مشاهدة النسخة كاملة : سكان القمم
أبو رياض القلموني
04-05-2008, 02:48 PM
إن الحمد لله...
أما بعد: إذا نظرنا في هذه الأرض فسنرى فيها القمم الشامخة، والفيافي الواسعة، والوديان السحيقة، ونرى -أيضاً- النسور التي تحلق في السماء وتعانق الغيوم، وتزاحم النجوم، وفي المقابل نرى من يزحف في بطون الأودية أو يدفن رأسه في التراب كالنعام.
وإذا نظرت في أرجاء الحياة فسترى -أيضاً- قيماً عالية وأخلاقاً رفيعة، وفي المقابل ترى سفاسف دنيئة، وقيماً وضيعة، والناس كالطيور منهم من يحلق هنا وهناك، ومنهم من يلتصق بهذه أو تلك.
قلبي يحدثني ألاّ يليق به *** رضاً بجهلِ ذليلِ اللُّب يُرضيهِ
قد ثار ثائر نفسٍ عزّ مطلبها *** وطار طائر لُبٍّ في مراقيه
كالنسر لا حاجبَ للشمس يحرقه *** ولا الصواعقُ والأرواحُ تثنيه
ليس الطموحُ إلى العلياء من سفهٍ *** ولا السمو إلى حقٍّ بمكروه
إن لم أنل منه ما أروي الغليل به *** قد يحمدُ المرء ماءً ليس يرويه
والقانعون بما قد دان عيشهم *** موت فإن هدوء القلب يرديه
يا قلب يهنيك نبض كله حَرَقٌ *** إلى الغرائب مما عزّ ساميه
قال الإمام ابن الجوزي -رحمه الله تعالى-: "وتلمّح سير الكاملين في العلم والعمل ولا تقنع بالدون فقد قال الشاعر:
ولم أر في عيوب الناس شيئاً *** كنقص القادرين على التمام
من هم سكان القمم؟ هل هم بشر كسائر البشر؟ أم هم أناس يعيشون على كوكب آخر ومن غير جنس البشر؟
الشيخ ناصر الأحمد
أبو رياض القلموني
04-05-2008, 02:56 PM
إن سكان القمم أناس مثلنا، قريبون منّا، يعيشون على هذه الأرض بأجسامهم لكن هممهم وعزائمهم تحلق في السماء.
سكان القمم لا يرضون لأنفسهم من كل شيء إلا أحسنه، ومن كل أمر إلاّ أتمه وأجمله، وقد قيل قديماً: "قدر الرجل على قدر همته، فمن كان عالي الهمة كان عالي القدر، ومن كان وضيع الهمة كان وضيع القدر".
فبادر -يا أخي الحبيب- ولا يقعد بك العجز عن المكرمات، وتأمّل سير السابقين فإنها للهدى منارات.
حاول أن تكون من سكان القمم، وابذل في تحصيلها كل غال ورخيص، ولا تدخر في ذلك أي نفيس.
لكل مُجِدّ مكافأة تليق بمقامه: فمن جدّ في العلم كوفئ باحتياج الناس إليه، ومن جدّ في بذل المعروف كوفئ بثناء الناس عليه، ومن كان همّه ما يأكله، فقيمته ما يخرجه.
أين طلاب المعالي؟ أين أصحاب الهمم العوالي؟ أين من يحب الله صنيعهم ويبارك مسيرهم؟
لا يَسأل الكثير، إلا من كان عقله يفكر بالكثير، ولا يطلب العظيم، إلا من كانت نفسه تسمو لكل عظيم.
إذا غامرت في شرف مروم *** فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير *** كطعم الموت في أمر عظيم
إن حياتك مغامرة كبيرة، وإن لحظات عمرك مباراة خطيرة، فإياك، ثم إياك أن تخرج منها خاسراً قبل أن تبني لك بيتاً في الجنة.
روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا))، قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- أَنَا، قَالَ: ((فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً))، قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- أَنَا، قَالَ: ((فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكِينًا))، قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- أَنَا، قَالَ: ((فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مَرِيضًا))، قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ)).
وعند مسلم -أيضاً- من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ نُودِيَ فِي الْجَنَّةِ: يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ))، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلَى أَحَدٍ يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((نَعَمْ وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ)).
قال الله تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[(21) سورة الحديد].
إن المكارم لا تحصل بالمنى *** لكن لها بالتضحيات سبيلا
فلكم سما للمجد من أجدادنا *** بطل أقام على السمو دليلا
فسل المعالي عن شجاعة خالد *** وسل المعارك هل رأته ذليلا
وسل الحضارة إن رأيت بهائها *** عمن أنار لهديها القنديلا
وسل المكارم والمعالي هل رأت *** من بعدهم في ذا الزمان مثيلا
هذي المكارم عندهم كبداية *** لسلوك درب ما يزال طويلا
في الأرض مجدهمُ ولكن قلبهم *** للجنة الفردوس رام رحيلا
وخذ المكارم لا تخف أعباءها *** عبء المكارم لا يكون ثقيلا
عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: ((لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ)). [رواه مسلم].
روي أن أعرابياً سأل ناساً من أهل البصرة: من سيد القوم في بلدكم؟ فقالوا: الحسن -أي البصري- فقال: بم سادهم؟ قالوا: احتاج الناسُ إلى علمه، واستغنى هو عن دنياهم.
سكان القمم أبعد ما يكونون عن زخارف هذه الدنيا وبهرجها، الهمّ الأكبر لسكان القمم همّ الآخرة، أما الدنيا فقد استصغروا متاعها واحتقروا نتائجها، وترفعوا عن الاستغراق فيها، فتحرروا من قيودها وهمومها.
يقول الحسن -رحمه الله-: "من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياك فألقها في نحره".
روى الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ، جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ، جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ)).
