المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون)! منهج فريد ...أين غيبناه؟!



أبو محمد القلموني
08-12-2006, 11:06 PM
الحمد لله الذي لا طاعة لغيره و لا إنقياد إلا لأمره و نهيه و الصلاة و السلام على من لا نبي من بعده و بعد:

فإن إعمال العقل و تحريك أدوات العلم مقصد كبير من مقاصد ديننا العظيم ولو ذهبت تحصي الآيات و الأحاديث الدالة على فضل العقل و فضيلة التعقل لانقضت ساعات العمر دون تحقيق هذا المطلب. ففي كتاب الله عز وجل لا تخلو سورة من الحض على التفكر و التدبر و المحاكمة العقلية. بل إن خطابات القرآن كلها موجهة إلى العقل ؛ تتوسطه لتقرير الحقائق الكبرى وغرز التصورات الصحيحة في القلب. وفي الإسلام ينقطع التكليف بذهاب العقل أو تغيبه ، إلا إذا كان تغيبه بسبب تعاطي أسباب معينة باشرها المرء . فإن هذه الحالة يختلف فيها أهل العلم ولهم فيها تفصيل يتفقون في بعضه و يتباينون في بعضه الآخر. والمسألة معروفة و مطروقة لكن المقام الآن لا يناسب بسطها.

وليس في الأرض دين أو مذهب أو منهج يحض الناس على فتح العقول وتحريك أدوات العلم لتستقبل و ترصد وتحلل كدين الإسلام. وليس في الأرض رجل يدعو أصحابه إلى الشك و المراجعة الفكرية و المحاكمة المنطقية كما يفعل حبيب قلوبنا محمد صلى الله عليه و سلم القائل بأبي هو و أمي: (نحن أحق بالشك من إبراهيم) ! والذي أوحي إليه أول ما أوحي قول الله عز وجل : (إقرأ باسم ربك). لتكون (إقرأ) داعية إلى فتح القلوب و العقول و (باسم ربك) محطمة للعصبيات و العادات و جميع القيود والأغلال الفكرية ، مطلقة قراءة متجردة دقيقة لا تعترف بالخطوط الحمراء!

وبهذا النداء ، نداء (إقرأ) خرج العرب من جهلهم و عصبياتهم و خرافاتهم و تخلفهم ، وعلى إيقاعه الساحر تشكلت عقول تعشق التجرد وتهيم باليقين بعد أن كانت غارقة في الجهل المركب و التصورات السخيفة المرذولة! فأقاموا حضارة أنارت بتحررها و إنطللاقها و تفتحها صفحات الأرض و التاريخ نورا و علما و داست بقيمها الشامخة ، المنبثقة من عقيدتها التحريرية ، التبعية و الطبقية و العبودية في كل صورها و أشكالها ! فلا تبعية إلا للوحي و لا عبودية و لا خضوع إلا لبارئ هذا الوجود ! وهذه هي الحرية الحقيقية لا حرية البرلمانات الزائفة و الديمقراطيات الماكرة التي يحكمها و يحكم بها رأس المال !

وهذه الصورة كما هي واضحة و جلية في نصوص الكتاب و السنة هي كذلك في منهج الصحابة الكرام و مجتمعهم حتى كانت دينا يتدينون به و قربة يتقربون بها إلى الله. والأدلة على ذلك كثيرة و وافرة. منها على سبيل المثال لا الحصر ما رواه ابن المبارك في كتاب الزهد عن عون بن عبد الله قال : ( قلت لأم الدرداء : أي عبادة أبي الدرداء كان أكثر ؟ قالت : التفكر و الإعتبار )!!!
و ليس العجب من صنيع أبي الدرداء بقدر ما هو من قولة أم الدرداء ، كيف لفت هذا الأمر إنتباهها في زوجها؟! و كيف إستطاعت تلمسه؟! ثم كيف صاغته جوابا عفويا رائعا ودقيقا!
فمجتمع تحتفي نساؤه بالعقل و التفكر و تراه دينا يتدين به و عبادة تقرب من الله عز و جل ، كيف ستكون قيمه وتربيته و عمارته للأرض و تعامله مع الآخر ؟!
فأين رجالنا اليوم من هذا الذي كان عليه أبو الدرداء؟ وهل في نسائنا من يحتفي بمثل ما تحتفي به أم الدرداء و نساء الصحابة جميعا؟!

لقد كان الإسلام في فهمهم و منطقهم هو حركة فكرية نقدية مستمرة تغذيها النصوص و تصقلها العبادات. لا يوجد في الإسلام مفرق طريق واحد يقول فيه هذا الدين للناس الآن ألغوا عقولكم و إخلعوا عنكم لباس المنطق و سيروا إلى الأمام في الظلمة!

هذا كان هو المنهج الذي ركز في نفوسهم و أعاد تشكيل عقولهم وهم يتلقون تصورات القرآن الجديدة التي تشرح لهم حقيقة وجودهم الطارئ. فالقرآن في سياق تقريره للحقائق يفتح القلوب و العقول و يحركها بقوة في جميع الإتجاهات حتى تتحرر تحررا حقيقيا يؤهلها لرصد الآيات و البراهين المثوثة في الكون و الوجود كله.

