المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشيخ سلمان العودة: الإفراط في مراعاة المجتمع يجعل الناس مهووسين بالمظاهر



صلاح الفلو
31-10-2008, 11:32 AM
الشيخ سلمان العودة: الإفراط في مراعاة المجتمع يجعل الناس مهووسين بالمظاهر
الإسلام اليوم- هاني الموافي 1/11/1429
30/10/2008 http://www.islamtoday.net/salman_img/A7DIABB2.jpg
أكد فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة - المشرف العام على مؤسسة (الإسلام اليوم) - أن الأصل في الهوية الاجتماعية أنها قناعة وليست فرضاً، مشيراً إلى أن السلطة والمجتمع قد يفرضان أشياء، لكن الأصل في الهوية أنها قناعة عند الأفراد، مؤكداً أن الإفراط في مراعاة المجتمع يجعل الناس مهووسين بالمظاهر.
وقال الشيخ سلمان - في محاضرة ألقاها فضيلته بأحدية الشيخ محمد البابطين، ملبياً دعوة تلقاها من القائمين على الأحدية، تحت عنوان: "الهوية الإسلامية في زمن العولمة" -: إن من أبرز معاني الانتماء أننا ننتمي إلى الله ودينه الحق، مؤكداً أن هذه قضية ينبغي أن تكون راسخة في نفوس الجميع صغاراً وكباراً، ذكوراً وإناثاً بحيث يتم التعاطي معها بصفتها جزءاً أساسياً في التربية.


هوس اجتماعي!
وأوضح الدكتور العودة أن المجتمع قد يفرض أشياء، والسلطة قد تفرض أشياء - هذا لا بد منه - فمقتضى كوننا مجتمعًا يعني أن هناك ضوابط وأنظمة، مثل أنظمة المرور، وأنظمة العمل، وأنظمة البناء، هذا طبيعي؛ لكن ينبغي أن نفرق بين هذا، وبين أن نبالغ أحياناً في تقدير بعض الاعتبارات الاجتماعية، ونقلل من أهمية الاعتبارات الشرعية، وهذا خطأ كبير، فإذا كان ينبغي أن تراعي المجتمع بنسبة 20%، إذا زدت النسبة إلى 40% في مراعاة المجتمع، فهذا سوف يكون على حساب أشياء أخرى، فيصبح الناس مهووسين بالمظاهر، أكثر مما هم معنيون بالقيم والبناء الذاتي والقناعات.
ونبه فضيلته إلى أن من أبرز الأخطاء الشائعة في مجتمعاتنا أن كثيراً من الآباء لا يهتم بتربية أولاده على الإيمان بالله والعمل للمستقبل، ولكن يكون نصحهم وإرشادهم لأبنائهم من أجل ألاّ يقول الناس عنهم شيئاً، وألاّ يقولوا هذا ولد فلان، والبنت مثلا: إذا أراد الأب أن يمنعها من شيء، فلا يقول إن هذا الشيء لا يجوز، أو أن الله سبحانه وتعالى حرّم هذا، وإنما يقول لها: لا نريد أن يقول الناس أن بنت فلان عملت كذا!!
وأضاف الدكتور العودة: إن بعض تصرفاتنا في توجيه أبنائنا وتربيتهم قد تغرس فيهم ما يمكن أن نسميه ب- "النفاق الاجتماعي"، ضارباً لذلك مثالاً بطريقة تعاملنا مع الأطفال، إذا جاء ضيوف في البيت، تجدنا حريصين على نظافة هذا الطفل إلى أبعد الحدود، وإذا ذهب هؤلاء الضيوف تجد الطفل يعبث ويلعب بكل ما يشاء، فيدرك الطفل أن عندنا مزاجين وطريقتين وخطتين، خطة للحياة وخطة لمجاملة الناس.. مؤكدًا أن هذا الطفل يتربى ويكبر، وتكبر معه المجاملة والمراعاة للناس، وهذا من شأنه أن يصنع نفاقاً اجتماعياً، فلا تصبح الهوية دينونة وإيمان وقناعة، وإنما تصبح القضية هي "ما يقول الناس".
وتابع الشيخ سلمان العودة: في رحلاتي وأثناء ركوبي الطائرة أرى من ركاب الطائرة من الأولاد أوالبنات تتغير أشكالهم لدرجة أنك لا تكاد تعرفهم، وإذا رجعت وجدت الشيء ذاته، فتجد المحجبة سافرة بل ومتبرجة، بل وتضع العطر، وتشاهد أحياناً علاقات وما شابه ذلك.. وهكذا الشباب، بل قد تجد أحياناً مظاهر لا تنم عن خير.. موضحًا أنه رأى غير مرة في الطائرة شباباً في حالة أشبه بالعربدة، وهم يؤذون من يمر ومن يأتي ومن يذهب!!
وأردف فضيلته، أحياناً أقول في نفسي إن من يرى مثل هؤلاء الشباب - بالذات الغريب عنا - سيظن أن كل المجتمع كذلك!! ويتوقع أن هذا المجتمع مجتمع تربى على النفاق الاجتماعي، فإذا كان الإنسان حاضراً تجد الالتزام واللباس المحتشم والفضيلة، وإذا خرج تبرأ من هذا كله، فكأن الإنسان التزم من أجل الناس..


إيمان المخبر وإسلام المظهر
وأكد الشيخ سلمان على أهمية ترسيخ الهوية على أنها قيمة حقيقية، وقناعة وإيمان، وليس فقط مجاملة للمجتمع، يقول تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ). [الأنبياء:92]، فهذا تكريس لهوية الإيمان، ويقول أيضاً: (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ). [الحج:78]، مما يدعو إلى تكريس هوية الإسلام بالمخبر والمظهر، والمخبر هو الأول، فالإيمان هو التعبير عن المخبر، والإسلام هو التعبير عن المظهر..
واستشهد فضيلته بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الإيمان في القلب، والإسلام علانية"، المظهر هذا ينتمي ويعبر عن حقيقة الإسلام، المخبر يعبر عن حقيقة الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والمقصود هو تكريس الهوية وخصائصها العقدية والفكرية.
وأوضح فضيلته أن مجرد الحديث في مجلس لا يغير من الواقع شيئاً، ما لم يكن هناك قدوة في الأسرة، وقدوة في المدرسة، وقدوة في المجتمع، وتكريس النظام التعليمي حب الشريعة في نفوس الطلاب، وحب الكتاب والسنة ، وحب النبي صلى الله عليه وسلم، وحب الصحابة و الاقتداء بالصالحين أيضاً.


الإحساس بالبشرية.. هوية
وفصّل الدكتور العودة في قضية الهوية، موضحًا أن إحساس الإنسان بالإنسانية والبشرية مرحلة من مراحل الهوية، وهو جزء من الوعي بالذات وانتماء الإنسان للأرض، ومن آثار وتبعات هذا المعنى أن الأديان السماوية كلها جاءت بالفطرة، وما جُبل عليه، ولذلك ما خلق الله في الإنسان شيئاً وإلاّ وشرع ما يلبي هذا التطلب، حتى إن الطفل الصغير يبكي إذا سلبته الأنا التي وعى الإنسان عليها.. كذلك الأمر فيما يتعلق بالعلم والمعرفة وحب الاطلاع، والزواج والفطرة البشرية، إذن هذا الجانب الإنساني يقتضي أن يكون المسلم أو المؤمن متواصلاً مع الناس، فمن أعظم أسباب التواصل مع الناس هو إدارك هذا الجانب في نفسك وفيهم، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ). [الحجرات:13]، وانتماء هذا لشعب معين أو دولة معينة ليس معناه الانكفاء أو التقوقع.
ومن الطرائف التي ذكرها فضيلته في هذا الجانب.. أن رجلاً جاء إلى معاوية بن أبي سفيان وقال له: أسألك بالنسب التي بيني وبينك إلاّ أعطيتني؟ قال له معاوية هل لك قرابة معي؟ قال الرجل: لا، فقال معاوية هل لك جوار معي، قال الرجل: لا، فقال له معاوية: فما هو النسب الذي سألتني أن أصله؟ قال له الرجل: آدم، فقال معاوية - وهو الحصيف الحكيم -: قال: ذاك نسب مهجور، وقلما سأل به أحد، ثم أعطى الرجل ما سأل.


