وسيم أحمد الفلو
27-03-2009, 08:25 PM
الامان الدعوي
الشيخ أحمد ياسين.. رحلة حياة شاقة حتى الشهادة!
بقلم: د. ممدوح المنير
ما زلت أذكر ليلة استشهاد الشيخ أحمد ياسين وكأنها حدثت منذ لحظات، كنت حينها جالساً مع ثُلِّة من الأصحاب في جلسة سمر يغلب عليها الترويح عن النفس بعد يوم حافل بالتعب والمشاقِّ، وفجأةً إذا بسحابةٍ من الحزن تغيِّم على المكان، وإذا بي أصابُ باكتئابٍ شديدٍ ثم تتساقط دموعي رغماً عني، وسط دهشة الأصحاب الذي بوغتوا بما لا يتوقَّعون, فالجوّ كان جوّ مرح ولم يحدث ما يعكِّر مجرى الحديث، وحاولوا أن يستفسروا عن السبب وأنا لا أعرف ماذا أقول لهم, فأنا شخصيّاً لم يكن لديَّ جواب!!.
واحتراماً لحالة الحزن التي طرأت عليَّ انسحب أصدقائي من حولي وتركوني وحيداً لانفجر في موجةٍ من البكاء الحاد الذي لم يتوقَّف حتى مطلع الفجر، ثم ذهبت لصلاة الفجر وأنا أدعو الله أن يُفرِّج عني ما أنا فيه. وبعد أداء الصلاة بدقائق دقَّ جرس الهاتف، وارتفعت معه دقات قلبي، وإذا بالخبر ينزل عليَّ كالصاعقة: «استُشهد شيخ المجاهدين أحمد ياسين بصاروخٍ مباشرٍ وهو خارج من المسجد عقب أدائه صلاة الفجر»، ومادت بي الأرض، وسقطتُ في بحرٍ من اللوعة والحزن على فراقِ الحبيب الغالي.
أدرك جيداً أن هذه المشاعر لم تكن حكراً عليَّ، بل شاركني فيها الملايين في شتى مشارق الأرض ومغاربها.. كان ذلك فجر يوم 22/3/2004م.
قصة حياته- رحمه الله- هي قصة فلسطين باختصار، بل قصة الشعب الفلسطيني كله.. وُلد عام 1938م في قرية الجورة (قضاء المجدل جنوب قطاع غزة) ثم استقرَّ في قطاع غزة مع أسرته بعد نكبة 1948م، وكان عمره حينها 12 عاماً، عانت أسرته كثيراً من ألم الجوع والحرمان، فاضْطُرَّ إلى ترك الدراسة لمدة عام ليعول أسرته المكوَّنة من سبعة أفراد، فعمل في أحد المطاعم بغزة، ثم أكمل دراسته مرةً أخرى حتى أُصيب في حادث على شاطئ غزة أثناء ممارسته للرياضة، وهو لا يزال في مقتبل الشباب نتج منه شلل كلي في جميع أطرافه. اشتغل الشاب أحمد ياسين بالتدريس بعد تخرُّجه، ثم عمل خطيباً ومدرساً في مساجد غزة حتى أصبح في ظل الاحتلال أشهر خطيب عرفه قطاع غزة, لأنه كان لا يخشى في الحق لومة لائم.
شارك الشيخ الشهيد في المظاهرات التي اندلعت في غزة, احتجاجاً على العدوان الثلاثي على مصر، وأظهر قدرات خطابية وتنظيمية عالية, مما وضعه تحت عين المخابرات المصرية في غزة، فتمَّ اعتقاله أكثر من مرة عام 1965م بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، خاصةً أن الحملةَ على إخوان مصر كانت على أشدها في ذلك الوقت.
تمَّ اختيار أحمد ياسين عام 1968م لقيادة الإخوان المسلمين في فلسطين، فأسَّس الجمعية الإسلامية ثم المجمع الإسلامي، وساهم بشكلٍ كبيرٍ في تأسيس الجامعة الإسلامية.
اعتُقل الشيخ عام 1983م بتهمة حيازة السلاح وتشكيل تنظيم عسكري والتحريض على إزالة «إسرائيل» من الوجود، وقد حُكِم عليه من قِبل محكمة صهيونية بالسجن لمدة 13 عاماً، ثم أُفرج عنه عام 1985م في إطار عملية تبادل للأسرى بين سلطات الاحتلال والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعد أن أمضى أحد عشر شهراً في السجن.
أسَّس الشيخ مع مجموعةٍ من اخوانه والنشطاء الإسلاميين في فلسطين عام 1987م حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، القوة الضاربة لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، بعد أن قام سائق شاحنة صهيوني في 6 كانون الأول 1987م بدهس سيارةٍ صغيرةٍ يستقلها عمَّال عرب، فاستشهد أربعة من أبناء الشعب الفلسطيني، فكان الرد إعلان النفير العام.
وصدر البيان الأول عن حركة المقاومة الإسلامية «حماس» يوم الخامس عشر من كانون الأول 1987م إيذاناً ببدء الجهاد المنظَّم ضد الاحتلال الصهيوني الغاشم.
داهمت قوات الاحتلال الصهيوني منزل الشيخ أواخر شهر آب 1988م، وقامت بتفتيشه وهدَّدته بدفعه من مقعده المتحرِّك بإبعاده عن فلسطين.
وفي ليلة 18/5/1989م قامت سلطات الاحتلال باعتقال الشيخ أحمد ياسين مع المئات من أبناء حركة حماس في محاولةٍ لوقف المقاومة التي أخذت آنذاك طابع الهجمات بالسلاح الأبيض على جنود الاحتلال ومغتصبيه، وقتل العملاء.
في 16/10/1991م أصدرت محكمة عسكرية صهيونية حكماً بالسجن مدى الحياة مضافاً إليه خمسة عشر عاماً على الشيخ أحمد ياسين، بعد أن وجَّهت له لائحة اتهام تتضمن تسعة بنود, منها التحريض على اختطاف وقتل جنود صهاينة، وتأسيس حركة حماس وجهازيها العسكري والأمني.
في 13/12/1992م قامت مجموعة فدائية من مقاتلي كتائب الشهيد عز الدين القسام بخطف جندي صهيوني، وعرضت المجموعة الإفراج عن الجندي مقابل الإفراج عن الشيخ أحمد ياسين ومجموعة من المعتقلين في السجون الصهيونية بينهم مرضى ومسنون، إلا أن الحكومة الصهيونية رفضت العرض وداهمت مكان احتجاز الجندي, مما أدَّى إلى مصرعه ومصرع قائد الوحدة المهاجمة قبل استشهاد أبطال المجموعة الفدائية.
أُفرج عنه الشيخ فجر الأربعاء 1/10/1997م بموجب اتفاق جرى التوصل إليه بين الأردن و«إسرائيل» مقابل تسليم عميلَين صهيونيين اعتُقلا في الأردن عقب محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرَّض لها خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة.
وتستمر رحلة الكفاح الدامي ضد عدوّ غاشم يملك كل أسباب القوة الغاشمة، وتقف وراءه دول عظمى ولديه في الداخل الفلسطيني خونة وعملاء يملكون السلطة والنفوذ والفساد الأخلاقي والمالي، ووسط محيط عربي رسمي خانع وخاضع للحلف الصهيوني الأمريكي.. حتى تحين لحظة استشهاده لينال أمنية حياته التي طالما انتظرها، بعد أن اطمأنَّ الى أن هناك خلفه الآلاف من الأبطال الذين يحبون الموت أكثر من حبهم للحياة.
ربما تتشابه مسيرة حياة الشيخ الشهيد مع الكثير من العظماء عبر التاريخ، ولكن ما يميزه عن غيره ويجعله متفرداً في زمانه أنه بدأ جهاده متجرداً خاشعاً خاضعاً لله، وربما كان هذا السبب الذي من أجله لم تُصَب عنقُه بالشلل حتى يستطيع أن يتطلَّع باستمرار إلى أعلى.. إلى السماء, موطنه الطبيعي ومصدر الشوق المتجدِّد لديه.
الشيخ أحمد ياسين.. رحلة حياة شاقة حتى الشهادة!
بقلم: د. ممدوح المنير
ما زلت أذكر ليلة استشهاد الشيخ أحمد ياسين وكأنها حدثت منذ لحظات، كنت حينها جالساً مع ثُلِّة من الأصحاب في جلسة سمر يغلب عليها الترويح عن النفس بعد يوم حافل بالتعب والمشاقِّ، وفجأةً إذا بسحابةٍ من الحزن تغيِّم على المكان، وإذا بي أصابُ باكتئابٍ شديدٍ ثم تتساقط دموعي رغماً عني، وسط دهشة الأصحاب الذي بوغتوا بما لا يتوقَّعون, فالجوّ كان جوّ مرح ولم يحدث ما يعكِّر مجرى الحديث، وحاولوا أن يستفسروا عن السبب وأنا لا أعرف ماذا أقول لهم, فأنا شخصيّاً لم يكن لديَّ جواب!!.
واحتراماً لحالة الحزن التي طرأت عليَّ انسحب أصدقائي من حولي وتركوني وحيداً لانفجر في موجةٍ من البكاء الحاد الذي لم يتوقَّف حتى مطلع الفجر، ثم ذهبت لصلاة الفجر وأنا أدعو الله أن يُفرِّج عني ما أنا فيه. وبعد أداء الصلاة بدقائق دقَّ جرس الهاتف، وارتفعت معه دقات قلبي، وإذا بالخبر ينزل عليَّ كالصاعقة: «استُشهد شيخ المجاهدين أحمد ياسين بصاروخٍ مباشرٍ وهو خارج من المسجد عقب أدائه صلاة الفجر»، ومادت بي الأرض، وسقطتُ في بحرٍ من اللوعة والحزن على فراقِ الحبيب الغالي.
أدرك جيداً أن هذه المشاعر لم تكن حكراً عليَّ، بل شاركني فيها الملايين في شتى مشارق الأرض ومغاربها.. كان ذلك فجر يوم 22/3/2004م.
قصة حياته- رحمه الله- هي قصة فلسطين باختصار، بل قصة الشعب الفلسطيني كله.. وُلد عام 1938م في قرية الجورة (قضاء المجدل جنوب قطاع غزة) ثم استقرَّ في قطاع غزة مع أسرته بعد نكبة 1948م، وكان عمره حينها 12 عاماً، عانت أسرته كثيراً من ألم الجوع والحرمان، فاضْطُرَّ إلى ترك الدراسة لمدة عام ليعول أسرته المكوَّنة من سبعة أفراد، فعمل في أحد المطاعم بغزة، ثم أكمل دراسته مرةً أخرى حتى أُصيب في حادث على شاطئ غزة أثناء ممارسته للرياضة، وهو لا يزال في مقتبل الشباب نتج منه شلل كلي في جميع أطرافه. اشتغل الشاب أحمد ياسين بالتدريس بعد تخرُّجه، ثم عمل خطيباً ومدرساً في مساجد غزة حتى أصبح في ظل الاحتلال أشهر خطيب عرفه قطاع غزة, لأنه كان لا يخشى في الحق لومة لائم.
شارك الشيخ الشهيد في المظاهرات التي اندلعت في غزة, احتجاجاً على العدوان الثلاثي على مصر، وأظهر قدرات خطابية وتنظيمية عالية, مما وضعه تحت عين المخابرات المصرية في غزة، فتمَّ اعتقاله أكثر من مرة عام 1965م بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، خاصةً أن الحملةَ على إخوان مصر كانت على أشدها في ذلك الوقت.
تمَّ اختيار أحمد ياسين عام 1968م لقيادة الإخوان المسلمين في فلسطين، فأسَّس الجمعية الإسلامية ثم المجمع الإسلامي، وساهم بشكلٍ كبيرٍ في تأسيس الجامعة الإسلامية.
اعتُقل الشيخ عام 1983م بتهمة حيازة السلاح وتشكيل تنظيم عسكري والتحريض على إزالة «إسرائيل» من الوجود، وقد حُكِم عليه من قِبل محكمة صهيونية بالسجن لمدة 13 عاماً، ثم أُفرج عنه عام 1985م في إطار عملية تبادل للأسرى بين سلطات الاحتلال والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعد أن أمضى أحد عشر شهراً في السجن.
أسَّس الشيخ مع مجموعةٍ من اخوانه والنشطاء الإسلاميين في فلسطين عام 1987م حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، القوة الضاربة لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، بعد أن قام سائق شاحنة صهيوني في 6 كانون الأول 1987م بدهس سيارةٍ صغيرةٍ يستقلها عمَّال عرب، فاستشهد أربعة من أبناء الشعب الفلسطيني، فكان الرد إعلان النفير العام.
وصدر البيان الأول عن حركة المقاومة الإسلامية «حماس» يوم الخامس عشر من كانون الأول 1987م إيذاناً ببدء الجهاد المنظَّم ضد الاحتلال الصهيوني الغاشم.
داهمت قوات الاحتلال الصهيوني منزل الشيخ أواخر شهر آب 1988م، وقامت بتفتيشه وهدَّدته بدفعه من مقعده المتحرِّك بإبعاده عن فلسطين.
وفي ليلة 18/5/1989م قامت سلطات الاحتلال باعتقال الشيخ أحمد ياسين مع المئات من أبناء حركة حماس في محاولةٍ لوقف المقاومة التي أخذت آنذاك طابع الهجمات بالسلاح الأبيض على جنود الاحتلال ومغتصبيه، وقتل العملاء.
في 16/10/1991م أصدرت محكمة عسكرية صهيونية حكماً بالسجن مدى الحياة مضافاً إليه خمسة عشر عاماً على الشيخ أحمد ياسين، بعد أن وجَّهت له لائحة اتهام تتضمن تسعة بنود, منها التحريض على اختطاف وقتل جنود صهاينة، وتأسيس حركة حماس وجهازيها العسكري والأمني.
في 13/12/1992م قامت مجموعة فدائية من مقاتلي كتائب الشهيد عز الدين القسام بخطف جندي صهيوني، وعرضت المجموعة الإفراج عن الجندي مقابل الإفراج عن الشيخ أحمد ياسين ومجموعة من المعتقلين في السجون الصهيونية بينهم مرضى ومسنون، إلا أن الحكومة الصهيونية رفضت العرض وداهمت مكان احتجاز الجندي, مما أدَّى إلى مصرعه ومصرع قائد الوحدة المهاجمة قبل استشهاد أبطال المجموعة الفدائية.
أُفرج عنه الشيخ فجر الأربعاء 1/10/1997م بموجب اتفاق جرى التوصل إليه بين الأردن و«إسرائيل» مقابل تسليم عميلَين صهيونيين اعتُقلا في الأردن عقب محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرَّض لها خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة.
وتستمر رحلة الكفاح الدامي ضد عدوّ غاشم يملك كل أسباب القوة الغاشمة، وتقف وراءه دول عظمى ولديه في الداخل الفلسطيني خونة وعملاء يملكون السلطة والنفوذ والفساد الأخلاقي والمالي، ووسط محيط عربي رسمي خانع وخاضع للحلف الصهيوني الأمريكي.. حتى تحين لحظة استشهاده لينال أمنية حياته التي طالما انتظرها، بعد أن اطمأنَّ الى أن هناك خلفه الآلاف من الأبطال الذين يحبون الموت أكثر من حبهم للحياة.
ربما تتشابه مسيرة حياة الشيخ الشهيد مع الكثير من العظماء عبر التاريخ، ولكن ما يميزه عن غيره ويجعله متفرداً في زمانه أنه بدأ جهاده متجرداً خاشعاً خاضعاً لله، وربما كان هذا السبب الذي من أجله لم تُصَب عنقُه بالشلل حتى يستطيع أن يتطلَّع باستمرار إلى أعلى.. إلى السماء, موطنه الطبيعي ومصدر الشوق المتجدِّد لديه.