المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : غزّة بقلم محمود درويش!



أمّ البراء
10-01-2009, 12:11 PM
تحيط خاصرتها بالألغام... وتنفجر... لا هو موت ... ولا هو انتحار.... إنّه أسلوب غزّة في إعلان جدارتها بالحياة...

منذ أربع سنوات ولحم غزّة يتطاير شظايا قذائف... لا هو سحر ... ولا هي أعجوبة... إنّه سلاح غزّة في الدّفاع عن بقائها وفي استنزاف العدوّ....

ومنذ أربع سنوات والعدوّ مبتهج بأحلامه ... مفتون بمغازلة الزّمن ... إلّا في غزّة لأنّ غزّة بعيدة عن أقاربها ولصيقة بالأعداء .... لأنّ غزّة جزيرة كلّما انفجرت ولا تكفّ عن الانفجار خنشت وجه العدوّ وكسرت أحلامه وصدّته عن الرّضا بالزّمن .

لأنّ الزّمن في غزّة شيء آخر... لأنّ الزّمن في غزّة ليس عنصرا محايدا ... إنّه لا يدفع النّاس إلى برودة التّأمّل ... ولكنّه يدفعهم إلى الانفجار والارتطام بالحقيقة ....

الزّمن هناك لا يأخذ الأطفال من الطّفولة إلى الشّيخوخة ... ولكنّه يجعلهم رجالا في أوّل لقاء مع العدوّ ...

ليس الزّمن في غزّة استرخاء ... ولكنّه اقتحام للظّهيرة المشتعلة ... لأنّ تالقيم في غزّة تختلف... تختلف ... تختلف ... القيمة الوحيدة للإنسان المحتلّ هي مدى مقاومته للاحتلال ... هذه هي المنافسة الوحيدة هناك ....

أمّ البراء
10-01-2009, 12:22 PM
وغزّة أدمنت معرفة هذه القيمة النّبيلة القاسية ...لم تتعلّمها من الكتب ولا من الدّورات الدّراسيّة العاجلة ... ولا من أبواق الدّعاية العالية الصّوت ولا من الأناشيد ... لقد تعلّمتها بالتّجربة وحدها وبالعمل الذي لا يكون إلّا من أجل الإعلان والصّورة...

إنّ غزّة لا تنباهي بأسلحتها وثوريّتها وميزانيّتها ... إنّها تقدّم لحمها المرّ وتتصرّف بإرادتها وتسكب دمها ....

وغزّة لا تتقن الخطابة ... ليس لغزّة حنجرة ... مسام جلدها هي التي تتكلّم عرقا ... ودما ... وحلرائق ...

من هنا يكرهها العدوّ حتّى القتل ... ويخافها حتّى الجريمة .... ويسعى إلى إغراقها في البحر أو في الصّحراء أو في الدّم ....
من هنا يحبّها أقاربها وأصدقاؤها على استحياء يصل إلى الغيرة والخوف أحيانا ... لأنّ غزّة هي الدّرس الوحشيّ والنّموذج المشرق للأعداء والأصدقاء على السّواء ...

المهند
08-05-2009, 06:58 PM
يا سلام..أستاذ يا محمود درويش..استاذ استاذ حتى الجنون..شكرا لهذا الموضوع الجميل..

haitham
08-05-2009, 07:40 PM
ما أروع ما كتبتي لنا

طرح أكثر من رائع فى فكرته ومضمونه

دمتى ودام ابداعك

وإلى التقدم المستمر