أبو محمد القلموني
13-12-2006, 06:10 PM
في الصفوف المتوسطة الأولى من المنهاج المدرسي تعلمنا كيفية حل المعادلات من الدرجة الأولى و كانت الطريقة سهلة و ممتعة ! ثم لم نلبث قليلا حتى درسنا بشغف كبير المعادلات من الدرجة الثانية و تعلمنا كيف نفككها و نحصل على جذريها ؛ و إلا فنحكم من خلال علاقة محددة بين معاملات (coefficients) المعادلة بأنها لا تملك جذورا في مجموعة الأرقام الواقعية (ensemble R ).
في الصفوف الثانوية عدنا لندرس المعادلات من الدرجة الثانية ولكن هذه المرة كان التركيز على ما كان منها لا يملك جذورا في مجموعة الأرقام الواقعية. وكانت المفاجأة أن الرياضيين لا يعترفون بالواقع فقط و لا يقفون عند حدود مجموعة الأرقام الواقعية بل ابتكروا و بذكاء ملفت مجموعة الأرقام الخيالية أو ما قد يسمونه أيضا بمجموعة الأرقام المعقدة (ensemble C) !
وهذه الأرقام و إن كان لا وجود لها في الواقع ، غير أنها حلت إشكالات كثيرة على المستوى الرياضي و الفيزيائي حيث تكثر القواعد و النظريات التي ترتبط بما يسمى بالواقع الإفتراضي . و السبب هو أن علماء الفيزياء دأبوا على تبسيط قواعد فنهم في أشكال رياضية واضحة و محددة تمكنهم من الرصد و التنبؤ. ثم لما تشعبت افتراضات الفيزيائيين و تطورت نظرياتهم احتاجوا إلى أن يمدهم الرياضييون بلغة رياضية معقدة ، ربما لا تمت بصلة إلى الواقع و لكنها تفيد الفيزيائيين في نظرياتهم و عوالمهم الإفتراضية التي صاغوها من أجل تفسير الظواهر الطبيعية.
وهكذا نشأت فكرة الرقم المعقد الذي يمكن أن يأخذ أشكالا عدة : زوجا من الأرقام وهو عبارة عن عنصر واحد في ما يسمى بمجموعة ( R*R ) ، أو شكلا جبريا محضا ، أو نقطة محددة (أو سهم محدد الطول و الإتجاه) في مسطح هندسي من البعد الثاني..... ولكل شكل من هذه الاشكال فوائده الجمة في مختلف ميادين الرياضيات و الفيزياء. ولكنه يبقى مع ذلك مجرد افتراض تجريدي لا يرتبط بالواقع الحقيقي.
فإذا تركنا ذلك العالم التجريدي الرياضي و نظيره الإفتراضي الفيزيائي ، واتجهنا إلى الواقع الحسي الذي نعيشه فسنكتشف أنه لن يكون بمقدورنا أن نعالج كثيرا من المعادلات؛ و أولها المعادلة الشهيرة : جمال مارلين مونرو و تقوى رابعة العدوية!
هذه المعادلة ليس لها حل إلا في عالم تجريدي رياضي أو افتراضي فيزيائي ، هكذا تقول العلاقة بين معاملاتها (coefficients) منذ اللحظة الأولى! و بالرغم من ذلك يتناسى كثير من الشباب هذه الحقيقة الواضحة و يصر على أن يدخل باب البحث عن عروس المستقبل و هو يمسك بطرفي هذه المعادلة آملا أن يجد لها حلا في الواقع الحسي!
ويكثر البحث و يطول زمن المحاولة ليكتشف المسكين بعدها أنه لا حل لهذه المعادلة ولا جذور لها في الواقع ! و ليجد نفسه وحيدا في مسطح هندسي خيالي ليس الواقع سوى جزء يسير منه. فإما أن يستمر في أحلام مراهقة لا تنقضي ؛ بل تزداد مع الأيام خصوصا في مجتمع تقني متطور كمجتمعنا يغذي الأحلام و الذاكرة يوميا بمئات الصور الفضائية ذات الجودة العالية ، أين منها جمال مارلين؟!.... و إما أن يعدل هذه المعادلة ، و يتجه إلى الواقع الحقيقي لينضم إلى فسطاط مارلين أو إلى فسطاط العدوية أو إلى فسطاط وسط يأخذ فيه من هذا و ذاك بشيء من الإعتدال و القناعة الواقعية!
