ذكرى
19-07-2009, 05:06 PM
ذكرى الإسراء والمعراج
"الحمد لله الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى ، الحمد لله الذي بين لعباده طريق الهدى ، وحذرهم من سبل الضلال والغوا ، وأصلي وأسلم على نبي الرحمة والهدى الذي أرشد أمته لطريق الحق والرضى ، وحذرهم من اتباع الشيطان والهوى ، فصلوات ربي وسلامه عليه ، وعلى آله وأصحابه أهل الخير والتقى . . أما بعد :
فالإسراء والمعراج من معجزات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم التي أعجزت أعداء الله في كل وقت وكل حين فالإسراء كان مرة واحدة بمكة بعد البعثة وقبل الهجرة.
واختلف العلماء ، هل كان الإسراء ببدنه عليه الصلاة السلام وروحه ، أم بروحه فقط ، والذي عليه أكثر العلماء أنه أسري ببدنه وروحه يقظة لامناماً لان قريش أكبرته وأنكرته ، ولو كان مناماً لم تنكره لأنها لا تنكر المنامات ، قال تعالى : " سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله " [ الإسراء 1 ] .
ذكر بن كثير في تفسيره لسورة الإسراء ، عند قوله تعالى : " سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير " [ الإسراء 1 ] .
يمجد تعالى نفسه ، ويعظم شأنه لقدرته على ما لا يقدر عليه أحد سواه ، فلا إله غيره ولا رب سواه (( الذي أسرى بعبده )) يعني محمداً صلى الله عليه وسلم (( ليلاً )) أي من الليل (( من المسجد الحرام )) وهو مسجد مكة (( إلى المسجد الأقصى )) وهو بيت المقدس الذي بالقدس مصدق الأنبياء من لدن إبراهيم عليه السلام ، ولهذا جُمعوا له هناك فأمهم في محلتهم ودارهم ، فدل على أنه هو الإمام الأعظم والرئيس المقدم صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين . وقوله (( الذي باركنا حوله )) أي في الزروع والثمار (( لنريه )) أي محمداً (( من آياتنا )) أي العظام ، كما قال تعالى : (( لقد رأى من آيات ربه الكبرى )) ] .
وماذا حدث في الإسراء والمعراج :
ذكر البخاري رحمه الله في صحيحه حديث المعراج ، قال : حدثنا هُدبة بن خالد حدثنا همام بن يحيى حدثنا قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم حدثهم ليلة أسري به قال : { بينما أنا في الحطيم ـ وربما قال في الحجر ـ مضطجعاً ، إذ أتاني آت فقدَّ ـ قال : وسمعته يقول : فشقَّ ـ ما بين هذه إلى هذه } فقلت للجارود وهو إلى جنبي ما بعيني به ؟ قال : من ثغرة نحره إلى شعرته ـ وسمعته يقول من قصته إلى شعرته ـ (( فاستخرج قلبي ، ثم أُتيت بطست من ذهب مملوءَ ة إيماناً ، ففُل قلبي ، ثم حُشي ثم أُعيد ، ثم أُتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض )) فقال الجارود : هو البُراق يا أبا حمزة ؟ قال أنس : نعم ـ يضع خطوة عند أقصى طرْفه ، فحملت عليه ، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح ، فقيل : من هذا ؟ قال جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد .قيل : وقد أرسل إليه قال : نعم . قيل مرحباً به ، فنعم المجيء جاء ففتح : فلما خلصت فإذا فيها آدم ، فقال هذا أبوك آدم ، فسلم عليه . فسلمت عليه ، فرد السلام ، ثم قال : مرحباً بالإبن الصالح والنبي الصالح . ثم صعد حتى أتى السماء الثانية فاستفتح . قيل من هذا ؟ قال : جبريل قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحباً به ، فنعم المجيء جاء . ففتح . فلما خلصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة ، قال : هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما ، فسلمت ، فردا ، ثم قالا : مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح . ثم صعد إلى السماء الثالثة فاستفتح . قيل من هذا ؟ قال : جبريل قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحباً به ، فنعم المجيء جاء . ففتح . فلما خلصت إذا يوسف ، قال : هذا يوسف فسلم عليه ، فسلمت عليه ، فرد ثم قال مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح . ثم صعد إلى السماء الرابعة فاستفتح . قيل من هذا ؟ قال : جبريل قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحباً به ، فنعم المجيء جاء . ففتح . فلما خلصت فإذا إدريس ، قال : هذا إدريس فسلم عليه ، فسلمت عليه ، فرد ثم قال مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح . ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح . قيل من هذا ؟ قال : جبريل قيل : ومن معك ؟ قال : محمد صلى الله عليه وسلم . قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحباً به ، فنعم المجيء جاء . ففتح . فلما خلصت فإذا هارون ، قال : هذا هارون فسلم عليه ، فسلمت عليه ، فرد ثم قال ، مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح . ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة فاستفتح . قيل من هذا ؟ قال : جبريل قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحباً به ، فنعم المجيء جاء . ففتح . فلما خلصت فإذا موسى ، قال : هذا موسى فسلم عليه ، فسلمت عليه ، فرد ثم قال ، مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح . فلما تجاوزت بكى ، قيل له ما يبكيك ؟ قال : أبكي لأن غلاماً بُعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي . ثم صعد بي إلى السماء السابعة فاستفتح . قيل من هذا ؟ قال : جبريل قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحباً به ، فنعم المجيء جاء . ففتح . فلما خلصت فإذا إبراهيم ، قال : هذا إبراهيم فسلم عليه ، فسلمت عليه ، فرد ثم قال ، مرحباً بالإبن الصالح والنبي الصالح . ثم رفعت لي سدرة المنتهى . فإذا نبقها مثل قلال هَجَر وإذا ورقها مثل آذان الفيلة ، قال : هذه سدرة المنتهى ، وإذا أربعة أنهار : نهران باطنان ، ونهران ظاهران ، فقلت : ما هذان يا جبريل ؟ قال : أما الباطنان فنهران في الجنة ، وأما الظاهران ، فالنيل والفرات . ثم رُفع لي البيت المعمور . ثم أُتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل ، فأخذت اللبن ، فقال : هي الفطرة التي أُتيت عليها وأمتك . ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم . فرجعت فمررت على موسى ، فقال : بما أمرت ؟ قال : أمرت بخمسين صلاة كل يوم ، قال : إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم ، وإني والله قد جربت الناس قبلك ، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك ، فرجعت ، فوضع عني عشراً ، فرجعت إلى موسى ، فقال مثله . فرجعت فوضع عنى عشراً ، فرجعت إلى موسى ، فقال مثله . فرجعت فوضع عنى عشراً ، فرجعت إلى موسى ، فقال مثله . فرجعت فوضع عنى عشراً ، فرجعت إلى موسى فقال مثله . فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم ، فرجعت فقال مثله . فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم ، فرجعت إلى موسى فقال : بما أمرت ؟ قلت : بخمس صلوات كل يوم . قال : إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم ، وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة . فأرجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك . قال : سألت ربي حتى استحييت ولكن أرضى وأسلم . قال : فلما جاوزت ناداني منادٍ : أمضيت فريضتي ، وخففت عن عبادي ))" [1]
ومن بديع ما تم نظمه في الإسراء والمعراج :
الله أكـــبــــر لا مـــــــنٌّ ولا بـــطــــرُ *** ولا اخـــتـــلاقٌ ولا زورٌ ولا هــــــذَرُ
الله أكــبـــر مـــــا شــعَّـــت بـعـالَـمـنـا *** شـمـسُ الحقـيـقـة يـتـلـو آيـهــا الـقـمـرُ
لـيـؤمـنَ الـجـاحـد المَـفـتـون مـعـتـبِـراً *** و يهـتـدي بضـيـاء الـحـق مــن كـفـروا
لكنْ وهل بعد عصـر المعجـزات يُـرى *** مـن ينكـر الرحـلـة الكـبـرى ويشتـجـر
و يـدَّعـي أنـهــا رؤيـــا قـــد انطـلـقـت *** فـي الحلُّـم مـا شابهـا صحـوٌ ولا سفـر
دعْ عنـك مـا قيـل فـي المعـراج حـيـث *** رقـى إلـى مقـام تهـاوت دونــه الفِـكَـر
فـــذاك أمـــر يـــراه الـعـقـل ممـتـنـعـاً *** و يمـلـك الـمـرءَ فــي تصـديـقـه بَـهَــر
فـــإن فـــي الـجــو أبــعــاداً مـفـرَّغــة *** مــن الـهـواء وفـيـهـا يـكـمـن الـخـطـر
لو جازهـا المـرء لاقـى حتفـه ومضـى *** إلـى الفـنـاء الــذي فــي الـجـو ينتـظـر
هــذا كــلام الــذي قــد راح معـتـرضـاً *** وراح يـنـكـر فـــي جــهــل و يـبـتـكـر
وفـــاتَــــه أنَّ مــــولانــــا بــقـــدرتـــه *** يـسـخـرِّ الـكــون لـلـهــادي و يـقـتــدر
والمعجـزات سمـت فـوق العقـول فــلا *** جـنٌّ يَعِـي سرَّهـا فـي الكـون أو بـشـر
وتــلــك مـعـجــزة الـمـخـتـار كــرَّمــه *** بـهــا إلـــهٌ عـظـيــمُ الــشــان مـقـتــدر
فـلا الـهـواء هــواء عـنـد مــن عـرفـوا *** ولا المـكـان مـكـان عـنـد مــن نـظـروا
وإنـــمــــا الله جـــــــلَّ الله نــظَّــمــهــا *** للمصطـفـى رحـلـةً فــي طَيِّـهـا عِـبــر
ومُــثّــلـــت لـــرســــول الله أمــــتُــــه *** وواجـهـتـه لــــدى إســرائــه صــــور
أراه مــــن مــكـــة لـلــشــام طـائــفــةً *** مــــن الـخـلائــق لـلـواعـيـن مــدَّكـــرُ
رأى فـئــاتٍ لـهــم زرع بـــدا نَـضِــراً *** وكـلـمـا حـصــدوه ضـوعــف الـثـمــر
فـقـال مَــن هــؤلاء الـقــوم قـيــل لـــه *** أهـلُ الجهـاد لهـم ضِعْـف الـذي بَـذَروا
ليـعـلـم الــنــاس أن الــحــرب أولــهــا *** مـــرٌّ وآخــرهــا الـجـنــات والـسَّـكّــر
وبــــان لـلـركــب أقــــوام رءوســهــم *** يـهـوي عـلـى أمـهـا صـخـر فتنـكـسـر
وكلـمـا هُشِـمـت عــادت كـمـا خـلـقـت *** وهكـذا لا ينـي عــن ضربـهـا الحـجـر
فـقـال مــن هــؤلاء الـقــوم قـيــل لـــه *** من أهملوا الصلواتِ الخمسَ فاحتقـروا
رأى وشـاهـد فـــي إسـرائــه صـــوراً *** تسمو بها في النفس في الأخرى وتدَّكر
حتـى أتـى القـدسَ فاصطفَّـت بمسـجـده *** جماعـةُ الـرسـل حـيـن استعـلـم القـمـر
صلـى إمـامـاً بـهـم قـبـل الـعـروج بــه *** إلــى السـمـوات و احتـفَّـت بــه زُمَــر
