علماء الجامع المنصوري الكبير
عمر تدمري


منذ أن تأسس الجامع المنصوري الكبير بطرابلس الشام عقب فتحها الميمون عام 688 هـ./ 1289ر. أخذ يستقبل كبار العلماء المسلمين ليتولوا فيه المهام الدينية من خطابة ووعظ وتدريس وإمامة وتوقيت وتلاوة للقرآن الكريم وغيرها.

وكغيرها من مدن العالم الإسلامي، فقد كانت أبواب المدينة مشرعة لاستقبال العلماء من فقهاء ومحدثين وأدباء ومؤقتين من بلاد شتى، فلم يكن علماؤها وكبار أصحاب المناصب فيها من قضاة ومفتين من أبناء المدينة المنتسبين إليها حصرًا، أو طرابلسيين بالولادة، ذلك أن سكانها كانوا من المحتلين الفرنج الغرباء عن لغتها ودينها وثقافتها، إلى جانب بقية من سكانها الأصليين من الروم (النصارى) وفئة قليلة من المسلمين، إقتضتهم ظروفهم البقاء في المدينة تحت حكم احتلال الفرنج (الصليبيين) لمدة طويلة تجاوزت المئة والثمانين عامًا، فلا عجب إذن أن تستقبل طرابلس عشرات الأسر العلمية من البلاد القريبة والبعيدة من أنحاء العالم الإسلامي، وبشكل خاص من ديار مصر، والديار الشامية، للإقامة فيها، وتتولى بفضل كفاية أبنائها المناصب والوظائف الدينية في أهم جوامعها ومساجدها.


ومن هنا نرى أن المتعاقبين على مهمة الخطباء في الجامع المنصوري الكبير في عصر المماليك، ثم في العصر العثماني، أكثرهم ينتسبون إلى البلاد التي قدموا منها، أو قدم آباؤهم وأجدادهم منها، واستوطنوا طرابلس واندمجوا مع أهلها وأضحوا يشكلون نسيجًا متكاملا من سكان المدينة العربية الإسلامية.

وإذا أردنا أن نستعرض الأًسر التي تولت الخطابة في الجامع المنصوري الكبير منذ إنشائه إلى الآن فسنكتشف أن أكثرها قادمة من خارج طرابلس، وكذلك الحال في الأئمة والمدرسين، بل في منصبي القضاء والإفتاء.
ففي الخطابة نجد الاعزازي والباريني ـ نسبة إلى اعزاز بلدة فوق حلب وبارين من قرى حماه ـ والخابوري من الجزيرة الفراتية من نواحي الموصل، والنابلسي من نابلس بفلسطين، والحبراضي من حبراض بنواحي حماه، وقد تولى منها ابن زهرة الخطابة لسنوات طويلة إلى جانب الإفتاء والإقراء والحديث وصار عالم طرابلس المشهور، فكانت تأتيه الفتاوى من جهات بعيدة وتصدى لنشر العلم خمسين عامًا. ومثله كان ابنه التاج ابن زهرة الذي خلفه في التدريس والإفتاء والخطابة وصار رئيس المدينة وكبير علمائها ومؤلفيها.