الحكمة ضالة المؤمن
وعرّج الشيخ سلمان - خلال حديثه عن الهوية - على ذكر الله تعالى للإنسان في القرآن قائلاً عنه (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)، وذكر سماته وصفاته، يقول تعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا)، مشيراً إلى أن اصطفاء الله للإنسان بسبب عقله القابل للتعلم والحصول على المعلومات واكتشافها وتطويرها.. معلنًا أن هذا الشق من الهوية، الذي هو الإنسانية يعتبر مدخلاً ومدرجاً لنا للتواصل مع الآخرين وإقامة الصلات معهم، والتأثير فيهم، والانتفاع منهم أيضاً؛ لأنه قد يوجد عندهم ما ليس عندك، فالحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أولى بها.
وأضاف فضيلته: إنك مثلاً لا تستطيع أن تقول إن العلم أو الحضارة أو الطب أنه غربي أو شرقي أو هندي أو إنجليزي أو أمريكي، لكن هو علم إنساني، طب إنساني، حضارة إنسانية، فناصية العلم والحضارة في يوم من الأيام كانت عند المسلمين، وكان كبار الأمراء والملوك والقياصرة في أوروبا يرسلون أبناءهم إلى بلاد الأندلس من أجل التعلم والمعرفة، ويكتبون بذلك خطابات لأمراء المسلمين.. وكذلك أخذ المسلمون أجزاء من الحضارات السابقة، وترجموها وأضافوا إليها وعدلوها ونشروها..


اقتباس وتجربة
وقرّر الدكتور العودة جواز الاقتباس، مؤكداً على ضرورة أن نفرق في الاقتباس بين النافع و الضار، بمعنى ألاّ يذوب الإنسان في الآخرين ويتماهى فيهم، وينسى جذوره وهويته، وإنما يكون عنده إحساس بالرحم والتواصل، وأن البشرية تتلاقى وتتلاقح؛ والنبي صلى الله عليه وسلم أخذ قصة حفر الخندق، من فارس بوساطة سيدنا سلمان الفارسي -رضي الله عنه- وكذلك أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بعض التجارب الاجتماعية والطبية من الروم.
كما أشار فضيلته إلى تفنيد النبي بعض ما يعتقده الناس؛ من أن المرأة إذا وطئها زوجها وهي حامل أو وهي مُرضع أن هذا يؤثر على الجنين المولود، ويجعله ضعيفًا متهالكًا يسقط عن الفرس، فالنبي صلى الله عليه وسلم سمع هذا الكلام حتى هم أن ينهى أصحابه عن ذلك، ثم قال صلى الله عليه وسلم: "إني وجدت فارس والروم يفعلون ذلك فلا يضرهم".
والتجربة هنا - كما يرى الشيخ سلمان - ليست تجربة إسلامية، وإنما هي تجربة الفرس والروم، لافتاً إلى أن بعض العلوم تستطيع أن تقول عنها إنها علوم محايدة، ليس لها هويّة، وإنما هي مبذولة ومفتوحة للناس كلهم. إذن قضية الاقتباس والمعرفة هي من القضايا المشتركة أيضاً..


الهوية تفرّد واستقلال
كما أوضح فضيلته أن من معاني الهوية أنها تشير إلى التفرد والاستقلال، فنحن عندما نتحدث داخل إطار الإنسانية نجد أن هناك هوية خاصة، هوية للعربي أو للمسلم أو لأي جنس آخر؛ وهناك شروط إضافية تجعلك لست إنساناً فقط، بل إنساناً وصاحب هوية، فقد تكون هذه الهوية إسلامية ولا مانع أن نقول عربية؛ لأن بعض الشباب عنده موقف من هذه الكلمة، ويترامى إلى ذهنه فكرة القومية العربية ورفض الشعوب الإسلامية. وأنا أقول: إن الانتماء للعروبة ليس مذمة بل محمدة، والقرآن بلسان العرب والنبي عربي والعرب جنس فاضل، كما قال ابن تيمية رحمه الله.
مؤكداً أن المذموم هو التقوقع داخل العربية أو اعتبار أن مجرد العروبة خاصية وميزة للإنسان بموجبها يقصّر الإنسان في العمل، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن آل بني فلان ليسوا بأوليائي، وذكر ناساً من أهل البيت، إنما وليي الله وصالح المؤمنين).


الأنا والتواضع
وعن الهوية الجماعية أوضح فضيلته أن الإنسان ليس فرداً فقط، وإنما مجتمع، فبدلاً من أن تقول "أنا"، ينبغي أن ننتقل إلى صيغة "نحن"؛ فالطفل الصغير في مهده لا يعرف قول "أنا"، ولكنه كلما كبر كبرت معه هذه الأنا حتى تُسيطر عليه إذا لم يتفطن، فتجد من الناس من قد يقع في عبادة ذاته، و يحاكم الناس على ضوء موقفهم منه، وتكبر عليه نفسه، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يدخل الجنة من كان في نفسه مثقال ذرة من كبر، قالوا: يا رسول الله أحدنا يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة، قال: إنَّ الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمْط الناس"، فهذا الحديث يدل على أن التواضع من أعظم الأخلاق؛ لأنه نقيض الكبر، حتى لو علا الإنسان في علمه أو معرفته أو ماله، فكلما عرف نفسه تواضع، ولهذا كان الأئمة يقولون: "من عرف نفسه استراح".
وبيّن فضيلته أن كثيراً من المشكلات التي تقع في مجتمعاتنا، في العلاقة الزوجية أو إدارة الشركة أو الجيران أو غيرها، هي بسبب تضخم الذات وسيطرة الأنا على الإنسان، حتى تجد أن الإنسان يتحمل بعض الأخطاء الكبيرة الشرعية، ولكن إذا كان الخطأ يتعلق بشخصه حتى ولو كان صغيراً فإنه لا يتحمله، فربما قابلت أحداً في الحياة وتحدثه مثلاً باسمه، فتجده يصحح لك، أنا كذا أو كذا ويذكّرك: "أنا معي دكتوراه من جامعة كذا ودكتوراه من جامعة كذا"، فتلاحظ هذه الأنا التي تكبر ، مع أنه كلما تواضع الإنسان رفعه الله سبحانه وتعالى.
وضرب فضيلته المثل بعمر بن الخطاب رضي الله عنه في التواضع؛ وهو يوبخ نفسه ويقول: "بخ بخ!! عمر بن الخطاب!! أمير المؤمنين!! والله لتتقينّ الله أو ليعذبنّك الله"، وكان يجلس مع الصبيان ويلاعبهم، بل النبي صلى الله عليه وسلم كانت يأتيه الأطفال الصغار فيلاعبهم وكان يحنّك المواليد ويبارك عليهم.
وأضاف الشيخ سلمان العودة: إن هذه كلها معان تحفظ للإنسان ذاته ومسؤوليته، وتمنع سطوة الأنا عليه، التي تجعله يحاكم الناس على هذه الأنا؛ و من الهوية عدم تضخيم الأنا، وليس إلغاءها؛ لأن لنفسك عليك حقاً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.


أصل الهوية
وعن أصل كلمة هوية في اللغة والكلام.. بين فضيلته أن الهُوية بضم الهاء على الصواب؛ لأن الهُوية مأخوذة من "هُو"، يعني هي جواب لسؤال: ما هو هذا الشيء؟ فحقيقتها هي بضم الهاء، وهكذا كان القدماء يستخدمونها، فالكلمة نفسها ليست كلمة جديدة، وقد استخدمها من قبل اللغويون والفلاسفة وغيرهم، تكلم فيها الفرابي وابن رشد، وتكلم فيها من الجانب اللغوي عبد القاهر الجرجاني وغيره.http://www.islamtoday.net/salman_img/A7DIAB.jpg
كما أننا أحياناً نستخدم لفظ الهَوية" بفتح الهاء ونقصد بها البطاقة الشخصية، ونستخدم "الهُوية" بضم الهاء، ويقصد به هذا المعنى الذي نُريد به أن تأتي الآن، وهو الحديث عن ماهية الشيء أو ذاتية الشيء، وإذا قيل "هوية" ولم تحدد، فيكون مقصود بها هوية الإنسان، سواء كان فردًا أو مجتمعًا..


الهوية في زمن العولمة
وقال فضيلة الشيخ سلمان: إننا عندما نتحدث عن قضية ذوبان أو ضياع الهوية، قد يكون المراد بذلك الإشارة إلى بعض المجتمعات الإسلامية، لافتاً إلى أن هناك هوية للفرد وهناك هوية للمجتمع، وكما أن هناك في هذه الهوية أشياء خاصة بنا، وهناك أشياء نشترك فيها مع غيرنا..
وأوضح أن العولمة هنا تعن أن العالم أصبح العالم بموجبها موصول الأطراف بعضه بعضاً، من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو حتى الناحية الأخلاقية أو السلوكية أو الإعلامية..
وضرب فضيلته مثلاً بالأزمة الاقتصادية التي بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية، وامتدت لأوروبا.. مؤكدًا أن هذه الأزمة لا تستثني أحدًا، فقد سمعنا أن أحد أكبر البنوك الكويتية أعلن حالة من التراجع الشديد، وبموجبه أعلنت الحكومة الكويتية ضمان ودائع الناس في هذا البنك.. وهذا يؤكد فعلاً أن هناك اتصالاً وتأثراً ولا يمكن أن يقع شيء في جزء من الأرض وتكون الأجزاء الأخرى بمعزل عنه. وقد يكون التأثير كبيرًا أو قليلاً، لكن لا بد أن يكون هناك تأثر وتأثير.


الأيام دول
وأشار الشيخ سلمان إلى أن من سنة الله تعالى المداولة بين الناس (وتلك الأيام نداولها بين الناس)، وأن هذه السنة تجري على على البلاد واللغات والأسر، وإن كل شيء يتغير، فأوروبا مثلاً الآن بلد من حيث المناخ والبيئة والطبيعة والخضرة والجو الرائع، الذي هو مضرب المثل، يقولون "جو أوروبي"، هناك دراسات تتكلم عن حالة من التصحر تزحف على أوروبا، وبالمقابل في البلاد الإسلامية والعالم الإسلامي، هناك إشارة إلى زيادة وارتفاع الأمطار في البلاد الإسلامية، مما سوف ينعكس إيجاباً على مناخها.
وفيما يتعلق بالاقتصاد - أوضح فضيلته - أنه على أثر تلك الأزمة، هناك حديث عن وجود تفوق اقتصادي في الدول الآسيوية، والصين قد تقود نوعاً من التوجه، إذن العولمة هي حالة مؤثرة سواء في الأشياء الطبيعية أو بفعل الناس، بتأثير وسائل الإعلام والإنترنت و السياحة وتأثير التواصل الكوني بين الناس.


لغة محفوظة
وأكد الشيخ سلمان أن اللغة العربية هي هوية بالنسبة لنا، ويجب أن نعرف أنه في كل أسبوع هناك مجموعة من اللغات تندثر وتنقرض في ظل عصر الإنترنت، فهناك لغات تنتهي وتنقرض وتمّحي من الوجود، وإلى جوارنا هناك لغات مثل اللغات الحميرية وغيرها انقرضت وانتهت، ولم تبق إلاّ رواية..
وقال فضيلته: إن اللغة العربية محفوظة بحفظ الله سبحانه لكتابه.. ولكنك تجد في مجتمعات، خصوصاً المجتمعات التي تعرضت للاستعمار، سواء كان استعماراً إنجليزيا أو إيطالياً أو فرنسياً، تجد أن لغة تلك البلاد قد تأثرت إلى حد كبير بلغة المستعمر، وكذلك بعض الشباب الذين درسوا في بلاد الغرب، تجدهم كثيراً ما يحتفون ويفتخرون أنهم يرطنون ببعض العبارات الإنجليزية، على سبيل التفاخر والمباهاة، ليس لحاجة أو ضرورة.
وتابع فضيلته : اللغة العربية لغة عظيمة، ولا بأس إذا قلنا إنها لغة لها قداسة؛ لأنها لغة القرآن الكريم، وفي بعض الآثار أنها لغة أهل الجنة، وتوجد دراسات تقول إنها لغة آدم عليه السلام، فينبغي أن يكون لدينا اعتزاز بلغتنا العربية ومحاولة تكريس هذه اللغة ونشر محبتها عند أولادنا وبناتنا باعتبارها جزءاً من الهوية..


انتماء فاسد
في مقابل ذلك.. شدد فضيلته أنه يجب علينا أن نرفض أي هوية أو انتماء غير واع؛ فالله سبحانه وتعالى في الوقت الذي علمنا فيه كيف نحقق الانتماء الحق؛ وحذرنا من الانتماء الفاسد، وحكى القرآن عن ذلك في قوله تعالى: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ).. فهؤلاء الناس تمسكوا بهوية؛ لأنها موروث الآباء والأجداد، عادات اجتماعية وأعراف و قيم، أخذوها عمن قبلهم فتمسكوا بها وفي سبيلها ردوا الحق، فالله سبحانه وتعالى عاب عليهم ذلك، وأكد أن هذا دأب الأمم من قبلهم (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ). [الزخرف:23] إذن هذا دأب وديدن بعض المجتمعات، بالتأكيد هذا ليس خاصاً فقط بالمشركين، فنحن نجد من أمم الغرب والشرق من قد يرفض الحق؛ لأنه لم ينشأ عليه ولم يجد عليه آباءه وأجداده، ويقول لو دِنت بهذا الدين معناه أنني أُسفه ما كان عليه آبائي وأجدادي، كما كان بعض القرشيين يقول، لكن أيضاً هذا فيه ملمح إلى تحذير المسلمين أنفسهم من محاكاة هؤلاء أو التشبه بهم.


روابط وفواصل
وعن قضية العصبية القبلية، قال فضيلته: هناك فرق كبير بين الانتماء وبين العصبية؛ فالعصبية انتماء مُفرط لا يصل فقط إلى حد الانتساب، ولكن يصل إلى حد ازدراء الآخرين الذين لا يشاركونه هذا الانتماء، وهنا تقع العصبية، وقد يترتب عليها تعيير، أو سبّ، وتعرفون العرب كيف كان بيت من الشعر أحياناً يحط من قدر قبيلة بأكملها..
وأضاف: هناك بين الشعوب العربية والإسلامية أعظم رابطة، وهي رابطة الإيمان والتقوى، ورابطة محبة الله ورسوله، ورابطة التاريخ الطويل العريق، رابطة المصالح المشتركة. الولايات المتحدة الأمريكية أو الاتحاد الأوروبي، اجتمعت على مصالح بالدرجة الأولى وعلى جغرافيا، مع أن بينها فواصل كبيرة جداً من التباعد والتباغض.
وقال إن هناك منظمات مثل رابطة العالم الإسلامي، جامعة الدول العربية، هناك ظروف طبيعية تاريخية وشرعية تقتضي أن يكون الناس متقاربين ومتوحدين، متوحدين في عقولهم وفي اقتصادهم، وفي أفكارهم وفي مصالحهم، وهذا لا يعني أنهم صورة طبق الأصل عن بعض، ولا يعني تجاهل التفاوت بين الناس، وإنما يعني إدراك أن الله وضع لنا مقومات، فهذه الكعبة، لو أن دولة من دول العالم أنفقت عشرات التريليونات من الدولارات أو اليورو من أجل الحصول على هذه البقعة المقدسة التي باركها الله تعالى وقدسها؛ ما استطاعت، لكن الله منحنا إياها -جل وعز- فضلاً من عنده ورحمه، وقال سبحانه: (جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِّلنَّاسِ)، قيام: بقاء للناس، عز لهم وشرف وحضور وقوة، كل مسلم يصلي إلى هذه الكعبة.

وأيضاً الصلاة التي يصليها المسلمون جميعاً هي صلاة باللغة العربية الفصحى، حتى إننا رأينا ووجدنا من المسلمين - بل من الصغار - أطفالاً دون السابعة يحفظون القرآن تماماً، وهم لا يعرفون اللغة العربية، هذا القرآن الذي سار بلغة العرب شرقاً وغرباً.
إذن هناك مقومات عقدية ولغوية وطبيعة وجغرافية تقارب بين الدول العربية والدول الإسلامية، وتساهم في التواصل والتنسيق والتعاون والتلاحم، أكثر مما يوجد بين الولايات المتحدة الأمريكية، أو بين أوروبا ودولها التي تتقارب يوماً بعد يوم.


شباب وهوية
ورداً على سؤال حول: متى يُثار موضوع الهوية؟ أجاب الشيخ سلمان: إن مثل هذه القضية تُثار عادة إما عند الشباب الذين في مرحلة المراهقة، لأنهم يبدؤون يفتحون أعينهم على أشياء جديدة، أو على شعوب ومجتمعات كانت نوعاً ما منعزلة، ثم أصبحت تجد نفسها في بحر لجي، مثلاً بدأت تشاهد الإنترنت، وتشاهد القنوات الفضائية وتشاهد العالم، وبالتالي بدأت الأسئلة تثور، وبدأت الشكوك تثور، فيصبح هناك حاجة إلى ترسيخ هذه القلوب، وتعزيز هذا الإيمان..
وعلى سبيل المثال: فإنه عندما ترشح باراك أوباما - المرشح الديمقراطي للرئاسة الأمريكية - وزادت حظوظه، تعاظم سؤال الهوية عندهم؛ لأنهم يعرفون أنه من أصل كيني، فبدؤوا يطرحون هذا السؤال.
كما أن المفكر الأمريكي (هنتنجتون) الذي كتب عن صدام الحضارات و سيطرة الحضارة الأمريكية، عاد وكتب من جديد كتاب سماه "من نحن"، وكأنه ينتصر للهوية الأمريكية، ويحذر من تأثير المهاجرين، سواء كانوا من أمريكا الجنوبية أو من غيرها، تأثيرهم على الهوية الأمريكية.
واليهود أيضاً فيما يُسمّى بإسرائيل.. يثور عندهم سؤال الهوية بقوة الآن، لأن العرب- خاصة عرب 48- هم عرب مسلمون في الغالب، وهم إسرائيليون من حيث الجنسية، لكنهم ليسوا يهوداً، فهنا طُرح عندهم أنه من الممكن أن يزيد عدد هؤلاء، ويصبح لهم في يوم من الأيام تأثير في تحديد من يحكم إسرائيل، هذا السؤال عن الهوية يثور داخل اليهود الصهاينة في إسرائيل.. وما هي هوية هذه الدولة، هل هي هوية يهودية، وبالتالي فمن ليس يهودياً لا يحق له أن يتعدى مستوى معيناً!!


ثابت ومتغير
ورداً على سؤال: هل الهوية ثابتة أم متغيرة؟... أجاب الشيخ سلمان: إن الهوية فيها الثابت مثل القيم والعقائد والأخلاق وهذه لا تتغير، لكن هناك تفاصيل تتغير ويمكن أن تكون مقبولة في وقت من الأوقات وغير مقبولة في أوقات أخرى، لأنها مرتبطة بأوضاع اقتصادية، أو زراعية، أو صناعية، وهنا ينبغي أن نفرق فيه بين الدين الذي أنزله الله تعالى على عباده، وبين الأفعال البشرية والممارسات التي هي عرضة للخطأ والصواب..
وأضاف فضيلته: على سبيل المثال عندما جاءت الحملة الفرنسية على مصر ب-"المطبعة"، رفض علماء الدولة العثمانية آنذاك، استخدام المطبعة في طباعة المصحف، وأحرقوا أول دفعة من المصاحف طبعت، خشية أن يتم التلاعب بالقرآن الكريم، هذا موقف ينم عن غيرة، ولكنه ينم عن ضعف في الوعي وإدراك الواقع، فلما بدؤوا يتجولون بين المكتبات، رأوا أن التوراة والإنجيل مطبوعة وتُوزّع في كل مكان والروايات والقصص، وغيرها.. وبدؤوا يتساءلون: كل هذه الأشياء تُطبع والمصحف لا يُطبع، ألا يمكن أن يُستفاد من المطبعة، ويُحكم ضبط الطباعة والإشراف عليها؟! وكذلك ما يتعلق باستخدام الأسلحة الحديثة، لما كان بعضهم يرى أنه لا بد من استخدام السيوف والخيول، ولا يجوز استخدام غيرها؛ أخذاً ببعض الظواهر التي فهموها على غير وجهها.


انفصال وذوبان
ورداً على سؤال حول: هل الهوية تعني الانفصال؟ أجاب الشيخ سلمان: من الخطأ تشكيل الهوية على أساس الانفصال عن الآخرين، أو الضدّية، بمعنى أننا إذا رأينا الناس عندهم شيء، نحن نبحث عن شيء نقيض له، لا.. الهوية هي شيء أصلي وثابت موجود عندنا.
وكذلك من الخطأ تشكيل الهوية على أساس الذوبان في الآخرين، أو أن نكون تبعاً لشعب من الشعوب أو دولة من الدول، وإنما تكون الهوية مستقلة، وعلى ضوئها نتعامل مع الآخرين، باعتزاز، حتى في العادات الحسنة ينبغي على الإنسان ألا يغير عاداته إلى عادات غيره، لمجرد أنها عادات إنسان قوي أو غالب.
كما ذكر ابن خلدون - رحمه الله- في اقتداء المغلوب بالغالب من أن اللغة الغالبة هي لغة القوي، ولذا علينا أن نعتز بأشيائنا، إلاّ أن تكون هذه الأشياء خطأ أو تكون معوقاً عن التقدم والرقي، أو الحضارة أو المعرفة..


خرق الهوية
وفيما يتعلق بالأشياء التي من شأنها أن تخرق الهوية في عالمنا العربي والإسلامي أوضح الشيخ سلمان أن هناك أشياء قد تأتي على أصل الهوية وذكر منها:
حركات التنصير:
وهي موجودة بشكل مكثف في قبائل البربر في الجزائر، وفي موريتانيا، خاصة في المناطق المفتقدة للتنمية ولمستوى راق من العيش، فهؤلاء يعتبرون لقمة سائغة للمنصرين، وقال فضيلته أن هناك بعض التقارير منها ما نُشر في قناة العربية مؤخراً و قد استضافت أناساً أسماؤهم محمد وعلي، وقد تنصّر وحول بيته إلى مكان للإرساليات التنصيرية، ويقول إنه قد اهتدى -هكذا يعبر!!- على يديه ثلاثون أو أربعون من الرجال ومن الشباب، فهذا أمر في غاية الخطورة!!
وكشف فضيلته عن أن كثيراً من الناس بسبب حالات نفسية واضطراب نفسي يعانونه، يجعلهم لا يعرفون هويتهم الأصلية، وبالتالي فهم قابلون للانتقال عنها، كما أن هناك أناساً يعانون من ظروف مادية أو فقر أو مرض أو تخلف، فيتم ابتزازهم من خلال عرض هذه الإغراءات عليهم، وإتاحة الفرص للشبع المادي أو للعلاج، أو للسفر إلى أوروبا، أو لغير ذلك.. فضلا عن الجهود التي تبذلها كثير من القنوات، المخصصة للتنصير، وكثير من الإذاعات، وكثير من المؤسسات والجمعيات، التي تبث على سبيل المثال في المغرب العربي بلغت الإرساليات أكثر من (205) آلاف إرسالية، وهناك جهود ظاهرة وخفية، بعض الصحف تتحدث حتى أحياناً في منطقة الجزيرة في اليمن قبل شهور، صحيفة الرياض نشرت تقريراً عن وجود حالات تنصير.
الفرقان المحرف!
كما يوجد في عدد من الدول مصحف، تقوم بعض المعاهد الأمريكية بنشره اسمه "الفرقان" يضاهئون به كتاب الله عز وجل، وينشرونه بالمجان، وهو كتاب مليء بالتحريف والتغيير، مما يؤكد على ضرورة أن يكون هناك وعي واضح بالمعوقات أو المؤثرات التي تأتي على الهوية من جذورها، وأن يكون هناك جهود قوية وجبارة للحفاظ على الوجود الإسلامي، وحمايته من الاختراق.
الإعلام والإنترنت
وكذلك هناك أشياء تؤثر في الهوية، وإذا لم تجتثها من جذورها وسائل الإعلام المختلفة، البث الفضائي، والكم الهائل من المسلسلات والأفلام ومواقع الإنترنت، وسهولة التواصل.
وبين فضيلته أنه يمكن القول إن بعضنا لا يحس بها لأنه بعافية منها، ولكن إذا كتب للإنسان أن يطلع على بعض ما عليه الناس من الأحوال، فإنه يستغرب؛ فمثلاً تجد فتاة من قرية ربما لا تعرف على الخارطة، ارتبطت برجل ألماني أو أسباني، وأقامت علاقات معه، وفي حالات عديدة يمكن أن تقول أن هذا الرجل أسلم، وحسن إسلامه، وهذا في حد ذاته خير، لكن في حالات أخرى قد لا يكون الأمر كذلك، تواصل تعاطف وارتباط، وهذه أشياء تؤثر كثيراً في الهوية العربية والإسلامية.


