أبو محمد القلموني
27-12-2006, 04:20 PM
أتوجه بعون الله و فضله غدا إلى مكة المكرمة لأداء مناسك الحج . ولهذا فسأتغيب عن المنتدى لمدة أسبوع إن شاء الله . فأستودع الله دينكم و أمانتكم و خواتيم أعمالكم . وأنا إذ أودعكم الآن أضع بين أيديكم هنا هدية ثمينة ، أطمع أن تفيدوا منها فتحرك مشاعركم الكريمة ، و تتسبب في رفع أياديكم الطاهرة بالدعاء لي في ظهر الغيب . وهي عبارة عن وقائع لقاء مبارك جمعنا السنة الماضية بالأستاذ الكبير محمد قطب حفظه الله و رعاه ونفعنا بعلمه.
بتاريخ الخامس من شهر كانون الثاني لعام ألفين و ستة الموافق للخامس من ذي الحجة لعام ألف و أربعماية و ستة و عشرين هجرية إلتقينا مساء بعد صلاة المغرب مباشرة بالأستاذ الكبير محمد قطب حفظه الله. هذا اللقاء كان الأول الذي ألتقي فيه هذه الشخصية التي طالما هفت نفسي لرؤيتها وتاقت للقائها و الإجتماع بها ، لتحول بيني و بينها عوائق لم أكن أملك إزاحتها حتى أكرمني الله تعالى بتيسير هذا اللقاء بعد أن كان متعسرا و تقريبه بعد إذ كان بعيدا ...
ولأن أغلب الإخوة كانوا من لبنان فقد افتتح الشيخ الحديث بسؤالات عن الوضع اللبناني . فأتته الأجوبة محملة بتحليلات و استفسارات عرضية لا تلامس عمق المشكلة بحسب التصور والمنطلقات المنهجية التي عليها المدرسة الفكرية التي ينتمي إليها الأستاذ . لكن الأستاذ محمد تلقفها بطريقة ذكية لبقة ليحولها بعد ذلك إلى معطيات واضحة و محددة تقرأ بمقدمات و تصورات صحيحة لتثمر رؤى يقينية ترفع الشك والغبش .
استمع إلى أسئلة كثيرة عن فرعيات محددة تلح على الأستاذ أن يبدي رأيه فيها على التفصيل ، لكنه كان يقرؤها بطريقة منهجية مغايرة يقنع السائل من خلالها بكونها تفصيلا يندرج تحت أصل عام لا يمكن تجزئته و تقطيعه إلى قطع متباينة.
البداية كانت إجراء مسح عام على تاريخ المنطقة العربية ، استهله ببيان حجج فريقين من الناس يصر كلاهما على قراءة مجتزءة و ناقصة للأحداث. فريق نظرية المؤامرة و فريق نظرية النقد الذاتي. فبين الأستاذ أن حديث النبي صلى الله عليه و سلم : ( تداعى عليكم الأمم ...) يشملهما معا .......
( مائة محاولة لتدمير السلطنة ) كتاب أوروبي قرأه الأستاذ و وقف منه ومن غيره ومن غيره على حجم المحاولات التي استنفدت و الجهود التي بذلت من أجل تدمير الخلافة. يقول الأستاذ: لقد كان في حسبان هؤلاء المساكين أن تدمير الخلافة و تفكيكها و فرط عقدها و القضاء عليها هو قضاء على الإسلام ! فجاءت الصحوة الإسلامية لتصفع وجوههم الباهتة وتسفه أحلامهم الساذجة و تقض مضاجعهم المنهكة ! ولتخلفهم في دهشة يلطمون رؤوسا متعفنة ويضربون كفا بكف و أخماسا في أسداس !
تيار الصحوة في نظر الأستاذ يحتاج إلى جهود جبارة لترشيده و تقويمه و وضعه على الطريق الصحيح . من أهم مظاهر الخلل في بعض مفاصل التيار هو ما يعكسه من انبهار الأمة بالحضارة الغربية التي تبدل أفكارها كما تبدل أزياءها . فوجد بين مشايخ الصحوة و المتصدرين للعمل الإسلامي من يتابعهم و يقول : نحن وطنيون ، نحن ديمقراطيون ، نحن علمانيون ، ... وأضاف الشيخ مبتسما إبتسامة ساخرة علتها حسرة دفينة غائرة كغور الذكريات البعيدة : نحن إمرأتييون ! يقصد دعاة تحرير المرأة ......
