سفرطاس
22-06-2009, 11:59 PM
د. ديمة طارق طهبوب
ماذا يعني انتمائي للإسلام .. لفتحي يكن، تعريف عام بدين الإسلام للشيخ علي الطنطاوي، و الدعوة ضرورة بشرية و فريضة شرعية للدكتور عبد الله عزام رحمهم الله جميعاً، كانت أول مناهج "فك الخط" و محو الأمية في فهم الدعوة الإسلامية، قرأناها عندما كنا لا نزال شباباً متحمسين، بدأنا ندرك أن الإسلام أكثر من دين ورثناه عن آبائنا و أمهاتنا، و أكثر من دين عبادات بين الإنسان و ربه، و أننا حتى نكون مسلمين بحق علينا أن ننشر هذا الدين، و نتحرك به و نعيد إحياءه في واقع مجتمعاتنا.
كان منهج هؤلاء العلماء لا يعرف المراوغة، و لا المناطق الرمادية إلاّ ما كان فسحة في الدين. كان معنى أن تنتمي للإسلام، و تعرّف به و تدعو إليه أن يوافق ظاهرك باطنك، و ينبئ مظهرك عن مخبرك، و أن يتقمص الإسلام روحك و قلبك فيقتات على قوة جسدك و موارد حياتك حتى لا يبقى لك منك شيء إلاّ و قد بذلته في سبيل الله.
كانت كتبهم تعرّف الإسلام على أنه دين السلام و المحبة، و لكنهم لم يخافوا أن يكتبوا أنه دين الجهاد و الحرب للفتح و النصرة، و أنه كما يُنصر بطيب الكلام و حسن المعاملة، يحتاج أحياناً الى أن يُمكّن له بحد السيف.
كانت المنهجية في أفكارهم تتوافق مع الحاكم، و تقول له قولاً لينا، و تدعو له على المنابر، و لكنها لم تخف أن تُقتل بيديه إذا استدعى الأمر قولة حق و فعل صدق في وجه سلطان جائر.
منهجية تطير بالناس إلى آفاق محبة الغفور الرحيم، و تعلّمهم أن الارتفاع و السمو لن يكتمل إلاّ إذا وازنه جناح الخوف من القوي شديد العقاب.
أجيال و أجيال تربّت على هذا المعين الصافي و النهج الواضح يوم كان قيام الليل فريضة يومية ليتحمل الشباب مسؤولية تبليغ القول الثقيل الذي نزل على رسولهم من قبل صلى الله عليه و سلم، فكان الليل الشديد الوطأة هو مدرسة الصبر التي تتلمذ فيها الصحابة ليتخرجوا في الصباح فرساناً يخالطون الناس، و يصبرون على أذاهم ابتغاء مرضاة الله، يوم كانت أوراد الدعاء و مأثوراته تُتلى صباحاً و مساءً، و ما بينهما محاسبة و تقريع للنفس على التقصير في جنب الله، يوم كان خط الولاء لله و البراء مما سواه خطاً مستقيماً واضحاً لا تذبذب فيه هو (صراط الذين أنعمت عليهم)، لا كلاليب عليه، و لا مصالح شخصية تعوق ثبات السير عليه، و لا أنا ذاتية تخطف المرء من كل الجوانب حتى تسقطه في نار اتباع الهوى بالركض وراء ولاية أو منصب أو وزارة.
أجيال و أجيال تربّت على يد هؤلاء العلماء و على هذا الفكر التأصيلي الواضح المقدمات و النتائج قبل أن تتبدل الرؤى و المناهج، و تدخل المسمّيات الجذّابة من أمثال فقه الواقع، و فقه العصر و التجديد، و تحديث الخطاب الديني.. تمييع مقصود و خلط في ثوابت الدين يُفتي به أحياناً الرويبضات على هواهم، بينما أهل العلم و الفقه يُنحّون و يُنعتون بالرجعية و التشدّد و التخلّف.
أذكر انني قرأت مرة في كتاب قوارب النجاة في حياة الدعاة للشيخ يكن -رحمه الله- فصلاً عن التربية الأمنية و وجوب الاحتراز ممن يكيدون للدين، فاستثنيت لسذاجتي مجتمعاتنا العربية من هذا الفصل؛ فتعذيب العلماء و الكيد و التضييق على الدعاة لا يقوم به إلاّ أعداء الإسلام، و نحن مجتمعات مسلمة من رأسنا الى أخمص قدمينا؛ فلا حاجة لنا إلى مثل هذه التربية، غير أن الواقع الذي كبرنا عليه و ما زلنا نعاينه في العالم ككل يدلل على أن هذا الدين و الدعاة إليه سيبقون غرباء محاربين لسان حال جلاديهم يقول: (أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ).
انتقل الشيخ فتحي يكن إلى رحمة الله، و ما زالت مشكلات الدعوة و الداعية* في تزايد مستمر دون أن تجد لها حلولاً جذرية، انتقل إلى رحمة الله، و ما زلنا على كثرة معارفنا و تجاربنا و نظرياتنا لا نعرف كيف ندعو إلى الإسلام؟* انتقل الشيخ إلى رحمة الله و الشقاق يتنازع المسلمين من الداخل فكيف سيشكلون حركة اسلامية عالمية واحدة*، انتقل إلى رحمة الله و قوارب النجاة* قد أغرقناها بما حملت من الشبهات و المعاصي و التخليط، انتقل إلى رحمة الله، و لم يكن من المتساقطين على طريق الدعوة* و كأن آخر وصية له للدعاة ما اقتبسه في إحدى كتبه من حديث المصطفى -صلى الله عليه و سلم- الذي قال فيه: " ألا إن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الإسلام حيث دار، ألا إن الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب،ألا إنه سيكون عليكم أمراء، يقضون لأنفسهم ما لا يقضون لكم، إن عصيتموهم قتلوكم وإن أطعتموهم أضلوكم، قالوا يا رسول الله: كيف نصنع؟ قال: كما صنع أصحاب عيسى بن مريم عليه السلام نُشّروا بالمناشير، و حُمّلوا على الخشب، موت في طاعة الله خير من حياة في معصية".
إن الله لا ينزع العلم انتزاعاً من صدور الرجال كما ورد في الحديث الشريف، و لكن يقبض العلم بقبض العلماء، و ندعو الله ألاّ ينزع إيماننا و فهمنا للاسلام بذهاب علمائنا.
* عناوين كتب الشيخ الدكتور فتحي يكن
ماذا يعني انتمائي للإسلام .. لفتحي يكن، تعريف عام بدين الإسلام للشيخ علي الطنطاوي، و الدعوة ضرورة بشرية و فريضة شرعية للدكتور عبد الله عزام رحمهم الله جميعاً، كانت أول مناهج "فك الخط" و محو الأمية في فهم الدعوة الإسلامية، قرأناها عندما كنا لا نزال شباباً متحمسين، بدأنا ندرك أن الإسلام أكثر من دين ورثناه عن آبائنا و أمهاتنا، و أكثر من دين عبادات بين الإنسان و ربه، و أننا حتى نكون مسلمين بحق علينا أن ننشر هذا الدين، و نتحرك به و نعيد إحياءه في واقع مجتمعاتنا.
كان منهج هؤلاء العلماء لا يعرف المراوغة، و لا المناطق الرمادية إلاّ ما كان فسحة في الدين. كان معنى أن تنتمي للإسلام، و تعرّف به و تدعو إليه أن يوافق ظاهرك باطنك، و ينبئ مظهرك عن مخبرك، و أن يتقمص الإسلام روحك و قلبك فيقتات على قوة جسدك و موارد حياتك حتى لا يبقى لك منك شيء إلاّ و قد بذلته في سبيل الله.
كانت كتبهم تعرّف الإسلام على أنه دين السلام و المحبة، و لكنهم لم يخافوا أن يكتبوا أنه دين الجهاد و الحرب للفتح و النصرة، و أنه كما يُنصر بطيب الكلام و حسن المعاملة، يحتاج أحياناً الى أن يُمكّن له بحد السيف.
كانت المنهجية في أفكارهم تتوافق مع الحاكم، و تقول له قولاً لينا، و تدعو له على المنابر، و لكنها لم تخف أن تُقتل بيديه إذا استدعى الأمر قولة حق و فعل صدق في وجه سلطان جائر.
منهجية تطير بالناس إلى آفاق محبة الغفور الرحيم، و تعلّمهم أن الارتفاع و السمو لن يكتمل إلاّ إذا وازنه جناح الخوف من القوي شديد العقاب.
أجيال و أجيال تربّت على هذا المعين الصافي و النهج الواضح يوم كان قيام الليل فريضة يومية ليتحمل الشباب مسؤولية تبليغ القول الثقيل الذي نزل على رسولهم من قبل صلى الله عليه و سلم، فكان الليل الشديد الوطأة هو مدرسة الصبر التي تتلمذ فيها الصحابة ليتخرجوا في الصباح فرساناً يخالطون الناس، و يصبرون على أذاهم ابتغاء مرضاة الله، يوم كانت أوراد الدعاء و مأثوراته تُتلى صباحاً و مساءً، و ما بينهما محاسبة و تقريع للنفس على التقصير في جنب الله، يوم كان خط الولاء لله و البراء مما سواه خطاً مستقيماً واضحاً لا تذبذب فيه هو (صراط الذين أنعمت عليهم)، لا كلاليب عليه، و لا مصالح شخصية تعوق ثبات السير عليه، و لا أنا ذاتية تخطف المرء من كل الجوانب حتى تسقطه في نار اتباع الهوى بالركض وراء ولاية أو منصب أو وزارة.
أجيال و أجيال تربّت على يد هؤلاء العلماء و على هذا الفكر التأصيلي الواضح المقدمات و النتائج قبل أن تتبدل الرؤى و المناهج، و تدخل المسمّيات الجذّابة من أمثال فقه الواقع، و فقه العصر و التجديد، و تحديث الخطاب الديني.. تمييع مقصود و خلط في ثوابت الدين يُفتي به أحياناً الرويبضات على هواهم، بينما أهل العلم و الفقه يُنحّون و يُنعتون بالرجعية و التشدّد و التخلّف.
أذكر انني قرأت مرة في كتاب قوارب النجاة في حياة الدعاة للشيخ يكن -رحمه الله- فصلاً عن التربية الأمنية و وجوب الاحتراز ممن يكيدون للدين، فاستثنيت لسذاجتي مجتمعاتنا العربية من هذا الفصل؛ فتعذيب العلماء و الكيد و التضييق على الدعاة لا يقوم به إلاّ أعداء الإسلام، و نحن مجتمعات مسلمة من رأسنا الى أخمص قدمينا؛ فلا حاجة لنا إلى مثل هذه التربية، غير أن الواقع الذي كبرنا عليه و ما زلنا نعاينه في العالم ككل يدلل على أن هذا الدين و الدعاة إليه سيبقون غرباء محاربين لسان حال جلاديهم يقول: (أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ).
انتقل الشيخ فتحي يكن إلى رحمة الله، و ما زالت مشكلات الدعوة و الداعية* في تزايد مستمر دون أن تجد لها حلولاً جذرية، انتقل إلى رحمة الله، و ما زلنا على كثرة معارفنا و تجاربنا و نظرياتنا لا نعرف كيف ندعو إلى الإسلام؟* انتقل الشيخ إلى رحمة الله و الشقاق يتنازع المسلمين من الداخل فكيف سيشكلون حركة اسلامية عالمية واحدة*، انتقل إلى رحمة الله و قوارب النجاة* قد أغرقناها بما حملت من الشبهات و المعاصي و التخليط، انتقل إلى رحمة الله، و لم يكن من المتساقطين على طريق الدعوة* و كأن آخر وصية له للدعاة ما اقتبسه في إحدى كتبه من حديث المصطفى -صلى الله عليه و سلم- الذي قال فيه: " ألا إن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الإسلام حيث دار، ألا إن الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب،ألا إنه سيكون عليكم أمراء، يقضون لأنفسهم ما لا يقضون لكم، إن عصيتموهم قتلوكم وإن أطعتموهم أضلوكم، قالوا يا رسول الله: كيف نصنع؟ قال: كما صنع أصحاب عيسى بن مريم عليه السلام نُشّروا بالمناشير، و حُمّلوا على الخشب، موت في طاعة الله خير من حياة في معصية".
إن الله لا ينزع العلم انتزاعاً من صدور الرجال كما ورد في الحديث الشريف، و لكن يقبض العلم بقبض العلماء، و ندعو الله ألاّ ينزع إيماننا و فهمنا للاسلام بذهاب علمائنا.
* عناوين كتب الشيخ الدكتور فتحي يكن