مشاهدة النسخة كاملة : ركــــــــن الــــــتـــــــــدبـــــــــــر والإعــــــــــتـــــــــــبــــــــــار
أبو حسن
16-10-2008, 11:46 PM
هذا الموضوع منقول عن الأخ أبو عبدالمعز، وهو أخ فاضل عنده علم وأدب جمّ، وأنا شخصيا أتتبع مواضيعه في المنتديات التي يكتب فيها لما فيها من فائدة... وقد قدم وفقه الله لهذا الموضوع بقوله:
الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على أشرف المرسلين..
وبعد ،فهذا ركن في صفحة المنتدى خصصناه لتدبر آيات من التنزيل،نبين قدر المستطاع ما فيها من عبرة وجمال...عسى الله أن يقينا من عثرة الوهم ويجعل لنا سهما من الفهم...
Nader 3:16
16-10-2008, 11:49 PM
سنتابع الموضوع اخي ابو حسن عسى ان نستفيد من الاخ حفظه الله.
أبو حسن
16-10-2008, 11:51 PM
-1-
{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ }الملك 19
القرآن يوقظ فينا ما أنامته الألفة واستهلكته العادة.. وقد كان يقال: " لا يزال الناس بخير ما تعجبوا من العجب "
الآية تنبه على عجيبة من العجائب لكن الناس يمرون عليها أو – بالأحرى- تمر عليهم وإن البصر خامل ، وإن القلب غافل ..
تأمل قوله "فوقهم" فلا يغرنك تبلد الذوق فتتفاصح قائلا:وهل الطير إلا فوق فما فائدة ذكر ما لا يجهل!
ألم تعلم أن "فوقهم" تلك تقريع لك وتبكيت لمن شابهك، تنادي عليك بأنك من أصحاب التسفل أخلدوا إلى الأرض، مكبا على وجهك يستعصي عليك استشراف مخلوقات الآفاق !
أو تصيح عليك إن الأمر قريب منك هو فوقك -والجهة مضافة إليك متلبسة بك- ولكنك غير مبصر!
أو تثير فيك الدهشة الخامدة:
لم انفرد الطير بالفوقية دون غيره من الأجناس والأنواع؟
أتكون منها نزوة أو فيها شهوة!
فقررت فجأة أن تعتزل الماشي والمدب والزاحف وتتخذ لنفسها غير السبيل!
أتكون عقولها -و قد قيل عنها أحلام العصافير- اهتدت فجأة إلى ما لم يخطر ببال الأرضيين.. فتركت لهم التراب واستوطنت الهواء خالصا لها من دون ذوات الأرواح!
متى خطر لها ذياك الخاطر... و كيف مضت تنشيء لنفسها ما يقتضيه "فوقهم" من خواف وقوادم...!
وفي أي كتاب درست كيف تتملص من الجاذب فتوالى منها الصف والقبض...!
ثم ما الذي حداها إلى كل هذا التعقيد .. أما كان يكفيها أن تمشي وتدب كما يمشون ويدبون....!!
مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ
هل تمليت بشهود الربوبية أيها المخلوق الغافل!!
أبو حسن
16-10-2008, 11:57 PM
-2-
وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ{39} أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ{40}
معنى واحد ضرب له مثلان،وللتنويع دلالة بالغة على أن القرآن وحي يوحى:
المثل الاول صورة حارة جافة يهيمن عليها الضوء..
المثل الثاني صورة رطبة باردة تهيمن عليها الظلمة...
وتجاور الصورتين يؤسس منظرا عجيبا فكأن العين أمام مشهد تركيبي عجيب: عن اليمين قطعة من جزيرة العرب وعن الشمال قطعة من إيسلندا!!
رحم الله مالك ابن نبي الذي نبه على هذا المفارقة البلاغية البديعة...واستدل بها على استقلال القرآن عن الأفكار المحمدية...
فإذا كان المشهد الأول مألوفا في الوسط الصحراوي الذي نزل فيه القرآن فإن المشهد الثاني (لا علاقة له بالوسط الجغرافي للقرآن بل لا علاقة لها بالمستوى العقلي أو المعارف البحرية في العصر الجاهلي وإنما هي في مجموعها منتزعة من بعض البلدان الشمالية التي يلفها الضباب في الدنيا الجديدة أو في إيسلندا....فلو افترضنا أن النبي رأى في شبابه منظر البحر فلن يعدو الأمر شواطيء البحر الاحمر أو الأبيض .ومع تسليمنا بهذا الفرض فلسنا ندري كيف يمكن أن يرى الصورة المظلمة التي صورتها الآية المذكورة!) (انظر الظاهرة القرآنية ص 295-296)
الحق إن مالكا بتحليله هذا يزيد من أرق الباحثين عن أصول وهمية للقرآن !
"وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ"
يبدو أن الآية خطاب للمعاصر لا للجاهلي
فلم يكن الحديد في البيئة التي نزل فيها القرآن شيئا يذكر..كان معروفا ولكنه لم يكن علامة حضارية بارزة عندهم فلعل الجلد والوبر كانا مشهودين أكثر من الحديد... ومنافعهما أعم من الحديد فلم يكن العرب أهل صناعات ..
ولكن لو تأملنا أحوالنا العصرية لوجدنا مصداق الآية جليا:فنحن محاطون بالحديد من كل الجهات ،ومنافعة ممتدة على كل صعيد ،وبأسه مجرب في كل آن :
حديد في أركان البيوت وفي السيارات والطيارات وفي النقود والعملات وفي المفاتيح المصابيح المنشرات المنجرات المنضدات الطاولات القاطرات الباخرات الجارفات الواصلات الحاسبات المسدسات السيوف ...
آيات النورعالمية في الجغرافيا...
آية الحديد عالمية في التاريخ.
أبو حسن
17-10-2008, 12:00 AM
-3-
وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ{45}
الآية معجزة !!
ولا نقول لمن يماري فيها إلا دونك القلم واللسان فخط وقل!
وهذا تفصيل لموضع الإعجاز في الآية:
سياق القصة معروف فهذا الفتى الثاني الذي كان في السجن مع الصديق -عليه السلام- ولعل خوض الناس في رؤيا الملك استدعى الى ذاكرته فصلا منسيا من حياته الماضية... فهاهو الآن يقترح على الملأ أن تعبير الرؤيا -الذي عجزوا عنه -هو مع رجل صالح كان معه في السجن ...
أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ
لا يزعم أنه هو نفسه صاحب التأويل... ويلزمه أن يخبرهم بما كان من أمر يوسف في السجن.... وهنا ينهض الإعجاز السردي في كامل بهائه.... لقد أخبرهم بقصة يوسف أو أشعرنا بأنه قد أخبرهم كل ذلك بكلمة واحدة:
"أرسلون"
إي نعم !
يطلب منهم هم أن يرسلوه... فلا بد أن يكونوا عالمين بوجود المرسَل إليه ومكانه وحاله وهذا يقتضي أن يكون الفتى الناجي قد أعلمهم وأخبرهم.... كل هذا علمه المتدبر من كلمة واحدة... "أرسلون"... كلمة واحدة كاشفة عن مطوي كثير!!
ويمكن هنا تحدي الإنس الجن-بصيغة تمرين- فيقال لهما:
"وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ ....."
اتمما الجملة بكلمة واحدة تفيدنا أن المتكلم كان قد أخبر الملأ بما وقع ليوسف في السجن... والله إن ذلك ليس في طوقهما لا بكلمة ولا باثنتين ولا بثلاث!!
Nader 3:16
17-10-2008, 12:36 AM
ابو حسن .حبذا لو تكبر الخط. .
وهل هذا هو من اسلوب الاخ ام انه منقول من احد الكتب...لأنه بالفعل شيق. و جميل.
hadid
17-10-2008, 12:53 AM
أخ نادر لتكبير الخط إستعمل خاصية التكبير في المتصفح
إذا كان لديك Firefox إضغط على ctrl + (+) للتكبير و ctrl + (-) للتصغير
سلام
أبو حسن
18-10-2008, 11:47 AM
-4-
ألم تر إلى القرآن كيف يطوي المعنى ثم ينشره ؟ فتجده مذكورا وما قد ذُكر ظاهرا وما قد ظهر!! في لطف تمتليء بروعته الألباب !
تأمل هذا الدعاء الرقيق للمؤمنين في الأسحار:
وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ{191}
أي تناسب بين خلق السموات والأرض وطلب الوقاية من النار؟
لا بد من مد جسر ليتسق الأول والثاني... وهذا من شأن التفكر أوليست الآية جاءت تنويها بصفة التفكر عند المؤمنين !
ثم إن "الفاء" أفصحت عن هذا المطوي.. فنشهد حوارا في التركيب ماتعا بين الإخفاء والإظهار !!
لو تتبعنا خط التفكير لانتهينا إلى ما انتهى إليه المتفكرون :
"فَقِنَا عَذَابَ النَّار"
فإذا "الفصيحة" "سببية" أيضا !
قالوا:
"رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً.."
فتفكيرهم إذن يدور حول "الغائية"
"سُبْحَانَكَ"
وفي ضوء المبدأ ذاته ينزهون ربهم عن اللعب والعبث..
الرب حكيم وما خلق الكون إلا لحكمة...
فما هي؟
لن يتعثر الفكر كثيرا فالجواب جلي وسريع:
السموات والأرض خلقت للإنسان... وهذا لا ينازع فيه مؤمن ولا كافر.. فالكافر وإن أنكر وجود الله أو أنكر حكمته فلا يستطيع أن ينكر أن الكون ملائم لسد حاجاته... فهذه التفاحة التي يقضمها ما وصلت إليه إلا بعد عمل طويل مشترك ساهمت فيه الارض والشمس والنجوم !!
قال ساغان-العالم الفلكي المشهور-:
لكي تصنع فطيرة عليك أن تخترع العالم كله!!
فالرجل ينظر من موقع العالم ويبحث عن الأصول... فمقادير الفطيرة عند الطابخات لا تعدو شيئا من الطحين وبضع بيضات وسكر... لكن تتبع مصادر هذه المقادير يفضي حتما إلى مقولة ساغان.. فلا قمح بدون نجوم !
الآن أدركنا جليا أن العالم كله خلق من أجل الإنسان..
لكن يجب للغائية أن تطرد !
فينقل السؤال إلى الإنسان..
ما الغاية من وجوده... كل هذا مسخر له، نعم. ولكن هو مسخر لماذا أو لمن ؟
فيأتي الجواب سريعا أيضا:
غايته أن يعبد ربه..
حسنا..
وماذا لو لم يقم بهذه الوظيفة أو أساء القيام بها...؟
"فَقِنَا عَذَابَ النَّار"
أرأيتم الاتساق والترابط بين المقدمة والنتيجة !!
Nader 3:16
18-10-2008, 03:10 PM
فائدة جميلة في المشاركة الاخيرة.
وأعجبتني مقولة هذا العالم.
ولكن اخ ابو حسن لم تقل لنا هل الاخ هو من يكتب باسلوبه؟؟؟
أبو حسن
18-10-2008, 07:00 PM
أهلا بك أخي نادر
الأخ أبو عبد المعز لديه ثقافة واطلاع واسعين، فهو يكتب بعبارته، لكن هذا لا يمنع أن يكون استفاد هذه الخواطر من كتاب أو مجموعة كتب وربط بينها بأسلوبه وصاغها بعبارته...
على كل، الهدف من نقلي هذه الخواطر هنا، هو التنبيه إلى معجزة القرآن الأساسية التي غفل عنها الشباب الملتزم بسبب بعدهم عن لغتهم، ألا وهي معجزة البيان، فهذه الخواطر التدبّرية للقرآن تُظهر بجلاء أن هذا الكتاب لا يُمكن أن يكون كلام بشر...
الشباب هذه الأيام فقدوا تعلقهم بكتاب ربهم... بعضهم ينظر إليه على أنه كتاب قانون (إفعل، لا تفعل)... وبعضهم ينظر إليه على أنه كتاب علوم (الإنفجار العظيم، الأوتار الفائقة، ...) لكن قلة هم الذين يقرؤونه على أنه كتاب من ربّ العالمين، كل كلمة فيه وكل عبارة فيها إعجاز بياني تشهد بأنه كلام الله لا كلام البشر...
فمن نظر إليه على أنه كتاب علوم، كلما ظهرت نظرية علمية جديدة تزعزعت نفسه واضطربت. ومن نظر إليه على أنه كتاب قانون، كلما طغا جانب السوء في نفسه على جانب الخير فيها، زاد بعده عن كلام ربّه وفقد ارتباطه به. أما من تذوّق الإعجاز البياني في آيات القرآن، فكلما اختلط بالبشر واطلع على أحوالهم، كلما زاد ثقة واطمئنانا بأن هذا الكتاب هو من الله، حاشا لبشر أن يكون له فيه نصيب...
