المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقتل براءة



نور
08-04-2009, 12:58 PM
تهللت وجوه الجميع لهذه المفاجأة ، حتى صاحب المفاجأة نفسه ، فهو أول قاطِفٍ لثمارها ، كم يتغير جَوُّ البيت بعد هذه الرحلة القصيرة ؟
كم تُغَرِّدُ طيور البهجة لِتُحَوِّلَ البيت الصغير إلى جنة؟!
هذه الزوج الحنون التي تظلله وبِنْتَيْهِ بأجنحة الحب الوردية، تحتاج بين الحين والآخر إلى نَفْضِ أعباء البيت عن ظهرها ، كما تحتاج للاختلاء بأسرتها الصغيرة ولو لساعات خاصةً بعد أن ألزمت نفسها – في نظره – ما لا يلزم من إحاطة البنتين بسياجٍ من الحَيْطَةِ والحَذَرِ لا يدري لهما سببًا .
كثيرًا ما يَعْتَرِضُ على كثرة التنبيهات التي تلقنها لهاتين البريئتين، ولكنه لا يتلَقَّى منها إلا صمتًا أشبه بالبئر الذي لا يُعْرَفُ له مدى ، إن حبيبته التي لا يعدل بها نساء الدنيا تُخْفِي في نفسها مغارة لا يعلم عمقها إلا الله .
لقد حاول مراراً بأرق المفاتيح، إلا إنه لم يعثر على شيءٍ ، وأحس أنّ استخدام العنف سيَكْسِر ما بينهما من مَوَدَّةٍ ورحمة ، وأنّى له ذلك، وهي التي ما اضطرته يومًا إلى أمرٍ أو طلبٍ أو رجاءٍ ، لكأنها حوريةٌ من الجنة .
لا بأس مادام الأمر بعيدًا عن معصية الله..
بَكَّرَ بأسرته لِلَّحَاقِ بأول مركبةٍ إلى المنتزه، طال انتظارهم على الطريق، لفت انتباهَهُ تركيز زوجته الشديد على سِرْبٍ من العصافير.. نَزَلَ إلى جانب الطريق يبحث عن رِزْقِهِ ، ركّزت أكثر على هذه العصفورة التي يبدو أنها خرجت للمرة الأولى ، راحتِ العصفورة تتنقل بين أقدام البشر الواقفين، وتحت ثيابهم في براءةٍ فِطْرِيَّة لم تعرفْ قبلُ معنى الغَدْرِ .
تحولت نظرات الزوجة إلى انفعالات شديدة، أمسكتْ بابنتيها في خوف، صراع نفسي شديد بين رغبتها في الحفاظ على هدوئها والتزامِها بأدب الطريق، ورغْبَتِهَا في إنقاذ هذه المسكينة من عبث العابثين..
راحتْ تنظر إلى العصفورة كأنها تنظر إلى جُزْءٍ من ماضيها.. تعالتْ وتيرة اضطرابِها عندما دَخَلَتِ العصفورة تحت إحدى السيارات العابرة، فرّ السرب هاربًا، بينما المسكينة تُفْرِدُ جناحَيْهَا، وكأنها تُرَحِّبُ برسول الموت ، تناسَتِ الزوجة كل شيء، أحسّت أنه لا أحد في الدنيا سواها هي والعصفورة، صرختْ بأعلى صوتها : ارجعي ... أرجوكِ ارجعي.. إنهم لا يرحمون .... إنهم لا .....
أصابها الإغماء بعد أن رأت براءة العصفورة قبل جسدها تُرَاقُ على الطريق!