تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الوثنية المعاصرة



وسيم أحمد الفلو
10-03-2008, 10:37 AM
مقدمة: عبادة القوة

القارىء التقليدي للقرآن الكريم قد يقرأ ما ورد عن الوثنيين بكثير من التسطيح ظانا ان الوثنية اصبحت من الماضي السحيق. ولكن القارىء الفطن سيفطن الحقيقة ان الاصنام موجودة ولكنها بصيغة اخرى.. لم تعد عبادة الاحجار هي السائدة بل استبدلت بعبادة الاشخاص، عبادة المال، عبادة القوى المادية.. في الجاهلية كان المشركون يصنعون اوثانهم من تمر ويأكلونها اذا جاعوا.. واليوم ما زال الكثير من الناس يمارسون هذا الطقس الوثني.. يهتفون للزعيم الفلاني "بالروح بالدم نفديك يا فلان.." فاذا سقط او اسقط انفضوا عنه واكلوا لحمه ميتا بعد ان كانوا يحتمون بظله ويضربون بسيفه.

وقد ادرك الصهاينة هذا الامر فقالوا في بروتوكولاتهم: ان حقنا يكمن في القوة. وكلمة "الحق" فكرة مجردة قائمة على غير أساس. وفي هذه الأحوال الحاضرة المضطربة لقوى المجتمع ستكون قوتنا أشد من أي قوة أخرى، لأنها ستكون مستورة حتى اللحظة التي تبلغ فيها مبلغاً لا تستطيع معه أن تنسفها أي خطة ماكرة. ان الغاية تبرر الوسيلة، وعلينا ـ ونحن نضع خططنا ـ ألا نلتفت إلى ما هو خير واخلاقي بقدر ما نلتفت إلى ما هو ضروري ومفيد

وفيما يلي امثلة عن تطبيق الآيات لتي تتحدث عن الوثنية على حياتنا المعاصرة، ودروس في كيفية استخلاص الجذور النفسية والفكرية لها.

1- تقديم المصالح على الحق

في كل مكان وزمان توجد تقاليد بالية يحتفظ بها البشر على تهافتها وسخافتها لعدم جرأتهم على الانتفاضة عليها. فهذا قد يحرمهم الحياة الهنيئة الوادعة وقد يوقعهم في مشاكل مع مجتمعهم. يقول رب العالمين: "وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين". إنه يقول لهم: إنكم اتخذتم الأوثان من دون الله, لا اعتقادا واقتناعا بأحقية هذه العبادة، إنما يجامل بعضكم بعضا, بحيث لا يريد الصاحب أن يترك عبادة صاحبه - حين يظهر الحق له - استبقاء لما بينكم من مودة على حساب الحق والعقيدة !

ونحن لا نريد ان نتوقف فقط على موضوع الشرك في العبادة بل نريد ان ننظر في اصل هذا الانحراف العقدي والذي يتمثل في المرض النفسي الخطير "تقديم المصلحة على الحق" و "تقديم الهوى على الواجب" فنجد انه اصل لكثير من ممارساتنا الخاطئة في شتى الميادين خاصة في عملنا السياسي والاجتماعي.

2- تقديم الوسيلة على الهدف

دعونا نسأل انفسنا: كيف بدأت عبادة الاوثان؟ سنجد عندها انها بدأت بالتدرج.. كان هناك اشخاص صالحون، فطرح البعض اقامة تماثيل لهم ليتذكروهم و بدأوا بتعظيمهم وشيئا فشيئا تحول التعظيم الى تقديس فاصبحت هذه التماثيل وسائل تقرب الى الله. ومن ثم تحول التقديس الى عبادة أنستهم الإله الحقيقي. كما يبين هذا قوله تعالى: ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار.

واسقاط هذه الاية على واقعنا المعاصر يشير الى التشويه الفكري الخطير المتمثل في تقديم الوسيلة على الهدف. وهذا ان كان في الثانويات لربما تجاوزنا عنه ولكن ان وقع في الاساسيات فكيف نتجاوز عنه؟؟؟ الا يصبح هذا التفضيل عندها خروجا عن الدين كما شكلت عبادة الاصنام خروجا عن الدين. مثال: النهضة الاسلامية او حماية الجماعة المسلمة هي هدف ديني مشروع ولكن في الوقت نفسه هذا الهدف هو وسيلة لغاية اكبر الا وهي عبادة الله وتوحيده. فكيف تقوم بعض الفئات التي تدعي رغبتها في حماية المسلمين من خصوم محليين او دول عربية اخرى بموالاة الكافر الاصلي وعدو المسلمين الاول لذي ثبت كفره وعداوته للاسلام بما لا يقطع الشك؟ وكيف نبرر سيرنا على خطاهم واتباع سننهم خاصة السيء منها ومدحنا لهم ومودتنا العظيمة لهم؟

