أبو محمد القلموني
23-12-2006, 11:00 AM
هذه الأيام تؤم وفود المسلمين من جميع أقطار الأرض مكة المكرمة ، لأداء فريضة الحج بعقول ولهة و قلوب عاشقة تلبي بإخلاص من أعماق أعماقها : لبيك اللهم لبيك ، ليزيدها هذا النداء هياما و غراما ترق له النفوس و تقشعر للذته الأبدان . وهل فوق لذة العبودية لذة؟! أليست العبودية هي المقام الأرفع الذي يليق بالإنسان ؟ أليس بعبوديته و إخلاصه لربه و مولاه ينعتق من كل رق و كل خضوع إلا رقه و خضوعه لله المتفضل المنعم واجد الوجود؟ وهل من كلمة هي أشد على الطواغيت والأرباب الباطلة من هذه الكلمة الخالدة يسمعها الحجيج لهم فترتعد فرائصهم و يتقهقر و ينزوي جبروتهم الزائف؟!
لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ... لا نشرك بك زعيما و لا ابن زعيم و لا وطنا ولا حزبا و لا شيخا و لا قبيلة ... لا ننقاد لسواك و لا تلتفت قلوبنا لغيرك . أنت مالك كل شيء و لا أحد يشركك في قطمير من ملكك ، و أنت وحدك المتفضل بالنعم كلها ليس لأحد غيرك يد فيها على الإطلاق ... كلمات ساحرة تمتص الهموم و تبتلعها لترمي بها خارج ساحات النفس و الفكر !
و في مثل هذه الأيام قبل عقود طويلة من الزمن يتلقى إبراهيم عليه السلام الأمر الإلهي الأقدس ليخوض إمتحان الحب الحقيقي . فينصاع لأمر مولاه ويبادر بنفس راضية فرحة إلى تقديم أغلى ما يقدمه محب لمحبوبه!
إبراهيم الوالد يتقدم لذبح ولده و ثمرة فؤاده إسماعيل عليه السلام ليعلن بهذا الإنصياع أنه لا حب في قلبه يعلو على حب الله. لقد أحب إبراهيم ربه حبا تتقاصر في وصفه الألسن فحمله هذا الحب على الجود بما هو أغلى من نفسه التي بين جنبيه. وأحب إسماعيل ربه حبا تحار له العقول ، جعله لا يتردد في بذل حياته لبارئه و مولاه.
أليس هذا درسا رائعا في التوحيد؟ هل في الوجود كله من يستطيع أن يملي علينا مذكرة أو درسا أو محاضرة في التوحيد تبلغ من نفوسنا ما يبلغه هذا الدرس الإلهي الأقدس؟! فهنيئا لمن ثنى ركبيته و زاحم المحبين إليه!
كثيرون هم الناس الذين يشكون هموما تضاعفها الأيام و تعمقها الليالي ، يهيمون في كل واد بحثا عن شيء يخففها بعد إذ يئسوا من رفعها ؛ يقتتلون على أعواد الشهوات الزائفة ينكتون ويحرقون بها قلوبهم ! فلا تزيدهم إلا هموما و أحزانا! يتلفتون يمنة و يسرة ... يجالسون هذا و ذاك ... يبحثون عن العبث ولكن عبثا يصلون إلى مرادهم بل يزدادون منه مع الأيام بعدا ! إذا فتشتهم في أحوال يقظتهم وجدتهم في يأس و قنوط و غموم تنوء بها الجبال ... فإذا قصدتهم في أوقات غفلاتهم وجدت جثامينا ألغيت منها العقول يخبط بعضهم بعضا في الظلمة ، يهربون من اليقظة و يستبسلون لأجل تطويل زمن الغفوة!
فإلى هؤلاء المعذبين الحيارى نطلق صرخة نرجو أن تبلغ قلوبهم و عقولهم لتحررهم من قيد البؤس الذي شل حركتهم ، و أقعدهم في غير مقامهم حتى اجتالتهم شياطين الأحزان و الأوهام!
بادئ ذي بدء حرروا عقولكم من التبعية وثقوا بها وسيلة للإنعتاق من قيد البؤس و الأحزان. أنظروا في كينونتكم و فتشوا أصل وجودكم . ألستم عن من أحدثكم و خلقكم غافلون و منه إلى خلقه و مخلوقاته تفرون! فهل يصح في العقل مذهبكم؟ وهل على مثله المعول في تصرفات معيشتكم؟ هل منكم من ينشغل بالعبد عن سيده ؟ و هل فيكم من يلهث وراء الأسباب الصماء العمياء و يذر مسببها السميع البصير؟!
كيف تطلبون حياة لائقة و أنتم تهدرون كرامتها و تضعونها في غير موضعها؟
لو أردتم ما افتقدتموه من السعادة فها هي في مرمى أبصاركم ، فحطموا أغلالكم و سيروا إليها. إنها في ترك الأغيار و الإقبال على الجبار . إنها أن تضع الدنيا كلها بزينتها و بهرجها تحت قدميك و تأتي إلى ربك منكسرا ذليلا تنيخ رحلك ببابه و تعفر وجهك عند أعتابه و تستمتع بالتذلل بين يديه . أترك كل أحمال الشهوة بعيدا و انطلق متخففا من كل شيء إلا من حبك لمولاك الذي وهبك كل نعمة ترفل بها .
السعادة تعني أن تفر إليه و تستغني به ليصير محبوبك الأعلى الذي تضحي من أجله بنفسك و نفيسك و كل ما تملك. وهذا هو الأضحى و هذه هي الهدية التي يفيضها على الحزانى و الحيارى!
وصدق الله القائل : ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله و الذين آمنوا أشد حبا لله ) فكن منهم يا مهموم لينقلب همك فرحا و خوفك أمنا ، و ألمك لذة لا نظير لها. فإنه قد مضت سنة الله في خلقه أنه لا يدخل جنة الآخرة من لم يدخل جنة القرب في الدنيا. عرفنا ذلك من قوله تعالى : ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا و نحشره يوم القيامة أعمى ) بمفهوم المخالفة. ومن قوله تعالى: ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة و لنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) بمفهوم الموافقة ، ومن آيات أخرى وافرة و متوافرة في بيان هذه السنة و تجليتها.
اللهم اجعلني و إخواني ممن تكرمهم بجنتي الدنيا و الآخرة. إنك سميع قريب مجيب. وكل عام و أنتم بخير وفضل من الله في دينكم و دنياكم.
لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ... لا نشرك بك زعيما و لا ابن زعيم و لا وطنا ولا حزبا و لا شيخا و لا قبيلة ... لا ننقاد لسواك و لا تلتفت قلوبنا لغيرك . أنت مالك كل شيء و لا أحد يشركك في قطمير من ملكك ، و أنت وحدك المتفضل بالنعم كلها ليس لأحد غيرك يد فيها على الإطلاق ... كلمات ساحرة تمتص الهموم و تبتلعها لترمي بها خارج ساحات النفس و الفكر !
و في مثل هذه الأيام قبل عقود طويلة من الزمن يتلقى إبراهيم عليه السلام الأمر الإلهي الأقدس ليخوض إمتحان الحب الحقيقي . فينصاع لأمر مولاه ويبادر بنفس راضية فرحة إلى تقديم أغلى ما يقدمه محب لمحبوبه!
إبراهيم الوالد يتقدم لذبح ولده و ثمرة فؤاده إسماعيل عليه السلام ليعلن بهذا الإنصياع أنه لا حب في قلبه يعلو على حب الله. لقد أحب إبراهيم ربه حبا تتقاصر في وصفه الألسن فحمله هذا الحب على الجود بما هو أغلى من نفسه التي بين جنبيه. وأحب إسماعيل ربه حبا تحار له العقول ، جعله لا يتردد في بذل حياته لبارئه و مولاه.
