تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : هل انحسر الإلحاد في العالم؟



وسيم أحمد الفلو
03-03-2009, 02:30 PM
جيروم شاهين - المستقبل

هل القرن الواحد والعشرون هو قرن العودة إلى التديّن؟
هذا ما تنبأ به، في العام 1955، الأديب الفرنسي اندريه مالرو والذي كان وزيراً للثقافة في عهد الرئيس الراحل شارل ديغول.
وراح هذا القول يتردد كثيراً في أوساط المفكرين ولاسيما في أوروبا حيث ان العودة إلى التديّن تعني الغرب أكثر مما تعني بلدان العالم الثالث، ولا سيما البلدان العربية والإسلامية. هذا، وقد ذهب بعضهم، أمثال هانتنغتون، أبعد من ذلك حيث توقع أن يكون القرن الواحد والعشرون قرن صراع الحضارات، أي الأديان، لأنه جعل من الدين المكوّن الأساسي للحضارة.
فالسؤال الذي نطرحه هو التالي: هل انحسر فعلاً الإلحاد راهناً في عالمنا، وهل ازداد فعلاً التديّن؟
بداية، لا بد من إلقاء نظرة على حال الإلحاد ما قبل هذا القرن. الإلحاد له تاريخ طويل. إلا أن معالمه الواضحة برزت في عصر الأنوار الأوروبي حيث تفاقم الصراع، من جهة، ما بين السلطة الكنسية والسلطة المدنية، ومن جهة اخرى، ما بين الثقافة الدينية والثقافة العلمانية. وانتهى الصراع باستقلال الثقافة العلمانية عن الثقافة الدينية، وسياسياً، "تعلمن" المجتمع بفصل الشأن الديني عن الشأن السياسي وانزواء العالم الديني إلى حصن الذاتية والفردانية والحياة الشخصية.
ومع بروز التعددية الدينية، وبالأخص مع بروز شرعية الخيار في الانتماء الديني، وشرعية اللاإيمان، في الله، انتعش الإلحاد، في القرن التاسع عشر، لا بل انتقل من حيّز الممارسة الشخصية والفردية إلى حيّز التنظير الفلسفي والفكري المبني على المنطق والعلم والموضوعية. وظهرت مدارس فكرية تأسست على فكرة الإلحاد والإيمان بالإنسان كمطلق وحيد. وأعلنت استقلالها عن فكرة وجود الخالق الأعظم.
ومن أبرز المفكرين الذين نادوا بالإلحاد، نذكر: الفيلسوف الالماني آرثر شوبنهاور الذي رأى "ان الدين هو من صنيعة البشر، ابتكروه لتفسير ما هو مجهول لديهم من ظواهر طبيعية أو نفسية أو اجتماعية. وجاءت نظرية تشارلز داروين في النشوء والارتقاء لتناقض نظرية نشوء الكون كما أتت في الكتاب المقدس. أما لودفيغ فويرباخ، الفيلسوف الالماني البروتستانتي، فقد قدم نظرية تقول بأنّ الأديان لا تفعل سوى إسقاط صورة الإنسان على الله. وشنّ حملة على الدين واصفاً إياه بأنه عقبة في سبيل تقدم الإنسان. هذا، ويمكن وضع محاولات فويرباخ وماركس ونيتشه وفرويد ضمن خانة التحويل النقدي. ويقوم هذا التحويل النقدي بتبيان نسبية القيم والمطلقات، معللاً إياها بأصولها الاجتماعية الحياتية والغريزية.
وهكذا، وعلى سبيل المثال، رأى ماركس في الدين ايديولوجيا، أي مشروع تزييف، و"أبيوم" (أو أفيون)، يخدّر الضمير ليضمن استمرارية الضياع الاقتصادي، ورأى فيه فرويد عصاباً استحواذياً جماعياً وعقدة والدية او تسامياً. أما نيتشه فقد قال: "الله مات! الله يبقى ميتاً! ونحن الذين قتلناه" وهي كلمات شهيرة نشرها سنة 1882.
ومن الإلحاد النظري انتقل الغرب إلى الالحاد المؤسسي، أي إلى قيام دول تضطهد الاديان كالبلدان التي انضوت في منظومة الاتحاد السوفياتي، أو دول تبنّت العلمنة الالحادية.
هذا هو، باقتضاب كبير، واقع الإلحاد في العالم الغربي وحتى نهايات القرن الماضي، وبالتحديد حتى عام 1991 تاريخ انفراط المجموعة الشيوعية. فما هو واقع الإلحاد اليوم، ولاسيما بعد ما قيل عن عودة التديّن في القرن الواحد والعشرين؟
في الواقع، وارتكازاً إلى احصاءات واستقصاءات رأي عام نستنتج ان شعوب الغرب قد عادت فعلاً إلى نوع من التديّن. قد يكون ذلك تدين كل على طريقته الخاصة وبتطويع المعتقدات الرسمية على أطباع وعادات وأذواق الأفراد. لكن فكرة وجود الله شبه معترف بها وبنسبة عالية جداً.
هناك 10 في المئة من الأميركيين فقط قالوا انهم غير متدينين أي ان 9 أشخاص من أصل 10 يؤمنون بالله. وهناك نحو 71 بالمئة من الأميركيين يصلون مرة واحدة في اليوم على الأقل. ونصف الأميركيين يذهبون إلى الكنيسة أكثر من مرة واحدة في الشهر. ومن بين العشرة بالمئة من الأميركيين غير المتدينين فقط 5 في المئة قالوا انهم ملحدون.
وفي إحصاء طال عشرين ألف شخص من دون دين في فرنسا نعجب كيف ان 21 في المئة منهم يؤمنون بوجود الله، وإن كانوا غير متدينين. هذا، وهناك، في فرنسا واحد من أصل 4 فرنسيين، أي 24.50 في المئة لا ينتمون إلى أي دين، فيما يعلن 64.50 بالمئة انهم كاثوليك و9 بالمئة هم مسلمون وبروتستانت ويهود.
وإذا نظرنا إلى الأوروبيين عامة واستطلعنا الاستقصاءات حول تديّنهم وبالأخص إلحادهم لوجدنا ان الذين يؤكدون انهم ملحدون باقتناع تام تتراوح نسبتهم ما بين 2 بالمئة (النمسا وايرلندا وبولندا ورومانيا) و14 في المئة (فرنسا) فيما النسبة في بقية الدول تراوح ما بين 3 و13 في المئة.
من جهة ثانية، وفي أوروبا، تم استفتاء المؤمنين اللاممارسين عن تديّنهم. جاءت النتيجة ان ثلث هؤلاء يعتقدون ان الدين يولّد القوة الروحية، ويؤمنون بإله شخصي، أو يؤمنون بنوع من الروح أو القوة الحيوية، ويؤمنون بالحياة بعد الموت وبالجحيم والنعيم.
أليس ذلك دليلاً على ان الإلحاد في الغرب قد انحسر فعلاً؟
لكن يبقى السؤال التالي: ماذا يصنع المؤمنون بالله بإيمانهم على صعيد الالتزام السياسي والاجتماعي حيال المهمّشين ومقتلعي الجذور والمحتلة أراضيهم وحيال الفقراء؟ ماذا يعملون لكي يستتب العمل والسلام في الأرض؟