بعض الشباب ربما يقول دعك من كل هذه الفلسفات و أخبرني : ألا يتزوج المسلم من أجل أن يحصن نفسه؟ فكيف يكون تحصين إن لم يكن ثمة جمال يكف البصر عما سواه ، و يقنع النفس بأن تحبس و تقصر طاقتها عليه ؟! ألم يقل الرسول صلى الله عليه و سلم : فإنه أغض للبصر ( أي الزواج ) و أحصن للفرج؟ فثبت إذا أن المراد منه ما كان كذلك . و تعين على المسلم أن يبحث عن الجميلة التقية و إلا فلا تحصين و لا عفة ! ومن أجل ذلك أمر الرسول صلى الله عليه و سلم الخاطب أن ينظر إلى مخطوبته قبل أن يعقد عليها . و في ذلك أحاديث صحيحة لا تخفى و آثار عن الصحابة و التابعين تعد كالغريبة في أزمنتنا ؛ بل ربما عدها بعضهم مما لايحدث بها طوائف كثيرة من الناس خشية أن لا تبلغها عقولهم ! هذا و قد ثبت أن الإمام أحمد كان يرشد الخاطب إلى السؤال عن الجمال أولا فإن تأكد منه سأل عن الدين . وهذا من فقهه و بصيرته رحمه الله تعالى.
وردا على هذا نقول بعون الله و توفيقه: ظاهر هذا الكلام حق لا غبار عليه لكنه عند التحقيق و الوقوف على التفاصيل فيه ما فيه مما يتطلب شرحا و بيانا نجمله بالتالي :
لا نزاع بين العقلاء فضلا عن الفقهاء أن من أهم و آكد أهداف الزواج حفظ الفرج و غض البصر؛ كيف لا و قد نص عليهما رسول الله صلى الله عليه و سلم في الحديث الصحيح : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر و أحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) .
وفهم هذا الحديث لا يتأتى بأخذ بعض معانيه دون البعض الآخر بل لا بد من ضم المعنى إلى المعنى ليتضح المراد و تفهم حقيقة الخطاب. فإن الرسول صلى الله عليه و سلم قسم الشباب إلى قسمين : قسم يملك الباءة و قسم لا يملكها ، و أرشد القسمين إلى ما فيه التحصين و حفظ العفة. فأما القسم الذي يملك الباءة فقد حضه رسول الله صلى الله عليه و سلم على الزواج و أمره أن ينظر للمخطوبة قبل العقد ؛ بل قال صلى الله عليه و سلم : فلينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها . أي ما يرغبه في النكاح ، و أقله الوجه و الكفين فلا نزاع في جواز النظر إليهما. و هذا و إن كان الأحوط إلا أن الأصح و الله أعلم تعدية النظر إلى ما سوى الوجه و الكفين كما هو مذهب جماعة من الفقهاء المحققين. و إلى هنا نحن نلتقي مع المعارض و نؤيده و يؤيدنا ، بل ربما كان في كلامنا زيادة قوة تؤكد و تثبت ما قرر. و لكن الذي فارقنا به و فارقناه به هو جواب السؤال التالي :
لمن وجه هذا الخطاب؟ و هل يرتبط هذا الخطاب بمتغير خارجي يجعل نتائجه نسبية و متغيرة من شخص إلى آخر ؟ أم هو خطاب عام لا تتنوع نتائجه و لا تتشكل صوره إلا في صورة واحدة ثابتة معلومة؟
لو رجعنا إلى ذات النص لوجدنا فيه كلمة : أغض و أحصن . وهذه لوحدها تثبت نسبية النتائج وتعلقها بمتغير خارجي يختلف من شخص إلى آخر و يختلف في الشخص الواحد من حال إلى حال. فما هو هذا المتغير الخارجي ؟
الجواب في قوله تعالى : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم و يحفظوا فروجهم ) فثبت إذا بضم الآية إلى الحديث أن الخطاب لطائفة المؤمنين . و أن المأمور به يتعلق تعلقا أساسيا و مباشرا بمتغير الإيمان الذي يختلف من شخص إلى آخر بل و يختلف في الشخص الواحد بين حال و حال حيث أنه يزيد و ينقص كما هو مذهب أهل السنة و الجماعة . و بالتالي فإن المأمور به ونتائجه يختلفان و يتنوعان ضعفا و قوة تبعا لاختلاف الإيمان وتنوعه بين ضعف و قوة.
