مشاهدة النسخة كاملة : فصل مثير جدا للأستاذ المودودي
أبو محمد القلموني
28-02-2007, 04:06 PM
نقد لاذع و عميق و متين لكثير من التوجهات الدعوية الحالية التي تمثلها غالبية عظمى من دعاة و تنظيمات الصحوة ! يطل علينا من خلالها الأستاذ المودودي في فصل مثير إلى أقصى درجة بعنوان ( دعوة الإسلام وغاية المسلم ) من كتاب ( المسلمون و موقفهم من الصراع السياسي في الهند ) . والذي صدر عام 1940 حينما كان سكان الهند المسلمون يشعرون بمرارة الإحتلال البريطاني ولا يجدون السبيل للتخلص منه !!!
أرجو من جميع الإخوة أن يتابعوه بدقة متناهية فإن في بعض ما يثيره من أفكار ما قد لا تجدونه في كتب أخرى بل فيه ما قد يشكل صدمة حقيقية لكثير من مفاهيمنا الإسلامية !
كما و أغتنمها فرصة لأنصح الإخوة أن يطلعوا على الكتب التالية للأستاذ المودودي فإنها بحق منارات هداية و فيها فوائد عظيمة وفرائد نادرة تمس الحاجة إليها: ( منهاج الإنقلاب الإسلامي ) ، ( المصطلحات الأربعة في القرآن ) ، ( الحضارة الإسلامية )
دعوة الإسلام و غاية المسلم
(
إذا كان شخص تنتابه نوبات من التشنج و الهذيان مرة بعد مرة لا يفارقه القلق و الإضطراب و لا في الفترات المتخللة من الصحة، فما هي النتيجة التي يستخرجها العقلاء برؤية حالته هذه؟ هل يعتبرونها مجرد أثر من آثار الضغط الخارجي؟ أم يرون أن هناك فسادا كامنا في داخل نظامه الجسدي؟ وهل يعالجون التشنج بمجرد شد يديه و رجليه، و الهذيان بمجرد كم فمه ، و الحمى بمجرد غرزه في الثلج أم يوجهون كل عنايتهم إلى أن يدركوا الفساد الحقيقي الذي قد نشأ في تركيب نظامه الجسدي و يركزوا كل جهودهم على إزالته ؟ .
أما في ما يتعلق بالحالات الفردية ، فإن كل عاقل لا يسلك في مثل هذه الأحوال إلا الطريق الثاني ، و لكن العجب كل العجب أن العقل الذي يستخرج نتيجة صحيحة برؤية شخص في هذه الحال ، يتخبط خبط عشواء في استنتاج السبب الحقيقي حين يرى الإنسانية كلها مصابة بحالة كهذه ؟ .. إن العالم الإنساني في وقتنا الحاضر مصاب بتوتر شديد و قد انتابته نوبة شديدة من التشنج تزلزلت بها الأرض من أقصاها إلى أقصاها ، و ما هذه النوبة بنوبة أولى من نوعها ، بل هناك نوبات و نوبات من عين هذا النوع تنتابه بصفة مطردة منذ أمد غير يسير ، و لا يعيش مطمئنا هادئ البال ، و لا خلال الفترات التي لا تنتابه فيها هذه النوبات ، و إنما يعيش قلقا مضطربا في كل حين من أحيانه بألم من الآلام. ولكن على رغم أن هذا الوضع مشاهد في الأرض كلها منذ مدة ، فإن أحدا من الناس لا يلتفت فكره إلى أن هناك فسادا أساسيا هو الكامن في أساس التمدن و العمران الإنساني ، ولا نرى أنظار كل عقلاء الأرض و علمائها إلا متوجهة إلى الأمارات الخارجية التي قد برزت على السطح الظاهري لسبب الفساد الداخلي ، ومن هنا فإن كل واحد منهم إنما يضع إصبعه على القرح الذي يراه أبرز من غيره على السطح الظاهري و يقول : شرحوا هذا ، يصلح كل شيء و يزول الفساد برمته . فمنهم من يقول أن الدكتاتورية هي مبعث الشر و مصدر الفساد فاستأصلوا شأفتها. و منهم من يقول أن ليس كل الفساد إلا لسبب الإستعمار فاقضوا عليه قضاء. ومنهم من يقول أن الرأسمالية هي التي قد حولت الأرض إلى جهنم فاقطعوا دابرها. و يا ليت شعري ما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا !
يحسبون الفروع الأصل ، و لا يعلمون أن الأصل هو غير هذه الفروع ، و أنه ما دام متأصلا في الأرض فإن الفروع لا بد أن تظل في نمو و كثرة و لو ظلوا يضيعون الوقت في قطعها إلى يوم القيامة.
وما أصل كل فساد في أي مكان من الأرض إلا شيء واحد هو خضوع الإنسان و استسلامه لسيادة أحد غير الله. إن هذا الخضوع و الإستسلام هو أم الخبائث وهو مصدر الفساد ومنبت الشر ، وهو الأصل الذي به ينبت الشجر الخبيث التي تنتشر فروعه في كل جوانب الأرض و تسقط على رؤوس سكانها ثماره من النكبات و الكوارث فمهما تبذلوا من جهودكم في قطع الفروع و شذبها و تهذيبها مع بقاء هذا الأصل قائما في بطن الأرض ، فإن كل جهودكم لن ترجع عليكم بجدوى سوى أن ينقطع نزول الكوارث من جهة و يبتدأ من جهة أخرى!
ماذا عسى أن يحصل إذا استأصلتم شأفة الدكتاتورية أو الملوكية المطلقة العنان؟ لا شيء سوى أن يتزحزح شخص أو أسرة عن منصب الألوهية و يحتل مكانه أو مكانها مجلس نيابي . ولكن هل تنحل بهذا الطريق مشكلة الإنسانية في واقع الأمر ؟ وهل أن المكان الذي قائمة فيه ألوهية المجلس النيابي هو خال من الظلم و البغي و الفساد في الأرض ؟ )
يتبع إن شاء الله
ملاحظة : المقال مترجم عن اللغة الأردية
أبو محمد القلموني
01-03-2007, 02:04 PM
يتابع الاستاذ أبو الأعلى المودودي فيقول في كلام ماتع ودقيق:
( وماذا عسى أن يحصل إذا قضيتم على الإستعمار قضاء؟ لا يحصل سوى أن ترتفع عن أمة ألوهية أمة أخرى. ولكن هل يبدأ بعد هذا دور الأمن و الرفاهية و السعادة في الأرض؟ وهل إن الإنسان يتمتع بالطمأنينة إذا كانت الأمة تصبح إله نفسها ؟ ( قلت : أرجو أن يتذكر الإخوة أن هذا الكلام من الأستاذ الكبير يوجهه إلى المسلمين الهنود في الفترة التي كانوا يعانون فيها من الإحتلال البريطاني !!! )
وماذا عسى أن يحصل إذا قطعتم دابر الرأسمالية ؟ لا يحصل سوى أن يتحرر عامة الناس الكادحين من نير ألوهية الطبقات الغنية المترفة و يصبحوا عبيدا لآلهة لا يتخذهم إلا هم أنفسهم. ولكن هل ينال الإنسان بهذا نعم الحرية و العدالة و الأمن و الطمأنينة؟ وهل إن هذه النعم حاصلة للإنسان إذا كان لا يحكم إلا الآلهة الذين اتخذهم العمال أنفسهم ؟
إن أفضل غاية يمكن أن يعرضها على الإنسانية المنكرون لسيادة الله و حاكميته ، ليس إلا أن تقوم في الأرض ديمقراطية كاملة أي أن يكون الناس حكاما لأنفسهم لتحقيق مطالبهم و مصالحهم ، و لكن بقطع النظر عما إن كان ظهور هذه الحالة في الدنيا ممكنا أم غير ممكن ، فهذا سؤال مهم جدير بأن نطيل فيه التفكير ، وهو إن حالة كهذه لئن ظهرت في مكان من الأرض على سبيل الإفتراض ، فهل إن الإنسان في هذه الجنة الخيالية يتحرر حتى من عبادة شيطان نفسه أي من عبادة ذلك الإله الجاهل السفيه الذي ليس عنده لتنفيذ ألوهيته العلم و لا الحكمة و لا العدل و لا الصدق ، و إنما عنده الأهواء ، لا الأهواء العادية و لكن الأهواء الغاشمة العمياء.
