روعة
30-06-2008, 06:08 PM
رسالة كتبها معتقل بسجن النقب الصحراوي:
الأسير سامر صبحي بني عودة
أماه.. ألا تنتظريني أربعة أشهر أخرى!
كان يوماً غير كل الأيام.. السماء حملت معها كل شيء في المكان.. لم تبق له حتى ذرة تراب عليها ينام.. فقرر أن يبحث عن أنيس له وهو يعيش منذ 15 عاماً خلف القضبان، إلا أن الزمان خانه مرة أخرى وجاءه بخبر ملئه الأحزان.. إنه خبر وفاة أمه قبل أن يحين موعد الإفراج عنه بأربعة شهور، فقرر أن يكتب هذه السطور:
(في 23/6/2008 يوم الإثنين.. قال لي أخي: "يا خوي تعبت أمي الصبح وجبنالها الدكتور، والله أعطاك عمرها"، عند هذه الكلمات وفي آخر عبارة فيها "الله أعطاك عمرها" توقف الزمان، وغاب المكان، فاضطرب القلب وحار العقل، وكاد اللسان ينطق كفرا، لولا أن ربط الله على قلبي لأكون مسلما مستسلما طائعا شاكرا).
وعندها قلت: يا عين ابكِ دمعا ودما ويا قلب اعتصر حزنا وأسى
وأنا في هذه الحال سألت أختي ما الذي حدث، قالت: عندما شعرت أمي بألم في صدرها استدعينا الطبيب، ولكنه تأخر معتذرا بعرس كان يحضره، فقلت: ألا لعنة الله على من يحمل أمانة ومسئولية ولا يؤديها حقها.. (إنه كان ظلوما جهولا).
وبعد صعوبة في تصديق خبر الوفاة، تركت أمي مسجاة على فراش الموت.. أخذ القلب والعقل والروح والجسد يستعرضون شريط الحياة الذي امتد لـ 38 عاما من عمري، وما فيه من قصة "أم وابنها المتدين"، ومسلسل "أم وابنها المجاهد"، وفيلم "أم وابنها الأسير".
مشوار عمر
فأظهرت القصة التي بدأت من عمر 14 عامًا احترام وإعجاب وتقدير وتباهي أمي بي عندما بدأ مشوار تديني منذ نعومة أظافري، فكان الحب والحنان والعطف والتشجيع منها برغم تحذيرها لي من المغالاة والتنطع في الدين وأحكامه.
أما المسلسل، والذي بدأ من عمر 18 عامًا، فقد أظهر قلق وخوف أمي في بداية الأمر على ابنها وفلذة كبدها وهي تراني أحمل سيف المقاومة، وأمتطي ظهر خيل الجهاد مع بداية الانتفاضة الأولى، ولكنها سرعان ما فهمت صدق عملي وعدالة دعوتي وشرعية جهادي، فأخذت تدافع عني أمام والدي وتوفر لي أسباب عملي وجهادي.. بل أخذت تصلح معي عدة الجهاد وتخبأ معي رماح المعركة وتنقل معي ومني ذخيرة المواجهة.. وانتهى المسلسل باعتقالي يوم 14/4/1993 ليحكم علي بالسجن 16 عاما في سجون الاحتلال.
بدأ بعد ذلك فيلم "أم وابنها الأسير"، والذي كان الأطول والأصعب والأشق على الأم وابنها، فأخذت تتنقل من سجن إلى سجن، وتلاحقني من معتقل إلى معتقل بدءا بسجن جنين (عندما كان تحت سيطرة الاحتلال) وانتهاء بمعتقل النقب الصحراوي، حيث كتبت هذه السطور.
أنيسة هو اسم أمي.. كانت أنيسة لي وسكينة في غربتي ووحشتي، وفي محنتي وألمي، في سجني وزنزانتي.. 15 عامًا في الأسر وهي تواسيني في أحلامي، وتضمد جراحاتي وتشد من عزائمي.
وفي أثناء استعراضي للفيلم تذكرت خاتمين كنت أراهما في أصابع أمي التي قبلتها من بين أسلاك السجون في كل مرة زارتني بها، فقلت لأختي: أمانة عندك هذان الخاتمان، هما لي عندما أخرج.
أما طلبي من أهلي قبل أن ينزلوا أمي للقبر فكان أن يضعوا صورة لي وأنا بالأسر في حضن أمي في قبرها.
وهكذا انتهى الفيلم بوفاة الأم قبل أن تلاقي ابنها وتضمه وتقبله وتفرح به، حيث لم يتبق على خروجه من الأسر سوى 4 أشهر، وهنا طلبت من أهلي أن أكلم أمي قبل إنزالها إلى القبر لأقول لها والقلب يعتصر ألما والعين تبكي دما:
سلام الله عليك يا والدتي..
سلام الله عليك يا حبيبتي..
ألا تنتظريني أربعة أشهر أخرى..
كي تفرحي بإفراجي وتزوجيني عروسا..
كنا قد اتفقنا على أول أكلة آكلها من بين يديك..
من سيطبخها لي بعد إفراجي..
آه يا أمي.. كم كان قدر الله أسرع من هذا كله..
أستودعك الله ولا أقول يا أماه إلا ما يرضي ربنا..
لله ما أخذ ولله ما أعطى وكل شيء عنده بمقدار..