وهذا يفيدنا في تحرير القصد و تخليص النية إذ أن طالب النكاح قد يكون ، في الحقيقة ، طالب متعة عابرة و هو لا يشعر. و يحدوه إلى الزواج قيم المجتمع الضاغطة و ليس مجرد خوف الله تعالى ، من جهة ، و من جهة أخرى صور فاتنة و أجساد عارية تلاحقه كيفما اتجه في الجامعة و العمل و المنزل و الشارع . فلا فكاك له منها إلا بالهروب و السفر إلى حيث يجد فسطاط مارلين سهلا ميسرا فاتحا ذراعيه لكل قادم ، و يبعث برسائل الشوق اليومية ، عبر الأثير ، إلى كل بعيد و غائب أن أقدم إلينا على عجل فعندنا عندنا الفرج و الأمل! و إما بأن يتخذ قرارا جريئا يتجاوز به مجتمعه و يقفز فيه فوق قيمه و تقاليده.....فإن لم يقدر على هذا و لم يتيسر له ذاك ، أقبل يرجو ظاهره الزواج و العفة بينما هو ، في الحقيقة ، يريد محض متعة عابرة من حيث لا يشعر !
فهذا إن تزوج ولم يحصنه الزواج فلا غرابة أبدا! بل في واقعنا عشرات الأمثلة لشباب يفتقد من حيث الاساس إلى التربية الإيمانية المؤصلة ، تجده أشد ما يكون رغبة في الزواج و لا يمل من شرح فوائده و قدرته الهائلة على التحصين و حفظ العفة ... ثم تتفاجأ بعد مدة من دخوله جنة الزواج المزعومة أن حاله قد تغير و فكره قد تبدل و صارت نار العزوبية خيرا عنده من نعيم الزواج المنشود! والسبب هو ضعف الإيمان ، و الإفتقار إلى طرقه وأساليب تقويته و حفظه فضلا عما لا بد منه من الدربة على ذلك دهرا طويلا . هذا من جهة و من جهة أخرى توفره على مخزون هائل من الصور مسجل و محفوظ في ذاكرته لا يمل من استحضاره و تمليه و المقارنة بينه و بين من اختارها لتحصنه و تحفظ له عفته!!! فكيف لمثل هذا أن يحصنه الزواج الشرعي؟!
ويتأكد كلامنا و يقوى إذا نظرنا في ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه و سلم في ذات الحديث الشق الثاني من الشباب ، و هم الذين لا يملكون الباءة . حيث كان توجيهه صلى الله عليه وسلم لهم أن يلزموا الصوم وأن لهم به وجاء . فصار لنا بهذا الشق من الحديث أشبه ما يكون باختبار عملي يتنبأ فيه الشاب بنتيجة زواجه المنشود: هل ينجح فيه بتحقيق التحصين أم لا؟! وهو أن يلزم الشاب ،الذي لا يجد الباءة ، الصوم فإن نفعه بحيث قدر أن يأتي به على الوجه المطلوب من إصابة السنة و تخليص الباطن لله و نجح في ذلك ؛ فإن هذا ربما كان علامة و بشارة على أنه إن ثبت على هذه الحالة إلى حين امتلاكه الباءة فسسينجح الزواج في تحصينه و حفظ عفته كل النجاح!
وأما معادلة مارلين العدوية فلن تجد لها جذورا إلا في واقع افتراضي أو خيال قصصي أو مسرحي ، يصوغ ابطاله و شخصياته قلم مبدع متأنق يسرح و يمرح في خيال هندسي ثنائي مسطح ، أو لربما في عالم من التخيل الثلاثي الابعاد !
وفي كل الأحوال فإن الأمل لا يزال معقودا على تقنية العصر الحديث التي ينتظر البعض أن تحول واقعنا الذي نعيشه إلى واقع افتراضي ؛ يصبح التواصل فيه من خلال تقنية فريدة تختزل الشخص إلى مجرد مخيلة تتعامل مع مخيلات أخرى ! ويومها سيكون باستطاعتنا أن نجد جذورا لمعادلتنا و لمئات المعادلات الأخرى التي لا تتحقق و لن تتحقق إلا في حلم كبير كحلم الفيلم السينمائي الشهير ماتريكس!
في الصفوف الثانوية عدنا لندرس المعادلات من الدرجة الثانية ولكن هذه المرة كان التركيز على ما كان منها لا يملك جذورا في مجموعة الأرقام الواقعية. وكانت المفاجأة أن الرياضيين لا يعترفون بالواقع فقط و لا يقفون عند حدود مجموعة الأرقام الواقعية بل ابتكروا و بذكاء ملفت مجموعة الأرقام الخيالية أو ما قد يسمونه أيضا بمجموعة الأرقام المعقدة (ensemble C) !
وهذه الأرقام و إن كان لا وجود لها في الواقع ، غير أنها حلت إشكالات كثيرة على المستوى الرياضي و الفيزيائي حيث تكثر القواعد و النظريات التي ترتبط بما يسمى بالواقع الإفتراضي . و السبب هو أن علماء الفيزياء دأبوا على تبسيط قواعد فنهم في أشكال رياضية واضحة و محددة تمكنهم من الرصد و التنبؤ. ثم لما تشعبت افتراضات الفيزيائيين و تطورت نظرياتهم احتاجوا إلى أن يمدهم الرياضييون بلغة رياضية معقدة ، ربما لا تمت بصلة إلى الواقع و لكنها تفيد الفيزيائيين في نظرياتهم و عوالمهم الإفتراضية التي صاغوها من أجل تفسير الظواهر الطبيعية.
وهكذا نشأت فكرة الرقم المعقد الذي يمكن أن يأخذ أشكالا عدة : زوجا من الأرقام وهو عبارة عن عنصر واحد في ما يسمى بمجموعة ( R*R ) ، أو شكلا جبريا محضا ، أو نقطة محددة (أو سهم محدد الطول و الإتجاه) في مسطح هندسي من البعد الثاني..... ولكل شكل من هذه الاشكال فوائده الجمة في مختلف ميادين الرياضيات و الفيزياء. ولكنه يبقى مع ذلك مجرد افتراض تجريدي لا يرتبط بالواقع الحقيقي.
فإذا تركنا ذلك العالم التجريدي الرياضي و نظيره الإفتراضي الفيزيائي ، واتجهنا إلى الواقع الحسي الذي نعيشه فسنكتشف أنه لن يكون بمقدورنا أن نعالج كثيرا من المعادلات؛ و أولها المعادلة الشهيرة : جمال مارلين مونرو و تقوى رابعة العدوية!
هذه المعادلة ليس لها حل إلا في عالم تجريدي رياضي أو افتراضي فيزيائي ، هكذا تقول العلاقة بين معاملاتها (coefficients) منذ اللحظة الأولى! و بالرغم من ذلك يتناسى كثير من الشباب هذه الحقيقة الواضحة و يصر على أن يدخل باب البحث عن عروس المستقبل و هو يمسك بطرفي هذه المعادلة آملا أن يجد لها حلا في الواقع الحسي!
ويكثر البحث و يطول زمن المحاولة ليكتشف المسكين بعدها أنه لا حل لهذه المعادلة ولا جذور لها في الواقع ! و ليجد نفسه وحيدا في مسطح هندسي خيالي ليس الواقع سوى جزء يسير منه. فإما أن يستمر في أحلام مراهقة لا تنقضي ؛ بل تزداد مع الأيام خصوصا في مجتمع تقني متطور كمجتمعنا يغذي الأحلام و الذاكرة يوميا بمئات الصور الفضائية ذات الجودة العالية ، أين منها جمال مارلين؟!.... و إما أن يعدل هذه المعادلة ، و يتجه إلى الواقع الحقيقي لينضم إلى فسطاط مارلين أو إلى فسطاط العدوية أو إلى فسطاط وسط يأخذ فيه من هذا و ذاك بشيء من الإعتدال و القناعة الواقعية!
بعض الشباب ربما يقول دعك من كل هذه الفلسفات و أخبرني : ألا يتزوج المسلم من أجل أن يحصن نفسه؟ فكيف يكون تحصين إن لم يكن ثمة جمال يكف البصر عما سواه ، و يقنع النفس بأن تحبس و تقصر طاقتها عليه ؟! ألم يقل الرسول صلى الله عليه و سلم : فإنه أغض للبصر ( أي الزواج ) و أحصن للفرج؟ فثبت إذا أن المراد منه ما كان كذلك . و تعين على المسلم أن يبحث عن الجميلة التقية و إلا فلا تحصين و لا عفة ! ومن أجل ذلك أمر الرسول صلى الله عليه و سلم الخاطب أن ينظر إلى مخطوبته قبل أن يعقد عليها . و في ذلك أحاديث صحيحة لا تخفى و آثار عن الصحابة و التابعين تعد كالغريبة في أزمنتنا ؛ بل ربما عدها بعضهم مما لايحدث بها طوائف كثيرة من الناس خشية أن لا تبلغها عقولهم ! هذا و قد ثبت أن الإمام أحمد كان يرشد الخاطب إلى السؤال عن الجمال أولا فإن تأكد منه سأل عن الدين . وهذا من فقهه و بصيرته رحمه الله تعالى.
وردا على هذا نقول بعون الله و توفيقه: ظاهر هذا الكلام حق لا غبار عليه لكنه عند التحقيق و الوقوف على التفاصيل فيه ما فيه مما يتطلب شرحا و بيانا نجمله بالتالي :
لا نزاع بين العقلاء فضلا عن الفقهاء أن من أهم و آكد أهداف الزواج حفظ الفرج و غض البصر؛ كيف لا و قد نص عليهما رسول الله صلى الله عليه و سلم في الحديث الصحيح : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر و أحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) .
وفهم هذا الحديث لا يتأتى بأخذ بعض معانيه دون البعض الآخر بل لا بد من ضم المعنى إلى المعنى ليتضح المراد و تفهم حقيقة الخطاب. فإن الرسول صلى الله عليه و سلم قسم الشباب إلى قسمين : قسم يملك الباءة و قسم لا يملكها ، و أرشد القسمين إلى ما فيه التحصين و حفظ العفة. فأما القسم الذي يملك الباءة فقد حضه رسول الله صلى الله عليه و سلم على الزواج و أمره أن ينظر للمخطوبة قبل العقد ؛ بل قال صلى الله عليه و سلم : فلينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها . أي ما يرغبه في النكاح ، و أقله الوجه و الكفين فلا نزاع في جواز النظر إليهما. و هذا و إن كان الأحوط إلا أن الأصح و الله أعلم تعدية النظر إلى ما سوى الوجه و الكفين كما هو مذهب جماعة من الفقهاء المحققين. و إلى هنا نحن نلتقي مع المعارض و نؤيده و يؤيدنا ، بل ربما كان في كلامنا زيادة قوة تؤكد و تثبت ما قرر. و لكن الذي فارقنا به و فارقناه به هو جواب السؤال التالي :
لمن وجه هذا الخطاب؟ و هل يرتبط هذا الخطاب بمتغير خارجي يجعل نتائجه نسبية و متغيرة من شخص إلى آخر ؟ أم هو خطاب عام لا تتنوع نتائجه و لا تتشكل صوره إلا في صورة واحدة ثابتة معلومة؟
لو رجعنا إلى ذات النص لوجدنا فيه كلمة : أغض و أحصن . وهذه لوحدها تثبت نسبية النتائج وتعلقها بمتغير خارجي يختلف من شخص إلى آخر و يختلف في الشخص الواحد من حال إلى حال. فما هو هذا المتغير الخارجي ؟
الجواب في قوله تعالى : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم و يحفظوا فروجهم ) فثبت إذا بضم الآية إلى الحديث أن الخطاب لطائفة المؤمنين . و أن المأمور به يتعلق تعلقا أساسيا و مباشرا بمتغير الإيمان الذي يختلف من شخص إلى آخر بل و يختلف في الشخص الواحد بين حال و حال حيث أنه يزيد و ينقص كما هو مذهب أهل السنة و الجماعة . و بالتالي فإن المأمور به ونتائجه يختلفان و يتنوعان ضعفا و قوة تبعا لاختلاف الإيمان وتنوعه بين ضعف و قوة.
وهذا يفيدنا في تحرير القصد و تخليص النية إذ أن طالب النكاح قد يكون ، في الحقيقة ، طالب متعة عابرة و هو لا يشعر. و يحدوه إلى الزواج قيم المجتمع الضاغطة و ليس مجرد خوف الله تعالى ، من جهة ، و من جهة أخرى صور فاتنة و أجساد عارية تلاحقه كيفما اتجه في الجامعة و العمل و المنزل و الشارع . فلا فكاك له منها إلا بالهروب و السفر إلى حيث يجد فسطاط مارلين سهلا ميسرا فاتحا ذراعيه لكل قادم ، و يبعث برسائل الشوق اليومية ، عبر الأثير ، إلى كل بعيد و غائب أن أقدم إلينا على عجل فعندنا عندنا الفرج و الأمل! و إما بأن يتخذ قرارا جريئا يتجاوز به مجتمعه و يقفز فيه فوق قيمه و تقاليده.....فإن لم يقدر على هذا و لم يتيسر له ذاك ، أقبل يرجو ظاهره الزواج و العفة بينما هو ، في الحقيقة ، يريد محض متعة عابرة من حيث لا يشعر !
فهذا إن تزوج ولم يحصنه الزواج فلا غرابة أبدا! بل في واقعنا عشرات الأمثلة لشباب يفتقد من حيث الاساس إلى التربية الإيمانية المؤصلة ، تجده أشد ما يكون رغبة في الزواج و لا يمل من شرح فوائده و قدرته الهائلة على التحصين و حفظ العفة ... ثم تتفاجأ بعد مدة من دخوله جنة الزواج المزعومة أن حاله قد تغير و فكره قد تبدل و صارت نار العزوبية خيرا عنده من نعيم الزواج المنشود! والسبب هو ضعف الإيمان ، و الإفتقار إلى طرقه وأساليب تقويته و حفظه فضلا عما لا بد منه من الدربة على ذلك دهرا طويلا . هذا من جهة و من جهة أخرى توفره على مخزون هائل من الصور مسجل و محفوظ في ذاكرته لا يمل من استحضاره و تمليه و المقارنة بينه و بين من اختارها لتحصنه و تحفظ له عفته!!! فكيف لمثل هذا أن يحصنه الزواج الشرعي؟!
ويتأكد كلامنا و يقوى إذا نظرنا في ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه و سلم في ذات الحديث الشق الثاني من الشباب ، و هم الذين لا يملكون الباءة . حيث كان توجيهه صلى الله عليه وسلم لهم أن يلزموا الصوم وأن لهم به وجاء . فصار لنا بهذا الشق من الحديث أشبه ما يكون باختبار عملي يتنبأ فيه الشاب بنتيجة زواجه المنشود: هل ينجح فيه بتحقيق التحصين أم لا؟! وهو أن يلزم الشاب ،الذي لا يجد الباءة ، الصوم فإن نفعه بحيث قدر أن يأتي به على الوجه المطلوب من إصابة السنة و تخليص الباطن لله و نجح في ذلك ؛ فإن هذا ربما كان علامة و بشارة على أنه إن ثبت على هذه الحالة إلى حين امتلاكه الباءة فسسينجح الزواج في تحصينه و حفظ عفته كل النجاح!
وأما معادلة مارلين العدوية فلن تجد لها جذورا إلا في واقع افتراضي أو خيال قصصي أو مسرحي ، يصوغ ابطاله و شخصياته قلم مبدع متأنق يسرح و يمرح في خيال هندسي ثنائي مسطح ، أو لربما في عالم من التخيل الثلاثي الابعاد !
وفي كل الأحوال فإن الأمل لا يزال معقودا على تقنية العصر الحديث التي ينتظر البعض أن تحول واقعنا الذي نعيشه إلى واقع افتراضي ؛ يصبح التواصل فيه من خلال تقنية فريدة تختزل الشخص إلى مجرد مخيلة تتعامل مع مخيلات أخرى ! ويومها سيكون باستطاعتنا أن نجد جذورا لمعادلتنا و لمئات المعادلات الأخرى التي لا تتحقق و لن تتحقق إلا في حلم كبير كحلم الفيلم السينمائي الشهير ماتريكس!