لذا كان نقلي لهذه الخواطر، عسى أن أوفق للفت نظر الأخوة الأعضاء إلى الجانب الإعجازي الأساسي في كتاب ربهم...
أبو حسن
19-10-2008, 07:50 AM
-5-
رب العزة يشير إلى ذاته العلية بضمير المتكلم المفرد أوبضمير جمع التعظيم:
- فيقول في مواضع إظهار الربوبية:
أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ{6} وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ{7} تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ{8} وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ{9}
وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ{38}
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ{43}
- ويقول في مواضع إظهار الأسماء والصفات العليا:
قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ{4}
نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ
{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ }النحل40
{وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً }
{لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ }الأنبياء17
-ولكن في مقام الألوهية لا يستعمل ضمير الجمع أبدا وإن كان دالا على التعظيم... فلا تجد في القرآن "اعبدونا" أو "اتقونا" أو "ارهبونا" أو "صلوا لنا" أو "ادعونا" فقد يستعمل في الآية الواحدة ضمير الجمع حتى إذا ذكر الألوهية أفرد الضمير !!!
اقرؤوا إن شئتم:
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ
إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ
إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي
إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ
وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا
يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ
وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ
وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ
يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ
وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ
لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ
وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ
وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ
الزاهر
19-10-2008, 10:57 AM
ههههههههههه .......... ما شاء الله
منوين الأخ ... من أي بلاد الإسلام ؟؟
أبو حسن
19-10-2008, 02:29 PM
منوين الأخ ... من أي بلاد الإسلام ؟؟
لا أعرف... وإن كنت أرجح أنه من بلاد المغرب الإسلامي...
أبو حسن
20-10-2008, 08:21 AM
-6-
"الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ..."
كنت أبحث في الشبكة عن أسباب الإنهيار المالي الحالي -وهذا أمر مرغوب فيه لأن القرآن العظيم حث على استحضار مصارع الأمم لما في ذلك من عبرة- فوقفت على جزء من محاضرة لسياسي فرنسي مشهور هو Jacques Cheminade يشغل حاليا رئيس حزب" التضامن والتقدم"
كان عنوان محاضرته:
"لنفهم الجنون المالي ولنتضاحك عليه"
Comprendre la folie financiere et en rire
وقد استهل عرضه بقوله:
سنحاول أن نشرح كيف أن الجنون المالي كامن في نسيج نفسه....
ثم أشار إلى مصطلح متداول عند أهل الاقتصاد لوصف عمليات الاقتراض الربوي الدائرية: الآلية الشيطانية Mecanisme diabolique
وخلال عرضه استعمل استعارة "الجنون" مرات ...
وقام بحركات توضيحية لتجسيد العمليات المالية هي أشبه بمن يتخبطه الشيطان من المس!!!
www.dailymotion.com/tag/cheminade/video/x6xzj9_comprendre-la-folie-financiere-et-e_news
أبو حسن
22-10-2008, 09:49 AM
-7-
{فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى}طه60
أ-
السرد معجز ولا ريب، يصل فيه الإيجاز إلى منتهاه وإن المتلقي لا يجد صعوبة في أن يستجمع تفاصيل الحدث المسرود من وراء هذا الإيجاز!!
الأفعال مسندة إلى فرعون وحده فهو صاحب الحدث لكن لموسى -عليه السلام- أقوى حضور من جهة الخطاب ، فمكان وجوده نقطة إحداثية أو أصل مرجعي لفعلي فرعون "تولى" و"أتى"... فالتولي هو دائما عن شيء والإتيان هو دائما إلى شيء... والفعلان قد يدلان على مسافة واحدة يقطعها الفرعون... ومع ذلك فهما متضادان ومنشأ التضاد هو اعتبار المرجعية فـ"تولى" تقتضي مرجعا خلفيا تبتديء منه الحركة و"أتى" تقتضي على العكس نقطة مرجعية أمامية إليها تتجه الحركة...
فعندما يقول السارد مثلا:
" ذهب زيد إلى خالد"
"أتى زيد إلى خالد"
فنحن المخاطبين نستطيع أن نرصد حركة زيد واتجاهها في الحالتين كما نستطيع أيضا أن نرصد موقع المتكلم ذاته: فهو في الحالة الأولى خلفي منفصل عن خالد، وفي الحالة الثانية يكون متحدا بخالد يوجدان في المكان عينه الذي ستنتهي إليه حركة زيد.
السارد إذن حاضر مع موسى لا مع الفرعون!!
ب-
ينفصل الفرعون عن موسى ثم يعود إليه... وفي ذلك إيحاء بأن موسى ظل ثابتا في مكانه ما برحه... ومما يؤكد هذا الإيحاء وقوع الآية بين كلامين لموسى -عليه السلام-
قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى{59}
قَالَ لَهُم مُّوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى{61}
فموسى هو صاحب الكلمة الأخيرة من قبل وهو صاحب الكلمة الأولى الآن... وليس بين الكلمتين إلا ما وقع لفرعون من ذهاب وجمع وإياب... والسرد السريع لهذه الحركات من شأنه اختزال الزمن حتى ليخيل للمتلقي أن موسى عليه السلام في موقف واحد وأنه ليس بين كلميته إلا لحظات.
والمغزى من هذا الأسلوب في السرد هو الإشارة إلى أن صاحب الحق حقه معه، ملازم له ، ممتليء به،فهو مستغن عن الذهاب والبحث والتقصي...فهذه الأمور يحتاجها مبطل مثل الفرعون الذي يتعين عليه أن يتململ ويبحث عن حجته بعيدا!!
ج-
{فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى}
العطف هنا في منتهى البلاغة... ولو جعلنا "ثم" مكان "الفاء" لجاء الباطل!
الفورية في التولي وجمع الكيد دالة على حماس فرعون وعلى ما يتبع ذلك من إعلان لحالة "استنفار قصوى" فكل شيء سيسير الآن على جناح السرعة:
إرسال المكتوبات إلى الاقاليم و المحافظات ، توجيه الاستدعاءات ، تلقي التقريرات ، استقبال الوفود والمبادرات...
ولو قيل "ثم جمع كيده" لانفصل القول عن مقتضى المقام... لأن المعنى سيكون حينئذ إهمال فرعون لأمر موسى أو ترتيبه في درجة متأخرة في سلم الأوليات... والأمر ليس كذلك قطعا...
