لعبد الرحمن أفندي الكواكبي - رحمه الله - لو تيسر لنا أن نجعل بعض محبي الإصلاح المعتصمين بالكتاب والسنة شيوخًا للطريق لأمكن لنا بذلك هداية العامة بسهولة، ولكن هؤلاء المصلحين قليلون ولا يكاد أحد منهم يرضى بأن يكون شيخًا لطريقة من الطرق. فقال : إننا قد جربنا ما ذكرت فأقنعنا رجلاً من الصالحين المستنيرين في حلب بأن يكون من شيوخ الطريق فيرجع العامة عن بدعهم وخرافاتهم ويهديهم إلى طريق الدين السوي، فقبل بعد إباء ونفور، فلما رأى إقبال العامة عليه واعتقادهم صلاحه وبركته فتن بذلك وجاراهم في اعتقادهم، فكانوا سببًا لضلاله بدلاً من أن يكون سببًا لهدايتهم، وخسرناه خسارة لا مطمع في رجوعها راجع تفسير قوله تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا } (البقرة : 165) الآيات في الجزء الثاني من تفسير القرآن الحكيم أو في المنار.

عقدت في القلمون عدة مجالس للوعظ والتذكير قلّ مَنْ تخلف عنها من حاضري القرية، فتاب الناس توبة يغلب على ظني أن أكثرهم صادق فيها، ولا أخشى من الإصرار على الفساد إلا على نفر قليل من الموالين لبعض الأشقياء الغرباء الذين أشرت إليهم فيما سبق من القول. وقد ألفت لهم جمعية عنوانها قوله تعالى : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } (المائدة : 2) وجعلت لها صلة بجمعية التعاون التي سعيت بتأسيسها في طرابلس.


* * *


(دده وسائر الكورة)


بدأت الوفود تفد من الكورة على القلمون للسلام علينا منذ اليوم الثاني من وصولنا إليها كرئيس دير البلمند ووجهاء البلاد من المسلمين والنصارى، وقد نزل معظم أهل (دده) - وهي على قمة الجبل بإزاء القلمون على الساحل - بعد العشاء وهم يطلقون البارود من بنادقهم والرصاص من مسدساتهم ويهزجون بالأغاني فتلقاهم شبان القلمون في خارجها وأدخلوهم باحتفال يناسب ما هم فيه، وقد قيل لي : إن من الرسوم المعتادة في ذلك أنه لو لم يخرج شبان القلمون للقائهم لما دخلوها، لأن ذلك يعد من الإهانة في عرفهم. وعند وصولهم إلى دارنا تحلقوا أمامها وطفقوا يهزجون ويطلقون العيارات النارية إلى قريب من نصف الليل ثم انصرفوا مشيعين مشكورين، وكان زعيمهم في هذا الاحتفال الأمير علي عبد الرحمن الأيوبي.

وجميع الأناشيد التي هزجوا بها مناسبة لمقتضى الحال، ولعل أكثرها ارتجالي، فإنه في الترحيب بالقادم (صاحب هذه المجلة) وفيها إطراء له بالأعمال السياسية والعلمية، وقد ذكر بعض القوالين المسلمين فيما أنشده عبارة معناها : لولاك يا فلان لما ارتفع شأن الإسلام، فأجابه رفيق له من النصارى بعبارة معناها أنه ليس لكم وحدكم وأنه قد طبع لنا الإنجيل، يعني بذلك إنجيل برنابا ! ! قد أضحكتني هذه العبارة وأضحكت كل من سمع بها من العارفين بإنجيل برنابا، فحبذا هذه السذاجة مع هذا الاتفاق بين المسلمين والنصارى الذي حمدت عليه أهل ددَّه حمدًا جميلاً.

الزاهر
16-11-2007, 01:58 AM
ولووووووووووووو......ولك حدا يناديلنا.......حدا يتصل فينا.....حدا يبعت بريد......رسالة خاصة.......هيك بتعملو!!!!!!!....

أبو الحسن....ولك وهي بوسة بين عيونك!!!!!

