مشاهدة النسخة كاملة : لهيب الجمال في أزمنة الجليد ( قصة )
أبو محمد القلموني
27-05-2007, 03:25 PM
ما أن وضع رجله في أرض المطار حتى شعر بارتياح شديد ونشاط غير اعتيادي ! كأنه عائد من الوطن إلى الوطن ! كأن جنبات و أركان المكان هي زوايا طالما أطال الوقوف فيها يودع الأحبة إلى الغربة و اليوم تستقبله كعائد من غربة وطنه إلى وطنه الغربة ! ها هو ينطلق هاشا لاستقبالها الصامت ، يؤثره على متعة الإحتفاء الصاخب الذي كان يحظى به أحيانا في غربة وطنه ، والذي لم يكن يلبث قليلا من الأيام حتى ينقلب إلى وجوم صارخ يلاحقه في الوجوه و العيون التي تطارده !
أنفاسه تخرج بهدوء و نظراته تنطلق في حرية . لم يعد مضطرا أن يتلفت هاهنا أو هناك بحثا عن الأمان. الهرب أصبحت كلمة من مخلفات الماضي القريب ولن يكون لها وجود في هذا المكان الذي سافر إليه بعقله مرارا و تكرارا قبل أن تطأه قدماه!
الآن يستطيع أن يجلس حيث يريد و يمشي حيث يريد ، و يلبس ما يريد و يقرأ ما يريد و يحلم كما يريد !
لا وجود اليوم لمن يلاحق أحلامه و ليس ثمة من يحصي عليه أنفاسه . لقد تحرر تماما من كل قيد فعاد إنسانا حقيقيا كما خلقه الله و أراده حرا من كل ما قد يستعبده أو يفرض عليه الرأي و الممارسة !
لقد حارب فكرة القيد كثيرا و صرخ في وجه القوالب الجامدة مرة بعد مرة ، و تصدى لمحاولات استعباد العقول ومصادرتها ! لكن محاولاته باءت بالفشل ، فقد بقي بحاجة إلى تبرير كل تفصيل من تفاصيل حياته و استمر عرضة لنقد تقليدي يتناوله كلما حاول مجاوزة التقاليد و الإنتقال عنها إلى ما يراه ويعتقده ، و يجده متوجها و منطقيا .
دخل المسجد ذات مرة و بيده كتاب في فلسفة العلوم ، صلى ركعتين تحية المسجد و جلس في الركن يقرأ .
فاجأه سعيد زميله في الكلية وابن منطقته ، ليدور بينهما الحوار التالي :
سعيد: السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
بتوتر أغلق الكتاب. وضعه جانبا ، و مرتبكا أجاب:
-وعليكم السلام و رحمة الله و بركاته
- سعيد:كيف الحال؟
- الحمد لله ، كيف حالك أنت ؟
- سعيد متفرسا في وجهه : الحمد لله ، ماذا تقرأ؟
- كتاب جديد اشتريته لتوي من السوق ولم أقرأ منه غير اليسير بعد ...
- سعيد ، وقد مد يده إلى الناحية الثانية متناولا الكتاب و متأملا في عنوانه : لست أدري كيف تسوغ لنفسك أن تجلس في بيت من بيوت الله تقرأ كفرا بواحا لأناس أعمتهم الشهوات و آثروا البهيمية على دين الله ؟
- لقد تحدثنا في هذا الموضوع مرارا و تكرارا و أنت تصر على وضع القضية في غير إطارها وتصر على مقدمات خاطئة توصلك إلى ما تريده من نتائج !
- سعيد: يا أخي لا تكن كالذي إذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم ! لقد نصحتك مرارا و تكرارا وجئت بما يكفي من الأدلة على تحريم الإشتغال في المسجد بغير ذكر الله ، ومع ذلك أنت لا تنصاع و لا ترعوي و لا تسلم للنصوص!
- أنت تريدني أن أسلم لك و ليس للنصوص ، تريدني أن أخضع لك لا لتوجيهات رب العالمين. قلت وأعيد هذا فهمك وهو لا يلزمني و لا يلزم أحدا.
- سعيد: لا تخلط بين فهمي و بين النصوص الواضحة! إتق الله !
- إسمع ألست جالسا في المسجد الآن؟ ألست تحدثني بما تحدثني به؟ فهل ما تحدثني به ذكر لله بحسب مفهومك؟
- سعيد :كفاك تعنتا أنا أنصح لك ، و النصيحة مباحة في المسجد كما لا يخفى.
- طيب ما الذي أدخل النصيحة في الذكر و أخرج قراءة مقالات الناس و أفكارهم منه؟ وقد علمت منهج القرآن في حكاية المقالات و الرد عليها بحكمة و لين ؟!
- سعيد : أنت كما أنت لا تتغير و لن تتغير ، ندعوك إلى الذكر و تدعونا إلى الجدل ندعوك إلى التقوى و تدعونا إلى الإنفتاح !
- أنت تدعوني إلى منهج ليس فيه ( وجادلهم بالتي هي أحسن ) و لا وجود فيه ل( وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ) .....
صور الذكريات تومض و تختفي بسرعة ، تماما كما تبدو الاشياء في الخارج ، وهو يجلس في المقعد الخلفي من سيارة التاكسي في طريقه إلى السكن .
ذات مرة كان يجلس إلى فتاة في مقهى الجامعة ! فتاة جميلة لكنها خلوقة و إن كانت لا ترتدي الحجاب ! لطالما لفتت نظره وشدت إليها انتباهه؛ دعته إلى مقهى الجامعة تطلب مساعدته في شؤون دراسية بحتة . جلسا يتحادثان في أمور الجامعة و الكتب و الإمتحانات.
فاجأه مهند يلقي عليه جملة من التوجيهات القاسية و المحرجة له و للفتاة التي برفقته ! لقد أعطاه درسا لن ينساه في الخلق الرفيع الذي ينبغي التحلي به في الجامعة !!!
ماذا يفعل كيف ما اتجه تلاحقه الأعين و تتقصاه الألسنة لتلتف حول عنقه محاولة خنقه !
اليوم تخلص من كل هذه القيود وبات في مأمن من كل الأعين ! سيعيش حياته حرا لا يدين لأحد بشيء ؛ إذا أخطأ و ضعف استغفر ربه وكفى ؛ فلم يكن لأحد غير ربه سبحانه و تعالى حيز من نفسه يراقبه و يشتغل به !
هكذا جملة واحدة يرمي عن كاهله حمل سنوات من الضغط و التبعية الباطلة باسم الدين تارة و باسم التقاليد المقدسة تارة أخرى !
اليوم سيقرأ ما يشاء من الكتب الحمراء الممنوعة و سيشاهد ما لذ و طاب من الأفلام السينمائية المحظورة . لن يجد اليوم حرجا إذا ضبطه أحدهم و في محموله فيلم تمثل فيه هيتر غراهام أو بوتي بليس أو هيلاري داف !
من الآن سيعيش ضعفه و قوته بملئ إنسانيته ومنتهى إرادته !
يتبع
وسيم أحمد الفلو
27-05-2007, 04:00 PM
أخي أبو محمد طول بالك علينا شوي. أيمتا راجع؟
أبو محمد القلموني
06-06-2007, 05:15 PM
بناء ضخم مكون من طابقين . في كل طابق خمس شقق متباعدة.
دخل إلى شقته وخلفه العامل يحمل أمتعته. أعطاه الأجرة وارتمى على الكنبة ... ثم في لحظة وعينه على الباب الخارجي يخرج منه العامل تذكر أنه لم يشكره ، هم أن يقطع استراحته و يجري وراءه لكنه تثاقل و آثر البقاء حيث هو يجول ببصره في أنحاء الشقة متفحصا ، تنتابه أحاسيس التفلت من قيود المجاملات !
نهض من مكانه و توجه إلى غرفة النوم ، بدأ سريعا و قبل كل شيء بإخراج الملابس من الحقائب ووضعها في الخزانة كما به أوصته والدته .
خرج إلى الشرفة يتأمل في تلك الحقول الخضراء الممتدة التي تنعش نظر الناظر و تشد إلى سحرها العينين. هناك إلى اليمين بعيدا ، وسط هذا اللون المتفائل تقع الجامعة التي قبل طلبه للدراسات العليا فيها .
كانت طريقه للخروج من صحراء تحاصر بجفافها كل ينابيع أحلامه ! لذلك أحبها بقوة و تمناها بشدة ! فركب سالكا إليها كل صعب و كل ذلول .
واليوم ها هي حقيقة ماثلة و واقع متحقق سينطلق فيه بقوة نحو أفقه الأبعد ليحرر آماله كلها و يطلقها ترفل في أثواب الحرية.
خرج من المنزل متوجها إلى الغابة وبيده مجموعة أسفار فلسفية منها كتاب مبادئ في الفلسفة لجورج بوليترز . لقد قرأه مرارا و تكرارا و وقف على مكامن الخلل و نقاط القوة فيه .
لكنه اليوم سيقرأه مرة أخرى في الطبيعة التي كتب فيها هذا الكتاب و في المناخ الذي أنضج كلماته و شحنها بخلبي المعاني!
تصوراته الكلية و أفكاره الفلسفية لا تلتقي في النهاية و النتيجة مع تلك الكتب فلا يرى أن ما تنظر له من أسبقية المادة على الوعي حق يؤيده الدليل و البرهان. لكنه يرفض أن تحارب هذه الكتب وأفكارها بمنطق المصادرة و الحجر المتعسف! بل لا بد من معرفة فحواها بصورة دقيقة ثم الوقوف على مقتضياتها الكبيرة في واقع الحياة الغربية ، و كيف تؤثر في كل مفاصلها الإجتماعية و التربوية و السياسية والإقتصادية .
ليس من المقبول أن يحاربنا الآخرون بأفكارهم و يغزونا بفلسفاتهم و نحن نقابل هذا بالمنع و الحجر! المنع يعني مصادرة العقل ففيه إهدار لأكبر قيمة إنسانية و شرعية ! أليس العقل هو مناط التكليف و الجهة التي تتوجه إليها الخطابات الشرعية ؟! ...
جلس على إحدى المقاعد الخشبية مستظلا بشجرة ضخمة قديمة . نشر كتبه بين يديه و أقبل يقرأ بنهم غير اعتيادي...
لا بد أن أفهم المغزى الحقيقي وراء كل كلمة و وراء كل فكرة ... لن أقبل بعد اليوم أن أتناول تلك الفلسفات بسطحية المصادر لها و الغافل عن حقيقة المعطيات و الحيثيات الفكرية التي ولدت من رحمها !
وهو يقرأ فاجأته إحدى الفتيات تجلس إلى جواره بعد أن حييته بتحية فيها لكنة تشير إلى العربية .
استرق إليها النظر فسحرته بجمالها و ملامحها العربية الواضحة.
تحركت فيه دواعي التعرف عليها . لا وجود لمهند هنا و لا لسعيد و لا لأحد سواهم . لا أحد يراه هنا سوى الله عز وجل . ...
آه ! مضى زمان طويل لم أشعر فيه بمعنى مراقبة المولى عز وجل ! أحس و كأن مساحة منسية في روحي تدب فيها الحياة الآن ! ... لكن يا لله ما أضعفها !
نعم إنها لا ترقى لتشكل حاجزا و مانعا ! لقد كانت مغيبة و معطلة كل تلك السنوات تتناقص طاقتها يوما بعد يوم حتى كادت تنعدم !
استجمع قوته و التفت إليها محييا . ابتسمت له و ردت تحيته. سألها عن اسمها و جنسيتها . فإذا هي مواطنة عربية جاءت لتدرس في نفس الجامعة التي سيدرس فيها.
آنس منها رغبة بتمتين العلاقة بينهما فلم يمانع و لم يرفض. رافقها إلى سكن الطالبات . ثم ودعها و انصرف بعد أن تواعدا على العشاء.
يتبع
الشامي
06-06-2007, 06:20 PM
السلام عليكم :)...كيفكم يا جماعة..
يعني فينا نسمي هذه رواية خيي أبو محمد؟؟...
بانتظار ما يتبع...
أخوكم:rolleyes:
أبو حسن
03-07-2007, 12:14 PM
أطلت الغيبة علينا أخي الحبيب ...
بانتظار البقية ... لأنني صراحة أحس بأني أدركت بعضا من مبتغاك لكني أتوقع مفاجأة ما ...
باسم الحج
03-07-2007, 05:36 PM
اخي أبو محمد.دائما تتحفنا بما يغذي العقول.و ينفض عنها الغبار و يزيل عنها الصدأ,بارك الله بك,و بانتظار التكملة التي نرجو ان لا تطول
وسيم أحمد الفلو
03-07-2007, 07:30 PM
أخي أبو محمد لو جعلت الفتاة شقراء ألم يكن ذلك أجدى وأجمل :)
أبو محمد القلموني
04-07-2007, 05:19 AM
أخي أبو الحسن أكاد أجزم أنك فهمت ما أرمي إليه و أدركت منذ الآن أي الجمال أقصد و ما سر تركيزي على لهيبه!
أخي باسم الحج مدحتني بما ليس في خصالي و لا هو من مؤهلاتي فأسأل الله أن أكون عند حسن ظنك في ما يأتي من تتمة لحلقات هذه القصة.
لأخي وسيم الفلو أقول أنت تعرف جيدا أنني لا أتوقف عند المظاهر و الألوان إذا كان الفكرة نظيفة و مضموتها متسق و متكامل! ;)
تشجيعكم لي سيحملني إن شاء الله على المضي في عرض ما تبقى من حلقات القصة.
وسيم أحمد الفلو
04-07-2007, 10:11 AM
"لأخي وسيم الفلو أقول أنت تعرف جيدا أنني لا أتوقف عند المظاهر و الألوان إذا كان الفكرة نظيفة و مضموتها متسق و متكامل! "
:) :) :) :)
أبو محمد القلموني
06-07-2007, 06:53 PM
دخل الشقة و توجه إلى غرفته . استلقى على سريره يستعرض شريط أحداث هذا اليوم الطويل الذي لم تكتمل فصوله بعد! و في النفس شيء من نهاياتها و ما ستؤول إليه !
إلى أين ستقودني هذه الأفكار التي يختزنها ذهني؟ وهل هي حقا أفكار مستقلة تقود إليها القناعة و يدلل عليها البرهان؟ أم هي مجرد ردات فعل في اللاوعي تتمظهر في صورة فكر مستنير و دعوة مستقيمة؟! إلى أين أذهب أنا اليوم ؟! وهل آمن على نفسي من منزلقات أعرف ضعفي عندها جيدا؟! فما هي عدتي لها ؟ و أين أجدها ؟!
تذكر جملة لأحد الأصدقاء ممن يجله و يقدره جدا لعقله الكبير و حلمه المنقطع النظير و حكمته البالغة. صديق تجلس معه فيحرك عقلك و يشعرك بذاتك و تفيض بكلماته روحك. غيبه السفر قبل ما يزيد عن سبع سنوات . كان يقول له دائما جملة لها وقع كبير على سمعه ، و إن كان حتى اللحظة يحس أن ثمة مساحات من معاني تلك الجملة مظلمة تحتاج إلى إضاءة و كشف :
إذا لم يكن لك حال مع الله فأنت محروم وإذا لم يكن لك متابعة لنبيه صلى الله عليه و آله و سلم فأنت مغبون !
يحس أن في هذه الجملة طريقا محددا إذا سلكه السالك فهو ينجز شيئا كبيرا يتضاءل إليه كل إنجاز ! طريق يتطلب تضحيات كبرى تتجاوز التضحية بما يمتلكه من شهوات إلى التضحية بميله إليها ! وهذا لا يكون إلا بجهد كبير و عطاء جد سخي!
فكرة جميلة لكن بيني و بين الخطو إليها مفازة كبرى لا يقطعها من كان حاله كحالي !
هدأت خواطره و سكنت نفسه ... نظر في ساعته فوجدها تشير إلى ما قبل الموعد بنصف ساعة. نهض مسرعا فهيأ نفسه و أصلح هندامه و تعطر. ثم خرج منطلقا إلى مجهول يشده إليه فضوله الممتزج بالرغبة .
سكتت نفسه عن منازعته و استسلمت لارادته المبيتة فأطلق العنان لحواسه تعيش الموعد لحظة بلحظة.
ذهبا إلى السينما ثم إلى مطعم قريب . مشى إلى جانبها في الغابة طويلا يتحادثان بلغة العيون الهائمة و الحواس المضطربة !
عرف عنها كل شيء و عرفت عنه كل شيء!
هي بحكم مقامها في هذه البلاد منذ الصغر لم تترك شيئا إلا و جربته و لا منطقة إلا و اقتحمتها !
هو بحكم ترعرعه بعيدا في بلاد الحالمين ؛ مرابع القهر و الكبت والمصادرة ، لم يترك فكرة إلا و تحسسها بجرأة و لا شعورا إلا و تذوقه ملتذا!
هي تعيش واقعا وربما تتمنى غيره و هو يعيش آخرا وتهفو نفسه إلى سواه .
هي تحلم و هو يحلم والأحلام تسخر من كليهما معا و تتلاعب بوجدانيهما مثيرة كل معاني التناقض و التنافر!
لكن ثمة شيء مفلت من قبضة الأحلام يشدهما إلى بعضهما البعض ! فهو يتجاوز بطبيعته كل التناقضات و تستوي لديه كل أنواع التنافر! لأنه لا يعبر من قناة العقل بل يتسلل عبر الغريزة إلى فجوات القلب!
اليوم و بعد كل تلك السنين التي استغرقها مسافرا في براري أحلامه نحو القمة يجد أمام عينيه ، فجأة، محطة خضراء غنية جعلته يستفيق من ثبات تأملاته الفكرية ليعيش متمحورا حول حواس تسكرها الألوان الحادة !
هذا خط أحلامه و رؤاه تعبره حواسه المضطربة فتجعله ملتهبا أيما التهاب! فهل هي إذا أحلام مستقيمة ورؤى متجردة ؟
و ثمة خط آخر يكاد الجليد أن يفتته و يجعله أثرا بعد عين ! و هو لفرط إهماله أصبح كالآثار تزار للعبرة و لسكب العبرات !
ثنائي الخطوط هذا شكل دوما حلقة شحن و تفريغ مقفلة تجعله يراوح مكانه بين الخطين بينما تسافر أحلامه مع الأفكار المهاجرة إلى الأفق البعيد!
هل هي مشكلة تحكم ذاتي يفتقر فيه إلى مدرب ينمي ملكات القيادة عنده؟
هل هي مشكلة علمية يفتقر فيها إلى مشهد واضح يحمله على تعديل أوضاعه السلوكية ؟
هل هي مشكلة فلسفية محضة تتطلب خوضا في مجاهيل الكون و النفس و معالجة لكل أنواع التفاسير الفكرية ثم الدخول في مخاض منطقي يثمر خطا ملتهبا يذيب كل أنواع الحلقات المقفلة و يذهب في اتجاه واحد واضح و محدد؟!
أرخى العنان لهاجس الحرية أن يقوده و يتحكم في كامل تصرفاته ، لكنه ظل يحس بأسر و قيود تثقل بها حركة قدميه في الخط ! لقد خلا بنفسه بعيدا عن كل عين خانقة ، ومع ذلك يحس بأن ثمة شيئا يتهدد سلوكه و يقوض بنيان حواسه و رغباته. إنه ليس ذلك التناقض الداخلي الذي يعيشه بين خطين أحدهما بارد و الآخر ملتهب! فهو قد رصد هذا التباين و تحرر من عقده اتجاهه !
الأمر أبعد من ذلك ، فثمة خارج حدود ذينك الخطين مناطق معتمة في داخله ، تستقبل حواسه إشاراتها المرمزة غير المفهومة!
إشارات تشده إلى نفسه مرة ثانية تستجدي منه التفاتة! ترى إلى متى سيظل يستكشف مجاهيلا في نفسه! متى تضاء كل المساحات دفعة واحدة ليستمتع بمشهد النور يضيء جنبات روحه؟!
لكن هل هي حقا مشكلة نور و ظلمات ؟ هل هو الجهل من يحول بينه و بين مبتغاه الضائع ؟ هل ترتفع المشكلة بمجرد زوال الغبش ؟!
استيقظ باكرا مع انبلاج الفجر ... صلى ركعتي الفجر . وجلس في الشرفة يتأمل الشروق و يراجع ما أقدم عليه البارحة . هل سيولد له اليوم فكر جديد يختزل مشاعره السلبية الراهنة و يرميها إلى معلبات النسيان ؟ كان يحس وهو يتأمل خيوط الشمس بأنه على موعد مع خيوط إيجابية جديدة ستشرق حرارتها في خطوط نفسية ، باهتة باردة، تكسبها لونا حادا ليكتمل بها المشهد و تحضر معها كل العناصر المخفية! ...
قلب حائر لا يمل من الوقوف إلى نافذة المستقبل ، تداعب صفحة وجهه نسائم الذكريات الباردة! ..... في الطريق إلى الجامعة كان يبحث في فكره عن إستقرار يعيد الدفئ إلى جوانبه. ليست هذه هي المرة الأولى التي يواجه فيها تحديا يستهتر بقناعاته و يهزأ منها ! لكن البقاء في ساحة المعركة قد يضعفه إلى حد طلب الإستسلام ! فليجري انسحابا تكتيكيا يخلصه من هزيمة الإذعان على الأقل !
اليوم هو أول يوم له في الجامعة والموضوع الذي جاء ليبحثه و يتخرج به في غاية الإثارة بالنسبة له. سيقضي ما لا يقل عن ثماني ساعات يوميا في بحث و تنقيب و تفكير : يلهث وراء المعلومات ، يركب منها تصورات و يهدم أخرى، يحلل ، ينقد ، يستنتج ... يقترب شيئا فشيئا من هدفه ... يا لله ما أمتعها من لحظات ...
هنا بدأ عقله يتحرك مستعيدا دوره في السيطرة ... هو يشعر به تماما حين يتحرك لأنه يمده بطاقة غريبة تنقله من حالة الإحتضار الشعوري إلى أفق واسع يكشف له كل المساحات و يعطيه كل ما يشتهي من صلاحيات التحكم بزواياه الظاهرة و الحفية... يا لها من شهوة جميلة تنسيك الهموم و الغموم !
العقل إذا انتفض ثار على كل الأوضاع التي تنافيه مهما كانت متنوعة و متباعدة من حيث الموضوع و المادة. فإذا المسافات الأخلاقية و الهضاب الإجتماعية و الآفاق العلمية كلها خاضعة تحت سيطرته لا تخرج عنها قيد أنملة!
يتبع إن شاء الله
وسيم أحمد الفلو
06-07-2007, 07:20 PM
"هو بحكم ترعرعه بعيدا في بلاد الحالمين ؛ مرابع القهر و الكبت والمصادرة ، لم يترك فكرة إلا و تحسسها بجرأة و لا شعورا إلا و تذوقه ملتذا!"
جملة جميلة وغنية أدبياً، إلى الأمام أخي أبو أحمد.
أبو محمد القلموني
31-12-2009, 02:19 PM
هل أتابع سرد حلقات هذه القصة ؟
حُسَينْ ... !
31-12-2009, 03:16 PM
هل أتابع سرد حلقات هذه القصة ؟
ما بعرف ... عندي السؤال منو مقبول :) !
اكيد تابع ... و كلنا اعين تقرأ ...
أبو حسن
31-12-2009, 09:47 PM
هل أتابع سرد حلقات هذه القصة ؟
وهل الأمر بحاجة لسؤال أخي الحبيب ؟
واصل وصلك الله بطاعته...
أبو محمد القلموني
07-01-2010, 07:17 PM
أرخى العنان لهاجس الحرية أن يقوده و يتحكم في كامل تصرفاته ، لكنه ظل يحس بأسر و قيود تثقل بها حركة قدميه ! لقد خلا بنفسه بعيدا عن كل عين خانقة ، ومع ذلك يحس بأن ثمة شيئا يتهدد سلوكه و يقوض بنيان حواسه و رغباته. إنه ليس ذلك التناقض الداخلي الذي يعيشه بين خطين أحدهما بارد و الآخر ملتهب! فهو قد رصد هذا التباين و تحرر من عقده اتجاهه ! <o></o>
الأمر أبعد من ذلك فثمة خارج حدود ذينك الخطين مناطق معتمة في داخله تستقبل حواسه إشاراتها المرمزة غير المفهومة!<o></o>
إشارات تشده إلى نفسه مرة ثانية تستجدي منه التفاتة! ترى إلى متى سيظل يستكشف مجاهيلا في نفسه! متى تضاء كل المساحات دفعة واحدة ليستمتع بمشهد النور يضيء جنبات روحه؟!<o></o>
<o></o>
لكن هل هي حقا مشكلة نور و ظلمات ؟ هل هو الجهل من يحول بينه و بين مبتغاه الضائع ؟ هل ترتفع المشكلة بمجرد زوال الغبش ؟! <o></o>
<o></o>
<o></o>
استيقظ باكرا مع انبلاج الفجر ... صلى ركعتي الفجر . وجلس في الشرفة يتأمل الشروق و يراجع ما أقدم عليه البارحة . هل سيولد له اليوم فكر جديد يختزل مشاعره السلبية الراهنة و يرمي بها إلى حاويات النسيان ؟ كان يحس وهو يتأمل خيوط الشمس بأنه على موعد مع خيوط إيجابية جديدة ستشرق حرارتها في خطوط نفسية باردة منسية تكسبها لونا حادا ليكتمل بها المشهد و تحضر معها كل العناصر المخفية! <o></o>
<o></o>
قلب حائر لا يمل من الوقوف على نافذة المستقبل ، تداعب صفحة وجهه نسائم الذكريات الباردة! في الطريق إلى الجامعة كان يبحث في فكره عن إستقرار يعيد الدفئ إلى جوانبه. ليست هذه هي المرة الأولى التي يواجه فيها تحديا يستهتر بقناعاته و يهزأ منها ! لكن البقاء في ساحة المعركة قد يضعفه إلى حد طلب الإستسلام ! فليجري انسحابا تكتيكيا يخلصه من هزيمة الإذعان على الأقل ! اليوم هو أول يوم له في الجامعة والموضوع الذي جاء ليبحثه و يتخرج به في غاية الإثارة بالنسبة له. سيقضي ما لا يقل عن ثماني ساعات يوميا في بحث و تنقيب و تفكير : يلهث وراء المعلومات ، يركب منها تصورات و يهدم أخرى، يحلل ، ينقد ، يستنتج ... يقترب شيئا فشيئا من هدفه ... يا لله ما أمتعها من لحظات ...<o></o>
<o></o>
هنا بدأ عقله يتحرك مستعيدا دوره في السيطرة ... هو يشعر به تماما حين يتحرك لأنه يمده بطاقة غريبة تنقله من حالة الإحتضار الشعوري إلى أفق واسع يكشف له كل المساحات و يعطيه كل ما يشتهي من صلاحيات التحكم بزواياه الظاهرة و الخفية... يا لها من شهوة جميلة تنسيك الهموم و الغموم !<o></o>
العقل إذا انتفض ثار على كل الأوضاع التي تنافيه مهما كانت متنوعة و متباعدة من حيث الموضوع و المادة. فإذا المسافات الأخلاقية و الهضاب الإجتماعية و الآفاق العلمية كلها خاضعة تحت سيطرته لا تخرج عنها قيد أنملة!
يتبع إن شاء الله<o></o>
<o>
</o>
أبو محمد القلموني
08-01-2010, 10:52 AM
دخل إلى الحرم الجامعي بلهفة لا توصف و متعة لا حدود لها ، كأنه على موعد مع فتاة أحلامه في قصر منيع ناء لا تدركه الأبصار و لا تبلغ شرفات غرفه القامات الطويلة والأعين المتطفلة ! <o></o>
<o></o>
جلس في المختبر إلى طاولته يتحسس بعينيه في لهفة الكتب و المطويات و المقالات التي يتوجب عليه قراءتها و تلخيصها و استخلاص خطة البدء من طرقها المتشابكة و منعطفاتها المتكررة و هضابها المرتفعة المطلة . <o></o>
فتح محموله و أنشأ ملفا أبيضا شفافا كروحه . غشيته رعشة كتلك التي يحس بها حين يخلد إلى فراشه في ليلة باردة مندسا تحت لحاف دافئ سابغ . يشعر بالأمان ، يتلذذ باللحظات التي تمر سريعا و هو يناشدها البطئ و الترسل ... <o></o>
يتأمل مفاتن الأفكار ، يتتبعها و يغازلها . يرتعش ثانية فتسيل الكلمات على الشاشة تفرحه و تدفعه للمتابعة . كالكاتب القدير يعالج المعاني و يباشرها بروحه فتتدفق كلماتها حبرا على الأوراق تثبت ذكورة قلمه .<o></o>
<o></o>
ومرت الساعات تليها الساعات و هو جالس لا يحس بالوقت فلا تعلوه سآمة و لا تقلقه رتابة. <o></o>
إلى أن حان وقت المغادرة. فاستعاد قلقه المفقود و لبس مسوح الإضطراب و خرج كارها مرغما ليلاقي آلامه من جديد!<o></o>
الهواء في الخارج يثنيه ليعود من حيث أتى و صرير الباب الذي يوصد مع انتهاء الدوام يدفع بخطواته المتثاقلة إلى الأمام . <o>
</o> وقعت عيناه على طائر ينطلق من غصن متدل و يرتفع إلى أعلى يمخر عباب الفضاء. حروف تفلت من جناحي الطائر لتقع في جوف روحه و هو ينظر بلهفة و يلتقط في توثب . وكمدمن على حل الكلمات المتقاطعة يعكف سريعا و بتوتر على تجميع تلك الحروف و ترتيبها ثم يلفظها كما لو يلفظها أول مرة ! كطفل صغير يلقنها!<o></o>
التقط الكلمة بوعي و قذفها إلى أعماق عقله يستنهض كل المفردات دفعة واحدة! بدأ الدفئ يدب في أطرافه متصاعدا كما لو أن نار الجرأة المنبعثة من تلك المفردات تحاصر جهاته كلها !<o>
</o><o></o>
خطوات قليلة و إذا به في وجه غير الوجه الأول و تصميم باءت به تلك الجرأة الدسمة التي اعترته فجأة ! ومضى يحدث نفسه : أتكون المشكلة هي مع أي المفردات أعيش؟ هل يتوجب علي عند كل منعطف أن أتوقف للحظات متأملا باحثا عن مجموعة الكلمات التي تنتمي إلى داخلي و تعبر عن كياني في الموقف؟! أيعيش الناس شقاء استدعاء المفردات الخاطئة و هم يحسبون المشكلة أعقد من هذا؟! لكن من قال بأن هذا الإستدعاء أمر ميسر يحسنه كل واحد؟! وهل يمكن استدعاء ما يناقض الواقع و يختلف معه في الصميم بضربة واحدة ؟! هل نعيش في نظام يشبه الماتريكس يمكننا من خلاله أن نعيش ما نريد أن نتصوره ؟! ليصير التحدي مواجهة الواقع بتصوراتنا وتيقنها و الثبات عليها إلى حين يتشكل وفقها ! <o></o>
<o></o>
وصل إلى غرفته و استلقى على سريره . وهو يهم بسحب اللحاف ليغطي به جسده المنهك ، رن هاتف الغرفة فأمسك بالسماعة ليجدها على الخط ينطلق صوتها في أذنيه يشق طريقه إلى منطقة الذهن يركب تصورات جديدة جاهزة لتعاش!<o></o>
وافتتح صفحة جديدة لعبت أنامله بألوان فقراتها و الكلمات فإذا بالألوان المتنافرة تتقارب و المتقاربة تتنافر ! هذا ما تصوره فهذا ما قرر أن يعيشه!<o></o>
يتبع إن شاء الله
<o>
</o>
أبو محمد القلموني
13-01-2010, 12:39 PM
أنا ديمتريفينيا ( والدة فيكتر الذي يريد الزواج من ليزا زوجة صديقه فيديا بعد طلاقها منه ، علما أنه أي فيكتر-كارينن- يعتقد بطلان الطلاق بحسب ما تنص عليه الكنيسة )<o></o>
-إن ما لا أفهمه أمر واحد ... كيف توائم بين رغبتك في الزواج من السيدة براتاسفا و زوجها حي وبين عقيدتك الدينية و إيمانك بها حيث تقول أن الطلاق مناف للمسيحية؟<o></o>
- ماما! هذه قسوة من جانبك ! هل نحن جميعا معصومون من الخطأ لدرجة أننا لا نستطيع الإختلاف في عقائدنا مع تعقد الحياة على النحو الحالي؟ قولي يا ماما ... لم تعاملينني بمثل هذه القسوة؟!!<o></o>
من مسرحية جثة حية للمؤلف تولوستوي- المشهد الرابع.<o></o>
<o></o>
الماتريكس كما الجثة الحية لتولستوي هي أعمال فنية تبشر بمقاربات ذهنية يتخلص بها الإنسان من عقد تناقضاته. أو لعلها تجعل من التناقضات الراهنة تصورات مجردة وربما خيالات يطردها من الواقع مجرد إهمالها و القفز عنها أو استبدالها بأخرى !<o></o>
وفي كل الأحوال ألا يعيش الإنسان وقع وقائع حياته اليومية من خلال رؤيته المسبقة التي يختزنها عقله الباطن؟!<o></o>
ألسنا نرى زيدا يفعل فعلا فيحس بالأرض تمور من تحته ، و يفعله عبيد فلا تتحرك فيه شعرة!<o></o>
مشاعرنا هي إذا رهن تصوراتنا ! و تصوراتنا رهن إرادتنا! ونحن بإرادتنا إما أن نجنح نحو الحقيقة الآسرة بقوة تتجاوز الهوى الملتصق برغباتنا المادية و إما أن نهوي إلى الطين نعلق فيه و نتبعثر بين حباته المندثرة!<o></o>
<o></o>
نحن من يقرر و قرارنا ينبع من الذائقة الكامنة في أعماقنا. لكن كيف تتشكل ؟ و هل ثمة ما يساهم في تكوينها و تجديدها ؟! أم هي مجرد قاعدة بيانات تختزن الصور و المشاهد ثم يكون لأنفسنا و أرواحنا دور في تصنيفها و ترتيبها؟! فإذا كان الأمر كذلك فعلى أي أساس يتم هذا التصنيف؟! هل هي صفات جبلية تولد معنا فتجعلنا نميل إلى هذا الإتجاه و ننفر من الإتجاه الآخر؟! أم هي كسبية محضة قد تتغيير في أية لحظة لتحدث ثورة حقيقية تتبدل بها كل الأهواء و الأذواق و المواجيد؟!<o></o>
فإذا كانت كسبية أو كان جانب منها كسبيا فكيف السبيل إلى التحكم بها ؟! و على أي أساس سيكون هذا التحكم؟! هل ثمة منطقة أخرى عليا منوطة بهذا التغيير؟! وماذا عن هذه المنطقة؟! هل هي جبلية أم كسبية؟!!!<o></o>
<o></o>
سلسلة لا تنتهي من الاسئلة يرافقها سيل جرار من مشاعر الالم و الرغبة و التحدي و الضعف . صور تومض و تختفي على شاشة الذهن المتقد ... بعضها من الذاكرة و بعضها من الأحلام و بعضها الآخر من مناطق مجهولة معتمة !<o></o>
<o></o>
ومضى مسكونا بآلام تتوالى مشاهدها على شاشة الوعي ، لترتسم ألوانا حادة و أخرى خافتة. يا لله كم كان يحب الضوء الخافت هناك في الوطن ؟! و اليوم هو متعطش للألوان الحادة لكن لا تزال تقطنه الرغبات القديمة . ثمة أشياء و رغبات لا نلقي لها بالا لكنها تتربص بنا لتقتنصنا في الوقت المناسب في لحظات العري بين ثوبين نتبدل بينهما!<o></o>
هل هي الذاكرة من يملأ الكأس بخليط الآلام ؟ أم هو التوق إلى المستقبل الذي يملؤها بأثقال الأطماع الحالمة ؟<o></o>
أم هو التمزق بين ذاكرة و حلم ؟ كم مشهدا يستطيع المرء أن يحيا خلاله حالما منسجما مع ذاكرته دون تمزق و لا توجع؟! هل من سبيل لعقد الصلح بين جيوش الأطماع الغازية و مقاومة الذاكرة المستبسلة؟! هل يتوقف هذا الإقتتال قبل أن تداهم المرء لحظات الإحتضار ؟! <o></o>
<o></o>
لحظات الموعد الثاني تزحف بين جثث الكلمات و تحت زخات رصاص الخواطر التائهة . اللقاء العاطفي في أرض المعركة هل هو تفاؤل استفزازي؟ أم تحد سافر مكشوف يسكنه العناد ؟!<o>
</o> هل سيجد شجرة نائية هناك في أرض المعركة المتمددة في كل إتجاه ؟ هل يقع أسيرا على حين غفلة ؟ <o></o>
<o></o>
هناك في الوطن كان يجد الدروب الآمنة بسهولة و يسر لكنه كان يدفع الكثير في المقابل ؟ لذا كان يحلم بأمن الغربة المجاني ؟ <o>
</o> و الآن يتمنى لو يجد من يدفع له فيبتاع منه خريطة العبور الآمن !<o></o>
<o></o>
في المقهى و بعد حديث عابر مفعم بنشوة اللقاء إذ عبر في خاطره شهاب من شهب آلامه أطفأ بلهيب صقيعه مشروع بهجة الدقائق القادمة. <o></o>
سألته كما لو تسأل عن صحته : هل تريد أن تقنعني أنه لم يكن لك علاقات في الوطن؟<o></o>
أجابها : في الوطن لا نقيم العلاقة و لكن نلبسها ثم نخلعها على أعتاب الغربة<o></o>
قالت: تبدو كعاشق حقيقي للفلسفة<o></o>
أجابها في حماسة مفرطة: الفلسفة هي شيء لا ينفك عن الذهن الإنساني و لذا فهي تقع في صميم الحركة الإنسانية . فكيف تريدينني أن أكرهها؟<o></o>
صفعته براحة كلماتها: أما أنا فأكره الفلسفة و أمقتها لأنها تتعلق بالميتافيزيقا و أنا لا أحب إلا ذاتي و اللحظة التي أعيشها.<o>
</o><o></o>
سألته: ما رأيك أن نذهب لنرقص هذا المساء؟<o></o>
هكذا تريد أن تذهب به إلى المرحلة الأخيرة و لم تكتمل فصول البدايات بعد. هذه الفتاة المولعة بالسرعة هل هي عداءة سابقة؟!<o>
</o> و إذ أجابها في ارتباك واضح: في يوم آخر !<o></o>
أردفت و هي تنظر إلى بعض شعر خفيف نابت في وجهه: هل أنت حقا متدين ؟<o></o>
<o></o>
تكره الفلسفة و تحب ذاتها و لحظتها فهي لذلك تتقن الركض و العدو هروبا من اللحظات الماضية و من ذاتها الغابرة . هو كذلك يحاول الهرب و لكنه ليس عداء في مثل سرعتها و لم يستبن وجهته الجديدة بعد. فقد يكون هروبه إلى شيء آخر!<o></o>
لكن كيف يجيب عن سؤال مباغت كهذا ؟! سؤال خارج عن المقرر لهذه المرحلة؟! لماذا تريده في الحقبة النهائية منذ اللحظة؟<o>
</o> هل هو السبب حين أوهمها بأنه كذلك؟!<o></o>
<o></o>
عجلتها المباغتة قذفته من القطار الهادر الذي تستقله ! فإذا به يتدحرج و يتدحرج حتى استقر بعيدا ينظر في ذهول إلى الدخان الذي نفثته من لفافتها و هي تمضي على وقع هدير آلامه المتلاحقة!<o></o>
يتبع إن شاء الله
<o>
</o>
أبو حسن
13-01-2010, 01:05 PM
أنا ديمتريفينيا ( والدة فيكتر الذي يريد الزواج من ليزا زوجة صديقه فيديا بعد طلاقها منه ، علما أنه أي فيكتر-كارينن- يعتقد بطلان الطلاق بحسب ما تنص عليه الكنيسة )<o></o>
<o>
</o>
شخصيا، أنا بحاجة لإعادة القراءة من البداية حتى أدخل في جو الرواية من جديد...
وأظنني من الآن، أتوقع رواية مبشّرة، لعلها تكون "مصفوفة" الأدب الإسلامي الحديث، كما معطف غوغول للأدب الروسي والرواية المعاصرة...
أبو حسن
13-01-2010, 09:42 PM
<O></O>
الماتريكس كما الجثة الحية لتولستوي هي أعمال فنية تبشر بمقاربات ذهنية يتخلص بها الإنسان من عقد تناقضاته. أو لعلها تجعل من التناقضات الراهنة تصورات مجردة وربما خيالات يطردها من الواقع مجرد إهمالها و القفز عنها أو استبدالها بأخرى !
<O></O>
وفي كل الأحوال ألا يعيش الإنسان وقع وقائع حياته اليومية من خلال رؤيته المسبقة التي يختزنها عقله الباطن؟!<O></O>
ألسنا نرى زيدا يفعل فعلا فيحس بالأرض تمور من تحته ، و يفعله عبيد فلا تتحرك فيه شعرة!<O></O>
مشاعرنا هي إذا رهن تصوراتنا ! و تصوراتنا رهن إرادتنا! ونحن بإرادتنا إما أن نجنح نحو الحقيقة الآسرة بقوة تتجاوز الهوى الملتصق برغباتنا المادية و إما أن نهوي إلى الطين نعلق فيه و نتبعثر بين حباته المندثرة!<O></O>
<O></O>
نحن من يقرر و قرارنا ينبع من الذائقة الكامنة في أعماقنا. لكن كيف تتشكل ؟ و هل ثمة ما يساهم في تكوينها و تجديدها ؟! أم هي مجرد قاعدة بيانات تختزن الصور و المشاهد ثم يكون لأنفسنا و أرواحنا دور في تصنيفها و ترتيبها؟! فإذا كان الأمر كذلك فعلى أي أساس يتم هذا التصنيف؟! هل هي صفات جبلية تولد معنا فتجعلنا نميل إلى هذا الإتجاه و ننفر من الإتجاه الآخر؟! أم هي كسبية محضة قد تتغيير في أية لحظة لتحدث ثورة حقيقية تتبدل بها كل الأهواء و الأذواق و المواجيد؟!<O></O>
فإذا كانت كسبية أو كان جانب منها كسبيا فكيف السبيل إلى التحكم بها ؟! و على أي أساس سيكون هذا التحكم؟! هل ثمة منطقة أخرى عليا منوطة بهذا التغيير؟! وماذا عن هذه المنطقة؟! هل هي جبلية أم كسبية؟!!!<O></O>
<O></O>
<O>
</O>
لا شك أن هذا المقطع، وبهذه الصياغة المشبعة بالروح الديستوفسكية، يحتاج إلى وقفات تأمل طويلة...
وهذه دعوة لجميع أعضاء المنتدى أن لا يفوتوا هذه اللوحة التي جمعت الرقي الأدبي بالمتعة الفكرية والعمق الفلسفي...
ودعوة للإدارة لإرسال رابط الموضوع إلى أعضاء المنتدى (mailing list) وتنبيههم إليه...
الزاهر
13-01-2010, 09:50 PM
لا شك أن هذا المقطع، وبهذه الصياغة المشبعة بالروح الديستوفسكية، يحتاج إلى وقفات تأمل طويلة...
يا محلا أيام كان الأخ أبو محمد القلموني قدس الله سره بيحكي بلغتو الميتامورفوسوسيوفيزيكالية كنا [عالأقل أنا] نفهم عليه اكتر من هالقصة !!! :)
ما خرطت مشطي بنوب !!!
الشامي
14-01-2010, 01:57 AM
السلام عليكم
ما هي من اسمها بتبين :) لهيب وعلى الجليد :)
كمل خيي أبو محمد
أخوكم:rolleyes:
أبو محمد القلموني
18-01-2010, 01:57 PM
أشكرك جميعا من صميم قلبي على هذه التعليقات الجميلة و المشجعة. و أستمر بعون الله في عرض حلقات هذه القصة.
أبو محمد القلموني
18-01-2010, 02:08 PM
ارتمى على سريره داسا رأسه في اللحاف و الدموع تنهمر كالمطر من عينيه و الأوجاع تقصف كالرعد في أرجاء نفسه. تذكر مطر الوطن و الرياح العاصفة و السير بين الأشجار و القفز فوق السواقي ، الجلوس في الكهوف حيث المواقد و الأحاديث الصاخبة . تذكر والديه و إخوته و الأماسي الجميلة فوق السطح و تحت شجر الليمون العابق ... تذكر مقاعد الدراسة و الرغبات التائقة للتفوق و التمييز و التقدم في مجالات العلوم المختلفة ... تذكر النقاشات الساخنة في زوايا المسجد وعلى سطوحه ... النزاعات الحزبية و مجالس الصلح و التعليقات المتأخرة المقروضة بالآلام و المآسي ، و النرجسية المفرطة لحكماء القرية و وجهائها ... ليالي رمضان و سحور البرية و إبريق الشاي الذي كان يغلي فيؤجج النقاشات لتتصاعد أبخرتها إلى الأذهان ترتسم صورا لمستقبل موهوم ... تذكر كل شيء دفعة واحدة فاستلقى على ظهره و سحب اللحاف إليه و غط في ثبات ذكرياته .
في البراري يسير مستمتعا باللون الأخضر الساحر ، العصافير حوله تزقزق في حبور ترنو إلى بعضها في خفر و تقفز من غصن إلى غصن. فراشة هناك تطير مستحمة بضوء الشمس فتشع بألوان زاهية ، تغط على ورقة في الجدول عالقة بين غصنين متدليين من شجرة صغيرة تتوق إلى الإنغماس في النهر . تماما كتلك الفتاة المندفعة المتعطشة إلى الإنغماس في الجداول المتدفقة. بينما هو لا يزال يسبح عكس الجداول! <o></o>
فجأة تزل قدمه فيقع في النهر ، يحاول أن يتمالك نفسه و أن يصمد في وجه التيار ، يمد يده فيمسك بأحد أغصان تلك الشجرة ، يقلق في يده ، يتشبث به جاهدا و لكن دون جدوى ! يأخذه النهر بعيدا ... يتلفت يمنة و يسرة فيجد أشجارا متدلية و أخرى نائية وهو يبتعد عنها بسرعة متضاعفة ... يهبط من مكان عال جدا ... يكاد قلبه يقفز من بين جوانبه ... يغمض عينيه ... يرتطم بشيء بارد جدا ... يفتح عينيه ليجد نفسه منغرسا في الثلج بين الصخور ... يتحرك قليلا فينغرس أكثر فأكثر... يهدأ مترقبا خائفا ... و إذ أيقن بالهلاك يتطلع إلى السماء بانكسار و ذل يناجي مولاه : ياربي يا بارئي يا من أوجدتني بمحض جودك و فضلك ... أنقذني مما أنا فيه ... أستغيث بك يا مغيث ... أستنجد بك يا كريم ...<o></o>
يتحرك بقوة ليفلت من براثن الثلج الذي كاد يغمره بالكامل ... فجأة ينسل بين الصخور ليهوي بقوة إلى أسفل وهو يصرخ : يا رب يا رب يا أرحم الراحمين ...<o></o>
<o>
</o>
ويفتح عينيه ليجد نفسه قد وقع عن سريره يكتوي بلسعات الأرض الباردة و اللحاف فوق رأسه. ينهض بسرعة فيلقي باللحاف إلى السرير وهو يتمتم مستعيذا بالله تعالى . <o></o>
وقف بين يدي ربه يناجيه ثم توجه إلى الشرفة بعد أن أعد قدحا من الشاي. يشعر بشيء من الطمأنينة وهو يرشف رشفات متتابعة محدقا في خيوط الشمس المتثائبة تظهر رويدا رويدا من بين الغيوم القاتمة صباح يوم خريفي بارد.<o></o>
<o>
</o>
لقد قرر أن ينسى ما حصل معه البارحة فالأمر لا يعدو صدمة عابرة تعلم منها أن يكون صريحا للغاية و أن لا يخجل من عرض نفسه كما هو مهما كانت النتائج و أيا تكن التناقضات. فمن ذا الذي لا تعتري رغباته التناقضات ؟ إنه ليس عبدا لأهواء الآخرين و رؤاهم الخاصة. أليس هذا ما كان يحاصره في الوطن و يرزح فوق صدره و يكتم أنفاسه؟! قرار الحرية لا يرتبط بالجغرافيا و لا بالمجتمع و لكنه ينبع من الداخل و يتبلور في التصميم على التمسك بها مهما كانت الظروف صعبة و معقدة. هذه النتيجة أرضت تعطشه الكامن إلى الوطن و شوقه إلى تلك الربوع ، التي ينفخ الألم في نار رمادها فلا تكاد تفارق ذهنه و مخيلته.
<o>
</o>
نهض من مكانه و توجه إلى الحائط حيث الروزنامة ، فتحها و جعل يحسب المدة المتبقية لإجازته القادمة . شعر بالأسى حين اكتشف أن الوقت لا يزال مبكرا ليفكر بإجازة قريبة. لكنه عاد و توازن مع نفسه حين لمعت في ذهنه خواطره القديمة عن الغربة. ها هو الآن في هذه الغربة التي حلم بها ، و لا يزال هناك متسع كبير من الوقت يستطيع فيه أن يعيش بهدوء و انعزالية بعيدا عن تطفل الآخرين...<o></o>
<o>
</o>
فتح الخزانة فهبت رائحة الوطن من ثنايا قطع الثياب المبعثرة التي لم يمسها صابون الغربة بعد! دس رأسه بينها و جعل يستشق عبير تلك الايام . لكل طبقة من طبقات هذه الروائح المنبعثة زمان و مكان و ذكرى. آلمه أن يغسل ماء الغربة هذه الروائح فقرر أن يشتري ملابسا جديدة و لتبق هذه القطع قوارير يحتفظ فيها بعطر الوطن!
يتبع إن شاء الله
Powered by vBulletin® Version 4.1.11 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir