وسيم أحمد الفلو
17-01-2009, 04:06 PM
غسان ريفي-السفير
طرابلس :
يستقبلك المكان بالعطور والألوان وخصوصاً بالهندسة المعمارية العتيقة. هندسة تعود إلى ما قبل سبعمئة عام من اليوم. هناك تشعر كأن من يفتح البوابة القديمة لخان الصابون في طرابلس إنما يفتح صفحة من صفحات التاريخ الإسلامي المعشش بغنى في ثنايا الفيحاء.
هناك يصمد الباب الخشبي الكبير بالقرب من سوق الذهب بمحاله البراقة بين العقد القديمة. ومن البوابة الضخمة التي تحتاج لثلاثة رجال لـ»زحزحتها« إلى البركة الحجرية فالقناطر والقبب التي تزنر الخان والغرف ذات العقود الأثرية.. أنت الآن في قلب فوح الياسمين والغاردينيا والورد والصنوبر... بالقرب منك صابونة العروس في ليلتها الأولى، وليس بعيداً عنها »قرينتها« للرجال.. وفي الصدر تتربع مجموعة من الصابون الطبي »للروماتيزم.. للحساسية الجلدية.. ولإزالة التشنجات.. أما المساحة الأوسع فلجمالية برش الصابون وعطوره وللألوان التي خرجت بالصابون من وظيفته التنظيفية الضرورية التقليدية إلى كمالية الاقتناء.
أما في الداخل فخلية نحل، الكل مشغول بمهامه من طبخ الزيوت إلى صناعة الأشكال المتنوعة فالتنسيق والتوضيب والعرض للفت أنظار الزبائن من السياح العرب والأجانب الذين يشكل خان الصابون لهم محطة أساسية لشراء الأنواع العطرة والطبية والمتخصصة ضد الحساسية وإزالة القشرة، فضلا عن تلك المتعلقة بإراحة الأعصاب.. وغيرها. وتتنوع وظيفة المنتجات وعروضاتها لتجعل الطلب على الصابون البلدي المعطر يتزايد بشكل يساهم في إنعاش هذه المهنة التي تخطت الحدود اللبنانية إلى كثير من البلدان العربية والأجنبية وصولا إلى أميركا والبرازيل، وأضحت مهنة الصابون الطرابلسي تفتح المجال أمام كثير من شبان المدينة لإيجاد فرص عمل تلبي طموحاتهم.
أما بالنسبة للأسعار فتفرضها نوعية الصابون والمادة المصنوعة منه وتوفرها وسهولة الحصول عليها، فضلا عن العرض والطلب وكيفية تسويق بعض الأنواع لا سيما تلك المتعلقة بالأمور الطبية.
لا يوجد تأريخ لصناعة الصابون في طرابلس. ثمة محطات في عهود ماضية عرفت فيها الصناعة ازدهارا ورواجا واسعين انطلاقا من مدينة العلم والعلماء وصولا الى كل ما كان يعرف بالساحل الشامي من صيدا وصور ونابلس واللاذقية وطرطوس وغيرها.
يقول بعض المؤرخين ان صناعة الصابون بدأت تظهر وتنتشر في العهد الصليبي حيث تحولت طرابلس الى سوق يقصده الأمراء الأوروبيون الذين تعرفوا الى منتج المدينة الجديد العَطِر وبعض فوائده العلاجية من خلاصة الاعشاب التي كانت تستخدم في معالجة الأمراض الجلدية.
ومع بداية العهد المملوكي، أدرك سلاطين المماليك اهمية صناعة الصابون، فعملوا على تبنيها، وخصّوها بخان، عرف بخان الصابون الذي تحول الى مركز استقطاب للتجار الاوروبيين والعرب الذين كانوا ينقلون الصابون المعطر والطبي كهدايا الى بلادهم.
وما ساهم في تطوير الصناعة إنشاء المماليك لسوق العطارين التي لم يكن دورها يقتصر على التجارة فقط، بل تحولت الى تجمع لعيادات طبية يشغلها حكماء وخبراء كان بعضهم يشرف على صناعة أنواع من الصابون الطبي عبر إدخال مختلف الادوية إليه، الامر الذي جعل من طرابلس مركزا أساسيا لتجارة الصابون، حيث يشير البعض الى أن كثيرا من الثروات التي جمعت من قبل أبناء المدينة التقليديين كانت من جرءا هذه الصناعة.
