نور
26-11-2008, 02:34 PM
<TABLE cellSpacing=0 cellPadding=0 width="100%" border=0><TBODY><TR><TD dir=rtl style="PADDING-BOTTOM: 6pt" vAlign=top>مشاعر أرملة عصرية (1)
</TD></TR><TR><TD vAlign=top align=right><TABLE class=authorBox cellSpacing=0 cellPadding=0 border=0><TBODY><TR><TD style="PADDING-BOTTOM: 7px; PADDING-TOP: 7px" align=right>د.محمد المهدي (http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1227019188781&pagename=Zone-Arabic-AdamEve%2FAEALayout#***1)
</TD></TR></TBODY></TABLE></TD></TR><TR><TD height=6></TD></TR><TR><TD dir=rtl vAlign=top><TABLE cellSpacing=0 cellPadding=0 align=left border=0><TBODY><TR><TD>http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?blobcol=urldata&blobheader=image%2Fjpeg&blobkey=id&blobtable=MungoBlobs&blobwhere=1221557659396&ssbinary=true </TD></TR></TBODY></TABLE>"ما أعجب هذا المجتمع يا سيدي، إنه يعطي تصاريح مختلفة: تصريحا بالذبح وتصريحا بالدفن.. ولكنه يحرم الحلال، ويرفض أن يعطي تصريحا بالزواج لمن هنَّ في حاجة إليه!!".. وصلتني هذه الرسالة من أرملة طلبت مني نشرها على أوسع نطاق أستطيعه لعلها تصل إلى من يهمه الأمر (فعلا)
تكمل صاحبة الرسالة:لقد كان الصحابة الأوائل يعرضون بناتهم للزواج خاصة إن توفي عنهن الزوج، بل فعل ذلك الرسول الكريم، وفعلها عمر بن الخطاب، حين قال عليه السلام: "يتزوج حفصة من هو خير من عثمان، ويتزوج عثمان من هي خير من حفصة"، وذلك حين عرض عمر بن الخطاب ابنته حفصة على عثمان ليتزوجها، فسكت عثمان رضي الله عنه لعلمه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، وأنه كان يرغب في زواجه من بنته رقية!!، وحدث ذلك كله بروح رياضية نفتقر إليها نحن حاليا برغم وصولنا إلى القمر وما بعده!!.. فما قال أحد: عيب، أو ربنا يخلي الأولاد، والبركة فيهم، وما شابه ذلك من صنوف العبارات التي تطرح على الساحة في مثل هذه المواقف، والتي هي في مجملها استمرار لوأد البنات والنساء، ولكنه هنا وأد اجتماعي نفسي لعله أشد لهيبا من الوأد الجسدي الذي مورس في الجاهلية!!.
من وراء النافذة
ولقد تحدثت إلى نفسي بهذه الأفكار، ولكن حدث منذ أيام ما جعلني أشد إيمانا بها، فلنا جارة قد جاوزت الأربعين، ولقد توفي زوجها منذ كانت في العشرين من عمرها، ولكن كرامة العائلة وأشياء كثيرة أخرى حالت دون أن تعيد تجربة الزواج برغم أنه لم يمنحها سوى ابنة واحدة، ثم تزوجت الابنة وخلت المرأة إلى نفسها، ونظرت في المرآة وكأنها تكتشف نفسها لأول مرة، فإذا بها غادة هيفاء تسر الناظرين (أو هكذا زين لها)، وإذا عيناها تشعان ببريق الحياة، وتدب في جسدها الحرارة شيئا فشيئا، حرارة كانت تعرفها جيدا، ولكنها نسيتها من سنوات، وتشتعل جذوة العاطفة في صدرها، ولكنها برغم ذلك كانت قد افتقرت إلى لغة التخاطب مع الجنس الآخر، وما لبثت أن تسرب اليأس إليها رويدا رويدا حتى انتبهت إلى أن أي محاولة تجاه الجنس الآخر لن تجني منها إلا أن توصم بأنها العجوز المتصابية الحمقاء، ثم دققت النظر في المرآة فشعرت أن المرآة رجعت هي الأخرى في رأيها، وأن وجهها قد امتلأ شحوبا وتجاعيد، بل إن المرآة تكاد تخرج لها لسانها، وهكذا شيئا فشيئا حتى قنعت بأن لها دورا واحدا في الحياة، وهو أن تقبع خلف نافذتها ترقب المارة ذهابا وإيابا!!.
ومن حين لآخر تستيقظ جذوة خمدت فتتلفت يمينا ويسارا خلف نافذتها، ويرشح لها شيطانها أحد هؤلاء، ولكنها تخشى الفضيحة، ليست فضيحتها هي، ولكن فضيحة إخوتها الرجال، وهم سادة وكبار البلد، فأما الزواج فلا مجال لذكره أو التفكير فيه!!. وهكذا ظلت أياما وشهورا خلف نافذتها ترقب الرائح والغادي، وهي في هذا وذاك تتحول إلى قناص متربص، ومن هو الضحية؟!!.
إن ذلك هو أعجب ما في الأمر، هل وجدتم صيادا يخشى الفريسة، أجل هي تخشى الرجال، تخشى غدرهم، أما الحلال فقد ضرب بينها وبينه حجاب ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، وأما الحرام فلسان حال المجتمع يقول لها في حياء: لا بأس، ولكن إذا بليتم فاستتروا!!.
وحتى الستر، هي لا تأمن فيه هؤلاء الرجال!!.
معتوه في اليد
وهكذا ظلت حدقتاها تدوران حتى وجدت ضالتها المنشودة!!.. إنه ذلك الشاب المعتوه!!.. أجل.. ولم لا؟ إن معه تصريحا بالدخول إلى جميع بيوت القرية لأخذ كسرة خبز من هنا، أو جرعة ماء من هناك!!.. وهي لن تكتفي بإعطائه كسرة الخبز، بل جلبت له صنفا من الحلوى يسيل له اللعاب!! وقضى المعتوه ليلة ما عايش مثلها أبدا!!.. وفي الصباح أسدلت المرأة الستار، وهي تواسي نفسها بأن قليلا متاحا خير من كثير غير مباح، ثم ظنت أنها طوت ذلك إلى الأبد.
وكلما ارتفعت الشمس إلى كبد السماء اشتد حر ضميرها، حتى غدا يلسعها بشواظ من نار، ووجدت أن عذاب الخطيئة أشد هولا مما استشعرته من قبل وما زالت حتى أسدل الليل ستاره، فدعت الله بأن يغفر لها، وأن يعفو عن زلتها حتى تسكن جوارحها، فما راعها إلا والمعتوه أسفل النافذة يصرخ في صوت سمعه القاصي والداني: افتحي الباب يا حاجَّة، حتى نفعل ما فعلناه بالأمس!!!!".
إصرار على الزواج
بعد أن قرأت الرسالة بدأت تتداعى في وعيي قصص من عايشتهم من الأرامل قصة وراء قصة، فقررت أن أترك تلك القصص تتداعى لعلها تكمل صورة الترمل في مجتمعنا العصري:
مدام "س" انشغلت عن الحزن على زوجها بكم هائل من المشكلات المالية خلفها وراءه، حيث كان يخفي عنها كل أموره المادية فضاع الكثير من أمواله بين شركائه وعملائه، وهي تجري هنا وهناك تبحث في الظلام عن ثروته التي تعرف أنها كبيرة (حيث كان طبيبا مشهورا ورجل أعمال في ذات الوقت) ولكن لا تدري أين هي؟ ولا تجد أوراقا تثبت حقها وحق أبنائها وبناتها في هذه الثروة، وتنتابها مشاعر الغضب بجوار مشاعر الحزن تجاه فقيدها ليس فقط على الثروة الموجودة والمفقودة معا، وإنما على علاقته بها والتي اتسمت بالإهمال والتجاهل، فلم يكن يهتم بها إلا وقت الفراش، ولم يكن يخبرها شيئا عن أحواله وأسراره، فقد كان لديه اعتقاد بأن معرفة المرأة بهذا تفسد الحياة.
وربما لهذا ولأسباب أخرى تصر مدام "س" على الزواج بعد فترة وجيزة من موت زوجها، وقد أعلنت ذلك بلا تردد أمام أبنائها وبناتها، فصدموا جميعا وأحسوا بأن أمهم تخون ذكرى أبيهم الذي لم يمض على وفاته أكثر من سبعة أشهر، وهم يعتقدون أن أباهم كان أفضل أب لهم وأفضل زوج لها، فكيف تفكر في الزواج من بعده؟ وأي رجل يمكن أن يدخل حياتهم فيقلبها رأسا على عقب؟ وأي أنانية لدى هذه الأم التي لا تستحي فتطلب الزواج لنفسها بدلا من أن تدبر أمر زواج أبنائها وبناتها وقد بلغوا سن الزواج فعلا؟ وأسرعوا إلى جدهم وجدتهم ليخبراهما بهذا "الجنون" الذي أصاب أمهم على حد تعبيرهم.
ولم يقصر الجد والجدة في لوم وتقريع ابنتهما التي لا تراعي سنها، (فقد بلغت الخمسين من عمرها)، ولا تراعي مصلحة أبنائها (ولدين تخرجا من الجامعة وابنتين في الثانوية العامة)، ولكنها لم تعر ذلك أي اهتمام، وما زالت في رحلة البحث عن عريس تعوض معه ما فاتها مع زوجها، فهي لم تشعر طوال سنين زواجها أنها كانت امرأة، ولا يهمها رضا أبنائها أو أبويها، فهي –كما تقول– لا تفعل شيئا محرما، بل ستتزوج على سنة الله ورسوله، وذلك أفضل من أن تنظر هنا وهناك، أو أن تكون مطمعا للرجال (على حد قولها)، خاصة أنها جميلة وجذابة (هكذا تعتقد).
ومع هذه الرغبة القوية والمؤكدة في الزواج إلا أنها لم تنجح حتى الآن في تنفيذ هذه الخطوة، برغم تقدم أكثر من رجل لها، فهي ما زالت مترددة إذ تخشى أن تخسر من حولها من أجل رجل لا تعرف مدى إخلاصه لها، خاصة أنها ستكون الزوجة الثانية –غالبا– لرجل متزوج (هكذا الفرص المتاحة لمن في مثل ظروفها)، أو أنه يطمع فيما تبقى لديها من ثروة زوجها، كما أنها تخشى أن ينبذها أبناؤها من حياتهم إن هي تزوجت، ولكن يبدو أن شعورها بالحرية في مسألة الزواج يريحها ويجعلها تشعر بأنها ما زالت قادرة على مواصلة الحياة، وأنها ليست فقط "زوجة المرحوم" أو " أرملة المرحوم" أو "أم الأيتام" أو "أم العيال".
ومما يزيد من إصرارها معرفتها بما كان لزوجها من علاقات، وصلت إلى حد الزواج العرفي ربما لأكثر من مرة، وهي لا تريد أن تبوح لأحد بما عرفته حتى لا تحطم صورة الأب في عيون أبنائه، ولا تشمت بها أعداءها.
كفى حبا وحنانا
قصة أخرى لأرملة شابة تركها زوجها وهي في منتصف العشرينيات من عمرها، عاشت كل لحظات الأسى والحزن على فقد الحبيب المخلص الوفي، وقررت ألا تنكشف على رجل غيره مهما كانت الظروف، وقاومت كل الضغوط العائلية والاجتماعية عليها لتتزوج، وقاومت كل محاولات التعرض والتحرش، وتعلمت كيف تصد أيدي الرجال الطامعين وكيف تتحاشى عيونهم، واكتفت بأن تعيش لتربية ابنها الوحيد.
لقد عانت ليالي سوداء كانت فيها وحيدة تجتر أحزانها وذكرياتها مع الحبيب الغائب، وتقاوم في ذات الوقت احتياجاتها العاطفية والجسدية، وكانت راضية بكل هذا ما دامت مع ابنها الذي هو امتداد لزوجها المفقود الحاضر في ذات الوقت، وتركزت كل مشاعرها في ابنها، ولم تسمح لأحد من العائلة بأن يتدخل في تربيته، وقامت بدور الأب والأم معا حتى كبر ابنها، ولكنها صدمت منه حين سمعته بالصدفة يشكو لأحد أصدقائه بأن أمه تخنقه بمتابعتها له واهتمامها الزائد به، وأنه يفكر في العمل بإحدى دول الخليج حتى يهرب منها ومن متابعتها، وأنه حين يتزوج سينتقل إلى أبعد مكان ممكن حتى لا تنغص عليه حياته بتحكماتها؛ لأن زوجته لن تقبل بما تفعله.
هنا شعرت الأم بالأرض تضيع من تحت أقدامها، فلم تتخيل يوما أن تفرغها لرعاية ابنها سيتحول إلى شيء يخنق أحب مخلوق لديها، ولكنها حتى بعد هذا الموقف، لم تستطع التوقف عن غمره بمشاعرها الفيَّاضة، فذلك شيء أصبح خارجا عن إرادتها، إذ ليس لها في الحياة ما تهتم به غيره أو تحبه سواه، وهكذا أدركت بعد فوات الأوان أنها تورطت بكل مشاعرها في حب الابن الوحيد حتى صار كل أمله الخلاص من قيود هذا الحب الخانق، وتذكرت كلمات أحد الأطباء لها حين حذرها من توجيه كل مشاعرها نحو ابنها، وخطورة ذلك عليه وعليها، وتذكرت أيضا كلمات عائلتها وعائلة زوجها بأنها دللت ابنها أكثر من اللازم حتى أصبح أنانيا لا يحب إلا نفسه، ونرجسيا لا يرى إلا ذاته، وتألمت لما وصل إليه ابنها من قسوة تجاهها، على الرغم من كل ما بذلته من أجله.. يكفي أنه لا يحضر لها هدية في عيد الأم كما يفعل سائر الأبناء مع أمهاتهم، فهو لا يدرك معاناتها، ولا يهتم بآلامها، ودائما يطالبها بتحقيق ما يريد، وهو يريد كل شيء، ويشعر في النهاية بأنها حرمته من كل شيء!!!.. أي جحود هذا؟.. وأي قسوة هذه؟.. ولكنه في النهاية ابنها.. حبيبها!!!.
هكذا انتهت بعض قصص الأرامل ومايعايشنه من صراعات نفسية.. لنبدأ في العدد القادم في الإبحار داخل نفس أرملة سابقة قررت أن تزور طبيبا نفسياً تلقي إليه بأحاسيسها المتضاربة بعد تجربة زواجها الثاني...
<HR style="MARGIN-TOP: 7px" align=right width=200 color=#ff0000 SIZE=1></HR>استشاري الطب النفسي- مستشار القسم الاجتماعي بشبكة "إسلام أون لاين.نت" .
</TD></TR></TBODY></TABLE>
</TD></TR><TR><TD vAlign=top align=right><TABLE class=authorBox cellSpacing=0 cellPadding=0 border=0><TBODY><TR><TD style="PADDING-BOTTOM: 7px; PADDING-TOP: 7px" align=right>د.محمد المهدي (http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1227019188781&pagename=Zone-Arabic-AdamEve%2FAEALayout#***1)
</TD></TR></TBODY></TABLE></TD></TR><TR><TD height=6></TD></TR><TR><TD dir=rtl vAlign=top><TABLE cellSpacing=0 cellPadding=0 align=left border=0><TBODY><TR><TD>http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?blobcol=urldata&blobheader=image%2Fjpeg&blobkey=id&blobtable=MungoBlobs&blobwhere=1221557659396&ssbinary=true </TD></TR></TBODY></TABLE>"ما أعجب هذا المجتمع يا سيدي، إنه يعطي تصاريح مختلفة: تصريحا بالذبح وتصريحا بالدفن.. ولكنه يحرم الحلال، ويرفض أن يعطي تصريحا بالزواج لمن هنَّ في حاجة إليه!!".. وصلتني هذه الرسالة من أرملة طلبت مني نشرها على أوسع نطاق أستطيعه لعلها تصل إلى من يهمه الأمر (فعلا)
تكمل صاحبة الرسالة:لقد كان الصحابة الأوائل يعرضون بناتهم للزواج خاصة إن توفي عنهن الزوج، بل فعل ذلك الرسول الكريم، وفعلها عمر بن الخطاب، حين قال عليه السلام: "يتزوج حفصة من هو خير من عثمان، ويتزوج عثمان من هي خير من حفصة"، وذلك حين عرض عمر بن الخطاب ابنته حفصة على عثمان ليتزوجها، فسكت عثمان رضي الله عنه لعلمه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، وأنه كان يرغب في زواجه من بنته رقية!!، وحدث ذلك كله بروح رياضية نفتقر إليها نحن حاليا برغم وصولنا إلى القمر وما بعده!!.. فما قال أحد: عيب، أو ربنا يخلي الأولاد، والبركة فيهم، وما شابه ذلك من صنوف العبارات التي تطرح على الساحة في مثل هذه المواقف، والتي هي في مجملها استمرار لوأد البنات والنساء، ولكنه هنا وأد اجتماعي نفسي لعله أشد لهيبا من الوأد الجسدي الذي مورس في الجاهلية!!.
من وراء النافذة
ولقد تحدثت إلى نفسي بهذه الأفكار، ولكن حدث منذ أيام ما جعلني أشد إيمانا بها، فلنا جارة قد جاوزت الأربعين، ولقد توفي زوجها منذ كانت في العشرين من عمرها، ولكن كرامة العائلة وأشياء كثيرة أخرى حالت دون أن تعيد تجربة الزواج برغم أنه لم يمنحها سوى ابنة واحدة، ثم تزوجت الابنة وخلت المرأة إلى نفسها، ونظرت في المرآة وكأنها تكتشف نفسها لأول مرة، فإذا بها غادة هيفاء تسر الناظرين (أو هكذا زين لها)، وإذا عيناها تشعان ببريق الحياة، وتدب في جسدها الحرارة شيئا فشيئا، حرارة كانت تعرفها جيدا، ولكنها نسيتها من سنوات، وتشتعل جذوة العاطفة في صدرها، ولكنها برغم ذلك كانت قد افتقرت إلى لغة التخاطب مع الجنس الآخر، وما لبثت أن تسرب اليأس إليها رويدا رويدا حتى انتبهت إلى أن أي محاولة تجاه الجنس الآخر لن تجني منها إلا أن توصم بأنها العجوز المتصابية الحمقاء، ثم دققت النظر في المرآة فشعرت أن المرآة رجعت هي الأخرى في رأيها، وأن وجهها قد امتلأ شحوبا وتجاعيد، بل إن المرآة تكاد تخرج لها لسانها، وهكذا شيئا فشيئا حتى قنعت بأن لها دورا واحدا في الحياة، وهو أن تقبع خلف نافذتها ترقب المارة ذهابا وإيابا!!.
ومن حين لآخر تستيقظ جذوة خمدت فتتلفت يمينا ويسارا خلف نافذتها، ويرشح لها شيطانها أحد هؤلاء، ولكنها تخشى الفضيحة، ليست فضيحتها هي، ولكن فضيحة إخوتها الرجال، وهم سادة وكبار البلد، فأما الزواج فلا مجال لذكره أو التفكير فيه!!. وهكذا ظلت أياما وشهورا خلف نافذتها ترقب الرائح والغادي، وهي في هذا وذاك تتحول إلى قناص متربص، ومن هو الضحية؟!!.
إن ذلك هو أعجب ما في الأمر، هل وجدتم صيادا يخشى الفريسة، أجل هي تخشى الرجال، تخشى غدرهم، أما الحلال فقد ضرب بينها وبينه حجاب ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، وأما الحرام فلسان حال المجتمع يقول لها في حياء: لا بأس، ولكن إذا بليتم فاستتروا!!.
وحتى الستر، هي لا تأمن فيه هؤلاء الرجال!!.
معتوه في اليد
وهكذا ظلت حدقتاها تدوران حتى وجدت ضالتها المنشودة!!.. إنه ذلك الشاب المعتوه!!.. أجل.. ولم لا؟ إن معه تصريحا بالدخول إلى جميع بيوت القرية لأخذ كسرة خبز من هنا، أو جرعة ماء من هناك!!.. وهي لن تكتفي بإعطائه كسرة الخبز، بل جلبت له صنفا من الحلوى يسيل له اللعاب!! وقضى المعتوه ليلة ما عايش مثلها أبدا!!.. وفي الصباح أسدلت المرأة الستار، وهي تواسي نفسها بأن قليلا متاحا خير من كثير غير مباح، ثم ظنت أنها طوت ذلك إلى الأبد.
وكلما ارتفعت الشمس إلى كبد السماء اشتد حر ضميرها، حتى غدا يلسعها بشواظ من نار، ووجدت أن عذاب الخطيئة أشد هولا مما استشعرته من قبل وما زالت حتى أسدل الليل ستاره، فدعت الله بأن يغفر لها، وأن يعفو عن زلتها حتى تسكن جوارحها، فما راعها إلا والمعتوه أسفل النافذة يصرخ في صوت سمعه القاصي والداني: افتحي الباب يا حاجَّة، حتى نفعل ما فعلناه بالأمس!!!!".
إصرار على الزواج
بعد أن قرأت الرسالة بدأت تتداعى في وعيي قصص من عايشتهم من الأرامل قصة وراء قصة، فقررت أن أترك تلك القصص تتداعى لعلها تكمل صورة الترمل في مجتمعنا العصري:
مدام "س" انشغلت عن الحزن على زوجها بكم هائل من المشكلات المالية خلفها وراءه، حيث كان يخفي عنها كل أموره المادية فضاع الكثير من أمواله بين شركائه وعملائه، وهي تجري هنا وهناك تبحث في الظلام عن ثروته التي تعرف أنها كبيرة (حيث كان طبيبا مشهورا ورجل أعمال في ذات الوقت) ولكن لا تدري أين هي؟ ولا تجد أوراقا تثبت حقها وحق أبنائها وبناتها في هذه الثروة، وتنتابها مشاعر الغضب بجوار مشاعر الحزن تجاه فقيدها ليس فقط على الثروة الموجودة والمفقودة معا، وإنما على علاقته بها والتي اتسمت بالإهمال والتجاهل، فلم يكن يهتم بها إلا وقت الفراش، ولم يكن يخبرها شيئا عن أحواله وأسراره، فقد كان لديه اعتقاد بأن معرفة المرأة بهذا تفسد الحياة.
وربما لهذا ولأسباب أخرى تصر مدام "س" على الزواج بعد فترة وجيزة من موت زوجها، وقد أعلنت ذلك بلا تردد أمام أبنائها وبناتها، فصدموا جميعا وأحسوا بأن أمهم تخون ذكرى أبيهم الذي لم يمض على وفاته أكثر من سبعة أشهر، وهم يعتقدون أن أباهم كان أفضل أب لهم وأفضل زوج لها، فكيف تفكر في الزواج من بعده؟ وأي رجل يمكن أن يدخل حياتهم فيقلبها رأسا على عقب؟ وأي أنانية لدى هذه الأم التي لا تستحي فتطلب الزواج لنفسها بدلا من أن تدبر أمر زواج أبنائها وبناتها وقد بلغوا سن الزواج فعلا؟ وأسرعوا إلى جدهم وجدتهم ليخبراهما بهذا "الجنون" الذي أصاب أمهم على حد تعبيرهم.
ولم يقصر الجد والجدة في لوم وتقريع ابنتهما التي لا تراعي سنها، (فقد بلغت الخمسين من عمرها)، ولا تراعي مصلحة أبنائها (ولدين تخرجا من الجامعة وابنتين في الثانوية العامة)، ولكنها لم تعر ذلك أي اهتمام، وما زالت في رحلة البحث عن عريس تعوض معه ما فاتها مع زوجها، فهي لم تشعر طوال سنين زواجها أنها كانت امرأة، ولا يهمها رضا أبنائها أو أبويها، فهي –كما تقول– لا تفعل شيئا محرما، بل ستتزوج على سنة الله ورسوله، وذلك أفضل من أن تنظر هنا وهناك، أو أن تكون مطمعا للرجال (على حد قولها)، خاصة أنها جميلة وجذابة (هكذا تعتقد).
ومع هذه الرغبة القوية والمؤكدة في الزواج إلا أنها لم تنجح حتى الآن في تنفيذ هذه الخطوة، برغم تقدم أكثر من رجل لها، فهي ما زالت مترددة إذ تخشى أن تخسر من حولها من أجل رجل لا تعرف مدى إخلاصه لها، خاصة أنها ستكون الزوجة الثانية –غالبا– لرجل متزوج (هكذا الفرص المتاحة لمن في مثل ظروفها)، أو أنه يطمع فيما تبقى لديها من ثروة زوجها، كما أنها تخشى أن ينبذها أبناؤها من حياتهم إن هي تزوجت، ولكن يبدو أن شعورها بالحرية في مسألة الزواج يريحها ويجعلها تشعر بأنها ما زالت قادرة على مواصلة الحياة، وأنها ليست فقط "زوجة المرحوم" أو " أرملة المرحوم" أو "أم الأيتام" أو "أم العيال".
ومما يزيد من إصرارها معرفتها بما كان لزوجها من علاقات، وصلت إلى حد الزواج العرفي ربما لأكثر من مرة، وهي لا تريد أن تبوح لأحد بما عرفته حتى لا تحطم صورة الأب في عيون أبنائه، ولا تشمت بها أعداءها.
كفى حبا وحنانا
قصة أخرى لأرملة شابة تركها زوجها وهي في منتصف العشرينيات من عمرها، عاشت كل لحظات الأسى والحزن على فقد الحبيب المخلص الوفي، وقررت ألا تنكشف على رجل غيره مهما كانت الظروف، وقاومت كل الضغوط العائلية والاجتماعية عليها لتتزوج، وقاومت كل محاولات التعرض والتحرش، وتعلمت كيف تصد أيدي الرجال الطامعين وكيف تتحاشى عيونهم، واكتفت بأن تعيش لتربية ابنها الوحيد.
لقد عانت ليالي سوداء كانت فيها وحيدة تجتر أحزانها وذكرياتها مع الحبيب الغائب، وتقاوم في ذات الوقت احتياجاتها العاطفية والجسدية، وكانت راضية بكل هذا ما دامت مع ابنها الذي هو امتداد لزوجها المفقود الحاضر في ذات الوقت، وتركزت كل مشاعرها في ابنها، ولم تسمح لأحد من العائلة بأن يتدخل في تربيته، وقامت بدور الأب والأم معا حتى كبر ابنها، ولكنها صدمت منه حين سمعته بالصدفة يشكو لأحد أصدقائه بأن أمه تخنقه بمتابعتها له واهتمامها الزائد به، وأنه يفكر في العمل بإحدى دول الخليج حتى يهرب منها ومن متابعتها، وأنه حين يتزوج سينتقل إلى أبعد مكان ممكن حتى لا تنغص عليه حياته بتحكماتها؛ لأن زوجته لن تقبل بما تفعله.
هنا شعرت الأم بالأرض تضيع من تحت أقدامها، فلم تتخيل يوما أن تفرغها لرعاية ابنها سيتحول إلى شيء يخنق أحب مخلوق لديها، ولكنها حتى بعد هذا الموقف، لم تستطع التوقف عن غمره بمشاعرها الفيَّاضة، فذلك شيء أصبح خارجا عن إرادتها، إذ ليس لها في الحياة ما تهتم به غيره أو تحبه سواه، وهكذا أدركت بعد فوات الأوان أنها تورطت بكل مشاعرها في حب الابن الوحيد حتى صار كل أمله الخلاص من قيود هذا الحب الخانق، وتذكرت كلمات أحد الأطباء لها حين حذرها من توجيه كل مشاعرها نحو ابنها، وخطورة ذلك عليه وعليها، وتذكرت أيضا كلمات عائلتها وعائلة زوجها بأنها دللت ابنها أكثر من اللازم حتى أصبح أنانيا لا يحب إلا نفسه، ونرجسيا لا يرى إلا ذاته، وتألمت لما وصل إليه ابنها من قسوة تجاهها، على الرغم من كل ما بذلته من أجله.. يكفي أنه لا يحضر لها هدية في عيد الأم كما يفعل سائر الأبناء مع أمهاتهم، فهو لا يدرك معاناتها، ولا يهتم بآلامها، ودائما يطالبها بتحقيق ما يريد، وهو يريد كل شيء، ويشعر في النهاية بأنها حرمته من كل شيء!!!.. أي جحود هذا؟.. وأي قسوة هذه؟.. ولكنه في النهاية ابنها.. حبيبها!!!.
هكذا انتهت بعض قصص الأرامل ومايعايشنه من صراعات نفسية.. لنبدأ في العدد القادم في الإبحار داخل نفس أرملة سابقة قررت أن تزور طبيبا نفسياً تلقي إليه بأحاسيسها المتضاربة بعد تجربة زواجها الثاني...
<HR style="MARGIN-TOP: 7px" align=right width=200 color=#ff0000 SIZE=1></HR>استشاري الطب النفسي- مستشار القسم الاجتماعي بشبكة "إسلام أون لاين.نت" .
</TD></TR></TBODY></TABLE>