المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من تلاميذ السيد رشيد رضا



فؤاد طرابلسي
23-12-2008, 06:59 PM
الشيخ محمد بدر الدين أبو السمح الفقيه

(1307-1385هـ/1890-1965م)



بقلم: د. محمد بن لطفي الصباغ


الشيخ محمد بدر الدين الفقيه عالم فاضل من علماء بلدنا السلفيين القراء التربويين،
وهو محمد بدر الدين بن محمد نور الدين أبو السَّمح الفقيه المصري.
ولد في قرية التلين من مديرية الشرقية في مصر سنة 1307هـ/ 1890م في أسرة علم وفضل ووجاهة. وتعلَّم في مدارسها وحفظ القرآن وهو في العاشرة من عمره وحفظ عدداً من المتون كالألفية لابن مالك والشاطبية للشاطبي وغيرهما من المتون. وجمع القراءات. ولما أنشأ السيد محمد رشيد رضا مدرسة: "الدعوة والإرشاد" انتظم فيها وتخرج فيها.

وهو أصغر إخوته الذكور، فأخوه الأكبر هو الشيخ عبد الظاهر أو محمد عبد الظاهر . خطيب الحرم المكي وإمامه من الفقهاء الأزهريين وكان سلفي العقيدة استقدمه الملك عبد العزيز إلى مكة وولاَّه الخطابة والإمامة وإدارة دار الحديث من سنة 1345هـ إلى سنة 1370هـ سنة وفاته. كان محدّثاً ومفسراً وفقيهاً وواعظاً، وقد وقفت على بعض الكتب التي عليها تعليقاته في مكتبة جامعة الملك سعود، ويبدو أنها اقتنت عدداً من كتبه بعد وفاته.

وكان الشيخ عبد الظاهر كريماً لطيف المعشر؛ فقد حدثني صديقي الشيخ محمد أبو صّياح الحرش –رحمه الله- أنه عندما حلَّ في مكة كان يدعوه ويقول له: أنت في كلّ يوم مدعوّ عندي.

وكان أخوه عبد المهيمن بعده إماماً في الحرم المكي، وقد عرفته، وذلك في أثناء سنوات الحج التي كنت أحجها بمعية شيخي الشيخ عبد الرزاق عفيفي –رحمه الله-. فقد كان يخرج معنا إلى عرفات ومنى.
وكان يرحمه الله شديداً على المخالف، غيوراً على الدعوة السلفية ولي معه ذكريات عدة.

جاء الشيخ محمد بدر الدين إلى دمشق سنة 1332هـ/ 1914م -كما قالت بنته الأستاذة رشيدة -حفظها الله-.
ولما قامت الحرب العالمية الأولى بقي في دمشق، واتخذ له فيها مسكناً، وكان قد نزل في بادئ الأمر في دار الصعيدي ثم تزوج فاطمة بنت رفاعية وأنجب منها سبعة أولاد، أربعة ذكور وثلاث بنات، وأولاده الذكور هم زكي ورشيد وعبد الحكيم ولقمان.

وأقام مدرسة لتعليم الأولاد سمَّاها (المدرسة المحمدية) في زقاق المحمص من حيّ الميدان، وكان يعلّم فيها القرآن والقراءة والكتابة والفقه والمحاسبة ومسك الدفاتر التجارية والخطّ، وقد نجحت هذه المدرسة نجاحاً عظيماً. وأقبل الناس عليها إقبالاً كبيراً ثم نقلها إلى حيّ الحقلة في الميدان وجعلها جزءاً من بيته.

فهو من المربين الذين عرفهم حيّ الميدان في دمشق.

وقد قال لي مرة: كأن الله تبارك وتعالى اختار لي حيّ الميدان؛ فأنا منذ وطئت قدماي دمشق حللت فيه، وقد بقيت فيه إلى الآن.

ثم سافر بأهله إلى جدّة وأقام فيها سنوات، وأقام مدرسة فيها، وذكر لي -رحمه الله- أن المدرسة نجحت نجاحاً عظيماً، وصار عليها إقبال كبير.

وقد سُرَّ بالإقامة هناك وكان قريباً من أخيه الشيخ عبد الظاهر، غير أن زوجته أصابها مرض، ولم تستطع العيش في الحجاز لحرّه ورطوبته وهي شامية ألفت جوّ دمشق، فعاد إلى دمشق.

وفي الإجازة الصيفية لعام 1360هـ/ 1940م التحقتُ بهذه المدرسة مدة الإجازة، وأذكرُ أنه كان متابعاً للأخبار، وقد حصل في تلك الحقبة اغتيال الزعيم السوري الدكتور عبد الرحمن الشهبندر، فكان يتابع خبر هذا الاغتيال في الجرائد ومع الزائرين له من الرجال.

كان الشيخ فقيهاً متمكّناً، وكان كاتباً ذا أسلوب عال، ولكنه لم يكن ينشر شيئاً على عادة كثير من المشايخ في تلك الأيام، وقد شهد الأستاذ علي الطنطاوي بامتلاكه أسلوباً رائعاً عندما اطلع على رسالة منه إليه فيها انتقاد مهذَّب رفيع لموقف للطنطاوي؛ فلما قرأها أثنى على أسلوب كاتبها واعترف له بالحقّ.

وكان سلفياً يكره البدع ويحذِّر منها، من أجل ذلك كان بعض المشايخ يشيعون عنه أنه "وهّابي"، وكانت هذه التهمة كبيرة جدّاً عند العوامّ وقد يصاب المتَهم بها بما يسوءه... فكان يقابل ذلك بالصبر والمضي على طريقه السويّ.