لكن الوضع لم يبق على ما هو عليه، حيث بدأت صناعة الصابون تشهد تراجعا مع الحرمان الذي بدأ يلحق بطرابلس، ومع انتشار مصانع الصابون الصناعي ووقف اعمال التصدير، ولجوء كثير من اصحابها الى تجارة بديلة نتيجة الحرب الاهلية والاوضاع الاقتصادية الضاغطة التي رافقتها، وغياب الدعم الرسمي، خرجت صناعة الصابون من خان الصابون الذي اجتاحه الاهمال الى محلة الزاهرية وبعض الأسواق الداخلية القديمة حيث اقتصرت على عدد قليل من التجار.
وفي بداية التسعينيات، ومع قيام بلدية طرابلس بالتعاون مع الجيش اللبناني بتنظيف المواقع الأثرية ومن بينها خان الصابون، اعيد إحياء هذه الصناعة ضمن الخان عبر مؤسسة خان الصابون التي يشرف عليها بدر حسون الذي أجرى سلسلة من الأبحاث الكيميائية العلمية بالتعاون مع عدد من الخبراء. وابتكر الخان بحلته الحديثة خلطات جديدة من مختلف الاعشاب والزيوت والعطور والادوية وحولها الى مكعبات وأشكال متعددة من الصابون لاستخدامات مختلفة. ولم يقتصر الامر على ذلك، بل جرى العمل على وضع خطة تسويقية حول فوائد الصابون البلدي ومن ضمنها لمحات تاريخية عن هذه الصناعة في طرابلس والمراحل التي مرت بها. ولم تقتصر المساعي التسويقية على التقليدية بل جرى إيصال صابون طرابلس الى مختلف انحاء العالم من خلال موقع الكتروني على شبكة الانترنت، فضلا عن تصديره الى اكثر من خمسين دولة عربية وأجنبية.
ولا شك في ان النشاط الذي عاد واستجد في خان الصابون والرواج العالمي الذي حققه، شجع كثير من أبناء طرابلس ممن كانت عائلاتهم تشتهر بصناعة الصابون الى إحيائها من جديد، فانتشرت في خان المصريين وفي عدد من الأسواق القديمة، ما ساهم في إعادة العصر الذهبي لها، وخصوصا لجهة التصدير الى الخارج وعامل الجذب الذي يشكله الصابون الطبي والمعطر للسياح العرب والاجانب الذين يدأبون على زيارة طرابلس لشراء الصابون منها.
ويشير أصحاب هذه المهنة الى أن صناعة الصابون لم تعد صناعة تقليدية بل تحولت الى صناعة كيميائية وطبية تعتمد على الأبحاث العلمية التي تتطلب خبراء في هذا المجال، مؤكدين أن جودة هذه الصناعة هي التي تجعل منها سفيرا لطرابلس في اكثرية بلدان العالم، حيث ان الطلب يتزايد عليها يوما بعد يوم، خصوصا مع اكتشاف ما تتضمنه من مواد وعطورات وزيوت.
ويقول شاغل خان الصابون بدر حسون لـ»السفير«: »ان صناعة الصابون تحتاج إلى اطلاع واسع على أنواع الزيوت والعطور والزهر وتأثيراتها على الجسم البشري وما تحققه من فوائد«.
ويعود القيمون على صناعة الصابون في الخان وفق حسون »الى كثير من الروايات والتجارب القديمة حول الطب والتداوي بالاعشاب، وهناك رواية تقول ان أبا الطب أبوقراط كان يداوي الأشخاص الذين يعانون من العصبية او الهستيريا بالياسمين، ولدينا اليوم صابون بزيت الياسمين لتهدئة الأعصاب والتخفيف من التشنجات، فضلا عن اعتماد التجارب الصينية واليابانية وغيرها، وهذا ما يعطي صناعتنا الجودة المطلوبة، ويرفع من شأن طرابلس التي عادت لتحتل موقعها المتقدم بين المدن العربية عبر هذه الصناعة التي باتت تنتشر باسمها في كل البلدان«.
ولا يخفي العاملون في حقل صناعة الصابون عتبهم الشديد على الدولة اللبنانية التي لا تحرك ساكنا تجاه هذه الصناعة التي تجتاح العالم، مشيرا الى أن بعض الوزارات المعنية تشد الخناق عليها لجهة عدم حمايتها، عبر فرض المزيد من الرسوم والضرائب، في ظل غياب كامل لاي دعم. ويعتبر هؤلاء أن الدولة بذلك كأنها تدفع أصحاب هذه الصناعة للاستغناء عنها أو نقلها الى بلد آخر يقدر هذه المهنة واصحابها.