3- الانغرار بالماديات على حساب الغيبيات

لقد وصف رب العالمين المؤمنين بانهم الذين يؤمنون بالغيب في مطلع سورة البقرة. "الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمؤمنين الذين يؤمنون بالغيب ومما رزقناهم ينفقون". ومن طبيعة الانسان انه ينسى ويتاثر بالواقع المشهود والملموس اكثر من الغيب، وهذا ما حصل مع المشركين الذين فضلوا عبادة الاصنام لأنها ملموسة امامهم بالحواس على عبادة الله الخالق الذي لا تدركه الابصار. وما حصل مع الوثنيين حصل مع اليهود ايضا .. فاليهود قوم ماديون بامتياز.. لم يستطيعوا تقبل فكرة اله غير منظور.. كانوا يريدون الها يلمسونه ويرونه امامهم.. فلما رأوا قوما يعبدون الاصنام وراوا انهم متحدون حولهم .. اعجبوا بشكلهم .. وربما اعجبوا بلباسهم وتنظيمهم.. فقالوا لم لا نكون مثلهم؟؟ وفي الاسقاط على الواقع المعاصر نجد ان الناس ينسون من هو الرازق الحقيقي ومن هو المحيي والمميت والقوي العزيز "من كان يريد العزة فلله العزة جميعا". فيلتحقوا باركان القوة المادية المتمثلة بقوى الطغيان ليحصلوا منهم على القوة والمنعة والعزة الزائفة.

4-تفضيل الاحكام الوضعية على حكم الله

إن المعنى الأول للدين هو الدينونة - أي الخضوع والاستسلام والاتباع - وهذا يتجلي في اتباع الشرائع كما يتجلي في تقديم الشعائر. يقول الحق سبحانه وتعالى : "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون"

وهذه الآية فسرها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه. عن عدي بن حاتم - رضي اللّه عنه - قال:أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ في سورة براءة: "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون اللّه فقال:" أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم , ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه . وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه " .

والقراءة المعاصرة تقول: كم من يدعي الايمان بالله ويقدم الوطنية او القومية عليه. ومنهم من يتفاخر بقوله "انا عربي اولا مسلم ثانيا" وفي الحقيقة هو عربي اولا واخيرا وليس مسلما ولا من يحزنون.

5- المنطق الطفولي: ظاهرة تقليد العدو

وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون (الاعراف 138) إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون

في هذه الآية قد نفهم ان رب العالمن يذم اليهود لانهم ارادوا عبادة الاوثان وهذا صحيح ولا ريب فيه واكن الاهم من ذلك ان نرى ان ما ينتقده القرآن في الحقيقة هو اعمق من هذا. انه ينتقد المنطق الطفولي الذي يحرك بعض الناس بتقليدهم لمن هو - بنظرهم- اعلى منهم. انها نفسية المنهزم الذي لا يرى في الاسلام أي عزة بل يرى العزة في الثروة والجاه. " اجعل لنا إلها كما لهم آلهة" .. وفي واقعنا المعاصر نجد ان كثبرا من المسلمين ينظر الى طوائف وفرق تقدس زعمائها او تطيعهم طاعة عمياء فيغار منهم ويطلب منا انا نطيع من تولى زعامتنا مثلهم حتى لو لم يكن يمثل ديننا الحنيف. ولسان حاله يقول " اجعل لنا إلها كما لهم آلهة" والادهى من ذلك اننا تعادي احزابا معينة في بلد ما لتهمة التعاون مع الاجنبي فبدل ان نتجنب فعلهم اذا بنا نطبق ما يفعلونه هناك خطوة خطوة كردة فعل انتقامية...

6- تفضيل الادنى على ما هو خير منه:

يلوم القرآن الكريم اليهود لانهم فضلوا الذي هو ادنى على الذي هو افضل.. " وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون" ونحن كذلك.. نترك ديننا وعليائنا من اجل شعارات دنيوية فاسدة وفي هذا خطأ منهجي عظيم وتشوه فكري واضح..

7- السطحية وغسيل الادمغة

اراد اليهود الها ماديا يعبدونه... ولانهم يحبون المال سبكوه من الذهب والفضة.. واعجبهم خواره كلما هبت الريح..وفي واقعنا المعاصر نجد ان زعماءنا يشتروننا بالذهب والفضة.. ونحن نعجب بخوارهم (أي تصريحاتهم الجوفاء ) في وسائل اعلامهم التي لا تحترم ديننا ولا عقلنا... لا بل نتفاخر بيننا بمقدار المكر الذي يمتلكه هؤلاء ومقدار قدرتهم على التقلب والدهاء. وهذا مخطط صهيوني واضح تحدث عنه كتاب بروتوكولات حكماء صهيون: ان السياسي إذا خدع الجماهير ثم عرفت خديعته لم تحتقره ولم تضره، بل تقابل خداعه لها بالدهشة، معجبة ببراعته في أنه خدعها فإذا قيل لها: انه غشاش. قالت: ولكنه بارع، واذا قيل: انه دجال قذر، قالت: ولكنه شجاع.. فهي كالنساء تمنح اعجابها لمن لا يستحقه متى أذهلها وأخضعها، وتغالط نفسها بغفلتها.. وهذا السر من أدق أصول السياسة.