محمد أحمد الفلو
10-04-2007, 12:33 PM
لم يهدأ الوسط الاجتماعي السعودي بعد فتوى تجددت، قام بإحيائها أستاذ الفقه المقارن وعضو هيئة كبار العلماء الدكتور عبدالله المطلق، حينما أجاز في محاضرة أقيمت منذ أسبوع أمام حشد كبير من طلاب سعوديين، يستعدون للسفر إلى الخارج للدراسة، ضمن برنامج الإبتعاث الضخم الذي قرره العاهل السعودي، وتبنى من خلاله إرسال الدولة لآلاف الطلاب والطالبات، ـ أجاز ـ الزواج من الأجنبيات من مواطني الدول الأخرى بنية الطلاق.
خلاف تاريخي
وهذه الفتوى ليست حديثة العهد على المجتمع السعودي، ففي منتصف الثمانينات، وعندما تبنى العاهل السعودي الراحل الملك فهد بن عبدالعزيز المشروع ذاته، وقام بإرسال آلاف الطلاب والطالبات للدراسة على نفقة الدولة، أثار مفتي عام المملكة العربية السعودية السابق عبدالعزيز بن باز ضجة كبيرة بعد فتوى له أجاز من خلالها الزواج بنية الطلاق، حيث قال في حينه إن الزواج بنية الطلاق فيه خلاف بين العلماء فمنهم من كره ذلك كالأوزاعي وجماعته، حيث قالوا إنه يشبه زواج المتعة.
ومن ثم ليس للمسلم أن يتزوج بنية الطلاق... وذهب الأكثرون من أهل العلم كما قال ابن قدامة بجواز ذلك إذا كانت النية بينه وبين ربه فقط وليس بشرط، كأن يسافر للدراسة أو لأعمال أخرى، وخاف على نفسه فله أن يتزوج ولو نوى طلاقها إذا انتهت مهمته، وهذا هو الأرجح.
وفي حينه برز خلاف تقليدي للعلن بين الشيخين بن باز والشيخ ابن عثيمين عضو هيئة كبار العلماء، إنتهى بمجرد مرور الأيام، فلم تتفاعل الصحف في حينه، ولم تخرج مقالات موافقة أو معارضة، ولم تظهر أيضًا أصوات تناشد الجهات الرسمية التدخل والمنع.
حيث رأى ابن عثيمين في حينه أن الزواج بنية الطلاق حرام، فالإنسان إذا تزوج بنية أنه يطلقها إذا غادر البلد فإن هذا حرام من جهة أنه غش وخداع للزوجة وأهلها، فإن الزوجة وأهلها لو علموا أن هذا الرجل إنما يتزوجها بنية الطلاق إذا أراد السفر ما زوجوه في الغالب فيكون في ذلك خداع وغش لهم.
العبيكان يناشد
أما خلاف اليوم فقد تناولته الصحف السعودية المحلية بعدد ضخم من التقارير والتحقيقات، وخرجت إحصائيات واستبيانات. أبرز تلك الاعتراضات كانت من عضو مجلس الشورى الأكثر شهرة الدكتور عبدالمحسن العبيكان، الذي أخرج نداءً علنيًا للعاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز ناشده من خلاله التدخل لوضع حل لما تطالب به مئات النساء من خلال المحاكم الشرعية بأحكام رادعة ضد الأزواج الذين بادروا بتطليقهن بعد إنقضاء فترة وجيزة من الإستمتاع بهن دون سبب أو ذنب.
وطالب المستشار القضائي العبيكان بتشكيل لجنة على مستوى عال لمناقشة هذا الموضوع وإيجاد الحلول المناسبة له، ثم وضع الأنظمة التي تحد من إنتشار هذا العمل "المشين".
وأكد العبيكان في حينه لصحيفة "الوطن" السعودية أن من يقدم على خطبة امرأة والزواج بها بنية الطلاق وهي لا تعلم فعمله ذلك محرم، لأن الأمر فيه تدليس وخديعة على المرأة ولذلك صدرت مؤلفات كثيرة حديثًا في تحريم هذا العمل. ورأى العبيكان أن من يرتكب مثل هذا العمل، فعلى القاضي تعزيره إما بالسجن أو الجلد وفقًا لما يراه القاضي مناسبًا جزاء لهذا العمل الذي يعتبر زواجًا محرمًا لدى الجمهور في حالة عدم علمها بنية الزوج مسبقًا.
فهو بذلك يخالف أصول الزواج ومقاصده في الشريعة الإسلامية، وكأن المرأة سلعة وليست إنسانًا فهي لها حقوق وواجبات، والتي تتعرض منهن لزواج مثل ذلك وتصبح بعد الزواج ثيبًا لا تُرغب مثلما تُرغب البكر، أما إذا كن موافقات فهو نكاح متعة ومحرم بالإجماع. وأوضح العبيكان أن الإسلام عندما شرع النكاح والزواج إنما شرعه لأجل مقاصد سامية من أجل تكوين الأسرة الشريفة القائمة على الرحمة والشفقة.
ولليبراليين رأي
لم يتوانَ أحد أبرز الأقلام الليبرالية التي بدأت منذ نحو عقد تعبر بحرية أكبر عن أفكارها، وأصبح لها زوايا ثابتة في صحف سعودية عدة، عن تناول فكرة الزواج بنية الطلاق من منظور خارج عن الصوت السائد في المجتمع.
أي من خلال جدل فقهي بحت، يحسم الأمر بين تحليل وتحريم، فيما يحاول رموز التيار الليبرالي تناول الموضوع بأسلوب هو من خارج النص الديني.
عبدالله بن بخيت الكاتب في صحيفة الجزيرة السعودية قدم رؤيته بشكل عقلاني، يقول: "عندما يقرأ الإنسان حياته الزوجية سيكتشف أن الجنس والممارسة الجنسية هما أقل عناصر الزواج قيمة. سيلاحظ أن قيمتهما تتناقص حتى تصبح قيمة ثانوية يتذكرها الزوجان في اللحظات الحميمية المتباعدة.
فالزواج لا يمنع الإنسان من الخلوات المحرمة ولم يحسن أخلاق أحد. كما أن الثراء لا يمنع الإنسان من السرقة. أخلاق الإنسان تُستَمد من الإيمان. فالإنسان الذي يفكر في الزواج بنية الطلاق بهدف أن يحصن نفسه عليه أن يراجع إيمانه. فحجم الإيمان هو الذي يقرر كمية الطاقة التي تساعده على السيطرة على غرائزه.
إذا كان إيمان المرء لا يردعه عن إرتكاب المعاصي والمحرمات فالتسهيلات التي يقدمها بعض الفقهاء لا يمكن أن تحل محل الإيمان ولا تعوض عنه ولن تردعه عن الركض وراء غرائزه، فزوجته التي إختارها بنية الطلاق لن تكون الأجمل ولن تكون الأفضل".
ثم أضاف موجهًا حديثه إلى الطلاب والطالبات كما جاء في مقالته في صحيفة الجزيرة: "وضع الخالق أمام الإنسان ضابطين أولهما داخلي اسمه الإيمان وثانيهما خارجي اسمه القانون. فإذا لم يردع المرء إيمانه ردعه القانون ... أذكر كل طالب وكل أب أن يعرف أن الخداع شيءٌ والخروج منه شيء آخر.
"الزواج بنية الطلاق" مسألة شخصية تقتصر على ما حاك في نفسك، لكن "الطلاق بنية الهروب" مسألة تتعلق بالقانون (قضاة، شهود، محامون، محلفون)، حُكِم على الطالب السعودي سيء الحظ بخمسة وعشرين سنة من أجل إختلاف على وضع الخادمة الأجنبية القانوني. ترى كم سنة سيطالب المدعي العام على خداع الزوجة الأمريكية؟".
إحصائية مربكة
المفارق جاءت بعد أيام قليلة من الجدل الاجتماعي الصاخب، فقد كشفت وزارة التخطيط في السعودية عن إحصائية ذكرت أن 33 حالة طلاق تقع يوميًا لتبلغ خلال العام الواحد 12.192 حالة على الرغم من تصنيف المرأة السعودية كثالث أجمل نساء العالم من خلال دراسة بريطانية لعدد من الباحثين.
إلا أن ذلك لم يكن شفيعًا لها في الحد من تزايد حالات الطلاق، مما دعا عددًا من المهتمين إلى التقديم لوزارتي العدل والشؤون الاجتماعية بمقترح ينص على ضرورة العمل على تثقيف الشباب والفتيات المقبلين على الزواج بدورات إلزامية من أجل زيادة الوعي في فن الحياة الزوجية، بحيث لا يتم عقد الزواج إلا بها، خاصة بعد نجاح تجربة الفحص الإلزامي الطبي قبل الزواج
خلاف تاريخي
وهذه الفتوى ليست حديثة العهد على المجتمع السعودي، ففي منتصف الثمانينات، وعندما تبنى العاهل السعودي الراحل الملك فهد بن عبدالعزيز المشروع ذاته، وقام بإرسال آلاف الطلاب والطالبات للدراسة على نفقة الدولة، أثار مفتي عام المملكة العربية السعودية السابق عبدالعزيز بن باز ضجة كبيرة بعد فتوى له أجاز من خلالها الزواج بنية الطلاق، حيث قال في حينه إن الزواج بنية الطلاق فيه خلاف بين العلماء فمنهم من كره ذلك كالأوزاعي وجماعته، حيث قالوا إنه يشبه زواج المتعة.
ومن ثم ليس للمسلم أن يتزوج بنية الطلاق... وذهب الأكثرون من أهل العلم كما قال ابن قدامة بجواز ذلك إذا كانت النية بينه وبين ربه فقط وليس بشرط، كأن يسافر للدراسة أو لأعمال أخرى، وخاف على نفسه فله أن يتزوج ولو نوى طلاقها إذا انتهت مهمته، وهذا هو الأرجح.
وفي حينه برز خلاف تقليدي للعلن بين الشيخين بن باز والشيخ ابن عثيمين عضو هيئة كبار العلماء، إنتهى بمجرد مرور الأيام، فلم تتفاعل الصحف في حينه، ولم تخرج مقالات موافقة أو معارضة، ولم تظهر أيضًا أصوات تناشد الجهات الرسمية التدخل والمنع.
حيث رأى ابن عثيمين في حينه أن الزواج بنية الطلاق حرام، فالإنسان إذا تزوج بنية أنه يطلقها إذا غادر البلد فإن هذا حرام من جهة أنه غش وخداع للزوجة وأهلها، فإن الزوجة وأهلها لو علموا أن هذا الرجل إنما يتزوجها بنية الطلاق إذا أراد السفر ما زوجوه في الغالب فيكون في ذلك خداع وغش لهم.
العبيكان يناشد
أما خلاف اليوم فقد تناولته الصحف السعودية المحلية بعدد ضخم من التقارير والتحقيقات، وخرجت إحصائيات واستبيانات. أبرز تلك الاعتراضات كانت من عضو مجلس الشورى الأكثر شهرة الدكتور عبدالمحسن العبيكان، الذي أخرج نداءً علنيًا للعاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز ناشده من خلاله التدخل لوضع حل لما تطالب به مئات النساء من خلال المحاكم الشرعية بأحكام رادعة ضد الأزواج الذين بادروا بتطليقهن بعد إنقضاء فترة وجيزة من الإستمتاع بهن دون سبب أو ذنب.
وطالب المستشار القضائي العبيكان بتشكيل لجنة على مستوى عال لمناقشة هذا الموضوع وإيجاد الحلول المناسبة له، ثم وضع الأنظمة التي تحد من إنتشار هذا العمل "المشين".
وأكد العبيكان في حينه لصحيفة "الوطن" السعودية أن من يقدم على خطبة امرأة والزواج بها بنية الطلاق وهي لا تعلم فعمله ذلك محرم، لأن الأمر فيه تدليس وخديعة على المرأة ولذلك صدرت مؤلفات كثيرة حديثًا في تحريم هذا العمل. ورأى العبيكان أن من يرتكب مثل هذا العمل، فعلى القاضي تعزيره إما بالسجن أو الجلد وفقًا لما يراه القاضي مناسبًا جزاء لهذا العمل الذي يعتبر زواجًا محرمًا لدى الجمهور في حالة عدم علمها بنية الزوج مسبقًا.