"ثم أتى"
التراخي هنا له شأنه... فهو كاشف عن معاني مطوية:
فالارتجال ممنوع ، والسرعة المطلوبة من قبل هي ضارة الآن... والانتصار لا محيد عنه!! فلا بد من تنظيم الصفوف، ومراجعة الكتب على الرفوف، ووضع شتى الخطط تحسبا للظروف، وترتيب السحرة بين الجلوس والوقوف، وتهذيب أسنة الرماح و السيوف، والتمرين على إلقاء كل حبل ملفوف!!
عجبا لهذا السرد كيف أسرع ثم تراخى بعد إذ هو موجز!!
الزاهر
22-10-2008, 10:56 AM
ما شاء الله !!!
:)
بارك الله بالكاتب وبالناقل !!!
أبو حسن
25-10-2008, 10:15 AM
-8-
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ
أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ
هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
الشاهد في الآيات هو الدقة البالغة في استعمال "السماء" جمعا وإفرادا:
فلن تجد في القرآن كله نزولا إلا من "السماء" و لا صعودا إلا إليها... فالماء مثلا لا ينزل إلا من السماء (لا من السموات)... والرجز كذلك يأتي من السماء (لا من السموات)...
وأغلب ما تأتي السموات بالجمع في سياق الخلق وعلم الغيب واتساع الملك... وتشترك السماء مفردة في هذه المعاني... لكنها تنفرد في سياق "الحركية" بين السماء والارض سواء أتعلق الأمر بالروحي (كالوحي) أو المادي (كالماء)... بالخير (كالغيث) أو الشر (كالرجز والكسف والحجارة وغيرها...)
اقرؤوا إن شئتم:
أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ
وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ
يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ
إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ
وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ
وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا
وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ
.....
قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ
وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ
بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
أبو حسن
27-10-2008, 07:54 AM
-9-
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ{15}
أ-
كلمة "ذلول" -لوحدها- تحمل تلخيصا لتاريخ الأرض وأحوالها... وكذلك تكون الطاقة الدلالية للكلمة القرآنية !
هذه الكلمة في الاستعمال العربي تأتي وصفا للمركوب، وصفة للدابة.
ومصدرها "الذُّلّ " عام بين الإنسان والدابة إلا أنهم في التوصيف خالفوا فخصوا الإنسان بصفة "ذليل" والحيوان بصفة "ذلول"... ونقلوا عن الكسائي قوله: "فرس ذَلُول بيِّن الذِّل،ِّ ورجل ذَلِيلٌ بيِّنُ الذِّلَّةِ والذُّلِّ، ودابة ذَلولٌ بيِّنة الذُّلِّ"
وإن وصف المركوب بالذلول أكبر من أن يحصر في المنثور والمنظوم. كقولهم:
ومنها أن يُقادَ به بَعير * ذَلُولٌ حينَ تَهتَرِشُ الكِلابُ
وقولهم:
وأنتم بحمد الله فيكم فظاظة * وكل ذلول من مراكبكم صعب
وقد بلغت عندهم درجة التلازم بين الصفة والموصوف ان استغنوا عن ذكر الموصوف مكتفين بالصفة فقالوا في أمثالهم: "يركب الصعب من لا ذلول له"
وتوسعوا في إطلاق الوصف فامتد إلى ما له بعض ملابسة بالمطي والركوب مثل السبل والطرق... ومنه قوله تعالى: "فاسْلُكي سُبُل رَبِّكِ ذُلُلاً"
وهذا المعنى مشهود في آية الملك أيضا إذ فرع الأمر بالمشي على الجعل..فضلا عن تشبيه الأرض بالدابة بناء على إيحاء صفة "ذلول"... أو قد يقال -على اصطلاح آخر لا نرتضيه- أن هنا استعارة بالكناية حيث شبهت الأرض بالدابة فحذفت الدابة مع الإبقاء على أحد لوازمها وهي صفة ذلول وتم نقلها إلى الأرض تحت مسوغ معتبر هو ادعاء انتماء الفردين إلى جنس واحد.
كيفما كان الحال فالأرض هي "مطيتنا الكونية" بمقتضى إيحاء الآية !!
وفي وسع المستأنسين بأقوال علماء الهيئة أن يجدوا في التشبيه اكتنازا دلاليا قويا... باعتبار ما يمنحه وجه الشبه من تماثلات على أكثر من جهة:
- فمن شأن المطية الحركة والانتقال ، وكذلك الأرض فهي جارية في فلكها المقدر لها من قبل العزيز العليم...
- ومن شأن المطية الذلول ألا تشمس أو تجفل أو تجمح فتلقي ما عليها من حمل وراكب، وكذلك الأرض سخرها الله فسوى في قوانينها بين الطارد والجاذب فلا تراها تنبذ شيئا مما عليها مع أن سرعتها قاضية بذلك !
- ومن شأن المطية الذلول أن تريح راكبها فلا تشعره بمشقة السفر... وقد يصلي فوقها نافلته أو تأخذه غفوة، وكذلك الأرض هي في سفر دائب ومع ذلك فالناس منصرفون إلى معاشهم وسباتهم غير شاعرين بالمسافات الفلكية المقطوعة ومن الناس من ينكر ذلك أصلا !
ب-
فعل "جعل" الدال على التصيير والتحويل ينبيء عن مرحلة سابقة في تاريخ الأرض... لقد كانت شموسا قبل أن تجعل ذلولا:
وهذا في وفاق مع آيات قرآنية أخرى تشيرإلى تحولات كبرى قديمة وقعت في الأرض كان القصد منها توطئتهالاستقبال الجنس الآدمي...فمن ذلك الدحو والطحو والفرش وإخراج الماء والمرعى...
وفي وفاق مع ما يذكره علماء الأرض العصريين عن طفولة الأرض التي كانت قطعة ملتهبة سريعة الدوران كثيرة الزلازل والبراكين غير صالحة للحياة... ثم بدأت -في عصور طويلة متلاحقة- تبرد وتنتظم حركتها وتتشكل فيها تدريجيا بيئة صالحة للحياة...
ج-
"...جَعَلَ لَكُمُ..."
تقديم العلة الغائية( لَكُمُ) على المعلول( الْأَرْضَ)... تنبيه على الحكمة العليا من جعل الأرض... فما وقع من تغييرات ليس آليات عشوائية كما يزعم كثير من المبطلين، بل هي محكومة بقصدية وغائية واضحة... والآية رد قوي على هؤلاء الآليين، فلا يمكن تفسير ما وقع للأرض من تحولات بدون اعتبار مبدأ "العناية"، لأن تلك التحولات قد وجد بعضها منفصلا عن بعض وبعضها متقدما عن بعض: فمنها ما يتعلق بداخل الأرض ومنها ما يتعلق بالماء ومنها ما يتعلق بالغلاف الجوي ومنها ما يتعلق بالتربة ومنها ما يتعلق بتعاقب الليل والنهار واختلاف الصيف والشتاء... فلا يعقل أن تجتمع هذه الآليات المتفرقة العمياء، صدفة، على صعيد واحد، لتوفير ما سيحتاجه كائن سيوجد بعد دهور !!!
د-
"...ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ"
الآية تؤسس قاعدة للسلوك الإنساني:
"الأكل بعد المشي"
"امش لكي تأكل"
وضع الإنسان على ظهر هذه الأرض هو وضع الكادح الحارث...
هـ-
وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُور
الآية تؤسس قاعدة عقدية :
التنعم بالأكل ينبغي ألا يغيب الحقيقة الأخرى... والانتشار على الأرض يجب ألا ينسي النشور منها.
و-
من عجيب الآية اجتماع مختلف المقاصد على صعيدها:
1-مقصدية الامتنان: "جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً"
2-مقصدية الحث على الحياة والعمران: "فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ"
3-مقصدية التحذير وتذكيرالأذهان: "وَإِلَيْهِ النُّشُورُ"
ومن عجيبها مجاورة الطرفين: الدنيا و الدين ،الأكل والفكرة... ورد كل شيء إلى الله:
فالأرض من جعله، والمأكل من رزقه، وليس النشور إلا إليه !!!
ومن عجيبها اختزال الحالات الثلاث للإنسان مع الأرض : سير وحصر ونشر. سير عليها، وحصر فيها، ثم نشر منها !!!
أبو حسن
28-10-2008, 09:45 AM
-10-
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ{1} فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ{2} وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ{3}
لو طلب من صاحب فلسفة أن يقول بلغته بعض ما جاء في هذه الآيات لقال شيئا قريبا من هذا:
"إن الخلل العَقَدي يترتب عنه حتما فساد في القيم الخلقية للأفراد وتخلخل في أواصر العلاقات الإجتماعية..."
أو قريبا من هذا:
"إن المنظومة الفكرية والقيم الأخلاقية والبنيات الاجتماعية تشكل كُلاًّ عضويا بحيث أن الخلل الفكري له انعكاس مباشر على القيم والبنيات..."
إن المقارنة بين الآيات وهذا "النص المصنوع" سيساعدنا في الكشف عن بعض خصائص اللغة القرآنية :
نعترف -أولا- أن النص المصنوع لم يبتعد كثيرا عن تقرير مقصد الآيات... ولكن شتان بين الأسلوبين !
إن الفيلسوف يعمد إلى نحت لغة تجريدية خالصة على نحو "تقشير البصلة" : فالكلمة في التداول الإنساني مركبة من طبقات دلالية يمتزج فيها الحس (التخيّل) والفكر والوجدان... لكن الفيلسوف زاهد في غير الفكر... ويرى أن إيحاءات الكلمة مشوشة فيضطر إلى صنع لغة تحتفظ فقط باللوغوس أو صوت العقل... إن الأمر هنا شبيه باللغة الرمزية التي ابتدعها المناطقة والرياضيون مع فارق هو أن المنطقي يسعى إلى إقصاء كل الدلالات الطبيعية والاحتفاظ بالدلالة الصورية فقط أما الفيلسوف فيسعى إلى المسك بدلالة طبيعية واحدة ونبذ ما عداها...
إن الفيلسوف لا يقول أبدا: "زيد يشتهي تفاحة"
فهذه عبارة غير فلسفية، ومرد ذلك إلى أنها تصف حدثا جزئيا مشخصا ومن ثم فهي أقرب إلى الشعر والفن بصفة عامة... والفيلسوف يرمي إلى ما هو عام ولا ينال العموم إلا بالتجريد... فلا بد من تحوير العبارة السابقة إلى عبارة من جنس: "نزوع الذات إلى موضوعها"
(هذه العبارة الموغلة في التجريد نفسها لن يرضى عنها المنطقي الرمزي إذ سيقدر أن زميله الفيلسوف ما زالت في عبارته بقية من "الروح" ومن ثم سيقترح الإجهاز الكلي على الطبيعة فتكون العبارة عنده :
"أ" و "ب" و "سهم" متجه من الأول إلى الثاني)
نعود بعد هذه التوطئة إلى الآيات لنلحظ أن أسلوب القرآن مخالف تماما لأسلوب المنطق والفلسفة:
القرآن لا يذكر "الخلل العقدي" مفهوما عقليا مجردا ولكن يجسده في سلوك...
وهذا السلوك نفسه ليس معنى مجردا بل شيء قائم في شخص...
والشخص نفسه حاضر في الخطاب مشار إليه ومنبه عليه...
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ..
الآية لا تقول: أرأيت الذي "فسد معتقده"...
ففساد المعتقد أمر تجريدي ولبيانه أكثر لا بد من "تحسيسه" ومن ثم شخّص هذا الفساد في شيء هو" يكذب بالدين"...
المكذب بالدين شخصٌ جعل نفسه في مأمن من المتابعة والحساب... وما دام الأمر كذلك فلم يقيد نفسه بمباديء من أي نوع كانت ! ولم يلتزم ما لا يلزم !
فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ...
مرة أخرى تجسيد الفكرة في موقف وليس تجريد الموقف إلى فكرة كما يفعل الفيلسوف...
الانفلات الخلقي موضوع هنا أمام السمع والبصر في مشهد معروض متحرك يجلي قسوة ما بعدها قسوة:
كبير في مواجهة صغير...
قوي في مواجهة ضعيف...
ثم نلحظ فعل "يَدُعُّ" كم هو دال على الخسة واللؤم... فالدع دفع من خلف... أي على حين غفلة من الضحية...!! فلا هي قادرة على الدفاع عن نفسها ولا الوحش ترك لها فرصة تفادي الضربة... فلم يأتها إلا من خلف !
وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِين...
هذا موقف آخر... نشهد فيه انعكاس الخلل العقدي... وامتداد شره إلى المجتمع وثقافته...
والآية إذ تنفي الحض على الطعام تكون أبلغ مما لو نفت الإطعام نفسه... عكس ما يظهر لبادي الرأي...