إنها وعيد من الله لمن كانت الدنيا أكبرَ همّه، فهو مقبل عليها بكليته، يجمع حطامها، في نـهم لا ينقضي، منشغل بذلك عن الآخرة فمن كانت هذه حاله، عوقب بشتات القلب، فلا يزال لاهثاً وراء المال والمناصب والشهوات، يعبّ منها، لكنه لا يشبع ولا يرتوي ولا يكتفي بل يظل في طلب المزيد، غافلاً عن أنه لا يأتيه إلا ما كتب الله له من الرزق، وأن حاله هذا هو عين الفقر، حيث لا تنتهي حاجته، ولا يحصل له الرضى بما جمع من المال، وهو معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: ((جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ)).
وفي المقابل حال الرجل الصالح الذي جعل الآخرة همّه، فهو في سعي دائم لتحصيل الحسنات، والوصول إلى مرضاة رب الأرض والسماوات، مع حُسن توكله على الله، فهذا يجمع الله له أمره، ويرزقه القناعة والرضى وغنى النفس، ويبارك له في ماله وصحته وأولاده، وهذا هو الغِنى الحقيقي.
يقول ابن الجوزي -رحمه الله-: يا هذا ! حُبُّ الدنيا أقتل من السمّ، وشرورُها أكثر من النمل.
وعن قَيْسٌ قَالَ: سَمِعْتُ مُسْتَوْرِدًا -أَخَا بَنِي فِهْرٍ- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((وَاللَّهِ مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ فِي الْيَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ)) [رواه مسلم].
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ بِالسُّوقِ دَاخِلًا مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ -وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ- فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ، فَتَنَاوَلَهُ، فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ ثُمَّ قَالَ: ((أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟)). فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ وَمَا نَصْنَعُ بِهِ. قَالَ: ((أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ)). قَالُوا: وَاللَّهِ لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ عَيْبًا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَسَكُّ، فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ. فَقَالَ: ((فَوَاللَّهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ)) [رواه مسلم].
تلاحظ -يا أخي المحب- في هذه الأحاديث تحقير أمر الدنيا، وتـهوين شأنـها، بجانب شأن الآخرة، فنعيم الدنيا قليل زائل، يشوبه الكدَر، إذا سَرّ المرءَ فيها أمرٌ ساءته أمور، أما نعيم الآخرة فسرور كله، لا نكد فيه ولا أحزان.
وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأسوة والقدوة في نظرته إلى الدنيا، فلم يركن إليها ولا تعلق بـها، بل كان شأنه - صلى الله عليه وسلم - فيها كشأن الراكب المسافر، الذي استظل في طريقه تحت ظل شجرة ثم قام يواصل سيره، فالدنيا أشبه بتلك الاستراحة العارضة.
وكما أن المسافر ليس له همّ إلا الوصول إلى غايته، وهي منتهى سفره، فكذلك العاقل الموفق في الدنيا لا يتعلق بدنيا عارضة زائلة منشغلاً عن النعيم الخالد في الآخرة.
فلو كانت الدنيا جزاءً لمحسن *** إذاً لم يكن فيها معاشٌ لظالم
لقد جاع فيها الأنبياءُ كرامةً *** وقد شبعتْ فيها بطونُ البهائم
وقال آخر:
تمتَّعْ من الأيام إن كنتَ حازماً *** فإنك فيها بين ناهٍ وآمرِ
إذا أبقت الدنيا على المرء دينَه *** فما فاته منها فليس بضائر
فلا تزن الدنيا جناحَ بعوضةٍ *** ولا وزنَ رقٍ من جناحٍ لطائر
فلم يرض بالدنيا ثواباً لمحسنٍ ***ولا رضي الدنيا عقاباً لكافر
يتبع ...
أبو رياض القلموني
04-05-2008, 06:41 PM
الأمة الإسلامية تواجه اليوم عدواً شرساً كشر عن أنيابه، وأظهر ما كان مستوراً في فؤاده، هذا العدو لا يمكن أن يواجه بأناس ذوي همم ضعيفة ولا بأناس تعلقوا بدنياهم، لا يكسر هذا العدو إلا سكان القمم.
لكَم أضرّ بنا غياب الزهد عن حياتنا، فالزهد في الدنيا من أهم المقومات في الصراع بين المسلمين وأعدائهم، ومواجهة المكائد والمؤامرات التي يتعرضون لها الآن، وإن من الغفلة القاتلة أن يظن المسلمون أن عدوهم غافل عنهم، فضلاً عن أن يتوهموا أنه صديق لهم، إلا إذا تصوروا أن الذئاب والنمور تصادق فرائسها.
إن عدونا يرقب بحذر ويقظة وتنمُّر صحوةَ المسلمين، مع أن أصحاب الصحوة لم يسلموا من إيذاء بني جلدتـهم، وإن عدونا يمد عينيه بطمع وشره واحتيال إلى ما تبقى في أيدينا من ثروات، فهو لا يرضى لنا عودة إلى ديننا تبعث فينا الحياة والقوة، وتفتح أعيننا على مصالحنا، كما لا يرضى للغافلين منا أن يهنؤا بما في أيديهم من ثروات.
فهل نفيق الآن؟ ونزهد في الترف والدعة والراحة التي لا تثمر إلا الخنوع والضعف، ونعمل لنرد عن الأمة غائلة العدو ونقطع أطماعه فينا؟ أم نبقى في ترفنا وترهُّلنا حتى تأكلنا الذئاب؟
من أشد ما تصاب به أمة من الأمم أن يكون أفرادها ذوي همم ضعيفة، وعزائم واهنة وتطلعات قاصرة، يرى أحدهم نفسه قزماً أمام المتغيرات الكبيرة والتحولات التاريخية، فلا يفكر في التغيير، ولا البدء في مشاريع مستقبلية، ومَنْ هذا وضعه كيف يُرجى له الشفاء إذا كان اعتقاده أنه لا يشفى؟ ذلك أنه أسير تربية ذليلة، لم يقم يوماً بعمل مستقل أو بعمل تعاوني كبير، لم يتدرب يوماً على القيادة، فإذا فجأه أمر تقوقع وانزوى؛ لأنه لا يملك الخبرة لإدارته.
إن أرض الله واسعة لمن يريد الانطلاق، ولمن يريد تأسيس أعمال كبيرة، والطاقات متوافرة ولكنها بحاجة إلى عزمة أكيدة وثقة بوعد الله.
ولقد بعث الله موسى -عليه السلام- ليخرج قومه من الذل والاستعباد إلى التمكين في الأرض والاسترواح بشرع الله، ولكن نفوسهم كانت ضعيفة صغيرة، لا تستطيع حمل مثل هذا العمل العظيم، وذلك لما أَنِسُوه من العبودية لفرعون وملئه، فتصاغرت نفوسهم، وهانت عليهم، حتى لم يعودوا يرون أنها جديرة بمرتبة الاستخلاف في الأرض.
لا بد أن ينعتق الفرد المسلم من مثل هذه الأجواء التي تقيده وتُشعره بضآلته وتُشعره بأنه جزء صغير من آلة ضخمة، ومن عجلة تدور لا يستطيع الفكاك منها، لا بد أن يقتنع الفرد المسلم بأن عنده طاقات وقدرات يستطيع فيها القيام بأعمال كبيرة.
إن معالي الأمور لا يبلغها إلا أصحاب الهمم العالية والعزائم القوية، فالجنة محفوفة بالمكاره.
قال ابن القيم -رحمه الله-: "علو الهمة لا تقف دون الله، ولا تتعوض عنه بشيء سواه، ولا ترضى بغيره بدلاً منه، وأعلى الناس همّة وأرفعهم قدراً، من لذتهم في معرفة الله ومحبته والشوق إلى لقائه، قال الله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}[(58) سورة يونس].
كان الأعرابي يأتي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسأله حفنة من شعير قائلاً: "يا محمد أعطني من مال الله، فإنه ليس مالك ولا مال أبيك" هذه همّة.
بينما همّة ربيعة بن كعب الأسلمي همّة فوق الشمس، عن رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: ((سَلْ)). فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: ((أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ)). قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: ((فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ)). [رواه مسلم].
حدّث عن القوم فالألفاظ ساجدة *** خلف المحاريب والأوزان تبتهل
أين كانت تحلق همة ربيعة؟ كانت تحلق في سماء رفيعة، وقمم شاهقة، "أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ".
فلله در الهمم كما قال ابن القيم -رحمه الله-: "ما أعجب شأنها وأشد تفاوتها، فهمة متعلقة بالعرش، وهمة هائمة حول الأنتان والحش".
سكان القمم: جد في السلوك، نشاط في العمل، لا يعرفون التراخي والكسل، ومن سنن الحياة أن الدنيا لا تُعطِي حصادها إلا لمن يزرعها، ولا جناها إلا لمن يغرسها.
سكان القمم: لا ينغمسون في الترف وكثرة المباح.
قال ابن القيم -رحمه الله-: "قال لي شيخ الإسلام -قدس الله روحه- في شيء من المباح: "هذا ينافي المراتب العالية وإن لم يكن تركه شرطاً في النجاة، فالعارف يترك كثيراً من المباح برزخاً بين الحلال والحرام".
سكان القمم: سبّاقون إلى الخيرات، مبادرون إلى القربات، لا يفرغ من خير إلا بدأ بخير بعده، لا ينفض يده من عمل إلا وضعها في عمل آخر، يفيد نفسه وينفع أمته.
قال أحد السلف: "إذا هممت بخير فبادر هواك لا يغلبه، وإذا هممت بشرٍّ فَسَوّف هواك لعلك تظفر".
سكان القمم: يتعبون لبلوغ المعالي، ويقاسون المشقة للصعود في درجات الكمال، لكنه تعب يعقبه فرح، ونعيم لا شقاء بعده.
يقول ابن القيم -رحمه الله-: "وقد أجمع عقلاء كل أمة، على أن النعيم لا يدرك بالنعيم، وأن من آثر الراحة فاتته الراحة، وأن بحسب ركوب الأهوال واحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة، فلا فرحة لمن لا همّ له، ولا لذة لمن لا صبر له، ولا نعيم لمن لا شقاء له، ولا راحة لمن لا تعب له، بل إذا تعب العبد قليلاً استراح طويلاً، إنما تُخلق اللذة والراحة والنعيم في دار السلام، وأما في هذه الدار فكلا".
القمم يسكنها العبّاد والزهّاد والمجاهدون والعلماء والدعاة وطلاب العلم، شَمّرَ لِسُكنى القمم السابقون من الأنبياء وأصحابهم ومن سار على منهجهم.
أبو رياض القلموني
07-05-2008, 05:49 PM
إن السكن في القمم هي الحياة التي من حُرمها فهو من جملة الأموات، والنور الساطع الذي يسترشد به الغرباء في بحار ظلمات الدنيا، وهي الشفاء الذي من فقده فقد أصابته جميع الأسقام، وبها تكون اللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام.
إذا هممت فبادر، وإن عزمت فثابر، واعلم أنه لا يُدرِك المَفَاخِر، من رضي بالصف الآخر.
يا طالباً للدعة أخطأت الطريق، علة الراحة التعب، إن لم تكن أسداً في العزم ولا غزالاً في السبق فلا تتثعلب.
من احتشم ركوب الأهوال بقي عن إدراك الآمال، من وجد الله فماذا فقد؟ ومن فقد الله فماذا وجد؟
متى صح منك الود فالكل هينٌ *** وكل الذي فوق التراب تراب
إذا اطّلع الخبير على الضمير فلم يجد في الضمير غير الخبير جعل فيه سراجاً منيراً.
سكان القمم في كل وقت يقل عددهم، ولكن يجلّ قدرهم، حتى إن ماتوا فهم أحياء، فكم من أناس موتى تحيى القلوب بذكرهم، وأناس أحياء تموت القلوب برؤيتهم.
ولو أن فوقي تربةً ودعوتني *** لأجبت صوتك والعظام رفات
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
وتفنى عظام الصبِّ بعد مماته *** وأشواقه وقفٌ عليه محرّم
قال الفاروق عمر -رضي الله عنه-: "لا تصغرنّ همتك، فإني لم أر أقعد بالرجل من سقوط همته".
وقد قيل: "المرء حيث يجعل نفسه، إن رفعها ارتفعت، وإن قصر بها اتضعت".
قال ابن الجوزي -رحمه الله-: "وقد عرفتُ بالدليل أن الهمّة مولودة مع الآدمي، وإنما تقصر بعض الهمم في بعض الأوقات، فإذا حُثّت سارت، ومتى رأيت في نفسك عجزاً فسل المُنعِم، أو كسلاً فالجأ إلى المُوفِق، فلن تنال خيراً إلا بطاعته، ولا يفوتك خير إلا بمعصيته".
وقال -أيضاً- في صيد خاطره: قال الكلب للأسد: يا سيد السباع غيّر اسمي فإنه قبيح، فقال له: أنت خائن لا يصلح لك غير هذا الاسم. قال جربني، قال فأعطاه قطعة لحم وقال له: احفظ هذه إلى الغد وأنا أغيّر اسمك. أخذ الكلب قطعة اللحم وبعد زمن جاع الكلب وجعل ينظر إلى اللحم ويصبر فلما غلبته نفسه قال: وأيّ شيء في اسمي؟ وما كلب إلا اسم حسن، فأكل اللحم.
قال ابن الجوزي: "وهكذا خسيس الهمة، القنوع بأقل المنازل، المختار لعاجل الهوى على آجل الفضائل، فالله الله في حريق الهوى إذا ثار وانظر كيف تطفئه".
المشكلة هي قناعة الشخص بالمستوى الذي هو فيه، فإذا اقتنع بذلك فاعلم أن هذا هو أول خطوة في الانحدار.
إليك نماذج ممن سكنوا القمم:
- فهذا عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه-: يقول عنه شقيق بن عبدالله: مرض عبدالله بن مسعود فعدناه فجعل يبكي فعوتب فقال: إني لا أبكي لأجل المرض، لأني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "المرض كفارة" وإنما أبكي أنه أصابني على حال فترة، ولم يصبني في حال اجتهاد، إنه يكتب للعبد من الأجر إذا مرض ما كان يكتب له قبل أن يمرض فمنعه منه المرض.
- والإمام الطبري: جلس أربعين سنة وهو يكتب كل يوم أربعين ورقة في التأليف.
- وابن الأثير: ألّف كتبه الرائعة كجامع الأصول والنهاية في غريب الحديث بسبب أنه مقعد.
- وابن القيم: كتب زاد المعاد وهو مسافر.
- والقرطبي: شرح صحيح مسلم وهو على ظهر سفينة.
- وشيخ الإسلام ابن تيمية: جُلُّ فتاويه كتبها وهو في السجن.
والسرخسي: أملى كتابه المبسوط نحو خمسة عشر مجلداً وهو محبوس في الجبّ بسبب كلمة نصح بها السلطان، وكان يملي من خاطره من غير مطالعة كتاب، وأصحابه من أعلى الجبّ يكتبون عنه، فقال عند فراغه من شرح العبادات: هذا آخر شرح العبادات بأوضح المعاني وأوجز العبارات، أملاه المحبوس عن الجُمع والجماعات.
- وابن الجوزي يتحدّث عن نفسه فيقول: "نظرت إلى علو الهمة فرأيتها عجباً، وذلك أنني أروم الليل كل العلوم، وهذا أمر يعجز العمر عن بعضه، وأروم نهاية العمل بالعلم مع مطالعة التصانيف وإفادة الخلق، وأروم الغنى عن الخلق، والاشتغال بالعلم مانع من الكسب، وها أنا أحفظ أنفاسي من أن يضيع منها نَفَسٌ في غير فائدة".
- والإمام النووي: وصف حياته لتلميذه ابن العطار، فذكر له أنه كان يقرأ كل يوم اثنى عشر درساً على مشايخه، شرحاً وتصحيحاً: درسين في الوسيط، ودرساً في المهذب، ودرساً في صحيح مسلم، ودرساً في اللمع، ودرساً في إصلاح المنطق، ودرساً في التصريف، ودرساً في أصول الفقه، ودرساً في أسماء الرجال، ودرساً في أصول الدين.
قال: وكنت أعلّق جميع ما يتعلق بها من شرح مشكل، ووضوح عبارة، وضبط لغة، وبارك الله –تعالى- في وقتي.
- وهذا عبد الله بن المبارك: نور مروٍ وجمالها، ونجمها وهلالها، يقول عنه محمد بن أعين -وكان صاحبه في أسفاره-: كان ذات ليلة ونحن في غزاة الروم، ذهب ليضع رأسه ليُرِيَنِي أنه ينام، فقلت: أنا برمحي في يدي قبضت عليه ووضعت رأسي على الرمح كأني أنام كذلك، قال: فظنّ إني قد نمت، فقام فأخذ في صلاته، فلم يزل كذلك حتى طلع الفجر وأنا أرمقه فلما طلع الفجر أيقظني وظنّ أني نائم، وقال: يا محمد، فقلت: إني لم أنم. قال: فلما سمعها مني ما رأيته بعد ذلك يكلمني ولا ينبسط إلي في شيء من غزاته كلها، كأنه لم يعجبه ذلك مني، لما فطنت له من العمل، فلم أزل أعرفها فيه حتى مات، ولم أر رجلاً أسرّ بالخير منه.