وكان خطّاطاً متقناً، وقد كتب مصحفاً بخطّه الجميل الرائع، وقد حملته بنته الأستاذة رشيدة –حفظها الله- كما أخبرتني إلى قسم المخطوطات في وزارة الأوقاف السورية، ويظهر أنه كان أثراً فنياً رائعاً.

تولّى الإمامة في مسجد الموصلي في الميدان ثم انتقل إلى جامع عنَّابة في حيّ الحقلة، فكان يؤمُّ الناس ويخطب الجمعة، وكانت خطبه متميزة بإيجازها وبأسلوبها فقد كان يكتب الخطبة ببيانه الذي تحدثنا عنه آنفاً، ويعالج موضوعات تتصل بحياة الناس، وكان أداؤه للخطبة موفَّقاً جدّاً، فكان لا يلحن أبداً، وكان يخصّ الخطبة الثانية بفائدة فقهية مما يحتاج إليه الناس. وكان ينيبني أحياناً لأقوم بالخطبة وقد سألت بنته الأستاذة رشيدة عن هذه الخطب. فقالت:
إنني بعد وفاته خفت عليها من الضياع فجمعتها وجمعت ما ترك من كتب وأوراق وسلّمتها إلى الشيخ صادق حبنّكة في جامع منجك في حيّ الميدان، وهي لا تدري شيئاً عنها.

وكنت ممن يسعد بسماع هذه الخطب الكبيرة القيمة والفائدة في أكثر أيام الجُمَع وعندما زار دمشق العّلامة الدكتور تقي الدين الهلالي طلبت منه أن يدعوه لإلقاء خطبة الجمعة فاستجاب، وأعلنّا في بعض الصحف أن الدكتور الهلالي سيلقي الخطبة في جامع عنابة فسارع كثير من الناس إلى الجامع. وكانت خطبة مشهودة.

كان -رحمه الله- عفيف النفس، مع أنه مرّ في بعض مراحل حياته بضيق وفقر، فكان لا يقبل شيئاً من أحد، وقد حاول بعض المحسنين أن يقدم له مساعدة فاعتذر عن عدم قبولها بقوله: (الحمد لله أنا بخير ولست بحاجة).

وأشهد أنه كان من الصادقين الصابرين، فقد مرت به أزمات عائلية واقتصادية وصحية في نفسه وأسرته فكان يقابل ذلك بالصبر والدعاء والالتجاء إلى الله، والأخذ بالأسباب من مراجعته الأطباء، فقد كان يسافر إلى بيروت في أزمة صحية ألمت بزوجته وكان يسافر بها أسبوعياً لهذا الغرض.

وكان ورعاً أعظم الورع، فكان إذا دعي إلى طعام سأل عن مال الداعي، فإن كان فيه شبهة اعتذر، وإن كان لا يمكنه الاعتذار أكل في بيته ثم ذهب إلى الدعوة وتظاهر بأنه يأكل ولكنه لا يفعل.

وكان متابعاً للمجلّات الإسلامية والكتب الإسلامية الحديثة، يقرؤها ويقوّمها؛ فقد قرأ مرة كتاباً بعنوان (الإسلام المصفَّى) فقال لي: ليس هذا الكتاب بالمصفّى بل هو المشوِّه لدين الإسلام المحرِّف لحقائقه.

كان يحضر دروس العّلامة الشيخ صالح العقاد، وما كان يتخلف عن حضور درس الجمعة، وكنت أذهب معه إلى الدرس ونعود معاً؛ ذلك لأننا جيران والدرس في بيت الشيخ في حيّ الصالحية. وكذلك فقد كنت أحضر معه أحياناً دروس الشيخ في النورية .

كنت ألقاه يومياً في المسجد في الصلوات الخمس، وكان حديثه نافعاً، وأذكر أنه اطلع على مقالة للشيخ علي الطنطاوي نشرها في مجلة المسلمون عنوانها (يا بنتي) فأعجب بها، وقال: أرى أن تطبع هذه المقالة في رسالة وتوزَّع على الطالبات وقال: أنا مستعدّ للتبرع بمبلغ ذكره لطباعتها، ودفع المبلغ المذكور وكنت حينذاك عضواً في لجنة مسجد الجامعة: الجامعة السورية، فاقترحت على اللجنة إنشاء فرع للنشر وأن تكون هذه الرسالة أول رسالة فجمعنا تبرعات يسيرة وضممناها إلى المبلغ الذي دفعه الشيخ ونشرنا الرسالة ووزعناها على طالبات الجامعة.
وقدّر الله أن يتتابع نشر الرسائل وأن يظهر بعد ذلك عدد من الرسائل عن لجنة المسجد يزيد على المئة .

وكان على صلة وثيقة بشيخنا محمد بهجت البيطار رحمه الله وكذلك فقد كانت له صلة بالشيخ سعدي ياسين الذي كان إذا جاء من بيروت اتصل به وزاره، وكذلك فقد كانت له صلة بالشيخ محمّد ناصر الدين الألباني وكانت له صلة وثيقة بالعلامة الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة الذي كان يزوره كثيرا كلما جاء إلى دمشق من مكة المكرمة في فصل الصيف وقد عرفته عنده وأهداني بعض مؤلفاته.

وكذلك فقد كانت له صلة بالشيخ زين العابدين التونسي، وكان يصلي إماماً معه في مسجد الخانكية أول الأمر، وكانت له صلة بالشيخ سعيد الحافظ وعندما انتشرت المدارس الحكومية، اتجه الناس بأولادهم إليها فضعف شأن المدرسة، فافتتح مكتبة في الميدان مقابل مدرسة خالد بن الوليد، يبيع فيها الكتب والقرطاسية.

ومما أذكره في ذلك أنه كتب بخطه الجميل لوحة على باب المكتبة نصُّها:
(رائحة الدخان تؤذينا فنحِّ عنا سيجارتك يرحمك الله)

ثم أكرمه الله بأن فتحت بنته مدرسة لتعليم البنات وتحفيظ القرآن الكريم فكان عليها إقبال شديد أغناه الله بذلك وجزاها الله الخير.

وكان عفّ اللسان لا يذكر أحداً بسوء ولا يغتاب أحداً ومجالسه كلها مجالس خير وعلم ودعوة، وكان يشجّع الحركات الإسلامية، ويحضّ على مطالعة الكتب الإسلامية، وأشهد أنه كان من الصادقين الصابرين.

ولي معه ذكريات كثيرة، أحسن الله إليه ورحمه الله وغفر لنا وله وجزاه عن المسلمين الخير.

وتوفِّي رحمه الله في 3 ذي الحجة من سنة 1385هـ 1965م ودفن في حيّ الميدان بدمشق.

هذا العالم الفاضل لم يُعط حقّه من التعريف وبما أني من تلامذته ومن جيرانه ومن أصدقائه كتبت ما كتبت واعتمدت في هذه المعلومات على خبرتي الشخصية، وكذلك على ما ذكرته لي بنته الأستاذة رشيدة -حفظها الله- بالهاتف.

هذا وقد كتب لوحة بخطه الجميل فيها بيتان من الشعر وكان يكررهما ويصدر عنها في حياته والبيتان هما:

يا لهفَ قَلبي على شَيئينِ لو جُمِعا = عِندي لكُنتُ إذن من أسعَدِ البَشَرِ
كَفافُ عَيشٍ يَقيني ذُلَّ مَسألةٍ = وخِدمَةُ العِلمِ حتَّى يَنقَضي عُمُري

فؤاد طرابلسي
23-12-2008, 07:01 PM
قام بتنضيد و اعداد هذه الترجمة الاخ الكريم ايمن ذو الغنى