هــنــاك حــيــث رأى مــــا لا يـكـيِّـفـه *** عقـل أو يحتـو يـه فـي الــورى بـصـر
وكــلــم اللهُ طـــــه حــيـــثُ خـاطــبــه *** من غيـر وحـي وصـحَّ الخُبْـر والخَبَـر
فـراقِـبـوا الله يـــا قـومــي ولا تَـهِـنُــوا *** وحكِّمـوا دينكـم فـي الأمــر واعتـبـروا
فَـدِيْـنُـكـم أفــضــلُ الأديــــان قـاطــبــةً *** لــو صنتـمـوه لــزال الــذل والـخـطـرُ
عـــارٌ علـيـنـا إذن أنْ نستـكـيـن إلــــى *** بـغـي الـعـدوّ ويَـعْـرُوْ شَـرْقُـنَـا خـــوَر
عـارٌ علـى العـرب والتاريـخُ شاهـدهـم *** بـأنــهــم أمَّـــــروه وهـــــو مــؤتَــمِــر
وسـجَّـلـوا مـجـدَهـم بِـيـضـاً صحـائـفـه *** يُتلـى علـى الـدهـر منـظـوراً ويـزدهـر
أن يـمـلـك الـيــومَ صـهـيـونٌ معاقـلَـهـم *** ويستـبـيـح حـمــى مَـسْــرا هُـــم نـفــر
فــــو الله لــــو لا تـهـاونَّــا بشـرعـتـنـا *** فـــلا نـبـالـي بـمــا نـأتــي ومـــا نـــذر
مـهـمــا صـنـعـنـا دسـاتـيــراً مـنـمَّـقــة *** فــإن فـيـهـا فـجــورَ الـغــرب يسـتـتـر
ونــحــن قــــوم لــنــا ديــــنٌ نـقـدَّســه *** لسـنـا بـشـرع ســوى الإســلام نأتـمـر
نـبـيُـنــا أنـــقـــذ الــدنــيــا بـشِـرعــتــه *** ونـوَّر الكـونَ هـديُ المصطفـى العطـر
صـلــى الإلـــه عـلـيـه كـلـمـا طـلـعـت *** شمـس و نـوَّر فـي جنـح الدجـى قـمـر
____________
[1] يحيى بن موسى الزهراني - بتصرف
"الحمد لله الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى ، الحمد لله الذي بين لعباده طريق الهدى ، وحذرهم من سبل الضلال والغوا ، وأصلي وأسلم على نبي الرحمة والهدى الذي أرشد أمته لطريق الحق والرضى ، وحذرهم من اتباع الشيطان والهوى ، فصلوات ربي وسلامه عليه ، وعلى آله وأصحابه أهل الخير والتقى . . أما بعد :
فالإسراء والمعراج من معجزات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم التي أعجزت أعداء الله في كل وقت وكل حين فالإسراء كان مرة واحدة بمكة بعد البعثة وقبل الهجرة.
واختلف العلماء ، هل كان الإسراء ببدنه عليه الصلاة السلام وروحه ، أم بروحه فقط ، والذي عليه أكثر العلماء أنه أسري ببدنه وروحه يقظة لامناماً لان قريش أكبرته وأنكرته ، ولو كان مناماً لم تنكره لأنها لا تنكر المنامات ، قال تعالى : " سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله " [ الإسراء 1 ] .
ذكر بن كثير في تفسيره لسورة الإسراء ، عند قوله تعالى : " سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير " [ الإسراء 1 ] .
يمجد تعالى نفسه ، ويعظم شأنه لقدرته على ما لا يقدر عليه أحد سواه ، فلا إله غيره ولا رب سواه (( الذي أسرى بعبده )) يعني محمداً صلى الله عليه وسلم (( ليلاً )) أي من الليل (( من المسجد الحرام )) وهو مسجد مكة (( إلى المسجد الأقصى )) وهو بيت المقدس الذي بالقدس مصدق الأنبياء من لدن إبراهيم عليه السلام ، ولهذا جُمعوا له هناك فأمهم في محلتهم ودارهم ، فدل على أنه هو الإمام الأعظم والرئيس المقدم صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين . وقوله (( الذي باركنا حوله )) أي في الزروع والثمار (( لنريه )) أي محمداً (( من آياتنا )) أي العظام ، كما قال تعالى : (( لقد رأى من آيات ربه الكبرى )) ] .
وماذا حدث في الإسراء والمعراج :
ذكر البخاري رحمه الله في صحيحه حديث المعراج ، قال : حدثنا هُدبة بن خالد حدثنا همام بن يحيى حدثنا قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم حدثهم ليلة أسري به قال : { بينما أنا في الحطيم ـ وربما قال في الحجر ـ مضطجعاً ، إذ أتاني آت فقدَّ ـ قال : وسمعته يقول : فشقَّ ـ ما بين هذه إلى هذه } فقلت للجارود وهو إلى جنبي ما بعيني به ؟ قال : من ثغرة نحره إلى شعرته ـ وسمعته يقول من قصته إلى شعرته ـ (( فاستخرج قلبي ، ثم أُتيت بطست من ذهب مملوءَ ة إيماناً ، ففُل قلبي ، ثم حُشي ثم أُعيد ، ثم أُتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض )) فقال الجارود : هو البُراق يا أبا حمزة ؟ قال أنس : نعم ـ يضع خطوة عند أقصى طرْفه ، فحملت عليه ، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح ، فقيل : من هذا ؟ قال جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد .قيل : وقد أرسل إليه قال : نعم . قيل مرحباً به ، فنعم المجيء جاء ففتح : فلما خلصت فإذا فيها آدم ، فقال هذا أبوك آدم ، فسلم عليه . فسلمت عليه ، فرد السلام ، ثم قال : مرحباً بالإبن الصالح والنبي الصالح . ثم صعد حتى أتى السماء الثانية فاستفتح . قيل من هذا ؟ قال : جبريل قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحباً به ، فنعم المجيء جاء . ففتح . فلما خلصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة ، قال : هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما ، فسلمت ، فردا ، ثم قالا : مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح . ثم صعد إلى السماء الثالثة فاستفتح . قيل من هذا ؟ قال : جبريل قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحباً به ، فنعم المجيء جاء . ففتح . فلما خلصت إذا يوسف ، قال : هذا يوسف فسلم عليه ، فسلمت عليه ، فرد ثم قال مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح . ثم صعد إلى السماء الرابعة فاستفتح . قيل من هذا ؟ قال : جبريل قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحباً به ، فنعم المجيء جاء . ففتح . فلما خلصت فإذا إدريس ، قال : هذا إدريس فسلم عليه ، فسلمت عليه ، فرد ثم قال مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح . ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح . قيل من هذا ؟ قال : جبريل قيل : ومن معك ؟ قال : محمد صلى الله عليه وسلم . قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحباً به ، فنعم المجيء جاء . ففتح . فلما خلصت فإذا هارون ، قال : هذا هارون فسلم عليه ، فسلمت عليه ، فرد ثم قال ، مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح . ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة فاستفتح . قيل من هذا ؟ قال : جبريل قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحباً به ، فنعم المجيء جاء . ففتح . فلما خلصت فإذا موسى ، قال : هذا موسى فسلم عليه ، فسلمت عليه ، فرد ثم قال ، مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح . فلما تجاوزت بكى ، قيل له ما يبكيك ؟ قال : أبكي لأن غلاماً بُعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي . ثم صعد بي إلى السماء السابعة فاستفتح . قيل من هذا ؟ قال : جبريل قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحباً به ، فنعم المجيء جاء . ففتح . فلما خلصت فإذا إبراهيم ، قال : هذا إبراهيم فسلم عليه ، فسلمت عليه ، فرد ثم قال ، مرحباً بالإبن الصالح والنبي الصالح . ثم رفعت لي سدرة المنتهى . فإذا نبقها مثل قلال هَجَر وإذا ورقها مثل آذان الفيلة ، قال : هذه سدرة المنتهى ، وإذا أربعة أنهار : نهران باطنان ، ونهران ظاهران ، فقلت : ما هذان يا جبريل ؟ قال : أما الباطنان فنهران في الجنة ، وأما الظاهران ، فالنيل والفرات . ثم رُفع لي البيت المعمور . ثم أُتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل ، فأخذت اللبن ، فقال : هي الفطرة التي أُتيت عليها وأمتك . ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم . فرجعت فمررت على موسى ، فقال : بما أمرت ؟ قال : أمرت بخمسين صلاة كل يوم ، قال : إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم ، وإني والله قد جربت الناس قبلك ، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك ، فرجعت ، فوضع عني عشراً ، فرجعت إلى موسى ، فقال مثله . فرجعت فوضع عنى عشراً ، فرجعت إلى موسى ، فقال مثله . فرجعت فوضع عنى عشراً ، فرجعت إلى موسى ، فقال مثله . فرجعت فوضع عنى عشراً ، فرجعت إلى موسى فقال مثله . فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم ، فرجعت فقال مثله . فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم ، فرجعت إلى موسى فقال : بما أمرت ؟ قلت : بخمس صلوات كل يوم . قال : إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم ، وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة . فأرجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك . قال : سألت ربي حتى استحييت ولكن أرضى وأسلم . قال : فلما جاوزت ناداني منادٍ : أمضيت فريضتي ، وخففت عن عبادي ))" [1]
ومن بديع ما تم نظمه في الإسراء والمعراج :
الله أكـــبــــر لا مـــــــنٌّ ولا بـــطــــرُ *** ولا اخـــتـــلاقٌ ولا زورٌ ولا هــــــذَرُ
الله أكــبـــر مـــــا شــعَّـــت بـعـالَـمـنـا *** شـمـسُ الحقـيـقـة يـتـلـو آيـهــا الـقـمـرُ
لـيـؤمـنَ الـجـاحـد المَـفـتـون مـعـتـبِـراً *** و يهـتـدي بضـيـاء الـحـق مــن كـفـروا
لكنْ وهل بعد عصـر المعجـزات يُـرى *** مـن ينكـر الرحـلـة الكـبـرى ويشتـجـر
و يـدَّعـي أنـهــا رؤيـــا قـــد انطـلـقـت *** فـي الحلُّـم مـا شابهـا صحـوٌ ولا سفـر
دعْ عنـك مـا قيـل فـي المعـراج حـيـث *** رقـى إلـى مقـام تهـاوت دونــه الفِـكَـر
فـــذاك أمـــر يـــراه الـعـقـل ممـتـنـعـاً *** و يمـلـك الـمـرءَ فــي تصـديـقـه بَـهَــر
فـــإن فـــي الـجــو أبــعــاداً مـفـرَّغــة *** مــن الـهـواء وفـيـهـا يـكـمـن الـخـطـر
لو جازهـا المـرء لاقـى حتفـه ومضـى *** إلـى الفـنـاء الــذي فــي الـجـو ينتـظـر
هــذا كــلام الــذي قــد راح معـتـرضـاً *** وراح يـنـكـر فـــي جــهــل و يـبـتـكـر
وفـــاتَــــه أنَّ مــــولانــــا بــقـــدرتـــه *** يـسـخـرِّ الـكــون لـلـهــادي و يـقـتــدر
والمعجـزات سمـت فـوق العقـول فــلا *** جـنٌّ يَعِـي سرَّهـا فـي الكـون أو بـشـر
وتــلــك مـعـجــزة الـمـخـتـار كــرَّمــه *** بـهــا إلـــهٌ عـظـيــمُ الــشــان مـقـتــدر
فـلا الـهـواء هــواء عـنـد مــن عـرفـوا *** ولا المـكـان مـكـان عـنـد مــن نـظـروا
وإنـــمــــا الله جـــــــلَّ الله نــظَّــمــهــا *** للمصطـفـى رحـلـةً فــي طَيِّـهـا عِـبــر
ومُــثّــلـــت لـــرســــول الله أمــــتُــــه *** وواجـهـتـه لــــدى إســرائــه صــــور
أراه مــــن مــكـــة لـلــشــام طـائــفــةً *** مــــن الـخـلائــق لـلـواعـيـن مــدَّكـــرُ
رأى فـئــاتٍ لـهــم زرع بـــدا نَـضِــراً *** وكـلـمـا حـصــدوه ضـوعــف الـثـمــر
فـقـال مَــن هــؤلاء الـقــوم قـيــل لـــه *** أهـلُ الجهـاد لهـم ضِعْـف الـذي بَـذَروا
ليـعـلـم الــنــاس أن الــحــرب أولــهــا *** مـــرٌّ وآخــرهــا الـجـنــات والـسَّـكّــر
وبــــان لـلـركــب أقــــوام رءوســهــم *** يـهـوي عـلـى أمـهـا صـخـر فتنـكـسـر
وكلـمـا هُشِـمـت عــادت كـمـا خـلـقـت *** وهكـذا لا ينـي عــن ضربـهـا الحـجـر
فـقـال مــن هــؤلاء الـقــوم قـيــل لـــه *** من أهملوا الصلواتِ الخمسَ فاحتقـروا
رأى وشـاهـد فـــي إسـرائــه صـــوراً *** تسمو بها في النفس في الأخرى وتدَّكر
حتـى أتـى القـدسَ فاصطفَّـت بمسـجـده *** جماعـةُ الـرسـل حـيـن استعـلـم القـمـر
صلـى إمـامـاً بـهـم قـبـل الـعـروج بــه *** إلــى السـمـوات و احتـفَّـت بــه زُمَــر
هــنــاك حــيــث رأى مــــا لا يـكـيِّـفـه *** عقـل أو يحتـو يـه فـي الــورى بـصـر
وكــلــم اللهُ طـــــه حــيـــثُ خـاطــبــه *** من غيـر وحـي وصـحَّ الخُبْـر والخَبَـر
فـراقِـبـوا الله يـــا قـومــي ولا تَـهِـنُــوا *** وحكِّمـوا دينكـم فـي الأمــر واعتـبـروا
فَـدِيْـنُـكـم أفــضــلُ الأديــــان قـاطــبــةً *** لــو صنتـمـوه لــزال الــذل والـخـطـرُ
عـــارٌ علـيـنـا إذن أنْ نستـكـيـن إلــــى *** بـغـي الـعـدوّ ويَـعْـرُوْ شَـرْقُـنَـا خـــوَر
عـارٌ علـى العـرب والتاريـخُ شاهـدهـم *** بـأنــهــم أمَّـــــروه وهـــــو مــؤتَــمِــر
وسـجَّـلـوا مـجـدَهـم بِـيـضـاً صحـائـفـه *** يُتلـى علـى الـدهـر منـظـوراً ويـزدهـر
أن يـمـلـك الـيــومَ صـهـيـونٌ معاقـلَـهـم *** ويستـبـيـح حـمــى مَـسْــرا هُـــم نـفــر
فــــو الله لــــو لا تـهـاونَّــا بشـرعـتـنـا *** فـــلا نـبـالـي بـمــا نـأتــي ومـــا نـــذر
مـهـمــا صـنـعـنـا دسـاتـيــراً مـنـمَّـقــة *** فــإن فـيـهـا فـجــورَ الـغــرب يسـتـتـر
ونــحــن قــــوم لــنــا ديــــنٌ نـقـدَّســه *** لسـنـا بـشـرع ســوى الإســلام نأتـمـر
نـبـيُـنــا أنـــقـــذ الــدنــيــا بـشِـرعــتــه *** ونـوَّر الكـونَ هـديُ المصطفـى العطـر
صـلــى الإلـــه عـلـيـه كـلـمـا طـلـعـت *** شمـس و نـوَّر فـي جنـح الدجـى قـمـر
____________
[1] يحيى بن موسى الزهراني - بتصرف