وبإختصار ، فما خلاصة كل ما يقترح في الدنيا اليوم من الحلول لمصائب الإنسان و كوارثه و مشاكله ، إلا أن تنتزع الألوهية أو الحاكمية من أيدي فريق من الناس و تسلم إلى أيدي فريق آخر منهم. وما ذلك بإزالة للمصيبة و إنما هو تحويل لها ، و معناه أن لا يأتي سيل المصيبة من الجهة التي ما زال آتيا منها حتى الآن، بل يأتي من جهة غيرها. وهذا إن جاز أن يسمى حلا فإنما هو حل كاستبدال حمى الدق بالسرطان ، فإن كان مقصودكم مجرد أن تزيلوا حمى الدق ، فقد نجحتم ولا شك ، وأما إن كان مقصودكم أن تنقذوا النفس الإنسانية من براثن الموت ، فإنكم ما لقيتم نجاحا بتغيير رسالة للموت برسالة أخرى للموت .
وسواء أصار الإنسان إلها لأحد غيره أو اعترف بألوهية أحد غيره أو صار إلها لنفسه ، فإن سبب الهلاك و الخسران الحقيقي يبقى قائما كما هو في كل هذه الصور ، لأن من ليس بملك في واقع الأمر إذا ادعى أنه ملك ، وأن من هو عبد منقاد في واقع الأمر إذا زعم نفسه متمكنا من منصب السيادة و الألوهية ، وأن من هو تابع ورعية مسؤولة ، إذا ظن نفسه حاكما مطاعا مستقلا بأمره لا تبعة عليه و لا يسأل عما يفعل ، فإن ادعاءه أو زعمه أو ظنه هذا لن يعدو ، في واقع الأمر ، أن يكون وهما باطلا ، ولا بد أن تبقى الحقيقة ثابتة كما هي الآن ، فيبقى الإله من هو الإله الآن ، و يبقى العبد من هو العبد الآن.
إلا أن العبد حين يرفع بناء حياته على أساس هذا الوهم الباطل العظيم أي على أساس أنه الحاكم الأعلى ، و حين يعمل في هذه الدنيا معتقدا أن ليس هناك فوقه حاكم هو مسؤول بين يديه ولا بد له من نيل مرضاته في أمره و نهيه ، فلا جرم أن يكون بناء حياته باطلا من أساسه إلى ذروته ولن يكون البحث فيه عن الصحة و الصدق إلا ضربا من السفاهة و الحماقة .
وكيف لعقل الإنسان يا ترى ، أن يقبل المبدأ القائل بأن يكون الخلق لأحد و الأمر لغيره ؟ أن يكون الخالق و المربي أحد و ينفذ الأمر لغيره ؟ أن تكون المملكة لأحد و يكون المالك غيره !
كلا ، بل الذي خلق الإنسان ، و الذي جعل هذه الأرض قرارا و مسكنا للإنسان ، و الذي يربي الإنسان بهوائه و مائه و نوره و حرارته و سائر ما أودع في هذا الكون من مرافق العيش و لوازم الحياة ، و الذي إن قدرته محيطة بالإنسان و بكل هذه الأرض التي يعيش الإنسان على وجهها ، و الذي لا قبل للإنسان بأن يخرج من حيطة قدرته بحال ، هو الذي يجب أن يكون مالكا للإنسان و لهذه الأرض ، و أن يكون هو الإله و الرب و يكون هو الملك و الحاكم بحكم العقل و الفطرة ، و أي واحد غيره يستحق الحكم و السيادة في هذه الأرض التي ما خلقها إلا هو ؟ وكيف لمملوك أن يقول أنه مالك لمماليك مثله ؟ و أي واحد غير الصانع عسى أن تجوز له ملكية صنائعه ؟ ومن عنده من القدرة و العلم و الحكمة ما يجعله مستحقا لتنفيذ حكمه و إرادته في هذه المملكة ؟
و إذا كان الإنسان لا يعترف بحاكمية مالك هذه المملكة الحقيقي و يعترف بحاكمية أحد غيره ، أو يدعي الحاكمية لنفسه ، فإن ذلك مخالف للأمر الواقع صراحة و باطل أساسيا و بهتان عظيم لا بهتان بعده ، بهتان يفنده كل شيء في الأرض و السماوات في كل حين .
فبدعوى كاذبة كهذه و طاعة باطلة كهذه لا يحدث في حقيقة الأمر الواقع فرق ولا قيد شعرة ، و لا بد أن يبقى المالك هو المالك ، و الملك و الحاكم هو الملك و الحاكم ، بيد أن الحياة لا بد أن تفسد على نفس ذلك الإنسان الذي يحمل و يسعى في هذه المملكة معترفا بالحاكمية لغير مالكها الحقيقي أو مدعيا إياها لنفسه. و ذلك أن ليست الحقيقة بمفتقرة في كونها حقيقة إلى أن تدركوها ، ولكنكم أنتم الذي تفتقرون إلى أن تدركوها ثم تجعلوا عملكم و سعيكم متفقا معها مفرغا في قالبها. أما إن كنتم لا تشعرون بالحقيقة و تزعمون عن شيء باطل أنه هو الحقيقة ، فإنكم لا تضرون بذلك إلا أنفسكم و لا تحدثون فرقا في الحقيقة ذاتها . )
يتبع إن شاء الله
أبو محمد القلموني
05-03-2007, 04:38 PM
يتابع الأستاذ الكبير أبو الأعلى المودودي شرحه لحقيقة الحياة اللائقة بالإنسان من حيث تطابقها مع الواقع و التصميم الكلي لهذا الوجود ؛ ولا يكتفي بذلك بل يعلمنا أيضا كيف نسعى لتحقيقها في مجتمعاتنا مستلهما هذا كله من قضية الانبياء جميعا و منهجهم في الدعوة . فيقول رحمه الله :
( ومن الظاهر أن شيئا إذا كان باطلا من أساسه ، فإنه لن يتأتى تقويمه بالتعديلات الجزئية و الإصلاحات الفرعية ، إذ أن الحقيقة لا يحدث فيها أدنى فرق بزوال باطل و قيام باطل آخر مكانه. وتغيير كهذا قد يتعلل به من لا نصيب له من العقل و البصيرة، إلا أن ضرر بناء الحياة على أساس غير الحق في كل صورة لا يزال باقيا على حاله كما كان في صورة أخرى.
ولا سبيل هناك لإزالة هذا الضرر و لإقامة بناء الحياة الإنسانية على أساس الطمأنينة و السعادة الحقيقية سوى أن يكفر الإنسان بحاكمية غير الله بتاتا ، و يؤمن بحاكمية من هو مالك الملك حقيقة ، وأن يرفض كل نظام للحكومة يقوم على نظرية سيادة الإنسان و فكرتها الباطلة ، ولا يقبل إلا نظاما للحكومة التي سلطات الحكم و السيادة فيها لمن هو الحاكم و السيد في واقع الأمر ، وأن يأبى الإعتراف بحق الحكم لكل حكومة يكون فيها الإنسان مدعيا زاعما بأنه هو الحاكم و هو صاحب الأمر و النهي ، ولا يقول إلا بمشروعية حكومة يرضى فيها الإنسان لنفسه مكانة الخليفة تحت الحاكم الحقيقي الأصلي. وما دام لا يتم هذا الإصلاح الرئيسي ، وما دامت لا تقتلع حاكمية الإنسان – على أي وجه و من أي نوع كانت – من شأفتها ، وما دامت الفكرة الواقعية (realistic ) للخلافة الإلهية لا تحل محل الفكرة غير الواقعية للحاكمية الإنسانية ، فإنه من المحال القطعي أن يستقيم ما بنظام التمدن الإنساني من الإعوجاج و الفساد ؛ ولو قامت الإشتراكية مكان الرأسمالية أو الديمقراطية مكان الدكتاتورية أو قاعدة حكم شعب نفسه بنفسه مكان قاعدة الإستعمار !
وذلك أن فكرة الخلافة هي الفكرة التي تمنح للإنسان الأمن و الطمأنينة ، وهي الفكرة التي يمحى بها الظلم و العدوان و يسود العدل و الإنصاف ، وهي الفكرة التي إذا تبناها الإنسان اهتدى إلى المصرف السليم لقواه و إلى الوجهة الصحيحة لجده و سعيه. وما أحد غير رب العالمين و غير عالم الغيب و الشهادة بأهل لأن يضع للتمدن و العمران الإنساني أصولا و حدودا نزيهة لا تشوبها شائبة من الإنحياز و الجنف و العصبية و الأثرة ، و إنما تقوم على محض العدل و القسط و روعيت فيها مصالح جميع أبناء البشر و حقوقهم على قدم المساواة ، ولا تقوم على الظن و الخرص ، و إنما تقوم على العلم اليقيني بحقائق الفطرة. وما للإنسان أن يتمتع بنعم و بركات مبدأ كهذا ، إلا بأن يتنازل عن زعم كونه صاحب الأمر وواضع القانون لنفسه بنفسه ، و يؤمن بالله و بقانونه الذي أنزله للحياة الإنسانية ، و يقوم بتنفيذ قانونه في العالم مستشعرا في جملة أحواله أنه مسؤول بين يديه يوم القيامة عن كل عمل من أعماله الجليلة و الدقيقة.
هذا هو الإصلاح الاساسي الذي ما جاء الإسلام إلا لوضعه موضع التطبيق في الحياة الإنسانية ، وهو لا يحب أمة و يعادي أخرى حتى يكون مقصوده أن يرفع هذه و يسقط تلك ، وإنما مقصوده ان يجعل مجموع النوع البشري يتمتع بالأمن و الفلاح و الطمأنينة و السعادة ، وهو لهذا الغرض يعرض على الإنسان مبدأ شاملا عالميا هو أنه لا ينظر إلى بلد دون بلد أو إلى فئة إنسانية دون أخرى ، وإنما ينظر إلى وجه الأرض بجملة سكانه بنظرة واسعة مترفعا عن الحوادث و المسائل الوقتية التافهة ، وإنما يوجه إهتمامه إلى المشاكل و المسائل الأساسية العظيمة التي إذا انحلت ، انحلت المشاكل و المسائل الفرعية و الضمنية بنفسها في كل زمان ومكان. وأنه لا تهمه فروع الظلم و صور الفساد الجزئية ليصرف جهده اليوم في قطع فرع في مكان و يوجه اهتمامه غدا إلى قطع فرع آخر في مكان آخر ، و إنما يشن غارته على أصل الظلم و العدوان و مصدر الشر و الفساد مباشرة حتى ينقطع نشوء هذه الفروع أصلا . )
يتبع إن شاء الله
Nadine
07-03-2007, 10:52 AM
اذكر انني قرأت كتاب لعملاق الفكر الاسلامي أبو الأعلى المودودي رحمة الله عليه، عندما كنت في لبنان اسمه مبادىء الاسلام ,فعلا اسلوبه رائع.
أبو محمد القلموني
15-03-2007, 03:29 PM
يتابع الاستاذ المودودي رحمه الله كلامه تحت فصل ( دعوة الإسلام و غاية المسلم ) . وهو الآن يعرض لموقف الإسلام من الطائفية و الوطنية !
( إن المسائل التافهة الجانبية التي نرى مختلف أمم الأرض و جماعاتها متحيرة فيها ، لا أهمية لها في نظر الإسلام ، و إنما هناك مسألة لها الأهمية كل الأهمية في نظره. فهو يسأل سكان الأرض جميعا ( أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ؟ ) . أما الذين يحبون الصورة الأولى ، فلا يعتبرهم الإسلام إلا ملة واحدة ولو كانوا مشتتين بينهم وما نضال بعضهم ضد بعض في نظر الإسلام إلا نضال فساد ضد فساد آخر ، وذلك أنه لا يعادي أحد منهم الفساد لذاته ، و إنما يعادي فرعا من فروعه ولا يعادي حتى ذاك الفرع إلا لغرض أن ينتكس الفساد الذي قد رفع لواءه فريق و يعلو مكانه الفساد الذي قد رفع لواءه آخر. فالظاهر أن شخصا إذا كان معاديا للفساد لذاته ، لا يجوز له أن يتعاون مع إحدى هذه الفرق. ومن المتعذر عليه أن يفضل عباد أحد هؤلاء الأرباب الباطلين على عباد رب باطل آخر ، إنما هو في حرب مع هؤلاء جميعا ، فلا يستنفد كل جهوده إلا في تحقيق هدف وهو أن يخرج الإنسان من طاعة أرباب متفرقين و عبودية آلهة غير حقيقيين و يجعله يؤمن بحاكمية الله الواحد القهار الذي هو رب الناس و ملك الناس و إله الناس حقيقة.
إذا كانت لفظة ( المسلم ) لا معنى لها و إنما صارت تطلق كعلم على طائفة من الناس ، فلا جرم أن المسلمين لهم حرية مطلقة في تقرير ما شاؤوا من هدف لحياتهم و يتبعوا لبلوغه أي طريق يعجبهم ، و أما إن كانت هذه الكلمة تطلق على أناس قد آمنوا بالإسلام و رضوا به منهاجا لحياتهم ، فلا يجوز أن تكون لهم نظرية غير نظرية الإسلام ولا منهاج غير منهاج الإسلام. أما الإعتذار بظروف الزمان و مقتضياته للأخذ بنظرية غير إسلامية و سياسة غير إسلامية ، فهو اعتذار باطل لأن المسلمين عليهم أن يصمدوا أمام الحوادث الوقتية و الظروف المحلية و الشؤون القائمة في أية بيئة أو ملابسات كانوا . و فيما عسى أن ينفعكم الإسلام ، ذلك الإسلام الذي إنما تتبعونه في ظروف مخصوصة و تجعلونه وراءكم ظهريا و تتبعون بدلا منه نظرية أخرى كلما وجدتم الظروف القائمة غير ملائمة لأغراضكم الشخصية أو القومية ؟ الحقيقة أن المسلم إنما يكون مسلما إذا كان لا يتبنى في كل الظروف المختلفة إلا نظرية الإسلام الأساسية ولا يكيف منهاجه في الحياة إلا وفقا لهدفه الاساسي ، و إلا فإن المسلمين لو جعلوا ينظرون في كل حادثة و في كل حالة مستحدثة سياسة مستحدثة لا تمت بصلة إلى نظرية الإسلام و هدفه ، لما كان ثمة فرق في كونهم مسلمين و كونهم غير مسلمين . ولا غرو ، فإنه لا معنى لاتباعكم مذهبا أو منهاجا مخصوصا في حياتكم إلا أن تكون وجهة نظركم و منهاج عملكم متفقين معه على كل حال. وليس لمسلم أن يكون مخلصا في إسلامه إلا إذا تبنى واتبع وجهة نظر الإسلام و منهاجه للعمل في كل قضايا الحياة الجزئية و حوادثها الوقتية. أما المسلم الذي يترك في قضية فرعية أو حادثة وقتية منهاج الإسلام و يتبع منهاجا غيره و يقول : دعوني أتبع في هذه القضية أو الحادثة منهاجا غير إسلامي ثم حين أجد الظروف ملائمة بنفسي أعمل كما ينبغي لي أن أعمل بصفة كوني مسلما ، فالحق أنه إنما يشهد على نفسه بأن أمره لا يخلو من إحدى حالتين :
إما أنه لا يعتقد الإسلام في حد ذاته نظاما للحياة شاملا يستطيع أن يأخذ بيد الإنسان و يلبي جملة ضروراته في كل قضية و مع كل دورة من دورات الزمان على قدم المساواة ، أو أن ذهنه ما انصهر في قالب الإسلام تماما ، مما جعله عاجزا عن أن يطبق مبادئ الإسلام و أحكامه الشاملة على حوادث الحياة الإنسانية و وقائعها الجزئية و يعرف ماذا ينبغي أن يكون موقفه كمسلم في مختلف الظروف و الأحوال.
إني حين ألقي نظرة على الدنيا كمسلم حقيقي ، لا أجد سببا يدعوني إلى إبداء سروري بأن تركيا لا يحكمها إلا الأتراك و أن إيران لا يحكمها إلا الإيرانيون و أن أفغانستان لا يحكمها إلا الأفغان ، و ذلك أني كمسلم لست قائلا بفكرة: حكم الناس بالناس لأجل الناس (وهو شعار الديمقراطية الغربية ) ، و إنما أنا قائل بفكرة : سلطان الله على الناس بالحق ، و بهذا الإعتبار فإن حاكمية الأتراك على تركيا ، و حاكمية الإيرانيين على إيران و حاكمية غيرهما من الشعوب المسلمة على أوطانها باطلة في نظري ، كما أن حاكمية الإنكليز على إنكلترا و حاكمية الفرنسيين على فرنسا باطلة ، بل إن حاكمية هذه الشعوب المسلمة على أوطانها هي أكثر بطلانا في نظري ، لأن هذه الشعوب ما دامت تسمي نفسها شعوبا مسلمة فإن اتباعها لحاكمية الناس بدلا من إتباعها لحاكمية الله أدعى إلى العجب و الاسف ، و إذا كان حكم غير المسلمين بهذه الطريقة حكم : الضالين ، فإن حكم المسلمين بهذه الطريقة هو حكم : المغضوب عليهم ! )
يتبع إن شاء الله
Powered by vBulletin® Version 4.1.11 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir