الحضور العثماني ـ التركي في اللغة العربية: تجدّد جاذبية أم تواصل ثقافي ووظيفي
نادر سراج*

ثمة ظاهرة لغوية تستوقف المتتبع لمجريات الحياة السياسية العربية فالكمّ المصطلحي ذو الجذور العثمانية - التركية الذي يلون مفاصل الكلام السياسي إن بالألقاب المسبغة على العاملين فيه أو بالرتب العسكرية، أو بتسمية الوظائف الإدارية، أو بالتعليقات والانتقادات التي يتبادلها السياسيون وينقلها عنهم أو يروجها الإعلاميون أمر يستحق الدراسة.

فبعد مرور ما يقارب الخمسمائة عام على الحكم العثماني لبلاد الشام، لا تزال تعابير نشأت في حمى السلطنة ووفق قوانينها الإدارية السياسية حاضرة في الخطابين السياسي و الإداري في العالم العربي.

ونتوقف عند واقعتين. فقد ودّع العرب و الفلسطينيون في 12 نوفمبر الماضي الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات الذي يلقّب بـ"الختيار". و هو مصطلح تركي يعني الشيخ، و يندرج على ألسنة الخواص و العوام بعد أن صار مرادفاً لشخص "أبو عمّار". أما في لبنان، فقد أسندت رئاسة الحكومة في شهر تشرين الأول(أكتوبر) 2004م إلى "الأفندي" أي الزعيم الطرابلسي عمر كرامي، و"الأفندي" كلمة ذات جذور لاتينية أطلقت على الأمراء الأتراك بطريق الاحترام، واستخدمتها الفارسية من التركية(1). عارض هذه الحكومة الزعيم الدرزي وليد "بك" جنبلاط، وقد غًيّب عنها "بك" بيروتي هو تمام صائب سلام. وسبق ذلك ظهور مقالة سياسية(2)، حول زعامة الرئيس السابق رفيق الحريري تعرّض فيها الكاتب لموضوع "الباش كاتب"(3) الذي كان عنواناً كبيراً في السياسة اللبنانية بعد الميثاق الوطني 1943م. ويذكر الكاتب أنّ الرئيس الأسبق سامي الصلح هو الذي أطلق تسمية "الباش كاتب" على رئيس الوزراء السني حين قدم استقالته في آخر عهد الرئيس بشارة الخوري معلناً في البرلمان أنه لا يرضى أن يكون "باش كاتب" عند رئيس الجمهورية.

على إيقاعات "الأفندي" و"البك" و"الباش كاتب" وصولاً إلى "الباشا" و"الباش بزوق" (و باش منفردة تعني الرئس و الرئيس، و قد تأتي سابقة أي في أوّل الكلمة)- يرتسم وجه طريف ومميز من الوجوه اليومية للأدبيات السياسية العربية في ألقابها و رتبها و مراسلاتها وتداعياتها. فهذه التسميات التركية المنبت، تشكل جانباً حيّاً من جوانب التلاقح الذي حدث على مدى قرون خمسة بين ثقافتين ولغتين على حدٍّ سواء. فالاحتكاك الذي قام، تفاعل إيجابيَّاً وترك في كلتا اللغتين، ومن ثم في كلتا الثقافتين، تأثيراً سياسيّاً وإداريّاً وماليّاً ومعيشيّاً واجتماعيّاً.

وينسحب الأمر أيضاً على مجريات الكلام اليومي التي تحفل بدورها بالعديد من المفردات والتعابير التي تلّون مختلف مناحي العيش. وأمثالنا الشعبية لا تخرج عن هذا النطاق، إذ يحمل بعضها مصطلحات تركية مثل: "الغزّ"، "التركي المرفوت"، "شحات الترك"، "الجندي التركي"، "فرمان"، "الكارات"، "البارات"، "پوق"، "بخشيش"، "بابوج"، "شيش"، "سرماية" "بلكي"، "برطيل"، "تسوكر"، "ختيار"، "العثملي"، "زنكيل"، "تحصيلدار""، "كمرك"، "كراكوز"، "سرايا"، "بيشلك"، "قرداش"، "دزدان"(4)...

الاقتراض اللغوي من الفضاء الثقافي العثماني - التركي شكّل أحد مشاغل السلف الصالح. لذا رأينا مفيداً أن نقدم للقارئ العربي نبذة عن قاموس الدراري اللامعات للشيخ محمد علي الأنسي الذي كان سبّاقاً في إيلاء الجانب المعجمي جلّ اهتمامه. فوضع في مطلع القرن الماضي مؤلفاً مميزاً سنحاول إلقاء الضوء عليه وإظهار أهمية مبدأ الاقتراض اللغوي في تلاقح الألسن وتعزيز قدراتها التواصلية. و نعالج من ثمّ صيغ الاقتراض من التركية وفقاً لتطور احتياجات المتكلمين العرب.


الشيخ محمد علي الأنسي

هو الشيخ محمد علي بن الشيخ حسن الأنسي البيروتي العالم بالحديث والحقوق واللغة. ولد في بيروت، في بيت علم وتقوى، في عام 1285هـ/1865م. وفيها تلقى علومه في العربية والفقه وحفظ القرآن الكريم ودراسة أحكام الشرع. تردّد على مجالس الأعلام في أيامه مثل يوسف الأسير والأحدب وخالد والحوت والنبهاني. وأول عمل قام به في حياته المهنية هو التعليم، فأتاح له الفرصة للمطالعة. ثم اتصاله بأساتذته الفقهاء والباحثين من رجال القضاء جعله يتحول في مدة وجيزة رئيس المحكمة البدائية في الخليل(فلسطين)، ومن ثمّ نقل إلى القدس وحمص وحلب ودمشق حيث ترأس محكمة البداية للحقوق والتجارة.

وفي ثلاثينات القرن المنصرم، عاد إلى بيروت وتنقّل في الوظيفة قاضياً شرعياً ومستشاراً تمييزياً ثمّ رئيساً للمحكمة الشرعية حتى عام 1952م. ومدّدت خدمته عشر سنوات تقديراً لعمله ونزاهته. وفي أواخر أيامه، أقعده المرض والشيخوخة، فلزم دارته في رأس النبع ولم يبارحها قطّ. وبقي يزاول مهامه فيها حتى وافته المنيَّة في العام 1380هـ/1960م، فتوفي عن خمسة وتسعين عاماً صرفها في خدمة الدين الحنيف وإقامة أحكام الشرع والتأليف وبلغت تصانيفه حوالي ثلاثمائة؛ طُبع منها ثلاثة وثمّة أربعة عشر ما زالت مخطوطة.

انصرف إلى علم الحديث فبرز فيه. فقلّب واستخرج وتحقّق، وعاد إلى كتب التراث والتفسير ومعجمات اللغة، ووضع مؤلفاً مميزاً في الحديث النبوي، في عشرين جزءاً، طبع منه في عام 1958م أربعة أجزاء على نفقته، وعنوانه "المنهاج البديع في أحاديث الشفيع". وجهده التأليفي أبرز موهبته الأدبية؛ فألّف الدرر واللآل في بدائع الأمثال مستنداً إلى مختارات من أدب القرآن الكريم. أما المجال الثالث الذي التفت إليه فهو وضع القواميس.

ثقافته الدينية المتأصلة ونزعته الأدبية واطلاعه الفقهي والحقوقي ومنظوماته في الابتهال والتسبيح والشوق إلى مُنزِل الوحي لم تحل دون غوصه في المجال اللغوي الصرف الذي أثبت فيه سعة اطلاعه على دقائق اللغتين العربية والعثمانية وعلى خواصهما. وعلى غرار علماء عصره الذين نشأوا وتعلموا وخدموا ضمن السلطنة العثمانية، عايش شيخنا الجليل ثنائية الانتماء إلى عالمين لغويين متمايزين ومتكاملين في آنٍ معاً. فانصرف في مقتبل عمره (29 عاماً) إلى وضع قاموس علمي مسهب يولي "لغة دولتنا العلية العثمانية، المعتبرة من أهم اللغات الدولية التي يحتاجها كل إنسان من أبناء هذا الزمان" اهتماماً لافتاً.
المنهجية

انطلق في عمله المعجمي هذا من مبدأ منهجي محقّ. فأغلب القواميس الموضوعة مقصّرة من جهة عدم اهتمامها بتفسير معاني الألفاظ بالعربية، بل بعبارات تركية؛ الأمر الذي لا يسهّل توضيح الأفكار والدقة في نقل المعاني وتعميم الفائدة. وبما أن غايته العلمية تمثلت في إتاحة المجال أمام مواطني الدولة العليا، من الناطقين بلغة الضاد، لمعرفة أوثق بلغة الحاكمين؛ لذا فقد وجد أن الأَولى في أن نبسطَ لهم مختلف المعاني والشروحات والأمثلة بلسانهم الأم. وهذا مبدأ لساني يعرفه المعجميّون ويعتمدونه في تصانيفهم الحديثة.

منهجيته المعتمدة قضت بجمع الكلمات التركية المعروفة ورفدها بالألفاظ الفارسية (فا)، والإفرنجية، أفرنسية أو إنكليزية أو رومية أو غيرها (افر)، المتداولة في اللغة العثمانية، وترتيبها على حروف الهجاء، وتفسير معانيها بالعربية، وشرح الغريب منها تسهيلاً للقارئ المهتم. وتماشياً مع مبدأ الأمانة العلمية أورد ثبتاً بالكتب المفيدة والقواميس التي اعتمد عليها، كما أثبت مجمل الاصطلاحات المعتمدة.
القاموس

أنجز طباعة قاموس اللغة العثمانية المسمّى الدراري اللامعات في منتخبات اللغات في 10 جمادي الثاني 1320 هـ. وقد اعتبر أنه أساس بلاغة اللغة العثمانية لأنه يشتمل على المختار والصحيح من ألفاظها. كما أنه حسنُ الجمع وكثير النفع ومتقن الصنع وجميل الشكل والترتيب والطباعة.

حفل قاموس "الدراري اللامعات في منتخبات اللغات" بحوالي 400 مفردة معروفة في اللغة الفصحى و في اللهجات العربية المعاصرة، بما فيها اللهجة اللبنانية، ومقترضة من الكلمات التركية والألفاظ الفارسية والإفرنجية المتداولة في اللغة العثمانية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، أي تاريخ إعداد وطباعة هذا القاموس.

القراءة المتأنية لمواد القاموس الموزعة على 563 صفحة من القطع الوسط - تظهر لنا بوضوح التداخل ذا الأبعاد السياسية و الإدارية والاجتماعية والثقافية الذي تمّ بين لغة الحاكمين(العثمانية) ولغة المحكومين(العربية).

وتسهيلاً لفهم مواضيع وآليات وسيرورات هذا الاقتراض، وجدنا أن من المفيد الاستناد إلى تقسيم اصطلاحي للمجالات التي حدث فيها هذا الاقتراض. لذا اعتمدنا ستة عشر مجالاً أو باباً.
الأبواب والمجالات

1 ـ المأكولات والمشروبات والحلويات والفواكه والبقول والحبوب

‌أ- يأنسون(أناصون)، عيران(آيران)، بابونج(بابونه)، زلابية(زُلوبيه)، طحينة(طاحين)، الطحين (اون دقيق)، القشطة(قيمق) سوريا، اللحم المشوي(كباب)، اللحم المقلي(قاورمه)، اللحم القديد (باصدورمه)، الشوربا(چوربه)، المحشي بزيت(يالانجي طولمه)، ورق العنب(يبراق)، المخلل (طورشي)، عصيدة(آسيده)، دجاج(طاؤوق)، كفتة(كوفته)، ثريد(ثريده)، طرطور(تراطور)، بقلاوة (باقلوا)، قاقاؤ(كاكاو)، راحة الحلقوم(لقوم)، اللبن الرائب(يوغورت)، وبالفرنسيةyaourt (5).

‌ب- في البقول: الباذنجان(باطلجن)، القرنبيط(قارنبيت)، البامية(باميه)، السبانخ(اسپانق)، الخيار (خيار)، المقتة(كوچك خيار).

‌ج- في أسماء الحبوب والبهارات:

اللوبياء(فاصوليا)، الفريك(فريك)، الزنجبيل(زنجبيل).