يا زلمة.......ذكروني بجارتنا "أنيسة قدور" الله يوجهلها الخير.....وستي "آمنة بنت عشيرة"......وئت كانو يحكولنا أصص الضيعة من زمان........

ما اروعها.......ذكريات تحن لسماعها القلوب.....وتدمع لها الأعين!!!!

Nader 3:16
16-11-2007, 02:18 AM
ولك يا اهلين بالمعلم ابو حسن!!!!

بالفعل جميييييييييل جداً....

و شكر للأخ زاهر لأنو لفت انتباهي الى هذا الموضوع:)

وسيم أحمد الفلو
16-11-2007, 08:19 PM
وكان فخورًا بنسبه إلى البيت النبوي خلافًا لما عليه أسرتنا من البعد عن الفخر. وكان سنيًّا شافعي المذهب، ويميل إلى الشيعة إلا أنه يعظم الشيخين والسيدة عائشة ويقول في معاوية (لا نسبه ولا نحبه) وينحي على غير الصحابة وعمر بن عبد العزيز من بني أمية إنحاء شديدًا.

لو قلنا ربع هالحكي مكنا خلصنا من مسبات السريع :)

أبو حسن
18-11-2007, 09:21 AM
المنار، المجلد الحادي والعشرون، ص 428


الرحلة السورية الثانية
(2)

لما عقدت الهدنة بين دول الأحلاف والدولة الألمانية منَّى نفسه كل من له أهل في سورية، وكل من يهتم بشئونها الاقتصادية والسياسية أن يسافر إليها في أول فرصة، وصاروا ينتظرون الإذن بالسفر إليها، وعودة البواخر التي تنقل الركاب وعروض التجارة إلى سابق عهدها.

وبعد طول الانتظار وقع الإذن مقيدًا بشروط عسيرة، ومقيدًا بقيود ثقيلة زمامها بأيدي السلطة العسكرية المتصرفة في الشؤون السياسية والاقتصادية في العالم تصرفًا مطلقًا، والمراقبة على مواصلات البر والبحر، فكان مثلي لا يطمع أن يكون من السابقين إلى رؤية وطنه، والقيام بشيء من خدمته، أو مواساة أهله فيه وعشيرته، بل تعذر عليّ إيصال ثلاثة (طرود) من الأقمشة إلى فقراء أهل بلدتي (القلمون) الذين ذهب الجوع والعري في أيام الحرب بثلثيهم، فإنني بعد أن ابتعت القماش ظللت عدة أشهر أسعى إلى إرساله بإذن من السلطة الفرنسية التي أعطيت الإشراف على المواصلات والنقل في البحر مع بقاء السلطة العليا في البر والبحر للسلطة الإنكليزية بحق القيادة العليا للجيوش المحاربة في سورية الجنوبية (فلسطين) والشمالية، ثم بواسطة لجنة المجاعة التي أرسلت بمساعدة السلطة الإنكليزية كثيرًا من المواد الغذائية والأقمشة , وبعد إعطائي الطرود للجمعية بأشهر تمكنت هي من إرسالها إلى وكيلها في بيروت فبقيت فيها أشهرًا، ثم أرسل بعضها إلى طرابلس ففقد بعضه، ولم يصل باقيها بعد إلا بعد وصولي إليها في خريف العام الماضي، فكان ما أردت أن يكسى به الفقراء في شتاء سنة 1919 كساءً لهم في شتاء السنة التي بعدها.

الزاهر
24-06-2008, 01:23 PM
ما عاد بين معكم شي بهالموضوع؟؟

أبو حسن
30-06-2008, 08:49 AM
تكرم عينك يا سيد زاهر، وشكرا لتذكيري بهذا الموضوع

تفضلوا هذه المشاركة التي أتركها كما هي، رغم طولها، لأهميتها وما فيها من فوائد، فليتكم تصبرون على قراءتها ...