فؤاد طرابلسي
24-12-2008, 08:58 AM
1378


صورة العلامة محمد بدرالدين ابوالسمح

Mohammad
11-01-2009, 02:26 PM
تقريب الفاسقات وتعظيم الفاسقين في حقب الأحكام العرفية وتسلط المنافقين
التاريخ السياسي والاجتماعي لسورية الكبرى في القرن الماضي من منظور محمد رشيد رضا في رحلتين منفصلتين
محيي الدين اللاذقاني
قبل ان نقرأ معا النص الذي يحول فيه المعلم الثالث جداتنا الكريمات الى داعرات محترفات لا بد ان نبحث في ماهية هذا المعلم ودوره واسلوبه، فلعصر التنوير العربي معلمان الافغاني وعبده، وثالثهما محمد رشيد رضا الذي لم يكتف بدور الشارح لافكار المعلم الثاني الذي صار وصيا على ارثه انما تطلع الى دور اكبر من امكانياته فصار مثل جميع المعممين الذين يدخلون السياسة من باب النصيحة ثم يستطيبون مكاسبها، فينسون النصائح ومع غيرهم يرتعون ومن خلف الستار يحكمون.
والمعلم الثالث (مجازا) صحافي بارع تشهد بذلك صحيفته «المنار» ولغته الخالية من الخشب والحطب ككل لغات كتاب ذلك الزمان القريب، ومقدرته على رصد التحولات الاجتماعية اكبر من طاقته على التنظير السياسي، ولو انتبه لذلك لترك في أدب الرحلات إرثا لا يضاهى لكن أين من يعرف قدر غيره او قدر نفسه في عالم عربي مختلط المقاييس والقيم، والاقنعة والادوار.
وقد وصل الينا تراث الشيخ الجليل بعد افتتاحيات المنار عن طريق مذكراته، ورحلاته التي جاءت في مفترق حاسم من عمر القضية العربية. فالربع الاول من القرن الماضي كالربع الاول من هذا القرن كان حاسما دون ان يعني الحسم تحقيق انتصارات، فالهزائم محسومة النتائج ايضا ولكن ليس بنظر من يعيش في أتونها.
ومع ان الانسان لا يسوح في وطنه ولا يعدونه من الرحالة اذا دار فيه ولف، فإن محمد رشيد رضا (السوري) بمصطلحات عصره اعتبر نفسه وهو ابن القلمون رحالة في بلده وسجل لنا تفاصيل رحلاته الى سورية التي كانت في عهده سورية الكبرى. فهو يطلق على فلسطين اسم «سورية الجنوبية» وحين يقص الطرائف عن اهل طرابلس يستخدم دون تحرج من انعزاليي ذلك الزمان صفتها كمدينة سورية، وهذا طبعا قبل ان ينجح الموارنة والوفد اللبناني في انتزاع الموافقة الفرنسية على تقسيم سورية.
وقد صدرت رحلتا الشيخ محمد رشيد رضا الى بلده في كتاب جديد بعنوان «رحلتان الى سورية» وذلك في سلسلة ارتياد الآفاق، التي يصدرها مجمع ابوظبي الثقافي ويشرف عليها الشاعر نوري الجراح. اما التحرير والتعليق على رحلات المعلم الثالث فقد قام به زهير احمد ظاظا الذي ألحق بالرحلتين يوميات رضا مع الملك فيصل الاول وهي مذكرات شديدة التناقض تمدح وتقدح، وسنعود لنصوص منها بعد ان نذهب الى ذلك النص الموعود الذي يكشف صراحة ذلك المصلح الاجتماعي ورأيه في نساء وطنه، وتقويم ادائهن خلال الازمات.
ويوحي الشيخ منذ البداية بأن تهتك النساء وتحولهن من شريفات الى عاهرات يرتبط بفساد السياسة، وبتعطيل الشريعة والقانون وفرض الاحكام العرفية، ولأن القوادة تنشأ قبل الدعارة فإن التجار الكبار في تلك الازمنة يستخدمون اعراض النساء في الحصول على امتيازات استيراد وتصدير وشحن. وقبل ان نفسد النص بتفسيراتنا لنقرأه كاملا بلغة ذلك الشيخ الصريح حتى نطلع على خبايا ما كان يدور في مجتمع مغلق لا يتخلى فيه الرجال عن اضطهاد النساء إلا اذا جاعوا او طمعوا.
* علاقات وشبهات
* يقول الشيخ عن رحلة عام 1908 ميلادية «افترض رؤساء الجند والحكومة اعلان الاحكام العرفية وتعطيل الشريعة والقانون بها فاحتكروا الاقوات، وشاركوا في استغلال الامة كبار التجار، وتذرع كل منهم بذلك لانتهاك الاعراض وافتراع الابكار، فكانت من هانت عليهم اعراضهم يستشفعون بنسائهم وبناتهم الى أولئك الرؤساء (كالقائد العام للفيلق الرابع في سورية ومتصرف لبنان) لأخذ وثائق بشواحن القمح وغيره من الاغذية، فكانت اعراض النساء عروض تجارة وابضاعهن بضائع ربح، وكانت الحرة تموت ولا تأكل بثدييها وفقا للمثل العربي، وبين هذه وأولئك نساء نشأن مصونات محصنات لا لدين راسخ ولا لشرف باذخ، بل لفقد الداعية وعدم الاصطلاء بنار الفتنة، فلما ذقن ألم الجوع الديقوع الدهقوع وفقدان ما يتبلغن به من اللماج والعلهز «اللماج بالفتح: أدنى ما يؤكل، والعلهز بالكسر: القراد والضخم ووبر يلت بالدم ويجفف فيتبلغ به في المجاعة» وعلمن ان سعة العيش على طرف الثمام وحبل الذراع منهن، إذا ارخصن ما اغلته العفة من شرفهن. ووجدن ان الشرف في هذا الزمن، غير الشرف الذي تروى اخباره عن السلف. فالناس يعظمون الفاسقين ويتقربون الى الفاسقات، ويحتقرون الصالحين والصالحات. فطوعت لهن انفسهن، واسلست لهن ما كان صعب المقادة من اقتراف الفاحشة فأطعنها واجمات. ولم يلبثن ان استمرأن المرعى فانقلبن مسافحات متهتكات. فويل للمترفين المسرفين في الشهوات، الفاسقين المفسدين للمحصنات.
كان أولئك الكبراء يبذلون للحسناء ما تحب، وكان من دونهم من الموسرين والجنود يفيضون من فضل رزقهم في هذا السبيل كل بحسب حاله، وكان بدء اغواء الكثيرات من العذارى والمحصنات انهن طلبن من بعض الرؤساء شيئا من مال الاعاشة الذي كان يباع رخيصا من قبل الحكومة او طلبن الصدقة والاحسان من بعض الاغنياء فراودوهن عن انفسهن فتمنعن المرة بعد المرة (الى ان) طوعت لهن انفسهن ان يجتلبن القوت الضروري بما جلب به غيرهن الثروة والزينة».
ولا شك ان التقرب من الفاسقات وتعظيم الفاسقين هو سمة في كل عصر تختلط فيه السياسة بالدين ويتوقف فيه المرشدون الروحيون عن تأدية دورهم الوعظي والتقويمي ليتحولوا الى سياسيين.
وذاك النص الممض طويل وحزين وينهيه الشيخ محمد رشيد رضا بالقول: إن العزيز المصون هان وابتذل وصار يعرض عند الحاجة لمجرد التمتع والربح ففشا بذلك الفجور والعهر، وصارت النساء تتبع جنود الاجانب حيثما عسكرت في البلاد السورية بعد جلاء الجند العثماني عنها وكن من قبل يستخفين من كل ارض يمر فيها الجند وان كان وطنيا.
ولا اريد ان أحمل نص الشيخ اكثر مما يحتمل، فازعم انه كان يرى الرابط الوثيق بين العهر العادي والعهر السياسي، فتلك مسألة لن يصرح بها محمد رشيد رضا وان عرفها ووقع عليها بالحجج والبراهين لا لتهذيبه اللغوي فحسب، بل لارتباطه الوثيق بسياسة زمانه وسياسييه، ولولوغه مع بعضهم في التعامل مع الاجنبي فهو احد الذين قابلوا سيئ الذكر المندوب الفرنسي السامي بيكو الذي وقع اتفاقية تقاسم الشرق العربي مع مارك سايكس، وأحد الذين ترأسوا المؤتمر السوري العام الذي اختلف مع فيصل الاول على سياسة المنطقة، وقد عمل محمد رشيد رضا باعترافه في كتابه على تعيين وزيرين من اشهر وزراء سورية في القرن الماضي وهما يوسف العظمة وعبد الرحمن الشهبندر، ومن كان هذا حجم تورطه في سياسة بلاده لن يتحدث عن علاقة العهر السياسي بتجارة بيع الجسد كي لا يصيبه من التهمة نصيب.
واكثر ما يغيظك في رحلتي الشيخ الى بلده، ومراتع مراهقته وصباه، قيامه بتحطيم رمز كبير من رموز سورية الوطنية، فهو يقلب قصة دفاع يوسف العظمة رأسا على عقب، وينكر الواقعة التي تؤكد ان يوسف العظمة استشهد على أبواب دمشق بعد ان خرج للقتال بعدة قديمة وعدد قليل لكي يسجل امام التاريخ ان الغزاة لم يدخلوا عاصمة الأمويين دون مقاومة.
المعلم الثالث يقلب هذه القصة تماما، ويزعم ان وزير دفاع سورية ـ آنذاك ـ حارب ليكفر عن تقصيره في اعداد الجيش، ولخطورة ذلك النص على صورة بطل وطني كيوسف العظمة نقتطف ما كتبه محمد رشيد رضا بقلمه عن تلك الشخصية، وعن ظروف خروجها للقتال في معركة ميسلون التي انتهت باحتلال دمشق. والشيخ الصريح لا يعترف فقط بأنه كان السبب في مقتل يوسف العظمة انما يضيف الى ذلك اعترافه الاخطر بوقوفه (الواقعي) ضد المقاومة وعدم مشاركته في الحث على الوقوف في وجه المستعمر الفرنسي.
«ولا بد لي من كتابة كلمة في هذه الخلاصة التاريخية بشأن يوسف بك العظمة، الذي كنت معجبا بما أوتي من الذكاء والنظام، والهمة والنشاط، والوطنية وحسن السلوك، منذ عرفته معتمدا للحكومة العربية في بيروت، الى ان عين وزيرا للحربية باقتراحي وسعيي مع بعض الاخوان، استبد يوسف بالعمل في وزارة الحربية، وكان يكتم اعماله حتى عن رئيس الوزارة، بل يعمي الامر إلا على الملك في ما اظن.
ولما اشتدت الازمة سألته هل هو مستعد للدفاع؟ قال: نعم اذا وافق الملك، واذا خالفناه نخشى ان يلجأ الى الاجانب، ولما عين ياسين باشا الهاشمي قائدا لموقع العاصمة عقب الانذار اظهر للوزارة ما فيها من النقص، أي على خلاف ما كان يقول يوسف ثم انه وافق الوزارة على قرار التسليم بما طلب غورو.
بعد هذا كله رأيته في بيت الملك مع الوزارة، فكلمته وحده كلاما شديدا، وذكرته ببعض كلامه، فقال ووجهه ممتقع كوجه الميت: انني مذنب واتحمل تبعة عملي، وكدت البارحة انتحر من الغم فلا تزد عليّ.
ولما خرج الى الدفاع بمن بقي معه من بقايا جيشه، تزين ولبس ملابسه الرسمية ووطن نفسه على الموت، فكان شرفه الذي امتاز به انه لم يقبل ان يعيش ذليلا، بل اراد ان يكفِّر بدمه عن ذنب التقصير المبني على الثقة والغرور.
كان فشل هذه المدافعة بخان ميسلون امرا جليا، لا يجهله مثله ولا مثلي ممن لا يعلم من الحرب شيئا، لذلك رغب اليّ الكثيرون ان اخطب في المتطوعين وفي بعض المساجد في الحث على الدفاع فامتنعت، كما ابيت مرارا ان اخطب في الاحتفالات السياسية، وقلت لبعض الخواص: انني لا اغش احدا، ولا استطيع ان اقول في هذا المقام ما اعتقد، لأنه يضر الآن ولا ينفع، وقد نصحت للعاملين في كل شيء في وقته فلم يفد».
* مناصب ورواتب
* ترى هل اخطأنا في فهم رواد حركة التنوير؟ وهل كان هؤلاء كما تدل عليهم نصوصهم مخلصين للمصلحة الفردية اكثر من حرصهم على مصلحة الجماعة؟ ولا اتهرب من الجواب ان قلت: لا ادري.. فالعمل السياسي عند هذه الفئة ملتبس ومختلط بالدور التقليدي لاصحاب العمائم والمفكرين الطموحين في عصور الثقافة الاسلامية كلها، فهؤلاء شرعيا مع اي سلطان (كي لا يخلو الزمان من سلطان) وتعاملهم مع الاجنبي ليس بدعة جديدة فقبل ان يقابل محمد رشيد رضا جورج بيكو والجنرال غورو في دمشق قابل قبله في المدينة ذاتها ابن خلدون السفاح التتري، وتعامل معظم المعممين في سورية الشمالية والجنوبية مع قادة الممالك والامارات المسيحية التي اقامها الصليبيون في المشرق وخصوصا في القدس وصور والكرك، وفي مصر سن أئمة الفاطميين لدى غروب دولتهم سنة التعامل مع الصليبيين ايضا، فالشيخ من خلال هذا الارث لا يجد نفسه متناقضا مع الدور التقليدي لشيوخ مهمتهم الاساسية الوعظ الديني لكنهم يتطفلون في الازمات فيتطلعون لدور سياسي، وهكذا ينطبق عليهم المثل الشعبي: جاء ليكحلها فعماها.
ما صحة هذا الموضوع؟ هذا الكلام منقول عن جريدة الشرق الاوسط جريدة العرب الدوليه

Mohammad
11-01-2009, 02:27 PM
ولقد كان الدور الذي حصل عليه محمد رشيد رضا كبيرا، وحرجا ففي مرحلة من المراحل اصطدمت مصالح فيصل الأول بمصالح احرار سورية، فقيدوا صلاحياته قبل ان يهرب الى العراق، وكان الشيخ وثيق الصلة بالمؤتمر السوري وبالملك وهذا ما جعله موزع الانتماء لكن ذلك لم يمنع من ان يترك لنا نصا جميلا عن ملك لا يكفيه مرتبه الذي خصصته له حكومة الاستقلال، ومن خلال ذلك النص ينتقد جبن المتسلطين، ونفاقهم لكل من هو اكبر منهم في المنصب.
يقول المعلم الثالث عن مرتب فيصل الاول: «ولم يكن للوزراء من الشجاعة الادبية والتكافل ما يؤهلهم لتقييدهم ـ كبار المسؤولين ـ وتعويدهم على الوقوف عند حدود سلطتهم الرسمية اذا كانوا هم قد اعتادوا في عهد الترك ان يميلوا مع اهواء الرؤساء والكبراء، ومع هذا امكن لحكومة الاستقلال ان تقيد الملك براتب محدود لم يكن راضيا به على كثرته، وكان يستهلك راتب كل شهر في أوله او قبل بدو هلاله، ويطلب من وزارة المالية سلفة بعد سلفة، فلا ينال كل ما يطلب، ولا اكثره بسهولة..»!!.
وسقى الله تلك الايام التي لم تكن فيها وزارات المالية وثروات الاوطان مباحة لكبار المسؤولين، فهي تدل على اننا بدأنا بداية صحيحة لكن عجزنا لاحقا عن احداث التراكم ومواصلة مشوار النزاهة السياسية الى اقصاه.
ويزعم محمد رشيد رضا انه قال لفيصل الاول بعد خلافه مع المؤتمر السوري العام: انت لم توجد المؤتمر بل هو الذي اوجدك فقد كنت قبله مجرد قائد منطقة لجيش انجليزي تتبع اللورد اللنبي فجعلك المؤتمر ملكا على سورية».
ولا يمكن التأكد من صدق اقوال تقال بعد وفاة خصوم اصحابها لكن المؤكد ان عواطف المعلم الثالث لم تكن مع الهاشميين، فرأيه فيهم ليس على ما يرام، ولولا الخوف من سوء التأويل في هذه الظروف الملتبسة لعرضناه بالتفصيل فهو من الآراء المقنعة والموثقة.
ان محمد رشيد رضا لم يكن ثائرا كالمعلم الاول الافغاني، ولا مفكرا عميق الغور كالمعلم الثاني محمد عبده انما كان تلميذا نجيبا لمؤسسة الاصلاح الديني التقليدية التي تستخدم الذكاء وليس السلاح في المجابهة، ومن حبه لذلك التيار يسجل آيات اعجابه بدرويش افندي رجل طرابلس الكبير الذي اعجب به الوالي مدحت باشا ايما اعجاب واراد توريطه في الشراب ليكون نديمه فقال له ذات يوم وهما في منتزه بركة البداوي بطرابلس: خذ هذا الكأس ولنشربها على اسم مولانا السلطان المعظم، فقال درويش افندي بداهة.. كأس من يد أفندينا مدحت باشا باسم مولانا المعظم السلطان امير المؤمنين لا ينبغي ان تصب في الجوف وتخالط القذر بل مكانها الرأس، قالها درويش افندي وصب الكأس على عمامته البيضاء، فأعجب به مدحت باشا وزادت كرامته عنده وهذا النوع من الورع افضل طبعا من اسلوب المنافقين الذين لا يتورعون في سبيل السلطة عن فعل أي شيء.
ان من يتربى على هذا الاسلوب من البعد عن المحرمات يستطيع ان يرى الصلة بين العهر السياسي للدولة وتجارة بيع الجسد التقليدية عند النساء والرؤية هنا مشروطة بألا ينغمس بالعمل السياسي كفريق تصبح عنده مكاسب يدفعه الحفاظ عليها الى تقديم تنازلات كثيرة، ولربما لهذا السبب بالذات لم يتمكن المعلم الثالث من رسم تلك العلاقة بين العهرين.
ومن اراد ان يقول ما اشبه اليوم بالبارحة فليفعل فالشيخ رضا يحكي عن سرقة دفتر نفقات الدولة وتسليمه للفرنسيين ليعرفوا من يصرف على المقاومة ومن يقبض باسمها وفي الرحلتين عدة اخبار عن «جمعية الجامعة العربية» التي أسسها المعلم الثالث وكان لها قسم سري يقسمه الزعماء وهذا قبل ان تصبح علنية وقبل ربع قرن من تأسيسها رسميا بنصيحة بريطانية. ان كتابة التاريخ الرسمي استنادا الى رحلات المعلم الثالث عملية محفوفة بالمخاطر فهو وفي كل حدث يضع نفسه قبل الجميع ودائما بعد الملك مباشرة وهذا يتنافى مع ما سجله المؤرخون الرسميون وغير الرسميين عن تلك المرحلة، لذا يصبح من صالح قراء ادب الرحلات ان يستمتعوا بالجانب الاجتماعي من رحلتي الشيخ الى بلده ورجوعه الى مراتع صباه، وألا ينظروا اليه كشاهد عيان على ذلك العصر، فشهاداته مخلوطة بالنرجسية التي تعيق رؤية الحدث على حقيقته، وتبهره ـ من البهار ـ بالكثير من الاستطرادات الذاتية المألوفة عند اصحاب العمائم في مختلف الازمنة والامكنة، فلهذه النخبة الفاضلة اسلوب متشابه في السرد والرواية لم تبدله الايام، فباستثناء التخلي عن سجع القرون المتأخرة ظل ذلك الاسلوب موحد الروح والمحتوى بتحويرات طفيفة تقتضيها مستجدات الحقب والعصور.ما صحة هذا الموضوع؟ هذا الكلام منقول عن جريدة الشرق الاوسط جريدة العرب الدوليه

Mohammad
11-01-2009, 05:36 PM
محمد رشيد رضا

بدايته شاذلية



محمد رشيد رضا

هو محمد رشيد بن علي رضا بن شمس الدين بن بهاء الدين القلموني الحسيني .. يرجع نسبه لآل البيت .. ولد في 27/5/1282هـ في قرية قلمون جنوب طرابلس الشام .. بدأ طلب العلم بحفظ القرآن والخط والحساب .. ثم درس في مدرسة "الرشدية" وكان التعليم بها بالتركية ، ولكن ما لبث أن تركها بعد سنة ليلتحق بالمدرسة الوطنية الإسلامية التي أسسها ويدرس بها شيخه حسين الجسر ، ودرس بها سبعة سنوات أثرت وغيرت في مجرى حياته .. وبدأت مرحلة تصوفه ..
بدايته شاذليــة:
لقد بدأ تصوف رشيد حين كان يقرؤه شيخه حسين الجسر بعض كتب الصوفيـة ومنها بعض الفصول من الفتوحات المكية ، وفصول من الفارياق ...
وقد كان يقرأ ورد السحر ؛ وعندما يبلغ البيت التالي:


ودموع العين تسابقني من خوفك تجري
كان يمتنع عن قراءته،لأن دموعه لم تكن تجري،فكان امتناعه عن قراءة البيت حياءً من الله أن يكذب عليه .. وبعد أن تضلع بالعلم وأصول الدين أدرك أن قراءة هذا الورد من البدع .. فتركه وانصرف إلى تلاوة القرآن.
ودرس على شيخه أبي المحاسن القاوقجي ونال الإجازة في كتاب دلائل الخيرات .. ثم بان له أن هذا الكتاب أغلبه أكاذيب على النبي صلى الله عليه وسلم فتركه .. وأقبل على قراءة أذكار وأوراد في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثابتة.
سلوكه الطريقة النقشبنديــة:
يذكر رشيد في هذا المجال أن الذي حبب إليه التصوف هو كتاب "إحياء علوم الدين للغزالي" ..
ثم طلب من شيخه الشاذلي محمد القاوقجي أن يسلكه الطريقة الشاذلية الصورية فاعتذر الشيخ وقال: يا بني إنني لست أهلاً لما تطلبه فهذا بساط قد طوي وانقرض أهله .
ثم يذكر رشيد أن صديقه محمد الحسيني قد ظفر بصوفي خفي من النقشبندية يرى أنه وصل إلى مرتبة المرشد الكامل .. فسلك رشيد طريقة النقشبندية على يديه وقطع أشواطاً كبيرة فيها ، ثم يقول: "ورأيت في أثناء ذلك كثيراً من الأمور الروحيـة الخارقة للعادة كنت أتأول الكثير منها عجزت عن تأويل بعضها" ثم يقول: "ولكن هذه الثمرات الذوقية غير الطبيعية لا تدل على أن جميع وسائلها مشروعة أو تبيح ما كان منها بدعة كما حققت ذلك بعد"
ويصف رشيد الورد اليومي في طريقة النقشبندية بأنه ذكر اسم الجلالة (الله) بالقلب دون اللسان خمسة آلاف مرة مع تغميض العينين وحبس النفس بقدر الطاقة وربط القلب بقلب الشيخ. ثم يذكر أن هذا الورد بدعة كما تبين له بعد ذلك ؛ بل يصل إلى الشرك الخفي حين يربط الشخص قلبه بقلب شيخه فإنه مقتضى التوحيد أن يتوجه العبد في كل عبادته إلى الله وحده حنيفاً مسلماً له الدين.
وذكر أموراً كثيرة ..
يقول عن هذه التجربة الصوفيــة:
((وجملة القول أنني كنت أعتقد أن سلوك طريقة المعرفة وتهذيب النفس والوقوف على أسرارها جائز شرعاً لا حظر فيه ، وأنه نافع يرجى به معرفة الله ما لا يوصل إليه بدونه))
هدايتـــه من الصوفية إلى السلفيــة:
يعبر عن هذه التجربــة الصوفيــة بعد سنوات طويلة جداً في التصوف:
" إنني قد سلكت الطريقة النقشبنديــة ، وعرفت الخفي والأخفى من لطائفها وأسرارها ، وخضت بحر التصوف ورأيت ما استقر باطنه من الدرر ، وما تقذف أمواجه من الجيف ، ثم انتهيت إلى مذهــــب السلــــف الصالحين ، وعلمت أن كل ما خالفه فهو ضلال مبين"
وقد تأثر بمجلة العروة الوثقى ومقالات العلماء والأدباء .. فتأثر بالأفغاني ومحمد عبده .. وتأثر بشدة وأصبح شيخه الذي حرك عقله وفكره لنبذ البدع والجمع بين العلوم الدينية والعصرية والسعي لتمكين الأمة .. ثم تأثر بشدة بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب –رحمهم الله تعالى- .. لقد أحدثت له حركة ونشاطاً بدل الخمول وغيبة الوعي والانغماس في البدع والضلال كما في الصوفية ..
إنكاره على أهل الطرق الصوفية:
أول حادثة قام بها علناً منكراً سلوك الطرق الصوفيـة .. ذات يوم وبعد صلاة الجمعة أقام أهل إحدى الطرق الصوفية ما يسميه رشيد "مقابلة المولوية" ويقول رشيد في ذلك: "حتى إذا ما آن وقت المقابلة تراءى أما دراويش المولوية قد اجتمعوا في مجلسهم تجاه إيوان بالنظارة ، وفي صدره شيخهم الرسمي ، وإذا بغلمان منهم مرد حسان الوجوه يلبسون غلائل بيض ناصعة كجلابيب العرائس ، يرقصون بها على نغمات الناي المشجية ، يدورون دوراناً فنياً سريعاً تنفرج به غلائلهم فتكوّن دوائر متقاربة ، على أبعاد متناسبة لا يبغي بعضها على بعض ، ويمدون سواعدهم ، ويميلون أعناقهم ، ويمرون واحداً بعد آخر أمام شيخهم فيركعون"
أزعج هذا المنظر رشيد رضا وآلمه أن تصل حالة المسلمين إلى هذا المستوى من البدع والخرافات والتلاعب في عقائد الناس وعقولهم. وكان الذي آلمه كثيراً هو أن هؤلاء بألاعيبهم البدعية قد اعتبروا أنفسهم في عبادة يتقربون بها إلى الله سبحانه وتعالى ؛ بل يعتبرون سماع ومشاهدة ذلك عبادة مشروعة ولهذا لم يترك رشيد هذه الحادثة تمر دون أن يقوم بواجبه الإصلاحي الذي استقاه من قراءته دراسة بمدرسته السلفية التي يدرسها من خلال مجلاتها وكتبها .. فقام حيث قال: "قلتُ: ما هذا؟! قيل: هذا ذكر طريقة مولانا جلال الدين الرومي صاحب المثنوي الشريف ، لم أملك نفسي أن وقفت في بهوة النظارة وصحت بأعلى صوتي بما معناه أيها الناس والمسلمون إن هذا منكر لا يجوز النظر إليه ولا السكوت عنه لأنه إقرار له وإنه يصدق عليه مقترفيه قوله تعالى: {اتخذوا دينهم هزواً ولعباً} وأنني قد أديت الواجب عليّ فاخرجوا رحمكم الله" ثم خرج رشيد مسرعاً إلى المدينـة .. وكانت لصيحته السلفية هذه أن اتبعه عدد قليل إلا أن صيحته لاقت صدى في مجتمعات الناي بين مؤيد ومعارض ..
ورغم كثرة من عارضه وأنكر عليه من مشايخ الصوفية فقد صمم أن يسير في طريقه نحو إصلاح مجتمعه من هذه الضلالات والبدع. ومن الغريب في الأمر أن ممن أنكر عليه شيخه الشاذلي حسين الجسر فقد كان رأيه ألا يتعرض لأصحاب الطرق الصوفية وبدعهم لا من قريب ولا من بعيد وقال لرشيد: إني أنصحك لك أن تكف عن أهل الطريقة. فرد عليه رشيد منكراً: "هل لأهل الطريقة أحكام شرعية غير الأحكام العامة لجميع المسلمين؟
فقال: لا ؛ ولكن لهؤلاء نية غير نية سائر الناس ووجهة غير وجهتهم وسأل الجسر رشيد: لماذا يقصر إنكارك على أهل الطريق دون أهل اللهو والفســاد. فرد عليه رشيد قائلاً: إن أهل الطريق ذنبهم أكبر من أهل اللهو لأنهم جعلوا سماع المنكر ورقص الحسـان عبادة مشروعة فشرعوا لأنفسهم من الدين ما لم يأذن به الله على أني لم أر منكراً آخر ولم أنكره.
ومع قوة حجة رشيد على أستاذه إلا أن شيخه تمسك برأيه لأن له حضرة ووجاهة!!
وبقي الخلاف بينهما ، واشتد بعد هجرة رشيد لمصر وإنكاره الشديد على أهل الطرق الصوفية في مجلة المنار ، بعد أن رأى طرق الصوفية بمصر والبدع الكبيرة هناك وما يحصل في الموالد ، وقد رد الجسر على رشيد ، ورد رشيد على الجسر في مجلته.
وقد قام على القبوريين من الصوفية وغيرهم بعد استفادته من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم إضافة إلى كتاب ابن حجر(الزواجر عن اقتراف الكبائر) .. وقد اطلع على كتاب للألوسي (جلاء العينين في محاكمة الأحمدين) فكان من أسباب تبصره بخلل الصوفية ، ونقاء دعوة شيخ الإسلام .. وأن كلام الهيثمي وغيره لم يأت إلا من هوى وهوس الصوفية!!

Mohammad
11-01-2009, 05:38 PM
http://www.alsoufia.com/articles.aspx?id=1035&page_id=0&page_size=15&links=False

Mohammad
11-01-2009, 06:02 PM
http://www.damasgate.com/vb/t114730.html

Mohammad
12-01-2009, 12:33 PM
http://asharqalawsat.com/leader.asp?section=3&article=439505&issueno=10535