همسة
01-01-2008, 10:41 PM
انتهى..
حدثتني فقالت:
كنا نسكن إحدى بيوت الشام القديمة , رائعة هذه البيوت في كل شيء .. كبيرة لتحوي العائلة كلها .. العائلة لا تعني الزوج و الزوجة و الأولاد.. لا أبدا.. هي تعني الوالد و الوالدة و أبناءهما و زوجاتهم و أولادهم, ثلاثة أجيال يضمهم حضن واحد, بيت واحد .. كبرت و ترعرعت و أنا العب في الدار مع أبناء عمومتي .. فعلا كانت أياما جميلة .. و كلما أمر اليوم من أمام هذا البيت الذي أصبح مطعما الآن احن إلى تلك الأيام.. و أحيانا ادخل إليه لا لطعامه الشهي إطلاقا و لكن لما لي فيه من ذكريات دثرها الزمن.. فأفتش في الزوايا و الباحة و الغرف عن تلك الفتاة الشقية و ضحكاتها و لعبها و صوتها .. أفتش عن الفطور الذي يجمع الكل حتى أنّك لتحسبين في مقاييس أيامنا هذه أن أهل البيت يقيمون فرحاً!... كانت أياما جميلة و مضت.. بيع البيت و انتقلنا إلى شقة سكنية ..
و كبرت أنا و كبرت معي أحلامي..
أضحت حياتي لوحات رسمتها و علقتها على حائط الأمنيات.. منها ما هو بالأبيض و الأسود و منها ما تضج به الألوان.. كنت أزورها و أتفقدها كل يوم و أرنو إلى تلك اللوحة بشوق.. و ارقبها لساعات طويلة ..
كانت أجمل لوحاتي و أكثرها إشعاعا بالنور .. كانت تجذبني لا كالأخريات .. كانت تهمس في أذني تعالي فانا احتاج أن تنظري إلي .. حتى حفظتها و نقشتها في قلبي .. و في عقلي .. و في روحي... لوحتي كانت حبيبي..
بحثت عنه في الطرقات, في الحواري, في الحدائق... بحثت عنه في كل مكان.. كنت واثقة انه يبحث عني كما ابحث عنه.. طال البحث و لكني لم افقد الأمل..
كنت اعرف صورته, و اعرف شكله, حتى أني كنت اعرف صوته !.. كنت قد رسمته في خيالي .. كنت قد كلمته.. كنت قد جلست معه .. كنت قد حلقت معه في الفضاء.. و غصت معه في أعماق البحار.. كنت قد سافرت معه إلى أقاصي الأرض.. حتى أننا زرنا القمر!.. نعم لقد زرناه في إحدى الليالي الصافية, كان بدرا و أغرانا بالزيارة, فامسك بيدي و حلقنا, بدأت الأرض تصغر و تصغر.. إلى أن ساد ظلام دامس و رأيت مصابيح معلقة في السماء , ألوان لم أرها في حياتي و في البعيد تراءت لنا المجرات .. كان عالما آخر .. كونا أخر ..و صغرنا أمام هذا الكون الشاسع .. كنا كلما اقتربنا من القمر زاد خشونة و قسوة !.. اكتشفنا انه لا يبدو بنفس الجمال حين تلامس أقدامك سطحه.. فهو وعر , مقفر .. أودية و جبال.. لذلك قررنا أن لا نزوره ثانية و أن نستمتع به و بنوره من بعيد..
اجل, كنت اعرفه أكثر من نفسي, لذلك لم استغرب حين زارنا في ذلك اليوم, لا ادري كيف وجدني.. و لكن حمدا لله أن رحلة البحث تكللت بالنجاح و إن طالت..
تحادثنا... لغة العيون ابلغ من كل لغة..
قال لي أنا أعرفك, أعرفك أكثر من نفسي.. منذ عرفت معنى الحياة و أنا احبك... و قلت له أنت من كنت انتظرك منذ زمن .. عرفتك مع نسمات الهواء العليل ... عرفتك مع شذى الورود .. عرفتك مع غناء العصافير.. أنا أعرفك من قبل أن أولد..
و انتهت الزيارة , غير أن اللقاء كان قد ابتدى..
كتبنا عقد الزواج بعد يومين .. لا تقولي لي قد تسرعنا فانا شعرت أننا تأخرنا كثيرا.. كنت اعرفه و يعرفني منذ زمن طويل..
ما إن وجدته حتى شرعت ارسم لوحة أخرى في خيالي..
كل يوم يمر كانت لوحتي تشع بلون جديد, كنت أزورها و أتفقدها و أرنو إليها بشوق.. و ارقبها لساعات طويلة .. كانت أجمل لوحاتي!... كانت تجذبني لا كالأخريات .. كانت تهمس في أذني تعالي فانا احتاج أن تنظري إلي .. حتى حفظتها و نقشتها في قلبي .. و في عقلي .. و في روحي... لوحتي كانت يوم زفافي ..
كانت لوحة خلابة ... فيها من الحياة ما فيها من الخيال ..
و أتى اليوم الموعود ...
كنت جد فرحة, اليوم سأعيش الحلم.. اليوم سألمس كل ما حلمت به .. و كل ما خططت له .. اليوم , يوم انتظرته منذ سنة.. كنت أتوقع أن تكون اسعد لحظات في حياتي .. كنت سعيدة بل كنت أطير من الفرح .. و لكن كلما مر الوقت كنت اشعر بشعور قاتل.. أنا لا استطيع أن امسك الوقت .. الحلم يمضي و أنا فرحة؟ الحلم سينتهي ..
دخل حبيبي الصالة, و حان موعد الانصراف .. الحلم انتهى !!.. انتهى ..
لم البث أن وضعت قدمي خارج المكان حتى أجهشت بالبكاء .. بكاء مر.. ظن الناس أني خائفة .. و لكني لم أكن كذلك..
كنت ابكي لأني كنت احلم بيوم عرسي و الآن انتهى... انتهى....
.................................................. ...
الانتظار.. كم انتظرنا من أمور في حياتنا.. أمور نظن أن قمة السعادة فيها.. نتخيلها و نتوق إليها و نرسم الأحلام و المواقف المتعلقة بها و نطوف في عالم الخيال.. و نسعد و نفرح.. و ننتظر أن يأتي ذلك اليوم الذي يصبح فيه الحلم حقيقة.. وبما أن الزمن لا يتوقف و لا يتمهل و لا يغير المسار و لا اتجاه الرحلة فلا بد لما ننتظره أن يأتي _ هذا إذا كتب لنا عمر_ و نعيش حلمنا حقيقة غير أننا لا نجده بنفس اللذة التي تخيلناها, و ينتابنا هذا الشعور بالخشية و الخوف لعلمنا بأن بدايته تنذر بقرب نهايته .. و ينتهي الحلم و نشعر برغبة في البكاء ليس لأنه لم يكن جميلا و لكن فقط لان ما انتظرناه طويلا, انتهى...
................................................
اختكم همسة ..
حدثتني فقالت:
كنا نسكن إحدى بيوت الشام القديمة , رائعة هذه البيوت في كل شيء .. كبيرة لتحوي العائلة كلها .. العائلة لا تعني الزوج و الزوجة و الأولاد.. لا أبدا.. هي تعني الوالد و الوالدة و أبناءهما و زوجاتهم و أولادهم, ثلاثة أجيال يضمهم حضن واحد, بيت واحد .. كبرت و ترعرعت و أنا العب في الدار مع أبناء عمومتي .. فعلا كانت أياما جميلة .. و كلما أمر اليوم من أمام هذا البيت الذي أصبح مطعما الآن احن إلى تلك الأيام.. و أحيانا ادخل إليه لا لطعامه الشهي إطلاقا و لكن لما لي فيه من ذكريات دثرها الزمن.. فأفتش في الزوايا و الباحة و الغرف عن تلك الفتاة الشقية و ضحكاتها و لعبها و صوتها .. أفتش عن الفطور الذي يجمع الكل حتى أنّك لتحسبين في مقاييس أيامنا هذه أن أهل البيت يقيمون فرحاً!... كانت أياما جميلة و مضت.. بيع البيت و انتقلنا إلى شقة سكنية ..
و كبرت أنا و كبرت معي أحلامي..
أضحت حياتي لوحات رسمتها و علقتها على حائط الأمنيات.. منها ما هو بالأبيض و الأسود و منها ما تضج به الألوان.. كنت أزورها و أتفقدها كل يوم و أرنو إلى تلك اللوحة بشوق.. و ارقبها لساعات طويلة ..
كانت أجمل لوحاتي و أكثرها إشعاعا بالنور .. كانت تجذبني لا كالأخريات .. كانت تهمس في أذني تعالي فانا احتاج أن تنظري إلي .. حتى حفظتها و نقشتها في قلبي .. و في عقلي .. و في روحي... لوحتي كانت حبيبي..
بحثت عنه في الطرقات, في الحواري, في الحدائق... بحثت عنه في كل مكان.. كنت واثقة انه يبحث عني كما ابحث عنه.. طال البحث و لكني لم افقد الأمل..
كنت اعرف صورته, و اعرف شكله, حتى أني كنت اعرف صوته !.. كنت قد رسمته في خيالي .. كنت قد كلمته.. كنت قد جلست معه .. كنت قد حلقت معه في الفضاء.. و غصت معه في أعماق البحار.. كنت قد سافرت معه إلى أقاصي الأرض.. حتى أننا زرنا القمر!.. نعم لقد زرناه في إحدى الليالي الصافية, كان بدرا و أغرانا بالزيارة, فامسك بيدي و حلقنا, بدأت الأرض تصغر و تصغر.. إلى أن ساد ظلام دامس و رأيت مصابيح معلقة في السماء , ألوان لم أرها في حياتي و في البعيد تراءت لنا المجرات .. كان عالما آخر .. كونا أخر ..و صغرنا أمام هذا الكون الشاسع .. كنا كلما اقتربنا من القمر زاد خشونة و قسوة !.. اكتشفنا انه لا يبدو بنفس الجمال حين تلامس أقدامك سطحه.. فهو وعر , مقفر .. أودية و جبال.. لذلك قررنا أن لا نزوره ثانية و أن نستمتع به و بنوره من بعيد..
اجل, كنت اعرفه أكثر من نفسي, لذلك لم استغرب حين زارنا في ذلك اليوم, لا ادري كيف وجدني.. و لكن حمدا لله أن رحلة البحث تكللت بالنجاح و إن طالت..
تحادثنا... لغة العيون ابلغ من كل لغة..
قال لي أنا أعرفك, أعرفك أكثر من نفسي.. منذ عرفت معنى الحياة و أنا احبك... و قلت له أنت من كنت انتظرك منذ زمن .. عرفتك مع نسمات الهواء العليل ... عرفتك مع شذى الورود .. عرفتك مع غناء العصافير.. أنا أعرفك من قبل أن أولد..
و انتهت الزيارة , غير أن اللقاء كان قد ابتدى..
كتبنا عقد الزواج بعد يومين .. لا تقولي لي قد تسرعنا فانا شعرت أننا تأخرنا كثيرا.. كنت اعرفه و يعرفني منذ زمن طويل..
ما إن وجدته حتى شرعت ارسم لوحة أخرى في خيالي..
كل يوم يمر كانت لوحتي تشع بلون جديد, كنت أزورها و أتفقدها و أرنو إليها بشوق.. و ارقبها لساعات طويلة .. كانت أجمل لوحاتي!... كانت تجذبني لا كالأخريات .. كانت تهمس في أذني تعالي فانا احتاج أن تنظري إلي .. حتى حفظتها و نقشتها في قلبي .. و في عقلي .. و في روحي... لوحتي كانت يوم زفافي ..
كانت لوحة خلابة ... فيها من الحياة ما فيها من الخيال ..
و أتى اليوم الموعود ...
كنت جد فرحة, اليوم سأعيش الحلم.. اليوم سألمس كل ما حلمت به .. و كل ما خططت له .. اليوم , يوم انتظرته منذ سنة.. كنت أتوقع أن تكون اسعد لحظات في حياتي .. كنت سعيدة بل كنت أطير من الفرح .. و لكن كلما مر الوقت كنت اشعر بشعور قاتل.. أنا لا استطيع أن امسك الوقت .. الحلم يمضي و أنا فرحة؟ الحلم سينتهي ..
دخل حبيبي الصالة, و حان موعد الانصراف .. الحلم انتهى !!.. انتهى ..
لم البث أن وضعت قدمي خارج المكان حتى أجهشت بالبكاء .. بكاء مر.. ظن الناس أني خائفة .. و لكني لم أكن كذلك..
كنت ابكي لأني كنت احلم بيوم عرسي و الآن انتهى... انتهى....
.................................................. ...
الانتظار.. كم انتظرنا من أمور في حياتنا.. أمور نظن أن قمة السعادة فيها.. نتخيلها و نتوق إليها و نرسم الأحلام و المواقف المتعلقة بها و نطوف في عالم الخيال.. و نسعد و نفرح.. و ننتظر أن يأتي ذلك اليوم الذي يصبح فيه الحلم حقيقة.. وبما أن الزمن لا يتوقف و لا يتمهل و لا يغير المسار و لا اتجاه الرحلة فلا بد لما ننتظره أن يأتي _ هذا إذا كتب لنا عمر_ و نعيش حلمنا حقيقة غير أننا لا نجده بنفس اللذة التي تخيلناها, و ينتابنا هذا الشعور بالخشية و الخوف لعلمنا بأن بدايته تنذر بقرب نهايته .. و ينتهي الحلم و نشعر برغبة في البكاء ليس لأنه لم يكن جميلا و لكن فقط لان ما انتظرناه طويلا, انتهى...
................................................
اختكم همسة ..