nour
28-03-2007, 10:39 AM
في مقال نشرته صحيفة (لوموند) الفرنسية بعنوان "شباب اليوم" قال الكاتب (جون هوبت): إن شباب اليوم هم بلا شك أكثر ذكاء من أسلافهم؛ فلديهم حقيبة من المعلومات التقنية و العلمية لم تكن عند سابقيهم. لكن على صعيد المنطق والإحساس بالمسؤولية و الخبرة بالحياة، على صعيد العقل و بساطة المشاعر، هم من دون شك متخلفون عن أسلافهم. و هذا أمر جد طبيعي، و من السهل تفسيره؛ لأن الأجيال السابقة عرفت قساوة العيش فيما تنعم الأجيال الحالية بالرفاه.
في الماضي-لا يزال القول للكاتب- كان الإنسان منذ ولادته عرضة للأمراض التي عانى منها في حياة قاسية فرضت عليه القتال و التضحية في شتى الميادين: الصحة ، المجتمع، الدراسة و العمل...
أما اليوم فمنذ ولادته يحصل الطفل على اللقاحات التي تقيه المرض، ثم لا يكاد يحبو حتى يتعرف إلى الألوان و الأصوات... و ما إن يقف على قدميه حتى يتم إدخاله المدرسة حيث المكيفات، و التعليم عن طريق اللعب و من دون قسوة وفق المنهجيات الحديثة، ثم الرحلات و النزهات بالسيارات ليتعرف إلى الدنيا...
و لعل الكاتب قد أصاب الحقيقة في كثير مما ذكر، لكنه نسي أن يذكر أن هذه المقتنيات نفسها قد جعلت حياة الإنسان اليوم أكثر تعقيداً و متطلباتها أكثر صعوبة. فما كان بالأمس يُعدّ من الكماليات بات اليوم من الضروريات. السيارة مثلاً و الغسالة و سائر الأدوات المنزلية، بل البيت المستقل عن الأهل. لم تكن هناك في الماضي أزمة سكن، و لا أزمة بطالة كما هي الحال اليوم، و لا حتى أزمة اختصاص.
بات الشباب يواجه اليوم تحديات- و إن كانت من نوع آخر- بيد أنها تحديات أخرت سن الزواج، و فرضت قلة الإنجاب، وأوجدت أزمات اجتماعية ليس للبشرية عهد بها.
وإن تكن هذه التحديات تواجه شباب العالم، فإن ثمة أزمة يواجهها المسلم تحدّ من قدرته على خوض هذه التحديات. فلا زالت مجتمعاتنا كافة تقدس ثقافة(الطاعة العمياء). فالمواطن الصالح لا يسأل (ولي الأمر) لماذا، و يُحرّم عليه أن يقول:
لا، و إلا شق عصا الطاعة. و الابن البار لا يقول لأبويه: لا، و إلا عُدّ عاقاً (مغضوباً عليه)، و المرأة الصالحة لا تقول لزوجها: لا، و إلا فهي ناشز..
و ما من شك في أن الطاعة –ضمن حدودها المعقولة التي لا تلغي و لا تصادر رأي الآخرين -و لو كانوا رعايا أو أطفالاً- لا شك في أنها ضابط شرعي، فالله عز و جل قال (...فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً...)[النساء:من الآية34]، و قال سبحانه(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ...)[النساء: من الآية59[...( فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً)(الإسراء: من الآية23).و هي بعد ضابط لا غنى عنه لضمان استقرار المجتمع و وحدته وتماسكه. ولقد ظلت مجتمعاتنا بفضله متماسكة البنيان، أصيلة الانتماء، مترابطة مستقرة، خلافاً لما هي الحال في المجتمعات الليبرالية حيث التفسخ الأسري، و التفلت الخلقي، والتشرذم الاجتماعي .
بيد أن هذه السلطوية على محاسنها قد باتت –بحكم إساءة استخدامها- قيداً ثقيلاً يحدّ من قدرة الطفل أو المرأة أو حتى الرجل على الإبداع؛ لأن الحرية والاستقلالية شرطان لا بد منهما للإبداع .
إن الأب في أسرنا قلّما يولي اهتماماً لملاعبة أبنائه، و قلما يدرك أهمية هذه الدقائق مع الطفل في منحه الثقة بالنفس و الشعور بالاستقلالية. ولا يتفهم الأهل غالباً أن الولد قد لا يرغب فعلاً بالقيام بأمر ما؛ لأنه غير مقتنع أو لأنه منشغل، أو حتى لأنه يريد المعاندة في محاولة لفرض استقلاليته و تكوين شخصيته. لقد سمعت صغيراً-و قد عنّفته أمّه قائلة: عيب أن تقول: لا أريد للماما، فأجاب: فإن كنت لا أريد فماذا عليّ أن أقول إذاً؟
آباؤنا يأنفون من ممازحة الطفل و يكتفون بالأمر و النهر، و يعزفون عن سماعه ليسمعوه التوبيخ و التعنيف، وعن تكليفه بأي مهمة يعزّز من خلالها شخصيته بحجة أنه صغير، فيما نجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلاعب الصغار و يسمعهم ويكلّفهم حتى يأذن لبعضهم بالجهاد.
و نجد شرعنا الحنيف يمنح المرأة استقلاليتها في الأمور التي تخصها، فهي حرة التصرف بمالها، تُستشار في نفسها و بناتها، و تخرج مع الجيوش مجاهدة و إلى حلقات التعليم .
ونجده يشرع الشورى و يوجبها. و هذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول :أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم.
ومثل هذا الواقع ليس بغائب حتى عن واقع الحركات الإسلامية وجماعاتها ، فالطاعة لازمة و لو اقتضى الأمر تفويت مصلحة الجماعة المسلمة. ثمة مفهوم حزبي ضيق يعتبر مصلحة الإسلام من مصلحة الجماعة الفلانية أو الشخص الفلاني. ولسنا نرى سبباً إذاً لفرض الجهاد و بذل النفس في سبيل الله و العقيدة.
إن علينا أن نعرف بأن الحياة تغيّرت، وأن الناس باتوا يتعرفون إلى كثير من الأفكار و القيم التي قد تخالف قيمنا، وأبناؤنا يقضون من الوقت مع الآخرين أكثر مما يقضون معنا، شئنا ذلك أم أبينا. لم يعد الأبوان ملقنين و الابن متلقياً، لذا وجب أن نواجه هذا الواقع بالاستماع إلى أبنائنا و إيضاح وجهة نظرنا، والمزيد من التقرب منهم، و ليست العبرة بعدد الساعات التي نمضيها معهم بل بقيمة هذه الساعات، و قدرتنا على استثمارها في تربية الأبناء .
و ثمة واقع آخر فاسد لا بد من معرفته، و هو خروج المرأة سافرة متبرجة، مائلة مميلة إلى ميادين التأثير، فاقتضى أن تنبري المرأة المسلمة للدعوة إلى الله –عز وجل- متسلحة بالإيمان و الثقة بالنفس، التي لا يمكن أن تحوزها امرأة تتبع بالكامل لرأي زوجها أو أبيها، فلا تملك أن تخالفهما أو تحاورهما.
و ثمة واقع يفرز مؤسسات و أفكاراً يتم توظيفها كلها في ميادين التقدم العلمي والتكنولوجي و ميادين الحرب و السلم. و لا يخفى أن الحرية الأكاديمية ضرورة لا مناص منها لتحقيق ذلك .
وثمة حقيقة فطرية و دافع غريزي إلى تحقيق الذات لدى كل إنسان. لدى الرجل، كما لدى المرأة و الطفل، طموحات و أماني و رغبات يُطمح إلى تحقيقها، بل ومطالب كثيراً ما يُعجز عن الصبر عليها. و إذا أردت أن تُطاع فسلْ ما يُستطاع.
سنا محمد طوط
في الماضي-لا يزال القول للكاتب- كان الإنسان منذ ولادته عرضة للأمراض التي عانى منها في حياة قاسية فرضت عليه القتال و التضحية في شتى الميادين: الصحة ، المجتمع، الدراسة و العمل...
أما اليوم فمنذ ولادته يحصل الطفل على اللقاحات التي تقيه المرض، ثم لا يكاد يحبو حتى يتعرف إلى الألوان و الأصوات... و ما إن يقف على قدميه حتى يتم إدخاله المدرسة حيث المكيفات، و التعليم عن طريق اللعب و من دون قسوة وفق المنهجيات الحديثة، ثم الرحلات و النزهات بالسيارات ليتعرف إلى الدنيا...
و لعل الكاتب قد أصاب الحقيقة في كثير مما ذكر، لكنه نسي أن يذكر أن هذه المقتنيات نفسها قد جعلت حياة الإنسان اليوم أكثر تعقيداً و متطلباتها أكثر صعوبة. فما كان بالأمس يُعدّ من الكماليات بات اليوم من الضروريات. السيارة مثلاً و الغسالة و سائر الأدوات المنزلية، بل البيت المستقل عن الأهل. لم تكن هناك في الماضي أزمة سكن، و لا أزمة بطالة كما هي الحال اليوم، و لا حتى أزمة اختصاص.
بات الشباب يواجه اليوم تحديات- و إن كانت من نوع آخر- بيد أنها تحديات أخرت سن الزواج، و فرضت قلة الإنجاب، وأوجدت أزمات اجتماعية ليس للبشرية عهد بها.
وإن تكن هذه التحديات تواجه شباب العالم، فإن ثمة أزمة يواجهها المسلم تحدّ من قدرته على خوض هذه التحديات. فلا زالت مجتمعاتنا كافة تقدس ثقافة(الطاعة العمياء). فالمواطن الصالح لا يسأل (ولي الأمر) لماذا، و يُحرّم عليه أن يقول:
لا، و إلا شق عصا الطاعة. و الابن البار لا يقول لأبويه: لا، و إلا عُدّ عاقاً (مغضوباً عليه)، و المرأة الصالحة لا تقول لزوجها: لا، و إلا فهي ناشز..
و ما من شك في أن الطاعة –ضمن حدودها المعقولة التي لا تلغي و لا تصادر رأي الآخرين -و لو كانوا رعايا أو أطفالاً- لا شك في أنها ضابط شرعي، فالله عز و جل قال (...فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً...)[النساء:من الآية34]، و قال سبحانه(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ...)[النساء: من الآية59[...( فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً)(الإسراء: من الآية23).و هي بعد ضابط لا غنى عنه لضمان استقرار المجتمع و وحدته وتماسكه. ولقد ظلت مجتمعاتنا بفضله متماسكة البنيان، أصيلة الانتماء، مترابطة مستقرة، خلافاً لما هي الحال في المجتمعات الليبرالية حيث التفسخ الأسري، و التفلت الخلقي، والتشرذم الاجتماعي .
بيد أن هذه السلطوية على محاسنها قد باتت –بحكم إساءة استخدامها- قيداً ثقيلاً يحدّ من قدرة الطفل أو المرأة أو حتى الرجل على الإبداع؛ لأن الحرية والاستقلالية شرطان لا بد منهما للإبداع .
إن الأب في أسرنا قلّما يولي اهتماماً لملاعبة أبنائه، و قلما يدرك أهمية هذه الدقائق مع الطفل في منحه الثقة بالنفس و الشعور بالاستقلالية. ولا يتفهم الأهل غالباً أن الولد قد لا يرغب فعلاً بالقيام بأمر ما؛ لأنه غير مقتنع أو لأنه منشغل، أو حتى لأنه يريد المعاندة في محاولة لفرض استقلاليته و تكوين شخصيته. لقد سمعت صغيراً-و قد عنّفته أمّه قائلة: عيب أن تقول: لا أريد للماما، فأجاب: فإن كنت لا أريد فماذا عليّ أن أقول إذاً؟
آباؤنا يأنفون من ممازحة الطفل و يكتفون بالأمر و النهر، و يعزفون عن سماعه ليسمعوه التوبيخ و التعنيف، وعن تكليفه بأي مهمة يعزّز من خلالها شخصيته بحجة أنه صغير، فيما نجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلاعب الصغار و يسمعهم ويكلّفهم حتى يأذن لبعضهم بالجهاد.
و نجد شرعنا الحنيف يمنح المرأة استقلاليتها في الأمور التي تخصها، فهي حرة التصرف بمالها، تُستشار في نفسها و بناتها، و تخرج مع الجيوش مجاهدة و إلى حلقات التعليم .
ونجده يشرع الشورى و يوجبها. و هذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول :أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم.
ومثل هذا الواقع ليس بغائب حتى عن واقع الحركات الإسلامية وجماعاتها ، فالطاعة لازمة و لو اقتضى الأمر تفويت مصلحة الجماعة المسلمة. ثمة مفهوم حزبي ضيق يعتبر مصلحة الإسلام من مصلحة الجماعة الفلانية أو الشخص الفلاني. ولسنا نرى سبباً إذاً لفرض الجهاد و بذل النفس في سبيل الله و العقيدة.
إن علينا أن نعرف بأن الحياة تغيّرت، وأن الناس باتوا يتعرفون إلى كثير من الأفكار و القيم التي قد تخالف قيمنا، وأبناؤنا يقضون من الوقت مع الآخرين أكثر مما يقضون معنا، شئنا ذلك أم أبينا. لم يعد الأبوان ملقنين و الابن متلقياً، لذا وجب أن نواجه هذا الواقع بالاستماع إلى أبنائنا و إيضاح وجهة نظرنا، والمزيد من التقرب منهم، و ليست العبرة بعدد الساعات التي نمضيها معهم بل بقيمة هذه الساعات، و قدرتنا على استثمارها في تربية الأبناء .
و ثمة واقع آخر فاسد لا بد من معرفته، و هو خروج المرأة سافرة متبرجة، مائلة مميلة إلى ميادين التأثير، فاقتضى أن تنبري المرأة المسلمة للدعوة إلى الله –عز وجل- متسلحة بالإيمان و الثقة بالنفس، التي لا يمكن أن تحوزها امرأة تتبع بالكامل لرأي زوجها أو أبيها، فلا تملك أن تخالفهما أو تحاورهما.
و ثمة واقع يفرز مؤسسات و أفكاراً يتم توظيفها كلها في ميادين التقدم العلمي والتكنولوجي و ميادين الحرب و السلم. و لا يخفى أن الحرية الأكاديمية ضرورة لا مناص منها لتحقيق ذلك .
وثمة حقيقة فطرية و دافع غريزي إلى تحقيق الذات لدى كل إنسان. لدى الرجل، كما لدى المرأة و الطفل، طموحات و أماني و رغبات يُطمح إلى تحقيقها، بل ومطالب كثيراً ما يُعجز عن الصبر عليها. و إذا أردت أن تُطاع فسلْ ما يُستطاع.
سنا محمد طوط