تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الشهيدة مروة



نور
09-07-2009, 09:52 AM
http://islamtoday.net/media_bank/image/2009/7/8/1_200978_5871.jpg


د. ديمة طارق طهبوب

استُشهدت مروة الشربيني من أجل حجابها، كما استُشهدت من قبل أول شهيدة في الإسلام سمية زوجة ياسر،أم عمار، من أجل دينها و عفتها، و ما بين العصرين لم تختلف جاهلية الجلاد، و لم يقل الحقد على الإسلام و المسلمين.
سال دم مروة وصعدت روحها إلى بارئها، و فقد الأهل ابنتهم، و الزوج زوجته، و الولد أمه، و فقدنا كعرب و مسلمين روحاً طاهرة من أجل الحجاب، الحجاب الذي تفرط به المسلمات، بل و تنطلي على بعضهن ضلالات و مؤامرات الغرب الذي انكفأ في فرنسا على شعارات الديمقراطية و الحرية و المساواة التي مات من أجلها ضحايا الثورة الفرنسية، و قُطّعت فداء لها الرؤوس تحت المقصلة، و أشهرها رأس ماري انطوانيت التي كانت رمز الجلال و الدلال في فرنسا الإمبراطورية، و لكن عندما جاء تطبيق مبادئ الحرية على الإسلام و المسلمين، أصبح الحجاب و النقاب من مظاهر استعباد و استرقاق النساء، و العجيب أن ساركوزي -و بيته من زجاج- هو من يرمي المسلمات بهذه الاتهامات، فزوجته (كارلا بيروني) كانت و ما زالت مستعبدة، و لكن رقها من نوع آخر، رق عروض الأزياء و نخاسة الجسد التي تعامل المرأة كسلعة تُباع و تُشترى، ألم يكن استعباداً أن تتصور سيدة فرنسا الأولى، قبل زواجها، عارية ثم تُباع صورها بآلاف الجنيهات في المزادات لتحدث فضيحة سياسية أثناء زيارتها لبريطانيا!!
في الزمن الذي تُقتل فيه مروة من أجل حجابها تصنف المرأة التي تكشف جسدها و عورتها على أنها حرة و متقدمة و منطلقة، بينما تُنعت المرأة التي تبتغي الستر و العفاف بالتخلف و العبودية، و تستحق جميع أنواع التضييق و الاتهام و العقاب بما فيها الموت!!
استُشهدت مروة و سال دمها من أجل الحجاب الذي تتحايل المحجبات على شكله و لونه و طريقة ارتدائه، حتى أصبح صرعة له موضته و سوقه و أزياؤه و إكسسواراته، و فقد شروطه و معنى الستر فيه بألاّ يصف و لا يشفّ، و لا يكون لباس شهرة، و أصبح بدل أن يُصنع في بلاد المسلمين يُصنع في الصين و اليابان، فيأتينا بألوان الأطياف كلها التي تجذب أنظار النساء إلى بعضهن قبل أن تجذب أنظار الرجال إليهن، و رقَّ قماشه حتى أظهر ما تحته، و زُين بصور البشر و الطيور و الحيوانات و السلاسل و الأفاعي و الرسوم المشبوهة حتى صار غير صالح للصلاة فيه!!
استُشهدت مروة و سال دمها و هي بصورتها الملائكية لم تكن من المفرّطات، لم تكن من اللواتي سوّفن حتى شاب الشعر، و احدودب الظهر، و صارت الرجل قريباً من القبر بذريعة عدم الاقتناع!!
كانت قناعة مروة، قناعة الطاعة و المسارعة، كقناعة نساء الأنصار اللواتي قالت عنهن السيدة عائشة رضي الله عنها: "رحم الله نساء الأنصار، لما نزلت آية الحجاب شققن مروطهن (كساء من صوف أو خز) فاختمرن بها، و خرجن إلى الصلاة و كأن رؤوسهن الغربان من السكينة، و عليهن أكسية سود يلبسنها".


http://islamtoday.net/media_bank/image/مقال/مروة%20الشربيني/4.jpg

استُشهدت مروة و سال دمها، و سيظل في الساحة من غلاة العلمانيين من يطعنون في الحجاب، و يفسرون آياته على هواهم بالقول جهلاً إنه إما فُرض خاصة لنساء النبي صلى الله عليه و سلم، أو فقط على الإماء، دون الانتباه إلى الاختلاف في القدر و الخطاب بين نساء النبي و الإماء، و أن القرآن ذكر الإماء صراحة و تخصيصاً في غير موضع ليس منهن آية الحجاب، و هذه الفرية تناقض ما أورده العلماء و المفسرون. فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: "إن الحجاب إنما أُمرت به الحرائر دون الإماء؛ فالحرة كانت-حتى قبل الإسلام- تحتجب و الأمة تبرز، و كان عمر -رضي الله عنه- إذا رأى أمة مختمرة ضربها، و قال: أتتشبهين بالحرائر؟"، و جاء فرض الحجاب أيضاً لتمييز الحرائر عن غيرهن حتى لا يتعرض لهن الفساق بأذى أو ريبة.
استُشهدت مروة و سال دمها من أجل الحجاب، و لم تقم قائمة المسلمين، فيما شُق ثوب امرأة في سالف عصور عِزّنا فأُجلي قوم عن بكرة أبيهم ثأراً لها في غزوة بني قينقاع، و فتح المعتصم عمورية استجابة لاستغاثة امرأة، فهل الثأر للدم كالثأر للثوب، و هل ستقع استغاثات مروة على آذان صماء؟!
استُشهدت مروة و سال دمها لتعود لتُدفن في بلدها مصر، أم الدنيا، من حيث انطلقت أيضاً أول حركات السفور. عادت مروة إلى مصر شهيدة الحجاب و رمز حرية المرأة المسلمة بحجاب مضمخ بدمائها الطاهرة، و ما بين مصر هدى شعراوي و مصر مروة الشربيني فارق كبير، بين من ينادون بتحرير المرأة من الدين و القيم، و من ينادون بتحريرها بالدين و القيم. عاد الحجاب منصوراً عزيزاً ليرتفع عالياً على رأس مروة و رأس مصر بعد أن دِيس يوماً بالأقدام!!
قيل: إن التضحية التي تُعمّد بالروح و الدم يُكتب لها الخلود، فهل سيصبح دم مروة ماءً، و يضيع هباءً أيها المحجبات و المتردّدات و المشكّكات؟!