اشرف
20-06-2009, 02:19 AM
لن أذهب هذا اليوم ..
سأتصل وأخبرهم بذلك !
كلا ، لن أتصل !
فأنا لست مسئولا عن الأرقام السرية لسلاح نووي !
يجب أن أتوقف عن إعطاء الأمر كل هذه الأهمية !
فقط عد إلى النوم وتأكد أن هذا العالم سيستمر تماما كما لو كنت مستيقظا !
وأنك لن تصلب لغيابك عن العمل دون عذر !
كانت هذه الأفكار التي تراودني وأنا على سريري ، بعد أن أيقظني أسوء وأقبح شيء في غرفتي .. المنبه !
ومثل ما ينتهي دوما هذا الحوار الغبي بيني وبيني ،
ارتديت ملابسي ، ووضعت من العطور ما يكفي لكي أحتل أنوف الآخرين !
وأدرت محرك السيارة ، وجلست أحدق في بيوت شارعنا التي ليست مضطرة للذهاب إلى العمل .. !
أتوقف عند المحطة لتزويد سيارتي بالوقود ،
ولا أعرف أين يجب أن أذهب لملأ روحي بالوقود ؟!
إنني أنضب .. وسأتوقف عن العمل قريبا !
أتأمل عامل المحطة الذي لا يتوقف عن الابتسام وكأنه أحد ملوك الأرض !
رغم أنه ليس سوى عامل بسيط ، تذوب أجمل سنين عمره تحت شمس من أجل "حفنة مصريات" !
هذه الدنيا عجيبة ..
الذين يعرقون "الأكثر" يجنون "الأقل" !
والذين يجنون "الأقل" يبتسمون "الأكثر" !!
أتذكر سنوات المطعم ..
حيث كنت أنا الآخر عاملا ، يجب أن ينظف منطقته قبل انصرافه !
أيضا من أجل "حفنة دولارات" !!
أفهم الآن جيدا كيف أن أي ثورة يكون وقودها عمال !
وأن قناع هذا العالم يسقط ،
ويظهر وجهه الحقيقي في المصانع .. وفي عرق العمال !
كبائن الاتصال هي أصدق ما تبقى في هذا العالم التقني !
كمية الحزن والصدق التي تفوح من كبائن الاتصال ، كافية لغسيل الكثير من القبح الذي ينتشر في هذا الكوكب !
جرب فقط أن تتصل من كبينة اتصال وستشعر أن روحك أصبحت "أنظف" !
لكن الأمر لم يكن جميلا إلى هذا الحد كما كنا نتصور !
وهذا ما كنت أفكر فيه وأنا أدخل إلى مكان عملي ..!
تغيب الشمس فأخلع صفحة التقويم وأغادر المكتب !
لا شيء يصيبني "بالسكتة الفكرية" مثل أذان المغرب !
في اللحظة التي تموت فيها الشمس ، فتشعر أن جميع الأشياء إلى أفول
وأن كل هذا النهار ،
أطفال المدارس
العصافير
زحام الناس ،
مجرد كذبة !
تمسك بتلابيب روحك مئذنة .. تهزك بعنف
تؤكد لك ..
سيبقى "الله أكبر" !
أشعر أنني أتلاشى كالذر.. ويطويني الأثير !
هذا الدين يصيبني بالذهول في عمقه !
يمر في بالي المشهد الذي يقع فيه الأمير "أندريه" جريحا تحت جواد نابليون في رواية "الحرب والسلام"
وكيف كان "أندريه" مأخوذا بشخصية الإمبراطور الفرنسي في ما مضى
لكن الآن وهو ملقى على الأرض والإمبراطور فوقه مباشرة ، كان يحدق في السماء الواسعة .. فشعر بتفاهة نابليون وعظمة السماء !
تماما كما أشعر الآن بتفاهة كل "نابليونات" الأرض .. وعظمة المآذن !
لم تكن لدي رغبة في العودة إلى المنزل ،
فذهبت إلى المقهى !
في المقهى تشعر أنك مع الناس ، لكنك تبقى وحيدا !
تكون قريبا منهم ..
تختلط رائحة قهوتك بدخان سجائرهم ،
وتخدش أصواتهم صيوان أذنك !
وبعيدا جدا ..
تحتضر بينهم ،
تناديهم بكل ما فيك من صمت !
فيواصلون أحاديثهم ، ويبقى كل على طاولته !
المقهى مثل "البلكونة" ..
بقعة مخاتلة تقف على الحافة بين البيت والشارع !
تشعرك بألفة المنزل ، وتصب في أذنك صخب العابرين !
في المقهى فقط وفي البلكونة ، أشعر أنني أجلس في مكاني !
قريبا من الناس .. بعيدا عنهم !
لا أنضم لهم .. ولا أتمرد عليهم !
فقط أراقبهم ، وأمد يدي للغة لعلها تتنازل وتصافحني !
كانت اللغة كريمة معي هذه الليلة !
لمست أطراف أناملي فغادرت المقهى ..
وتركت خلفي فنجان قهوة فارغ ، وورقة مليئة بكلمات تتخبط على السطر كما تتخبط السمكة حين تخرجها من الماء !
كان صدري المالح بحرا لهذه الكلمات ، والآن أمضي وأتركها تلاقي حتفها في الهواء الطلق!
كانت الكتابة لدي أشبه ما تكون بمحاولة لإرشاد الناس إلى مكاني !
مثل ما يفعل الرهينة ، حين يترك في كل مرة ورائه شيئا من أثره ، ليمكن المنقذين من تتبعه وإطلاق سراحه ..!
فكنت أترك خلفي ملامحي والطرق التي أسير فيها !
أتركها على شكل استعارة أو أبيات شعر مبتورة !
ولم يجدني ،
ولا أطلق سراحي أحد !
فعلمت أن الكتابة صرخة تقول فيها للذين سيأتون من بعدك :
" لقد كنت هنا ! "
هذه آثاري ،
هذا حرفي
وهذه الأشياء كما بدت لي وعشتها !
ليس لأنك تريد منهم إنقاذك ،
ولكن كي يعلموا ..
أنك من هنا عبرت ، وتركت خلفك أثرا ومعنى !
وكانت هذه الكلمات هي التي تركتها خلفي هذه المرة :
" هل سبق لك ،
أن عدت من رحلة طويلة
لتجد أن المطر هو من يستقبلك بعد نزولك من الطائرة ..؟
يؤكد لك أن "البلل" هو ما ينتظرك في نهاية المطاف !
وأن العمر رحلة للبحث عن معطف .. ومظلة !
ابتسمت ..
وانغرست في قلبي شوكة !
ذهبت إلى غرفتي ، أنا أريد أن أنام
لكن بعد هذا اليوم الطويل ، كان السرير نهاية منطقية ..
دائرة هذا اليوم قد اكتملت !
"سريرك لو تعلم ..
يشبه التراب ،
خرجت منه في البداية وإليه تعود في نهاية المطاف !
والعمر لو تعلم ..
ليس أكثر من يوم !
يبدأ بالاستيقاظ كما تبدأ الحياة بصرخة الميلاد ،
وينتهي كما تنتهي الحياة ..
مصباح ينطفئ وسرير/ تراب يضمك !! "
.
.
.
كان هذا صوتا يناديني ..
ولا أعلم من أين ..؟!
سأتصل وأخبرهم بذلك !
كلا ، لن أتصل !
فأنا لست مسئولا عن الأرقام السرية لسلاح نووي !
يجب أن أتوقف عن إعطاء الأمر كل هذه الأهمية !
فقط عد إلى النوم وتأكد أن هذا العالم سيستمر تماما كما لو كنت مستيقظا !
وأنك لن تصلب لغيابك عن العمل دون عذر !
كانت هذه الأفكار التي تراودني وأنا على سريري ، بعد أن أيقظني أسوء وأقبح شيء في غرفتي .. المنبه !
ومثل ما ينتهي دوما هذا الحوار الغبي بيني وبيني ،
ارتديت ملابسي ، ووضعت من العطور ما يكفي لكي أحتل أنوف الآخرين !
وأدرت محرك السيارة ، وجلست أحدق في بيوت شارعنا التي ليست مضطرة للذهاب إلى العمل .. !
أتوقف عند المحطة لتزويد سيارتي بالوقود ،
ولا أعرف أين يجب أن أذهب لملأ روحي بالوقود ؟!
إنني أنضب .. وسأتوقف عن العمل قريبا !
أتأمل عامل المحطة الذي لا يتوقف عن الابتسام وكأنه أحد ملوك الأرض !
رغم أنه ليس سوى عامل بسيط ، تذوب أجمل سنين عمره تحت شمس من أجل "حفنة مصريات" !
هذه الدنيا عجيبة ..
الذين يعرقون "الأكثر" يجنون "الأقل" !
والذين يجنون "الأقل" يبتسمون "الأكثر" !!
أتذكر سنوات المطعم ..
حيث كنت أنا الآخر عاملا ، يجب أن ينظف منطقته قبل انصرافه !
أيضا من أجل "حفنة دولارات" !!
أفهم الآن جيدا كيف أن أي ثورة يكون وقودها عمال !
وأن قناع هذا العالم يسقط ،
ويظهر وجهه الحقيقي في المصانع .. وفي عرق العمال !
كبائن الاتصال هي أصدق ما تبقى في هذا العالم التقني !
كمية الحزن والصدق التي تفوح من كبائن الاتصال ، كافية لغسيل الكثير من القبح الذي ينتشر في هذا الكوكب !
جرب فقط أن تتصل من كبينة اتصال وستشعر أن روحك أصبحت "أنظف" !
لكن الأمر لم يكن جميلا إلى هذا الحد كما كنا نتصور !
وهذا ما كنت أفكر فيه وأنا أدخل إلى مكان عملي ..!
تغيب الشمس فأخلع صفحة التقويم وأغادر المكتب !
لا شيء يصيبني "بالسكتة الفكرية" مثل أذان المغرب !
في اللحظة التي تموت فيها الشمس ، فتشعر أن جميع الأشياء إلى أفول
وأن كل هذا النهار ،
أطفال المدارس
العصافير
زحام الناس ،
مجرد كذبة !
تمسك بتلابيب روحك مئذنة .. تهزك بعنف
تؤكد لك ..
سيبقى "الله أكبر" !
أشعر أنني أتلاشى كالذر.. ويطويني الأثير !
هذا الدين يصيبني بالذهول في عمقه !
يمر في بالي المشهد الذي يقع فيه الأمير "أندريه" جريحا تحت جواد نابليون في رواية "الحرب والسلام"
وكيف كان "أندريه" مأخوذا بشخصية الإمبراطور الفرنسي في ما مضى
لكن الآن وهو ملقى على الأرض والإمبراطور فوقه مباشرة ، كان يحدق في السماء الواسعة .. فشعر بتفاهة نابليون وعظمة السماء !
تماما كما أشعر الآن بتفاهة كل "نابليونات" الأرض .. وعظمة المآذن !
لم تكن لدي رغبة في العودة إلى المنزل ،
فذهبت إلى المقهى !
في المقهى تشعر أنك مع الناس ، لكنك تبقى وحيدا !
تكون قريبا منهم ..
تختلط رائحة قهوتك بدخان سجائرهم ،
وتخدش أصواتهم صيوان أذنك !
وبعيدا جدا ..
تحتضر بينهم ،
تناديهم بكل ما فيك من صمت !
فيواصلون أحاديثهم ، ويبقى كل على طاولته !
المقهى مثل "البلكونة" ..
بقعة مخاتلة تقف على الحافة بين البيت والشارع !
تشعرك بألفة المنزل ، وتصب في أذنك صخب العابرين !
في المقهى فقط وفي البلكونة ، أشعر أنني أجلس في مكاني !
قريبا من الناس .. بعيدا عنهم !
لا أنضم لهم .. ولا أتمرد عليهم !
فقط أراقبهم ، وأمد يدي للغة لعلها تتنازل وتصافحني !
كانت اللغة كريمة معي هذه الليلة !
لمست أطراف أناملي فغادرت المقهى ..
وتركت خلفي فنجان قهوة فارغ ، وورقة مليئة بكلمات تتخبط على السطر كما تتخبط السمكة حين تخرجها من الماء !
كان صدري المالح بحرا لهذه الكلمات ، والآن أمضي وأتركها تلاقي حتفها في الهواء الطلق!
كانت الكتابة لدي أشبه ما تكون بمحاولة لإرشاد الناس إلى مكاني !
مثل ما يفعل الرهينة ، حين يترك في كل مرة ورائه شيئا من أثره ، ليمكن المنقذين من تتبعه وإطلاق سراحه ..!
فكنت أترك خلفي ملامحي والطرق التي أسير فيها !
أتركها على شكل استعارة أو أبيات شعر مبتورة !
ولم يجدني ،
ولا أطلق سراحي أحد !
فعلمت أن الكتابة صرخة تقول فيها للذين سيأتون من بعدك :
" لقد كنت هنا ! "
هذه آثاري ،
هذا حرفي
وهذه الأشياء كما بدت لي وعشتها !
ليس لأنك تريد منهم إنقاذك ،
ولكن كي يعلموا ..
أنك من هنا عبرت ، وتركت خلفك أثرا ومعنى !
وكانت هذه الكلمات هي التي تركتها خلفي هذه المرة :
" هل سبق لك ،
أن عدت من رحلة طويلة
لتجد أن المطر هو من يستقبلك بعد نزولك من الطائرة ..؟
يؤكد لك أن "البلل" هو ما ينتظرك في نهاية المطاف !
وأن العمر رحلة للبحث عن معطف .. ومظلة !
ابتسمت ..
وانغرست في قلبي شوكة !
ذهبت إلى غرفتي ، أنا أريد أن أنام
لكن بعد هذا اليوم الطويل ، كان السرير نهاية منطقية ..
دائرة هذا اليوم قد اكتملت !
"سريرك لو تعلم ..
يشبه التراب ،
خرجت منه في البداية وإليه تعود في نهاية المطاف !
والعمر لو تعلم ..
ليس أكثر من يوم !
يبدأ بالاستيقاظ كما تبدأ الحياة بصرخة الميلاد ،
وينتهي كما تنتهي الحياة ..
مصباح ينطفئ وسرير/ تراب يضمك !! "
.
.
.
كان هذا صوتا يناديني ..
ولا أعلم من أين ..؟!