طرابلس :
يستقبلك المكان بالعطور والألوان وخصوصاً بالهندسة المعمارية العتيقة. هندسة تعود إلى ما قبل سبعمئة عام من اليوم. هناك تشعر كأن من يفتح البوابة القديمة لخان الصابون في طرابلس إنما يفتح صفحة من صفحات التاريخ الإسلامي المعشش بغنى في ثنايا الفيحاء.
هناك يصمد الباب الخشبي الكبير بالقرب من سوق الذهب بمحاله البراقة بين العقد القديمة. ومن البوابة الضخمة التي تحتاج لثلاثة رجال لـ»زحزحتها« إلى البركة الحجرية فالقناطر والقبب التي تزنر الخان والغرف ذات العقود الأثرية.. أنت الآن في قلب فوح الياسمين والغاردينيا والورد والصنوبر... بالقرب منك صابونة العروس في ليلتها الأولى، وليس بعيداً عنها »قرينتها« للرجال.. وفي الصدر تتربع مجموعة من الصابون الطبي »للروماتيزم.. للحساسية الجلدية.. ولإزالة التشنجات.. أما المساحة الأوسع فلجمالية برش الصابون وعطوره وللألوان التي خرجت بالصابون من وظيفته التنظيفية الضرورية التقليدية إلى كمالية الاقتناء.
أما في الداخل فخلية نحل، الكل مشغول بمهامه من طبخ الزيوت إلى صناعة الأشكال المتنوعة فالتنسيق والتوضيب والعرض للفت أنظار الزبائن من السياح العرب والأجانب الذين يشكل خان الصابون لهم محطة أساسية لشراء الأنواع العطرة والطبية والمتخصصة ضد الحساسية وإزالة القشرة، فضلا عن تلك المتعلقة بإراحة الأعصاب.. وغيرها. وتتنوع وظيفة المنتجات وعروضاتها لتجعل الطلب على الصابون البلدي المعطر يتزايد بشكل يساهم في إنعاش هذه المهنة التي تخطت الحدود اللبنانية إلى كثير من البلدان العربية والأجنبية وصولا إلى أميركا والبرازيل، وأضحت مهنة الصابون الطرابلسي تفتح المجال أمام كثير من شبان المدينة لإيجاد فرص عمل تلبي طموحاتهم.
أما بالنسبة للأسعار فتفرضها نوعية الصابون والمادة المصنوعة منه وتوفرها وسهولة الحصول عليها، فضلا عن العرض والطلب وكيفية تسويق بعض الأنواع لا سيما تلك المتعلقة بالأمور الطبية.
لا يوجد تأريخ لصناعة الصابون في طرابلس. ثمة محطات في عهود ماضية عرفت فيها الصناعة ازدهارا ورواجا واسعين انطلاقا من مدينة العلم والعلماء وصولا الى كل ما كان يعرف بالساحل الشامي من صيدا وصور ونابلس واللاذقية وطرطوس وغيرها.
يقول بعض المؤرخين ان صناعة الصابون بدأت تظهر وتنتشر في العهد الصليبي حيث تحولت طرابلس الى سوق يقصده الأمراء الأوروبيون الذين تعرفوا الى منتج المدينة الجديد العَطِر وبعض فوائده العلاجية من خلاصة الاعشاب التي كانت تستخدم في معالجة الأمراض الجلدية.
ومع بداية العهد المملوكي، أدرك سلاطين المماليك اهمية صناعة الصابون، فعملوا على تبنيها، وخصّوها بخان، عرف بخان الصابون الذي تحول الى مركز استقطاب للتجار الاوروبيين والعرب الذين كانوا ينقلون الصابون المعطر والطبي كهدايا الى بلادهم.
وما ساهم في تطوير الصناعة إنشاء المماليك لسوق العطارين التي لم يكن دورها يقتصر على التجارة فقط، بل تحولت الى تجمع لعيادات طبية يشغلها حكماء وخبراء كان بعضهم يشرف على صناعة أنواع من الصابون الطبي عبر إدخال مختلف الادوية إليه، الامر الذي جعل من طرابلس مركزا أساسيا لتجارة الصابون، حيث يشير البعض الى أن كثيرا من الثروات التي جمعت من قبل أبناء المدينة التقليديين كانت من جرءا هذه الصناعة.
لكن الوضع لم يبق على ما هو عليه، حيث بدأت صناعة الصابون تشهد تراجعا مع الحرمان الذي بدأ يلحق بطرابلس، ومع انتشار مصانع الصابون الصناعي ووقف اعمال التصدير، ولجوء كثير من اصحابها الى تجارة بديلة نتيجة الحرب الاهلية والاوضاع الاقتصادية الضاغطة التي رافقتها، وغياب الدعم الرسمي، خرجت صناعة الصابون من خان الصابون الذي اجتاحه الاهمال الى محلة الزاهرية وبعض الأسواق الداخلية القديمة حيث اقتصرت على عدد قليل من التجار.
وفي بداية التسعينيات، ومع قيام بلدية طرابلس بالتعاون مع الجيش اللبناني بتنظيف المواقع الأثرية ومن بينها خان الصابون، اعيد إحياء هذه الصناعة ضمن الخان عبر مؤسسة خان الصابون التي يشرف عليها بدر حسون الذي أجرى سلسلة من الأبحاث الكيميائية العلمية بالتعاون مع عدد من الخبراء. وابتكر الخان بحلته الحديثة خلطات جديدة من مختلف الاعشاب والزيوت والعطور والادوية وحولها الى مكعبات وأشكال متعددة من الصابون لاستخدامات مختلفة. ولم يقتصر الامر على ذلك، بل جرى العمل على وضع خطة تسويقية حول فوائد الصابون البلدي ومن ضمنها لمحات تاريخية عن هذه الصناعة في طرابلس والمراحل التي مرت بها. ولم تقتصر المساعي التسويقية على التقليدية بل جرى إيصال صابون طرابلس الى مختلف انحاء العالم من خلال موقع الكتروني على شبكة الانترنت، فضلا عن تصديره الى اكثر من خمسين دولة عربية وأجنبية.
ولا شك في ان النشاط الذي عاد واستجد في خان الصابون والرواج العالمي الذي حققه، شجع كثير من أبناء طرابلس ممن كانت عائلاتهم تشتهر بصناعة الصابون الى إحيائها من جديد، فانتشرت في خان المصريين وفي عدد من الأسواق القديمة، ما ساهم في إعادة العصر الذهبي لها، وخصوصا لجهة التصدير الى الخارج وعامل الجذب الذي يشكله الصابون الطبي والمعطر للسياح العرب والاجانب الذين يدأبون على زيارة طرابلس لشراء الصابون منها.
ويشير أصحاب هذه المهنة الى أن صناعة الصابون لم تعد صناعة تقليدية بل تحولت الى صناعة كيميائية وطبية تعتمد على الأبحاث العلمية التي تتطلب خبراء في هذا المجال، مؤكدين أن جودة هذه الصناعة هي التي تجعل منها سفيرا لطرابلس في اكثرية بلدان العالم، حيث ان الطلب يتزايد عليها يوما بعد يوم، خصوصا مع اكتشاف ما تتضمنه من مواد وعطورات وزيوت.
ويقول شاغل خان الصابون بدر حسون لـ»السفير«: »ان صناعة الصابون تحتاج إلى اطلاع واسع على أنواع الزيوت والعطور والزهر وتأثيراتها على الجسم البشري وما تحققه من فوائد«.
ويعود القيمون على صناعة الصابون في الخان وفق حسون »الى كثير من الروايات والتجارب القديمة حول الطب والتداوي بالاعشاب، وهناك رواية تقول ان أبا الطب أبوقراط كان يداوي الأشخاص الذين يعانون من العصبية او الهستيريا بالياسمين، ولدينا اليوم صابون بزيت الياسمين لتهدئة الأعصاب والتخفيف من التشنجات، فضلا عن اعتماد التجارب الصينية واليابانية وغيرها، وهذا ما يعطي صناعتنا الجودة المطلوبة، ويرفع من شأن طرابلس التي عادت لتحتل موقعها المتقدم بين المدن العربية عبر هذه الصناعة التي باتت تنتشر باسمها في كل البلدان«.
ولا يخفي العاملون في حقل صناعة الصابون عتبهم الشديد على الدولة اللبنانية التي لا تحرك ساكنا تجاه هذه الصناعة التي تجتاح العالم، مشيرا الى أن بعض الوزارات المعنية تشد الخناق عليها لجهة عدم حمايتها، عبر فرض المزيد من الرسوم والضرائب، في ظل غياب كامل لاي دعم. ويعتبر هؤلاء أن الدولة بذلك كأنها تدفع أصحاب هذه الصناعة للاستغناء عنها أو نقلها الى بلد آخر يقدر هذه المهنة واصحابها.