نور
12-11-2008, 12:36 PM
السلفيون الفلسطينيون .. قراءة أولية
عدنان أبوعامر (http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1225697992032&pagename=Zone-Arabic-Daawa%2FDWALayout#***1)
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?blobcol=urldata&blobheader=image%2Fjpeg&blobkey=id&blobtable=MungoBlobs&blobwhere=1221557300707&ssbinary=true
مجموعة من الدعاة السلفيين في غزة
عاشت الساحة الفلسطينية -وما زالت - ظروفا سياسية غاية في التعقيد، يختلط فيها السياسي بالديني، أفرزت ظواهر تبدو حديثة على الأوساط الفلسطينية، لكنها ليست بحال من الأحوال غريبة عن الساحة العربية المجاورة لفلسطين. من هذه الظواهر: الانتشار الظاهر على السطح للتيار السلفي الفلسطيني، لاسيما في أوساط الشباب الصاعد، ونجاحه في التمدد أفقيا ورأسيا بين مختلف شرائح الشعب الفلسطيني، ليس بالضرورة على حساب تيارات إسلامية متجذرة في الساحة، ولكن بالتأكيد قد يطرح أسئلة جادة حول رغبة هذا التيار باستقطاب جمهور عريض من تلك التيارات التاريخية.
نشأة الظاهرة فلسطينيا
شهدت السنوات التي تلت عام 1967 انكشاف الخطر الثقافي والحضاري الشامل الذي مثلته إسرائيل، ليس على أرض فلسطين وشعبها فقط، بل على الأمة العربية جمعاء، واتضاح التحالف الإستراتيجي التام بين الحركة الصهيونية والغرب في هجمتهم عليها. وقد شهدت هذه المرحلة التي أعقبت هزيمة العرب النكراء تصاعدا ملحوظا للتيار الإسلامي في فلسطين، ممثلا بجماعة الإخوان المسلمين، إلى جانب بروز تيارات إسلامية أخرى، جهادية وسلفية وتبليغية وغيرها.
واستفاد التيار السلفي الفلسطيني من تزايد تأثير الصحوة الإسلامية في العالم العربي؛ حيث بدأت الجماعات السلفية، التي تنكر أنها أحزاب أو قوى سياسية، عملها في قطاع غزة في السنوات الأولى من ثمانينيات القرن الماضي على أيدي طلبة ومدرسين تلقوا تعليمهم في السعودية ودول الخليج الأخرى، وعندما عادوا إلى غزة، اختاروا مواصلة الدعوة التي حملوها من علماء كبار آمنوا بالنهج السلفي طريقا لإعادة الناس إلى ما يصفونه بـ"طريق الإسلام القويم".
وبقي نشاط السلفيين في غزة شبه محدود في بداية الثمانينيات، إلا أنه ازداد توسّعا، وبشكل ملحوظ، مع عودة السلطة الفلسطينية عام 1994، التي منحت التراخيص لبعض الجمعيات التي أقامها السلفيون، بل دعمت (السلطة) أحزابا إسلامية صغيرة، في محاولة لإضعاف حركة المقاومة الإسلامية حماس التي بلغت أوج قوتها في السنوات الأخيرة آنذاك. ومع زيادة إقبال الناس في غزة على التدين، اتسع نشاط السلفيين، لتنبثق منهم مؤسسات مختلفة، سيأتي الحديث عنها لاحقا، إلى جانب رموز يلتف حولها مريدون وأتباع، وينشطون في المساجد والجمعيات ومراكز تحفيظ القرآن.
وقد بدا واضحا أن الآونة الأخيرة شهدت نشاطا لأتباع التيار السلفي بشكل ملموس في قطاع غزة؛ حيث يتركز نشاطهم في القطاع على بناء المساجد، والجمعيات الخيرية، والمؤسسات التعليمية الدينية، في وقت ينشط فيه عدد من خطبائهم ومشايخهم في حض الناس على الالتحاق بهم في الاقتداء بالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والصحابة والتابعين، مستخدمين سيلا من الأحاديث النبوية الشريفة التي يحفظونها بالسند كما هو معروف عنهم.
بالمناسبة هناك خلط لدى الكثير من الفلسطينيين بين السلفيين وجماعة التبليغ، لكن الفريق الأول يرى أنه يتميز عن الثاني بالتفوق عليه على صعيد العلم الشرعي، والحرص على تبيان الحديث بالدليل، والتوسع في تفاصيل وجزئيات الأمور، فيما تعتمد جماعة التبليغ على تبسيط الأمور للوصول إلى البسطاء والعامة.
سمات التيار السلفي الفلسطيني
ورغم أنه لا يمكن الحديث عن تيار سلفي فلسطيني بعينه، خاصة في ضوء الارتباطات العضوية بينه وبين أشقائه في الدول العربية والإسلامية المجاورة، إلا أننا وإن ابتعدنا عن البيئات السياسية العربية، واقتربنا إلى البيئة الفلسطينية، فسنرقب سمات "فلسطينية" خاصة، رافقت السلفيين الفلسطينيين، أهمها:
1- ليست الظاهرة السلفية في فلسطين بدعا جديدا طارئا نشأ خلال السنوات القليلة الأخيرة، وازداد تأثيرها في الأشهر المنصرمة، فالتيار السلفي قديم في الأراضي الفلسطينية، ومرتبط بقيام ما يعرف بـ"الصحوة الإسلامية" وانتشارها بين الشباب الفلسطيني، لاسيما وأنه اتجه بصورة متسارعة إلى الحركات الإسلامية "هروبا" من الانتكاسة التي أصيب بها التيار الوطني في أواسط الثمانينيات.
2- اقتصرت أنشطة السلفيين على حلقات العلم، وطباعة الكتب والمطويات، مبتعدين عن الحديث في السياسة، ومنهمكين في محاربة "البدع"، وحث الناس على التخلص مما يعتبرونه "ممارسات شركية"، وأداء المناسك التعبدية، وزيارة بيوت الفلسطينيين لدعوتهم للدين، والدروس المسجدية.
3- ابتعد "السلفيون" طوال السنوات الماضية عن النقاش السياسي والجدل الحزبي الدائر على أشده في الأراضي الفلسطينية؛ لاعتقادهم بأن الأمة ما زالت في مرحلة العودة إلى الدين، وأن الخلافات الحزبية القائمة، بين إسلامييها ووطنييها، لن يثمر إلا مزيدا من التراجع والفرقة، وتأخر الأمة عن تحقيق ريادتها للعالم، وهذا بالمناسبة ما ظهر من موقفهم من الأزمة الدامية الأخيرة بين حركتي فتح وحماس.
4- شكل السلفيون على المدى التاريخي رديفا قويا وهاما للحركات الإسلامية الكبرى في فلسطين، الإخوان المسلمون تقليديا، وحماس لاحقا، خاصة على صعيد بث موجات قوية من التعبئة الدينية والصحوة الإسلامية، وبداية تشكل ما يعرفه الباحثون بـ"البديل الإسلامي" للتيار الوطني الذي سيطر على الساحة الفلسطينية طوال عقود مضت.
العلاقات مع الإسلاميين الآخرين
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?blobcol=urldata&blobheader=image%2Fjpeg&blobkey=id&blobtable=MungoBlobs&blobwhere=1221557300719&ssbinary=true
تجمع بأحد الفعاليات السلفية في غزة
اتصفت علاقات التيار السلفي الفلسطيني بسواه من التيارات الإسلامية الأخرى على الساحة، كالإخوان المسلمين سابقا، وحماس لاحقا، والجهاد الإسلامي، وحزب التحرير، بالإيجابية والتعاون فيما يتعلق بالمد الإسلامي عموما، والعمل على نشر المبادئ الدعوية، والأفكار الدينية، وبذلك نجح السلفيون في إيجاد شبكة من العلاقات الطيبة والإيجابية مع مختلف شرائح الفلسطينيين، إلى ما قبل دخول العامل السياسي على الخط. اليوم هناك إلى ح د بعيد علاقات تسير في حدها الأدنى، لا حميمية ولا متوترة، لكن الرضا المقبول يحكم الأطراف حسبما يتضح ميدانيا، مع انتشار ملموس وواضح للسلفيين في قطاع غزة تحديدا، سواء من خلال الفعاليات الدينية الجماهيرية، أو المناسك التعبدية التي تأخذ الطابع الشعبي، وتحشد الناس بصورة لم تعرفها الأوساط الفلسطينية من قبل.
علاقات السلفيين مع التحريريين والجهاديين -إن صح التعبير- تنحصر في محاولة استقطاب عناصرهم وأفرادهم، من خلال الإيحاء لهم بأحقية منطلقاتهم، ومصداقية تحركاتهم، إلا أن ذلك لم يظهر له إسقاطات ميدانية، وإفرازات تنظيمية لدى تلك التيارات. علما بأن السلفيين يطلقون على باقي الحركات الفلسطينية ذات التوجه الإسلامي لقب: "الحزبيين"، ويتهمونهم بتفرقة المسلمين، ويحذرون الناس من الانضمام إليهم، وكثيرًا ما ينشأ جدال بين المنتمين لحركة حماس مثلا، وبين من يحملون الفكر السلفي الذين ينتقدون الكثير من الدعاة والعلماء، أمثال د.يوسف القرضاوي، والشيخ محمد الغزالي، والشهيد سيد قطب، وغيرهم، ويعتبر السلفيون السلطة الفلسطينية، حكومة ورئيسًا، ولي الأمر الذي تجب طاعته.
أما عن المقاومة المسلحة، التي تعتبر ميدانا رحبا للتنافس بين القوى السياسية الفلسطينية، فـ"سلفيو غزة" يرون أن دعوتهم تؤمن بالجهاد المسلح، وتعتبره من الواجبات، لكنها لا تراه في هذه الأيام قد حان وقته، ولم يحن رجاله؛ بسبب أن الجهاد له شروط وواجبات لم تتوفر بعد، منكرين في الوقت ذاته على الآخرين التسارع فيه؛ لأن الجهاد بنظرهم لابد له من جيش وأمير، حتى تحصل ثمرته.
رموز ومعالم سلفية
لا يحظى التيار السلفي كغيره من التيارات الإسلامية برموز إعلامية بارزة، تتمتع بهالة شعبية وحظوة جماهيرية؛ لأسباب كثيرة، لكن ذلك لا يمنع من القول إن الشيخ سليم شراب، الذي توفي في غزة عام 1985، صاحب الفضل الأول، كما يؤكد السلفيون، في إيصالهم بالعلماء في مكة وفي باقي دول العالم.
والشيخ شراب، بهذه الصفة، يعتبر المجدد الأول للتيار السلفي في قطاع غزة، وينظر إليه السلفيون على اختلاف مؤسساتهم ومشاربهم باحترام شديد، ذاكرين ما يعتبرونها أفضاله وأفعاله على هذه الدعوة، خاصة أنه كان أكثرهم دعوة ونشاطا، وأول من بشر بهذا المنهج في حقبة السبعينيات من القرن الماضي، عبر نشاطه البارز في معهد الأزهر الديني، والجامعة الإسلامية، والمجمع الإسلامي، الذي يعد أحد مؤسسيه مع الشيخ الشهيد أحمد ياسين.
ويعتبر الشيخ سمير المبحوح، والشيخ فؤاد أبو سعيد، والشيخ خالد الدعالسة، أهم رموز الدعوة السلفية في قطاع غزة، أما عن المؤسسات والجمعيات التي تنشط في سبيل نشر فكر التيار السلفي، فإن قطاع غزة يعرف عددا من هذه المؤسسات المتعددة التي لا ترتبط بينها بأي رابط ظاهر، خاصة أن بعض المشايخ السلفيين يرون في وجود هذه الجمعيات لونا من ألوان التحزب، ولا يبيحون العمل في إطارها، مفضلين العمل بشكل فردي أو في مجموعات دعوية.
ولا يقتصر نشاط المجموعات السلفية في غزة على الدعوة إلى العودة للدين، وتعليم الناس أمور الشريعة، بل مع ازدياد نشاطهم، بدأت بعض المؤسسات عندهم في تقديم خدمات تعليمية وطبية واجتماعية، إلى جانب النشاط في كفالة الأيتام ورعاية المعوزين وإقامة المشاريع الاستثمارية. ومن هذه الجمعيات البارزة والفاعلة في القطاع:
1- "المجلس العلمي للدعوة السلفية": ويترأسه الشيخ ياسين الأسطل الذي تلقى العلم على يد شيوخ كبار أمثال الشيخ ناصر الدين الألباني، الذي ينظر إليه السلفيون على أنه مجدد القرن العشرين، بخلاف نظرة الإخوان المسلمين الذين يرون أن مجدّد القرن هو الإمام حسن البنا. وإلى جانب الألباني، تلقى الأسطل تعليمه من المفتي السابق للسعودية الشيخ عبد العزيز بن باز، ومن شيخه المباشر الشيخ حماد الأنصاري محدث المدينة المنورة الذي لازمه في منزله لسنوات طويلة يقرأ عليه العلم ويشرح.
ويقدم المجلس العلمي للدعوة السلفية خدمات اجتماعية مثل كفالة الأيتام والأسر، إلى جانب الخدمات الصحية التي يقدمها مركز طبي يقوم على خدمة الناس، فضلا عن المساعدات الإغاثية غير الدورية، ورغم أنه لا توجد إحصائية حول تقدير عدد المستفيدين من الخدمات التي يقدمها المجلس العلمي للفلسطينيين، إلا أن هناك أكثر من ثلاثة آلاف يتيم فلسطيني منتشرين في المدن والمحافظات يستفيدون من الكفالات المالية.
2- دار الكتاب والسنة: نشأت في بداية عقد الثمانينيات أسوة بباقي الجمعيات والجماعات التي تؤمن بالمنهج السلفي، وكانت بداية انطلاقها تحويل ما كان يعرف في غزة "سينما الحرية" في مدينة خان يونس إلى مكتبة علمية؛ حيث حصلت على ترخيص من السلطة الفلسطينية لإقامة الجمعية التي لها نشاطات إغاثية متنوعة، إلى جانب النشاطات العلمية والدعوية، أبرزها الاهتمام بمدارس تعليم الحديث، ورياض الأطفال. وتمتلك الجمعية مشاريع استثمارية ناجحة كالمطابع، والمخابز، ومساكن الإيجار، التي تصب في صالح الدعوة، كما يصفها السلفيون، وخدمة لعدد كبير من الأيتام الذين يتقاضون رواتب شهرية منها.
بهذه السمات وتلك المواقف، نشأ التيار السلفي الفلسطيني، ونجح في استقطاب العشرات، بل المئات، من الفلسطينيين الذين عادوا إلى حضن الدين، وعباءة الإسلام، بعدما تاهوا سنين طويلة في غياهب المعصية -كما يقولون عن أنفسهم- وغدا السلفيون يشكلون جزءا أصيلا وهاما من ساحة العمل الإسلامي الفلسطيني.
عدنان أبوعامر (http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1225697992032&pagename=Zone-Arabic-Daawa%2FDWALayout#***1)
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?blobcol=urldata&blobheader=image%2Fjpeg&blobkey=id&blobtable=MungoBlobs&blobwhere=1221557300707&ssbinary=true
مجموعة من الدعاة السلفيين في غزة
عاشت الساحة الفلسطينية -وما زالت - ظروفا سياسية غاية في التعقيد، يختلط فيها السياسي بالديني، أفرزت ظواهر تبدو حديثة على الأوساط الفلسطينية، لكنها ليست بحال من الأحوال غريبة عن الساحة العربية المجاورة لفلسطين. من هذه الظواهر: الانتشار الظاهر على السطح للتيار السلفي الفلسطيني، لاسيما في أوساط الشباب الصاعد، ونجاحه في التمدد أفقيا ورأسيا بين مختلف شرائح الشعب الفلسطيني، ليس بالضرورة على حساب تيارات إسلامية متجذرة في الساحة، ولكن بالتأكيد قد يطرح أسئلة جادة حول رغبة هذا التيار باستقطاب جمهور عريض من تلك التيارات التاريخية.
نشأة الظاهرة فلسطينيا
شهدت السنوات التي تلت عام 1967 انكشاف الخطر الثقافي والحضاري الشامل الذي مثلته إسرائيل، ليس على أرض فلسطين وشعبها فقط، بل على الأمة العربية جمعاء، واتضاح التحالف الإستراتيجي التام بين الحركة الصهيونية والغرب في هجمتهم عليها. وقد شهدت هذه المرحلة التي أعقبت هزيمة العرب النكراء تصاعدا ملحوظا للتيار الإسلامي في فلسطين، ممثلا بجماعة الإخوان المسلمين، إلى جانب بروز تيارات إسلامية أخرى، جهادية وسلفية وتبليغية وغيرها.
واستفاد التيار السلفي الفلسطيني من تزايد تأثير الصحوة الإسلامية في العالم العربي؛ حيث بدأت الجماعات السلفية، التي تنكر أنها أحزاب أو قوى سياسية، عملها في قطاع غزة في السنوات الأولى من ثمانينيات القرن الماضي على أيدي طلبة ومدرسين تلقوا تعليمهم في السعودية ودول الخليج الأخرى، وعندما عادوا إلى غزة، اختاروا مواصلة الدعوة التي حملوها من علماء كبار آمنوا بالنهج السلفي طريقا لإعادة الناس إلى ما يصفونه بـ"طريق الإسلام القويم".
وبقي نشاط السلفيين في غزة شبه محدود في بداية الثمانينيات، إلا أنه ازداد توسّعا، وبشكل ملحوظ، مع عودة السلطة الفلسطينية عام 1994، التي منحت التراخيص لبعض الجمعيات التي أقامها السلفيون، بل دعمت (السلطة) أحزابا إسلامية صغيرة، في محاولة لإضعاف حركة المقاومة الإسلامية حماس التي بلغت أوج قوتها في السنوات الأخيرة آنذاك. ومع زيادة إقبال الناس في غزة على التدين، اتسع نشاط السلفيين، لتنبثق منهم مؤسسات مختلفة، سيأتي الحديث عنها لاحقا، إلى جانب رموز يلتف حولها مريدون وأتباع، وينشطون في المساجد والجمعيات ومراكز تحفيظ القرآن.
وقد بدا واضحا أن الآونة الأخيرة شهدت نشاطا لأتباع التيار السلفي بشكل ملموس في قطاع غزة؛ حيث يتركز نشاطهم في القطاع على بناء المساجد، والجمعيات الخيرية، والمؤسسات التعليمية الدينية، في وقت ينشط فيه عدد من خطبائهم ومشايخهم في حض الناس على الالتحاق بهم في الاقتداء بالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والصحابة والتابعين، مستخدمين سيلا من الأحاديث النبوية الشريفة التي يحفظونها بالسند كما هو معروف عنهم.
بالمناسبة هناك خلط لدى الكثير من الفلسطينيين بين السلفيين وجماعة التبليغ، لكن الفريق الأول يرى أنه يتميز عن الثاني بالتفوق عليه على صعيد العلم الشرعي، والحرص على تبيان الحديث بالدليل، والتوسع في تفاصيل وجزئيات الأمور، فيما تعتمد جماعة التبليغ على تبسيط الأمور للوصول إلى البسطاء والعامة.
سمات التيار السلفي الفلسطيني
ورغم أنه لا يمكن الحديث عن تيار سلفي فلسطيني بعينه، خاصة في ضوء الارتباطات العضوية بينه وبين أشقائه في الدول العربية والإسلامية المجاورة، إلا أننا وإن ابتعدنا عن البيئات السياسية العربية، واقتربنا إلى البيئة الفلسطينية، فسنرقب سمات "فلسطينية" خاصة، رافقت السلفيين الفلسطينيين، أهمها:
1- ليست الظاهرة السلفية في فلسطين بدعا جديدا طارئا نشأ خلال السنوات القليلة الأخيرة، وازداد تأثيرها في الأشهر المنصرمة، فالتيار السلفي قديم في الأراضي الفلسطينية، ومرتبط بقيام ما يعرف بـ"الصحوة الإسلامية" وانتشارها بين الشباب الفلسطيني، لاسيما وأنه اتجه بصورة متسارعة إلى الحركات الإسلامية "هروبا" من الانتكاسة التي أصيب بها التيار الوطني في أواسط الثمانينيات.
2- اقتصرت أنشطة السلفيين على حلقات العلم، وطباعة الكتب والمطويات، مبتعدين عن الحديث في السياسة، ومنهمكين في محاربة "البدع"، وحث الناس على التخلص مما يعتبرونه "ممارسات شركية"، وأداء المناسك التعبدية، وزيارة بيوت الفلسطينيين لدعوتهم للدين، والدروس المسجدية.
3- ابتعد "السلفيون" طوال السنوات الماضية عن النقاش السياسي والجدل الحزبي الدائر على أشده في الأراضي الفلسطينية؛ لاعتقادهم بأن الأمة ما زالت في مرحلة العودة إلى الدين، وأن الخلافات الحزبية القائمة، بين إسلامييها ووطنييها، لن يثمر إلا مزيدا من التراجع والفرقة، وتأخر الأمة عن تحقيق ريادتها للعالم، وهذا بالمناسبة ما ظهر من موقفهم من الأزمة الدامية الأخيرة بين حركتي فتح وحماس.
4- شكل السلفيون على المدى التاريخي رديفا قويا وهاما للحركات الإسلامية الكبرى في فلسطين، الإخوان المسلمون تقليديا، وحماس لاحقا، خاصة على صعيد بث موجات قوية من التعبئة الدينية والصحوة الإسلامية، وبداية تشكل ما يعرفه الباحثون بـ"البديل الإسلامي" للتيار الوطني الذي سيطر على الساحة الفلسطينية طوال عقود مضت.
العلاقات مع الإسلاميين الآخرين
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?blobcol=urldata&blobheader=image%2Fjpeg&blobkey=id&blobtable=MungoBlobs&blobwhere=1221557300719&ssbinary=true
تجمع بأحد الفعاليات السلفية في غزة
اتصفت علاقات التيار السلفي الفلسطيني بسواه من التيارات الإسلامية الأخرى على الساحة، كالإخوان المسلمين سابقا، وحماس لاحقا، والجهاد الإسلامي، وحزب التحرير، بالإيجابية والتعاون فيما يتعلق بالمد الإسلامي عموما، والعمل على نشر المبادئ الدعوية، والأفكار الدينية، وبذلك نجح السلفيون في إيجاد شبكة من العلاقات الطيبة والإيجابية مع مختلف شرائح الفلسطينيين، إلى ما قبل دخول العامل السياسي على الخط. اليوم هناك إلى ح د بعيد علاقات تسير في حدها الأدنى، لا حميمية ولا متوترة، لكن الرضا المقبول يحكم الأطراف حسبما يتضح ميدانيا، مع انتشار ملموس وواضح للسلفيين في قطاع غزة تحديدا، سواء من خلال الفعاليات الدينية الجماهيرية، أو المناسك التعبدية التي تأخذ الطابع الشعبي، وتحشد الناس بصورة لم تعرفها الأوساط الفلسطينية من قبل.
علاقات السلفيين مع التحريريين والجهاديين -إن صح التعبير- تنحصر في محاولة استقطاب عناصرهم وأفرادهم، من خلال الإيحاء لهم بأحقية منطلقاتهم، ومصداقية تحركاتهم، إلا أن ذلك لم يظهر له إسقاطات ميدانية، وإفرازات تنظيمية لدى تلك التيارات. علما بأن السلفيين يطلقون على باقي الحركات الفلسطينية ذات التوجه الإسلامي لقب: "الحزبيين"، ويتهمونهم بتفرقة المسلمين، ويحذرون الناس من الانضمام إليهم، وكثيرًا ما ينشأ جدال بين المنتمين لحركة حماس مثلا، وبين من يحملون الفكر السلفي الذين ينتقدون الكثير من الدعاة والعلماء، أمثال د.يوسف القرضاوي، والشيخ محمد الغزالي، والشهيد سيد قطب، وغيرهم، ويعتبر السلفيون السلطة الفلسطينية، حكومة ورئيسًا، ولي الأمر الذي تجب طاعته.
أما عن المقاومة المسلحة، التي تعتبر ميدانا رحبا للتنافس بين القوى السياسية الفلسطينية، فـ"سلفيو غزة" يرون أن دعوتهم تؤمن بالجهاد المسلح، وتعتبره من الواجبات، لكنها لا تراه في هذه الأيام قد حان وقته، ولم يحن رجاله؛ بسبب أن الجهاد له شروط وواجبات لم تتوفر بعد، منكرين في الوقت ذاته على الآخرين التسارع فيه؛ لأن الجهاد بنظرهم لابد له من جيش وأمير، حتى تحصل ثمرته.
رموز ومعالم سلفية
لا يحظى التيار السلفي كغيره من التيارات الإسلامية برموز إعلامية بارزة، تتمتع بهالة شعبية وحظوة جماهيرية؛ لأسباب كثيرة، لكن ذلك لا يمنع من القول إن الشيخ سليم شراب، الذي توفي في غزة عام 1985، صاحب الفضل الأول، كما يؤكد السلفيون، في إيصالهم بالعلماء في مكة وفي باقي دول العالم.