أليس هذا درسا رائعا في التوحيد؟ هل في الوجود كله من يستطيع أن يملي علينا مذكرة أو درسا أو محاضرة في التوحيد تبلغ من نفوسنا ما يبلغه هذا الدرس الإلهي الأقدس؟! فهنيئا لمن ثنى ركبيته و زاحم المحبين إليه!
كثيرون هم الناس الذين يشكون هموما تضاعفها الأيام و تعمقها الليالي ، يهيمون في كل واد بحثا عن شيء يخففها بعد إذ يئسوا من رفعها ؛ يقتتلون على أعواد الشهوات الزائفة ينكتون ويحرقون بها قلوبهم ! فلا تزيدهم إلا هموما و أحزانا! يتلفتون يمنة و يسرة ... يجالسون هذا و ذاك ... يبحثون عن العبث ولكن عبثا يصلون إلى مرادهم بل يزدادون منه مع الأيام بعدا ! إذا فتشتهم في أحوال يقظتهم وجدتهم في يأس و قنوط و غموم تنوء بها الجبال ... فإذا قصدتهم في أوقات غفلاتهم وجدت جثامينا ألغيت منها العقول يخبط بعضهم بعضا في الظلمة ، يهربون من اليقظة و يستبسلون لأجل تطويل زمن الغفوة!
فإلى هؤلاء المعذبين الحيارى نطلق صرخة نرجو أن تبلغ قلوبهم و عقولهم لتحررهم من قيد البؤس الذي شل حركتهم ، و أقعدهم في غير مقامهم حتى اجتالتهم شياطين الأحزان و الأوهام!
بادئ ذي بدء حرروا عقولكم من التبعية وثقوا بها وسيلة للإنعتاق من قيد البؤس و الأحزان. أنظروا في كينونتكم و فتشوا أصل وجودكم . ألستم عن من أحدثكم و خلقكم غافلون و منه إلى خلقه و مخلوقاته تفرون! فهل يصح في العقل مذهبكم؟ وهل على مثله المعول في تصرفات معيشتكم؟ هل منكم من ينشغل بالعبد عن سيده ؟ و هل فيكم من يلهث وراء الأسباب الصماء العمياء و يذر مسببها السميع البصير؟!
كيف تطلبون حياة لائقة و أنتم تهدرون كرامتها و تضعونها في غير موضعها؟
لو أردتم ما افتقدتموه من السعادة فها هي في مرمى أبصاركم ، فحطموا أغلالكم و سيروا إليها. إنها في ترك الأغيار و الإقبال على الجبار . إنها أن تضع الدنيا كلها بزينتها و بهرجها تحت قدميك و تأتي إلى ربك منكسرا ذليلا تنيخ رحلك ببابه و تعفر وجهك عند أعتابه و تستمتع بالتذلل بين يديه . أترك كل أحمال الشهوة بعيدا و انطلق متخففا من كل شيء إلا من حبك لمولاك الذي وهبك كل نعمة ترفل بها .
السعادة تعني أن تفر إليه و تستغني به ليصير محبوبك الأعلى الذي تضحي من أجله بنفسك و نفيسك و كل ما تملك. وهذا هو الأضحى و هذه هي الهدية التي يفيضها على الحزانى و الحيارى!
وصدق الله القائل : ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله و الذين آمنوا أشد حبا لله ) فكن منهم يا مهموم لينقلب همك فرحا و خوفك أمنا ، و ألمك لذة لا نظير لها. فإنه قد مضت سنة الله في خلقه أنه لا يدخل جنة الآخرة من لم يدخل جنة القرب في الدنيا. عرفنا ذلك من قوله تعالى : ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا و نحشره يوم القيامة أعمى ) بمفهوم المخالفة. ومن قوله تعالى: ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة و لنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) بمفهوم الموافقة ، ومن آيات أخرى وافرة و متوافرة في بيان هذه السنة و تجليتها.
اللهم اجعلني و إخواني ممن تكرمهم بجنتي الدنيا و الآخرة. إنك سميع قريب مجيب. وكل عام و أنتم بخير وفضل من الله في دينكم و دنياكم.