ويستلهم الأستاذ من القرآن قواعد وسنن الله الجارية في الأمة و أعدائها . فمن هذه السنن ما يختص بالأعداء ومنه ما تنفرد به الأمة و منه ما هو مشترك بينهما. وهذه السنن من ورائها قدرة الله الطليقة تسيرها و تجريها فليس ثمة حتمية و لا آلية في جريانها . تعليق إيماني لافت و مؤثر سيتردد كثيرا في ما يأتي من حديثه ، وفي بعض الأحايين يأت به مستشهدا له بآيات تهز النفس و تحرك الدمع !....
فأما ما يختص بالأعداء المتربصين فهو كقوله تعالى : ( إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ) يقول الأستاذ محمد :
فلأن الله ركب الكون وأجرى فيه سننا ثابتة تنفعل للإنسان من خلال علاقة مستقرة بين الأسباب و النتائج ، فقد ظن المسكين بأنه هو الذي يفعل و هو الذي يصنع و هو الذي يقرر ! إن مشكلة الحضارة الغربية في نظر الأستاذ تكمن في تأليهها للإنسان ! وهذا يتأكد و يثبت في كل مرة يحقق فيها العقل الغربي نجاحات عملية ملموسة تنشيه و تسكره ( إنما نملي لهم ) فيستمر في غيه و غفلته ( ليزدادوا إثما ) يقول الأستاذ محمد : وما هذا إلا لأنهم أداروا له الظهر ابتداء !.....
وأما ما يختص بالأمة فهو كقوله تعالى : ( وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم و ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم و ليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ) فهذا الوعد من الله نتلقفه بيقين كامل لا يشوبه نقص و لا فتور في التصديق . وشرط الآية الواضح هو أن تكون الأمة على ( يعبدونني لا يشركون بي شيئا ) فحين تصبح الأمة على حالة بحيث لو مكنت معها أعلنت بالتوحيد منهجا و شعارا يختصر ماهية وجودها وحقيقة دورها ؛ حين يصير التوحيد هو عقلها المفكر و قلبها النابض يومئذ يأتيها النصر من عند الله . وأما وهي تتنفس في أجواء الفكر الغربي و تديم النظر بتلهف و استمتاع إلى ألوان طيفه الفكري المتنافر المتناقض المتهاوي ، فهي غير مؤهلة للتمكين وستبقى في الحضيض وأسفل السافلين!......
وهنا أشار إلى سبيل آخر لا يقل سوءا في جدواه و نتائجه ! ألا وهو سبيل البندقية الذي يمكن الأعداء من التعمية على هدف المعركة الحقيقي و يعطيهم المبررات لتمرير مخططاتهم الإجرامية !......
فلا طريق العنف يجدي و لا طريق البرلمانات يعالج . وفي نقده لطريق الديمقراطية و البرلمانات جلى الاستاذ حقيقة الديمقراطية ، و أنها رغم جميع مكاسبها و إيجابياتها التي أخذت بعقول الناس و ألبابهم مهاد يطأه رأس المال و مركب لتحقيق مصالحه و مآربه.....
ثم يقول الأستاذ بعد أن استعرض المبشرات لهذه الأمة من النصوص والواقع : لنفترض جدلا أن الأمة لم تصحو ! ومحاولات إيقاظها لم تثمر ! فهل يعني هذا أن وعد الله بظهور دينه سيتخلف؟!! إن وعد الله يقين لا يجوز أن يهتز في قلوبنا للحظة . وتخلف الأمة إنما هو لعدم تحقيقها شرط التمكين الذي بينته النصوص. وأما ظهور هذا الدين وأنه سيبلغ ما بلغ الليل و النهار، وأنه لن يبقى بيت في الأرض إلا و يدخله هذا الدين بعز عزيز أو ذل ذليل . فهذه حقيقة ثابتة مستقرة و موعود آت لا محالة فإن لم يكن بنا فبغيرنا : ( و إن تتولوا يستبدل قوما غيركم) .....
السنن المشتركة هي كقوله تعالى : ( وكلا نمد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا ) ......
