وسيم أحمد الفلو
30-04-2009, 08:08 AM
.. ومن دروس العمر أن الندم ليس خياراً. فالندم يوازي وخز الضمير، الذي في حال احتدامه يرتقي إلى مستوى العذاب الأليم. فمن عبر الحياة أن الندم على فعل أو عمل قام به المرء لا يجدي نفعاً، فإنه لا يغيّر في ما جرى أو وقع قيد أنملة.
العمر يبقى سراً مغلقاً. هناك من ينتقل إلى جوار ربه في ريعان الشباب، ومن يبلغ من العمر عتياً، يجاوز السبعين أو حتى الثمانين، وقلة تتعدى التسعين والبعض يطرق حتى باب المئة أو يجاوزه.
الانكشاف على المرض أو الاعتلال حالة تلازم المرء طيلة عمره، والعلة قد تكون فردية أو تكون جرثومية ذات انتشار واسع وأحياناً رهيب، بين الناس فتسمى وباءً. والعلة قد تكون جسدية إذ تصيب عضواً أو جهازاً في الجسم، أو قد تكون ذهنية أذ يصاب المرء مع تقدمه في العمر بحالة من التدهور تتجلى في تزايد فقدان الذاكرة، أو في تراجع فاضح في القدرة على الفهم والاستيعاب، أو في انكفاء صارخ في تماسك التفكير وطلاقة اللسان في التعبير، أو خلاف ذلك. كأنما العلة الذهنية هي ضريبة العمر التي لا مفر منها. فترى كثيراً من وجوه المجتمع يعتكفون الحياة العامة مع تقدم السن، وبعضهم يطويه طوفان النسيان في المجتمع أو يكاد. اللافت أن الطب يسجل تقدماً ملحوظاً كل يوم من دون انقطاع، ولكنه يبقى بالطبع عاجزاً عن الإحاطة بجميع الحالات.
من حكمة الله تعالى أن المرء في صباه وشبابه وحتى في كهولته يبقى غافلاً عما ينتظره في سن الشيخوخة، فيتصرف وكأنه سيعيش أبداً متمتعاً بوافر الصحة والعافية جسدياً وذهنياً. ولولا هذه الظاهرة ربما لما استمرت الحياة أو أقله لما تواصلت وتيرة التطور والتقدم في مجتمعات العالم. هكذا فإن غفلة أكثر الناس عن المصير المحتوم، في عهد الصبا والشباب وربما الكهولة، هي نعمة من الله تعالى تحفظ للمجتمع والأمة لا بل وللإنسانية الحيوية التي من دونها لا يكون نضال وجهاد وتنافس بين بني البشر، ولا يكون من ثم تطور مجتمعي وثقافي وحضاري. فوعي القدر المحتوم، في حال طغى على النفس، قد يُفضي إلى قتل الحيوية وبالتالي إلى القعود عن الإنتاج والجهاد والنضال وحتى عن التفكير البعيد المدى والتصور الخصب، وذلك كله على حساب التقدم أو التطور المجتمعي والثقافي والحضاري.
ومن دروس العمر أن الندم ليس خياراً. فالندم يوازي وخز الضمير، الذي في حال احتدامه يرتقي إلى مستوى العذاب الأليم. فمن عبر الحياة ان الندم على فعل أو عمل قام به المرء لا يجدي نفعاً. فإنه لا يغير في ما جرى أو وقع قيد أنملة. فما يكون من الندم سوى وخز الضمير، أي العذاب الأليم.
هذا لا يعني أن المرء ينبغي أن يتناسى أخطاء العمر ولو مكابرة. إن استحضار أخطاء العمر ينبغي أن يكون حافزاً على طلب العفو والمغفرة من رب العالمين إزاء أية إساءة قد يكون المرء في سلوكه قد سبّبها لأخوة له من بني البشر، واستطراداً أن يكون دافعاً إلى الاعتذار، أي طلب العفو، من ضحية خطأ اقترفه أو خطيئة ارتكبها المرء في حياته. ففي هذا ما فيه من تعزية أو ترضية للمصاب بأذية عملنا، وفيه تالياً بعض التفريج عن نفس المسن المهدد بوخز الضمير.
وشتان ما بين الخطأ والخطيئة. فجلّ من لا يخطئ. فبنو الإنسان معرضون بطبيعة الحال إلى ارتكاب أخطاء في أدائهم اليومي. والخطأ بهذا المعنى كثيراً ما يدفع ثمنه مرتكبه مادياً أو معنوياً، أي في ثروته أو مستوى معيشته أو في مقامه داخل محيطه أو علاقاته مع سائر أبناء مجتمعه. أما الخطيئة فهي في حجم الخطأ الجسيم الذي تكون له انعكاسات سلبية فادحة على المجتمع وقيمه أو على الوطن أو حتى الإنسانية. جرائم القتل والإبادة والتخريب والخيانة الوطنية أو القومية والمشاركة أو التواطؤ في أي من هذه الرزايا، كلها من الخطايا المشهودة. وإذا كان الاعتراف بالخطأ في كثير من الحالات سبيلاً إلى العفو والمغفرة، ومن ثم إعتاق صاحبه من وزر الندم وعذاب الضمير، فإن الاعتراف بخطيئة لا يكفي للتحلل من أوزارها. ويبقى العفو والمغفرة رهن بمشيئة الله تعالى وبخاصة في حال رجحت في ميزان حياة المرء كفة من الحسنات على كفة السيئات. فالخير له حسابه في ميزان حياة المرء كما للسيئات حسابها. إن ما يرضي الله هو ما يرضي الضمير. وفي حال كان ما يرضي الضمير الشخصي غير كافٍ لإرضاء الله تعالى، فإن ذلك إنما ينمّ عن سوء تقدير وإنما ليس عن سوء نية. وقد يكون باب العفو عند رب العالمين، الغفور الرحيم، غير مغلق. فليسلّم المرء أمره إلى الله ويعفي نفسه من مغبة وخز الضمير.
والكذب رزيّة من رزايا الإنسان في حياته، وقد تكون الكذبة في حجم الخطأ أو في حجم الخطيئة، تبعاً لأبعادها وانعكاساتها على حياة الآخرين ورفاه المجتمع.
ومن المفترض أن يتحاشى المرء في شيخوخته تسديد اللوم إلى الغير على سيئة ارتكبت في حقه، واستطراداً يتعين على المتقدم في السن، الذي يجد متسعاً من الوقت لاستحضار الماضي في حال كان يتمتع بالقدرة على ذلك، أن يُسقط من قاموسه عقاب الآخرين ممن يلقي عليهم باللائمة وأن يستبعد كلياً الانتقام منهم على وجه من الوجوه. فالعفو عند المقدرة تبقى شيمة سامية، لا بل يمكن أن تكون سبيلاً لقطف شيء من عفو رب العالمين ومغفرته. وهذا أعز ما يمكن أن يحظى به راحل من الدنيا الفانية.
هذا قدر مما راودني وأنا وسط وعكة صحية على باب الثمانين من العمر، وعشية عيد العمال، عيد من يرمزون إلى الخير والإنتاج والعطاء بأسمى المعاني.
العمر يبقى سراً مغلقاً. هناك من ينتقل إلى جوار ربه في ريعان الشباب، ومن يبلغ من العمر عتياً، يجاوز السبعين أو حتى الثمانين، وقلة تتعدى التسعين والبعض يطرق حتى باب المئة أو يجاوزه.
الانكشاف على المرض أو الاعتلال حالة تلازم المرء طيلة عمره، والعلة قد تكون فردية أو تكون جرثومية ذات انتشار واسع وأحياناً رهيب، بين الناس فتسمى وباءً. والعلة قد تكون جسدية إذ تصيب عضواً أو جهازاً في الجسم، أو قد تكون ذهنية أذ يصاب المرء مع تقدمه في العمر بحالة من التدهور تتجلى في تزايد فقدان الذاكرة، أو في تراجع فاضح في القدرة على الفهم والاستيعاب، أو في انكفاء صارخ في تماسك التفكير وطلاقة اللسان في التعبير، أو خلاف ذلك. كأنما العلة الذهنية هي ضريبة العمر التي لا مفر منها. فترى كثيراً من وجوه المجتمع يعتكفون الحياة العامة مع تقدم السن، وبعضهم يطويه طوفان النسيان في المجتمع أو يكاد. اللافت أن الطب يسجل تقدماً ملحوظاً كل يوم من دون انقطاع، ولكنه يبقى بالطبع عاجزاً عن الإحاطة بجميع الحالات.
من حكمة الله تعالى أن المرء في صباه وشبابه وحتى في كهولته يبقى غافلاً عما ينتظره في سن الشيخوخة، فيتصرف وكأنه سيعيش أبداً متمتعاً بوافر الصحة والعافية جسدياً وذهنياً. ولولا هذه الظاهرة ربما لما استمرت الحياة أو أقله لما تواصلت وتيرة التطور والتقدم في مجتمعات العالم. هكذا فإن غفلة أكثر الناس عن المصير المحتوم، في عهد الصبا والشباب وربما الكهولة، هي نعمة من الله تعالى تحفظ للمجتمع والأمة لا بل وللإنسانية الحيوية التي من دونها لا يكون نضال وجهاد وتنافس بين بني البشر، ولا يكون من ثم تطور مجتمعي وثقافي وحضاري. فوعي القدر المحتوم، في حال طغى على النفس، قد يُفضي إلى قتل الحيوية وبالتالي إلى القعود عن الإنتاج والجهاد والنضال وحتى عن التفكير البعيد المدى والتصور الخصب، وذلك كله على حساب التقدم أو التطور المجتمعي والثقافي والحضاري.
ومن دروس العمر أن الندم ليس خياراً. فالندم يوازي وخز الضمير، الذي في حال احتدامه يرتقي إلى مستوى العذاب الأليم. فمن عبر الحياة ان الندم على فعل أو عمل قام به المرء لا يجدي نفعاً. فإنه لا يغير في ما جرى أو وقع قيد أنملة. فما يكون من الندم سوى وخز الضمير، أي العذاب الأليم.
هذا لا يعني أن المرء ينبغي أن يتناسى أخطاء العمر ولو مكابرة. إن استحضار أخطاء العمر ينبغي أن يكون حافزاً على طلب العفو والمغفرة من رب العالمين إزاء أية إساءة قد يكون المرء في سلوكه قد سبّبها لأخوة له من بني البشر، واستطراداً أن يكون دافعاً إلى الاعتذار، أي طلب العفو، من ضحية خطأ اقترفه أو خطيئة ارتكبها المرء في حياته. ففي هذا ما فيه من تعزية أو ترضية للمصاب بأذية عملنا، وفيه تالياً بعض التفريج عن نفس المسن المهدد بوخز الضمير.
وشتان ما بين الخطأ والخطيئة. فجلّ من لا يخطئ. فبنو الإنسان معرضون بطبيعة الحال إلى ارتكاب أخطاء في أدائهم اليومي. والخطأ بهذا المعنى كثيراً ما يدفع ثمنه مرتكبه مادياً أو معنوياً، أي في ثروته أو مستوى معيشته أو في مقامه داخل محيطه أو علاقاته مع سائر أبناء مجتمعه. أما الخطيئة فهي في حجم الخطأ الجسيم الذي تكون له انعكاسات سلبية فادحة على المجتمع وقيمه أو على الوطن أو حتى الإنسانية. جرائم القتل والإبادة والتخريب والخيانة الوطنية أو القومية والمشاركة أو التواطؤ في أي من هذه الرزايا، كلها من الخطايا المشهودة. وإذا كان الاعتراف بالخطأ في كثير من الحالات سبيلاً إلى العفو والمغفرة، ومن ثم إعتاق صاحبه من وزر الندم وعذاب الضمير، فإن الاعتراف بخطيئة لا يكفي للتحلل من أوزارها. ويبقى العفو والمغفرة رهن بمشيئة الله تعالى وبخاصة في حال رجحت في ميزان حياة المرء كفة من الحسنات على كفة السيئات. فالخير له حسابه في ميزان حياة المرء كما للسيئات حسابها. إن ما يرضي الله هو ما يرضي الضمير. وفي حال كان ما يرضي الضمير الشخصي غير كافٍ لإرضاء الله تعالى، فإن ذلك إنما ينمّ عن سوء تقدير وإنما ليس عن سوء نية. وقد يكون باب العفو عند رب العالمين، الغفور الرحيم، غير مغلق. فليسلّم المرء أمره إلى الله ويعفي نفسه من مغبة وخز الضمير.
والكذب رزيّة من رزايا الإنسان في حياته، وقد تكون الكذبة في حجم الخطأ أو في حجم الخطيئة، تبعاً لأبعادها وانعكاساتها على حياة الآخرين ورفاه المجتمع.
ومن المفترض أن يتحاشى المرء في شيخوخته تسديد اللوم إلى الغير على سيئة ارتكبت في حقه، واستطراداً يتعين على المتقدم في السن، الذي يجد متسعاً من الوقت لاستحضار الماضي في حال كان يتمتع بالقدرة على ذلك، أن يُسقط من قاموسه عقاب الآخرين ممن يلقي عليهم باللائمة وأن يستبعد كلياً الانتقام منهم على وجه من الوجوه. فالعفو عند المقدرة تبقى شيمة سامية، لا بل يمكن أن تكون سبيلاً لقطف شيء من عفو رب العالمين ومغفرته. وهذا أعز ما يمكن أن يحظى به راحل من الدنيا الفانية.
هذا قدر مما راودني وأنا وسط وعكة صحية على باب الثمانين من العمر، وعشية عيد العمال، عيد من يرمزون إلى الخير والإنتاج والعطاء بأسمى المعاني.