المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حين تكسف الشمس فتكشف عورة بعض المسلمين في القرن الواحد والعشرين



أبو حسن
01-08-2008, 10:21 PM
حين تكسف الشمس فتكشف عورة بعض المسلمين في القرن الواحد والعشرين

مازلت أذكر حين حصل كسوف للشمس عام 1998 أو عام 1999 وكنت حينها طالبا في الجامعة، يومها قام شيخنا الشيخ رائد حليحل وفقه الله بعمل سلسلة من المحاضرات حول الموضوع، منها واحدة في مسجد القلمون البحري، وعدة محاضرات في طرابلس وغيرها، بثتها إذاعة التوحيد الإسلامي. فالتقيت أحد زملائي في الجامعة، وهو أخ فاضل من طلبة العلم الشرعي، فإذا بي أفاجأ بموقفه من محاضرات الشيخ رائد، وهو الذي كان يُثني عليه خيرا، فقد راح ينتقد كلامه في محاضراته ويُصرّ على أن معرفة الكسوف غير ممكن... وكنت أول مرة أسمع هكذا كلام... ثم التقيته بعد حصول الكسوف، فإذ به يقول لي (ما معناه) : لقد تجرّأ الناس على الله بهذا الكسوف، وإن الله سيُفاجئهم بعد بضعة أيام بكسوف لم يكونوا يحسبون له حسابا !!!

عادت بي الذاكرة اليوم إلى هذه الحادثة، أثناء أدائي لصلاة الجمعة في أحد مساجد دبي، حيث يؤم الصلاة فيه شيخ طيّب، سبق وصليت عنده مرتين، فما سمعت منه إلا الخير. فإذ بي أفاجأ به في نهاية الخطبة الثانية يقول ما نصه (وما بين هلالين من كلامي) :

أُخبرنا (هكذا بضم الهمزة) أن الشمس ستكسف اليوم، هكذا قالوا والله تعالى أعلم (ثم شرع في بيان كون الشمس والقمر آيتين من آيات وأن الكسوف والخسوف بيد الله إن شاء وقعا وإن لم يشأ لم يقعا، ثم قال) فإذا كسفت الشمس كما قالوا (مازال يشكّ في الموضوع)، سنصلي صلاة الكسوف (ثم شرع في بيان كيفية الصلاة)...

حتى لا يستعجل أحد في التعقيب على كلامي بدون فهم مقصدي، سأورد العبارة أعلاه بصيغة مختلفة بعض الشيء تبيّن مُرادي ومكمن اعتراضي بإذن الله. تخيّلوا معي لو أن إماما وقف في المسجد وقال ما يلي:

أُخبرنا (هكذا بضم الهمزة) أن الشمس ستغرب اليوم، هكذا قالوا والله تعالى أعلم، فإذا غربت الشمس كما قالوا، سنصلي صلاة المغرب...

لن أُعقّب على الموضوع، وإنما سأترك علماء المسلمين عبر القرون يعقّبون عليه ...



قال حجة الإسلام الإمام الغزالي في كتابه "المنقذ من الضلال"، وهو كلام مهم جدا وجدير بالتأمل :

الآفة الثانية نشأت من صديق للإسلام جاهل، ظن أن الدين ينبغي أن يُنصر بإنكار كل علم منسوب إليهم (يعني الفلاسفة). فأنكر جميع علومهم، وادعى جهلهم فيها. حتى أنكر قولهم في الكسوف والخسوف، وزعم أن ما قالوه على خلاف الشرع، فلما قرع ذلك سمع من عرف ذلك بالبرهان القاطع، لم يشك في برهانه، لكن اعتقد أن الإسلام مبني على الجهل وإنكار البرهان القاطع، فازداد للفلسفة حبًا، وللإسلام بغضًا!

ولقد عظمت جناية من ظن الإسلام يُنصر بإنكار هذه العلوم، وليس في الشرع تعرض لهذه العلوم بالنفي والإثبات، ولا في هذه العلوم تعرض للأمور الدينية.



وقال العلامة القرافي -رحمه الله- في الفروق 2/178 :

مع أن حسابات الأهلة والكسوفات والخسوفات قطعي، فإن الله أجرى عادته بأن حركات الأفلاك وانتقالات الكواكب السبعة السيارة على نظام واحد طول الدهر بتقدير العزيز العليم، قال الله تعالى: (والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم)، وقال تعالى: (الشمس والقمر بحسبان) أي ذوا حساب، فلا ينخرم أبدا، وكذلك الفصول الأربعة لا ينخرم حسابها، والعوائد إذا استمرت أفادت القطع...



قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوي (الجزء 24 الصفحة 254 – 262 وقد حذفت بعض عباراته ووضعت مكانها ثلاث نقاط خشية الإطالة مكتفيا بموضع الشاهد من كلامه) :

الخسوف والكسوف لهما أوقاتٌ مقدَّرةٌ كما لطلوع الهلال وقتٌ مقدَّرٌ وذلك ما أجرى الله عادته بالليل والنهار والشتاء والصيف وسائر ما يتبع جريان الشمس والقمر، وذلك من آيات الله تعالى كما قال تعالى {وَهُوَ الذي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ والشَّمْسَ وَالقَمَرَ كُلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} ، وقال تعالى {هُوَ الذي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالحِسَابَ مَا خَلَقَ الله ذَلِكَ إلاَّ بِالحَقِّ} ، وقال تعالى {وَالشَّمْسُ وَالقَمَرُ بِحُسْبَانٍ}...

وكما أنَّ العادة التي أجراها الله تعالى أنَّ الهلال لا يستهل إلا ليلة ثلاثين مِن الشهر أو ليلة إحدى وثلاثين وأن الشهر لا يكون إلا ثلاثين أو تسعة وعشرين فمن ظنَّ أنَّ الشهر يكون أكثر من ذلك أو أقل فهو غالط. فكذلك أجرى الله العادة أنَّ الشمس لا تكسف إلا وقت الاستسرار وأنَّ القمر لا يخسف إلا وقت الإبدار...

وللشمس والقمر ليالي معتادة من عرفها عرف الكسوف والخسوف كما أن من علم كم مضى من الشهر يعلم أن الهلال يطلع في الليلة الفلانية أو التي قبلها ، لكن العلم بالعادة في الهلال علمٌ عامٌّ يشترك فيه جميعُ النَّاس وأمَّا العلم بالعادة في الكسوف والخسوف فإنما يعرفه مَن يعرف حساب جريانهما وليس خبر الحاسب بذلك مِن باب علم الغيب...



وقال العلامة ابن القيم في مفتاح دار السعادة 3/219 :

... ولا يعلمون أن الكسوف يُعلم بحساب سير النيرين في منازلهما، وذلك أمر قد أجرى الله تعالى العادة المطردة به كما أجراها في الابدار والسرار والهلال، فمن علم ما ذكرناه في هذا الفصل علم وقت الكسوف ودوامه ومقداره وسببه...