المنار، المجلد الثاني والعشرون، عدد ربيع الآخر - 1339هـ الموافق يناير - 1921م


الرحلة السورية الثانية (4)


طرابلس و القلمون

ما حزنني من سوء حال بلاد سورية الاجتماعية والأدبية شيء كما حزنني حال طرابلس والقلمون حيث نشأت وترعرت، فقد كانت طرابلس خير المدن السورية في العلوم الشرعية والأدبية، والعيشة الراضية الهنية، كما كانت القلمون خير البلاد الصغيرة في ذلك، أو (سيدة القرى والمزارع) كما وصفت في السجل الأعظم (دركنار) لبلاد الدولة العثمانية في الباب العالي كما روي لنا، وذلك أن جميع أهلها كانوا سادة شرفاء، وأتقياء نجباء، قد ولدت ولله الحمد فيها، ونشأت في بيت الكرم والمجد الأثيل منها، فكنت من أول العهد بالتمييز أرى العلماء والأدباء والحكماء والوجهاء تغشى دارنا، وتعشو إلى ضوء نارنا، بل كنت أرى فيها الضيوف من بلاد المحلة مكرمين على اختلاف مللهم ومذاهبهم، وكان مسجدها عامرًا دائمًا بإقامة شعائر العبادة وقراءة دروس العلم والوعظ، وقد عشت ما عشت فيها ولم أر أحدًا ارتكب فاحشة أو شرب مسكرًا، أو أتى منكرًا إلا ما كان ينسب إلى أفراد قلائل من ارتكاب سرقة الفاكهة أوالزيتون والليمون، وما كان يقع بين بعض المتخاصمين والمتنازعين من التضارب بالعصي أحيانًا وبالمدى نادرًا، وقلما رأيت شيئًا من ذلك بعيني.

وإني قد شببت فيها وأنا أعتقد أن الذين يقترفون كبائر الإثم والفوحش في الدنيا أفذاذ قليل عددهم في كل مكان، وأكثرهم في المدن أو البوادي، ولذلك كنت أجتنب معاشرة أكثر الناس في طرابلس عندما كنت أطلب العلم فيها، على ما ذكرت من فضلها على غيرها، حتى إنني إلى اليوم لا أعرف جميع أسماء الذين قضيت معهم السنين الطوال في المدرسة، وكانت مدارس العلم يومئذ عامرة وطلابه كثيري العدد، وكانت دور أهل العلم والأدب أندية وسمارًا تكثر فيها المطارحات العلمية، والمساجلات الأدبية، ولم تكن الخمر معروفة في شيء من ملاهيها العامة (القهاوي) ولا الرقص، وكل ما كنت أعلمه في هذا أن في حارة النصارى ملهى في بستان اسمه الزهرية يشربون فيه الخمر، ويختلف إليه بعض أهل الدعارة من المسلمين، ولكنني لم أر في أثناء إقامتي فيها لطلب العلم من السكارى إلا عبدًا أسود وشابًّا وطنيًّا من فقراء السوقة يبيع الحمص المملح والملبس بالسكر، وإنما نسمع أحيانًا بعض أخبار الفساق من المنكرين عليهم والقادحين فيهم ؛ إذ يغلب عليهم التستر ويندر فيهم التهتك، كاجتماع بعض أهل الدعارة في مجالسهم الخاصة في بيوتهم، على مائدة الخمر، أو شربها على مائدة الطعام، وإنما كان يفعل هذا من المسلمين أكثر الموظفين من الترك حتى بعض قضاة الشرع، وكان هؤلاء الموظفون يحرصون على إغواء وجهاء المسلمين الذين يعاشرونهم بإغرائهم بالشرب معهم كدأب أهل السكر في كل مكان، وقل من كان يستجيب لهم من قرنائهم أو مرؤوسيهم ولو بقبول الكأس من أيديهم مرة واحدة، ومن طرقهم في ذلك ما سمعته في دارنا من أحد المتصرفين، فقد سألنا : أليس المسكر المحرم قطعًا هو خمر العنب وما عداه فإنما يحرم منه القدر المسكر ؟ فأي حرج إذًا في شرب ما عدا هذا القدر من سائر الأشربة ولا سيما ما لا يسكر إلا كثيره كالبيرة ؟ فقلنا له : تلك شبهة لبعض الفقهاء في النقوع الذي كانوا يسمونه نبيذًا، والحق أن كل مسكر خمر يحرم قليله وكثيره كما ثبت في النص المؤيد بالقياس والخبر. وإذ كنت أكتب في مثل هذا للاعتبار به، وليكون تاريخًا تعرف بمثله أسباب التطور الاجتماعي في البلاد، فإنني أذكر واقعة في هذا الباب هي أكبر ما كان يتحدث به الناس في مدينتنا (طرابلس الشام)، ويفخرون به، وهي بين مدحت باشا الوزير الشهير ودرويش أفندي الشنبور.