فهذا المختل لو منع طعام مسكين لكان السوء أصاب فردا فقط ولكنه بعدم الحض يمنع إشاعة ثقافة الكرم والتكافل في المجتمع ويكرس ثقافة الاستئثار والأنانية... فيصيب السوء المجتمع كله...
اللغة المقشرة عند الفيلسوف تكون في القرآن ممتلئة:
فما قاله الفيلسوف عن مضاعفات الخلل العقدي فهمناه من الآيات... ولكن الآيات قدمت لنا أمورا أخرى لا قبل للفيلسوف بها:
فقد أثارت الآيات في أذهاننا صورا حية... وقدمت لنا أشخاصا... وبعثت فينا أحاسيس...
فقد ازداد بغضنا للمكذب بالدين... عدو الناس والمجتمع...
واقتربنا من المستضعفين ومعاناتهم... واستنكرنا الدفع الوحشي لليتيم من خلف ظهره... ومحاصرة المساكين.. لا يطعمون ولا يترك من يطعمهم...
استبشعنا هذا النموذج القبيح... وعاهدنا أنفسنا ألا نكون كذلك...
وهكذا شعّت الكلمة القرآنية على العقل والحس والوجدان والسلوك !!!
أبو حسن
03-11-2008, 08:48 AM
-11-
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
للمفسرين في تقديم العبادة على الاستعانة مذاهب، فقد زعموا إجمالا أن العبادة غاية والاستعانة وسيلة، فكان من حق الوسيلة التقديم، ومن ثم بحثوا عن الحكمة في هذا العدول:
- قال البغوي رحمه الله تعالى:
فإن قيل : لم قدم ذِكْرُ العِبَادَةِ على الاستعانَةِ، والاستعانةُ لا تكون إلاَّ قبل العبادة ؟
قلنا : هذا يلزمُ من جَعَلَ الاستعانةَ قبلَ الفعل ، ونحن نَجْعلُ التوفيقَ والاستعانةَ مع الفعل ، فلا فرق بين التقديم والتأخير.
- قال ابن عادل رحمه الله تعالى:
"وقدم العِبَادَةَ على الاسْتِعَانَةِ لأنها وصلةٌ لطلب الحاجة."
- وقال ابن عاشور رحمه الله تعالى:
"ووجهه تقديم قوله {إياك نعبد} على قوله: {وإياك نستعين} أن العبادة تقرُّب للخالق تعالى فهي أجدر بالتقديم في المناجاة ، وأما الاستعانة فهي لنفع المخلوق للتيسير عليه فناسب أن يقدِّم المناجي ما هو من عزمه وصنعه على ما يسأله مما يعين على ذلك ، ولأن الاستعانة بالله تتركب على كونه معبوداً للمستعين به ولأن من جملة ما تطلب الإعانة عليه العبادة فكانت متقدمة على الاستعانة في التعقل. وقد حصل من ذلك التقديم أيضاً إيفاء حق فواصل السورة المبنية على الحرف الساكن المتماثل أو القريب في مخرج اللسان."
مناقشة قول البغوي:
أدخل المفسر رحمه الله مسألة كلامية مختلف فيها هي مسألة مقارنة الاستطاعة للفعل أو تقدمها عليه... والمحققون من أهل السنة يرون الاستطاعة نوعين:
نوعا متقدما على الفعل وهو ما يتعلق بسلامة الأدوات والأعضاء وغيرها... ونوعا مقارنا لإنجاز الفعل...
وعلى كل حال إذا سلمنا -جدلا- تزامن الاستطاعة والفعل من جهة الوجود، فهي متقدمة -منطقيا- تقدم الشرط على المشروط.... فيكون في قول المفسر: "فلا فرق بين التقديم والتأخير" نظر.
مناقشة ابن عاشور:
يستفاد من كلام المفسر ثلاث توجيهات أساسية:
- تقديم العبادة على الاستعانة من باب تقديم الأشرف، على اعتبارأن التقرب إلى الخالق أشرف من انتفاع المخلوق...
- تقديم العبادة من باب تقدم العلة الغائية على اعتبار أن العلة الغائية وإن كانت تالية في التحقق فهي سابقة في التعقل... فالعقل يتصور العبادة أولا ثم يخطط لتحقيقها فيكون تصور الوسائل بعدئذ.
- تقديم العبادة على الاستعانة لاعتبارات جمالية مثل تقديم الألفاظ بعضها على بعض، مراعاة للفواصل وتيسيرا على اللسان...
لنا على كلام المفسر ملاحظتان:
أن الشيخ إذ تكلم عن "... نفع المخلوق للتيسير عليه" فهو متكلم عن المعونة أو الإعانة أما الاستعانة فشيء آخر... كما سيأتي بيانه.
في قول الشيخ: "فناسب أن يقدِّم المناجي ما هو من عزمه وصنعه على ما يسأله مما يعين على ذلك" رائحة اعتزال فهو يرى العبادة "من صنعه" مخالفا لمذهب أهل السنة ومذهب الأشاعرة نفسه...
مناقشة قول ابن عادل:
"وقدم العِبَادَةَ على الاسْتِعَانَةِ؛ لأنها وصلةٌ لطلب الحاجة"
فلعله يقصد أن العبادة تمهيد للطلب كما يقدم الثناء بين يدي طلب الحاجة...
أو ذريعة للطلب، فكأن لسان حال العابد يقول "لأنني أعبدك فاعطني" فهو من باب ابتغاء الوسيلة كما في قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ"
وكل هذه التوجيهات لا تخلو من ضعف عند التحقيق، وسندنا في التضعيف فكرة أولية لم يلتفت إليها كثير من أهل التفسير:
أليست "الاستعانة من العبادة" !!!
بلى!!!
"السين" للطلب، فالاستعانة طلب للعون، والطلب دعاء، والدعاء هو العبادة...
وجعل الاستعانة لتحصيل العبادة أو العكس غلط عقلا ونقلا:
فهذا يفترض أن الاستعانة ليست عبادة وهذا غير مقبول شرعا فالمستعين بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك... والآية نفسها عندما قدمت المفعول به "إياك" فقد دلت على معنى الحصر فالاستعانة لا تكون إلا بالله وإلا فهي شرك... فإذا كانت الاستعانة من جنس العبادة فإنه محال عقلا أن تكون وسيلة لنفسها لأنها ستكون متقدمة ومتأخرة في وقت واحد!!!
