المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ( هو كله ضرب ضرب ما فيش شتيمة و لا إيه ! )



أبو محمد القلموني
05-03-2007, 01:38 PM
من بين جميع الكتاب يكاد يكون الاستاذ الشهيد سيد قطب الأقدر على تعرية الحضارة الغربية و تسليط الضوء على مكامن الخلل فيها بأسلوب يسحر الألباب و يأخذ بالعقول.

في كتبه يعلمنا كيف نسب آلهتهم بأدب و نسفه أحلامهم بحرقة و نستميلهم في الوقت عينه ، بإصرار ، إلى الخروج من المستنقع الآسن الذي يغرقون فيه يوما بعد يوم.

يعمد إلى أحلامهم في الحرية فينسف صورها الباهتة في أذهانهم و يعري أخطاءها الفاضحة في واقعهم . يعرج على مخزونهم العلمي لينزله من عرشه الموهوم و يعيده إلى حظيرته الطبيعية أداة للتطور التقني و الرقي المادي و رصد نعم الخالق عز وجل . فلا يعود بعدها ليكون وسيلة لتفسير الوجود. وهم أنفسهم يقرون بأنه مقاربات لغوية لتوصيف الطبيعة ! فكيف باللغة التي عقدت للتواصل بين الموجودات أن تكون طريقا لتفسير حقائق الوجود؟! إنها الملهاة الكبرى و الفاحشة الفكرية العظمى التي تثمر أفكارا غير شرعية و معطيات غير نظيفة تتلوث بها الأذهان ، لينعكس هذا التلوث فسادا في البر و البحر ! فالله المستعان و عليه التكلان.

أنقل لكم الآن من كتابه القيم ( معالم في الطريق ) تعريفا متميزا و دقيقا وممتعا للحضارة لا تكاد تجده عند غيره بهذا الوضوح و بهذه الصراحة الرائعة .

يقول الاستاذ الشهيد سيد قطب تحت عنوان ( الإسلام هو الحضارة ) :

(
الإسلام لا يعرف إلا نوعين اثنين من المجتمعات . . . مجتمع إسلامي ، ومجتمع جاهلي . .
" المجتمع الإسلامي " هو المجتمع الذي يطبق فيه الإسلام . . عقيدة وعبادة ، وشريعة ونظاماً ، وخلقاً وسلوكاً . . و " المجتمع الجاهلي " هو المجتمع الذي لا يطبق فيه الإسلام ، ولا تحكمه عقيدته وتصوراته ، وقيمه وموازينه ، ونظامه وشرائعه ، وخلقه وسلوكه . .
ليس المجتمع الإسلامي هو الذي يضم ناساً ممن يسمون أنفسهم " مسلمين " ، بينما شريعة الإسلام ليست هي قانون هذا المجتمع ، وإن صلى وصام وحج البيت الحرام ! وليس المجتمع الإسلامي هو الذي يبتدع لنفسه إسلاماً من عند نفسه - غير ما قرره الله سبحانه ، وفصله رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويسميه مثلاً " الإسلام المتطور " !
و " المجتمع الجاهلي " قد يتمثل في صور شتى - كلها جاهلية - :
قد يتمثل في صورة مجتمع ينكر وجود الله تعالى ، ويفسر التاريخ تفسيراً مادياً جدلياً ، ويطبق ما يسميه " الاشتراكية العالمية " نظاماً .
وقد يتمثل في مجتمع لا ينكر وجود الله تعالى ، ولكن يجعل له ملكوت السماوات ، ويعزله عن ملكوت الأرض ، فلا يطبق شريعته في نظام الحياة ، ولا يحكم قيمه التي جعلها هو قيماً ثابتة في حياة البشر ، ويبيح للناس أن يعبدوا الله في البيع والكنائس والمساجد ، ولكنه يحرم عليهم أن يطالبوا بتحكيم شريعة الله في حياتهم ، وهو بذلك ينكر أو يعطل ألوهية الله في الأرض ، التي ينص عليها قوله تعالى :
{ وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله } . . [ الزخرف : 84 ] .
ومن ثم لا يكون هذا المجتمع في دين الله الذي يحدده قوله :
{ إن الحكم إلا لله ، أمر ألا تعبدوا إلا إياه . . ذلك الدين القيم } . . [ يوسف : 40 ] .
وبذلك يكون مجتمعاً جاهلياً ، ولو أقر بوجود الله سبحانه ولو ترك الناس يقدمون الشعائر لله ، في البيع والكنائس والمساجد .
" المجتمع الإسلامي " - بصفته تلك - هو وحده " المجتمع المتحضر " ، والمجتمعات الجاهلية - بكل صورها المتعددة - مجتمعات متخلفة ! ولا بد من إيضاح لهذه الحقيقة الكبيرة .
لقد كنت قد أعلنتُ مرة عن كتاب لي تحت الطبع بعنوان : " نحو مجتمع إسلامي متحضر " . . ثم عدت في الإعلان التالي عنه فحذفت كلمة " متحضر " مكتفياً بأن يكون عنوان البحث - كما هو موضوعه - " نحو مجتمع إسلامي " . .
ولفت هذا التعديل نظر كاتب جزائري ( يكتبه بالفرنسية ) ففسره على أنه ناشئ من " عملية دفاع نفسية داخلية عن الإسلام " وأسف لأن هذه العملية - غير الواقعية - تحرمني مواجهة " المشكلة " على حقيقتها !
أنا أعذر هذا الكاتب . . لقد كنت مثله من قبل . . كنت أفكر على النحو الذي يفكر هو عليه الآن . . عندما فكرت في الكتابة عن هذا الموضوع لأول مرة ! . . وكانت المشكلة عندي - كما هي عنده اليوم - هي مشكلة : " تعريف الحضارة " !
لم اكن قد تخلصت بعد من ضغط الرواسب الثقافية في تكويني العقلي والنفسي ، وهي رواسب آتية من مصادر أجنبية . . غريبة على حسي الإسلامي . . وعلى الرغم من اتجاهي الإسلامي الواضح في ذلك الحين ، إلا أن هذه الرواسب كانت تغبش تصوري وتطمسه ! كان تصور " الحضارة " - كما هو الفكر الأوربي - يخايل لي ، ويغبش تصوري ، ويحرمني الرؤية الواضحة الأصلية .
ثم انجلت الصورة . . " المجتمع المسلم " هو " المجتمع المتحضر " . فكلمة " المتحضر " إذن لغو ، لا يضيف شيئاً جديداً . . على العكس تنقل هذه الكلمة إلى حس القارئ تلك الظلال الأجنبية الغربية التي كانت تغبش تصوري ، وتحرمني الرؤية الواضحة الأصلية !
الاختلاف إذن هو على " تعريف الحضارة " . . ولا بد من إيضاح إذا لهذه الحقيقة ! )

يتبع إن شاء الله