كان درويش أفندي هذا رجل طرابلس الكبير، بل رجل سورية الممتاز في عصره بالعلم بالقوانين وحسن الإدارة والتصرف في حل المشكلات، حتى إن أمور إدارة لواء طرابلس كانت بيده يتصرف فيها كما يشاء، وهو عضو في مجلس الإدارة، رأيه فيه بحكم القانون كرأي غيره من الأعضاء، فكان أصحاب الحاجات يولون وجوههم شطر داره دون أمثاله من الأعضاء، بل دون الرؤساء من المتصرف التركي المولى من نظارة الداخلية إلى من دونه من رؤساء الإدارة، وكذا رؤساء الجند فيما يقيدون فيه بالإدارة كأخذ العسكر بنظام القرعة المعروف، فلم يكونوا يستطيعون أخذ أحد إلا برأيه، لذلك كان له حساد كثيرون، فلما جاء مدحت باشا واليًا على سورية كثر السعاة بدرويش أفندي الشنبور لديه الذين يرمونه بالاستبداد بأعمال الحكومة، وكونه لم يترك لأحد من رجال الدولة اسمًا ولا عملاً في لواء طرابلس، وأنه هو نفسه لا يمكنه أن يكون له اسم سمي، ولا قدر على ذلك اللواء إلا بإخراجه من مجلس الإدارة وجعله حلس بيته، وقد أثرت هذه السعاية في نفسه، فلما جاء طرابس في دورة التفتيش المعتادة كان استقباله لدرويش أفندي استقبال المرتاب المختبر فلما سمع كلامه أحب الخلوة به، فسمع منه من الأنباء والآراء ما أكبره في عينه، وأحله في أعلى مقام من الثقة به، والكلام مظهر العلم والعقل والرأي، { فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ اليَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ } (يوسف : 54) ولم يكن يستطيع مفارقته إلا وقت النوم، وكان الوزير مبتلى بشرب الخمر كأكثر رجال الدولة، وكان درويش أفندي لا يشربها كسائر وجهاء طرابلس، ولا سيما أصحاب الزي العلمي أمثاله، فاجتهد مدحت باشا في حمله على الشرب لتطيب له معاشرته ولا يرى نفسه صغيرًا أو حقيرًا في عينه وعين نفسه بارتكابه لهذا المنكر مع من ينكره في نفسه لتحريمه، وقد كان مدحت باشا مسلمًا محترمًا لدينه كما يقال، ولكن السكر بلاء قلما يستطيع تركه من ابتلي به، عرّض لدرويش أفندي أولاً فنبا له وأعرض، كأنه لم يفهم مراده، فكاد له مكيدة سلم منها بحسن بادرته، وقوة إرادته، ذلك أنهما كانا في متنزه من متنزهات ضواحي المدينة اسمه (بركة البداوي) فطلب الوزير الخمرة، فأخذ لنفسه كأسًا وناول درويش أفندي كأسًا أخرى وقال له : نشرب على اسم مولانا السلطان الأعظم. فأخذ الكأس درويش أفندي وقال على البداهة : كأس من يد أفندينا مدحت باشا باسم مولانا الأعظم أمير المؤمنين لا ينبغي أن تصب في الجوف وتخالط القذر بل مكانها الرأس، وصب الكأس على عمامته البيضاء، فأعجب مدحت باشا بهذه البداهة والكياسة، وزاده هذا الثبات كرامة عنده ومكانة في نفسه.

هذه الحالة التي كانت عليها طرابلس إلى عهد طلبي للعلم فيها وهجرتي منها هي التي ضاعفت آلامي لما رأيت هذه المرة ما رأيت من سوء حالها، وسريان عدوى المجاهرة بالتهتك فيها، وقد بدأ ذلك فيها في أوائل العهد بالحكومة الدستورية الاتحادية، ثم كان لمفاسد الحرب ثم للاحتلال الأجنبي تأثير بعد تأثير في استشراء فساده كما بيناه في النبذة الثالثة من هذه الرحلة (ج9 م21) حتى إن طرابلس صارت دون بيروت و دمشق في الحالة العلمية والأدبية الإسلامية، فقد خلت من تلك الحلقات الواسعة من طلاب العلم ومن تلك المحافل والسمار التي كانت آهلة بأهل الهيئة والوقار من العلماء والوجهاء من الطبقات المختلفة الذين كانت آراؤهم تضطر الغرباء من حكامهم وغيرهم إلى احترامهم دع أهل البلد الذين هم كبراؤه، وكذلك كان شأن شيوخ أهل بيتنا في القلمون، بل لم أر مجلس وقار في مكان ما مثل المجالس التي كان يحضرها كبير أسرتنا السيد الشيخ أحمد عم والدي، فقد كان أوجه الوجهاء من علماء طرابلس ورجال الحكومة وغيرهم يجلونه لما كان عليه من الجد والوقار والتقوى حتى إنه لم يكن أحد يشذ في جلوسه ولا في ضحكه ومزاحه في حضرته، بل يلزمون الاعتدال والأدب الشرعي، وقد اتهم رجل صالح من طرابلس بفاحشة أو مقدماتها، وكان ممن يترددون على القلمون مع بعض العلماء فلم يتجرأ بعدها أن يتراءى أمامه طول حياته، وماذا أقول عن صاحب تلك الشيبة الرائعة الذي قال فيه نقاده المعاصرون الشيخ عبد الفتاح الزغبي نقيب أشراف طرابلس وخطيب جامعها الكبير إلى اليوم : آخر من أدركنا من الصديقين عمي الشيخ أحمد. وأنا لم أكن هنالك أستطيع تعمد النظر في وجه أحد متهم بالفسق ولا السكوت على منكر منذ كنت غلامًا أمرد، وقد شذ في حديثه معي تاجر في طرابلس بقول لا يعد منكرًا شرعًا إذا حسنت فيه النية، فتركت الشراء منه والنظر إلى دكانه، بل المرور أمامها ما دام فيها.

نعم إنني كنت أول من انتقد من المسلمين ما كان عند الوجهاء من التكلف في اللقاء والسلام والقعود والقيام، وأول من ترك عادة الجلوس على الركب في بدء الجلوس معهم، وإن فعل ذلك بعض كبار السن والقدر لأجلي، ولكنني أقول الآن : إن مجالسهم كانت خيرًا من مجالس أكثر أولادهم وأحفادهم الذين تركوا غير ذلك من آدابهم العالية لا المتكلف منها فقط مفتونين بزخرف حرية الفسق الذي يخشى أن يضيع عليهم دنياهم ودينهم، فيكونوا من الأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.

أصيبت طرابلس بالعقم من العلماء والفضلاء والزعماء، فلا خلف فيها في العلم والرشد للشيخ محمود نشابه والشيخ عبد الغني الرافعي والشيخ عبد الرزاق الرافعي، والشيخ عبد الله الصفدي ودرويش أفندي الشنبور والمفتي مصطفى أفندي كرامي الذين أدركناهم في شيخوختهم، ولا للشيخ حسين الجسر والشيخ عبد الله البركة والشيخ نجيب الحامدي والشيخ خليل صادق الذين أدركناهم في كهولتهم. وإنما بقي أفراد من الطبقة التي قبل طبقتنا أوسعهم علمًا وفهمًا وإفادة الشيخ محمد إبراهيم الحسيني وقد جهلت مدينته قيمته فلا ينتفع به إلا أفراد قليلون من بقايا الطلاب، ومنهم الشيخ محيي الدين الحفار والشيخ عبد اللطيف نشابه، وأفراد آخرون من طبقتنا ورفاقنا في الطلب، وأكثر هؤلاء وأولئك قد تركوا الدرس والتدريس، واجتنبوا الكتابة والتصنيف، ومنهم من يشتغل بأمر الدنيا من تجارة وزراعة لكساد بضاعة العلم، ولم أر في هذه الزورة لطرابلس أحدًا من رفاقي لا يزال مغرمًا بالمطالعة والكتابة إلا الشيخ محمد رحيم والشيخ عبد المجيد أفندي المغربي، وليس لأحد منهما ولي في عمله ولا ظهير.

وأما القلمون فلم يبق فيها أولو بقية يستفيد الناس منهم إلا عمي أبو عبد الرحمن عاصم، فهو يقرأ دروسًا في مسجدنا في بعض الأحيان لمن عساه يوجد فيه، ولكنه في عامة أوقاته معتزل للناس، لا يكاد أحد يراه إلا في صلاة الجماعة، وقد انقرض ثلثا أهل القرية وحال الباقين شر مما كانت عليه، وقد كنت قبل الهجرة إلى مصر أقرأ لهم التفسير ونهاية المحتاج في فقه الشافعية والزواجر، وغير ذلك من كتب التوحيد والمواعظ والرقائق، وبلغني أنه وجد فيهم رجل يتجرأ على المجاهرة بالفواحش وارتكاب منكرات السلب والنهب، ويستعين على ذلك برشوة الحكام، وأما طرابلس، فقد صار الكثيرون فيها يجاهرون بذلك، ومنهم من يدعو الأجانب إلى داره ويقدم لهم الخمور فيها، ولكن تيقظ بعضهم لتدارك الخطر كما بيناه في النبذة الثالثة التي قبل هذا من الرحلة، فليحفظ الناس هذا، ولينتظروا عاقبة هذا التغيير، فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ونسأل الله تعالى أن يتوب عليهم ويجعلهم خيرًا مما كان عليه سلفهم ويغير ما بهم إلى خير منه.

أبو حسن
02-07-2008, 09:54 AM
المنار، المجلد الخامس عشر، عدد شعبان - 1330هـ، الموفق أغسطس - 1912م

التربية ووجه الحاجة إليها وتقاسيمها

... أضرب لكم مثلاً رجلاً فقيرًا بائسًا من بلدنا (القلمون) يكنى (أبا حطب) كان يحمل الخضر والفاكهة على ظهره ويصعد من بساتين القلمون أو طرابلس الشام إلى جبل لبنان , ينتقل بها من قرية إلى قرية ؛ ليبيعها ويأكل من ربحها، شب وشاب على ذلك , هذا الرجل البائس وَجد مرة في شارع من شوارع ميناء طرابلس خالٍ من الناس كيسًا كبيرًا مملوءًا بالنقود الذهبية (الليرات) فتناوله ووضعه في سلة الخضر التي يحملها على ظهره , وبقي يسير الهوينا على عادته إلى أن رأى في الطريق رجلاً روميًّا ملهوفًا يعدُو ويصيح (خرب بيتي) فعرف الرجل المسكين بالقرينة أنه صاحب الكيس فناداه - وهو لا يلتفت إليه - فقال : (يا خواجة تعالَ يا خواجة) فأقبل عليه الرومي فسأله ماذا ضاع لك ؟
قال : كيس من الذهب فيه كذا من الليرات
فأخرج له الكيس وقال : أهذا كيسك ؟
قال : نعم نعم
قال : خذه
فأخذه الرومي ولم يعطه شيئًا، فسأله بعض الناس : لماذا أعطيت هذا الرومي الخبيث الكيس وهو لم يعلم أنه كان معك، ولو أخذته لأغناك عن بيع الخضر طول عمرك ؟
فقال : إذا كان هو لم يعلم أنني أخذت الكيس فإن الله علم بذلك وهو مطلع عليَّ.

هذا ما فعله البائس الفقير (أبوحطب) بوازع الدين وهو مطمئن القلب منشرح الصدر، أفرأيتم لو كان قد تلقى من بعض الفلاسفة الماديين أنه لا إله ولا دين ولا حياة للناس بعد هذه الحياة , وأن الأمانة واجبة عقلاً ؛ لأن الهيئة الاجتماعية لا تصلح بدونها، أكان يعطي الكيس لذلك الرومي ؟ أكثر هؤلاء الأروام عندنا أشرار شرسون لا يحبهم الناس ولا يرجون منهم خيرًا ؟ لا والله، بل لو وجده بعض القضاة الماديين الذين عهد إليهم إقامة ميزان العدل والحق لأكلوه فرحين مستبشرين.

أكتفي بهذا البيان الوجيز في إثبات كون تربية النفس على الفضيلة لا تتم إلا بالدين، وكون كل دين من الأديان أعون عليها من تلك الفلسفة الناقصة، التي لا يمكن أن تكون عامة، وإن كانت الخرافات والتقاليد الوثنية في أكثر الأديان تنافي كثيرًا من الفضائل، وتكون مثارًا لكثير من الرذائل.

الزاهر
02-07-2008, 10:10 AM
كلام جميل!!!...:)

أيمن غ القلموني
02-07-2008, 03:09 PM
، وقد انقرض ثلثا أهل القرية وحال الباقين شر مما كانت عليه، .




بارك الله بكم أخ أبو حسن على هذا المجهود الرائع.

أخي أبو حسن ، ما فهمت كيف إنقرضوا وما بقي إلا الثلث ؟

صار شي هزة أو أصابهم الطاعون ولا كيف ؟ ممن تشرح إذا بتريد.

أبو حسن
03-07-2008, 07:32 AM
أخي أبو حسن ، ما فهمت كيف إنقرضوا وما بقي إلا الثلث ؟

صار شي هزة أو أصابهم الطاعون ولا كيف ؟ ممن تشرح إذا بتريد.

أهلا بك أخي أيمن

هذه المقالة كتبت عقب رحلة الشيخ رشيد رحمه الله إلى الديار الشامية (أو السورية كما يسميها) بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وقد سبق الإشارة إلى المجاعة التي ضربت البلاد الشامية ومنها القلمون، فالأرجح أن الشيخ يشير إلى هذه المجاعة وأنها هي التي قضت على الناس وأهلكتهم، والله أعلم

أيمن غ القلموني
03-07-2008, 07:18 PM
مشكور أخي أبو حسن ، يعني لو ما صار مجاعة ، كانت القلمون أد ٣ من إللي هلأ :).

admin
10-07-2008, 05:31 AM
السلام عليكم

فيما يلي تعقيب من الشيخ أحمد عبيد حفظه الله على ما ورد في إحدى مشاركات هذا الموضوع....
------------------
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.
تعقيب هام جدا على قصة وردت تحت عنوان، (القلمون في ذاكرة علامتها) (أعجوبتان)
تقول الجريدة كتب إلينا من القلمون أنه ولد لحمود عبيد من زوجه رابعة بنت مصطفى الخباز بنت مشوهة وذكر قصة غريبة عجيبة إلى أن قال يرى أهل القانون؟! أن الحكمة في خلق هذه البنت ممسوخة هي انتقام من أبويها فإن المرأة كانت متزوجة وعشقت! هذا الرجل فنشزت وأساءت معاملة زوجها الأول حتى اضطرته إلى طلاقها وتزوجت بالثاني. ا.هـ

وبحكم معرفتي بهذه المرأة التي ورد إسمها بالنص فهي جدتي رابعة الخباز رحمها الله أم والدي رحمه الله أقول أن هذا الكلام الذي قيل بحقها بأنها نشزت وأحبت رجلا غير زوجها هو باطل لا أصل له والقصة الواردة عارية عن الصحة، لأن هذه المرأة لم تتزوج غير جدي حمود عبيد ولم تنجب منه إلا ثلاثة أولاد ذكرين وأنثى، ثم توفي زوجها ولم يكمل الثلاثين من عمره ورفضت الزواج من بعده لكي تتفرغ لتربية أولادها فكانت لهم الأم والأب معا. وأولادها إلى جانب والدي محمد عبيد، عمي إبراهيم عبيد رحمه الله والد الشيخ بسام عبيد والبنت هي عمتي حفصة رحمها الله زوجة الحاج محمد عبد الحي صهيون رحمه الله حافظ القرآن ومعلم معظم أهل القلمون التجويد وقراءة القرآن وله فضل بعد الله تعالى على أكثر مشايخ القلمون إن لم يكن كلهم.

أعود لجدتي المفترى عليها في هذه القصة، فقد كانت صوامة قوامة تصوم الإثنين والخميس من كل أسبوع، وعشت معها قرابة العشرين سنة، فلم اسمعها تذكر أحدا بسوء وإنما كان لسانها معطرا بذكر الله دائما، ومن حسن خاتمتها أنها ناهزت المائة سنة من عمرها ولم تتغير ذاكرتها بل حافظت على صفائها ونقائها، ونحن اليوم نرى أناسا لم يبلغوا الستين قد أصابهم الخرف. ثم ما هذه القصة المفبركة وكأن القاص يتحدث عن فتاة في جامعة البلمند أو القديس يوسف عشقت ونشزت وأساءت، هل يقال هذا الهراء بحق امرأة صالحة تقية نقية،وهو أمر معيب أن تذكر إنسانا ثم تذكر معايبه – أين حرمة المسلم، كان يقول صلى الله عليه وسلم وهو أسوتنا وقدوتنا: (ما بال أقوام يقولون كذا وكذا وهو يعرفهم ولا يذكر أسماءهم) - وهي التي قالت لي يوما لم أعرف جدك إلا يوم أن طلبني أهله للزواج، فمتى عشقت غير زوجها وهي لم تتزوج أصلا غير هذا الزوج، فهذه القصة مسيئة لأهل القلمون وخاصة المرأة التي ذكر إسمها كاملا واسم زوجها وهي بريئة كل البراءة مما قيل بحقها وهي تهمة باطلة ينبغي أن يطلع كل من قرأ الخبر على التصحيح ثم تحذف القصة من الصفحة وأرجو من الأخ الكريم أن لا ينقل هذه الأخبار التي تمس أناسا بأعيانهم حتى لو كانت صحيحة فكيف وهي باطلة جملة وتفصيلا.
وفقنا الله وإياكم لكل خير والحمدلله رب العالمين.

أبو حسن
10-07-2008, 11:14 AM
بارك الله في الشيخ الفاضل الدكتور أحمد عبيد، على التوضيح وجزاه الله عنا كل خير

وقد كنت عزمت أثناء إجازتي الأخيرة في القلمون أن أستفسر عن الموضوع، كيف لا والمقصود به والدة جدي لأمي رحم الله الأولان وأطال في عمر الأخيرة، فجاء بيان الشيخ أبي براء واضحا جليا لا مزيد عليه ولله الحمد

وسبب نقلي لهذا الخبر، أن شرط الموضوع كما هو واضح من العنوان، جمع كل ما ورد من أخبار تتعلق بالقلمون، أوردها الشيخ رشيد رضا رحمه الله في مجلته المنار. ولم يخطر ببالي يوما أن أنقل ما يسيء لأحد أو أن أنتقي منها أخبار معينة وأغضّ الطرف عن أخرى، فأنا أورد هنا كل ما وقعت عليه عيناي في مجلة المنار مما يتعلق بالقلمون وأهلها، وما أنا إلا ناقل، والعهدة على الشيخ رشيد رحمه الله ...

لذا أكتفي برد هذا الخبر بعد بيان شيخنا الفاضل جزاه الله خيرا لخطئه وعدم صوابيته وأترك لإدارة المنتدى كامل الحرية في حذف الخبر أو الإبقاء عليه

ورحم الله والدة جدنا ورحم جدنا وأخوته الأفاضل الأكارم وجعل قبورهم روضة من رياض الجنة

أبو الفداء أحمد بن طراد
04-12-2009, 03:51 AM
رحم الله العلامة الجليل محمد رشيد رضا
http://www1.aucegypt.edu/faculty/sedgwick/Map/Pix/rreda.jpg