والشيخ شراب، بهذه الصفة، يعتبر المجدد الأول للتيار السلفي في قطاع غزة، وينظر إليه السلفيون على اختلاف مؤسساتهم ومشاربهم باحترام شديد، ذاكرين ما يعتبرونها أفضاله وأفعاله على هذه الدعوة، خاصة أنه كان أكثرهم دعوة ونشاطا، وأول من بشر بهذا المنهج في حقبة السبعينيات من القرن الماضي، عبر نشاطه البارز في معهد الأزهر الديني، والجامعة الإسلامية، والمجمع الإسلامي، الذي يعد أحد مؤسسيه مع الشيخ الشهيد أحمد ياسين.
ويعتبر الشيخ سمير المبحوح، والشيخ فؤاد أبو سعيد، والشيخ خالد الدعالسة، أهم رموز الدعوة السلفية في قطاع غزة، أما عن المؤسسات والجمعيات التي تنشط في سبيل نشر فكر التيار السلفي، فإن قطاع غزة يعرف عددا من هذه المؤسسات المتعددة التي لا ترتبط بينها بأي رابط ظاهر، خاصة أن بعض المشايخ السلفيين يرون في وجود هذه الجمعيات لونا من ألوان التحزب، ولا يبيحون العمل في إطارها، مفضلين العمل بشكل فردي أو في مجموعات دعوية.
ولا يقتصر نشاط المجموعات السلفية في غزة على الدعوة إلى العودة للدين، وتعليم الناس أمور الشريعة، بل مع ازدياد نشاطهم، بدأت بعض المؤسسات عندهم في تقديم خدمات تعليمية وطبية واجتماعية، إلى جانب النشاط في كفالة الأيتام ورعاية المعوزين وإقامة المشاريع الاستثمارية. ومن هذه الجمعيات البارزة والفاعلة في القطاع:
1- "المجلس العلمي للدعوة السلفية": ويترأسه الشيخ ياسين الأسطل الذي تلقى العلم على يد شيوخ كبار أمثال الشيخ ناصر الدين الألباني، الذي ينظر إليه السلفيون على أنه مجدد القرن العشرين، بخلاف نظرة الإخوان المسلمين الذين يرون أن مجدّد القرن هو الإمام حسن البنا. وإلى جانب الألباني، تلقى الأسطل تعليمه من المفتي السابق للسعودية الشيخ عبد العزيز بن باز، ومن شيخه المباشر الشيخ حماد الأنصاري محدث المدينة المنورة الذي لازمه في منزله لسنوات طويلة يقرأ عليه العلم ويشرح.
ويقدم المجلس العلمي للدعوة السلفية خدمات اجتماعية مثل كفالة الأيتام والأسر، إلى جانب الخدمات الصحية التي يقدمها مركز طبي يقوم على خدمة الناس، فضلا عن المساعدات الإغاثية غير الدورية، ورغم أنه لا توجد إحصائية حول تقدير عدد المستفيدين من الخدمات التي يقدمها المجلس العلمي للفلسطينيين، إلا أن هناك أكثر من ثلاثة آلاف يتيم فلسطيني منتشرين في المدن والمحافظات يستفيدون من الكفالات المالية.
2- دار الكتاب والسنة: نشأت في بداية عقد الثمانينيات أسوة بباقي الجمعيات والجماعات التي تؤمن بالمنهج السلفي، وكانت بداية انطلاقها تحويل ما كان يعرف في غزة "سينما الحرية" في مدينة خان يونس إلى مكتبة علمية؛ حيث حصلت على ترخيص من السلطة الفلسطينية لإقامة الجمعية التي لها نشاطات إغاثية متنوعة، إلى جانب النشاطات العلمية والدعوية، أبرزها الاهتمام بمدارس تعليم الحديث، ورياض الأطفال. وتمتلك الجمعية مشاريع استثمارية ناجحة كالمطابع، والمخابز، ومساكن الإيجار، التي تصب في صالح الدعوة، كما يصفها السلفيون، وخدمة لعدد كبير من الأيتام الذين يتقاضون رواتب شهرية منها.
بهذه السمات وتلك المواقف، نشأ التيار السلفي الفلسطيني، ونجح في استقطاب العشرات، بل المئات، من الفلسطينيين الذين عادوا إلى حضن الدين، وعباءة الإسلام، بعدما تاهوا سنين طويلة في غياهب المعصية -كما يقولون عن أنفسهم- وغدا السلفيون يشكلون جزءا أصيلا وهاما من ساحة العمل الإسلامي الفلسطيني.