فهو بذلك يخالف أصول الزواج ومقاصده في الشريعة الإسلامية، وكأن المرأة سلعة وليست إنسانًا فهي لها حقوق وواجبات، والتي تتعرض منهن لزواج مثل ذلك وتصبح بعد الزواج ثيبًا لا تُرغب مثلما تُرغب البكر، أما إذا كن موافقات فهو نكاح متعة ومحرم بالإجماع. وأوضح العبيكان أن الإسلام عندما شرع النكاح والزواج إنما شرعه لأجل مقاصد سامية من أجل تكوين الأسرة الشريفة القائمة على الرحمة والشفقة.
ولليبراليين رأي
لم يتوانَ أحد أبرز الأقلام الليبرالية التي بدأت منذ نحو عقد تعبر بحرية أكبر عن أفكارها، وأصبح لها زوايا ثابتة في صحف سعودية عدة، عن تناول فكرة الزواج بنية الطلاق من منظور خارج عن الصوت السائد في المجتمع.
أي من خلال جدل فقهي بحت، يحسم الأمر بين تحليل وتحريم، فيما يحاول رموز التيار الليبرالي تناول الموضوع بأسلوب هو من خارج النص الديني.
عبدالله بن بخيت الكاتب في صحيفة الجزيرة السعودية قدم رؤيته بشكل عقلاني، يقول: "عندما يقرأ الإنسان حياته الزوجية سيكتشف أن الجنس والممارسة الجنسية هما أقل عناصر الزواج قيمة. سيلاحظ أن قيمتهما تتناقص حتى تصبح قيمة ثانوية يتذكرها الزوجان في اللحظات الحميمية المتباعدة.
فالزواج لا يمنع الإنسان من الخلوات المحرمة ولم يحسن أخلاق أحد. كما أن الثراء لا يمنع الإنسان من السرقة. أخلاق الإنسان تُستَمد من الإيمان. فالإنسان الذي يفكر في الزواج بنية الطلاق بهدف أن يحصن نفسه عليه أن يراجع إيمانه. فحجم الإيمان هو الذي يقرر كمية الطاقة التي تساعده على السيطرة على غرائزه.
إذا كان إيمان المرء لا يردعه عن إرتكاب المعاصي والمحرمات فالتسهيلات التي يقدمها بعض الفقهاء لا يمكن أن تحل محل الإيمان ولا تعوض عنه ولن تردعه عن الركض وراء غرائزه، فزوجته التي إختارها بنية الطلاق لن تكون الأجمل ولن تكون الأفضل".
ثم أضاف موجهًا حديثه إلى الطلاب والطالبات كما جاء في مقالته في صحيفة الجزيرة: "وضع الخالق أمام الإنسان ضابطين أولهما داخلي اسمه الإيمان وثانيهما خارجي اسمه القانون. فإذا لم يردع المرء إيمانه ردعه القانون ... أذكر كل طالب وكل أب أن يعرف أن الخداع شيءٌ والخروج منه شيء آخر.
"الزواج بنية الطلاق" مسألة شخصية تقتصر على ما حاك في نفسك، لكن "الطلاق بنية الهروب" مسألة تتعلق بالقانون (قضاة، شهود، محامون، محلفون)، حُكِم على الطالب السعودي سيء الحظ بخمسة وعشرين سنة من أجل إختلاف على وضع الخادمة الأجنبية القانوني. ترى كم سنة سيطالب المدعي العام على خداع الزوجة الأمريكية؟".
إحصائية مربكة
المفارق جاءت بعد أيام قليلة من الجدل الاجتماعي الصاخب، فقد كشفت وزارة التخطيط في السعودية عن إحصائية ذكرت أن 33 حالة طلاق تقع يوميًا لتبلغ خلال العام الواحد 12.192 حالة على الرغم من تصنيف المرأة السعودية كثالث أجمل نساء العالم من خلال دراسة بريطانية لعدد من الباحثين.
إلا أن ذلك لم يكن شفيعًا لها في الحد من تزايد حالات الطلاق، مما دعا عددًا من المهتمين إلى التقديم لوزارتي العدل والشؤون الاجتماعية بمقترح ينص على ضرورة العمل على تثقيف الشباب والفتيات المقبلين على الزواج بدورات إلزامية من أجل زيادة الوعي في فن الحياة الزوجية، بحيث لا يتم عقد الزواج إلا بها، خاصة بعد نجاح تجربة الفحص الإلزامي الطبي قبل الزواج