وكان هذا المنهج الذي غرس فيهم التوحيد غرسا في أعماق نفوسهم و عقولهم ، هو المنهج الذي به شادوا حضارة دانت لها المشارق و المغارب.

فالإسلام باختصار شديد هو حقيقة كونية ساحرة ترصد بعقل حر متفتح منطلق ، و خلق إنساني غاية الغاية في النبل ينبثق من تلك الحقيقة. إنه أن تفتح عقلك على مصراعيه لترى الحقيقة فتستمتع بها إستمتاعا يهز شخصيتك هزا عنيفا فيبدلها لتصير بهذه الشخصية الجديدة ذا سلوك رائع يسحر من حولك!

ولهذا و غيره لم يأت الإسلام إلى العرب ليقول لهم من اليوم الأول : لا تشربوا الخمر ، لا تزنوا ، لا يلبسن رجالكم الذهب و الحرير ، ولا تخرجن نساؤكم سافرات الخ ... كما يفعل البعض منا اليوم إذا ما أراد الدعوة! بل جاء خطابه لهم في أعلى درجات التعقل و الدقة ، فأسمعهم كلاما منطقه أحلى من الشهد و وقعه على الأسماع أوقع من السحر ، قال لهم : ( إقرأ باسم ربك الذي خلق) . إقرأ ليرتفع الجهل ! و باسم ربك لترتفع العصبيات!!! هكذا بكلمات يسيرة حلت مشكلة العرب و تحولوا من أمة جاهلة فقيرة معدمة متفرقة تعبد الأحجار وتتنازعها العصبيات المنتنة إلى أمة تقود العالم !

جاء عراقي إلى عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فسألها عن الكفن فلم تجبه وقالت له جملة عجيبة ، غريبة في مضمونها غربة شديدة عن مفاهيمنا السائدة ، قالت له : ويحك و ما يضرك؟!!!!! أحقا هذه عائشة أم المؤمنين؟! أليست هي هي من روى حديث الكفن الذي أخرجه البخاري؟! كيف تمتنع عن إجابة العراقي بل و تصف ما يريده من الجواب بأنه مما لا يضره إذا جهله؟! أليس هذا كتما للعلم؟!

أليس هذا ما نقوله نحن لمن يصنع صنيع عائشة اليوم؟!

فلننصت بخشوع و تفكر إلى بقية كلام عائشة رضي الله عنها وفيه توجيه نفيس لدعاة اليوم يكتب بماء الذهب. قالت له : ( إن أول ما نزل سورة من المفصل فيها ذكر الجنة و النار حتى إذا ثاب الناس للإسلام نزل الحلال و الحرام ، ولو نزل أول ما نزل لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبدا. وما نزلت البقرة و آل عمران إلا و أنا جارية عنده في المدينة) !!!!!

فهذا النص و قبله النص الذي فيه قولة أم الدرداء العظيمة شاهد صارخ على حقيقة ، يريد لها أعداء الدين أن تكون غائبة متوارية. فيسهل عليهم وضع هذا الدين في موضع المتهم الذي يحتاج إلى أن يدافع عن نفسه! في الوقت الذي يجب أن ينطلق إلى العالمين جميعا ليبشر بما بشر به محمد صلى الله عليه و سلم فيفتح قلوبا غلفا و أعينا عميا و ليصرخ في الناس جميعا صرخة التحرير الحقيقية : جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد و من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة و من جور الأديان إلى عدل الإسلام!

فهل نسمع نحن هذه الصرخة اليوم لنكون رجعها و صداها في فكرنا و سلوكنا و منهجنا و تعاملاتنا؟!

shanzimer6
09-12-2007, 02:01 PM
السلام عليكم:
بارك الله بك أخي الكريم على هذا الموضوع....

الزاهر
09-12-2007, 10:54 PM
وهي راح على دفتر الملاحظات للتمحيص!!!

مشكور أبو محمد!!!

دوكر
10-12-2007, 02:09 AM
يا هلا بالاخ ابو محمد الألموني...
ح ؤلا...و منو من باب المجاملة....كلامك من اروع الكلام...ما شاء ببين عن فهم معمء... مبعرف كيف بدي عبرلك عن الشعور لحسيتو بعد كلماتك...انسب الشي اني احبك في الله...
يعطيك العافية...موضوع جد مميز...
اخوكم دوكر المعوكر...

الزاهر
19-12-2007, 12:15 AM
بالمناسبة يعني......هاد الموضوع انفتح في 8-12-2006......وأعيد إلى الجبهة في 9-12-2007......

الزاهر
29-10-2008, 05:07 AM
بصراة ... الآن حتى توضحت لي بعض الأمور التي كانت خفية علي عند أول قراءة منذ عام للموضوع !!! :)