وقد يقال لا محال في أن يتخذ نوع عبادة لاستجلاب أخرى... لكن عبارات المفسرين لا يفهم منها ذلك،
ولذا لاحظنا أن قول ابن عاشور "وأما الاستعانة فهي لنفع المخلوق..." قول غير دقيق لأنه يخلط بين الطلب والمطلوب... فالمطلوب هو المنتفع به وقد يكون ماديا دنيويا أو روحيا أخرويا... أما الطلب نفسه فهو قيام بالعبادة بل هي العبادة كما في حديث النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -الذي رواه أبو داود والترمذي وغيرهما-عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، قَالَ: الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ وَقَرَأَ {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِلَى قَوْلِهِ دَاخِرِينَ}
قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
فإذا تقرر هذا ظهر أن قول المفسر: أن العبادة تقرُّب للخالق تعالى فهي أجدر بالتقديم في المناجاة، ليس صحيحا لأن تلك المناجاة نفسها من العبادة وطلب المعونة من العبادة... ومن ثم فالكلام عن التقديم والتأخير من هذا الاعتبار غير معقول...
التحقيق:
أن تقديم العبادة على الاستعانة في الفاتحة ليس من باب تقديم الأشرف، ولا من باب تقديم الوسيلة أو السبب ، ولا من باب تقديم المقصد على الذريعة، بل هو من باب عطف الخاص على العام:
فعطف على جنس العبادة عبادة خاصة هي الاستعانة تنويها بها وتذكيرا بشأنها لأن العباد كثيرا ما يغفلون عن أمرها فتراهم يدعون غير الله ولا يشعرون بعظم جرمهم... فكان أن نبه النبي صلى الله عليه وسلم على هذا بقوله "الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ"
والله أعلم...
أبو حسن
06-11-2008, 09:35 PM
-12-
....إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً }الأحزاب 72
.....إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ }إبراهيم 34
صيغة المبالغة تفيد تجاوز الحدود: حدود الظلم والجهل والكفر...
العلاقة الاستبدالية بين الجهل والكفر مؤشر على تجانس المفهومين... وسنرى في الآيات الآتية حجاجا بليغا تثبت دعوى أن الكفر ليس إلا جهلا... وأن سحيق دركات الكفر هي ذاتها أقصى مراتب الجهل:
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً{50}
المقام الحجاجي الكلي مؤسس على ثلاثة مواقف جزئية، من شأن كل موقف -استقلالا- إقناع المخاطب بالدعوى المقررة... فكيف وقد انضم إلى الموقف موقفان آخران !!
ولكن الإنسان يأبى إلا الانسياق وراء الدعوى المضادة... وتلك غاية الجهل !
- الموقف الأول:
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ
رب العالمين يظهر إرادته في تشريف الجنس البشري، فيأمر بالسجود لآدم...
هذا وحده كاف ليحمل الآدمي على محبة الله... فلا يستساغ -بأي مقياس كان- أن يعادي المرء من يشرفه ويعظمه...
والإعراض عن الله في هذه الحالة هو إعراض عن التشريف والتكريم ورضى بالخسة والحقارة !!! وهذا لا يدل إلا على انقلاب القيم وفساد الموازين ...
- الموقف الثاني:
فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ...
امتناع إبليس عن السجود إيذان بموقف مزدوج:
- موقف من رب العالمين مداره على الكفر والفسق
- موقف من آدم مؤسس على التعالي والاحتقار...
فيكون الإنسان في موقع منير لا يمكن أن يتلبس به ظل أي إشكال:
فهو بين ما يريد تكريمه وتشريفه وبين من يعلن تحقيره ويشهر التعالي عليه...
فهل سيتردد هنا عاقل أدنى تردد في الوجهة التي سيتخذها...؟
هل سيخطر على الذهن -مجرد خاطر- أنه يمكن الركون إلى من يحتقرنا ومعادة من شرفنا !...
ومع ذلك فقد كان للإنسان سلوك آخر !!!
-الموقف الثالث:
أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ
هذا الموقف يصل إلى منتهى التحفيز !
إن إبليس لم يكتف بالاحتقار والازدراء بل أضاف إليه أمرا أخطر هو الرغبة في الانتقام...فيكون الشيطان -في علاقته بالآدمي- قد تطور من مستوى التقييم (أنا خير منه) إلى مستوى الفعل (العداء)...
بعبارة أخرى إن الآدمي مضطر إلى التطور نفسه: فالأمر لم يعد مسألة معرفة الحسن والقبح... بل إن الأمر يستدعي شيئا لا يكون أقل من "الفرار"... فمن كان يحتقرك أضحى يريد قتلك ! فإن أعرضت عن الأول وقلت لا يهمني أن يحتقرني أتراك تقول ذلك وهو يريد إهلاكك !!
لقد استجاب الإنسان لمطلب الموقف، وقدر أنه لا مناص من الفرار... ففرّ...
لكنه فر من الله إلى عدوه !!!!!!!
لا أرى أن كل علامات التعجب الموجودة في الدنيا بكافية هنا !
أبو حسن
16-11-2008, 10:34 AM
-13-
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِين
مسألة "الهم" أسالت كثيرا من المداد، وفتحت للناس صنوفا من أبواب المقال... فلن نزيد قولا إلى ما سبق من جمهرة الأقوال، ولكننا سنقف قليلا عند المسألة الثانية في الآية: مسألة "البرهان".
رأينا نبنيه على مبدأ وقاعدة:
أما المبدأ فهو:
1-إن للسر جمالا
وأما القاعدة فهي:
2-إن ما لا سبيل إلى معرفته يجب السكوت عليه...
وعدم الالتفات إلى "المبدأ" يجر حتما إلى اختراق "القاعدة"...!
ماذا رأى الصديق عليه السلام؟
اختار القرآن هنا -وهو الموصوف بالبيان والتفصيل- أسلوب الإجمال: "بُرْهَانَ رَبِّهِ"...
فمقصود القرآن المبين إذن هو أن يبقى الأمر سرا...!
وأي سر !!
سر بين نبي وربه!!!
وللسر جماله... مثلما له مغزاه...
فلو رأينا -ولله المثل الأعلى- كبير قوم يسر إلى واحد من حاشيته أمرا، ولو رأينا -ولله المثل الأعلى- قرينة من المسر تشير إلى أنه يريد أن يبقى السر سرا... فبماذا سيوصف سلوك من يبخع نفسه لمعرفة محتوى ذلك السر!
ليس أدنى من صفات "قلة الأدب" و"الفضول" و"التطفل" و"التسور"...!!!
وفي غمرة البحث المضني سيغيب المقصد الذي كان يجب اعتباره:
فهذا الكبير -ولله المثل الأعلى- ما أراد بإسراره إلا أن يعلن للملأ أن لذلك الشخص مكانة عنده فهو يريد أن يخصه بشيء لا يكون لغيره... وقد يكون ما أسر به أمرا "عاديا" لا قيمة له في ذاته... وإنما يستمد قيمته كلها من معنى "السرية"!!
هذا المغزى هي النكتة التي غابت عند بعض الناس...
فليوسف عليه السلام عند ربه مكانة خاصة...
فكان الإسرار إلى الخاصة بشيء من الأشياء...
واكتفى في الإعلان عنه بوصف "برهان من ربه"
لكن الفضول دفع الناس إلى أن يحوموا حول ما لا يمكن معرفته فكانت النتيجة أن جاؤوا بغرائب وعجائب أمثلها طريقة تدل على عقم في الخيال وأقبحها طعن خفي في نبي الله يوسف... فانظر إلى مقصود القرآن -في التكريم والتنويه- وإلى مقاصدهم !!
فمنهم من أسقط اصطلاح المناطقة على لغة القرآن ففهم من كلمة "برهان" ما يفهم منها في اصطلاح تصانيف أرسطو والقوم... فزعموا أن يوسف اصطنع قياسات ووضع مقدمات واستنبط نتاجات... تمنعه من مجامعة المرأة!!
فغفلوا أن القياسات الصحيحة في متناول كل عاقل... وأن الامر يتعلق هنا ببرهان من "ربه" وليس من عقله... ثم كيف اطلعوا على ذهن يوسف وهو غيب من الغيوب!
ومنهم من زعم أن المرأة غطت وجه الصنم -إلهها- فسألها يوسف عن سبب ذلك فقالت إنها تستحي أن يراها إلهها في وضع مشين فوضعت غطاء على عينيه!
وزعموا أن يوسف اصطنع هنا قياس الأولى فقال إنه أولى بتقوى الله منها... فانصرف عنها...!!
فاعجب من خبر عن نبي تربي في أسرة كبار الانبياء لا يتعلم تقوى الله إلا من مشركة ذات شهوة!!
وزعموا أن صورة يعقوب عاضا على أصبعه تمثلت ليوسف في الجدار أو في السقف أو في السماء...!!!
فلا يقال لهم إلا هاتوا برهانكم عن "برهان ربه"!!
ورحم الله أبا جعفر شيخ المفسرين... فقد شاء له حسه العلمي أن يسرد بعض هاتيكم الأقوال... كما شاء حسه الخلقي -الجمالي!- أن يقول في نهاية المقال:
( وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله جل ثناؤه أخبر عن همِّ يوسف وامرأة العزيز كل واحد منهما بصاحبه، لولا أن رأى يوسف برهان ربه، وذلك آيةٌ من الله، زجرته عن ركوب ما همَّ به يوسف من الفاحشة، وجائز أن تكون تلك الآية صورة يعقوب، وجائز أن تكون صورة الملك، وجائز أن يكون الوعيد في الآيات التي ذكرها الله في القرآن على الزنا، ولا حجة للعذر قاطعة بأيِّ ذلك [كان] من أيٍّ . والصواب أن يقال في ذلك ما قاله الله تبارك وتعالى ، والإيمان به ، وترك ما عدا ذلك إلى عالمه).
أبو حسن
25-11-2008, 09:02 AM
-14-
فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا
أنت لست في حاجة إلى ارتياد الآفاق أو السفر إلى المجرات، في رحلة غير مأمونة، لكي تدرك إعجاز القرآن !!
هو أقرب من ذلك بكثير، و هو مع ذلك ماثل بوضوح بحيث لا يضطر العنزان إلى أي انتطاح !
تأمل قوله تعالى:
فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا
ألم تر أن الله قص علينا قصة كاملة في سبع كلمات !!
هذا العدد من الكلمات لا يكفي السارد من الجنة والناس لمقدمة المقدمة... لكن القرآن فصل منها قصة كاملة ذات أحداث... فليتأمل... ثم فليتأمل !!!
أبو حسن
21-02-2009, 12:30 PM
-15-
فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَاماً فَقَتَلَهُ
قصة أخرى ذات أحداث تأتي عقب قصة أولى وتسرد على أسلوبها ذاته: ست كلمات فقط..
من هذه الكلمات الست وحدها ينتزع الذهن قصة كاملة ذات فائدة يحسن السكوت عليها!!
فلنسم هذا الوجه من الإعجاز: "الإعجاز السردي".
أبو حسن
21-02-2009, 12:34 PM
-16-
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }المجادلة7
كنت أتساءل عن السر في عدم ذكر النجوى بين اثنين والبدء رأسا بالثلاثة....فخطر ببالي أنه ربما لم يبدأ بالاثنين لأنه سيقول "إلا هو ثالثهم" والنصارى تقول في ضلالها "إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ" ومع أن الفروق بين المقامين لا تخفى على أحد إلا أن القرآن اختار ألا يرد فيه تعبير يجري على ألسنة الكفار ...
ثم لم تطمئن النفس لهذا التعليل، فوقع لي بعدها تعليل أقوى مبني على قوله "وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ"..فهذا الحكم الكلي العام ما كان ليكون لو ذكر نجوى الاثنين.. لأن النجوى بين الاثنين في أدنى المراتب فلا يستقيم معه القول "وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ”
فتكون الآية قد أشارت إلى كل المراتب الممكنة:
صرحت بالنجوى بين الثلاثة والأربعة... ونبهت على النجوى بين الاثنين بقوله "ولا أدنى من ذلك"... وأجملت ذكر كل الأعداد لا إلى نهاية بقوله "ولا أكثر".
يا هلا بالمعلم ابو حسن .....
ع فكرة الموضوع تحفة بالنسبة لاي......
حلو...... و الحلو فاي انو بسيط الأسلوب .......و فاي افكار مهمة ........منتقاة بشكل رائع ....... يعطيك العافية .......متابع معك انا .....هلأ ما في حابب ناقشو ....بس طالما الاسلوب حلو الا ما يجي شي نحكي و ناقش فاي .......
يعطيك العافية ..............
اخوكم دوكر المعوكر..................
Powered by vBulletin® Version 4.1.11 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir