تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : وسائل الإنعاش وقصص لأموات عادوا للحياة في التراث الطبي العربي



أبو حسن
12-02-2008, 11:44 AM
وسائل الإنعاش وقصص لأموات عادوا للحياة في التراث الطبي العربي

د. محمود الحاج قاسم محمد



مقالة منقولة بتصرف عن مجلة التراث العربي - العدد 75 - السنة 19 - نيسان "إبريل" 1999 - ذو الحجة 1419


يقول علي بن العباس المجوسي (كان حياً قبل 384هـ/ 994م) في أسباب الموت:‏

(إن الموت يكون بفساد اعتدال الحرارة الغريزية، فينبغي أن تعلم أن فسادها يكون إما عن أسباب متحركة من داخل البدن، وإما عن أسباب واردة عليه من خارج. فأما الأسباب المتحركة من داخل فتكون إما بسبب آليتها وإما بسبب كيفيتها، وإما فساد مادتها. فأما سبب فساد آليتها فيكون إما لآفة تعرض للدماغ أو للقلب أو للكبد، فإن الدماغ إذا فسد بطلت القوة المحركة النافذة منه إلى الصدر، فيبطل التنفس، وتنطفئ الحرارة الغريزية، والقلب إذا فسد بطلت القوة الحيوانية التي كان القلب يجذب بها الهواء من الرئة، والكبد إذا فسدت بطلت القوة المولدة للدم، الذي هو مادة الحرارة الغريزية).‏

اهتم الأطباء العرب والمسلمون بمسألة التأكد من حدوث الموت، فاشتهر عنهم أنهم كانوا يمعنون النظر ويدققون فيمن ظن أنه مات، وحذق بعضهم في تحري الأعراض، وملاحظة العلامات التي تنفي الموت، وفي حالة تيقنهم من احتمال وجود بقية من حياة لم يألوا جهداً بالقيام بإسعافه وإنعاشه، وعلى الرغم من كون محاولاتهم كانت متواضعة إلا أنها كانت ذات نتائج باهرة في بعض الحالات..‏


ورد في كتب التراث الطبي العربي أكثر من قصة عن أشخاص ظن أهلهم أنهم ماتوا بالسكتة، فغسلوهم، وكفنونهم، ثم اكتشف الأطباء الفطنون بعد ذلك أنهم مايزالون أحياء. وكذلك ورد فيها حكايات عديدة، عن أشخاص دفنوا خطأ، وهم لما يقضوا نحبهم.‏

وسنستعرض فيما يلي أخبار من توصلنا إليهم من الذين تم إنعاشهم بعد أن ظهرت عليهم دلائل الموت، وغيرهم ممن دفنوا أحياء.‏

أبو حسن
12-02-2008, 11:47 AM
قصص من عادوا للحياة من الأموات

أبو حسن
12-02-2008, 11:52 AM
أولاً) الحالة التي عالجها صالح بن بهلة:‏

وهو طبيب متميز من أصل هندي، كان يمارس مهنته بالعراق في أيام هارون الرشيد.‏

وعندما مرض إبراهيم بن صالح (ابن عم الرشيد) فحصه الطبيب جبرائيل بن بختيشوع وقال:‏

إنه خلّفه وبه رمق ينقضي بآخره وقت صلاة العتمة، فاشتد جزع الرشيد لما أخبره به، وأقبل على البكاء فنصحه جعفر بن يحيى باستدعاء صالح بن بهلة الطبيب الهندي، وتوجيهه إلى إبراهيم بن صالح، ومضى صالح بن بهلة إلى إبراهيم حتى عاينه وجس عرقه، ثم أخبر الرشيد بأنه سوف لن يموت.

ولما كان وقت صلاة العتمة ورد كتاب صاحب البريد بمدينة السلام يخبر بوفاة إبراهيم بن صالح على الرشيد، فاسترجع، وأقبل على جعفر بن يحيى باللوم في إرشاده إياه إلى صالح بن بهلة، وأقبل يلعن الهند وطبهم...‏

وبكر الرشيد إلى دار إبراهيم.. وصالح بن بهلة بين يدي الرشيد ثم حلف صالح بن بهلة بالأيمان الغليظة قائلاً: تدفن ابن عمك حياً، فوالله يا أمير المؤمنين ما مات، فأطلق لي الدخول عليه والنظر إليه،... فأذن له بالدخول على إبراهيم وحده قال أحمد، قال لي أبو سلمة: فأقبلنا نسمع صوت ضرب بدن بكفّ، ثم انقطع ذلك الصوت، ثم سمعنا تكبيراً فخرج إلينا صالح بن بهلة وهو يكبّر ثم قال: قم يا أمير المؤمنين حتى أريك عجباً، فدخل الرشيد وأنا ومسرور الكبير، وأبو سلمة معه، فأخرج صالح إبرة كانت معه فأدخلها بين ظفر إبهام يده اليسرى ولحمه، فجذب إبراهيم بن صالح يده وردها إلى بدنه. فقال صالح: يا أمير المؤمنين هل يحس الميت بالوجع؟ فقال الرشيد: لا فقال له صالح: لو شئت أن يكلم أمير المؤمنين الساعة لكلمه. فقال له الرشيد فأنا أسألك أن تفعل ذلك. فقال: يا أمير المؤمنين أخاف إن عالجته وأفاق وهو في كفن فيه رائحة الحنوط أن ينصدع قلبه فيموت موتاً حقيقياً... ولكن تأمر بتجريده من الكفن... وإعادة الغسل عليه حتى تزول رائحة الحنوط عنه، ثم يلبس مثل ثيابه التي كان يلبسها في حال صحته وعلته، ويُطيَّب... ويحّول إلى فراش من فرشه التي كان يجلس وينام عليها، حتى أعالجه بحضرة أمير المؤمنين فإنه يكلمه من ساعته.‏

... قال أبو سلمة، فوكلني الرشيد بالعمل بما حدثه صالح ففعلت ذلك. ثم صار الرشيد وأنا معه ومسرور وأبو سليم وصالح إلى الموضع الذي فيه إبراهيم، ودعا صالح بن بهلة بكندس ومنفخة من الخزانة ونفخ من الكندس في أنفه فمكث مقدار ثلث ساعة، ثم اضطرب بدنه وعطس وجلس قدام الرشيد، وقبل يده. فسأله (الخليفة) عن قصته، فذكر أنه كان نائماً نوماً لا يذكر أنه نام مثله قط طيباً.... وعاش إبراهيم بعد ذلك دهراً ثم تزوج العباسة بنت المهدي، وولي مصر وفلسطين وتوفي في مصر وقبره بها.‏


لقد اعتمد صالح بن بهلة على حس الألم والمنعكسات ليستدل على استمرار الحياة، أما بخصوص الوسيلة التي اتبعها في الإنعاش فتتمثل باستعمال المنفاخ واللجوء إلى (مسحوق الكندس) وهو نوع من العقاقير النباتية، دفع به إلى الطرق التنفسية بواسطة المنفاخ لإثارة التنفس ومضاعفته، وتزويد المريض بالهواء.‏

X-Man
12-02-2008, 12:45 PM
مشكور أبا حسن قصة رائعة وموضوع أروع، هو صحي أنا فاتح معك جبهة ب للشعراء فقط بس يا أخي الحقّ يقال وكمان الله يهديك شو فوّتك لهونيك اقرأ العنوان منيح ههههhttp://us.i1.yimg.com/us.yimg.com/i/mesg/emoticons7/24.gif ، فعلا قصّة بتعقّد يا ريت تضيف المزيد بأسرع وقت بس يرضى عليك ما يكونو طوال يعني متل هيدي تمام وشكرا

أبو حسن
12-02-2008, 02:08 PM
ثانياً- الحالة التي عالجها ابن جميع:‏

يقول ابن أبي أصيبعة: حدثني بعض المصريين أن ابن جميع (من أبناء القرن الرابع الهجري/الثاني عشر الميلادي) كان يوماً جالساً في دكانه عند سوق القناديل بفسطاط مصر، وقد مرت جنازة فلما نظر إليها صاح بأهل الميت، وذكر لهم أن صاحبهم لم يمت، وأنهم إن دفنوه فإنما يدفنونه حياً... ثم قال بعضهم هذا الذي يقوله مايضرنا أننا نمتحنه، فإن كان حقاً فهو الذي نريده، وإن لم يكن حقاً فما يتغير علينا شيء.

فاستدعوه إليهم وقالوا: بيّن الذي قلت لنا، فأمرهم بالمصير إلى البيت، وأن ينزعوا عن الميت أكفانه، وقال لهم احملوه إلى الحمام، ثم سكب عليه الماء الحار، وأحمى بدنه ونطله بنطولات، وعطَّسه فرأوا فيه أدنى حس، وتحرك حركة خفيفة. فقال أبشروا بعافيته، ثم تمم علاجه إلى أن أفاق وصلح...

ثم سئل بعد ذلك من أين علمت أن ذلك الميت، وهو محمول وعليه الأكفان، أن فيه روحاً؟ فقال: إني نظرت إلى قدميه فوجدتهما قائمتين، وأقدام الذين قد ماتوا تكون منبسطة، فحدست أنه حي.


ويبدو من هذه القصة دقة ملاحظة الطبيب ابن جميع، فقد لاحظ أن قدمي من ظن ميتاً قائمتان، وهذا ينفي الموت، وإن كان انبساطه لا يؤكده.‏

وإن ماقام به بعملية الإنعاش هو تصرف صحيح، فبعد أن أحمى بدن مريضه سكب على وجهه ورأسه مزيجاً من الماء وبعض المواد المثيرة والمنعشة لتندفع في المجاري التنفسية العليا لتنبه عملية التنفس، بعد أن جرى تنشيط الدورة الدموية.‏

أبو حسن
12-02-2008, 02:20 PM
ثالثاً- الحالة التي ذكرها ابن العماد الحنبلي:‏

جاء في كتاب شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي، في وفيات سنة 398هـ، عن وفاة البديع الهمذاني صاحب المقامات:‏

قال الحاكم أبو سعيد عبد الرحمن بن دوست، جامع رسائل البديع: توفي البديع رحمه الله تعالى يوم الجمعة حادي عشر جمادى الآخرة. ثم قال الحاكم المذكور: وسمعت الثقات يحكون أنه مات من السكتة وعُجِّل دفنه، فأفاق في قبره، وسُمع صوته بالليل. وأنه نُبش فوجدوه قد قبض على لحيته ومات من هول القبر.

أبو حسن
12-02-2008, 02:23 PM
رابعاً- الحالات التي عالجها اليبرودي:‏

وهو طبيب فاضل من نصارى اليعاقبة، يدعى أبو الفرج جورجس بن يوحنا، وهو من أهالي قرية يبرود، توفي بعد سنة (400هـ/ 1009م).

عبر يوماً سوق جيرون بدمشق، فرأى إنساناً وقد بايع على أن يأكل أرطالاً من لحم فرس مسلوق، مما يباع في الأسواق، فلما رآه وقد أمعن في أكله بأكثر مما تحمله قواه، ثم شرب بعده فقاعاً كثيراً وماءً بثلج، واضطربت أحواله، تفرس فيه أنه لابد أن يغمى عليه، وأن يبقى في حالة يكون الموت أقرب إليه إن لم يتلاحق. فتبعه إلى المنزل الذي له، واستشرف إلى ماذا يؤول أمره. فلم يكن إلا أيسر وقت وأهله يصيحون ويضجون بالبكاء، ويزعمون أنه قد مات. فأتى إليهم وقال: أنا أبرئه وما عليه بأس. ثم أخذه إلى حمام قريب وفتح فكيه كرهاً، ثم سكب في حلقه ماء مغلياً، وقد أضاف إليه أدوية مقيئة وقيأه برفق. ثم عالجه وتلطف في مداواته حتى أفاق وعاد إلى صحته.‏


وقال الطرطوشي في كتاب سراج الملوك:

حدثني بعض الشاميين أن رجلاً خبازاً بينما هو يخبز في تنوره بمدينة دمشق إذ عبر عليه رجل يبيع المشمش، فاشترى منه، وجعل يأكله بالخبز الحار فلّما فرغ سقط مغشياً عليه، فنظروه فإذا هو ميت. فجعلوا يتربصون به، ويحملون له الأطباء فيلتمسون دلائله، ومواضع الحياة منه، فلم يجدوا فقضوا بموته، فغسل وكفّن وصلّي عليه، وخرجوا به إلى الجنازة، فبينما هم في الطريق على باب البلد، فاستقبلهم رجل طبيب يقال له اليبرودي، وكان طبيباً ماهراً حاذقاً عارفاً في الطب. فسمع الناس يلهجون بقضيته، فاستخبرهم عن ذلك فقصوا عليه قصته. فقال حطّوه حتى أراه، فحطوه فجعل يقلبه، وينظر في إمارات الحياة التي يعرفها. ثم فتح فمه وسقاه شيئاً ، أو قال حقنه فاندفع ما هنالك فأسيل، فإذا الرجل قد فتح عينيه وتكلم وعاد كما كان إلى حانوته.‏


إن ماقام به اليبرودي في الحالتين نحو ما يشبه غسيل المعدة، الذي نقوم به في الوقت الحاضر، لتفريغ المعدة من محتوياتها من الغذاء والسموم.‏

الزاهر
12-02-2008, 05:55 PM
موضوع رائع أخي أبو حسن...............بارك الله بك!!!

أبو حسن
13-02-2008, 08:00 AM
خامساً- الحالات التي ذكرها عريب بن سعيد الكاتب القرطبي (ت 369هـ/ 980م):‏

يقول عريب:‏

كانت بقصر الزاهرة في سنة 342هـ جارية مسلولة.... فماتت بين أيدي جملة من النساء، بعد أن انقطع نفسها وغشي عليها. ففعلوا بها مايفعل بالأموات، من شد الفم وشد الذقن وتغطية الوجه. وبقيت بحالها كذا من وقت العشاء الآخرة إلى اليوم الثاني. ثم غسلت وكفنت ووضعت في النعش مختومة الأنفاس مغمومة الوجه في القطن والأكفان، وكان ذلك في شدة الحر.... ثم أتي بها إلى مقبرة الربض... فصلي عليها ودفنت وهوى التراب على قبرها وانفض الناس.... وبقي منهم من وكل بحفظ القبة المضروبة عليها. فلما كان بعد حين تحركت في القبر، وصاحت صياحاً سمعها من كان في القبة، وأشعروا الناس بخبرها فكُشف التراب عنها واستخرجت حيّة ناطقة، وغسل وجهها وسقيت الماء، وتحدثت بكثير مما رأت بزعمها، وبقيت في القبة إلى الليل، ثم أُتي بها إلى دار وكيل سيدها، فباتت فيها و‎أكلت الطعام وشربت الماء وتحدثت أكثر ليلتها. ونُقلت بالغداة إلى بعض دور المدينة فماتت ذلك النهار ودفنت ثانية.

حكى أحمد بن مطّرف الفقيه، نقلاً عن جدته عن بنتها قالت: كنتُ جاريةً، ابنة اثنتي عشرة سنة أو نحوها، في أيام الأمير عبد الرحمن بن الحكم، توفي رجل من خيارنا، كان ساكناً بشرقي مقبرة بقرطبة، ولبث ميتاً بعض ليلته ويومه. ثم غُسل وكُفن، وخُرج بنعشه إلى المقبرة فصلي عليه... ثم خلي في لحده، فلما هم الناس بوضع الألواح عليه تحرك في أكفانه، ففزع الناس وتفرقوا ثم انصرفوا وهو يتحرك، فأخرجوه من لحده وحمل إلى داره وعاش مدة طويلة غير أنه ذهب بصره.‏


إذا كانت الحكاية الثانية مقبولة من حيث كون الميت في حالة غيبوبة استعاد عافيته، إلا أن الحكاية الأولى من الصعب التيقن من صحتها. لأنه كيف يتسنى لها أن تتنفس وهي في اللحد، وفوقها أكوام التراب، وتبقى هذه المدة الطويلة حية بكمية الهواء القليل المتبقي في اللحد؟‏

أبو حسن
13-02-2008, 08:02 AM
سادساً- الحالة التي عالجها ابن نوح:‏

حدثنا أبو الحسن بن المهدي القزويني قال: كان عندنا طبيب يقال له ابن نوح، فلحقتني سكتة، فلم يشك أهلي في موتي، وغسلوني وكفنوني وحملوني على الجنازة، فمرت الجنازة عليه ونساء خلفي يصرخن، فقال لهم: إن صاحبكم حي فدعوني أعالجه... وحملني فأدخلني الحمام وعالجني. وأفقت في الساعة الرابعة والعشرين من ذلك الوقت ووقعت البشائر ودفع إليه المال، فقلت للطبيب بعد ذلك من أين عرفت هذا؟ فقال رأيت رجليك في الكفن منتصبة وأرجل الموتى منبسطة ولا يجوز انتصابها فعلمت أنك حي وخمنت أنك أسكت وجربت عليك فصحت تجربتي.‏

أبو حسن
13-02-2008, 08:08 AM
سابعاً- الحالة التي عالجها أبو الحسن ثابت بن قرة:‏

روى ابن أبي أصيبعة أنه من بديع حسن تصرف ثابت بن قرة (211-288هـ/825-900م) أنه اجتاز يوماً ماضياً إلى دار الخليفة، فسمع صياحاً وعويلاً فقال: مات القصاب الذي كان في هذا الدكان؟ فقالوا له: إي والله ياسيدنا البارحة فجاءة، وعجبوا من ذلك. فقال: ما مات خذوا بنا إليه.

فعدل الناس معه إلى الدار، فتقدم إلى النساء بالإمساك عن اللطم والصياح، وأمرهن بأن يعملن مزورة. وأومأ إلى بعض غلمانه بأن يضرب القصاب على كعبه بالعصا، وجعل يده في مجسه. ومازال ذلك يضرب كعبه إلى أن قال: حسبك. واستدعى قدحاً وأخرج من شكة في كمه دواء، فدافعه في القدح بقليل ماء، وفتح فم القصاب وسقاه إياه فأساغه، ووقعت الصيحة والزعقة في الدار والشارع بأن الطبيب قد أحيا الميت. فتقدم ثابت يغلق الباب والاستيثاق منه، وفتح القصاب عينيه فأطعمه مزورة وأجلسه، وقعد عنده ساعة.

وإذا بأصحاب الخليفة قد جاؤوا يدعونه، فخرج معهم والدنيا قد انقلبت، والعامة حوله يتعادون إلى أن دخل دار الخلافة. ولما مثل بين يدي الخليفة قال له: يا ثابت ما هذه المسيحية (أي التشبه بالسيد المسيح الذي أحيا الموتى) التي بلغتنا عنك؟‏

قال يا مولاي كنت أجتاز على هذا القصاب وألحظه يشرح الكبد، ويطرح عليها الملح ويأكلها، فكنت أستقذر فعله أولاً، ثم أعلم أن سكتة ستلحقه. فصرت أراعيه وإذ علمت عاقبته انصرفت وركبت للسكتة دواء استصحبته معي في كل يوم. فلما اجتزت اليوم وسمعت الصياح قلت مات القصاب؟ قالوا نعم مات فجاءة البارحة، فعلمت أن السكتة قد لحقته. فدخلت إليه ولم أجد له نبضاً، فضربت كعبه إلى أن عادت حركة نبضه، وسقيته الدواء ففتح عينيه، وأطعمته مزورة، والليلة يأكل رغيفاً بدراج، وفي غد يخرج من بيته.


إن ما قام به ابن قرة بضرب كعب المريض أولاً ثم إسقاءه الدواء بعد ذلك هو نوع من التنبيه للمراكز الحسية للتنفس والقلب. كما وأنه أثناء ضرب القدم على الأغلب رفعت الأقدام عالياً مما أدى إلى رجوع الدم إلى الدماغ وتنبه الأوعية الدموية المحيطية، وهذا ما نقوم به اليوم في حالات الإغماء.‏

الزاهر
13-02-2008, 08:01 PM
أعود وأجدد شكري لكم أخي أو حسن................لعل أهم العبر من هذا الموضوع بأنه ليس كل ما تراه ولا تملك له تفسيرا يعني بأن السحر او الجن أو الخوارق أو .....هي التفسير الوحيد!!!سلام

أبو حسن
17-02-2008, 12:49 PM
ثامناً- الحالات التي عالجها أبو الحسن الحراني (283-365هـ/896-976م)‏

يقول ابن أبي أصيبعة:‏

أ) - نقلت من خط ابن بطلان في مقالته (في علة نقل الأطباء المهرة تدبير أكثر الأمراض التي كانت تعالج قديماً بالأدوية الحارة إلى التدبير المبرد)... قال:‏

كان قد أُسكن الوزير أبو طاهر بن بقية في داره الشاطئة على الجسر ببغداد، وقد حضر الأمير معز الدولة بختيار، والأطباء مجمعون على أنه قد مات. فتقدم أبو الحسن الحراني، وكنت أصحبه يومئذ، فقال: أيها الأمير إذا كان قد مات فلن يضره الفصاد، فهل تأذن في فصده؟‏

قال: افعل يا أبا الحسن.

ففصده فرشح منه دم يسير. ثم لم يزل يقوى الرشح إلى أن صار الدم يجري، فأفاق الوزير.

فلما خلوت به سألته عن الحال وكان ضنيناً بما يقول. فقال: من عادة الوزير أن يستفرغ في كل ربيع دماً كثيراً من عروق المعدة، وفي هذا الفصل انقطع عنه فلما فصدته ثابت الطبيعة من خناقها.

حول هذه الحالة نقول ربما كان المريض مصاباً بازدياد عدد كريات الدم الحمراء الكاذبة أو الحقيقية أو ارتفاع ضغط الدم الشرياني العالي، وفي استفراغ الدم حصل تخفيف لضغط الدم أو تقليل من عدد كريات الدم الحمراء.‏


ب)- قال عبيد الله بن جبرائيل:

ولأبي الحسن وصديقه سنان أحاديث كثيرة حسنة، منها حديث قلاء الكبود، وذلك أنه كان بباب الأزج إنسان يقلي الكبود، فكانا إذا اجتازا عليه دعا لهما وشكرهما، وقام لهما حتى ينصرفا عنه. فلما كان في بعض الأيام اجتازا فلم يرياه، فظنا أنه قد شغل عنهما، ومن غد سألا عنه فقيل لهما: إنه الآن قد مات. فعجبا من ذلك، وقال أحدهما للآخر له علينا حق يوجب علينا قصده، ومشاهدته.

فمضيا جميعاً وشاهداه، فلما نظرا إليه تشاوروا في فصده، وسألا أهله أن يؤخروا ساعة واحدة ليفكروا في أمره، ففعلوا ذلك وأحضروا فصاداً ففصده فصدة واسعة، فخرج منه دم غليظ. وكان كلما خرج الدم خف عنه حتى تكلم، وسقياه مايصلح وانصرفا عنه. ولما كان في اليوم الثالث خرج إلى دكانه.

أبو حسن
17-02-2008, 12:58 PM
تاسعاً- الحالة التي عالجها صاعد بن بشر:‏

يقول ابن أبي أصيبعة:

ونقلت أيضاً من خط أبي سعيد الحسن بن أحمد بن علي في كتاب (ورطة الأجلاّء، عن هفوة الأطباء) قال:

كان الوزير علي بن بلبل ببغداد، وكان له ابن أخت فلحقته سكتة دموية، وخفي حاله على جميع الأطباء ببغداد، وكان بينهم صاعد بن بشر حاضراً، فسكت حتى أقر جميع الأطباء بموته، ووقع اليـأس من حياته. وتقدم الوزير في تجهيزه، واجتمع الخلق في العزاء، والنساء في اللطم والنياح، ولم يبرح صاعد بن بشر من مجلس الوزير.

عند ذلك قال الوزير لصاعد بن بشر الطبيب، هل لك من حاجة؟ فقال له: نعم يا مولانا، إن رسمت وأمرت لي ذكرت ذلك. فقال له: تقدم وقل ما يلج في صدرك. فقال صاعد: هذه سكتة دموية، ولا مضرة في إرسال مبضع واحد، وننظر فإن نجح كان المراد، وإن تسكن الأخرى فلا مضرة فيه، ففرح الوزير وتقدم بإبعاد النساء، وأحضر ما يجب من التمريخ والنطول والبخور والنشوق، واستعمل ما يجب.‏

ثم شد عضد المريض وأقعده في حضن بعض الحاضرين، وأرسل المبضع بعد التعليق على الواجب من حالته، فخرج الدم ووقعت البشائر في الدار. ولم يزل يخرج الدم حتى ثلثمائة درهم من الدم. فانفتحت العين ولم ينطق بعد، فشد اليد الأخرى ونشّقه ما وجب تنشيقه، ثم فصده ثانياً وأخرج مثلها من الدم وأكثر، فتكلم، ثم أسقي وأطعم ما وجب، فبرئ من ذلك وصح جسمه، وركب في اليوم الرابع إلى الجامع، ومنه إلى ديوان الخليفة، ودعا صاعداً ونثر عليه من الدراهم والدنانير الكثيرة.

أبو حسن
17-02-2008, 01:01 PM
عاشراً- الحالة التي عالجها ابن التلميذ:‏

جاء في كتاب وفيات الأعيان أن موفق الدين عبد اللطيف البغدادي ذكر عند الحديث عن ابن التلميذ:

أنه أحضرت إليه، ويقصد أمين الدولة هبة الله ابن التلميذ (466-560هـ/1077-1165م)، امرأة محمولة لا يعرف أهلها أفي الحياة هي أم الممات، وكان الزمان شتاءً، فأمر بتجريدها وصب عليها الماء المبرد صباً متتابعاً كثيراً، ثم أمر بنقلها إلى مجلس دفيء قد بخر بالعود والند، ودفئت بأصناف الفراء ساعة، فعطست وتحركت وقعدت وخرجت ماشية مع أهلها إلى منزلها.


حادي عشر- الحالة التي ذكرها ابن حجر العسقلاني:‏

ذكر العسقلاني في حوادث سنة 780هـ:

وفيها حمل إلى المارستان رجل كان منقطعاً بين النهرين في عريش فمرض، وبقي ملقى على الطريق أياماً. فحمله بعضهم إلى المارستان، فنزل فيه ثم مات، فغسل وصلّي عليه وحمل إلى المقبرة، فلما أدخل القبر عطس فأخرج، ثم عوفي وعاش. وصار يحدث الناس بما رأى وعاين، وكانت غريبة بدمشق في جمادى الآخرة.

أبو حسن
17-02-2008, 01:06 PM
وسائل الإنعاش عند الأطباء العرب والمسلمين

من المعروف أن كلمة الإنعاش تعني اليوم: محاولة لإعادة الشخص المغمى عليه، أو فاقد الوعي، أو متوقف التنفس أو القلب بشكل مفاجئ، لأي سبب طارئ، لحياته الطبيعية والوظيفية، بتقديم الإسعاف والمعالجة.‏

يقول الدكتور الجاسر :

ولقد كانت هناك محاولات كثيرة للإنعاش من قبل: فرش الماء البارد على وجه من فقد وعيه، وصفعه مرات على خده، وحل أزرار الثياب المحيطة بعنقه وصدره، وتعريضه لاستنشاق سوائل ذات رائحة نفاذة، كلها محاولات للإنعاش، إلا أنها محاولات بدائية قاصرة.‏

ويقول معلقاً على الحالة الأولى والثانية من الحالات التي ذكرناها:

من المؤسف أن تلك القصص لا تحدثنا عنها الكثير، ولا تقف عندها كثيراً، وإنما تعرضها بإيجاز لتنتقل بعد ذلك إلى الجانب السهل، الذي يثير إعجاب العامة دونما أساس علمي، وقليل من تلك الروايات من فصّل الحديث عن الانعاش ومدنا بمعلومات هامة.

ولكننا بعد استعراضنا الحالات الأربعة عشر السابقة وجدنا لديهم الكثير من وسائل الانعاش التي، وإن كانت متواضعة لا ترقى إلى مستوى وسائل الإنعاش اليوم، إلا أنها كانت ولاتزال لاتخلو من فائدة. وفيما يلي نوجز وسائل الإنعاش لديهم:‏

1- استعمال المنفاخ ندرّ مواد مخرشة أو معطِّسة أو عطرية، لتنبيه التنفس، وتزويد المريض بالهواء كتعويض لعملية التنفس، وكمثال على ذلك قيام الطبيب صالح بن بهلة في الحالة الأولى، باستعمال المنفاخ ومادة (الكندس) قبل بضعة قرون من استعماله في الغرب.‏

2- استعمال الماء الحار والحمام لإحماء بدن المريض، بغية تنشيط الدورة الدموية ومضاعفة التروية الخلوية. ومن ثم مسحه ببعض الأدوية المخرشة التي نبهت العطاس والتنفس. وهذه الطريقة مرّ استعمالها في الحالة الثانية والسادسة فيما سبق.‏

3- سقي الماء الحار والمواد المقيئة لإجراء ما يشبه غسيل المعدة، لتخليصها من محتوياتها الفاسدة، وكذلك استعمال المحقنة لنفس الغرض. وقد لاحظنا استعمال هذه الطريقة في معالجة الحالات التي لجأ إليها اليبرودي.‏

4- استعمال الضرب على الكعب، ورفع القدمين إلى الأعلى أثناء الضرب، وهو الذي يؤدي إلى رجوع الدم إلى الدماغ وتنبيه الأوعية المحيطية، ثم إسقاء المريض بعض الأدوية المنبهة. وقد ذكرنا استعمال ثابت بن قرة لهذه الطريقة في معالجة مرضه وهي لاشك تشبه إلى حد كبير ما نقوم به في حالات الغيبوبة.‏

5- استعمال الفصد واستفراغ الدم من المصابين بالسكتة (كما جاء في بعض الحالات التي ذكرناها). ونفسر تحسن أولئك المرضى بأنه قد حدث نتيجة تقليل حجم وضغط الدم لاحتمال كونهم كانوا مصابين إما بازدياد في عدد كريات الدم الحمراء (الكاذبة أوالحقيقية) أو إنهم كانوا مصابين بارتفاع في ضغط الدم الشرياني.‏

وبذلك نأتي على نهاية البحث الذي بينا فيه معرفة الأطباء العرب والمسلمين للدلائل التي تشير إلى من به رمق من حياة، وكذلك بينا فيه تطبيقهم للكثير من وسائل الانعاش التي لازال بعضها قيد الاستعمال حتى اليوم وبشكل متطور.‏