ترسيخ الهوية
وأكد الشيخ سلمان على أن هناك حاجة ماسة إلى التركيز على مبدأ الهوية وإحيائها، وإيجاد ألوان من الترابط الاجتماعي والأسري؛ فهذا أمر مهم جداً في الحفاظ على الهوية، بحيث لا تكون الأسرة فندقاً ولا مكاناً لتناول الطعام فقط، وإنما فرصة للتعارف والتآلف والترابط بين الآباء والأبناء، وتبادل الرأي والحديث، وكذلك المدرسة، الوسيلة الإعلامية، الثقافة العامة التي ننشرها في مجالسنا، ينبغي أن تستهدف ترسيخ وتدعيم هذه الهوية..
ورداً على سؤال من أحد المشاركين في المحاضرة يقول: نحن المسلمين بيننا روابط تزيد من ترسيخ الهوية الإسلامية.. وروابط تزيد من ترسيخ العصبية القبلية.. فكيف نخرج من هذه إلى هذه؟ ... أجاب الشيخ سلمان: يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : "أربعة في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن"، ومع ذلك إنه لا أمل لنا في الخلاص النهائي، من قضية التعصب والفخر، ولكن هذا لا يعفينا أنه على الأقل، من أن منابرنا الإعلامية والتعليمية ينبغي أن تنحاز إلى جانب ترسيخ الهوية الإسلامية، وليس لترسيخ التعصب القبلي.
مثلاً مقال في جريدة أو برنامج في تلفاز أو إذاعة أو مؤتمر أو ما أشبه ذلك أو قصيدة، ينبغي أن يكون هناك تواصٍ برفق ولين وتذكير، إلى التفريق بين مجرد الانتساب والانتماء، الذي لا يُلام الإنسان عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم، أيضاً انتسب وبين نسبه، ولكن نفرق بين هذا وبين التعصب القبلي، الذي يجعل القبيلة هي مصدر الفخر ويتعدى إلى الإزراء بالآخرين.


أخطاء تاريخية
ورداً على سؤال أحد المشاركين في المحاضرة، يقول: منّ الله على المملكة بالوحدة، وانصهرت القبائل، واندمجت تحت راية واحدة، راية التوحيد، وقد ظهرت نعرات جاهلية وتعصب قبلي، مما يهدد هذه الوحدة، فما هي الأساليب التي تجعلنا نحتفظ بهذه الوحدة ؟أجاب الشيخ سلمان: إنك تجد أحياناً في بعض القصائد الشعبية يتكلم الشاعر عن قبيلته، ويتكلم عن انتصاراتهم، وما صنعوا بأعدائهم، فأحياناً تسأل: من هؤلاء الأعداء؟ هل هم الصهاينة مثلا ، لكن المفاجأة أن من يستعديهم هم أهله أو جيرانه! كما قال البحتري في صلح بني تغلب:


وفرسان هيجاء تجيشُ صدورُها ** بأحقادها حتى تضيق دروعُها
إذا احتربت يوماً ففاضت دماؤُها ** تذكرت القربى ففاضت دموعُها
شواجرُ أرماح تُقطّعُ بينهم ** شواجرَ أرحام ملومٌ قطوعُها
تقتّلُ من وتر أعزَّ نفوسِها ** عليها بأيد ما تكادُ تطيعُها

وقال الشيخ سلمان العودة إن حروب القبائل التي حصلت قبل توحيد المملكة، أو حتى حروب القبائل العدنانية، أو القحطانية، أو المضرية، و.. و.. إلى آخره، ليست محل فخر، إنما هي من أخطائنا التاريخية التي ينبغي أن يُستغفر منها.
وأضاف فضيلته: إن ظهور هذه النعرات الجاهلية والتعصب القبلي يهدد هذه الوحدة، مشيراً إلى أنه من الخطأ أن نربط أحياناً الحق أو الصفاء بقبيلة أو بجهة، وكأننا نريد- وإن كنا نريد الخير- لكن نحرم الناس من ذلك، نجعل الدين عنصرياً، أو نجعل العقيدة الصحيحة عنصرية لجهة معينة.

مساهمة عنصرية
فعلى سبيل المثال، إذا أسلم أحدهم ألبسناه ثوباً وشماغ، وطاقية، ومن الممكن أن يكون فليبينياً أو أوروبياً وليس هذا لباسه، ويظهر في وسائل الإعلام، إذا رآه الناس ظنوا -بل هو الواقع في أذهانهم- أن الدين عنصري، أن هذا الدين للعرب وحدهم، فهم لا يفهمون أن هذا الدين للعالمين، ولم تصلهم بعد هذه الرسالة. فإذا جعلنا الدين مربوطاً بهذا الشكل الذي هو شكل مقبول، باعتبار أن هذا بلدي وهذه عاداتي، لكن ليس بالضرورة أن الإنسان الذي أسلم، نحن نحاول أن نجعله أن يلتزم بهذا الشيء، فيصبح عندهم نوع من الالتباس بالعنصرية.
وبين الشيخ سلمان أن هناك أشياء قد تكون على الصعيد المحلي، مثل الربط بين بلد ما أو جهة ما والعقيدة الصافية، فبعض الأخوة أحيانا يقول العقيدة الصحيحة ما توجد إلاّ عندنا. وتساءل الشيخ سلمان: هل يصح أن تقول هذا الكلام؟ ثم قال: إن هذا الكلام الآن يسمعه القاصي والداني، ويسمعك أنت وأنت تنتقص ما لديه، لكن دورنا هو أن نبيّن العقيدة الصحيحة وندعو إليها بحكمة وألا نحرّض الآخرين على رفضها، بأنها لا توجد إلاّ عندنا.
وأكد الشيخ سلمان العودة أن العقيدة موجودة في القرآن وفي السنة، وفي كل بلد إسلامي، وفي الهند مثلاً هناك أناس عندهم التأصيل والبحث، وفي المغرب وفي المشرق، وفي كل مكان، فالحق مبذول ومنشور، وفي أشياء قد يقولها الإنسان بعفوية، ولكن اليوم أصبحت هذه الأشياء يسمعها القاصي والداني. ولذا فإنه من الواجب أن ننظر فيما نقول.


الوهابية والإرهاب
وتعقيباً على مداخلة من أحد المشاركين في المحاضرة، يقول: أجد في الوقت الجاري صيغ هوية للمسلمين، وهي الوهابية ودورها وجعلها شيئاً إرهابياً، والبديل صوفي أو أي فرقة ضالة، وصيغ بعض الهويات المختلفة، مثل لقب الشمال الإفريقي، تعليقكم على ذلك... قال الدكتور العودة: إن الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، لم يسمّ دعوته بالوهابية، وإنما هذه سمّاها بها خصومها، بحيث عبروا عنها أنها مذهب خاص، أو خامس، والحق أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، هي تجديد، هي دعوة للكتاب والسنة، من قبلها قامت دعوات كثيرة جداً، كدعوة الشيخ ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، والتي استفاد واقتبس منها الشيخ محمد بن عبد الوهاب الكثير من التأصيل كانت نموذج للعودة إلى الكتاب والسنة.
وأضاف فضيلته: إنه من الظلم لهذه الدعوة، هذه الدعوة الوهابية، كما يسمونها، متى ضربت أوروبا،؟ متى ضربت الغرب؟ متى أضّرت بهم؟ مضى عليها أكثر من (200) سنة وهي دعوة إصلاحية تقوم على الاجتهاد ورفض التقليد، تقوم على رفض البدعة في الدين والخرافات، هي نوع من المدرسة الإصلاحية التجديدية التي يمكن أن تجدد في واقع المسلمين.


المناظرات مع الشيعة
ورداً على سؤال من أحد المشاركين في المحاضرة يقول: ما رأيكم في المناظرات التي تجري مع الرافضة، هل هي إيجابية أم سلبية.. وهل تنصحوننا بمتابعتها؟... أجاب الشيخ سلمان: لم يسبق أن تابعت هذه المناظرات، ولذا فلا أملك أن أحكم أيضاً إن كانت إيجابية أو سلبية، لكن لو أن هذه المناظرات أو غيرها قامت على أساس هادئ وموضوعي بعيداً عن التهجم، وكان الهدف منها الوصول إلى الحق، بين أناس أصحاب عقل وفهم وعلم، أعتقد أنها ستكون مفيدة، أما إذا كانت مهاترات وصياح وصراخ، فهذه قد يكون لها إيجابيات ولها سلبيات، و من سلبياتها أنها تثير نزعات عدوانية عند الناس بعضهم بعضاً. ومن إيجابياتها أنها قد تلفت نظر بعض الغافلين إلى أخطاءٍ هم واقعون فيها دون أن يشعروا، أو أقوال لطوائف ينتمون إليها، ولم يكونوا يتصورون ذلك.
وكشف فضيلته عن أن كثيراً ممن يُنسبون إلى التشيع اليوم من العوام خاصة، يظنون أن التشيع هو محبة أهل البيت، ويكون عندهم بعض البدع العملية وبعض البدع الاعتقادية، لكن لب القضية عندهم هو محبة آل البيت، و لما تقرأ في كتب القوم ومذاهبهم، ومصنفاتهم ودواوينهم تجد هوام وطوام وأشياء شنيعة وفظيعة.. وحين نقابل بها بعضهم، يتبرؤون منها، ويقولون هذه أشياء لا نقر بها ولا نقول بها، يحتاج العوام أيضاً، أن يكون عندهم أيضاً هذا المعنى، بحيث يكون عندهم حصانة ضد هذه البدع الاعتقادية الخطيرة.


واقع وغزو
وتعقيباً على مداخلة من أحد المشاركين في المحاضرة يقول: إن أبناءنا اليوم يجلسون بالساعات على الإنترنت، مسلسل نور العام الماضي، هذه المواد تأخذنا عن واقعنا، وانشغالنا كآباء ووالدين عن أبنائنا، وانشغال المربين والمدرسين عن القيام بدورهم وواجبهم.. المدرسون بعيدون عن زرع الهوية، بعض الطلاب لا يعطي المدرسة هيبتها ووضعها التعليمي والقيمي.. التركيز بشكل رئيس على البيوت، قضية الرقابة والتعليم على مستوى الغزو الذي يأتينا بشكل أو بآخر...
قال الشيخ سلمان: إن مثل هذه المداخلة ترجعنا إلى واقعنا القريب، واقعنا المحلي، وقد يكون هذا من فوائد الأسئلة، يمكن أن تعطي امتداداً عملياً، وأظن أن هذه مشكلة قائمة وحلها ليس بالأمر السهل، فتأثير وسائل الإعلام المدججة كبير، ولما يقال إن (80) مليوناً مثلاً شاهدوا مسلسلاً معيناً، بل في بعض الحالات تجد توقف في حركة المرور، فهذا شيء خطير، لكن ما الذي نفعله نحن؟ !
دائما ندقّ نواقيس الخطر، ونكتفي بحالات من الشجب والاستنكار، وفي بعض الأحيان الإنسان يشجب ويشاهد؛ لأنه يعتقد أنه لا يتأثر، يقول: أنا كبير وأنا ناضج ويبرر لنفسه ، لكنِ الآخرون يتأثرون، والواقع أن فاقد الشيء لا يعطيه.
وأضاف فضيلته: إن بعض الأخوة كانوا يعترضون على المسلسلات التركية، فأقول لهم لو ذهبت أو توقفت المسلسلات التركية، هناك مسلسلات مكسيكية، و في يوم من الأيام تأتي مسلسلات فرنسية، وفي القريب العاجل مسلسلات روسية، لأن روسيا قادمة أيضاً كقوة منافسة، مسلسلات هوليود الأمريكية، ومن لم يغزُ يغزَ!!


دور الأسرة
وأوضح الدكتور العودة: إذا لم يكن عندنا جهود متضافرة على جهتين:
الجهة الأولى: الجهود الخاصة وتتمثل في دور الأسرة:
و هذا الدور لا يمكن أن يُعوّض بحال من الأحوال، لأن اللحظات التي تعيشها الأم، حتى ببراءتها وعفويتها، حتى لو كانت أمية، ولكنها صادقة، وكلنا في هذا المجلس مدينون بعد الله لآباء وأمهات قد يكونون غير متعلمين، لكنهم علمونا أصول الحياة، وأصول الإيمان بالله سبحانه وتعالى، وقرأنا مِن توكلهم على الله أو من دمعات عيونهم أو من صفاء قلوبهم، معاني كبيرة أهّلتنا للاستمرار في هذه الحياة.
وأردف فضيلته: يجب علينا أن نؤدي نحن هذا الدور، وأيضاً نكون حصيفين، كيف نتعامل مع الابن والبنت؛ فليس مجرد أن نقول للابن "خليك راجل"، لا يعني أنه صار رجلاً، هو يظل طفلاً صغيراً، وينبغي أن نفكر كثيراً، ونقرأ كيف نستطيع أن نحميهم. الإنترنت موجود، حرمان الأولاد من الإنترنت ليس حلاً.
كما أن القنوات موجودة، والحرمان المطلق منها ليس حلاً، كذلك المدارس لا يمكن أن تمنع أبناءك من الذهاب إلى المدرسة، لكن أعطِ أولادك وقتاً، علمهم كيف يصيدون السمك، عرّفهم بالضوابط، أقنعهم، وكثيراً ما أقول ليس من المناسب أن تقول هذا يصلح وهذا لا يصلح دائماً، قد يكرهك الأولاد؛ لأنك كلما دخلت أصدرت الأوامر، ولذلك أسعد اللحظات عندهم أن تكون غير موجود بالبيت!!
لكن إذا جئت إلى البيت فما عليك إلاّ أن تدعوهم حولك، أن تحدثهم عن قصة، أن توجه لهم أسئلة، أن تجعل هناك مسابقة، حتى في البيت يمكن أن يكون هناك جدول للأولاد، الأكثر محافظة على النظافة، الأكثر محافظة على الملابس، وقبل ذلك الأكثر محافظة على أداء الصلاة، الذي يحل الواجبات المدرسية، الذي يحترم والديه، الذي لا يتشاجر مع إخوانه، لا بد أن يكون هناك مجهود، وإلاّ فإنك لا تجني من الشوك العنب.
وأشار فضيلته أنه يمكن أن يُطوَّر هذا الدور، وأن تكون مجموعة أسر، يمكن من خلال مركز الحي، أو من خلال استراحة مخصصة، تقوم بدور إيجابي أيضاً تجاه أبناء هذا الحي.
الجهة الثانية تتمثل في مؤسسات المجتمع المدني:
سواء كانت مؤسسات حكومية أو مؤسسات أهلية، عليها دور أيضاً، كما أشرت؛ أزعم أن التعليم لا يقوم بدوره.. فالتعليم يلقن أولادنا معلومات فقط، وليس هذا هو المطلوب، المطلوب أن يكون هناك تأثير في عقولهم، زراعة حب الخير في نفوسهم وبغض الشر، ونشر القيم والأخلاق الرفيعة، وتدريبهم عليها، إيجاد كثير من الخبرات والمهارات التي يحتاجون إليها..
كذلك الإعلام.. الإعلام في وادٍ و إعلامنا في وادٍ آخر، الإعلام لا يعبّر عن هويتنا بحال من الأحوال، بل تجد أن وسائل الإعلام في كثير من الأحوال ليس لها هوية، لا تعرف بالضبط ماذا تريد ؟... صحيح هناك نوع من المنافسة في مجال البث الفضائي وغيره، ولكن لا يزال الأمر أبعد بكثير من أن يحقق مواجهة صحيحة للمخاطر التي تهدد مجتمعاتنا.


تقييم صحيح
ورداً على سؤال من أحد المشاركين في المحاضرة يقول: لا يزال مجتمعنا ينظر إلى الهوية الإسلامية على أنها مظاهر، ويقيم الأشخاص حسب مظاهرهم، فما هي الأساليب التي يمكن أن تغير من هذه النظرة، إلى تقييم الهوية الإسلامية بشكل صحيح؟
أجاب الشيخ سلمان: أصبح لدينا الآن عنصران، حتى في الدين، لا أدري ماذا نسميه؟!، لكن نجد نظرات شزر واحتقار للآخر، حتى وصل بنا أن أصبح الملتحي يحتقر من هو حليق..!!
وأضاف فضيلته أنه في هذا الإطار يمكن الحديث عن جانبين:
الجانب الأول: مظاهر الهوية
فنحن بحاجة إلى المظاهر، لكن بحاجة إلى ما هو أعمق من المظاهر، وهو المخابر، وليس معنى هذا أن المظهر صحيح أن المظهر له اعتبار، وفي كل كتب الفقه والعلم أحاديث تتعلق حتى بالمظهر.. واللباس نفسه، ومنها أيضاً اعتبار جانب العرف الاجتماعي في اللباس والشعر وغيرها.. لكن الأصل ما في القلب، والمظهر هذا هو التعبير العملي، فإذا كان ما في القلب حسناً، كان في المظهر حسناً من باب أولى، أما لو اعتنى الإنسان بإصلاح مظهره، وترك القلب فاسداً، فهذا ما عبّرنا عنه بالنفاق الاجتماعي، فالإنسان أصبح يهمه سمعته عند الناس، ولذلك هو يعطي الناس ما يريدون من الناحية السطحية، لكن من الناحية الخفية فالأمر مختلف.
وأردف فضيلته: إن هناك شاباً يصلي؛ لأن والده يفرض عليه أن يصلي، ولكن هذا الشاب يقول لأخيه إنه لا يتوضأ للصلاة، ويقول في المجلس، لماذا يفرض عليه أن أصلي؟! أنا لست مقتنعاً. والعياذ بالله قد يصل إلى درجة الإلحاد، وهذه أيضاً قضية في حاجة إلى معالجة، أقول: الدعاة وطلبة العلم عليهم أن يفتحوا صدورهم خاصة للشباب المراهقين والناس الذين تلبستهم بعض الشبهات أو بعض الأقاويل، افتحوا لهم صدوركم واستمعوا إليهم..
أذكر أن بعض الشباب جاؤوا قبل سنين طويلة، وبعضهم عنده شكوك أو على الأقل وسوسة فيما يتعلق بالذات الإلهية، ومع الصبر والإقناع، وإهداءهم كتبا ومحاضرات وأشرطة وتذكير ، هؤلاء أصبحوا اليوم هم دعاة مؤثرين في المجتمع.
الجانب الثاني: العنصرية
على الإنسان أن يحذر من أن يداخله كبر، وقد يكون الكبر بسبب التدين، بحيث ينظر شزراً إلى الآخرين، وأنتم تعرفون قصة الإسرائيلي التي في صحيح مسلم، والذي كان ينصح رجلاً ويقول له: يا فلان، اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، حتى قال: والله لا يغفر الله لفلان؛ لأنه ما استجاب له، والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله -عز وجل- من ذا الذي يتأله عليّ ألاّ أغفر لفلان؟! قد غفرت له وأحبطت عملك.
ولذلك يُقال: إن عبد الله ابن المبارك -رحمه الله- مر على رجل من الزهاد العباد الصوفية القدماء، فجلس عنده، فكان هذا الرجل لا يلتفت إلى عبد الله بن المبارك، ولم ينظر إليه، ازدراه لا يعرفه، فلما خرج، قالوا: تدري من هذا الذي دخل عليك، قال: لا، قالوا: هذا أمير المؤمنين في الحديث والعلم والعبادة، عبد الله بن المبارك، فأرسل إليه من يدعوه، فرجع عبد الله بن المبارك إلى هذا الرجل، واعتذر منه، فقال له سامحني ما عرفتك، ثم قال الرجل لابن المبارك: انصحني وعظني، قال: لا تنظر إلى أحد من الناس إلاّ وظن أنه خير منك، إن كان أصغر منك سناً قل : شاب صغير السن ما انفتحت عينه على المعاصي، وإن كان أكبر منك سناً فقلْ: سبقني إلى الطاعات والقربات، أو شاب شيبة في الإسلام.
وأردف فضيلته: حتى لو رأيت إنساناً عليه مظهر المعصية، فلا تزدريه، فقد تجد سائق سيارة جاء من بلاد بعيدة وغريبة، وقد تظن أن هذا السائق جاهل، ثم تجده يصوم الاثنين والخميس، أو يقوم الليل، أو لا يسبقه إلى المسجد أحد،. وأتساءل: هل الحساب يوم القيامة بحسب قائمة القبيلة أو الشعب أو البلد؟! كان سلمان الفارسي رضي الله عنه يقول: إن الأرض لا تقدس أحداً، وإنما يقدسُ الإنسانَ عملُه.. العبرة بالعمل "ومن أبطأ به عمله، لم يسرع به نسبه".


هزيمة نفسية
ورداً على سؤال حول حكم لبس ملابس رياضية في المساجد تحتوي على أسماء لاعبين مشهورين، أجاب الشيخ سلمان: كثيراً ما نرى الشباب قد تأثروا بالغرب سواء بالفكر أو بالمظهر، فلا تكاد تخرج إلاّ وترى قصات للشعر غريبة، أو ملابس غريبة، مشيراً إلى ضرورة أن نكون يقظين، فيقظة الهوية ضرورة؛ لأن عدم اليقظة معناه أن الإنسان تجرفه السيول، وهو ينظر إلى السماء ويقول عليها غيم، كما يُذكر في المثل.
وأضاف فضيلته: إننا أحياناً نقع في مثل هذا، ولكنني أريد أن أؤكد المعنى وأكرسه، يجب ألا تشغلنا الجزئيات عن الكليات، هذا الشاب الذي فعل ما فعل، لو سألت لماذا هذا الأمر صدر منه؟ بسبب ضعف إحساسه بالانتماء، ضعف إحساسه بالتميز، ضعف إحساسه بالهوية.. فهل تجد شاباً في أوروبا غير مسلم يضع اسم الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو أسماء الخلفاء الراشدين على فانلته أو على ثيابه أو حتى صورة الكعبة، لا تجد مثل هذا الأمر، هذا طبعاً أثر من آثار الهزيمة النفسية التي تعيشها مجتمعاتنا، ولكي نتخلص من هذه الهزيمة علينا أن نعالج هذه الظواهر ونكافحها، وعلينا أيضاً أن نخطط ونسعى أن يكون عندنا مشروع حضاري للمجتمع، يرقى بالمجتمع سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ومعرفياً، ليكون مجتمعاً يمثل حقيقة الإسلام.


تحوّل وعولمة
وتعقيباً على مداخلة من الدكتور محمود العمار، يقول فيها: أليست العولمة متجهة إلى الهيمنة الثقافية والاقتصادية من جهات كبرى إلى الشعوب النامية والشعوب الضعيفة، ثم أسأل أيضاًً هل الإحساس الإنساني مكون للهوية أو مظلة تجمع الهويات المختلفة؟ كما قلتم أنتم، في بيانكم: "على أي أساس نتعايش؟" أليست هذه المعايشة هي المظلة الإنسانية التي تضم الهويات، فإن الهوية عند تعريفها، إنما تعرف بالسمات والخصائص الخاصة بها، وليس بالأمر الذي يجمعها مع غيرها. وسؤالي الثاني: قرأت لفضيلتكم كتاب "حوار هادئ مع الشيخ الغزالي" وأنتم قد أخذتم على الشيخ الغزالي الاتجاه العقلي، وأنا أرى كثيراً من العناصر في هذه المحاضرة وفي غيرها استشهادكم بهذه العناصر، فهل يُعدّ هذا تحوّلاً والتحوّل عند العلماء ليس غريباً أثابك الله؟
وعقب الشيخ سلمان العودة قائلاً: أما يتعلق بموضوع العولمة والعالمية، فالذي يظهر لي أن العولمة هي حالة كما ذكرت، مستهدفة ومقصودة ومحاولة من قوى ونظم سياسية لمحاولة جعل العالم في وضع معين، سواء من حيث الشروط الاقتصادية، ما يتعلق بموضوع الرفع الجمركي، أو عدم رفع الاقتصاد المحلي، إلى غير ذلك من المواصفات والشروط التي بموجبها يسعى العالم إلى توحيد الأسواق العالمية، إن صح التعبير، وهذا بدون شك محصله في النهاية في ظاهر الأمر مكسباً للدول الكبرى باعتبارها أنها هي الدول التي تملك القوة وتملك الاقتصاد، وتملك السلع، وتملك التصنيع، وتملك الشركات العابرة للقارات، بينما ما يسمى بالدول النامية، أوالدول الضعيفة فهي سوق استهلاكية في الغالب.
وأضاف فضيلته: إن كل شيء مما يقع له جانب إيجابي إذا أحسنا توظيفه، فلو أن المسلمين تعاونو في سوق عربية مشتركة وعملة مشتركة حتى على مستوى دول الخليج ، سيكون هناك قوة، زد على ذلك أن هناك أشياء تأتي من الله سبحانه وتعالى، البشر لا يضعونها في حساباتهم، ولذلك كل المتخصصين والمحللين الاقتصاديين مثلاً يتكلمون عن الاقتصاد، لكنهم قلما يفطنون إلى الجوانب الأخرى، فحين يقول الله سبحانه وتعالى: (يمحق الله الربا ويربي الصدقات) هذا المعنى القرآني، تجده اليوم عياناً في كثير من الأموال التي اختفت من شاشة الأسهم، أو اختفت من الأرصدة ولا يُعرف أين هي، لأنها ليست عقاراً ولا بناء ولا ذهباً ولا فضة فذهبت، فهذا محق.
لما تجد في القرآن قول الله سبحانه وتعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) لاحظوا هنا التعبير ب "التخبط"، يعني الإنسان يأخذ ذات اليمين وذات الشمال، كأنه ثمل، وهذا ما يحدث اليوم؛ فالرئيس الأمريكي يصف اقتصاد بلاده بأنه يترنح، يعني هذا يكاد يتطابق مع المفهوم الوارد في وعيد أهل الربا.
كما أن ديننا يدعونا إلى الإنفاق والصدقات، "ما نقص مال من صدقة"، يا ابن آدم أنفق أنفق عليك، وقصة صاحب الجنتين، البركة في المال من الله سبحانه وتعالى بإعطاء الزكاة، هذه القيم والمعاني عززت، ولذلك الآن تجد أثر الأزمة الاقتصادية، وإن كان عالمياً لكن لا شك أن أثر الأزمة على دول الخليج والدول الإسلامية أقل بكثير من أثرها على أمريكا أو على أوروبا والحمد لله.
وكذلك هناك أشياء أخرى، يكون فيها من الله تبارك وتعالى حفظ وتسديد للمؤمنين بالبقية الباقية من ألوان التقوى وألوان الالتزام، وآثار الطاعة، ولو لم تكن على الوجه الكامل، فلو وجد شيء أكمل، لكان معنى ذلك أنه ربما نستطيع فعلاً أن نقدم نموذجاً للآخرين..
أما العالمية.. فالعالمية كأنها صفتها، كما تقول إن الإسلام دين عالمي، بمعنى رسالته عالمية، أو الحرب عالمية؛ لأن معظم دول العالم شاركت فيها، أو نقول هذا الأدب أدب عالمي؛ لأنه تجاوز حدود البلد إلى أن يكون مقروءاً في بلاد أخرى.. فهذا ما يظهر لي في الموضوع..


مظلة الإنسانية
وواصل فضيلة الشيخ رده قائلاً وعن الهوية الإنسانية ، فالله سبحانه وتعالى حين يقول في سورة الرحمن (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ) هنا الأرض للأنام للبشر، ليست للمسلمين وحدهم، حتى لما دعا إبراهيم عليه السلام (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) قال الله سبحانه وتعالى (وَمَن كَفَرَ).. يعني له شيء من ذلك (فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).
هذا قد يفيد أن البشر جميعاً يمكن أن يتعاونوا على معنى مشترك، يقع نفعه على الجميع، مثلا حين ينتشر وباء من الأوبئة مثل الكوليرا أو الإيدز أو أنفلونزا الطيور.. هذه الأمراض يحتاج الناس في العالم كله إلى أن يتفقوا على مقاومتها، يكون هذا مبدأ مشترك للجميع، فهذا المرض يضرك أنت كما يضر غيرك، إذن أنت محتاج أن تتعاون مع غيرك في إزالة هذا الضرر.
كذلك حين يكون أناس عندهم خطة رشد، يعني النبي صلى الله عليه وسلم، لما قال إنه حضر حلفاً في دار عبد الله بن جدعان، تعاقدوا فيه على نصرة المظلوم ورد الظلم، وغير ذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم، ولو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت.. يعني لو وجد خطة فيها نوع من رفع الظلم عن المظلومين أو حماية المساكين أو العاجزين أو المرضى أو الفقراء أو غير ذلك، فإن الإسلام يشجع مثل هذه البوادر ويرحب بها؛ فهو ليس ديناً منعزلاً بل هو دين عالمي.. وفي مكة قبل الهجرة أنزل الله سبحانه وتعالى قوله (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ).


حديث عن النفس
وشارك د. العمار د. عثمان المنيع سؤاله في أن خطاب الشيخ سلمان العودة اختلف عن خطابه في السابق، وأجاب الشيخ سلمان: إن هذا السؤال يمكن أن يجيب عليه غيري؛ فالإنسان لا يستطيع أن يتحدث عن نفسه، يمكن أن يكون الملاحظ أو الباحث، قد يجيب ويجد أن هناك أشياء يمكن الإنسان فيها فعلاً يترقى أو يحاول أن يصحح نفسه، بمعنى أن الشيء الذي أنا عليه أو أنت عليه، قبل سنة أو سنتين، ليس هو الكمال الذي يجب أن تقف عنده، وإنما عليك أن تبحث عن قمة أفضل وأوسع.. وأنا دائماً أذكّر بالفرق بين دعاءين كان يدعوهما النبي صلى الله عليه وسلم:
الدعاء الأول: أنه كان يقول: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك". فهذا هو الدين، أصول الدين ومحكماته التي لا خلاف عند المسلمين حولها، وهي أساس الدين وضرورياته وقطعياته ومحكماته، أو كما يسميها ابن تيمية "الدين الجامع"، بينما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو في صلاة الليل يقول: رب جبريل وإسرافيل ومكائيل، فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، أهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك.. إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم، حتى قال صلى الله عليه وسلم: لا أقسم على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلاّ كفّرت عن يميني، وأتيت الذي هو خير..
كما أن الإنسان في مرحلة معينة قد يركز أو يعتني بزيادة بجانب معين على حساب آخر، لكن إذا اتسع نطاق الإنسان أدرك أنه حتى لو انحلت هذ المشكلة، هناك مشكلات أخرى أكبر منها.. و على سبيل المثال، هل السياسة تكفي لحل المشكلات؟ تجربتي أنها لا.. والدليل أن الداء موجود في آحاد الناس، ولو تغيرت حكومة مثلاً في أي بلد من بلاد العالم الإسلامي، وجاءت المعارضة أو جاء حزب المعارضة، ستجد أن المشكلة ذاتها ستبقى، مما يدل على أن هناك نقائص، وبعض المساوئ والسلبيات في الشخصية الإسلامية.


المسؤولية مشتركة
كما أن المسؤولية لا يجب أن تلقى على العلماء، أو على الحكام وحدهم، وإلا فإن علينا أن نتربص حتى يأتي الله بأمر من عنده.. هذا من أكبر الأخطاء، علينا أن نتداول فيما بيننا أن كل شخص عندنا مسؤول، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، حتى المرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها"، حتى الطفل الصغير عليه تبعة ومسؤولية، بقدر ما يحسن، "مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع".
وأردف فضيلته: أظن أن هذا من المعاني المهمة؛ لأن هذا جزء من الأنا، والأنانية أن الإنسان يعتبر أن الخطأ هو خطأ الآخرين, وأما الصواب فهو صوابه، حتى قلت في يوم من الأيام على سبيل الطرفة، لما سألني أحد الناس وقال: ما الفرق بين النقد الهادف والنقد الهدام؟ فقلت له: النقد الهادف حينما أنتقدك، أما النقد الهدام فحينما تنتقدني!! وأقصد أن بعض الناس عندهم هذا المبدأ، فهم ينتقدون الآخرين بقوة وباستمرار، ولكنهم لا يريدون من أحد أن ينتقدهم.
نحن بحاجة إلى أن نشعر بالحمل والمسؤولية؛ لأن القصة ليست فقط أن أتخلى عن التبعة أو أحمّلها زيداً من الناس، وإنما لدينا هم أن هذا البلد، أو هذه الأمة ينبغي أن تنهض من كبوتها، على الأقل أن تضع قدمها على الطريق، نحن لا نحلم بين يوم وليلة أو عيشة وضحاها أن نجد هذه الأمة ممكنة في الأرض، قوية، حصينة، منيعة، وإنما على أقل تقدير لما ترى الأمة قد أخذت الطريق، ومن سار على الدرب وصل..
ورداً على سؤال من أحد المشاركين في المحاضرة يقول: سمعنا عن نيتكم جمع المقالات التي تنشرونها شهرياً في مجلة (الإسلام اليوم) في كتاب، والتي تتحدث عن سيرتكم الذاتية، ما مدى صحة ذلك ومتى تنتهون من طباعته؟ أجاب الشيخ سلمان: بالفعل أنا لي مقال شهري في مجلة الإسلام اليوم كما ينشر في الموقع ، و أكتبه بعناية، ولا يخلو من طرف وفوائد تربوية، والنية -إن شاء الله- تتجه إلى طباعته في كتاب متى اكتمل، لكن الأمر يتطلب بعض الوقت.