admin
11-03-2007, 03:49 PM
كان البرد قارساً في تلك الليلة، التي حلا فيها للـ "كانون" أن يعزف أغانيه المفصلة، على وقع "هزيم الرعد" و"صهيل الرياح" و"صرير الحديد" المنبعث من "مفصلة" شباك خشبي عتيق!!... دخل الجميع يومها الى المقهى وأقفلوا خلفهم الأبواب الزجاجية، تاركين لشجرة الصفصاف أن تتغنى بحفيف أوراقها على انفراد... إذ كان الجو عاصفاً جداً في تلك الليلة، والمطر غزيراً، تنثره ريح هوجاء في كل اتجاه.. أما في الداخل، فلقد كان الجو مختلفاً كلياً!!... شباب ومسنون من كل الأعمار قد تجمعوا حول طاولات رخامية قديمة، يلعبون "الورق" و"الزهر"...
ومجموعات أخرى قد تحلقت حول أقداح الشاي الساخن، علها تخفف شيئاً من برودة الطقس!.. كلام وسلام، وتنكيت ومزاح.. ولكن بلهجات وأساليب مختلفة!.. ترى في زاوية أخرى خصمين يلعبان "الداما" وقد جلس حولهما "المستشارون" والكل كأن على رؤوسهم الطير!!... بينما يقطع هذا الصمت عليهم "خبيط" انتصار أحدهم في الورق على طاولة أخرى!!...
وفيما الجميع غارقون في جوهم "اليومي" وسط سحابة من دخان السجاير والمعسل.. إذ قطع عليهم "عجقتهم" تلك صوت احدى الأراكيل قائلة: "لقد انتصرت عليكم أخيراً يا أهل القلمون!!".. لم يصدق الحاضرون ما يجري أمامهم، فعدل البعض جلسته، وشخصت الأبصار كلها صوب مصدر الصوت!!.. صمتت تلك "الضجة" فجأة، لتتكلم الأركيلة!!...
ترى ماذا قالت الأركيلة لأهل القلمون!!.. تململ الماء وخرخر في "فانوسها" الزجاجي، كمارد حبس دهراً داخله، فراح ينفث عذاباته دخاناً أبيض عمّ "المقهى" بأكملها!.. ثم تابعت الأركيلة قائلة: "نعم.. نعم.. لا تندهشوا!!.. هذه أنا!!.. الأركيلة التي أمامكم!!.. إنما أردت أن أخبركم بما يجول بخاطري!!.. علكم تنشرون حديثي بين أهلكم وبيوتكم!!.. فلقد طال صمتي، وما عدت أطيق صبراً عن السكوت بعد أن "طفح الكيل" منكم يا أهل القلمون!!..."
لم تمهلهم الأركيلة كثيراً ليستفيقوا من دهشة ما يشاهدون، حتى أكملت قائلة: "لقد انتصرت عليكم!!.. وأخذت "حقي التاريخي" من أقاويلكم الملفقة عليّي طوال تلك السنين!!.. فاسمعوا مقالتي تعرفوا حكايتي:
"غزوت بلادكم منذ القدم، وجعلت من "طرابلس" موطني المفضل فيها!!.. لم أترك زقاقاً ولا حارة إلا دخلتها هناك!!.. ورحت أجول بين عائلاتها جميعاً!!.. الغنية والفقيرة على السواء!!.. كنت سلوتهم في ليالي الشتاء الطوال!!.. وأنسهم في سهرات الصيف!!.. ورفيقتهم في كل مقهى وحانوت!!..
كما أثنوا علييّ في أحاديثهم.. ولكم شاركتهم في سمرهم وحفلاتهم!!.. عشقوني عشق الجميلات!!.. وراحو يتفنون بتسميتي بألقاب الدلع والغنج!!.. في الأعراس، كنت العروس إلى جانب العروس!!.. يتهلل الجميع لطلتّي، ويبتهج الحاضرون لحضوري!!.. لطالما سمرت مع عاشقهم المتيم حتى طلوع الفجر!!.. ولطالما فكرت مع فقيرهم في أيامه السوداء!!.. ما أخونني حقاً!!.. لأني لم أبادلهم حبهم إلا كراهية!!.. ولا ثقتهم إلا خداعاً!!.. كنت عدوهم الجالس في عقر دارهم!!. أنفث سمومي "الناصعة" في عروقهم، وأنشر شروري بدهاء بين أنفاسهم وأكبادهم!!.. كلما قربوني إليهم أكثر، كلما ازداد حقدي عليهم!!.. مضت علييّ الأجيال تلو الأخرى، وهم كما هم!!.. يستنشقون غدري وأقذاري تحناناً لصبابة عشقهم وغرامهم، بينما أنا أدس لهم السمّ في الدسم، وأنثر ذرات دائي الأسود في صدورهم التعيسة!!.. لم يسلم من مكري الكبير ولا الصغير!!.. حتى النساء!!.. تهافتن على صداقتي تهافت الفراش على النيران!!.. ما أخبثني حقاً!!.. حين خدعت كل هؤلاء، بلباس "الأنس" و"الكيف"!!.. أما أنتم يا أهل القلمون.. فلقد كنتم طوال مكوثي بينهم، تعيرونهم بي!!.. وتقرنون سخريتكم بهم باسمي!!.. لطالما روجتم عنهم القصص المضحكة بسببي!!.. ولطالما أكسيتم جلساتكم برواياتكم الهزلية عن تعلقهم بي!!.. نعم لطالما ضحكتم على الأركيلة وأهلها الطرابلسيين حتى الثمالة!!..
ولكني ومنذ ذلك الحين، قررت غزوكم يا أهل القلمون!!.. وهأنذا اليوم بينكم.. ووسط داركم!!.. هأنذا قهرتكم، وتسللت إلى بيوتكم ومقاهيكم!!.. أعلن انتصاري عليكم، وأنتم لا تطيقون صبراً على فراقي!!.. لقد عملت جاهدة لسنوات وسنوات، أتحين الفرص، وأغريكم بألوان الراحة والاستجمام، حتى ارتقيت هذا المقام بينكم.. وصرت رفيقة درب الكثيرين منكم!!.. الآن فقط قد ارتاح ضميري، بعد أن ثأرت منكم، وجعلت أغلبكم من "المؤركلين"!!..
لقد سقطتم في قبضتي أخيراً، وأنتم لم تعودوا قادرين على بث حكاياتكم عن "الطرابلسية" بعد اليوم، فلقد صرتم أتعس منهم بكثير!!.. حقاً انها سخرية القدر!!.. وها أنا اليوم أبشركم بأن دائي العضال أصبح في أحشاء الكثيرين منكم، ممن لا يرجى شفاؤهم!!.. ولا يعلم بذلك أحد إلا أهلهم!!.. نعم!!.. سأبقى كذلك يا أهل القلمون!!.. أمدّ خرطومي الطويل إلى شفاهكم، لأنفث فيها غدراً ووباءاً وأحزاناً!!.. في حين تظنون بي الخير، وتنتعشون لوقوفي بينكم!!.. ترى هل حان دور "الطرابلسيين" اليوم ليؤلفوا هم مسرحياتهم الهزلية عنكم مع الأركيلة!!.. لقد خسرتم يا أساتذة البلد، ويا أرباب العلم والمعرفة!!.. فمن يتنازل عن مبدئه يخسر، ومن يضيع علمه في مستنقع الجهل يخسر أكثر فأكثر!!.. ومن رضي لنفسه التشبه بقبح الآخرين، رامياً خلفه علمه ودينه وصحته، سيخسر للأبد!!.. فهل أنتم منتهون!!..
ومجموعات أخرى قد تحلقت حول أقداح الشاي الساخن، علها تخفف شيئاً من برودة الطقس!.. كلام وسلام، وتنكيت ومزاح.. ولكن بلهجات وأساليب مختلفة!.. ترى في زاوية أخرى خصمين يلعبان "الداما" وقد جلس حولهما "المستشارون" والكل كأن على رؤوسهم الطير!!... بينما يقطع هذا الصمت عليهم "خبيط" انتصار أحدهم في الورق على طاولة أخرى!!...
وفيما الجميع غارقون في جوهم "اليومي" وسط سحابة من دخان السجاير والمعسل.. إذ قطع عليهم "عجقتهم" تلك صوت احدى الأراكيل قائلة: "لقد انتصرت عليكم أخيراً يا أهل القلمون!!".. لم يصدق الحاضرون ما يجري أمامهم، فعدل البعض جلسته، وشخصت الأبصار كلها صوب مصدر الصوت!!.. صمتت تلك "الضجة" فجأة، لتتكلم الأركيلة!!...
ترى ماذا قالت الأركيلة لأهل القلمون!!.. تململ الماء وخرخر في "فانوسها" الزجاجي، كمارد حبس دهراً داخله، فراح ينفث عذاباته دخاناً أبيض عمّ "المقهى" بأكملها!.. ثم تابعت الأركيلة قائلة: "نعم.. نعم.. لا تندهشوا!!.. هذه أنا!!.. الأركيلة التي أمامكم!!.. إنما أردت أن أخبركم بما يجول بخاطري!!.. علكم تنشرون حديثي بين أهلكم وبيوتكم!!.. فلقد طال صمتي، وما عدت أطيق صبراً عن السكوت بعد أن "طفح الكيل" منكم يا أهل القلمون!!..."
لم تمهلهم الأركيلة كثيراً ليستفيقوا من دهشة ما يشاهدون، حتى أكملت قائلة: "لقد انتصرت عليكم!!.. وأخذت "حقي التاريخي" من أقاويلكم الملفقة عليّي طوال تلك السنين!!.. فاسمعوا مقالتي تعرفوا حكايتي:
"غزوت بلادكم منذ القدم، وجعلت من "طرابلس" موطني المفضل فيها!!.. لم أترك زقاقاً ولا حارة إلا دخلتها هناك!!.. ورحت أجول بين عائلاتها جميعاً!!.. الغنية والفقيرة على السواء!!.. كنت سلوتهم في ليالي الشتاء الطوال!!.. وأنسهم في سهرات الصيف!!.. ورفيقتهم في كل مقهى وحانوت!!..
كما أثنوا علييّ في أحاديثهم.. ولكم شاركتهم في سمرهم وحفلاتهم!!.. عشقوني عشق الجميلات!!.. وراحو يتفنون بتسميتي بألقاب الدلع والغنج!!.. في الأعراس، كنت العروس إلى جانب العروس!!.. يتهلل الجميع لطلتّي، ويبتهج الحاضرون لحضوري!!.. لطالما سمرت مع عاشقهم المتيم حتى طلوع الفجر!!.. ولطالما فكرت مع فقيرهم في أيامه السوداء!!.. ما أخونني حقاً!!.. لأني لم أبادلهم حبهم إلا كراهية!!.. ولا ثقتهم إلا خداعاً!!.. كنت عدوهم الجالس في عقر دارهم!!. أنفث سمومي "الناصعة" في عروقهم، وأنشر شروري بدهاء بين أنفاسهم وأكبادهم!!.. كلما قربوني إليهم أكثر، كلما ازداد حقدي عليهم!!.. مضت علييّ الأجيال تلو الأخرى، وهم كما هم!!.. يستنشقون غدري وأقذاري تحناناً لصبابة عشقهم وغرامهم، بينما أنا أدس لهم السمّ في الدسم، وأنثر ذرات دائي الأسود في صدورهم التعيسة!!.. لم يسلم من مكري الكبير ولا الصغير!!.. حتى النساء!!.. تهافتن على صداقتي تهافت الفراش على النيران!!.. ما أخبثني حقاً!!.. حين خدعت كل هؤلاء، بلباس "الأنس" و"الكيف"!!.. أما أنتم يا أهل القلمون.. فلقد كنتم طوال مكوثي بينهم، تعيرونهم بي!!.. وتقرنون سخريتكم بهم باسمي!!.. لطالما روجتم عنهم القصص المضحكة بسببي!!.. ولطالما أكسيتم جلساتكم برواياتكم الهزلية عن تعلقهم بي!!.. نعم لطالما ضحكتم على الأركيلة وأهلها الطرابلسيين حتى الثمالة!!..
ولكني ومنذ ذلك الحين، قررت غزوكم يا أهل القلمون!!.. وهأنذا اليوم بينكم.. ووسط داركم!!.. هأنذا قهرتكم، وتسللت إلى بيوتكم ومقاهيكم!!.. أعلن انتصاري عليكم، وأنتم لا تطيقون صبراً على فراقي!!.. لقد عملت جاهدة لسنوات وسنوات، أتحين الفرص، وأغريكم بألوان الراحة والاستجمام، حتى ارتقيت هذا المقام بينكم.. وصرت رفيقة درب الكثيرين منكم!!.. الآن فقط قد ارتاح ضميري، بعد أن ثأرت منكم، وجعلت أغلبكم من "المؤركلين"!!..
لقد سقطتم في قبضتي أخيراً، وأنتم لم تعودوا قادرين على بث حكاياتكم عن "الطرابلسية" بعد اليوم، فلقد صرتم أتعس منهم بكثير!!.. حقاً انها سخرية القدر!!.. وها أنا اليوم أبشركم بأن دائي العضال أصبح في أحشاء الكثيرين منكم، ممن لا يرجى شفاؤهم!!.. ولا يعلم بذلك أحد إلا أهلهم!!.. نعم!!.. سأبقى كذلك يا أهل القلمون!!.. أمدّ خرطومي الطويل إلى شفاهكم، لأنفث فيها غدراً ووباءاً وأحزاناً!!.. في حين تظنون بي الخير، وتنتعشون لوقوفي بينكم!!.. ترى هل حان دور "الطرابلسيين" اليوم ليؤلفوا هم مسرحياتهم الهزلية عنكم مع الأركيلة!!.. لقد خسرتم يا أساتذة البلد، ويا أرباب العلم والمعرفة!!.. فمن يتنازل عن مبدئه يخسر، ومن يضيع علمه في مستنقع الجهل يخسر أكثر فأكثر!!.. ومن رضي لنفسه التشبه بقبح الآخرين، رامياً خلفه علمه ودينه وصحته، سيخسر للأبد!!.. فهل أنتم منتهون!!..