‌د-في الأثمار:

البردقان(بورتقال)، الليمون الحلو(ليمون)، الكستناء(كستانه)، الكوز(موز)، الفستق(فستق)، الجوز(جوز)، توت(طوت).

2 ـ في أقسام المنزل

السقف(طوان)، المطبخ(مطبخ)، بيت المسافرين(لوقانطه ـ لوكاندة)، غرفة أو أوضة(أوضه).

3 ـ في أمتعة البيت

البساط(كيليم)، الحصير(حصير)، المدّ أو فراش المقعد(دوشك)، الفرشة(ياتاق)، المخدة(ياصدق) أو(ياصدقية)، الحرام(چارشف)، المنشفة(باشكير)، الخزانة(دولاب)، الصندوق(صندوق)، الأركيلة (ناركِله)، ثقاب أو كبريتة(كبريت)، كرسي أو طربيزة صغيرة(اسكمله)، تخت(سرير)، برداية (برده).

4 ـ في أثاث المطبخ

المائدة(سفره)، الطنجرة(تنجره)، الطشت(لَكَنْ)، الطاسة(طاس)، الكاسة(كاسه)، سيخ الشوي (شيش)، الكفكير(كفكير-كبجه)، الهاون(هاون)، الإبريق(إبريق)، الوجاق(صوبا)، المرجل(قازان)، موقدة(اوجاق)، الكانون(منقل)، صاج(ساج)، سطل أو جردل(چردل) وتروج في مصر.

5 ـ في تقسيم الزمن

الوقت(وقت)، السنة(سنه)، اليوم(كون)، الساعة(ساعه)، الدقيقة(دقيقه)، الثانية(ثانيه).

6 ـ في الصفات والأحوال

غير مجرّب(خام)، حلو(طاتلي) وتعني مربيات في شمال لبنان، النحيف(نازك)، الضعيف(ضعيف)، الفراغ(بوش)، الطري أو الطازج(تازه)، الصحيح السليم(صاغ)، المستقيم(طوغري أو دوغري)، الغني (زنكين أو زنكيل)، تنبل(تنبل)، مرتب ومزيّن(آرسته أو السطه)، واضح ومستبان(آشكاره أو أشكرا)، الصبي المهزول(جربوعه أو جربوع)، جبر أو عنف(زور)، خالص وصافٍ(ساده)، متكبّر (كُبرلي)، غير متناسب(لوقه)، بلا فائدة(نافله)، اتفاقاً(دكمه)، التباهي(فانطازيه).

مولى وسيد(أفندي)، سيد كبير(آغا)، رئيس أول(باش)، عسكر غير منظم، وحالياً إنسان لا حَول له(باش بوزوق)، باشا(باشا)، الأخت الكبيرة(آبلا)، وخاله(تيزه)، ومتداولة في مصر، فارغ وغير مثمر(جلق)، سيد(بك).

7 ـ في الأقوام والأماكن

تتر(تاتار)(7)، تركمان(تركمان)، شركس(شركس).

سراي(سراي)، سرداب(سردابه)، محل الفاحشات(كرخانه).

إدارة الرسومات أو الجمرك(كومرك)، الاصطبل(آخور) ومنها ياخور.

8 ـ في أصحاب المهن

سائق العربة(آرابه جي)، بستاني(بوستانجي)، بوسطجي(بوسته جي)، صبّاغ أو بويجي(بوياجي)، خيّاط(ترزي) ومعتمدة في مصر، صائغ أو جوهرجي(جواهرجي)، صابوني(صابونجي)، حبر اليهود (حاخام)، حلونجي(حلوانجي)، مربية الولاد(دايه)، كبابجي أو شوّاء اللحم(كبابجي)، صاحب دكان أو دكنجي(دكانجي)، أستاذ أو معلم(خواجه)، وسيط تجاري(قومسيونجي)، سُمسار(سيمسار).

9 ـ في ملبوسات الإنسان وأدواته الشخصية

العرقية(طاقيه)، الجاكيت أو السترة(بالطو)، وتروج في مصر، الثوب(قفتان)، الصرة(بوغجه)، سلسلة الساعة(كوستك)، نظارات أو عوينات(كوزلك)، وتروج في سوريا، المقص(مقاص)، الكلسات(جوراب)، الخفّ أو السرموجة(پابوج)، الكندرة(قوندره)، المحرمة(منديل)، الشمسية (شمسيه)، الحذاء الإفرنجي(غالوش- قالوش)، جورب(قالجين أو قلشين)، حزام(كمر)، قبة الثوب (ياقه)، قلبق(قلباق)، محفظة(جزدان)، حذاء طويل الساق(جزمه)، أحجار ثمينة(جواهر).

10 ـ متفرقات: طابع البريد(بُولْ)، جماعة(أوبك/أوبه)، قبلة(بوسه)، عربة خيل(تك)، دستور (دستور)، ضراط(چارطه)، مُراعي الخاطر(خاطرشن)، بقشيش(بخشيش)، كُلاّب أو شنكل(چنكل)، فأس أو بلطة(بالطه)، كرباج أو سوط(قِرباج)، طاولة اللعب(طاوله)، الزمرة أو الطاقم(طاقيم)، سند تمليك(طابو)، سيدة أو ست(خانم)، صهريج(صارنيج)، أنبوبة(ماسوره)، وسام(نيشان)، عربة (آرابه)، صحيفة(جريده)، قناة أو دفتر(جدول)، شفرة(جفره)، خُرج(خورج)، داما(داما)، تأمين (سيغورطه)، مجيء الزهر بنقطة الأربع في لعب الطاولة(دوباره).

11 ـ في الأمراض والنقائص الطبيعية

جري البطن(إسهال)، الضعف(ضعف)، الهواء الأصفر(قوليرا)، الطبيب(حكيم)، الجراح(جراح)، الأحول(شاشي) ومنها فلان يعاني "شاش باش"، الكسيح(سقط)، الشيخ(الختيار).

12 ـ في الأرض وما يتعلق بها

الطريق(جادّه)، الأرض(برّ)، الغبار(طوز).

13 ـ في المياه وما يتعلق بها وأحوالها.

الجسر(كوبري)، جليد، جَمَد(بوز).

14 ـ في الحيوانات

اخطبوط(أختابود).

15 ـ فيما يتعلق بالعسكرية وأدواتها

سنان البندقية أو الحربة(سونكي)، الراية(بيراق)، الغدارة(طبانجه)، حامل الراية(بيرقدار)، حامل اللواء(سانجقدار)، الثكنة العسكرية(قشله)، خزانة الأسلحة(ترسانه)، البارود(باروت جبخانه) الفشك أو الخرطوش(خرتوج)، مخفر الشرطة أو كركول(قره غول)، التهيؤ للسفر(سفر برلك)، محفظ الأسلحة أو الأسلحة النارية(جبه خانه)، أصفاد أو كلاّب صغير(كلبچه).

16 ـ تعابير عامة(تأكيد، نفي، استحسان)

بالكاد(آنجق)، أفّ(أوف)، ربما أو لعل(بلكه أو بركي)(7)، يِهْ يِهْ(يِهْ يِهْ)، ثابت أو مستقر (تمللي).
منهجية الاقتراض

وانطلاقاً من المبدأ القائل بأن المقترضات تجلب عموماً منفعة للغة المقترِضة التي تستعير من اللغة الأجنبية المقرِضة وسائل تعبيرية جديدة، فقد لاحظنا أمراً لافتاً يتمثل في رواج صيغة اشتقاق الاسم المنسوب من التركية في كلمات عربية الأصل، ولا مرادف لها في التركية. بمعنى أن متكلمي العربية زادوا لاحقة "جي" التي تفيد المهنة إلى كلمات جديدة ولأسباب مختلفة، سنسعى لتبيانها. فقياساً على أسماء المهن المقترضة من التركية، والمعدّلة وفق العوائد الصوتية العربية -توفر لدينا أسماء مهن عربية جديدة صيغت وفق القاعدة التركية.

أسماء النسبة صيغت أيضاً لإظهار مشاعر الاستخفاف أو التحقير. فأدبياتنا السياسية أفرزت صيغتين. الأولى "اخونجي" للدلالة على شخص ينتمي لحركات أصولية أو فرق إسلامية. أما الثانية فهي "إسلمجي" و تُبطِن نوعاً من التشكيك و الاستخفاف بمدّعي الإسلام أو بالساعي إلى ترويج هوية إسلامية مبتدعة.
صيغ معتمدة في الاقتراض

بالإضافة إلى هذه الأمثلة المعروفة في لبنان تحديداً، وجدنا صيغاً أخرى متداولة في بيئات عربية مثل:

ـ طمعنجي(8) وفلسنجي، طَبَلجي(9) ودمبكجي(10)، زمّرجي، فرارجي(11) وفطايرجي، تمرجي، وهناك صيغ توسعت مدلولاتها، مثل:

ـ قومسيونجي(12) أي "وكيل بالعمولة" أصبح "وسيط".

ـ جمركجي(13) تعني في التركية "مدير الجمارك" و لكنها تحددت أكثر لتدل على "موظف في الجمرك".

ـ طُوبجي(14) "مطلق المدفع" أصبح "متحرّش بالأطفال".

ـ قوندره جي(15) أو كندرجي التي تعني في التركية حذّاء مختص بالأحذية الافرنجية، فأصبحت حالياً تدل على كلّ الحذّائين.

ـ أركلجي تعني "صبي القهوة المكلف بالأراكيل(16)"، و اليوم باتت تدل عموماً على محضّر الأركيلة و مدخنها.

ثمّة صيغ معروفة في اللغتين التركية والعربية مثل “بوسطجي" و"دكّنجي" أو "دَكانجي"، و"قمارجي"، و"قهوة جي"، معروفة من كبار السن ولكنها غير متداولة لدى الشباب. فهم ربما سمعوا بالاسم، لكنهم ليسوا في وارد استخدامه في تواصلهم اليومي لأن احتياجاتهم التواصلية تبدلت، فهم لا يستعينون بالبوسطجي، ويذهبون إلى "السوبر ماركت" وبالتالي لا يستخدمون مصطلحي "الخضرجي" و"الدكنجي". أما "القهوجي" فغائب كلياً عن فضائهم الثقافي؛ لأنهم يرتادون مقاهي حديثة coffee shop أو petit café أو starbuks coffee ولا حاجة لهم لهذه التسميات.

وأخيراً تأتي مفردة "قمرجي" التي تردف عادة بِـ"سكرجي" وهما مصطلحان قد يردان في اللغة بصيغة السخرية والاستهزاء، ومنها أيضاً "أورينجي" و"سبقجي" المتداولان في صفوف طبقات معدومة أو مهمشة، ويستخدمان للتعريف السلبي عن الشخص المعني، ولا حاجة للشباب للاستعانة بهذه المفردات في مجال اهتماماتهم العصرية.

ثمّة استنتاجات نخلص إليها من خلال إعادة قراءة هذه الصيغ المعدّلة وفق الاحتياجات الجديدة للمتكلمين:

‌أ- تبين أن المفردات المستخدمة لتاريخه تعود إلى مختلف المجالات الحياتية. فمفردات الأكل ومنتجاته هي الأكثر(40)، وتأتي بعدها المتفرقات(34)، فالصفات والأحوال(28)، فملبوسات الإنسان(20) فأثاث المطبخ(16)، فأصحاب المهن(15)، فأمتعة البيت، فالأمراض(8) فالأقوام والأماكن(6) فتقسيم الزمن(6)، وأقسام المنزل(4)، فالأرض(3) والمياه(2).

‌ب- نلاحظ ابتداع صيغ ساخرة وذات طابع فكاهي، بمحاكاة صيغ أخرى. فالعامة يستخدمون "وَطَنجي" لمن يطعنون في وطنيته أو يشككون فيها، قياساً، كما تقدّم، على الصيغة التركية المشابهة المنتهية باللاحقة "ـ جي"(17).

‌ج- هناك تعابير أساسية تستخدم يوميّاً لإظهار النفي والتأكيد والاستحسان… وتتمثل على بعضها: آنجق، بلكِه أو بركي، بُوش، تملّي.

‌د-ثمّة مفردات تركية استخدمت قديماً، ولكنها عادت للرواج بفضل وسائل الإعلام، مثلاً "أبو كلبشة"، ، لقب ممثل فكاهي سوري يقوم بدور الشاويش أو الجاويش، والكلمة تعني الأصفاد.

ـ "فرمان"، هو عنوان لمسرحية رحبانية.

ـ "الطشت"، هي أغنية شعبية "الطشت قللي".

‌ه- لوسائل الإعلام العربية، وبخاصة المسلسلات التلفزيونية المصرية -والرمضانية تحديداً- دور في إبراز بعض المفردات التركية التي لا تزال تستخدم في اللهجة المصرية "بالطو"، تيزة "أبله"، “باشا، دولاب…

‌و-ومؤخراً ورد مصطلح "ملعبّجي" على لسان ممثلة لبنانية في مسلسل فكاهي - شعبي "بنات عمتي وبنتي وانا" (دليل النهار، 12/11/2004م). هذا المصطلح غير رائج وهناك بديل له هو "ملعّب" أو "ألعبان" ولكن الصيغة التركية الجاهزة أوحت لكاتب المسلسل بالاستعانة بهذا المصطلح الذي يناسب واقع الحال.

‌ز-اللاحقة التركية "جي" ترتبط في المزاج الشعبي بمهن محددة لا تمارس في غالب الأحيان إلا في الأوساط الشعبية(كبابجي، خضرجي، دكنجي، كندرجي، معمرجي، باطنجي، سفرجي...). و في المقابل هنالك مهن أخرى تمتلك نفسها مثل الصيغة(جوهرجي، طيّرجي...).

‌ح- هذه اللاحقة تستخدم أيضاً من باب التلميح و الازدراء والسخرية، فهي تطلق على شخص يراد توصيفه بسماتٍ غير أخلاقية أو سوية(نِسونجي، قمرجي، مشكلجي، سكرجي، سبقجي، أورينجي، أونطجي، كشتبنجي، ديونجي...).

‌ط- المفردات والتعابير التركية المتداولة في المشهد السياسي/ الإداري العربي تمتلك وجهين: سلبيّاً وإيجابيّاً. فالتعاطي السياسي اليومي على خلفية الألقاب والتسميات العثمانية، قد يعني بالنسبة للبعض تمسكاً بجذور وتقاليد قديمة من شأنها توصيف الحالة الإدارية والسياسية بالتخلف والروتينية(وآخرتها معك يا أفندي، شو يا بيك ما شفنا منك شي، كله بيمشي بالبخشيش، شو عم بحكي معك تركي، طريقته عثملّية...).

يتبين لنا مما سبق أن اللغة العثمانية كانت لغة الحاكمين، لغة السلطة؛ لذا تأثّرت بها كافة الشعوب المحكومة، بمن فيهم العرب. فاقتبسوا منها ما هو مفيد لاحتياجاتهم التواصلية اليومية مع بعضهم البعض من جهة، ومع الحكام من جهة أخرى. والملاحظ أن بعضاً هذه المقترضات ترسّخ في لسانهم الفصيح وفي محكياتهم العربية المعاصرة لأسباب وظيفية محضة، وهذا هو حال المبدأ اللساني الخلدوني. وكما نتأثر اليوم -وبخاصة شبابنا- باللغة الإنكليزية ونقترض منها العديد من المفردات العصرية التي نحتاجها في تواصلنا اليومي؛ فقد تأثر أسلافنا باللغة العثمانية. وها نحن نشهد ظاهرة دينامية لغوية مماثلة في أيامنا هذه تؤكد أهمية الاقتراض في المجتمعات المنفتحة إن في تطوير لغاتها أو في تعزيز ثقافاتها وسبل تواصلها مع الآخر المختلف.

ونخلص إلى أن الحضور العثماني التركي في الخطاب اليومي العربي، واللبناني تحديداً، يحتاج إلى قراءة جديدة لآليات التواصل الثقافي الحضاري التي حكمت علاقة العرب بالسلطنة ولغتها وثقافتها، صحيح أن ثمّة تعاطياً سلبياً، جزئياً، مع هذا التراث اللغوي التركي، ولكن هذا الحضور الوظيفي الدور يشكل جانباً مضيئاً من جوانب احتكاك الألسن المتحَققة بما فيها العربية والتركية العثمانية، ببعضها البعض، كما سعينا لإظهاره في هذا البحث.

هذا الحضور الذي أظهرنا بعض جوانبه في مختلف مناحي تواصلنا، سواء أكان رسمياً(ألقاب رتب عسكرية، وظائف ادارية، مراسلات...) أم شعبيّاً(أمثال شعبية، ابتداع صيغ ازدرائية و تشكيكية و ساخرة...) لا يهدف إلى إعادة إحياء معالم مشهد منقضٍ، و لا هو يقظة متأخرة لمرحلة من تاريخنا العربي في العصر الحديث. بل هو وجه من وجوه تجدّد جاذبية الفترة العثمانية التي تركت بصماتها في فضائنا اللغوي الثقافي. و ما أحوجنا اليوم إلى إعادة قراءة هذه المرحلة بتداخلاتها و تأثيراتها، على مختلف الصعد، و في ضوء العلوم الحديثة. علّنا نزيل اللبس الحضاري المتراكم و نجدد النظر إلى نتائج هذا الاحتكاك المعرفي الذي لا يمكن أن نفهمه إلا بوصفه تواصلاً ثقافيّاً و وظيفيّاً على حدّ سواء.

************

الهوامش

*) كاتب و أكاديمي من لبنان.

[1] ـ معجم المعربات الفارسية في اللغة العربية، محمد ألتونجي، دار الأدهم، دمشق، ط. "1"، 1988م، ص.28.

2 ـ انظر مقالة عبد الحميد الأحدب في مجلة الوطن العربي، رقم 1442، 22/10/2004م، ص. 12.

3 ـ المعجم التركي- العربي، وزارة الثقافة والإعلام، بغداد، 1981م، ج. "1"، ص. 185. والمعنى الأصلي هو "رئيس الكتّاب".

4 ـ للمزيد انظر في مصنفات الأمثال التالية: الأمثلة البيروتية (سعدالدين فروخ)، الأسرة في المثل لاشعبي الفلسطيني و العربي (عبد الكريم الحشاش)، الأمثال العامية (أحمد تيمور)، معجم الأمثال اللبنانية الحديثة (أنيس فريحة) و الأمثال الشعبية الأردنية (هاني العمد)

5 ـ وردت الكلمة في قاموس Petit Robert (p. 2162) ويبدو أنها من أصل بلغاري jaurt وعرفت منذ 1923 ـ 1932م.

6 ـ وقد أعيد استخدامها حالياً من قِبل الشباب بصيغة "تتريّي".

7 ـ كلمة بركي مركبة من "بل" العربية" و"كه" بمعنى الذي، معناها ربما.

محمد التونجي، معجم المعربات الفارسية في اللغة العربية، دار الأدهم، دمشق، 1988م، ط "1"، ص. 39.

8 ـ وحدة الأمثال العامة في البلاد العربية، محمد قنديل البقلي، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1968م، ص. 231.

9 ـ الأسرة في المثل الشعبي الفلسطيني، عبد الكريم الحشاش، دمشق، ط. 1988، ص. 92.

10ـ المثل عراقي ورد بصيغة "طبلجي وسوّى لابنه عرساً، دمبكجي وولده معرّسين"، الأسرة في المثل الشعبي الفلسطيني والعربي، وقد وجدنا في الدراري اللامعات، "دمْدَلِك" بمعنى دربكة، (ص. 255)، ويبدو أن الصيغة محرّفة عنها.

11ـ الشعب المصري في أمثاله العامية، إبراهيم شعلان، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1972م، ص. 241.

12ـ الدراري اللامعات ص، 440.

13ـ م.س، ص. 484

14ـ م.س، ص363.

15ـ م.س، 442.

16 ـ Dictionaire arabe – français, Barthélemie, Librairie Orientaliste, Paris 1935, fasc. 1 p 7

17ـ قارن بـ معجم المصطلحات اللغوية، رمزي بعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت 1990م، ص311.