ابنك المشتاق لحنانك
سجن النقب الصحراوي
الأسير سامر صبحي بني عودة
أماه.. ألا تنتظريني أربعة أشهر أخرى!
كان يوماً غير كل الأيام.. السماء حملت معها كل شيء في المكان.. لم تبق له حتى ذرة تراب عليها ينام.. فقرر أن يبحث عن أنيس له وهو يعيش منذ 15 عاماً خلف القضبان، إلا أن الزمان خانه مرة أخرى وجاءه بخبر ملئه الأحزان.. إنه خبر وفاة أمه قبل أن يحين موعد الإفراج عنه بأربعة شهور، فقرر أن يكتب هذه السطور:
(في 23/6/2008 يوم الإثنين.. قال لي أخي: "يا خوي تعبت أمي الصبح وجبنالها الدكتور، والله أعطاك عمرها"، عند هذه الكلمات وفي آخر عبارة فيها "الله أعطاك عمرها" توقف الزمان، وغاب المكان، فاضطرب القلب وحار العقل، وكاد اللسان ينطق كفرا، لولا أن ربط الله على قلبي لأكون مسلما مستسلما طائعا شاكرا).
وعندها قلت: يا عين ابكِ دمعا ودما ويا قلب اعتصر حزنا وأسى
وأنا في هذه الحال سألت أختي ما الذي حدث، قالت: عندما شعرت أمي بألم في صدرها استدعينا الطبيب، ولكنه تأخر معتذرا بعرس كان يحضره، فقلت: ألا لعنة الله على من يحمل أمانة ومسئولية ولا يؤديها حقها.. (إنه كان ظلوما جهولا).
وبعد صعوبة في تصديق خبر الوفاة، تركت أمي مسجاة على فراش الموت.. أخذ القلب والعقل والروح والجسد يستعرضون شريط الحياة الذي امتد لـ 38 عاما من عمري، وما فيه من قصة "أم وابنها المتدين"، ومسلسل "أم وابنها المجاهد"، وفيلم "أم وابنها الأسير".
مشوار عمر
فأظهرت القصة التي بدأت من عمر 14 عامًا احترام وإعجاب وتقدير وتباهي أمي بي عندما بدأ مشوار تديني منذ نعومة أظافري، فكان الحب والحنان والعطف والتشجيع منها برغم تحذيرها لي من المغالاة والتنطع في الدين وأحكامه.
أما المسلسل، والذي بدأ من عمر 18 عامًا، فقد أظهر قلق وخوف أمي في بداية الأمر على ابنها وفلذة كبدها وهي تراني أحمل سيف المقاومة، وأمتطي ظهر خيل الجهاد مع بداية الانتفاضة الأولى، ولكنها سرعان ما فهمت صدق عملي وعدالة دعوتي وشرعية جهادي، فأخذت تدافع عني أمام والدي وتوفر لي أسباب عملي وجهادي.. بل أخذت تصلح معي عدة الجهاد وتخبأ معي رماح المعركة وتنقل معي ومني ذخيرة المواجهة.. وانتهى المسلسل باعتقالي يوم 14/4/1993 ليحكم علي بالسجن 16 عاما في سجون الاحتلال.
بدأ بعد ذلك فيلم "أم وابنها الأسير"، والذي كان الأطول والأصعب والأشق على الأم وابنها، فأخذت تتنقل من سجن إلى سجن، وتلاحقني من معتقل إلى معتقل بدءا بسجن جنين (عندما كان تحت سيطرة الاحتلال) وانتهاء بمعتقل النقب الصحراوي، حيث كتبت هذه السطور.
أنيسة هو اسم أمي.. كانت أنيسة لي وسكينة في غربتي ووحشتي، وفي محنتي وألمي، في سجني وزنزانتي.. 15 عامًا في الأسر وهي تواسيني في أحلامي، وتضمد جراحاتي وتشد من عزائمي.
وفي أثناء استعراضي للفيلم تذكرت خاتمين كنت أراهما في أصابع أمي التي قبلتها من بين أسلاك السجون في كل مرة زارتني بها، فقلت لأختي: أمانة عندك هذان الخاتمان، هما لي عندما أخرج.
أما طلبي من أهلي قبل أن ينزلوا أمي للقبر فكان أن يضعوا صورة لي وأنا بالأسر في حضن أمي في قبرها.
وهكذا انتهى الفيلم بوفاة الأم قبل أن تلاقي ابنها وتضمه وتقبله وتفرح به، حيث لم يتبق على خروجه من الأسر سوى 4 أشهر، وهنا طلبت من أهلي أن أكلم أمي قبل إنزالها إلى القبر لأقول لها والقلب يعتصر ألما والعين تبكي دما:
سلام الله عليك يا والدتي..
سلام الله عليك يا حبيبتي..
ألا تنتظريني أربعة أشهر أخرى..
كي تفرحي بإفراجي وتزوجيني عروسا..
كنا قد اتفقنا على أول أكلة آكلها من بين يديك..
من سيطبخها لي بعد إفراجي..
آه يا أمي.. كم كان قدر الله أسرع من هذا كله..
أستودعك الله ولا أقول يا أماه إلا ما يرضي ربنا..
لله ما أخذ ولله ما أعطى وكل شيء عنده بمقدار..
ابنك المشتاق لحنانك
سجن النقب الصحراوي