عن القاسم بن محمد قال: كنا نسافر مع ابن المبارك فكثيراً ما كان يخطر ببالي فأقول في نفسي: بأي شيء فَضُلَ هذا الرجل علينا حتى اشتهر في الناس هذه الشهرة؟ إن كان يصلي إنا لنصلي؟ وإن كان يصوم إنا لنصوم؟ وإن كان يغزو فإنا لنغزو؟ وإن كان يحج إنا لنحج؟ قال: فكنّا في بعض مسيرنا في طريق الشام ليلة نتعشى في بيت، إذ طُفئ السراج فقام بعضنا فأخذ السراج وخرج يستصبح، فمكث هنية، ثم جاء بالسراج فنظرت إلى وجه ابن المبارك ولحيته قد ابتلت من الدموع، فقلت في نفسي: بهذه الخشية فَضُلَ هذا الرجل علينا، ولعله حين فُقد السراج فصار إلى ظلمة ذكر القيامة.
- وكان علي بن الحسين: يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدق به ويقول: إن صدقة السر تطفئ غضب الرب -عز وجل-.
قال عمرو بن ثابت: لما مات علي بن الحسين فغسّلوه، جعلوا ينظرون إلى آثار سواد بظهره، فقالوا: ما هذا؟ فقيل: كان يحمل جِرَبَ الدقيق ليلاً على ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة.
هذا الذي تعرف البطحاء وطأتَهُ *** والبيت يعرفه والحلّ والحرم
يكاد يمسكه عرفان راحته *** عند الحطيم إذا ما جاء يستلم
إذا رأته قريشٌ قال قائلها *** إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
- وداود بن أبي هند: صام أربعين سنة لا يعلم به أهله ولا أحد، وكان خزّازاً، فيحمل معه غداءه من عندهم، فيتصدق به في الطريق ويرجع عشياً فيفطر معهم، فيظن أهل السوق أنه قد أكل في البيت، ويظن أهله أنه قد أكل في السوق.
سكان القمم من أكثر الناس تعرضاً للبلاء والفتن، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل)).
قال الإمام المناوي -رحمه الله- معلقاً على هذا الحديث: "ومن ظن أن شدة البلاء هوان بالعبد فقد ذهب لُبّه وعمي قلبه، فقد ابتلي من الأكابر ما لا يحصى، ألا ترى إلى ذبح نبي الله يحي بن زكريا، وقتل الخلفاء الثلاثة، والحسين، وابن الزبير، وابن جبير، وقد ضُرب أبو حنيفة وحُبس ومات بالسجن، وجُرّد مالك وضُرب بالسياط وجُذبت يده حتى انخلعت من كتفه، وضُرب الإمام أحمد حتى أُغمي عليه، وقُطِعَ من لحمه وهو حي، وأُمر بصلب سفيان فاختفى، ومات البويطي مسجوناً في قيوده، ونُفي البخاري من بلده".
ويضاف على تعليق المناوي: بأن سُجن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- ومات في سجنه، وفُعل ما فعل بتلميذه ابن القيم، وكان قبل ذلك قد سُجن معه، وأُخرج الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب إلى المقبرة وأُمر الجند أن يطلقوا عليه الرصاص جميعاً، فمزقوا جسمه، وفاضت روحه إلى ربه.
وسجن عدد من أئمة الدعوة المباركة وطُعن في نواياهم وأُسيء بهم الظنّ ونُسِبت إليهم النقائص وهم صابرون محتسبون.
كذا المعالي إذا ما رمت تدركها *** فاعبر إليها على جسر من التعب
إن الجنة غالية لكنها محفوفة بالمكاره، ومن رام السعادة تصدّر لعبور جسر المشقة بالجد والاجتهاد.
ينقسم الناس في سكنى القمم إلى أقسام:
فمن الناس: من يطلب المعالي بلسانه، وليس له همة في الوصول إليها، فهذا متمنِّ مغرور.
ومن الناس: من لا يطلب إلا سفاسف الأمور، وهم فريقان:
فريق ذو همة في تحصيل تلك الدنايا، فتجده السبّاق إلى أماكن اللهو، ومغاني الغواني، وهذا إن اهتدى فسيكون سباقاً إلى المعالي، ذا همة عالية نفيسة، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: ((النَّاسُ مَعَادِنُ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا)) [رواه البخاري ومسلم].
وفريق لا همّ له، فهو معدود من سقط المتاع، وموته وحياته سواء، لا يُفتقد إذا غاب، ولا يُسأل إذا حضر.
ومن الناس: من تسمو مطالبه إلى ما يحبه الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وله همّة عظيمة في تحصيل مطالبه وأهدافه.
وبين هذه الأقسام مراتب كثيرة متفاوتة.
قال ابن القيم -رحمه الله-: "لذة كل أحد على حسب قدره وهمته وشرف نفسه، فأشرف الناس نفْساً، وأعلاهم همةً، وأرفعهم قدراً مَنْ لذتهم في معرفة الله ومحبته، والشوق إلى لقائه، والتودد إليه بما يحبه ويرضاه".
وترى اليوم من تفاوت الهمم أمراً عجباً: فإذا استثنى الناظر في أحوال الناس أمر العامة، واستثناؤهم واجب؛ لأنه قد ماتت هممهم، وقعدت بهم عن تحصيل معالي الأمور، واطلع على أحوال الخاصة وهم الدعاة، وطلاب العلم وشباب الصحوة، سيصاب بالدهشة لما يراه من فتور الهمّة.
فمنهم: من إذا قرأ ساعة في اليوم، ظن أنه قد أتي بما لم يأت به الأوائل.
ومنهم: من إذا خرج لزيارة فلان من الناس بقصد الدعوة يظن أنه قد قضى ما عليه.
ومنهم: من تتغلب عليه زوجة وعيال فيقطع عامة وقته في مرضاتهم.
ومنهم: من اقتصر في تحصيل العلم على سماع بعض الأشرطة، وحضور محاضرة، أو اثنتين في الأسبوع أو الشهر.
ومنهم: من غلب عليه الركون إلى الدنيا، والتمتع بمباحاتها تمتعاً يفضي به إلى نسيان المعاني العلية.
