المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في رياض التقوى



نور
14-09-2008, 05:06 PM
في رياض التقوى
http://www.ikhwanonline.com/ramadan/Photos/Pic76.jpg
بقلم: أحمد جاد الحق
الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستهديه ونستغفره، ونشهد أن لا اله إلا الله وحدة لا شريك، له فرض الصيام على عبادته ليصل بهم إلى درجة التقوى، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله سيد المتقين لله رب العالمين.
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: كل عمل ابن له إلا الصوم فإنه لي وأنا اجزي به، والصيام الجُنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب؛ فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل إني صائم، والذي نفس محمد بيده.. لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما؛ إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه"، وصدق الله العظيم عندما عقب على عبادة الصوم في القران بقوله ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة: من الآية 183)، ورمضان بمثابة شجرة التقوى.
إن الشجرة التي تساقطت أوراقها طوال العام قد حان وقت إنباتها لتكتسيَ مرةً أخرى، شجرة التقوى التي هبَّت عليها عواصف المعاصي طوال العام هذا هو وقت إثمارها لتصبح شجرةً وارفةَ الظلال، كثيرةَ الخير، أصلها ثابت وفرعها في السماء، تعطي أكلها كل حين بإذن ربها؛ يتقوَّى بها المسلم طوال العام حتى رمضان المقبل.
ومصادر التقوى في رمضان متعددة؛ أهمها الصوم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾؛ ولذلك عندما تقف مع آيات الصيام التي جاءت في سورة البقرة نلمح شيئًا عجيبًا؛ أن أسلوب الآيات هو محاولة لتقريب الأمر وتحفيز النفس لتتقبَّل التكليف.
إن الله يعلم مدى ضعف عباده فيناديهم بأحب الأسماء، إن الله سبحانه وتعالى يلح على المؤمنين ويزيِّن لهم ما ينفعهم في دنياهم وأخراهم.
وهناك حكمه أخرى نتعلَّمها من هذا الأسلوب المحبب والمشرق كما يقول الشهيد سيد قطب في ظلال القران: "وليعلم الدعاة إلى الله أن الدعوة لا بد وأن تكون بأسلوب تحبيب وتقريب، وأن أحكام الله أساسها الحب والتقوى؛ فالدين لا يقود الناس بالسلاسل إلى الطاعات، بل يقودهم بالتقوى، وغاية العبادة التقوى، والذي يتفلَّت من أداء الفريضة حتى ستار الرخصة لا خير فيه منذ البدء".
وإذا صحَّ التشدد في الإحكام الخاصة بالمعاملات عند فساد الناس سدًّا للذرائع وكعلاجٍ لفسادهم، فإن الأمر يختلف في العبادات والتوجُّه إلى الله؛ حيث إنها حسابٌ بين العبد وربه؛ لا يجدي فيها الظاهر كالمعاملات ما لم يُقوَّم هذا الظاهر؛ وذلك الشكل على تقوى القلوب كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وإعمالكم.. التقوى ها هنا" ثلاثًا، وأشار إلى صدره الشريف صلى الله عليه وسلم.
وحيث نجد التقوى لن يفلت متفلِّت ولن يخترع أحد غدرًا؛ ولذلك فإن الله تعالى قال في الحديث القدسي الذي رواه البخاري: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به؛ إنه ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي".
وثمرة الصيام أن يصل بصاحبه إلى تقوى الله عز وجل ومراقبته، والإمام علي كرَّم الله وجهه عرَّفها بأنها: "الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل"، وعرَّفها آخر بأنها أن تجعل بينك وبين ما يغضب الله رقابة؛ ولذلك يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يوم القيامة يقول الله عز وجل: يا ابن آدم.. جعلت نسبًا وجعلتم نسبًا، جعلت نسبًا فقلت أن أكرمكم عند الله اتقاكم، وجعلتم نسبًا وأبيتم إلا أن يكوم فلان بن فلان؛ فاليوم أرفع نسبي وأضع نسبكم، أين المتقون؟!".
ولذلك يوصينا المعصوم صلى الله عليه وسلم بملازمة التقوى في كل مكان وكل زمان، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن".
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا تقواه وأن يحشرنا مع نبيه ومصطفاه.. اللهم أمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد.