المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تجربة حاج



وسيم أحمد الفلو
18-01-2007, 12:27 AM
هذه تجربة لأحد الإخوة العائدين من الحج أحببت أن انقلها لتعم الفائدة:
السلام عليكم

قبل ان اذهب الى الحج طلب مني كثير من الاخوة تسجيل ملاحظاتي وخواطري لذا حاولت هناك ان اكتب رؤوس اقلام عن كل ما يخطر ببالي في دفتر صغير حتى اوسعها حينما اعود. ولما كان هناك الكثير من الملاحظات التي كتبتها فقد وجدت من الافضل ان اكتب تباعا ما تسألوني عنه من امور وخواطر علنا نستفيد ونقوي من ايماننا ومن فهمنا للاسلام اكثر وعلنا نفيد من ينوي اداء مناسك الحج بشكل خاص عما يجب ان يتوقعه اويقوم به هناك.

اول سؤال سؤلته كان عن طبيعة شعوري حينما رايت الكعبة. في البدايةاحب ان اشير الى ان محبتي للدين عقلية اكثر منها عاطفية فانا قد اكون عاطفيا في حبي للزوجة او للاولاد ولكن في الدين يغلب علي الطابع العقلي والفكري. لذا فقليلا ما تؤثر في المواعظ الدينية العاطفية وقليلا ما اجهش بالبكاء حتى لو تأثرت بما اسمع.. معظم تأثري يكون من نوع الشعور بالرهبة او الاكبار لعظمة الله، لذا يقشعر بدني خوفا ووجلا من موقف ما او كلمة ما وخاصة في كتاب الله الحكيم. "تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله". وهذا امر كان يزعجني في الحقيقة حينما ارى ان كثيرا من الناس رجالا ونساء يبكون حينما يرون الكعبة او حينما يسمعون دعاء الشيخ في عرفة في حين لا اشعر ابدا بهذه الرغبة. لكن فيما بعد حاولت ان اراقب كثيرا من هؤلاء الرجال والنسوة في طبيعة تصرفاتهم فرايت انهم خارج العبادة بعيدين كل البعد عن تعاليم الاسلام.. طبعا انا اتكلم بشكل عام.. لذا ان كان لا بد لي ان احلل هذه الظاهرة فاعتقد انها تعود للاسباب التالية.

1- اختلاف طبائع البشر ونظرتهم الى الدين وفهمهم له. فبعضهم يغلب الجانب العاطفي من الدين على الجانب العقائدي ولهذا حسنات وسيئات .. فمن حسناته ان المحبة العاطفية تعطي زخما للخشوع والاخلاص في العبادة ومن سيئاته ان الشخص ممكن ان ينحرف عن الطريق القويم اذا احب نهجا معينا يروي عاطفته الدينية ولو كان بعيدا عما افترضه الله عليه مثل كثير من الفرق الاسلامية التي شذت عن الطريق الصحيح.

2- الحج بالنسبة للكثير من الناس فرصة قد لا تعوض للاتصال بالله في خضم حياة دنيوية هائجة بينما لا يعدو الحج بالنسبة لي ان يكون اكثر من فريضة افترضها الله علي من ضمن سائر التكاليف التي احاول ان التزم بها في حياتي. بمعنى آخر ان كنت تشعر انك متصل بالله في كل لحظة وان كنت تعبده وتحبه وتطيعه وتعمل لدينه في كل لحظة فما هو الاختلاف الضخم بين عبادتك له في بيتك او عبادتك له في بيته الحرام؟ بالنسبة لي انه مجرد اختلاف في حجم الثواب وليس اختلافا في نوعية القرب منه. "واذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان"

3- الدمعة السيالة التي يمتلكها كثير من الناس وخاصة النساء والتي تفبض بدافع العدوى او بدافع الجو العام بدون وجود أي رابط حقيقي متين مع الايمان. لذلك فكانت الدمعة الممدوحة اسلاميا لمن ذكر الله خاليا ففاضت عيناه.

ولجميع هذه الاسباب كنت اتوقع الا يكون تأثري شديدا بمنظر الكعبة، على الاقل ليس كتأثر زوجتي او والدتي التي تبكي لمجرد رؤيتها في التلفزيون. احيانا اظن ان هناك خلل في ايماني ولكن حينما انظر بعين موضوعية الى الواقع ارى اني مثل كثيرين ممن في هذه اللائحة اقرب الى الاسلام من كثير من هؤلاء الذي يشكل الدين عندهم موسما يعيشونه في مكان معين (الكعبة) او زمان معين (رمضان). نعم يا اخوة والحمدلله قلة من الناس مثلنا ينظر الى الاسلام كانه منهج حياة كامل يعيشه في كل لحظة "قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين" وقلة من الناس من يصبر على تعاليم الاسلام خارج اوقات العبادة. واقول هذا بناء على مراقبة دقيقة وليس منطلق التبرير.طبعا انا لا ازكي نفسي فانا ككثير من العباد اضعف واخطىء ولكن والحمدلله انا راض عن نفسي من ناحية التزامي بالاسلام في كل مفاصل حياتي.

وفي عودة الى موضوعنا ، الكعبة بالنسبة كما انظر اليها هي مكان قدسه الله ولا يحمل أي قيمة ذاتية بنفسه فبدون استذكار هذا الرابط الروحي لم اكن لاشعر الا بانها بناء اسود مربع. وهذا نفس ما قاله عمر بن الخطاب عن الحجر الاسود ان كنتم تذكرون. ومن هذا الباب احب ان اشكر صديقي اسماعيل الذي نبهني على هذه الناحية لتعميق الشعور الايماني. لذك فكنت اتفاجأ حينما يتقاتل الناس على الاقتراب من الكعبة او من الحجر حتى لو داسوا على بعضهم البعض. فالكعبة بقداستها هي نفسها سواء لمستها او سواء كنت تنظر اليها وهي لا تحمل أي "مفعول سحري" لمن لمسها او لمس استارها (بين قوسين احب ان استفيض فعلا في موضوع النظرة السحرية التي ينظر بها البعض تجاه كثير من المقدسات). لذلك استغربت جدا لماذا يظن بعض الناس انه اقرب الى الله اذا اقترب من الكعبة او ان فضل حجته اكثر ان زاحم الناس وطاف قريبا منها. وهنا لا بد لي ان اذكر ان معظم من اقترب من الكعبة من مجموعتنا اما سرق او نشل او جرح بالموسى اذ يبدو ان النشالين جعلوا من هذا المكان مقرا مفضلا.. هذا عن الرجال فما بالك بالنساء ؟؟ لا اعتقد انه يجوز للمراة ان تدافع الرجال من الاقتراب من استار الكعبة. صحيح ان للحج احكاما خاصة في هذه الامور ولكن فقط فيما يتعلق بالطواف والسعي والرجم وليس في سائر الامور. ومن هذا الباب انا كنت ارفض رفضا باتا ان تدخل زوجتي الى المسجد او السوق المكي في اوقات الزحام وحذرتها من ذلك مرارا اذا خرجت مع النساء بدوني.

طبعا كل هذا تمهيد للحديث عن تجربتي مع رؤية الكعبة.. لا يعني هذا ابدا اني لم اتأثر برؤيتها ولكن كل ما احاول ان اقوله انه لا يجوز ان تقيس ايمان الناس بمقدار تأثرهم رؤية الكعبة وهذه ناحية اترك لكل واحد منكم التأكد منها بنفسه اذا اراد. وفي عودة الى محور السؤال الذي طرح علي فقد زرنا المسجد الحرام لاول مرة في الليل مع قائد الحملة حيث اوصلنا الباص الى نفق تحت الارض ومن ثم صعدنا بالسلم الكهربائي الى الباحة الرئيسية امام المسجد ووقفنا اما بوابة كبيرة اعتقد انها بوابة الملك فهد. رفعت نظري الى فوق فرايت منظر احد مآذن المسجد العالية تشع نورا وبدا لي مقدار عظمة هذا البناء وروعته خاصة في الليل ( قياسا على المساجد الصغيرة التي في مدينتنا). طبعا كنا متشوقين لنرى الكعبة فاخبرنا القائد كما يخبر الكل الا نرفع نظرنا عن الارض حتى تظهر امامنا كلها. طبعا انا مثل حازم لم التزم بهذا الامر بل صرت استرق النظر ولكن لدهشتي لم ار شيئا امامي.. بل رايت بشرا واعمدة.. فالمسجد الحرام ضخم ولا تبدو الكعبة من الباب .. فضلا اني كنت جاهلا بتصميم المسجد فقد تصورت ان الكعبة تنتصفه ولم ادر ان صحن الكعبة ينخفض عن المسجد بعدة امتار بحيث لا يمكنك ان تراه الا حينما تقترب من طرف الطابق الارضي من المسجد. ولكن مع ذلك استطيع ان اقول اني ميزت ستارا اسودا يتراءى لي من الفرجات التي تظهر وسط زحمة الناس وتراتب العواميد. المهم وصنا اخيرا الى طرف الطابق الارضي ورفعنا نظرنا لنرى منظر الكعبة كاملا فكان منظرا رائعا وفريدا من نوعه وشهق بعض من كان معنا. طبعا ساهم في ترسيخ هذا المنظر منظر الطائفين حول الكعبة حيث لا لا ترى شخوصهم بل تراهم كسائل ابيض يموج في في دوامة – طبعا هذا المنظر اجمل بكثير اذا نظرت اليه من سطح المسجد). المهم دعونا الدعاء المطلوب ونزلنا الى الطواف من ضمن القافلة حيث احطنا النساء بسلسلة بشرية لحمايتهم. وكما قدمت سابقا كي ازيد من تاثري بين فينة واخرى بمنظر الكعبة كنت اتذكر الرابط الروحي والحكمة الروحية من الحج والطواف بناء على نصيحة صديقنا اسماعيل. ذلك ان منظرها وحده لم يكن كافيا لي ان اتاثر كالباقين. وكما تعلمون في الطواف حكم كثيرة ممكن تستذكرها منها اختلاط الاجناس البشرية مع بعضها البعض على اختلاف الوانها ولغاتها.. ومنها اختلاط الغني مع الفقير والعجوز مع الشباب وحتى الذكور مع الاناث (وهو الموضع الوحيد المسموح به لهذا الامر). الطواف ايضا ممكن يذكرك بالآخرة ويوم الحشر تحديدا خاصة من حيث التدافع والخوف والاختلاط بين البشر الذي بيناه سابقا وكذلك ممكن يذكرك بطبيعة الدنيا كما اشار مشكورا أحد الإخوة مرة وذلك في تدافع الناس و انانيتهم وايذائهم الاخرين وممارساتهم الشاذة وخروجهم عن النظام واضطرارك مع ذلك كله بالصبر عليهم وعدم فقدان اعصابك (وهذه من اكبر مشقات الحج).

وكما اشار أحد الإخوة من قبل فاللحظة الفاصلة بخصوص الكعبة هي مفارقتها لا اللقاء بها، فيستحيل الا تشعر بشيء عند وداعها خاصة اذا كنت من لبنان ولا تدري متى تتاح لك فرصة زيارتها مرة اخرى. لذا فقد حرصت ان اودعها كالعاشق الذي يحب معشوقته سرا ولا يحب ان يطلع على حبه من يحيط بهما من الناس. رزقنا الله واياكم ان نزور مرة اخرى هذه الارض المباركة.

وسيم أحمد الفلو
18-01-2007, 12:30 AM
التفاضل في الحج
السلام عليكم

تقبل الله منا جميعا ان شاء الله

اشكر للاخ فاروق روايته لنا عن تجربته الفريدة فلا شك ان تناقل الخبرات قادر على اغناء التجربة والقاء مزيد من الضوء عن مختلف جوانب طبيعة الحج. لكن احب وان اكرر ما قلته مرارا من قبل:

1- شخصيات الناس ونظرتهم الى الدين تختلف من شخص الى آخر فبعضهم يؤثر فيه الجانب الوجداني والبعض العاطفي والبعض العقلي. ومن هذا الباب فقد امرنا الله ان نخاطب الناس بمفاتيح هدايتهم الثلاثة : الوجدان والقلب والعقل في قوله تعالى "وادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن". بالنسبة لي اجد ان نظرتي الى الدين وجدانية اكثر منها عاطفية وبالتالي يؤثر بي كل ما يتعلق بعظمة الله والقرآن وتعاليم الدين وشعائره والكون ومخلوقات الله وهذا التاثير يكون بنوع من الخشوع والرهبة لا الرغبة في البكاء.

2- يختلف البشر ايضا من حيث سخاء دمعتهم .. حتى الصحابة تمايزوا بهذا الامر.. انا مثلا عصي الدمع ولم ابك حتى عند وفاة احبتي.. ربما تريبت على هذا.. ربما هذا خطأ ولكن هذا طبعي.. وانا بشكل عام امنع نفسي من البكاء.. لكن هذا لا يعني اني لم اتاثر بفراق احبتي بل قد يكون تاثري اقوى من الباقين وقد يترك اثرا في نفسي اقوى من الباقين.. مثلا وفاة والدي غيرت نظرتي الى الحياة بشكل كلي فيما البعض ذرف دموعا على والده ولكن نسيه بعد مدة وعاد لينجرف في خضم الحياة.

وفي الحقيقة احب ان اعيد الامور الى نصابها لاني لاحظت من اسئلة الاخوة انها كلها تنصب على تجربتي الروحية في الحج وقد حاولت باكبر قدر من الدبلوماسية ان ابين ان تجربتي الروحية لا تستحق عناء الكتابة. لم امر بلحظات انخطاف رهيبة ومتمايزة حتى اتكلم عنها.. تأثرت.. نعم ولكن كما يتأثر بقية الناس من حولي وربما اقل. فلا اريد ان اكذب واصطنع لنفسي ما لم اشعر به. هل اصبت بخيبة امل ؟ لا اعتقد فكل ما حدث لي توقعته وانا اعرف نفسي واعرف ما الذي يؤثر بها. دعوني اعطيكم مثالا .. نحن نتكلم عن الكعبة وعن عميق تاثيرها بالحاج وانا اوافقكم.. انه بالفعل منظر مؤثر.. ولكن هل الكعبة اهم ام القرآن؟؟ القرآن كلام الله .. هل تتخيلون معنى هذه الكلمة؟؟ الله عز وجل يخاطب قلوبنا وعقولنا ونحن نترك القرآن مهجورا واذا قرأناه قراناه بدون تدبر حتى اذا جاء موسم الحج فجرنا كل روحانياتنا لدى رؤية الكعبة وكأنها المكان الوحيد الذي نقترب فيه من الله.. حتى اذا عدنا الى الحج عدنا الى حياتنا العادية البعيدة عن الله.. لا بل احيانا بمجرد ان نعود الى الفندق في مكة ننسى كل ايمانياتنا المتفجرة هناك.

نعم، من الناس من يمارس الاسلام ويطبقه تطبيقا كاملا في كل مفاصل حياته ويشعر امام الكعبة اضافة الى ايمانه الثابت بفيوضات ربانية تحمله الى عالم آخر.. وهؤلاء هم الصحابة و السلف الصالح ومن اقترب من درجة ايمانهم من المؤمنين في عصرنا الحاضر. ومن هذا الباب فاحب ان اسال الاخ سامر.. عندما تقول ان الرسول صلى الله عليه وسلم او صحابته بكوا عند الركن فهل هذا ان بكاءنا عنده سهل؟ هل هناك وجه للمقارنة؟ دعني اتكلم عن نفسي.. كي ابكي هناك معناه اني وصلت الى مرتبة ايمانهم او ما يوازيها واني اصبحت قادرا ان ارى الجنة وكأنها امامي وان اصرخ فرحا اذا اصبت برمح في جسدي "فزت ورب الكعبة" او ان اتابع صلاتي حتى لو اصبت بسهم وكأن بعوضة لدغتني. صحيح ان كثيرا من الحجيج يبكي هناك .. لكن انا اقول لك شتان ما بين بكاء السلف وبكاء هؤلاء.. هذه اما دموع اقتداء او دموع تأثر او دموع تباكي او دموع عاطفة ولكن من المؤكد انها لا تحمل بين طياتها نفس ايمان الصحابة. ولو كنا نحمل ايمان الصحابة لما كنا في الحضيض. اذن دعني اوضح اكثر.. قد يبدو بين طيات حديثي اني اذم الدموع.. على العكس انا اكبرها ولاني اكبرها ارفض ان اصدق ان التي تذرف من معظم الحجيج هي الدموع المشكورة. ومع ذلك لا اذم هذه الدموع لكن اذم التناقض في شخصية صاحبها.. تماما كما انتقد المحجبة ان اخلت بدينها لا لحجابها بل لتناقضها.

لقد حاولت ان اتتبع شخصيات الحجيج. معظم الحجيج كما تراءى لي خاصة من كان جاهلا بالدين ينظر الى الكعبة نظرة شبه وثنية حيث يظن انها تحمل بذاتها قيمة سحرية قادرة على الشفاء او اجابة الدعاء (وكذا ماء زمزم). ومنهم كذلك من ينظر الى الكعبة وكأنها معلم سياحي فيتفاخر بالوصول اليها كما يتفاخر زائر برج اسفل بانه وصل الى برجه. من الحجيج من يعتبر رحلة الحج كلها رحلة سياحية في الاصل فيقضي تسعين بالمئة من وقته بالانبهار بالمعالم الاثرية او في التسوق ومساومة الباعة (الذي يصل احيانا الى حدود الجدال المحظور) ومقارنة ما اشتراه مع ما اشتراه اصدقائه من حيث النوعية والسعر.. اقول هذا الكلام بدون مبالغة. حتى انه بلغني ان هناك اناسا معيين يعتبرون ان تكلفة الحج 2500 دولار أي بزيادة الف عن السعر الحقيقي لانه لا يستطيع ان يحج بدون ان يشتري هدايا.. يعني اصبح هناك ركن ثالث للحج عنده (الوقوف بعرفة – طواف الافاضة - والهدايا)

لا ادري ان كنتم تفهمون ما اعني وعن نوعية الحجاج الذين اتكلم عنهم.. انا لا اتهمهم بالنفاق معاذ الله ولست في صدد ان اغتابهم.. ولكن هناك خطأ ما ينبغي تصحيحه.. هنام توعية ناقصة.. لا يجوز هذه النظرة ابدا.. لقد عانيت منها كثيرا هناك.. لقد اصبح الناس يتفاخرون هناك بمقدار مخاطرتهم .. فمن طاف قريبا من الكعبة اعتبر ان حجته اكمل من ذلك الذي طاف في الطابق الاول مثلا.. ومن صلى خلف مقام ابراهيم عليه اسلام مباشرة اعتبر فدائيا يجود بحياته من اجل الدين. وبعضهم ظن ان التمسح بستار الكعبة او نافذة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم سيحقق كل رغباتهم بطريقة سحرية او سيجعلهم افضل من سائر البشر.

لقد قرأت كل ما ورد في الحج فلم اجد ان التفاضل بين الحجيج يكون بمدى اقترابهم من الكعبة .. اتفهم تماما ان يشعر بعض الناس برغبة عارمة في الاقتراب من الكعبة او من قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ليستذكروا قيما روحية تتمثل في مواقف للنبي صلى الله عليه وسلم (وفي هذا الخصوص اشكر الاخ سامر لانه اوضح لنا بعض الاحاديث التي لم اكن اعرف بها والتي لو عرفتها لربما كنت اكون اكثر حرصا او شوقا للاقتراب من الركن) ولكن لا استطيع ان اقبل ابدا ان تصبح هذه الامور المادية البحتة معيارا للتفاضل بين الحجاج. كما يقول الشيخ محمد امام النوافذ التي تحيط بقبر الرسول صنعت في ايطاليا فليس لها أي قيمة ذاتية. واقول اكثر من هذا حتى لو كان الشي الملموس خاصا بالنبي مثل شعره او بردته او سيفه فهو لا يحمل هذه القيمة السحرية التي يظنها الناس. انا لا انكر اهمية التبرك ولكن لا اؤمن بان له مفاعيل سحرية ممكن تحل مشاكل انسان لا يطبق الاسلام في سائر مفاصل الحياة. يعني ممكن يستجيب الله لانسان يتقي الله ويطيعه وهو في بيته اكثر من استجابته لانسان لا يطيع الله لمجرد انه تبرك بآثار رسول الله او اقترب من الحجر او دعاه عند قبر ولي (هذه ناحية اقترب فيها قليلا من الفكر السلفي). ولي على ذلك شواهد كثيرة. انظروا الى ما ورد عن الحج.

الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج

من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته امه.

انا ذهبت الى الحج بهذه انية وحاولت ان التزم بهذه الامور والحمدلله نجحت فيها الى حد بعيد مقابل فشل كثير ممن هم معي في ضبط اعصابهم. وانا شخصيا اؤمن ان هذا معيار التفاضل في الحج لا مدى الاقتراب من الكعبة او مدى مزاحمة الناس على الحجر. تأملوا قول الله تعالى "لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين"

المقصود من العبادة التقوى لا الامور المادية. علينا ان نقوم بتوعية الحجيج لهذه المفاهيم كي لا تنغرس في اذهانهم المفاهيم الخاطئة. هناك الكثير مما اريد قوله في هذا المجال ولكن لنترك هذا لرسائل اخرى. اخوتي سامر وفاروق بالنسبة لتجربتي في المدينة.. كما قدمت لا يوجد لدي شي مثير اقوله من ناحية الروحانيات.. فان كنتم تملكون تجاربا مثيرة فاحب ان اسمعها كي اكمل ناحية قاصرة عندي ربما والاهم من ذلك كي نغني القراء بتجارب متعددة عن الحج. ان معظم ما انوي قوله عن تجربتي يتعلق بالاخطاء التي يقع فيها الحجيج او بالمشقة التي تنتظر الحاج هناك.

وسيم أحمد الفلو
18-01-2007, 12:32 AM
السحر
كما قلت في رسالتي الاخيرة قبل الحج.. نحن محتاجون حقا ان نقرأ القرآن نظرة جديدة معاصرة.. فمام دام القرآن معجزة خالدة فلا ريب وانه يحمل في طياته قيما ومعان متجددة. لدى تدبري القرآن الكريم بهذه الروحية وجدت ان كل ما يتعلق ببني اسرائيل هو نصائح موجهة لامتنا الاسلامية وان كل ما يتعلق بالاوثان علينا ان نترجمه الى عبادة الاشخاص التي ازدهرت بشكل عجيب في عالمنا المعاصر. وماذا عن السحر؟؟ في اماكن كثيرة يذكر السحر والسحرة و يحذر القرآن من خطرهم. قد يقول قائل ما زال الكهان والمشعوذين موجودون ولا يزال لهم اتباع فلم نحتاج الى فهم معاصر للسحر؟ .. هذا كلام صحيح.. لكن اذكر ان الاوثان كذلك ما زالت موجودة عند الهندوس. لا ما هكذا تقاس الامور.. الحضارة الغربية التي تقود العالم اليوم نبذت الوثنية.. فلو توقفنا في رؤيتنا لكل الايات الي تتحدث عن الاوثان او السحر على معانيهم القديمة لاصبحت هذه الايات قليلة الفائدة لأنها تتحدث عن قيم ظهر بشكل واضح تهافتها حضاريا (ولو ظلت ملايين من الناس تؤمن بها).

ما هو السحر؟ وبم يختلف عن المعجزة؟ ولم اتهم فرعون سيدنا موسى عليه السلام بأنه ساحر. قبل ان نستشهد بالقرآن دعونا نمر مرورا سريعا على السحر في القصص. تذكر بعض القصص طاقية الاخفاء وهي طاقية تستطيع ان تخفي كل من يلبسها سواء كان طيبا ام شريرا.. كذلك الفانوس السحري.. فانوس علاء الدين فهو يخدم سيده سواء كان طيبا ام شريرا. واذا قرات التوراة تجد انها مليئة بهذه الرموز السحرية فشجرة آدم وهي عندهم شجرة المعرفة تملك مفعولا سحريا يعجز الله نفسه (والعياذ بالله) عن ابطال مفعوله لذا فكان يحرسها بملائكة الكروبيم الذين يحملون سيوفا مشتعلة خشية ان يطالها احد.

وفي عودة الى القرآن الكريم نجد ان فرعون كان يؤمن بالسحر ايمانا عجيبا.. فرغم كل المعجزات التي قام بها موسى عليه السلام فقد اصر فرعون استكبارا وعتوا على ان موسى عليه السلام ساحر. مهلا.. هل كان فرعون يؤمن بأن موسى ساحر؟؟ لا بالتأكيد.. لقد عرف في قرارة نفسه ان موسى عليه السلام صادق ولكنه رفض التسليم بهذا الامر وكذب على الناس ولأنهم طاوعوه صدق كذبته واقتنع بها " فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين". جحد فرعون الله وجحد برسالة موسى عليه السلام وثابر على خداع الآخرين وخداع نفسه بأنه امام ساحر يريد ان يسلبه ملكه.. حتى جاءت اللحظة التي فر فيها موسى عليه السلام ببني اسرائيل الى الارض المقدسة.. اتبعهم فرعون بجنوده حتى البحر وحينها اجرى الله معجزته على يد موسى عليه السلام فشق البحر بعصاه فمر بنو اسرائيل. أي شخص سوي العقل والمنطق كان ليتوقف عن اللحاق بهم عند هذا المنظر فمن المؤكد ان الذي ينصر بني اسرئيل بهذه المعجزة لن يسمح له بأن ينال منهم. ولكن فرعون لم ير الامر ابدا على انه معجزة بل وجريا على عادته رآه سحرا.. لقد ظن فرعون ان انشقاق البحر نتاج عصا موسى السحرية وما دامت هذه العصا سحرية فهي تحمل نفس التأثير للكل.. لبني اسرائيل ولفرعون وجنده.. وربما تصور ايضا ان البحر لا يمكن ان يغلق بهذه السرعة فحتى لو كان موسى عليه السلام يملك قدرة سحرية تؤهله للقيام ذلك فهو يحتاج لبعض الوقت كي يقول التعويذة بشكلها الصحيح.. وقد ينجح في تهجئتها وقد يفشل. الجهل يعمي ويصم.. عميت اعين فرعون عن الحق فكان من المغرقين.. وعندها وعندها فقط آمن فرعون بأنه ليس امام ساحر بل امام نبي ينصره الله.. ولكن بعد فوات الاوان.

اذا نظرنا الى امتنا الاسلامية اليوم هناك فئات منحرفة تشبه فرعون في طريقة تفكيره ولكنهم ولا ريب قلة. ولكن كثرة من الناس تقترب من طريقة تفكير فرعون من حيث لا تدري بسبب جهلها بالدين واتباعها التقليد دون الفهم. تنظر اليهم فترى انهم يعطون من حيث لا يشعرون قيمة كبيرة ذاتية للاشياء.. فتتحول هذه الاشياء عندهم الى طواطم سحرية تملك قدرات عجائبية تؤثر فيها بشكل متساو على كل من يلمسها سواء كان طيبا ام شريرا واذا كان هذا هو الحال فلم العمل الصالح؟؟ اعيش كما يحلو لي فاذا اردت المغفرة لمست الكعبة فغفر الله لي بفعلي هذا. طبعا هم لا يعترفون بهذا ويعللون ممارساتهم بأن هذه الاشياء مباركة. ولكن افعالهم تكذب اقوالهم لأنهم يحولون العبادة الى طقوس بحيث يصبح جل اهتمامهم منصبا على التفاصيل المادية للعبادة لا على الحكمة الروحية منها. انظر مثلا هذا الذي يركل من قربه او يدفعه بمنكبيه او بمن يختار ان يعرقل الطواف حين يصلي في نصف صحن الكعبة ويعرض غيره للوقوع فقط ليقوم بطقس معين ويصلي في مكان معين يحمل قيمة عجائبية بالنسبة له. يعني ترى بعض الناس هناك بعقلية هذا الاعرابي الذي طلب من ربه ان يرحمه هو ومحمدا فقط. آخر همهم طواف الآخرين .. المهم ان يطوف هو ويصلي هو ويتبرك هو. نظرتي الاساسية للحج انه فرصة ليلتقي المسلمون مع بعضهم البعض على اختلاف مشاربهم والوانهم لكني لاحظت – وهذه الملاحظة تبدو بشكل اقوى حينما تمارس العبادة ضمن قافلة- اننا نتعامل مع الحجيج على انهم اعداء وان علينا كقافلة ان نعرف كيف نشق صفوفهم حتى نتخطاهم ونصل الى مكان اقرب من الكعبة. وعلينا كذلك ان نعرف كيف نحمي انفسنا منهم ونردهم على اعقابهم اذا اقتربوا منا.. وعلينا ان نتخذ حلقة المستعمرين الاميركيين الدائرية التي كانوا يتوسلون بها لحماية قافلتهم من الهنود الحمر كي نحمي نساءنا منهم. اعتقد بان هذه كانت صدمة كبيرة بالنسبة لي ومن حسن الحظ انه وجد من يخبرني عن هذا مسبقا. طبعا وما يقال عند الطواف يقال عند الرجم.. بالبداهة لا لزوم للخوف ابدا ولا للتدافع هناك.. كل الامور تجري بسلاسة لو وجدت فعلا التوعية المطلوبة. تتصرف بعض القوافل بغرابة مطلقة فهي تبدو مذعورة من دون أي سبب للذعر وتدخل الرجم او الطواف باندفاع قوي وكأنها تقتحم صفوف الاعداء.. والاسوأ من ذلك هو الخروج.. فبدلا من ان تخرج بسلاسة ومع حركة الجموع تأبى الا وان تخرج عكس السير لتلاطم الامواج البشرية التي تسير في مسارها الطبيعي وتوقعها او تأذيها او باضعف الاحوال تخيفها وتنفرها وتخرجها عن طورها.

انا لا اريد ان اعطي صورة سلبية عن الحج ولا ان اضخم الامور والمشقة فيه.. كذلك لا اريد ان انتقص من قدر الحجيج فهم ان شاء الله مغفور لهم.. ولكن يحق لي ان اصحح بعض المفاهيم التي اراها خاطئة والتي تنافي الحكمة الاساسية التي فرض الحج لاجلها الا وهي اجتماع المسلمين وتراحمهم. وبرأيي فان هذه المفاهيم الخاطئة نشأت من امرين:

1- تحول الحج من عبادة روحية تتوسل حركات وخطوات معينة لتنفيذها الى طقوس مادية يكون فيها الالتزام بالطقس بحذافيره اهم من معنى العبادة الاصلي نفسه (وكأنك امام تعويذة لا تعطي مفعولها الا اذا نطقت حرفيا وبطريقة معينة)

2- اعطاء قيمة سحرية لاماكن مباركة بحيث حل مفهوم السحر مكان مفهوم البركة، فلم يعد الحاج يهتم بأن يقوي من ايمانه ومن عمله الصالح خارج اوقات الحج بعد ان آمن بأن مجرد لمس الاماكن المباركة كفيل وحده بأن يمنحه الخلاص.

Nadine
18-01-2007, 06:09 AM
جزاكم الله خيرا . نسأل الله سبحانه وتعالى ان ييسر لنا ولكل المسلمين الحج الى بيته الشريف, إنه سميع مجيب.