moughtareb
07-01-2007, 09:36 PM
http://www.tariqramadan.com/NAVPICS/rien.gif
- مدخــــــــــــــــــــــــل :
بصفة منتظمة، يواجه المسلمون في العالم و المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة مسألة تطبيق أحكام مرتبطة بالقوانين الجنائية الإسلامية. وسواء تمّ الرجوع في ذلك إلى مفهوم "الشريعة" أو تمّ الاقتصار على"الحدود" [1] فانَ مفردات النقاش تحدَدها اليوم مسألة مركزية في الجدال الدائر بين العلماء، و/أو بين المسلمين : ما هو أن يكون المرء مخلصا لرسالة الإسلام في الحقبة الزمنية المعاصرة؟ و فضلا عما هو واجب على كل واحد من المسلمين في حياته الشخصية، ما المطلوب من مجتمع قد يعرَف نفسه على أنَه "إسلامي"؟ . من المعلوم أنَ هناك عدة تيارات فكرية في العالم الإسلامي وأنَ الخلافات بينها متعدَدة، عميقة ومتكرَرة. من تلك التيارات، أقلية تطالب بالتطبيق الفوري والحرفي للحدود، لأنَ هذا التطبيق - حسب رأيها - شرط أوَلي لا محيد عنه بالنسبة لـ "مجتمع ذي أغلبية مسلمة" حتى يعتبر بالفعل مجتمعا "إسلاميا". وهناك تيارات أخرى تنطلق من عامل واقعي، هو أنَ الحدود موجودة فعلا في النصوص المرجعية [القرآن والسنة]، وترى أنَ تطبيق الحدود أمر مشروط بحالة المجتمع، الذي يجب أن يكون أوَلا عادلا، وبالنسبة للبعض "مثاليا". بالتالي فإنَ الأولوية تبقى للعمل على إقامة العدل الاجتماعي، ومحاربة الفقر والأمية، إلخ. وهناك في الأخير فئة، قليلة هي الأخرى، تعتبر النصوص المتعلقة بالحدود متجاوزة تماما، وترى أنَ هذه المرجعيات لم يعد لها مكان في المجتمعات المسلمة المعاصرة. وهكذا نرى أنَ الآراء مختلفة و أنَ المواقف تبدو في الغالب محسومة، دون أن يكون في الإمكان القول بأنَ أدلة هؤلاء وهؤلاء حول هذا الموضوع المحدَد، هي حقيقة واضحة وموَضَّحة. وفي الوقت الذي نكتب فيه هذه السطور، ومع أنَ النقاش الحقيقي داخل المجتمعات الإسلامية هو شبه غائب، والمواقف عائمة، بل في الغالب غامضة، فإنَ نساء ورجالا تطبَق عليهم هذه العقوبات دون أن يكون عليها إجماع بين المسلمين. بالنسبة للمسلمين، الإسلام هو رسالة مساواة وعدل. ووفاء منا لهذه الرسالة، نشعر بأنَ استمرارنا في صمت تجاه هذا التطبيق غير العادل لمرجعيتنا الدينية لم يعد ممكنا. و لهذا كذلك يجب أن تتحرَر الكلمة ويتحرَر النقاش، و أن لا يستمر الاكتفاء بأجوبة عامة، محرجة، وأحيانا ملتبسة. إنَ هذا الصمت وهذه التشنجات الفكرية ليست جديرة بوضوح رسالة الإسلام العادلة. فباسم مصادر الإسلام المقدَسة، وباسم التربية والتعليم الإسلامي، وأخيرا باسم الضمير المسلم المعاصر، هناك أمورا يجب أن تقال وقرارات يجب أن تتخذ.
- أقوال أغلبية العلماء :
يعترف جميع العلماء، في الماضي كما في الحاضر، وفي جميع التيارات الفقهية والفكرية، بوجود نصوص مقدَسة تشير إلى العقوبات الجسدية [القرآن والسنة] وإلى رجم الزناة رجالا ونساء [السنة]، وإلى عقوبة القتل [القرآن والسنة]. والأمر يتعلق هنا بالمضامين الموضوعية للنصوص التي لم يناقشها العلماء أبدا. والاختلافات بين العلماء وبين مختلف المذاهب [نصيين، إصلاحيين، إلخ.] هي اختلافات تتعلق أساسا بتفسير بعض هذه النصوص و/أو بشروط تطبيق العقوبات المتعلقة بالقانون الجنائي الإسلامي [طبيعة المخالفات والجرائم المرتكبة، الشهود، السياقات الاجتماعية والسياسية، إلخ.]، أو في الأخير - بصيغة أكثر شمولية وأكثر جوهرية - بمستوى التلاؤم مع الحقبة الزمنية المعاصرة. إنَ أغلب العلماء، عبر التاريخ وإلى يومنا هذا، متفقون على أنَ هذه الأحكام هي إسلامية بالفعل، ولكن "الشروط المطلوب توفَرها" من أجل تطبيقها هي تقريبا مستحيلة التجميع [خصوصا فيما يتعلق بالرجم]، وبالتالي فهي تكاد تكون "غير قابلة للتطبيق أبدا ". إنَ للحدود خصوصا "نزعة ردعية" هدفها هو التحسيس بخطورة الأفعال الموجبة لمثل تلك العقوبات في أذهان المؤمنين. إنَ من يقرأ كتب العلماء ويسمع محاضراتهم وخطبهم، و من يسافر داخل العالم الإسلامي أو يقارب الجاليات المسلمة في الغرب، سوف يسمع بدون شك وبدون تغيير، هذه الصيغة من طرف المراجع الدينية : "تكاد تكون غير قابلة للتطبيق أبدا ". هذه الصيغة تمكَن أغلب العلماء والمسلمين من تلافي التوغَل في قلب المسألة دون أن يعطي ذلك انطباعا بأنَهم غير مخلصين للمصادر الإسلامية المقدَسة. أمَا التعاطي الآخر مع المسألة فهو تجنَبها و/أو لزوم الصمت تجاهها. ما يجري على أرض الواقع ؟ : كنَا نود لو أن تفسَر هذه الصيغة : "تكاد تكون غير قابلة للتطبيق" على أنَها ضمانة لحماية النساء والرجال أمام عقوبات قامعة وظالمة؛ كنَا نتمنى لو أنَ تلك الشروط كانت دعوة إلى إقامة العدل بين البشر أمام القانون من طرف الحكومات والمشرَعين المنتسبين للإسلام. إلاَ أنَ شيئا من ذلك لا يحصل. فالواقع أنَه وراء خطاب إسلامي يقلَل و يعمل على تقليم الأظافر تحت غطاء هذه الـ "تكاد لا..."، هناك نساء ورجال يعاقبون، يجلدون، يرجمون، و يقتلون باسم تطبيق الحدود، من غير أن تتحرَك ضمائر مسلمي العالم أجمع، كما لو لم يكن أحد يعرف، و كما لو كان الأمر يتعلق بإخلالات بسيطة بتعاليم الإسلام. لكن هذه الأحكام - بإمعان، و في ظلم متفاقم- لا تطبَق إلاَ على النساء والفقراء، ليصبحوا بذلك ضحايا مزدوجين. ولا تطبَق أبدا على الأغنياء، أو على الحاكمين والطغاة. أضف إلى هذا أنَ بعض السجناء ليس لهم الحق في دفاع جدير بهذا الاسم : هناك أحكام بالإعدام تقرَر وتنفَذ في حق نساء و رجال، بل و حتى في حق أطفال [معارضين سياسيين، مروّجين، جانحين، إلخ.] دون حتى أن يتمكَنوا من لقاء أي محامِ. وهكذا، بعد أن كانت لنا علاقات ضبابية مع مصادرنا المقدَسة، ها نحن نستقيل أمام خيانة رسالة الإسلام العادلة. إنَ للمجتمع الدولي كذلك مسؤولية كبرى وواضحة أمام التعاطي مع مسألة الحدود في العالم الإسلامي. فالتنديد يتم بانتقائية ويتعامل على أساس حسابات و حماية المصالح الجيوستراتيجية والاقتصادية. فعندما تحاول دولة فقيرة من دول إفريقيا أو آسيا أن تطبَق الحدود أو الشريعة، تواجه حملات دولية، كما رأينا ذلك مؤخرا. لكن الأمر يختلف عندما يتعلق الأمر بالدول الغنية، بممالك البترول و/أو الدول التي تعتبر "حليفة"، حيث يتم شجبها بشكل خجول، أو لا تشجب إطلاقا، وذلك على الرغم من تطبيق كثيف ومعروف لهذه الأحكام في حق الفئات الأكثر فقرا وضعفا في المجتمع. وكثافة التنديدات تختلف لتتناسب مع المصالح المرتهنة. وهذا ظلم إضافي.
- عواطف الشعوب، تخوَف العلماء :
إنَ من يسافر في العالم الإسلامي ويخالط المسلمين يجد نفسه أمام استنتاج يفرض نفسه : في كل مكان تظهر الشعوب تتشبثا بالإسلام وبتعاليمه. هذه الحقيقة - وهي مهمة في حد ذاتها - يمكن أن تبدو مثيرة، وخطيرة تماما، وذلك عندما تكون طبيعة هذا التشبث قائمة على الانفعال، دون معرفة ولا فهم جديد للنصوص، بقليل من المسافة أو بدون أدنى مسافة نقدية تجاه مختلف تفاسير العلماء، ولا الوضع الضروري للأمور في سياقاتها، ولا تجاه طبيعة الشروط الواجب توفَرها، بل تجاه حماية حقوق الأفراد وإقامة العدل. فيما يخص مسألة الحدود، نشاهد أحيانا حالات شغف شعبية تتمنى أو تطالب بالتطبيق الحرفي والفوري لأنَ أصحاب هذه الحالات يعتقدون أنَ الحدود تضمن الصفة "الإسلامية" للمجتمع. والواقع أنَه ليس نادرا أن نسمع مسلمات ومسلمين من الشعب [متعلَمين أو غير متعلَمين، وفي الغالب فقراء ومحتاجين] يدعون إلى تطبيق شكلي وصارم لـ "الشريعة"، دون إدراك أنَهم قد يكونون أوَل ضحاياها. و عندما ندرس هذه الظاهرة نفهم أنَ هناك نوعين من التفكير وراء هذه المطالب : 1- التطبيق الحرفي والفوري للحدود يجعل المرجعية الإسلامية مرئية قانونيا واجتماعيا. إنَ التشريع، بصرامته، يعطي الانطباع بالإخلاص للأمر القرآني الذي يفرض امتثالا صارما للنص. وعلى المستوى الشعبي، رأينا في الدول الإفريقية والعربية والآسيوية، و حتى الغربية، أنَ القسوة، بل التصلب في التطبيق، هو الذي يمنح بعدا إسلاميا في الذهنية الشعبية. 2- بالمقابل، تغذَي انتقادات وإدانات الغرب شعورا بالإخلاص لتعاليم الإسلام تبعا لمنطق التقابل؛ الأمر بسيط وتبسيطي : معارضة الغرب الشرسة دليل كافٍ للخصوصية الإسلامية لتطبيق الحدود. وهناك من سيقتنعون وهم يؤكدَون أنَ الغرب قد فقد منذ مدة طويلة مرجعياته الأخلاقية وأصبح جد متساهل حتى أنَ القانون الجنائي الإسلامي، الذي يعاقب السلوكيات التي تعتبر غير أخلاقية، هو بالمقابل البديل الوحيد عن "الاندحار الغربي". هذه الأفكار الشكلانية والتقابلية خطيرة جدا، لأنَها تسعى إلى أن تضفي صفة إسلامية على تشريع ليس من أجل ما يدعو إليه، وليس لأنَه يحمي و يطبَق العدل، ولكن لأنَه يعاقب بقسوة، وظاهريا لأنَ هناك بعض السلوكيات المناقضة والمعارضة لقوانين الغرب التي تعتبر جد متساهلة أخلاقيا [3]. ونحن نرى أنَ هناك اليوم جاليات أو شعوبا مسلمة تكتفي أحيانا بهذا النوع من الشرعية لتدعم حكومة أو حزبا يدعو إلى تطبيق الشريعة في مفهومها كتطبيق حرفي وفوري للعقوبات الجسدية، مثل الرجم والقتل. ويمكن أن نلاحظ نوعا من الشغف الشعبي، خصوصيته الأولى هي الرغبة في الرد على مختلف أنواع الإحباط و الإهانة عن طريق تأكيد الهوية. يدرك هذا الشغف نفسه كإسلامي [معادٍ للغرب]، ولكنَه لا يتأسس على فهم أهداف ومقاصد الإسلام و مختلف التفاسير والشروط المرتبطة بتطبيق الحدود. و أمام هذا الشغف، يظل العديد من العلماء حذرين خوفا من فقدان مصداقيتهم لدى جموع الجماهير. كما نلاحظ أنَ ثمة عواطف شعبية تمارس نوعا من الضغط السيكولوجي على العمل التشريعي للعلماء، في حين أنَه من الطبيعي أن يظل هذا الأخير مستقلا حتى يتمكَن من تعليم الشعوب واقتراح البدائل. إنَ الظاهرة معكوسة اليوم : أغلب العلماء يخشون مواجهة المطالب الشعبية التي تكون أحيانا تبسيطية، ومفتقرة إلى رصيد معرفي كافي، ومندفعة، كل ذلك خوفا من فقدان وضعهم الاعتباري و خشية أن يعتبروا جد متساهلين، و أنَهم ليسوا جد صارمين ، و جد متغرَبين، و ليسوا إسلاميين بالقدر الكافي. إنَ واجب العلماء يفرض عليهم أن يكونوا الضامنين لقراءة معمَقة للنصوص، وللوفاء والإخلاص لأهداف العدل والمساواة، ولدراسة نقدية للشروط والسياقات الاجتماعية. عوض ذلك أ صبح العلماء منساقين إلى القبول بالشكلانية [تطبيق فوري وغير محيَن]، أو بالتفكير التقابلي التبسيطي [غرب أقل، يساوي إسلام أكثر]، أصبحوا يتخفَون وراء صيغ تحميهم، من دون العمل على الإتيان بحلول للظلم الذي يعانيه النساء والفقراء والضعاف : ["تكاد لا تطبَق"].
- مدخــــــــــــــــــــــــل :
بصفة منتظمة، يواجه المسلمون في العالم و المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة مسألة تطبيق أحكام مرتبطة بالقوانين الجنائية الإسلامية. وسواء تمّ الرجوع في ذلك إلى مفهوم "الشريعة" أو تمّ الاقتصار على"الحدود" [1] فانَ مفردات النقاش تحدَدها اليوم مسألة مركزية في الجدال الدائر بين العلماء، و/أو بين المسلمين : ما هو أن يكون المرء مخلصا لرسالة الإسلام في الحقبة الزمنية المعاصرة؟ و فضلا عما هو واجب على كل واحد من المسلمين في حياته الشخصية، ما المطلوب من مجتمع قد يعرَف نفسه على أنَه "إسلامي"؟ . من المعلوم أنَ هناك عدة تيارات فكرية في العالم الإسلامي وأنَ الخلافات بينها متعدَدة، عميقة ومتكرَرة. من تلك التيارات، أقلية تطالب بالتطبيق الفوري والحرفي للحدود، لأنَ هذا التطبيق - حسب رأيها - شرط أوَلي لا محيد عنه بالنسبة لـ "مجتمع ذي أغلبية مسلمة" حتى يعتبر بالفعل مجتمعا "إسلاميا". وهناك تيارات أخرى تنطلق من عامل واقعي، هو أنَ الحدود موجودة فعلا في النصوص المرجعية [القرآن والسنة]، وترى أنَ تطبيق الحدود أمر مشروط بحالة المجتمع، الذي يجب أن يكون أوَلا عادلا، وبالنسبة للبعض "مثاليا". بالتالي فإنَ الأولوية تبقى للعمل على إقامة العدل الاجتماعي، ومحاربة الفقر والأمية، إلخ. وهناك في الأخير فئة، قليلة هي الأخرى، تعتبر النصوص المتعلقة بالحدود متجاوزة تماما، وترى أنَ هذه المرجعيات لم يعد لها مكان في المجتمعات المسلمة المعاصرة. وهكذا نرى أنَ الآراء مختلفة و أنَ المواقف تبدو في الغالب محسومة، دون أن يكون في الإمكان القول بأنَ أدلة هؤلاء وهؤلاء حول هذا الموضوع المحدَد، هي حقيقة واضحة وموَضَّحة. وفي الوقت الذي نكتب فيه هذه السطور، ومع أنَ النقاش الحقيقي داخل المجتمعات الإسلامية هو شبه غائب، والمواقف عائمة، بل في الغالب غامضة، فإنَ نساء ورجالا تطبَق عليهم هذه العقوبات دون أن يكون عليها إجماع بين المسلمين. بالنسبة للمسلمين، الإسلام هو رسالة مساواة وعدل. ووفاء منا لهذه الرسالة، نشعر بأنَ استمرارنا في صمت تجاه هذا التطبيق غير العادل لمرجعيتنا الدينية لم يعد ممكنا. و لهذا كذلك يجب أن تتحرَر الكلمة ويتحرَر النقاش، و أن لا يستمر الاكتفاء بأجوبة عامة، محرجة، وأحيانا ملتبسة. إنَ هذا الصمت وهذه التشنجات الفكرية ليست جديرة بوضوح رسالة الإسلام العادلة. فباسم مصادر الإسلام المقدَسة، وباسم التربية والتعليم الإسلامي، وأخيرا باسم الضمير المسلم المعاصر، هناك أمورا يجب أن تقال وقرارات يجب أن تتخذ.
- أقوال أغلبية العلماء :
يعترف جميع العلماء، في الماضي كما في الحاضر، وفي جميع التيارات الفقهية والفكرية، بوجود نصوص مقدَسة تشير إلى العقوبات الجسدية [القرآن والسنة] وإلى رجم الزناة رجالا ونساء [السنة]، وإلى عقوبة القتل [القرآن والسنة]. والأمر يتعلق هنا بالمضامين الموضوعية للنصوص التي لم يناقشها العلماء أبدا. والاختلافات بين العلماء وبين مختلف المذاهب [نصيين، إصلاحيين، إلخ.] هي اختلافات تتعلق أساسا بتفسير بعض هذه النصوص و/أو بشروط تطبيق العقوبات المتعلقة بالقانون الجنائي الإسلامي [طبيعة المخالفات والجرائم المرتكبة، الشهود، السياقات الاجتماعية والسياسية، إلخ.]، أو في الأخير - بصيغة أكثر شمولية وأكثر جوهرية - بمستوى التلاؤم مع الحقبة الزمنية المعاصرة. إنَ أغلب العلماء، عبر التاريخ وإلى يومنا هذا، متفقون على أنَ هذه الأحكام هي إسلامية بالفعل، ولكن "الشروط المطلوب توفَرها" من أجل تطبيقها هي تقريبا مستحيلة التجميع [خصوصا فيما يتعلق بالرجم]، وبالتالي فهي تكاد تكون "غير قابلة للتطبيق أبدا ". إنَ للحدود خصوصا "نزعة ردعية" هدفها هو التحسيس بخطورة الأفعال الموجبة لمثل تلك العقوبات في أذهان المؤمنين. إنَ من يقرأ كتب العلماء ويسمع محاضراتهم وخطبهم، و من يسافر داخل العالم الإسلامي أو يقارب الجاليات المسلمة في الغرب، سوف يسمع بدون شك وبدون تغيير، هذه الصيغة من طرف المراجع الدينية : "تكاد تكون غير قابلة للتطبيق أبدا ". هذه الصيغة تمكَن أغلب العلماء والمسلمين من تلافي التوغَل في قلب المسألة دون أن يعطي ذلك انطباعا بأنَهم غير مخلصين للمصادر الإسلامية المقدَسة. أمَا التعاطي الآخر مع المسألة فهو تجنَبها و/أو لزوم الصمت تجاهها. ما يجري على أرض الواقع ؟ : كنَا نود لو أن تفسَر هذه الصيغة : "تكاد تكون غير قابلة للتطبيق" على أنَها ضمانة لحماية النساء والرجال أمام عقوبات قامعة وظالمة؛ كنَا نتمنى لو أنَ تلك الشروط كانت دعوة إلى إقامة العدل بين البشر أمام القانون من طرف الحكومات والمشرَعين المنتسبين للإسلام. إلاَ أنَ شيئا من ذلك لا يحصل. فالواقع أنَه وراء خطاب إسلامي يقلَل و يعمل على تقليم الأظافر تحت غطاء هذه الـ "تكاد لا..."، هناك نساء ورجال يعاقبون، يجلدون، يرجمون، و يقتلون باسم تطبيق الحدود، من غير أن تتحرَك ضمائر مسلمي العالم أجمع، كما لو لم يكن أحد يعرف، و كما لو كان الأمر يتعلق بإخلالات بسيطة بتعاليم الإسلام. لكن هذه الأحكام - بإمعان، و في ظلم متفاقم- لا تطبَق إلاَ على النساء والفقراء، ليصبحوا بذلك ضحايا مزدوجين. ولا تطبَق أبدا على الأغنياء، أو على الحاكمين والطغاة. أضف إلى هذا أنَ بعض السجناء ليس لهم الحق في دفاع جدير بهذا الاسم : هناك أحكام بالإعدام تقرَر وتنفَذ في حق نساء و رجال، بل و حتى في حق أطفال [معارضين سياسيين، مروّجين، جانحين، إلخ.] دون حتى أن يتمكَنوا من لقاء أي محامِ. وهكذا، بعد أن كانت لنا علاقات ضبابية مع مصادرنا المقدَسة، ها نحن نستقيل أمام خيانة رسالة الإسلام العادلة. إنَ للمجتمع الدولي كذلك مسؤولية كبرى وواضحة أمام التعاطي مع مسألة الحدود في العالم الإسلامي. فالتنديد يتم بانتقائية ويتعامل على أساس حسابات و حماية المصالح الجيوستراتيجية والاقتصادية. فعندما تحاول دولة فقيرة من دول إفريقيا أو آسيا أن تطبَق الحدود أو الشريعة، تواجه حملات دولية، كما رأينا ذلك مؤخرا. لكن الأمر يختلف عندما يتعلق الأمر بالدول الغنية، بممالك البترول و/أو الدول التي تعتبر "حليفة"، حيث يتم شجبها بشكل خجول، أو لا تشجب إطلاقا، وذلك على الرغم من تطبيق كثيف ومعروف لهذه الأحكام في حق الفئات الأكثر فقرا وضعفا في المجتمع. وكثافة التنديدات تختلف لتتناسب مع المصالح المرتهنة. وهذا ظلم إضافي.
- عواطف الشعوب، تخوَف العلماء :
إنَ من يسافر في العالم الإسلامي ويخالط المسلمين يجد نفسه أمام استنتاج يفرض نفسه : في كل مكان تظهر الشعوب تتشبثا بالإسلام وبتعاليمه. هذه الحقيقة - وهي مهمة في حد ذاتها - يمكن أن تبدو مثيرة، وخطيرة تماما، وذلك عندما تكون طبيعة هذا التشبث قائمة على الانفعال، دون معرفة ولا فهم جديد للنصوص، بقليل من المسافة أو بدون أدنى مسافة نقدية تجاه مختلف تفاسير العلماء، ولا الوضع الضروري للأمور في سياقاتها، ولا تجاه طبيعة الشروط الواجب توفَرها، بل تجاه حماية حقوق الأفراد وإقامة العدل. فيما يخص مسألة الحدود، نشاهد أحيانا حالات شغف شعبية تتمنى أو تطالب بالتطبيق الحرفي والفوري لأنَ أصحاب هذه الحالات يعتقدون أنَ الحدود تضمن الصفة "الإسلامية" للمجتمع. والواقع أنَه ليس نادرا أن نسمع مسلمات ومسلمين من الشعب [متعلَمين أو غير متعلَمين، وفي الغالب فقراء ومحتاجين] يدعون إلى تطبيق شكلي وصارم لـ "الشريعة"، دون إدراك أنَهم قد يكونون أوَل ضحاياها. و عندما ندرس هذه الظاهرة نفهم أنَ هناك نوعين من التفكير وراء هذه المطالب : 1- التطبيق الحرفي والفوري للحدود يجعل المرجعية الإسلامية مرئية قانونيا واجتماعيا. إنَ التشريع، بصرامته، يعطي الانطباع بالإخلاص للأمر القرآني الذي يفرض امتثالا صارما للنص. وعلى المستوى الشعبي، رأينا في الدول الإفريقية والعربية والآسيوية، و حتى الغربية، أنَ القسوة، بل التصلب في التطبيق، هو الذي يمنح بعدا إسلاميا في الذهنية الشعبية. 2- بالمقابل، تغذَي انتقادات وإدانات الغرب شعورا بالإخلاص لتعاليم الإسلام تبعا لمنطق التقابل؛ الأمر بسيط وتبسيطي : معارضة الغرب الشرسة دليل كافٍ للخصوصية الإسلامية لتطبيق الحدود. وهناك من سيقتنعون وهم يؤكدَون أنَ الغرب قد فقد منذ مدة طويلة مرجعياته الأخلاقية وأصبح جد متساهل حتى أنَ القانون الجنائي الإسلامي، الذي يعاقب السلوكيات التي تعتبر غير أخلاقية، هو بالمقابل البديل الوحيد عن "الاندحار الغربي". هذه الأفكار الشكلانية والتقابلية خطيرة جدا، لأنَها تسعى إلى أن تضفي صفة إسلامية على تشريع ليس من أجل ما يدعو إليه، وليس لأنَه يحمي و يطبَق العدل، ولكن لأنَه يعاقب بقسوة، وظاهريا لأنَ هناك بعض السلوكيات المناقضة والمعارضة لقوانين الغرب التي تعتبر جد متساهلة أخلاقيا [3]. ونحن نرى أنَ هناك اليوم جاليات أو شعوبا مسلمة تكتفي أحيانا بهذا النوع من الشرعية لتدعم حكومة أو حزبا يدعو إلى تطبيق الشريعة في مفهومها كتطبيق حرفي وفوري للعقوبات الجسدية، مثل الرجم والقتل. ويمكن أن نلاحظ نوعا من الشغف الشعبي، خصوصيته الأولى هي الرغبة في الرد على مختلف أنواع الإحباط و الإهانة عن طريق تأكيد الهوية. يدرك هذا الشغف نفسه كإسلامي [معادٍ للغرب]، ولكنَه لا يتأسس على فهم أهداف ومقاصد الإسلام و مختلف التفاسير والشروط المرتبطة بتطبيق الحدود. و أمام هذا الشغف، يظل العديد من العلماء حذرين خوفا من فقدان مصداقيتهم لدى جموع الجماهير. كما نلاحظ أنَ ثمة عواطف شعبية تمارس نوعا من الضغط السيكولوجي على العمل التشريعي للعلماء، في حين أنَه من الطبيعي أن يظل هذا الأخير مستقلا حتى يتمكَن من تعليم الشعوب واقتراح البدائل. إنَ الظاهرة معكوسة اليوم : أغلب العلماء يخشون مواجهة المطالب الشعبية التي تكون أحيانا تبسيطية، ومفتقرة إلى رصيد معرفي كافي، ومندفعة، كل ذلك خوفا من فقدان وضعهم الاعتباري و خشية أن يعتبروا جد متساهلين، و أنَهم ليسوا جد صارمين ، و جد متغرَبين، و ليسوا إسلاميين بالقدر الكافي. إنَ واجب العلماء يفرض عليهم أن يكونوا الضامنين لقراءة معمَقة للنصوص، وللوفاء والإخلاص لأهداف العدل والمساواة، ولدراسة نقدية للشروط والسياقات الاجتماعية. عوض ذلك أ صبح العلماء منساقين إلى القبول بالشكلانية [تطبيق فوري وغير محيَن]، أو بالتفكير التقابلي التبسيطي [غرب أقل، يساوي إسلام أكثر]، أصبحوا يتخفَون وراء صيغ تحميهم، من دون العمل على الإتيان بحلول للظلم الذي يعانيه النساء والفقراء والضعاف : ["تكاد لا تطبَق"].