نفى الشيخ في حديثه وجود حلول سحرية لإيقاظ الأمة و تحدث عما أسماه الطريق الطويل وهو عنوان لكتاب له لم يطبع بعد. ثم تطرق الشيخ إلى حقيقة في غاية الأهمية وهي أن المؤمن لا يعمل من أجل غاية التمكين و إن كانت غاية محببة تتوق لها نفوس الذين عشقوا هذا الدين و حلموا بتمكينه . إن المؤمن يعمل من أجل الأجر الأخروي وسواء أثمر عمله أم لم يثمر فهو ماض في طريقه ثابت على الدور الذي كلف به لا يحيد عنه قيد أنملة طمعا في ما عند الله من النعيم في الآخرة . وفي القرآن نماذج لأناس ساروا على الطريق ولم يمكنوا كالفتية أصحاب الكهف و سحرة فرعون و أصحاب الأخدود ؛ وهذه نماذج صارخة بهذه الحقيقة ومجلية لها أتم تجلية .
وذكر الشيخ الأستاذ في معرض حديثه عن الطريق الأمثل لمحاججة العلمانيين على تنوعهم و اختلاف أطيافهم المنهجية و لهجاتهم الفكرية ، كتابا له بسط فيه هذه الطريقة. والكتاب صدر قبل تاريخ اللقاء بثلاثة أيام عن دار الشروق في مصر بعنوان : ( مغالطات ) . وحدثني بعد اللقاء أحد الإخوة المقربين من الشيخ والذي كان الوسيلة التي يسر الله بها اللقاء بأن الشيخ يتابع منذ فترة أقلاما تتردد على صفحات مجلة خبيثة معروفة ؛ يرصدها بدقة ويقف على خلفيتها الفكرية و المنهجية التي تحركها المرة بعد المرة . فجاء كتابه ( مغالطات ) ليشخص حقيقة هذه الأقلام وليفضح ماهية النظرية الفكرية التي تتبناها ...
وختم الأستاذ بنقطة لا تقل أهمية عن ما سبق وهي أن محاولات كثيرة بذلت من أجل ترشيد الفكر لكن أقل القليل هو ما بذل لإصلاح القلوب. و حدثنا بمقالة سمعها ممن ينقلها عن الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله ، وهي أنه لما ظهر الإخوان في مصر و قويت شوكتهم كان الإمام يقول: يكفيني أن لو خرجت من هذا كله بمائة ! وهذا لم يسمعه من الإمام مباشرة و إنما ممن سمعوه منه.
هذه أهم المحاور التي وردت أحببت أن أضعها بين أيديكم غضة طرية حديثة عهد بلقاء طيب مبارك غشيتنا فيه سكينة الإيمان وسحر البيان .
بتاريخ الخامس من شهر كانون الثاني لعام ألفين و ستة الموافق للخامس من ذي الحجة لعام ألف و أربعماية و ستة و عشرين هجرية إلتقينا مساء بعد صلاة المغرب مباشرة بالأستاذ الكبير محمد قطب حفظه الله. هذا اللقاء كان الأول الذي ألتقي فيه هذه الشخصية التي طالما هفت نفسي لرؤيتها وتاقت للقائها و الإجتماع بها ، لتحول بيني و بينها عوائق لم أكن أملك إزاحتها حتى أكرمني الله تعالى بتيسير هذا اللقاء بعد أن كان متعسرا و تقريبه بعد إذ كان بعيدا ...
ولأن أغلب الإخوة كانوا من لبنان فقد افتتح الشيخ الحديث بسؤالات عن الوضع اللبناني . فأتته الأجوبة محملة بتحليلات و استفسارات عرضية لا تلامس عمق المشكلة بحسب التصور والمنطلقات المنهجية التي عليها المدرسة الفكرية التي ينتمي إليها الأستاذ . لكن الأستاذ محمد تلقفها بطريقة ذكية لبقة ليحولها بعد ذلك إلى معطيات واضحة و محددة تقرأ بمقدمات و تصورات صحيحة لتثمر رؤى يقينية ترفع الشك والغبش .
استمع إلى أسئلة كثيرة عن فرعيات محددة تلح على الأستاذ أن يبدي رأيه فيها على التفصيل ، لكنه كان يقرؤها بطريقة منهجية مغايرة يقنع السائل من خلالها بكونها تفصيلا يندرج تحت أصل عام لا يمكن تجزئته و تقطيعه إلى قطع متباينة.
البداية كانت إجراء مسح عام على تاريخ المنطقة العربية ، استهله ببيان حجج فريقين من الناس يصر كلاهما على قراءة مجتزءة و ناقصة للأحداث. فريق نظرية المؤامرة و فريق نظرية النقد الذاتي. فبين الأستاذ أن حديث النبي صلى الله عليه و سلم : ( تداعى عليكم الأمم ...) يشملهما معا .......
( مائة محاولة لتدمير السلطنة ) كتاب أوروبي قرأه الأستاذ و وقف منه ومن غيره ومن غيره على حجم المحاولات التي استنفدت و الجهود التي بذلت من أجل تدمير الخلافة. يقول الأستاذ: لقد كان في حسبان هؤلاء المساكين أن تدمير الخلافة و تفكيكها و فرط عقدها و القضاء عليها هو قضاء على الإسلام ! فجاءت الصحوة الإسلامية لتصفع وجوههم الباهتة وتسفه أحلامهم الساذجة و تقض مضاجعهم المنهكة ! ولتخلفهم في دهشة يلطمون رؤوسا متعفنة ويضربون كفا بكف و أخماسا في أسداس !
تيار الصحوة في نظر الأستاذ يحتاج إلى جهود جبارة لترشيده و تقويمه و وضعه على الطريق الصحيح . من أهم مظاهر الخلل في بعض مفاصل التيار هو ما يعكسه من انبهار الأمة بالحضارة الغربية التي تبدل أفكارها كما تبدل أزياءها . فوجد بين مشايخ الصحوة و المتصدرين للعمل الإسلامي من يتابعهم و يقول : نحن وطنيون ، نحن ديمقراطيون ، نحن علمانيون ، ... وأضاف الشيخ مبتسما إبتسامة ساخرة علتها حسرة دفينة غائرة كغور الذكريات البعيدة : نحن إمرأتييون ! يقصد دعاة تحرير المرأة ......
ويستلهم الأستاذ من القرآن قواعد وسنن الله الجارية في الأمة و أعدائها . فمن هذه السنن ما يختص بالأعداء ومنه ما تنفرد به الأمة و منه ما هو مشترك بينهما. وهذه السنن من ورائها قدرة الله الطليقة تسيرها و تجريها فليس ثمة حتمية و لا آلية في جريانها . تعليق إيماني لافت و مؤثر سيتردد كثيرا في ما يأتي من حديثه ، وفي بعض الأحايين يأت به مستشهدا له بآيات تهز النفس و تحرك الدمع !....
فأما ما يختص بالأعداء المتربصين فهو كقوله تعالى : ( إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ) يقول الأستاذ محمد :
فلأن الله ركب الكون وأجرى فيه سننا ثابتة تنفعل للإنسان من خلال علاقة مستقرة بين الأسباب و النتائج ، فقد ظن المسكين بأنه هو الذي يفعل و هو الذي يصنع و هو الذي يقرر ! إن مشكلة الحضارة الغربية في نظر الأستاذ تكمن في تأليهها للإنسان ! وهذا يتأكد و يثبت في كل مرة يحقق فيها العقل الغربي نجاحات عملية ملموسة تنشيه و تسكره ( إنما نملي لهم ) فيستمر في غيه و غفلته ( ليزدادوا إثما ) يقول الأستاذ محمد : وما هذا إلا لأنهم أداروا له الظهر ابتداء !.....
وأما ما يختص بالأمة فهو كقوله تعالى : ( وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم و ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم و ليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ) فهذا الوعد من الله نتلقفه بيقين كامل لا يشوبه نقص و لا فتور في التصديق . وشرط الآية الواضح هو أن تكون الأمة على ( يعبدونني لا يشركون بي شيئا ) فحين تصبح الأمة على حالة بحيث لو مكنت معها أعلنت بالتوحيد منهجا و شعارا يختصر ماهية وجودها وحقيقة دورها ؛ حين يصير التوحيد هو عقلها المفكر و قلبها النابض يومئذ يأتيها النصر من عند الله . وأما وهي تتنفس في أجواء الفكر الغربي و تديم النظر بتلهف و استمتاع إلى ألوان طيفه الفكري المتنافر المتناقض المتهاوي ، فهي غير مؤهلة للتمكين وستبقى في الحضيض وأسفل السافلين!......
وهنا أشار إلى سبيل آخر لا يقل سوءا في جدواه و نتائجه ! ألا وهو سبيل البندقية الذي يمكن الأعداء من التعمية على هدف المعركة الحقيقي و يعطيهم المبررات لتمرير مخططاتهم الإجرامية !......
فلا طريق العنف يجدي و لا طريق البرلمانات يعالج . وفي نقده لطريق الديمقراطية و البرلمانات جلى الاستاذ حقيقة الديمقراطية ، و أنها رغم جميع مكاسبها و إيجابياتها التي أخذت بعقول الناس و ألبابهم مهاد يطأه رأس المال و مركب لتحقيق مصالحه و مآربه.....
ثم يقول الأستاذ بعد أن استعرض المبشرات لهذه الأمة من النصوص والواقع : لنفترض جدلا أن الأمة لم تصحو ! ومحاولات إيقاظها لم تثمر ! فهل يعني هذا أن وعد الله بظهور دينه سيتخلف؟!! إن وعد الله يقين لا يجوز أن يهتز في قلوبنا للحظة . وتخلف الأمة إنما هو لعدم تحقيقها شرط التمكين الذي بينته النصوص. وأما ظهور هذا الدين وأنه سيبلغ ما بلغ الليل و النهار، وأنه لن يبقى بيت في الأرض إلا و يدخله هذا الدين بعز عزيز أو ذل ذليل . فهذه حقيقة ثابتة مستقرة و موعود آت لا محالة فإن لم يكن بنا فبغيرنا : ( و إن تتولوا يستبدل قوما غيركم) .....
السنن المشتركة هي كقوله تعالى : ( وكلا نمد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا ) ......
نفى الشيخ في حديثه وجود حلول سحرية لإيقاظ الأمة و تحدث عما أسماه الطريق الطويل وهو عنوان لكتاب له لم يطبع بعد. ثم تطرق الشيخ إلى حقيقة في غاية الأهمية وهي أن المؤمن لا يعمل من أجل غاية التمكين و إن كانت غاية محببة تتوق لها نفوس الذين عشقوا هذا الدين و حلموا بتمكينه . إن المؤمن يعمل من أجل الأجر الأخروي وسواء أثمر عمله أم لم يثمر فهو ماض في طريقه ثابت على الدور الذي كلف به لا يحيد عنه قيد أنملة طمعا في ما عند الله من النعيم في الآخرة . وفي القرآن نماذج لأناس ساروا على الطريق ولم يمكنوا كالفتية أصحاب الكهف و سحرة فرعون و أصحاب الأخدود ؛ وهذه نماذج صارخة بهذه الحقيقة ومجلية لها أتم تجلية .
وذكر الشيخ الأستاذ في معرض حديثه عن الطريق الأمثل لمحاججة العلمانيين على تنوعهم و اختلاف أطيافهم المنهجية و لهجاتهم الفكرية ، كتابا له بسط فيه هذه الطريقة. والكتاب صدر قبل تاريخ اللقاء بثلاثة أيام عن دار الشروق في مصر بعنوان : ( مغالطات ) . وحدثني بعد اللقاء أحد الإخوة المقربين من الشيخ والذي كان الوسيلة التي يسر الله بها اللقاء بأن الشيخ يتابع منذ فترة أقلاما تتردد على صفحات مجلة خبيثة معروفة ؛ يرصدها بدقة ويقف على خلفيتها الفكرية و المنهجية التي تحركها المرة بعد المرة . فجاء كتابه ( مغالطات ) ليشخص حقيقة هذه الأقلام وليفضح ماهية النظرية الفكرية التي تتبناها ...
وختم الأستاذ بنقطة لا تقل أهمية عن ما سبق وهي أن محاولات كثيرة بذلت من أجل ترشيد الفكر لكن أقل القليل هو ما بذل لإصلاح القلوب. و حدثنا بمقالة سمعها ممن ينقلها عن الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله ، وهي أنه لما ظهر الإخوان في مصر و قويت شوكتهم كان الإمام يقول: يكفيني أن لو خرجت من هذا كله بمائة ! وهذا لم يسمعه من الإمام مباشرة و إنما ممن سمعوه منه.
هذه أهم المحاور التي وردت أحببت أن أضعها بين أيديكم غضة طرية حديثة عهد بلقاء طيب مبارك غشيتنا فيه سكينة الإيمان وسحر البيان .