تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الداعية الإسلامي فتحي يكن (رحمه الله) ... يكتب مذكراته



سفرطاس
18-06-2009, 02:53 AM
الداعية الإسلامي فتحي يكن (رحمه الله)
يكتب مذكراته


[بيروت/ الإسلام اليوم]





النشأة الأولى : مرحلة الطفولة



كانت ولادتي ـ بمشيئة الله تعالى: في التاسع من شباط من العام 1933.
نشأت في بيئة متدينة محافظة أبـًا عن جَدٍّ.. وعشْتُ طفولتي الأولى في كَنَفِ جَدَّتِي لأبي، المرحومة السيدة [وسيلة مرحبا] التي وجَدَت بيَ السَّلْوَى والعِوَض عن زوجها جدي المرحوم [محمود شريف يكن] الذي تُوفي قبل ولادتي بأيام.
كانت جدتي رحمها الله على جانب كبير من التدين، صارمة وذاتَ شخصية قوية. تعلمْتُ على يديها الوضوء والصلاة والأدب، وخصالًا لا تزال تلازمني حتى اليوم: النظافة، والترتيب، والحزم، ومحبة المساكين.
في غرفتها المتأنقة أثاثًا، المتألقة بياضًا، كنت أقضي سحابة يومي حتى التحاقي بالمدرسة.. تارة أعبث بشعرها الفضي ـ وهي تضمني إليها بحنان ـ وطورًا ألعب فوق سريرها المعدني، المجلل "بشراشف" تحاكي في بياضها بياض الثلج الناصع في أعالي الجبال.
على هذا النحو دَرَجْتُ، وفي هذا البيت الذي يقع في منطقة الرفاعية، بمدينة طرابلس، عِشْتُ وتَرَبَّيْتُ، بين جدة متدينة وصارمة، وأب لا يقل عنها صرامة، وإن كانت مفعـمة بالمحبة والعاطفة، ولكنها دفينة ويندر ظهورها؟
أما والدتي [عائشة] ـ رحمها الله رحمة واسعة ـ فكانت كتلة من عاطفة، ولكنها جامحة يصعب التحكم فيها، أو التخفيف من ضِرَامِهَا.




صرامة لكنها مفيدة



صحيح أننا كأطفال صغار كنا نتضايق من الصرامة التي جعلت منزلنا أشبه بالثكنة العسكرية، ولكننا بدأنا ندرك فائدتها بعد أن تقدم بنا السن؟
على مدخل الباب الخارجي كان والدي [محمد عنايت] رحمه الله قد أثبت لوحة للبلاغات الصادرة عنه، منها :
· تحديد موعد العودة إلى المنزل مساء.
· مواعيد تناول الطعام، صباحًا وظهرًا ومساءً.
· مواعيد الاستحمام.
· تعليمات تتعلق بالنظافة وأخرى بالترتيب.
· وتنبيهات تتعلق بالدراسة، إلى غير ذلك من الأمور المستجدَّة.
أذكر أن حضوره وهيبته وصرامته قد تركت أثرًا على كل أفراد العائلة، حتى القطط التي كان لا يخلو بيتنا من واحدة منها، فقد كانت تختفي عن الأنظار عندما كانت تسمع صوت مفاتيحه وهو يعالج قفل الباب!..




جدي لأمي "حكمت شريف يكن"



أما جدي لأمي فهو المرحوم حكمت شريف يكن، الكاتب والشاعر والمؤرخ والأديب المعروف، وإن بقيَت معظم مؤلفاته مخطوطات لم تأخذ طريقها إلى الطباعة بعد. وُلد في طرابلس عام 1880 وتُوفي في اللاذقية عام 1948.
ولقد قامت زوجتي ـ حفظها الله وجزاها خيرًا ـ منذ سنوات بتحــقـيــق أحـــد كتبه [تاريخ طرابلس الشام، من أقدم عصورها إلى هذه الأيام]، فيما تنتظر المخطوطات الأخرى من يَتَعَهَّدُهَا بالتحقيق والطباعة، كتاريخ الأديان الذي يقع في اثنين وثلاثين جزءًا. وكان رحمه الله يُتقن التركيَّة ويتكلم الفارسية والأورديَّة والفرنسية.
على غلاف كتابه [تاريخ طرابلس الشام] نظم جَدِّي البيتين التاليين من الشعر:
"طرابلس الفيحاء شامة" قطرنا مدى الدهر في خد البلاد غدت شامة
"وجـُـلـقُ" لما شبهوها بعينهــا فانسانها كانت "طرابلس شامــة"
تلقى العلم في الآستانة، وعاد إلى الفيحاء يحمل الشهادات العليا، كما نهل من علوم شيوخها وأعلامها كالشيخ [محمود نشابه 1813-1890] و [الشيخ عبد الغني الرافعي 1816-1890] و [الشيخ عبد القادر الرافعي] وغيرهم.
ومن آثار وأعمال الجد رحمه الله، أنه أصدر في اللاذقية جريدة [الرغائب] التي توقفت أثناء الحرب العالمية الأولى لاعتبارات كثيرة، ثم عادت للصدور.

تزوج جدي سيدة من اللاذقية هي المرحومة [نظيرة]؛ ابنة مفتي المدينة الشيخ عبد القادر المفتي، بحكم عمله فيها، حيث أنجبت له ثلاث بنات هن: عائشة "والدتي"، وعزمية التي توفيت بعد فترة وجيزة من زفافها من المهندس صلاح رمضان، وعربية زوجة مدحت عجان من اللاذقية.
أحبني جدي حبًّا شديدًا ومميَّزًا، جعله يختصني في وصيته بمكتبته الزاخرة العامرة.. وبسبب صغر سني يوم وفاته، فقد ضاع الكثير من محتويات هذه المكتبة الفريدة، ولم يتسنَّ للوالد إلا نقل القليل منها إلى طرابلس، إضافة إلى المخطوطات، التي أمكن المحافظة عليها؟
ومن مفارقات الأقدار، أن تكون وفاة جدي ـ ابن طرابلس ـ في اللاذقية حيث دُفن فيها، وأن تكون وفاة جدتي السيدة نظيرة ـ ابنة اللاذقية ـ في طرابلس حيث دُفنت فيها، وصدق الله تعالى حيث يقول
{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}




مرحلة الشباب



التحقْتُ في سن مبكرة بمدرسة [النجاح الوطنية]، ثم بمدرسة [النموذج] الرسمية، وكنت يومها في العاشرة من العمر. كان يدير المدرسة الدكتور حسن الحجة، بينما يتولى الشيخ نصوح البارودي التعليم الديني فيها، رحم الله الاثنين معًا.
مذبحة فرنسية لا تُنسى في شوارع طرابلس:
من الذكريات الأليمة التي استقرَّت في العقل الباطن ويصعب نسيانها، تلك المذبحة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الفرنسي في مدينة طرابلس..
فقُبَيْلَ استقلال لبنان في العام [1942] خرجت مسيرة طلابية تجوب شوارع المدينة المجاهدة طرابلس، تطالب بانسحاب القوات الفرنسية من لبنان، وكنت من المشاركين فيها..
وما إنْ وصلت المسيرة إلى شارع الميناء، بمحاذاة منزل محافظ المدينة، حتى اعترضها رتل من الدبابات الفرنسية، وقامت بفتح رشاشاتها على الطلاب العُزَّل ثم اندفعت نحوهم ساحقةً أجسادَهم تحت عجلاتها المجنزرة بوحشية تفوق كلَّ تصوُّر، مخلِّفة عشرات الجثث التي تحولت إلى كتل من اللحم والعظم لاصقة على الطريق.
وهنا أود أن أُسَجِّلَ ـ للتاريخ والأجيال ـ أن الروح الجهادية المِعطاءة، كانت ولا تزال الميزة الأساسية التي يتحلى بها أهل الفيحاء ـ مدينة العلم والعلماء، كما هي مدينة الجهاد والإباء ـ وهو ما جعلها فخر الثورات، ومنطلق الحركات التحررية بلا منازع.




المدرسة الأمريكية للصبيان



في العام 1946 ألحقني والدي رحمه الله بالمدرسة الأمريكية للصبيان، والتي تضم أبناء معظم العائلات الطرابلسية والشمالية المعروفة.
وقد أُتيح لي في هذه البيئة الجديدة أن أتعرَّف، وفي سن مبكرة، على أنماط شتى من الناس والتيارات والأحزاب والطوائف والمذاهب.
في عام 1953 تخرجْتُ من هذه المدرسة ونِلْتُ شهادة الدبلوم High School


الحضرة الأسبوعية :
من العوائد التي درج عليها الوالد رحمه الله إقامته ما سمي [الحضرة الأسبوعية] التي كانت تعقد كل ليلة اثنين، يحضرها نخبة من العلماء والقراء والمنشدين، من أمثال الشيخ نصوح البارودي والشيخ أنور المولوي وغــيرهــــم [الصورة] حيث كان يقرأ القرآن، ثم تنشد [قصيدة البردة الشريفة] للإمام البوصيري، والابتهالات والمدائح النبوية، وفي نهاية المطاف توزع الحلوى والمرطبات.


حكمت شريف يكن مرة أخرى:
وبالعودة إلى جدي لأُمي المرحوم حكمت شريف يكن، فقد كان كاتبًا ومؤرخًا وأديبًا عرفته الفيحاء والكثير من العواصم العربية والعالمية.. ولقد ترك العديد من المؤلفات التي لا تزال مكتوبة بيده منها 36 جزءًا في تاريخ الأديان. قامت زوجتي ـ جزاها الله خيرًا ـ بتحقيق وطباعة كتابه [تاريخ طرابلس الشام]
كان جدي شديد المحبة لي والعناية بي، مما دفعه إلى أن يخصني في وصيته بمكتبه العامرة، إلا أن صغر سني في تلك المرحلة حال دون تنفيذ الوصية بشكل دقيق، حيث ضاع الكثير من الكتب النفيسة بين اللاذقية وطرابلس.


العائلة وأصولها:
فاتني أن أشير إلى أن عائلتنا تركية الأصل.. وأنَّ الجد الأول للعائلة غادر تركيا في القرن السابع عشر لخلاف مع السلطان آنذاك واستوطن حلب وطرابلس، وأن [حمزة باشا يكن] والي طرابلس هو جد العائلة اليكنيَّة الطرابلسية وأصل شجرتها.
ويمكن العودة إلى شجرة العائلة في هذا الموقع وفي الباب المخصص لذلك.




مجلة الدعوة والبداية الحركية



في مطلع الخمسينات، وتحديدًا عام 1952 وصلتني أعداد من مجلة [الدعوة] المصرية، التي يرأس تحريرها المرحوم صالح عشماوي.. والحقيقة أنني تأثرت بهذه الصحيفة تأثرًا كبيرًا؛ حيث أسهمَتْ في بلورة شخصيتي الحركية، وانتقلت بي من حال التدين السلبي إلى حال التدين الإيجابي، ومن دائرة الهم الفردي إلى دائرة الهم الجماعي.. كان كل ذلك بداية التأسيس الحركي في حياتي بقدر الله تعالى ومشيئته..




جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية



كان العام 1953 بداية المسيرة الحركية في حياتي.. رحت أستكشف أجواء المدينة التي وُلدت فيها [طرابلس مدينة العلم والعلماء]، والتي كنت غائبًا عنها، ولا أعرف إلا القليل عنها.
سرعان ما ساقني القدر إلى المحضن الدعوي الأول والمتمثل بـ [جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية]، حيث ضمني إلى نخبة من رجالها والعالمين فيها، وفي مقدمتهم فضيلة الشيخ صلاح الدين أبو علي [رئيس البعثة الأزهرية في لبنان] والتي كانت تضم حوالي 36 أزهريًّا.


النواة الأولى:
في هذه المرحلة، ولدت النواة الأولى للعمل الإسلامي في المدينة.

المجموعة كانت تضم الإخوة الكرام :
> عبد الرحمن القصاب > مصطفى صالح موسى > الشيخ سعيد شعبان > أحمد فضة > العبد الفقير.
كان إقبال المجموعة الإسلامية الأولى كبيرًا ولافتًا على فهم الإسلام فهمًا صحيحًا، والخروج من دائرة الفهم الوراثي إلى دائرة الفهم الحركي، القائم على المعرفة والإيمان والعمل.
رافق هذا الأمر قيام المجموعة بتنظيم أحاديث دعوية أسبوعية في مسجد [التوبة] الذي يقع بمحاذاة نهر أبي علي، وفي الوسط الشعبي لمدينة طرابلس.
ولقد عُهد إليَّ أن أكون أول المتكلمين في هذا النشاط.. وكانت المرة الأولى التي أتحدث فيها أمام الناس وفي مسجد، يومَ لم يكن يؤمُّ المساجدَ إلا كبارُ السن من أعمار آبائنا وأجدادنا.




اتساع الدائرة وإقبال الشباب



لم يمرَّ عام على بَدء النشاط الدعوي حتى توافَدَ الشباب على العمل بفضل الله تعالى.. فأرضية مدينة طرابلس زاخمة بالخير، كانت ولا تزال وستبقى، خزانًا متوقدًا نابضًا بالتفاعل مع الإسلام والقضايا الإسلامية في كل مكان..




جماعة عباد الرحمن.. المحضن الثاني



* نشأت جماعة عباد الرحمن ـ في بيروت ـ في أعقاب هزيمة عام 1948، كردة فعل إسلامية أفرزها المصاب الأليم.
وكان مؤسسها الأستاذ محمد عمر الداعوق قد عاش المأساة في فلسطين، وتشرد مع من تشردوا منها إلى لبنان..
* جاء الطرح العفوي لمؤسس الجماعة مؤكدًا على أن لهزيمة ما كانت لتقع لو أن العرب قاتلوا تحت راية الإسلام.
ولقد لقي هذا الطرح قبولًا زاخمًا في أوساط العاصمة اللبنانية؛ حيث انخرط في الجماعة آلاف من الشباب المسلم..




الالتحاق بجماعة عباد الرحمن



عام 1954 عقدت لقاءات بيننا وبين جماعة عباد الرحمن، انتهت بالتحاقنا بها، وافتتاح فرع لها في مدينة طرابلس، مما أتاح لنا فرصة الاحتكاك بأوساط العاصمة اللبنانية بيروت وبقية المناطق اللبنانية.
كانت هذه المرحلة غنية بنشاطاتها التربوية والدعوية والكشفية، قبل أن تدهمنا فتنة الناصرية!
عانت الجماعة الكثير من آثار الضغط الناصري، نتيجة الصراع الذي انفجر بين الإخوان في مصر وجمال عبد الناصر، والحملة التي شنها هذا الأخير على الحركة.
جرت محاولات لاختراق الجماعة سياسيًّا من قبل التيار الناصري، انعكس سلبًا على علاقاتنا بها.
لدى اندلاع ما عُرف بـ "ثورة عام 1958" على كميل شمعون [رئيس الجمهوية اللبنانية] آنذاك، بسبب قبوله مشروع "أيزنهاور وحلف بغداد والنقطة الرابعة"، قمنا بواجبنا في مدينة طرابلس بتوعية الجماهير بالخطر الداهم، وأنشأنا إذاعة عرفت بـ "صوت لبنان الحر"، وشارك شبابنا في الدفاع عن المدينة التي كانت مطوَّقة من قِبَل الجيش وميليشيات الكتائب والقوميين السوريين، مما أغاظ قيادة عباد الرحمن التي كانت ترفض رفضًا باتًا هذا اللون من العمل، الأمر الذي أدى بالنتيجة إلى انفصال مركز طرابلس عن تنظيم عباد الرحمن.




صور من مخيمات جماعة عباد الرحمن التربوية والكشفية

أثر المرحوم الدكتور مصطفى السباعي على مسيرة العمل الإسلامي في لبنان
من تقادير الله تعالى في هذه المرحلة، أن يأتي إبعاد المرحوم الدكتور مصطفى السباعي في عهد [أديب الشيشكلي] من سوريا إلى لبنان فرصة لإنضاج مسيرة العمل الإسلامي.
فهو ـ من خلال استقراره في العاصمة اللبنانية بيروت ـ دأبَ على تكوين جماعة عباد الرحمن وصياغتها على عينه، من خلال إمدادها بما لديه من علم وخبرات في مجال العمل الإسلامي.
* ولقد انعقدت بيني وبين الرجل صلة حميمة استمرت طيلة فترة إقامته في لبنان، ثم استمرت بعد ذلك طوال فترة مرضه وحتى وفاته رضي الله عنه وأرضاه، وأسكنه فسيح جناته.
* ولا يسعني من قبيل الوفاء لهذا العالم الداعية القائد، إلا أن أسجِّل ما كان له من أيادٍ بيضاء وفضل عميم على توجيه وتأصيل المسار الإسلامي في لبنان.




زيارة الهضيبي إلى لبنان



عام 1954 زار المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الأستاذ حسن الهضيبي مدينة طرابلس؛ حيث ألقى محاضرة في مركز جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية..
كلف رئيس الجمعية في تلك الفترة الشيخ صلاح الدين أبو علي، رئس البعثة الأزهرية في لبنان، المرحوم الدكتور "صبحي الصالح" بتقديم المرشد العام للحضور، وكان يرافق الأستاذ المرشد في جولته تلك "المرحوم صالح أبو رقيق".
ألقى فضيلة المرشد العام كلمة مطولة، تناول فيها الأوضاع العامة التي تمر بها بالبلاد في أعقاب هزيمة عام 1945 والانقلاب الذي قاده محمد نجيب ضد الملك فاروق بدعم من جماعة الإخوان المسلمين، كما تحدث عن لقاءاته مع المسئولين في المملكة العربية السعودية، ودعا إلى تكاتف العرب والمسلمين، والى اعتماد الإسلام منهجًا لحياة المسلمين.
أذكر أنني وبعض الإخوة رافقناه في جولة قام بها على المؤسسات الإسلامية في المدينة كان منها "كلية التربية والتعليم"، وخلال التقاط بعض الصور الفوتوغرافية ابتدر المصور الأستاذ المرشد قائلاً: "أرجو من فضيلتكم الانحناء قليلا لتظهر الصورة كاملة"، فما كان من فضيلته إلا أن أجابه باللهجة المصرية وعلى الفور: [ما تعودتش] أي أنني لم أتعود الانحناء إلا لرب العالمين.


مسجد "أبي سمراء" وذكريات لا تُنسى
خلال ثورة عام 1958 عهد إليَّ مدير أوقاف طرابلس المرحوم الشهيد [عصام المولوي] بالخطابة في مسجد [أبي سمراء]، وهو المسجد الوحيد الكائن في منطقة أبي سمراء ذات الثِّقَل السكاني والإسلامي، والتي كانت محاصرة يومذاك من قِبل الجيش اللبناني وميليشيات القوميين السوريين والكتائب اللبنانية..
كنت محْرَجًا بهذا التكليف، مع قناعتي بأهمية قيامي بهذا الدور.. وسبب الحرج عندي هو أن أعضاء البعثة الأزهرية الذين ناهز عددهم الثلاثين في تلك الفترة، كانوا يؤدون صلاة الجمعة في نفس المسجد، وكلهم علماء أفاضل، وعلى رأسهم رئيس البعثة الشيح صلاح الدين أبو علي رحمه الله، بينما لا أزال فتًى يافعًا لما تَنْبُتْ لحيتي بعد، فضلا عن ضحالة ما كان لديَّ من علم شرعي.
حاولت الاعتذار، وتمنيت على الشيخ صلاح الدين أبو علي أن يقوم بذلك عني، ولكن أصرَّ الجميع على أن أقوم أنا بذلك، فلله الأمر من قبل ومن بعد، ولله في خلقه شؤون.
ومن ذكريات تلك الحِقبة أن المرحوم عصام مولوي كان يحضر صلاة الجمعة باستمرار في المسجد المذكور.. وبعد صلاة إحدى الجُمَع قَفَلَ عائدًا إلى بيته كالمعتاد، وما إن أصبح قاب قوسين أو أدنى من منزله حتى اخترقت رصاصات قناص رأسَه وقلبَه، فخرَّ شهيدًا أمام عيون أبويه الذيْن كانا ينتظران وصوله من وراء النافذة.. رحمه الله رحمة واسعة.
وممن لا أنساهم في تلك الفترة الشيخ الرباني عمر الرافعي رحمه الله، والذي كان يحبني كثيرًا ويشجعني على عمل الدعوة والخطابة، ويحدثني عن ذكرياته مع الإمام الشهيد حسن البنا يوم كان في القاهرة، وكان معجبًا به غاية الإعجاب.
ولما كان المسجد المذكور الوحيد في تلك المنطقة الشعبية، فقد كان يؤمُّه الجميع، من قوى سياسية وحزبية [حركة القوميين العرب + حزب البعث + الحزب الشيوعي + الناصريون].. وكان من زوار المسجد الدائمين يوم الجمعة المرحوم رشيد كرامي (ابن الزعيم عبد الحميد كرامي رحمه الله) الذي عهد إليه بتشكيل أول حكومة بعد الثورة.




الغزو الأمريكي للبنان



أواخر العام 1958 بدأت أمريكا تهديداتها للقوى الوطنية والشعبية في لبنان، ولوَّحت بإرسال الأسطول السادس الأمريكي لدعم حكم كميل شمعون المؤيد للسياسة الأمريكية وقيام حلف بغداد.
ولقد واجه الموقفَ الأمريكي هذا حملةٌ واسعة من الاستنكارات شملت الكثير من المرجعيات السياسية والدينية، كان منها موقف البطريرك المعوشي، الذي قال بالحرف الواحد: إذا وطئت قدما أول جندي أمريكي شواطئ لبنان فسأخوض المعركة بنفسي. وصل الأسطول السادس إلى الشواطئ اللبنانية.. وبدأت عملية إنزال الجنود والمعدات إلى الأراضي اللبنانية، دون أن يحرك البطرك ساكنًا.
وفي خطبة الجمعة التي تلت، تناولتُ الموضوع بمساءلة للبطريرك المعوشي عن العهد الذي قطعه على نفسه.
وعبر إذاعتنا الخاصة [صوت لبنان الحر] وجهنا بيانًا تحذيريًّا باللغة الانجليزية إلى القوات الأمريكية لترك هذا البلد وشأنه، أو لتنتظر غضْبة الشعب اللبناني وثورتَه!!

جابر دملوك
19-06-2009, 08:13 PM
أخي الكريم بارك الله فيكم
بإنتظار المزيد

سفرطاس
19-06-2009, 10:20 PM
أخي الكريم بارك الله فيكم
بإنتظار المزيد




المزيد آتيكم بإذن الله
عسى أن نذكر من يعرفه به وبحياته ومواقفه
وأن نعرفه لمن لا يعرفه
فيعلم الفضل الذي تفضل به الله على الأمة الإسلامية من خلاله
فتخرس الألسنة التي طالته بسوء حيا وميتا لأنها لم تعرفه أو استقت مصادرها من جهّال به رحمه الله

HARD
19-06-2009, 11:26 PM
المزيد آتيكم بإذن الله
عسى أن نذكر من يعرفه به وبحياته ومواقفه
وأن نعرفه لمن لا يعرفه
فيعلم الفضل الذي تفضل به الله على الأمة الإسلامية من خلاله
فتخرس الألسنة التي طالته بسوء حيا وميتا لأنها لم تعرفه أو استقت مصادرها من جهّال به رحمه الله



معك حق يا اخي ، وهذا درس للجميع يفيد بعدم الحكم على الشخص من خلال غلطة ارتكبها بحياته ولا من خلال موقف لم يرق لاشخاص .......

الله انت ربي تعلم هفواتي فاعفو عني .......

بانتظار التتمة ..............