وهكذا يندر أن تجد إنساناً استطاع أن يعلو بهمته، ويجمع شمله، ويقصر من الاعتذارات والشكايات، فتصبح حياته -مثلاً- أعلى يحتذي به.
ولا أحد يزعم أن جمهور الصحوة قد فات عليه أمر الهمّة وعلوها، ولكن القليل هم الذين يستثمرون هممهم حق الاستثمار، ويحاولون أن يرتقوا بأنفسهم حق الارتقاء.
يقول الشيخ المودوديّ -رحمه الله-: "إنه من الواجب أن تكون في قلوبكم نار متّقدة تكون في ضرامها على الأقل مثل النار التي تتقد في قلب أحدكم عندما يجد ابناً له مريضاً، ولا تدعه حتى تجرّه إلى الطبيب، أو عندما لا يجد في بيته شيئاً يسد به رمق حياة أولاده فتقلقه، وتضطره إلى بذل الجهد والسعي".
إن تحقيق كثير من الأمور مما يعده عامة الناس خيالاً لا يتحقق، يستطيع سكان القمم -بتوفيق الله لهم أولاً، وبهمتهم ثانياً- إنجاز كثير من الأعمال التي يستعظم بعضها من قعدت به همته ويظنها خيالاً.
وأعظم مثال على هذا: سيرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، إذ المعروف عند أهل التواريخ أن بناء الأمم يحتاج إلى أجيال لتحقيقه، لكنه -صلى الله عليه وسلم- استطاع بناء خير أمة أخرجت للناس في أقل من ربع قرن، واستطاعت هذه الأمة أن تنير بالإسلام غالب الأجزاء المعروفة آنذاك، وجهاده -صلى الله عليه وسلم- وعمله وهمته العالية في بناء الأمة أمرٌ معروف، وهو مما تقاصر عنه أطماع أهل الهمم العالية وخيالاتهم وما يتطلعون إليه.
والصدِّيق -رضي الله عنه- استطاع في أقلَّ من سنتين أن يَخرُجَ من دائرة حصار المرتدين، ولم يمت إلا وجيوشه تحاصر أعظم إمبراطوريتين في ذلك الوقت، هذا وقد نهاه كبار الصحابة عن حرب المرتدين، وظنوا أنه لا يستطيع أن يقوم في وجه العرب كلهم، ولكن همته العالية أبَتْ عليه ذلك، واستطاع أن ينجز ما ظنه الناس خيالاً لا ينجز.
سكان القمم: يُعتمد عليهم، وتناط بهم الأمور الصعبة وتوكل إليهم، وهذا أمر مشاهد معروف.
سكان القمم: أحدهم يكون بمثابة فريق من الدعاة، يرفع الله به الدعوة درجات، وقد قيل: "ذو الهمّة -وإن حط نفسه- تأبى إلا العلو، كالشعلة من النار يخفيها صاحبها وتأبى إلا ارتفاعاً".
سكان القمم: قدوة في مجتمعهم، يَنظُر إلى حاله القاعدون، وأنصاف الكسالى والفاترون، فيقتدون بهمته، ويرون ما كانوا يظنونه أمراً مسطوراً في الكتب القديمة قد انتهى وعُدم من دنيا الناس، يرونه واقعاً متحققاً في حياتهم، فيظل هذا الشخص رمزاً للناس ومحل ضرب أمثالهم.
أظنك -يا أخي الحبيب- تريد بعد هذا أن تكون من سكان القمم.
إن الارتقاء بالنفس أمر مطلوب، ويتأكد هذا عند عقلاء الناس ودعاتهم ومصلحيهم، وأظنك منهم، وهذه جملة أمور تساعدك على ذلك:
أولاً: المجاهدة: فبدونها لا يتحقق شيء قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}[(69) سورة العنكبوت].
من لم يباشر حرّ الهجير في طلب المجد، لم يَقِل في ظل الشرف.
خُلق الإنسان في كبد ونصب، هناك من يكدح في سبيل نزوة وشهوة، والعظيم يكدح في سبيل عقيدة ودعوة، وليس للعابد مستراح إلا تحت شجرة طوبى.
قف بالديار فهذه آثارهم *** تبكي الأحبة حسرةً وتشوّقا
كم قد وقفتُ بها أسائل مخبراً *** عن أهلها أو صادقاً أو مشفقا
فأجابني داعي الهوى في رسمها *** فارقتَ من تهوى فعزّ الملتقى
ثانياً: الدعاء الصادق والالتجاء إلى الله تعالى: فهو المسؤول سبحانه أن يقوى إرادتنا، ويعلى همتنا، ويرفع درجاتنا.
إنه الدعاء: شمّر إليها السالكون، وأمّها القاصدون، ولحظ إليها العاملون فنسألك اللهم أن تجعلنا منهم.
ثالثاً: اعتراف الشخص بقصور همته، وأنه لا بد له أن يطورها، ويعلو بها: وهذا أمر أَولِيّ نفسي، ومن ثَمَّ لابد أن يعتقد أنه قادر على أن يكون من سكان القمم.
رابعاً: قراءة سير سلف الأمة: أهل الاجتهاد ممن سكنوا القمم، الذين صان الله بهم الدين، إنها خير وسيلة لإشعال العزائم، وإثارة الروح الوثابة، وقدح المواهب، وإذكاء العزمات، وتقويم الأخلاق، والتسامي إلى معالي الأمور والترفع عن سفسافها.
إن قراءة سير النبغاء الصلحاء، والتملي في اجتلاء مناقب الصالحين الربانيين، خير مهماز لرفع الهمم، وشد العزائم، وسمو المقاصد، وإنارة القلوب، وإخلاص النيات، وتفجير النبوغ والطاقات، والصبر على اجتياز العقبات.
إن أخبار العلماء العاملين والنبهاء الصالحين تغرس الفضائل في النفوس، وتدفعها إلى تحمل الشدائد والمكاره في سبيل الغايات النبيلة والمقاصد الجليلة، وتبعثها إلى التأسي بذوي التضحيات والعزمات، لتسمو إلى أعلى الدرجات وأشرف المقامات.
وقد قيل: الحكايات جندٌ من جنود الله –تعالى- يثبت الله بها قلوب أوليائه، قال الله تعالى: {وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} [(120) سورة هود].
قال الإمام ابن الجوزي -رحمه الله-: "لو قلت إني طالعت عشرين ألف مجلد كان أكثر، وأنا بعد في الطلب، فاستفدت بالنظر فيها من ملاحظة سير القوم، وقدر هممهم وحفظهم وعباداتهم وغرائب علومهم ما لا يعرفه من لم يطالع، فصرت أستزري ما الناس فيه، وأحتقر همم الطلاب ولله الحمد". انتهى..
خامساً: مصاحبة بعض من سكن القمم: إذ كل قرين بالمقارن يقتدي، والنظر في أحواله وما هو عليه، وكيف يُختصر له الزمان اختصاراً، هذا من أعظم البواعث على علو الهمّة؛ لأن البشر قد جبلوا على الغيرة والتنافس ومزاحمة بعضهم بعضاً، وحب المجاراة في طبائع البشر أمر لا ينكر.
فاتخذ من ساكني القمم أعواناً، واخلط نفسك مع الأبرار، وطهّرها من الفجار، واجتنب الصغار الأخطار، فالمرء يعرف بقرينه، فاصحب من يحملك في سيرك إلى الله لا من تحمله، من يعظك بلحظه قبل وعظه بلفظه.
ولا تتخذ بالسير رفقة قاعد *** ودعه فإن الشوق يكفيك حاملا
سادساً: مراجعة جدول الأعمال اليومي، ومراعاة الأولويات، والأهم فالمهم: وهذا أمر مفيد في باب تطوير الهمّة، إذ كلما كان ذلك الجدول بعيداً عن الرتابة والملل، كان أجدى في معالجة الهمّة.
سابعاً: التنافس والتنازع بين الشخص وهمته: فعلى مريد تطوير همته أن يضيف أعباءً وأعمالاً يومية لنفسه لم تكن موجودة في برنامج حياته السابق، بحيث يُحدِثُ نوعاً من التحدي داخل نفسه؛ لإنجاز ما تحمّله من أعباء جديدة، ويجب أن تكون هذه الإضافة مدروسة بعناية وإحكام حتى لا يصاب الشخص بالإحباط واليأس.
ثامناً: العزم على الكمالات: فمن استوى عنده العلم والجهل، أو كان قانعاً بحاله وما هو عليه، فكيف تكون له همة أصلاً.
قال الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: "إن نفسي توّاقة، وإنها لم تعط من الدنيا شيئاً إلا تاقت إلى ما هو أفضل منه، فلما أعطيت ما لا أفضل منه في الدنيا، تاقت إلى ما هو أفضل منه -يعنى الجنة-".
تاسعاً: التحول عن البيئة المثبطة: إن الماء يفسد بقربه من الجيف وكذا الهواء، فكيف بأنفاس العصاة، ألا تنظر إلى فعل المعصية بآبار ثمود بعد آلاف السنين؟ لما مرّ عليها الصحابة وأرادوا أن يستقوا منها، منعهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأمرهم أن يلقوا بعجينهم إلى النواضح.
عاشراً: واقع المسلمين المرّ: في تاريخ الأمم كبواتٌ وعثراتٌ وآلام، إلاّ أن الأمة الحيّةَ تنهض من كبوتها، وتتجاوز آلامها، بل تكون هذه الآلام باعثاً لها على العمل والجد والكفاح حتى النصر.
وفي تاريخ الأمة صعودٌ وهبوط، ضَعُفَ الرجالُ في فترات تاريخية، ثم أنجبت الأمة رجالاً غيّروا مسار التاريخ.
وإذا كان تاريخُ الأمة التي فضَّلها الله على غيرها من الأمم قد اختلّ، فإن الحاضر الماثل أمامنا اليوم يدلُّ على مولِد الكثيرين الذين يستعدُّون لحمل راية الإسلام، وتغيير مسار التاريخ من جديد.
إن الأحداث الجسام التي تمرّ بها الأمة تبعث الهمَّة وتوقد العزائم.
هذا تاريخ الإسلام يَحكي أن حَالات الضعف والتردِّي وتسلُّط الأعداء يحرّك الأمةَ؛ لتستردَّ التفكير السليم، والعمل الجادَّ الذي تردّ به المعتدي وتستعيد به عزّها ومجدَها.
في مثل هذه الأحداث تنجب الأمة أبطالاً مجاهدين وعلماء عاملين، فعَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ)). [رواه الترمذي]،وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((لَا يَزَالُ اللَّهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ)). [رواه ابن ماجة].
وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا)). [رواه مسلم].
الحادي عشر: الابتعاد عن كل ما من شأنه الهبوط بالهمّة وتضييعها: كثير من الصالحين تضيع طاقاتهم في أمور لا تعود عليهم بالنفع، بل قد يكون فيها كثير من الضرر.
إن كثيراً من الشباب له رغبة ملحة في أن يكون من سكان القمم، وبعضهم لا يدري من أين يبدأ، ولعل الانخراط في إحدى الجمعيات القائمة، أو الهيئات المنتشرة، أو اللجان المتاحة، أو الأعمال الاغاثية الواسعة، أو جمعيات البر، أو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو جمعيات تحفيظ القرآن الكريم، أو المؤسسات الخيرية، أو غيرها، لهو خير وسيلة لتفريغ طاقات أعداد من الشباب لا يدرون كيف يقضون أوقاتهم.
ولعل الأنسب أن يُترك الشاب يختار لنفسه مجالاً يبدع فيه ويَبرُز، ويكون عطاؤه من خلاله، فمن وجد من نفسه انصرافاً للعلم وتحصيله فليقبل عليه، ومن وجد منها ميلاً إلى الأعمال الخيرية والإغاثية فليشارك إخوانه، ومن وجد قدرة على الاحتساب فليبادر، ومن وجد منها حباً للجهاد ومقارعة الأعداء فلا يتوان من المشاركة في الثغور، ولكل وجهة هو موليها.
وأعلى مطلب تسمو له قلوب سكان القمم جنة الله –تعالى-: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}[(26) سورة المطففين].
مطلب يستحق المنافسة، وأفق تستحق السباق، وغاية تستحق الغلاب، الذين يتنافسون في شيء من أشياء الأرض، مهما كبر وجل وارتفع وعظم، إنما يتنافسون في شيء حقير فانٍ قريب، والدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة هزيلة، فَهَوِّن من شأنها، وارفع نفسك عنها.
إياك أن تكون ممن قال فيهم يحيى بن معاذ الرازي: عَمِلَ لِسَراب، قلبٌ من التقوى خراب، وذنوب بعدد الرمل والتراب، ثم تطمع في الكواعب الأتراب، هيهات، أنت سكران بغير شراب، ما أكملك لو بادرت أملك، ما أجلّك لو بادرت أجلك، ما أقواك لو خالفت هواك، يا هذا لقد أعظمت المهر وأسأت الخطبة.
إنها الجنة التي اشتاق إليها الصالحون من هذه الأمة:
فهذا عمير بن الحمام: الصحابي الجليل، في يوم بدر يسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض)) يقول عمير: يا رسول الله جنة عرضها السماوات والأرض؟ قال: ((نعم)) قال: بخ بخ.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما يحملك على قول: بخ بخ؟)). قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها قال: ((فإنك من أهلها)) قال: فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهنّ، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، قال: فرمى ما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل -رحمه الله-.
هذا نموذج من سكان القمم.
وهذا سيد بني سلمة عمرو بن الجموح -رضي الله عنه- كان رجلاً أعرج شديد العرج، فلما كان يوم أحد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قوموا إلى الجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين))، فقام وهو أعرج، فقال: فوالله إني لأرجوا أن أطأ بعرجتي هذه الجنة. فقاتل حتى قتل.
وهذا خيثمة بن الحارث -رضي الله عنه-: استهم يوم بدر مع ابنه سعد، فخرج سهم سعد، فقال له أبوه: يا بُني آثرني اليوم، فقال له سعد: يا أبتِ لو كان غير الجنة فعلت، فخرج سعد إلى بدر فقتل فيها، وما زال أبوه خيثمة يتطلع إلى الجنة حتى كان يوم أحد، فأتى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال يا رسول الله: لقد أصبحت مشتاقاً إلى مرافقة ابني سعد في الجنة وقد كبرت سني ورق عظمي وأحببت لقاء ربي، فادع الله يا رسول الله أن يرزقني الشهادة، ومرافقة سعد في الجنة، فدعا له النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك فقتل بأحد شهيداً -رضي الله عنه- وأرضاه.
يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله- في هذا المطلب العظيم لسكان القمم: "لما علم الموفقون ما خلقوا له وما أريد بإيجادهم رفعوا رؤوسهم، فإذا علم الجنة قد رُفع لهم، فشمّروا إليه، وإذا صراطها المستقيم قد وَضَحَ لهم فاستقاموا عليه، ورأوا من أعظم الغبن بيع ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، في أبدٍ لا يزول، ولا ينفدُ بصبابةِ عيش إنما هو كأضغاث أحلام، أو كطيف زار في المنام، مشوب بالنَغَص، ممزوج بالغُصص، إن أضحك قليلاً أبكى كثيراً، وإن سرّ يوماً أحزن شهوراً، آلامه تزيد على لذاته، وأحزانه أضعاف أضعاف مسراته، أوله مخاوف، وآخره متالف. فيا عجباً من سفيه في صورة حليم، ومعتوه في مسلاخ عاقل، آثر الحظ الفاني الخسيس، على الحظ الباقي النفيس، وباع جنة عرضها الأرض والسماوات، بسجن ضيق بين أرباب العاهات والبليات، ومساكن طيبة في جنات عدن تجري من تحتها الأنهار، بأعطانٍ ضيقة آخرها الخراب والبوار.
فوا عجباً لها كيف نام طالبها؟ وكيف لم يسمح بمهرها خاطبها؟ وكيف طاب العيش في هذه الدار بعد سماع أخبارها؟ وكيف قرّ للمشتاق القرارُ دون معانقة أبكارها؟ وكيف قرت دونها أعين المشتاقين؟ وكيف صبرت عنها أنفس الموقنين؟ وكيف صدفت عنها قلوب أكثر العالمين؟ وبأي شيء تعوضت عنها نفوس المعرضين؟".
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنـزل، ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة)).
يا سلعة الرحمن لست رخيصة *** بل أنت غالية على الكسلان
يا سلعة الرحمن ليس ينالها *** في الألف إلا واحد لا اثنان
يا سلعة الرحمن ماذا كفؤها *** إلا أولو التقوى مع الإيمان
يا سلعة الرحمن سوقك كاسد *** بين الأراذل سفلة الحيوان
يا سلعة الرحمن أين المشتري *** فلقد عرضت بأيسر الأثمان
يا سلعة الرحمن هل من خاطب *** فالمهر قبل الموت ذو إمكان
يا سلعة الرحمن كيف يصبر *** الخُطّاب عنك وهمُ ذو إيمان
يا سلعة الرحمن لولا أنها *** حجبت بكل مكاره الإنسان
ما كان عنها قط من متخلف *** وتعطلت دار الجزاء الثاني
لكنها حجبت بكل كريهة *** ليصد عنها المبطل المتواني
وتنالها الهمم التي تسمو إلى *** رب العلى بمشيئة الرحمن
اتعب ليوم معادك الأدنى تجد *** راحاته يوم المعاد الثاني
والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم...
الشيخ ناصر الأحمد
Powered by vBulletin® Version 4.1.11 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir