مشاهدة النسخة كاملة : مدرســــة الــحــيـــــــــــاة
Barbie
18-01-2009, 09:59 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
اليوم أحببت أن أطرح عليكم موضوع جديد , و إن شاء الله نتذكر كلنا من خلاله أمور ربما غفلنا عنها أو قصرنا بها .
مدرسة الحياة ____ سأكتب إن شاء الله كلما تيسر لي درس , يلامس جانب من جوانب حياتنا جميعا ً .
و إن كان العديد منا على علم ٍ به , فهذا لا يمنع من التذكرة دائما ً , فإن الذكرى تنفع المؤمنين , و تثبتهم بإذن الله تعالى .
و لكي ننصح بعضنا بعضا ً , فالذي يعلم ينصح من لا يعلم ... كي نكون بالفعل إخوة في الله .
Barbie
18-01-2009, 10:01 PM
الدرس الأول :
بسم الله الرحمان الرحيم ,
ربما إن عندنا قليلا ً إلى أنفسنا , و راجعنا تصرفاتنا خلال اليوم , لن يغيب عنا ما فعلناه من أخطاء , كما و أنه لن يغيب عنا إن استطعنا مثلا ً ضبط النفس و اتباع أمر الله عز و جل .
ما سأكتبه الآن منقول من موسوعة النابلسي للعلوم الإسلامية . ( بتصرف )
قال تعالى : " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم و يحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون " .
( سورة : النور )
حينما يوجد في القرآن الكريم موضوع فهو من الأهمية بمكان ، لأنه احتل جزءًا من كتاب الله الذي تعبدنا الله بتلاوته وفهمه إلى يوم القيامة ،
من هذه الآيات التي احتلت جزءًا من كتاب الله آية غض البصر .
.
.
.
غضُّ البصر باب كبير من أبواب القرب من الله ،
أنت تصلي في اليوم خمس مرات ،
لكن كلما غضضت بصرك عن محارم الله ارتقيت إلى الله ، فكأنك في اليوم الواحد ترتقي آلاف المرات بغض البصر ،
لذلك الآية :
قل للمؤمنين
( سورة : النور ) .
أي : بمقتضى إيمانهم ،
وهناك عقد إيماني بينك وبين الله ، والله عز وجل يخاطب العوام بأصول الدين ، قال تعالى :
يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم و الذين من قبلكم لعلكم تتقون .
(سورة : البقرة )
لكن يخاطب المؤمنين بفروع الدين ، فغض البصر أحد فروع الدين ، قال تعالى :
قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم
(سورة : النور ) .
لا معنى أن تقول لغير المؤمن : غض بصرك ، بل هذا شيء مضحك بالنسبة له ،
لأنه ألِف أن يطلق البصر ، وأن يملأ عينيه من محاسن المرأة ، فلا داعي لغض البصر ،
أما المؤمن فينصاع للتعليمات التفصيلية , لذلك الله عز وجل خاطب المؤمنين بما يقترب من ثلاثمئة آية ،
ولم يخاطب الكفار إلا بآية واحدة يوم القيامة :
يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم ..
( سورة التحريم)
الكافر غير مخاطب بالتفاصيل ، مخاطب :
يا أيها الناس اعبدوا ربكم ..
( سورة البقرة)
شأنه شأن كل البشر ، لذلك هذه آية دقيقة خاصة بالمؤمنين :
قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم
( سورة النور ) .
نظرة الفجأة لا إثم فيها :
الآن الإنسان يمشي في طريق ، وفيه منعطف حاد ، فلما دخل في المنعطف رأى أمامه امرأة ، اصرف بصرك ، هذه الأولى ، الأولى لك ، والثانية عليك .
من فوائد غضِّ البصر :
من فوائد غض البصر عند الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى :
الامتثال لأمر الله :
انه امتثال لأمر الله ، وهل هناك من عمل يفوق أن تمتثل لأمر الله فشعر براحة أنك طيع ، أنت عبد مستقيم ، أنت استجبت لرب العالمين ، وأمر الله عز وجل مقدس عندك ، فأول فائدة من فوائد غض البصر امتثال أمر الله تعالى الذي هو غاية السعادة .
منعُ وصولِ سهم إبليس المسموم إلى القلب :
البند الثاني : لأنه يمنع من وصول أثر السهم المسموم ،
النظرة الحرام كما وصفها النبي عليه الصلاة والسلام سهم مسموم ،
الفرق بين سهم مسموم وسهم غير مسموم أنّ السهم غير المسموم يصيب مكانا واحدًا في الجسم ،
أما المسموم فيسري السم في الجسم كله .
يتبع بإذن الله تعالى ...
Barbie
20-01-2009, 12:29 AM
أكمل مع فوائد غض البصر :
غضُّ البصر يورث في القلب أُنسًا بالله عزوجل :
شيء آخر ، يورث غض البصر في القلب أنساً بالله واجتماعاً عليه ، فأنت بكل غض بصر عن امرأة لا تحل لك ترقى عند الله ، وتتصل به ، وتؤكد لنفسك أنك مطيع لله ، لذلك عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَعْجَبُ مِنْ الشَّابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ )) .
[ مسند الإمام أحمد ]
إن الله ليباهي الملائكة بالشاب المؤمن ،
يقول : انظروا عبدي ، ترك شهوته من أجلي ،
وما من شيء أحب إلى الله تعالى من شاب تائب ،
وأنا أقول : كل مرحلة من العمر فيها عبادة ، تأتي الأولى للشباب الذين لا يزالون من دون زواج ،
العبادة الأولى لهم غض البصر ،
وكلما تقدم الإنسان في السن كانت عنده عبادات تأتي في الدرجة الأولى .
غضُّ البصر يقوِّي القلب :
أيها الإخوة الكرام ، غض البصر يقوي القلب ويفرحه ، كما أن إطلاق البصر يضعف القلب ويحزنه ، فترى المؤمن الذي غض البصر متفائلا نشيطًا متألقًا يشعر أن الله راض عنه .
غضُّ البصر سببٌ للنور في القلب :
شيء آخر ، الذي يغض بصره بقلبه نور ، قال تعالى :
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و آمنوا برسوله يؤتيكم كفلين من
رحمته و يجعل لكم نورا ً تمشون به
(سورة الحديد)
في قلبه نور .
غضُّ البصر يورِث الفِراسة الصادقة :
أيها الإخوة ، شيء آخر ، غض البصر يورث الفراسة الصادقة التي يميز بها الإنسان بين الحق والباطل ، هذا النور في القلب يقذف في قلبك بسبب غض بصرك ، هذا النور يفرق لك بين الحق والباطل .
غضُّ البصر يورِث الرؤية الصحيحة :
ما من عمل ، ما من سلوك إلا قبله رؤية ، إما أنها رؤية صحيحة ، أو رؤية مغلوطة ،
فكل سعادتك وسلامتك أن تمتلك رؤية صحيحة ، والرؤية الصحيحة أساسها غض البصر ،
ما دام هناك غض البصر فهناك إنابة إلى الله ،
ونور يقذفه الله في قلبك ، يريك الحق حقاً فتتبعه ، والباطل باطلاً فتجتنبه .
غضُّ البصر يورِث القلب ثباتًا وشجاعة وقوةً :
غض البصر يورث القلب ثباتاً وشجاعة وقوة ، فقد يحس الإنسان بقوة ، يشعر أن الله معه بقوة قرار ،
بسداد تفكير ، بطلاقة لسان ، بشرح ، ببيان ،
هذه المعنويات المرتفعة من أين جاءت ؟
من طاعته لله ، إذا كان ممكنًا أن يكون للمعنويات المرتفعة سُلَّم قيمي فالمؤمن معنوياته في أعلى درجة ،
لأنه مطيع لله عز وجل ، موصول بالله عز وجل .
غضُّ البصر يسدُّ على القلب مداخل الشيطان :
غض البصر يسد على الشيطان مدخله على القلب ، قال تعالى :
إنما استزلهُمُ الشيطان ببعض ما كسبوا و لقد عفا الله عنهم
إن الله غفور حليم
(سورة آل عمران)
بإطلاق البصر جعلت للشيطان منفذاً إلى القلب ، بغض البصر تغلق هذا المنفذ ،
بالتعبير العامي هذا كلام على ألسنة العوام ، لا عين تشوف ، ولا قلب يحزن ،
بإطلاق البصر ينشغل الإنسان ، يتمنى هذه التي أطلق البصر في محاسنها أن تكون زوجتُه مثلها ، دائماً هو في حزن ،
أما حينما يقطع على قلبه هذا السبيل فكأنه قطع منفذًا كبيرًا جداً للشيطان ،
ويسد على الشيطان منفذه على القلب .
بإطلاق البصر تحدِث فتحة للشيطان إلى القلب ، والشيطان عنده فتحة سالكة ما دام إطلاق البصر متتاليًا ، وهذه الفتحة خطيرة جداً ، منها ينفذ الشيطان إلى قلب المؤمن ، وما من شيء يبقى ثابتًا .
غضُّ البصر يفرِغ الإنسان لمصالحه :
شيء آخر ، غض البصر يفرغك لمصالحك ، فترى التاجر كل طاقاته في عمله ، والطالب كل طاقاته في دراسته ،
كل إنسان له موقع له عمل ، له اختصاص ،
إذا غض بصر فكل طاقاته مركزة على عمله ، أو على دراسته ، أو على إنجازاته ، أما إذا تمادى في إطلاق البصر تشتت ، وأصبح الإنسان ضائعًا .
الخلاصة :
أيها الإخوة و الأخوات ، علامة قوة الإرادة غض البصر ، وأنت في اليوم ممكن أن تنعقد صلتك بالله مئات المرات بل آلاف المرات ، كلما غضضت بصرك عن محارم الله ....
و لنتذكر دائما ً أنه ليس من صفات الإنسان المؤمن
الذي يبحث عن مرضاة الله , إطلاق بصره في كل مكان !!!
دون أن يغض بصره !
فهذا الأمر سيء للغاية و يعيب علينا كمسلمين .
اللهم أعنا على غض البصر .
اللهم أعنا على غض البصر .
اللهم أعنا على غض البصر .
Barbie
20-01-2009, 10:32 PM
الدرس الثاني :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أهمية الوقت :
1 – الإنسان زمنٌ :
أيها الإخوة الكرام ، مع درس جديد من دروس مقاصد الشريعة الإسلامية ، والحقيقة أن الوقت يمضي سريعاً ، بل إن أهل الآخرة :
[ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ]
(سورة الكهف : الآية 19 )
لذلك من المناسب أن نتحدث عن الوقت ، لأن الإنسان وقت ، لأن الإنسان بضعة أيام ،
كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، ولأنه ما من يوم ينشق فجره إلا و ينادي :
يا بن آدم ، أنا خًلق جديد ، وعلى عملك شهيد ، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة .
2 – الفوز أن نعمل في الوقت المحدّد لنا :
اطلعت على كتاب فيما مضى عن قصص العرب ، وهو من أربعة أجزاء ، وقرأته ،
ثم استنبطت أن الأذكياء ماتوا ، والأغبياء ماتوا ،
والأقوياء ماتوا ، والضعفاء ماتوا ، والأصحاء ماتوا ، والمرضى ماتوا ، وأن الظُلاّم ماتوا ، والمظلومين ماتوا ،
وأن الموت ينهي كل شيء ،
لذلك البطولة أن تعمل في هذا الوقت المحدود الذي يمضي سريعاً عملاً ينفعك بعد مضي الوقت ،
كيف مضت هذه الأيام سريعاً وكأنها لمح البصر ؟
3 – لك الساعة التي أنت فيها فقط :
كذلك الوقت يمضي سريعاً ، والوقت لا يسترجع ، لذلك ما مضى فات ، و المؤمل غيب ، الماضي لا تملكه ، لأنه مضى ،
والحديث عنه مضيعة للوقت ، لأنك لن تستطيع استرجاعه ، ما مضى فات ، و المؤمل غيب لا تملكه ، وكم من إنسان وضع آمالا عريضة لم يحقِّقها .
كنت مدرِّساً في ثانوية ، نشأت معي ساعة فراغ فجائية ، فأمضيتها عند المدير ،
المدير حدثني عن متاعبه ، وعن همومه ، وقال لي : حصلت على موافقة إعارة تدريس إلى الجزائر ، و المدرس المعار راتبه مضاعَف ،
قال : سأمضي هناك خمس سنوات ، ولن آتي إلى الشام في هذه السنوات الخمس ، سأمضي الصيف الأول في بريطانية ، والصيف الثاني في فرنسة ،
والثالث في إسبانية ، والرابع في إيطالية ، سأطلع على هذه البلاد ، وعلى ثقافة هذه البلاد ، وعلى تراث هذه البلاد ، ومتاحف هذه البلاد ،
ثم أعود بعد خمس سنوات ، وأقدم استقالتي من العمل ، وأفتح محلاً تجارياً أبيع فيه التحف ، وسيكون هذا المحل منتدى لي ولأصدقائي ، القصة طويلة ، أنا لا أبالغ حدثني لعشرين سنة قادمة ، وكيف سيكبر أولاده ، ويريحونه من العمل ، ويجعل المحل منتدى فكريا يلتقي فيه مساء كل يوم مع أصدقائه ، وهكذا ، وأنا أستمع له ، خرجت من عنده إلى صفي ، ثم إلى بيتي ،
وفي المساء عندي ساعة تدريس في مركز المدينة ، أردت أن أرجع إلى بيتي مشياً ، فإذا نعيُه على الجدران ،
والله الذي لا إله إلا هو في اليوم نفسه ، في اليوم نفسه حدثني الذي حدثني عن عشرين سنة قادمة ، ما مضى فات ، و المؤمل غيب لا تملكه .
ماذا تملك ؟ لك الساعة التي أنت فيها ،
لا تملك إلا هذه الساعة ، فالدنيا ساعة فاجعلها طاعة ،
اجعلها طلب معرفة ، اجعلها عمل صالح اجعلها عبادة ،
اجعلها نصيحة ، اجعلها أمرا بالمعروف ، اجعلها نهيا عن المنكر ، اجعلها مطالعة كتاب ، اجعلها حركة نحو الخير للناس ، لأن الدنيا ساعة .
4 – نحن بين خمسة أيام :
لذلك قالوا :
أنت بين خمسة أيام ،
يوم مفقود هو الماضي ، ويوم مشهود ، هو الحالي ، ويوم مورود ، هو الموت ، ويوم موعود هو يوم القيامة ، ويوم ممدود ،
يوم مفقود لا جدوى من الحديث عنه ،
ويوم مشهود هو أخطر أيامك ، الساعة التي أنت فيها ،
ويوم مورود هو الموت ، ويوم موعود يوم القيامة ،
ويوم ممدود إما إلى جنة يدوم نعيمها ، أو إلى نار لا ينفذ عذابها .
يتبع إن شاء الله مع ( التفكر في ساعة الموت و الإعداد لما بعدها _ و كيف ينفق المؤمن وقته ... إلخ ) كي لا أطيل الكلام .
و إن شاء الله تكون لنا الفائدة من هذه الدروس .
Mohammad
21-01-2009, 12:00 PM
مشكوره يا أخت Barbie جزاك الله كل خير...و إلى الأمام
al salem 3alaykom
allah yberek fikay 3atoul btfidina bi mwadi3ek w nchallah ana bi entizar el dares el telet
machkoura 3al hal mawdou3 el ra2e3
Barbie
22-01-2009, 01:08 AM
شكرا ً لكم , و بارك الله بكم .
المهم أيها الإخوة و الأخوات أن نستفيد جميعا ً من هذه المواضيع , وأن نغير حياتنا نحو الأفضل ... بالتطبيق , فالكلام أسهل من العمل .
و كلنا يعرف أن النفس تضعف أحيانا ً و ربما تنشغل بما لا ينفع , لذلك من واجبنا كإخوة أن نذكر بعضنا دائما ً إن شاء الله تعالى .
Barbie
22-01-2009, 01:21 AM
لابد من التفكُّر في ساعة الموت والإعدادِ لما بعدها :
لذلك من أنت أيها الإنسان ؟ أنت زمن ، أنت بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منك .
إنسان الله عمره عند الله تسع وسبعون سنة وثمانية أشهر وثلاثة أسابيع وأربعة أيام وخمس ساعات وأربع دقائق وثماني ثوان ،
انظر إلى ساعتك ، كلما تحرك العقرب ثانية واحدة قرّبك من النهاية ، والنهاية صفر ،
النهاية تنهي كل شيء ، القوي يموت ، والضعيف يموت ، والطاغية يموت .
الإنسان يمضي بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، وما من يوم ينشق فجره إلا وينادي :
يا بن آدم ، أنا خَلقٌ جديد ، وعلى عملك شهيد ، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة .
وأنا في طريقي إليكم شعرت كيف مضت هذه الأيام العديدة كلمح البصر ، وهكذا العمر .
قد يقول الإنسان : عمري ستون عاما ، أو خمسون ، أو أربعون ، هذه الأعوام كيف مضت ؟
يقول لك : البارحة كنت طالبا في الابتدائي ،
الآن أنا في سن الستين ، فإذا مضت الستون كلمح البصر ففي الأعم الأغلب السنوات الباقية تمضي أيضاً كلمح البصر ،
وفجأةً يكتَب النعي ، فجأة كان شخصاً فأصبح خبراً ،
فجأة وضع في النعش ، فجأة وضع في القبر ، وقف أهله للتعزية ، بعد شهرين أو ثلاثة نسي هذا الرجل ،
وعاشوا حياتهم اليومية ، وكأنه لم يكن ،
فإن أمضى حياته في طاعة الله فلا يعنيه ما الذي سيكون .
حينما يولد الإنسان كل مَن حوله يضحك ، وهو يبكي وحده ، فإذا وافته المنية ، وكان محسنًا فكل مَن حوله يبكي ، فإذا كان بطلاً يضحك وحده .
والله أيها الإخوة الكرام ، مرة شيّعنا ميتا ، وقفت على قبره ، والله الذي لا إله إلا هو ما وجدت على سطح الأرض إنساناً أذكى ولا أعقل ممن يعدّ لهذه الساعة التي لا بد منها ،
الغني يموت ، والفقير يموت ، والقوي يموت ، والضعيف يموت ، والوسيم يموت ، والدميم يموت ، والمحسن يموت ، والمسيئ يموت ، وكل مخلوق يموت ،
ولا يبقى إلا ذي العزة والجبروت .
والليل مهما طال فلابد من طلوع الفجر
والعمر مهما طال فلابد من نزول القبر
***
كل ابن أنثى وإن طـالت سلامته
يوماً على آلة حدباء محمــــول
فإذا حملت إلى القبـــور جنازة
فاعلم بأنك بعدهــا محمــــول .
فائدة التفكُّر في الموت :
التفكير في الموت أيها الإخوة ليس تشاؤماً ، لكن له وظيفة إيجابية ،
التفكر في الموت يجعلك على الصراط المستقيم ، تأخذ أعلى شهادة تؤسس معملا ، تقيم مشروعا ضخمًا ، هذا لا يمنع ، لكن التفكر في الموت يمنعك أن تعصي الله ،
يمنعك أن تنحرف ، والتفكر في الموت يسرع الخطى إلى الله .
مرة كنت في مطار ، ورأيت شريطًا متحركًا ، وقفت عليه ، وأنا واقف أمشي ، شيء جميل ، إن مشيت عليه كانت السرعة مضاعفة ، وعليه سوران يمنعانك أن تنحرف ، شريط متحرك له سوران ، تصورت أن هذا الشريط المتحرك مع السورين يرمز إلى التفكر في الموت ، فيسرع الخطى إلى الله ، ويمنعك أن تنزلق ، لذلك :
(( أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَادِمِ اللّذّاتِ ، يعني الموت )) .
[ الترمذي ]
مفرق الأحباب ، مشتت الجماعات .
(( عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به )) .
[ أخرجه الشيرازي ، و الحاكم ، والبيهقي ، عن علي ] .
نكمل لاحقا ً بإذن الله عز و جل .
أبو تراب
22-01-2009, 01:25 AM
بارك الله بكم
وأعانكم على الدعوة في سبيله
Barbie
23-01-2009, 01:34 AM
و بكم بارك الله .
Barbie
23-01-2009, 01:53 AM
نكمل مع فائدة التفكر بالموت :
قبل عدة أشهر أو بعض السنوات عدد لا بأس به من إخوتنا صلى الفجر في جماعة ، وفي صلاة العصر كان مدفونا ،
ولا يشكو شيئاً ، تقريباً في كل شهر أو شهرين حادثة نادرة ، أن إنسانا لا يشكو شيئًا إطلاقاً ، وصلى الفجر في جماعة وفي المسجد ، وفي العصر كان تحت التراب .
كل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذي العزة والجبروت .
والليل مهما طال فلابد من طلوع الفجر *** والعمر مهما طال فلابد من نزول القبر
حوادث كثيرة لرجال ينام أحدهم فلا يستيقظ ، أو يستيقظ فلا ينام بعد ذلك ، يخرج من بيته فلا يرجع ، أو يرجع فلا يخرج ، هذه حقيقة .
* * *
الوقت أخطر شيء في حياتك ، الوقت هو أنت ، بل هو وعاء عملك ، بل هو رأس مالك الوحيد ، ولا تملك غيره ، لذلك هذا الوقت يمكن أن ينفق إنفاقاً استهلاكياً .
هؤلاء البشر أمامك يأكلون ، ويشربون ، ويتمتعون ، ولا يعبئون بالمستقبل ، يعيشون لحظتهم ، هم مع الصرعات ، صرعات الأزياء ، صرعات الأفلام ، صرعات الإعلام ...
هم معها يغتابون ، يطلقون بصرهم في الحرام ، لا يضبطون ألسنتهم ، لا يؤدون عباداتهم .... ،
يأتي الموت فجأة لم يكن في الحسابان ، لذلك ما هو الذكاء ؟ قالوا الذكاء هو التكيف مع أي شيء ؟ مع أخطر حدث في المستقبل ، إنه الموت .
والتكيف يكون بالطاعة ، وبالصلح مع الله ، وبالاستقامة على أمر الله ، وبطلب العلم ، وبتربية الأولاد ، وبإنفاق المال ، وبالأعمال الصالحة ، هذا هو التكيف ، والذكاء هو التكيف .
المؤمن ينفق الوقت إنفاقاً استثماريا نفعِيًّا :
حينما يأتي الموت تكشف هذه الحقيقة ،
قال تعالى :
] فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) [
( سورة ق )
فلا ينفعه إلا عمل صالح ..... قال النبي عليه الصلاة والسلام لعليٍّ :
(( فَوَاللَّهِ ، لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ )) .
[ البخاري ]
(( يا علي ، لأن يهدي بك الله رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس )) .
[ لجامع الصغير عن أبي رافع ]
حجمك عند الله بحجم عملك الصالح ، حجمك عند الله بحجم استقامتك ، بحجم تضحيتك ، بحجم انضباطك ، فلذلك المؤمن ينفق الوقت إنفاقاً استثمارياً .
يتبع إن شاء الله تعالى .
Barbie
24-01-2009, 06:37 PM
لتفادي الخسارة :
قال تعالى :
{ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَ تَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) }
( سورة العصر )
* ) آمنوا
*) عملوا الصالحات
*) تواصوا بالحق
*) تواصوا بالصبر
إن فعلت هذه الأشياء الأربعة فأنت ناج من الخسارة ، وما سوى هؤلاء فخاسرون .
و قال الله سبحانه :
] أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207) [
( سورة الشعراء)
لذلك اليوم الذي تزداد به معرفة بالله ، وتزداد عملاً صالحاً ترقى به عند الله ،
وتزداد به دعوة إلى الله ، وتزداد صبراً على طلبك للحقيقة ، وعلى عملك وفقها ، وعلى دعوتك إليها ،
هذا اليوم رابح ،
وما سوى هذا اليوم فخاسر ، لأن الأيام تمضي سريعاً .
و لا يأخذ الإنسان معه إلا العمل ... فالننظر إلى ما نحن عاملون .
ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيهـا .
_ _ _ _ _ _ _ _
Barbie
24-01-2009, 06:48 PM
إن شاء الله سيكون الدرس القادم عن ( حكم المصائب ) .
أبو الشوارب
25-01-2009, 05:28 PM
السلام عليكم. موضوع من الاهمية بمكان كونه يتناول مستلزمات في حياة الانسان المسلم ربما قد غفل عنها او تكاسل في بعض جوانبها .بارك الله بكي و نفع الله بكم الامّة.وسأحاول قد المستطاع ان توفر الوقت من متابعة الموضوع
Barbie
26-01-2009, 07:50 PM
و بكم بارك الله .
Barbie
26-01-2009, 08:12 PM
الدرس الثالث
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
العبرة أن تكشف حكمة المصيبة :
أيها الإخوة ، ليست العبرة أن تعلم أن هناك مصيبة ، ولكن العبرة أن تكتشف حكمة المصيبة ،
لأن إدراك الحدث شيء سهل جداً ، لكن أن تدرك الحكمة من هذا الحدث هنا البطولة ، فالمصائب موجودة ،
هناك فقر ، وقهر ، وفقد حرية ، ومرض ، ومصائب لا تعد ولا تحصى ،
وهذا شيء واقع ، وهو قدرنا في الحياة الدنيا ، ولكن لما ؟
السؤال الأكبر :
لمَ كانت المصائب ؟
لذلك قيل : من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر .
دائماً وأبداً حينما يأتي الشيء على خلاف ما ترجو توقف وابحث ودقق وتأمل واتهم نفسك .
(( يَا عِبَادِي ، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ ، فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ ، يَا عِبَادِي ، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ ، إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ )) .
[ مسلم عن أبي ذر]
إياك أن تحابي نفسك ، كن مع نفسك شديداً ،
كن مع نفسك واقعياً ،
الله عز وجل غني عن تعذيبنا ،
قال تعالى :
ما يفعلُ الله بعذابكم إن شكرتم و آمنتُم
( سورة النساء)
لا بد من حكمة بالغة من شدة ساقها الله للإنسان ،
فلذلك المصائب لها حِكم بليغة ،
عرفها من عرفها ، وما أقلَّهم ،
وجهِلها مَن جهلها ، وما أكثرهم .
إذا كنا مقطوعي الصلة بالله ، فتأتي المصيبة من أجل أن تدفعنا إلى باب الله من أجل أن تسوقك إلى الإقبال على الله ،
من أجل أن تمرغ جبهتك في أعتاب الله ،
من أجل أن تذوق طعم القرب ، إذاً : المصائب لها حكم جليلة .
قال تعالى :
و لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأسآء ِ و الضرآء لعلهم يتضرعون
( سورة الأنعام )
و قال تعالى : لقد أخذنآ آل فرعون بالسنين و نقص من الثمرات لعلهم يتذكرون
( سورة الأعراف ) .
المصيبة رسالة ربّانية :
المصيبة رســــــــــــــــــالة
لولا أن الله يسوق لعباده هذه المصائب لكان الله ملوماً يوم القيامة من قِبَل الناس
للتقريب : لو أن ابناً في الصف الخامس طلب من والده ألاّ يدرس ، قال له : لك ذلك يا بني ، فترك الدراسة ، نام إلى الظهر ، استمتع بالحياة استمتاعا تميز به عن كل مَن حوله ، لما أصبح شاباً التفت حواليه ، فإذا به بلا عمل ، ولا شهادة ، ولا زواج ، ولا بيت ، وغالب أوقاته يتسكع في الطرقات ، فنقم على والده ، وقال له : يا أبت ، يوم قلت لك : أحب ألا أدرس لمَ لمْ تصفعني ؟ لمَ لمْ تشدد عليّ ؟ لمَ لمْ تردعني ؟ لماذا تساهلت معي ؟
لذلك القاعدة الدقيقة الذهبية :
كل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ،
وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ،
وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق ،
فهذه المصائب يسوقها الله عز وجل من أجل التضرع ،
ومن أجل التذكرة ، ومن أجل الرجوع إلى الله .
يتبع إن شاء الله , مع أنواع المصائب .
Barbie
29-01-2009, 01:15 AM
أنواع المصائب :
المصائب أنواع ، ومن السذاجة البالغة أن تظنها نوعاً واحداً ،
المصائب ما نجا منها الأنبياء ، بل هم أشد الناس ابتلاءً ، ثم الأمثل فالأمثل .
يبتلى الرجل على قدر إيمانه .
إذاً : هناك مصائب خاصة بالأنبياء ، هناك مصائب خاصة بالمؤمنين ، هناك مصائب خاصة بأهل الشرك والفسق والفجور .
1 – مصائب الأنبياء مصائب كشفٍ :
نبدأ بمصائب الأنبياء ، مصائب الأنبياء مصائب كشف ، هذا النبي الكريم ينطوي على كمال يفوق حد الخيال ، هذا الكمال لا يظهر إلا في ظروف صعبة جداً .
إن الإنسان أحياناً يُنال من جانبه ، فيتمنى أن يوقع أشد العذاب بمن تطاول عليه ،
أما أن يأتي سيد الخلق ، وحبيب الحق ، وسيد ولد آدم ،
وسيد الأنبياء والمرسلين يمشي على قدميه ما يزيد على ثمانين كيلو مترا في أصعب الجبال
وعورة ليصل إلى أهل الطائف يدعوهم إلى الله ليهديهم إلى سواء السبيل ،
لينفذهم من النار ، ليخرجهم من الظلمات على النور فكذبوه ، وسخروا منه ،
وأغروا صبيانهم أن ينالوه بالأذى ،
هذه مصيبة ، لكن هذه المصيبة سوف تعبر بعد قليل عن الكمال الذي ينطوي عليه النبي .
أراد الله أن يمكنه من أن ينتقم فأرسل ملَك الجبال ، قال : يا محمد ، أمرني ربي أن أكون طوع إرادتك ،
لو شئت لأطبقت عليهم الأخشبين الجبلين ،
الآن مُكِّن أن ينتقم منهم ، لكنه قال :
اللهم اهدِ قومي ، قال : قومي ، وما تبرأ منهم .
النبي قال : اللهم اهد قومي ، دعا لهم بالهدى ، وما تبرأ منهم ، واعتذر عنهم ، قال : فإنهم لا يعلمون ، ورجا من الله أن يخرج من أصلابهم من يوحده ،
هذه مصيبة ، لكن أظهرت عظمة هذا النبي ورحمته بالخلق .
هذا صنف من المصائب يصيب الأنبياء
والمرسلين والصديقين وكبار العلماء والدعاة ،
يدفع ثمن عقيدتهم .
جاءوا لأحد العلماء بشيخ كي يلقنه الشهادة ، قبل أن تنهى حياته ، وهو عالم جليل ، وشيخ كبير ،
الذي لقنه الشهادة قال له :
أنا أموت من أجل لا إله إلا الله ، أما أنت فترتزق بها ،
وشتان بين من يموت في سبيل الله ومن يرتزق بـ : لا إله إلا الله ،
لذلك يقول الإمام الشافعي : " لأن أرتزق بالرقص أهون من أن أرتزق بالدين " ،
والذين يرتزقون بالدين اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً .
2 – مصائب المؤمنين مصائب دفعٍ ورفعٍ :
المؤمنون ، المؤمن إنسان مستقيم ، لكنه يكون مقصِّرا أحياناً في أداء واجباته ، أو في عباداته ،
أو يكون مشغولا بالدنيا ، أو قد غرق في المباحات أو في التحريش بين المؤمنين ،
بدافع أو بآخر هذا الإنسان عند الله جيد ،
وعند الله له مكانة ، لكن يمكن أن يعالَج ،
لذلك مصائب المؤمنين مصائب دفع إلى باب الله .
في المؤمن تقصير وفتور ، وخطى بطيئة وتكاسل أحياناً ، فالمؤمن إذا أصابه التكاسل ، وإذا أصابته الفترة ، وإذا أصابه الضعف يأتيه شبح مصيبة يسوقه إلى الله عز وجل ،
مصائب المؤمنين مصائب دفع ،
هناك بطء ، و تقصير وفتور في الهمة ،
تأتي المصيبة فتدفعه إلى باب الله ، وتلجئه إلى باب الله ، وتدعوه إلى المبالغة في طاعته لله ، وتدعوه إلى إتقان عباداته ، وتدعوه إلى قيام الليل ، تدعوه على تلاوة القرآن الكريم ، إلى المبالغة في غض بصره ،
فهي مصائب دفعٍ إلى باب الله .
بلوغ المراتب العالية بين الصبر على المصيبة والأعمال الصالحة :
الله عز وجل لمحبته لعبده , يسوق له بعض المصائب كي يصبر عليها ، فيرفع درجته عند الله .
أنت كمؤمن مستقيم غالٍ على الله لك عنده مرتبة ،
فإما أن تبلغها بصبر على مصيبة ،
وإما أن تبلغها بعمل صالح ، أيهما أهون ؟
لا بد من بلوغها ، وسقف المؤمن هنا ، هو قبل هنا ،
إذاً : لا بد من أن نرفع السقف ، فإمّا أن أختار بلوغ مرتبة الصلاح بخدمة الخلق ، أو بصبر على مصيبة .
الله عز وجل أعطاك مالاً فلمَ تقصّر في إنفاقه ؟
أعطاك مكانة لمَ تقصر في جعلها موظفة في الخير ؟
أعطاك طلاقة لسان لمَ تميل إلى السكوت ، ولا تحب أن تلقي كلمة ، ولا تحب أن تعلم العلم ؟
فكل إنسان عنده إمكانيات عالية ، وبذل بعضها ، فتأتيه مصيبة لرفع السقف حتى يصل إلى أعلى إمكان يمكن أن يصل إليه ، مصائب المؤمنين مصائب دفع ورفع ، مصائب الأنبياء مصائب كشف .
3 – مصائب المنحرفين مصائب قصمٍ وردعٍ :
أيها الإخوة ، أما مصائب المنحرفين الشاردين الكفار المشركين العصاة الفّجار نوع ثالث ، هما مصيبتان ، إما أنها مصيبة قصم ، أو أنها مصيبة ردع ، فإذا كان فيه بقية خير تأتيه مصيبة ردع ، مصيبة يشيب لهَوْلِها الولدان ، مصيبة تَدَع الحليم حيران .
_ _ _ _
لأن الله يحبنا ، لأنه خلقنا للجنة ، لأنه خلقنا ليسعدنا ، لا ينسى من فضله أحدا .
و لنتذكر دائما ً :
يبتلى الرجل على قــــدر إيمـــــــــــــــــــــــانه .
الصبر على المصائب , يغسل الذنوب بإذن الله و ما من مصيبة إلا و لنا فيها خير ...
إن احتسبنا و صبرنا سيرضى الله عنا ,
و سيبدلنا بما هو أفضل لنا .
فالله تعالى أكرم الأكرمين , سبحانه .
Nader 3:16
29-01-2009, 01:28 AM
السلام عليكم.
موضوع مميز . بارك الله بكم.
في ميزان حسناتكم ان شاء الله.
Barbie
29-01-2009, 06:54 PM
و بكم بارك الله .
نفعنا الله جميعا ً و هدانا لما يحب و يرضى .
Barbie
29-01-2009, 08:39 PM
الدرس الرابع
... بسم الله الرحمان الرحيم ...
تذكير الإنسان بعداوة الشيطان .
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه , قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
( إن للشيطان لمة ً بابن آدم , و للملك لمة ً :
فأما لمة الشيطان , فإيعاد بالشر ََ , و تكذيب بالحق ,
و أما لمة الملك , فإيعاد بالخير , و تصديق بالحق ,
فمن وجد ذلك , فليعلم أنه من الله , فليحمد الله ,
و من وجد الأخرى , فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) ,
ثم قرأ : الشيطان يعدكُمُ الفقر و يأمركم بالفحشاء
_ البقرة : 268 _ .
من هذا الحديث , لا بد لنا إخوتي و أخواتي التنبه لعداوة الشيطان الرجيم ,
و العمل دائما ً للتغلب على وساوسه التي تؤدي بصاحبها إلى العذاب سواء تكلمنا عن عذاب الدنيا أو الآخرة .
( غفر الله لنا و أنقذنا من عذابه )
الشــــيطــان , من هو؟ !!
قال تعالى :
( إن الشيطان لكم عدو ٌ فاتخذوه ُ عدوا ً )
_ فاطر : 6 _
عدو , و بالطبع لا يغيب عن أحدنا معنى كلمة عدو ...
لذلك يجب أن نجتهد لمحاربته و لتقوية نفوسنا بطاعة الله عز و جل و الإلتزام بأوامره , و عدم الإستهان بأمر ٍ فرضه الله عليه ... بحجج مزيفة ,
كي لا نسمح للشيطان بتملكنا دون أن نشعر .
الشـــــيطان , ماذا يفعل بالنفوس ؟ !!
قال الله تعالى :
إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة و البغضاء في الخمر و الميسر و يصدكم عن ذكر الله و عن الصلاة فهل أنتم منتهون
_ المائدة : 19 _
هدف الشيطان نشر الفتن و البغض بين المسلمين و صدهم عن طاعة الله سبحانه ....
حتى يبعدنا عن الجنة التي وعدنا الله بها نحن عباده المسلمون .
و قال ربنا سبحانه و تعالى :
يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان و من يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء و المنكر
_ النور : 21 _
أي : لا تسلكوا الطرق التي يدعوكم إليها الشيطان
_ شرح السنة ( 14/404 ) للبغوي رحمه الله .
فهل نحن سائرون على خطاه و حسب ما يريد !!!
و هو لنا عدو ؟ ...
بالطبع لا
لذلك يجب علينا معرفة شروره التي نتعرض لها جميعا ً , كي نتجنبها بالعمل و الإجتهاد في إتباع أوامر الله تعالى ...
* * * *
و الآن عرفنا _ تذكرنا أن عدونا الأكبر هو الشيطان
( نعوذ بالله منه و من شره ) ,
لذا بات علينا التنبه لتصرفاتنا و أقوالنا في السر و العلن ,
فإن غاب عنا الناس ,
فإن ربنا و رب الناس أجمعين لا يغيب عنه شيء , فسبحان الله و نستغفر الله و نتوب إليه .
ملاحظة للأمانة : كل ما كتبته و ما سأكتبه بإذن الله في هذا الدرس ليس من موسوعة النابلسي للعلوم الإسلامية .
بل سأستعين لاحقا ً بكتاب صغير قرأت به , تأليف عبد الهادي بن حسن وهبي , بعنوان : " تذكير الإنسان بعداوة الشيطان " .
المشاركة القادمة سيرد بها إن شاء الله : شرور الشيطان .
Barbie
30-01-2009, 03:07 PM
التحذير من شرور الشيطان
إن الله سبحانه و تعالى بحكمته سلَط على العبد عدوا ً عالما ً بطرق هلاكه و أسباب الشر الذي يُلقيه فيه .
القول على الله بلا علم من أكبر المحرمات و أشملها و أكبر طرق الشيطان التي يدعو إليها .
ومن شره :
أنه يأمر بالبخل و يمنع من الإنفاق :
قال سبحانه و تعالى :
الشيطان يعدكم الفقر و يأمركم بالفحشاء و الله يعدكم مغفرة ً منه و فضلا ً و الله واسع عليم
_ البقرة : 268 _
أي : يخوفكم الفقر و الحاجة إذا أنفقتم , و يأمركم بالفحشاء , و هي البخل الذي هو من أقبح الفواحش .
هذا و إن َ وعده ُ له الفقر ليس شفقة ً عليه , و لا نصيحة ً له , و إنما وعدُهُ له ُ بالفقر ,
و أمرُهُ إياه بالبخل , ليُسيء ظنه بربه ,
و يترك ما يحبه من الإنفاق لوجهه , فسيتوجب من الحرمان .
و اما الله سبحانه و تعالى فإنه يعِدُ عبده مغفرة ً منه لذنوبه ,
و فضلا ً بان يُخلف عليه أكثر مما أنفق و أضعافه ,
إما في الدنيا أو في الدنيا و الآخرة .
فهذا وعد الله و ذاك و عد الشيطان .
فلينظر البخيل و المنفق أيَ الوعدين هو أوثق ؟
و إلى أيهما يطمئن قلبه و تسكن نفسه ؟
قال تعالى :
و ما أنفقتم من شيء ٍ فهو يُخلفه و هو خير الرازقين
_ سبأ : 39 _
و من شره :
أنه يوسوس للعبد :
و الوسوسة أعظم صفات الشيطان , و أشدها شرا ً و أقواها تأثيرا ً ,
و أعمها فسادا ً و هي أصل كل مصيبة و بلاء .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
جاء ناس ٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فسألوه : إنا نجِد ُ في أنفسنا ما يتعاظم ُ أحدنا أن يتكلم به ِ .
قال : " و قد وجدتُموه ؟ " قالوا : نعم . قال : " ذاك صريح الإيمان "
_ رواه مسلم 132 _
و حصول هذا الوسواس مع هذه الكراهة العظيمة له و دفعه عن القلب , هو من صريح الإيمان ,
كالمجاهد الذي جاءه ُ العدو , فدافعه حتى غلبه , فهذا أعظم الإيمان و الصريح الخالص .
و من شره :
أنه لص سارق لأموال الناس ,
فكل طعام أو شراب لم يُذكر اسم الله تعالى عليه , فله فيه حظ بالسرقة .
عن حذيفة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" إِن َ الشيطان يستحِلَُ الطعام أن ْ لا يذكر إسم الله عليه " .
_ رواه مسلم ( 2017) _
_ _ _ _
الخلاصة :
* لا تحرم نفسك من أجر الصدقة بمالك , فالله تعالى سيزيدك و يُغنيك .
*استعذ بالله دائما ً و لا تضعف أمام وسوسة الشيطان و إصراره لكي يبعدك عن الخير , نحو الشر .
* لا تنس ذكر الله قبل البدء بالأكل و الشرب ... ( و قبل كل شيء ٍ ) .
Barbie
01-02-2009, 03:07 PM
و من شره :
الإفساد بين المؤمنين بكل طريقة ٍ و حيلة ٍ :
عن جابر رضي الله عنه قال :
سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول :
إن الشيطان قد أيِس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب , و لكن في التحريش بينهم .
رواه مسلم ( 2812)
و عن جابر رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إن ابليس يضع عرشه على الماء , ثم يبعث سراياه , فأدناهُم منه منزلة ً أعظمهم فتنة ً ,
يجيء ُ أحدهم فيقول : فعلت كذا و كذا ,
فيقول : ما صنعت شيئا ً .
قال : ثم يجيء ُ أحدهم فيقول : ما تركته ُ حتى فرقت ُ بينه و بين امرأته ,
قال : فيُدنيه ِ منه و يقول : نِعم أنت .
رواه مسلم (2813 )
و قوله ( نِعم انت ) :
موضوعة ٌ للمدح ِ فيمدحه ُ لإعجابه بصنْعه و بلوغه الغاية التي أرادها .
صحيح مسلم بشرح النووي (17/157)
و من شره :
إصراره العنيد على ملاحقة الإنسان في كل حالة ٍ و على إتيانه من كل صوب ٍ و جهة , و على اتَباعه في كل ساعة .
عن أبي سعيد رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إن الشيطان قال :
و عزَتِك يا رب َ لا أبرح ُ أُ غوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم . فقال الربَُ : و عزَتي و جلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني .
و من شره
أنه يُري الإنسان منامات مخيفة بقصد إيلامه و إحزانه
و لا شيء أحب َُ إلى الشيطان من حزن المؤمن .
عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إنَ الرؤيا ثلاث : منها أهاويل ُ من الشيطان ليحْزُن بها ابن آدم . و منها ما يهم به ِ الرجل في يقظته , فيراه في منامه .
و منها جُزءٌ من ستة ٍ و أربعين جزءا ً من النبوة .
و عن جابر رضي الله عنه قال :
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال :
يا رسول الله رأيت في المنام كأن رأسي قُطع , فضحك النبي صلى الله عليه و سلم و قال :
إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يُحدث به الناس .
رواه مسلم ( 2268 )
الخلاصة :
* لا تستمع لوسوسة الشيطان لأنه يحاول دائما ً إحداث الفتنه و زرع الشك و الكره بين المؤمنين .
فلا تظن بأخيك سوءا ً فإن بعض الظن إثم ... و التمس لأخيك عذرا ً كي لا يفرق الشيطان بينكما .
* استعذ بالله من شر الشيطان الرجيم في كل حين و في كل عمل , فالشيطان لا يمل من صدنا عن سبيل الله سبحانه و تعالى في كل عمل نقوم به .
* إن حدث و رأيت في منامك ما يزعجك , و ما لا يرتاح له قلبك , حاول تطبيق ما قاله سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم في الحديث أعلاه : إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يُحدث به الناس .
فهذا خير لك بإذن الله تعالى .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم __ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
Barbie
13-02-2009, 02:50 AM
أعتذر لأنني توقفت عن متابعة الموضوع في الفترة السابقة .
و الآن سأكمل إن شاء الله كتابة " شرور الشيطان "
و من شره :
أن العبد إذا خرج لما يبغض ُ الله , دنا منه عدوَُه , الذي شقاؤه و فساده في قربه ِ و موالاته .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ما مِن خارج ٍ يخرج , يعني من بيته , إلاَ ببابه رايتان راية بيد ملك ٍ و راية بيد ِ شيطان ٍ ,
فإن خرج لما يحبُ الله عز و جل اتبعه الملك برايته , فلم يزل تحت راية الملك حتى يرجع إلى بيته ,
و إن خرج لما يُسخط الله أتبعه الشيطان برايته فلم يزل ْ تحت راية الشيطان حتى يرجع إلى بيته .
فاحرص يا أخي أن يكون خروجك حقا ً ثابتا ً بالله و في مرضاته , لطلب علم , و صلة رحم , و عيادة مريض , و زيارة أخ ٍ لك في الله , و قضاء حاجة ٍ له , و شهود جنازة , و حضور جماعة .
و من شره :
أنه حريص على أن ينسي العبد ما فيه من خيره :
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" خصلتان أو خلَتان ِ لا يحافظ عليهما عبد مسلم إلا دخل الجنة , هما يسير و من يعمل ُ بهما قليل :
يسبح دبر كل َ صلاة ٍ عشرا ً و يحمد عشرا ً و يكبر عشرا ً ,
فذلك خمسون و مائة باللسان و ألف و خمسمائة في الميزان ,
و يكبر أربعا ً و ثلاثين إذا أخذ مضجعه , و يحمد ثلاثا ً و ثلاثين , و يسبح ثلاثا ً و ثلاثين فذلك مائة باللسان و ألف بالميزان " فلقد رأيت ُ رسول الله صلى الله عليه و سلم يعقدها بيده .
قالوا : يا رسول الله كيف هما يسير و من يعمل بهما قليل ؟ قال : " يأتي أحدكم في منامه _ يعني الشيطان _ فينومه قبل أن يقوله , و يأتيه في صلاته فيُذكَره حاجته قبل أن ْ يقولها " .
و من شره :
أن العبد إذا تثاءب و لم يضع يده على فيه ِ دخل الشيطان .
عن ابي سعيد رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" إذا تثاءب أحدكم فليُمسك بيده على
فيه ِ فإن الشيطان يدخل " .
رواه مسلم ( 2995 )
و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
التثاؤب ُ مِن الشيطان , فإذا تثاءب أحدكم فليرُدَه ما استطاع فإن َ أحدكم إذا قال : ها ضحك الشيطان .
الخلاصة :
* اجعل كل ما تقوم به في سبيل الله وحده ... خالصا ً لوجهه الكريم .
* الشيطان يحاول جاهدا ً مع العبد المؤمن , أن يُنسيه الأعمال التي تكسبه الحسنات ... و بالمقابل يجب علينا نحن أن نسعى جاهدين كي نتغلب على وسوسة الشيطان بطاعة الله و ذكره .
* في ضوء حديث سيدنا و حبيبنا محمد صلى الله عليه و سلم , خير لنا أن نضع أيدينا على أفواهنا عند التثاؤب , كي نمنع دخول الشيطان الرجيم .
Barbie
14-02-2009, 06:45 PM
و من شره :
أنه يجعل العبد يتهاون في صغائر الذنوب .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" إن الشيطان قد أيِس أن يُعبد بأرضكم هذه , و لكن قد رضي منكم بما تُحقَرون ".
و عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" يا عائشة ! إياك ِ و مُحقَرات الأعمال , فإن لها من الله طالبا ً " .
و عن سهل بن سعد ٍ رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" إياكم و مُحقَرات الذنوب , كقوم نزلوا في بطن واد ٍ , فجاء ذا بعود ٍ , و جاء ذا بعود ٍ , حتى أنضجوا خبزتهم , و إن مُحقرات الذنوب متى يُؤخذ ُ بها صاحبها تُهلكه . "
و معنى الحديث :
أن كل واحد منهم جاء بعود حطب حتى أوقدوا نارا ً عظيمة ً فطبخوا و اشتووا , و كذلك فإن مُحقَرات الذنوب تجتمع ُ على العبد و هو يستهين بشأنها حتى تهلكه .
وواحدة من عيدان الحطب لا تخبز ُ خبزا ً , و لا تُنضج طبخا ً , و لكن إذا اجتمعت العيدان إلى بعضها و أُوقِدت : أشعلت نارا ً عظيمة ً .
و التهاون في صغائر الذنوب بمنزلة الشرارة من النار تُرمى في الحشيش اليابس , فأحدثت حريقا ً هائلا ً .
قال ابن المُعتزَ رحمه الله :
خلَ ِ الذنوب صغيرها و كبيرها ذاك التَُقى
و اصنع كماش ٍ فوق أرض الشوك ِ يحذر ُ ما يرى
لا تحقرنَ صغيرة ً إن الجبال من الحصى .
فواحدة من الحصى لا تشكل تلا ً , و لا جبلا ً , و لكن إذا كثُرت صارت تلا ً , و إذا تراكمت شكَلت جبلا ً .
و هكذا العبد يتساهل في صغائر الذنوب , حتى تغمِرهُ ذنوبه ُ و تُحيط به خطيئتُهُ , فيستحكِم ُ الهلاك .
الخلاصة :
* لا تنظر إلى صغر الذنب الذي تقوم به , و لكن انظر إلى عظمة من تعصي و من تخالف .
Barbie
15-02-2009, 08:50 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
تعرفنا و تذكرنا البعض من شرور الشيطان و طرقه التي يدخل بها إلى قلوبنا كي يحبط أعمالنا الحسنة .
من أجل ذلك سنبدأ الآن بالتعرف إلى الأعمال التي نحصن بها أنفسنا ضد وسوسة الشيطان , الذي يوصل من يتبعه إلى العذاب في الحياة الدنيا و الآخرة .
بسم الله الرحمان الرحيم
الحصن الحصين من الشيطان الرجيم
_ 1 _
الإخلاص
لمَا علم إبليس أنه لا سبيل له على أهل الإخلاص ,
استنثاهم من شِرْطتِهِ التي اشترطها للغواية و الإهلاك ,
فقال :
" قال فبعزَتِك لأغوِينَهم أجمعين ( 82 ) إلا عبادك منهم المخلصين ( 83 ) " .
( ص : 82-83 )
فالإخلاص هو سبيل الخلاص من الشيطان .
.
.
.
إذاً كيف يكون الإخلاص ؟؟؟ و من هم عباد الله المخلصين ؟
اهل الإخلاص أعمالهم كلها لله , و أقوالهم لله ,
و عطاؤهم لله , و منعهم لله , و حبهم لله , و بغضهم لله .
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" من أحب َ لله , و أبغض لله , و أعطى لله , و منع لله , فقد استكمل الإيمان " .
قال العلامة السعدي رحمه الله :
عزفوا القلوب عن الشواغل كلها
قد فرَغوها من سوى الرحمان ِ
حركاتهم و همومهم و عُزومهم
لله لا للخلق ِ و الشيطان ِ
فأهل الإخلاص معاملتهم ظاهرا ً و باطنا ً لوجه الله وحده ,
لا يريدون بذلك من الناس جزاءً و لا شكوا ً ,
و لا ابتغاء الجاه ِ عندهم , و لا طلب المحمدة ,
و المنزلة في قلوبهم , و لا هربا ً من ذمهم ,
بل قد عدَُوا الناس بمنزلة أصحاب القبور ,
لا يملكون لهم ضرا ً و لا نفعا ً ,
و لا موتا ً و لا حياة ً , و لا نشورا ً .
و اعلم بأن أصعب شيء ٍ على النفس تخليص الأعمال _ من الشيطان _ لله .
و هذا الأمر لا يُوفق إليه إلا من أمدَهُ الله بأمداد التوفيق , و أيده برحمته , و تولى حفظه و حمايته , و فتح بصير قلبه .
اللهم اجعلنا من عبادك المخلصين
اللهم اجعلنا من عبادك المخلصين
اللهم اجعلنا من عبادك المخلصين , و نجنا من شر الشيطان الرجيم .
اللهم آمين .
Barbie
18-02-2009, 01:22 PM
_2_
قراءة القرآن
عن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله و سلم خرج ليلة ً فإذا هو بأبي بكر رضي الله عنه يصلي , يخفض صوته , و مر َ بعمر بن الخطاب , و هو يصلي رافعا ً صوته ,
فلمَا اجتمعا عند النبي صلى الله عليه و سلم , قال النبي صلى الله عليه و سلم :
" يا أبا بكر ٍ , مررت بك و أنت تصلَي , تخفِضُ صوتك "
قال : أسمعْت ُ من ناجيت يا رسول الله .
و قال لِعُمر : " مررت بك و أنت تصلَي رافعا ً صوتك "
فقال : يا رسول الله ! أُوقِظُ الوسْنان و أطرُدُ الشيطان .
فقال النبي صلى الله عليه و سلم : " يا أبا بكر ٍ , ارفع مِن صوتك شيئا ً "
و قال لِعُمر : " اخفض من صوتك شيئا ً " .
_3_
سجود التلاوة
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" إذا قرأ ابن آدم السَجدة , فسجد , اعْتزل الشيطان يبكي , يقول : يا ويلي , أُمِر ابن آدم بالسَُجود , فسجد , فله الجنَة , و أُمرت بالسَُجود , فعصيت فلي النار " .
رواه مسلم (81)
_4_
كظم الغيظ
عن أنس ٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم مرَ على قوم ٍ يصطرعون فقال :
" ما هذا ؟ " قالوا : يا رسول الله هذا فلان ٌ الصَرَيع ُ , ما يصارع أحدا ً إلا صرعه .
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" ألا أدُلَُكم على من هو أشد َُ منه ؟
رجل ٌ كلَمه ُ رجل ٌ فكظم غيظه , فغلبه و غلب شيطانه , و غلب شيطان صاحبه " .
_5_
الإشارة بالسبابة في التشهَُد
عن نافع قال : كان عبد الله بن عمر إذا جلس في الصلاة ,
وضع يديه على ركبتيه , و أشار بأصبعه , و أتبعها بصره ثَم قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" لهِي أشد َُ على الشيطان من الحديد " . يعني السبَابة .
Barbie
20-02-2009, 12:52 AM
_6_
التسمية
من أراد أن يتحصَّن بالله من الشيطان فعليه إذا قام بأيِّ عمل ٍ أن يبدأَه بالتسمية " بسم الله " , من أجل ذلك أُمرنا بالتسمية في أمور كثيرة لقهر الشيطان .
أذكر منها :
على الطعام : عن جابر ٍ رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول :
" إذا دخل الرَّجل بيته , فذكر الله عند دخوله و عند طعامه , قال الشيطان :
لا مبيت لكم و لا عشاء . و إذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله , قال الشيطان : أدركتُم المبيت َ . و إذا لم يذكر الله عند طعامه : قال : أدركتم المبيت و العشاء " .
رواه مسلم ( 2018 )
عند الخروج من البيت :
عن أنس ابن مالك ٍ رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" إذا خرج الرَّجل من بيته فقال : بسم الله , توكَّلت على الله , لا حول و لا قوة إلا بالله , يقال حينئذ ٍ : هُديت و كُفيت , و وُقيت , فتتنحَّى له الشياطين , فيقول شيطان لآخر : كيف لَكَ برجل قد هُدِيَ , و كُفِيَ , و وُقِيَ ؟ "
_7_
دعاء الله تعالى
عن أبي الأزهر الأنماري رضي الله عنه أنََّ رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا أخذ مضجعه من الليل قال :
" بسم الله وضعت جنبي , اللهم تغفر لي ذنبي و اخسِىء شيطاني , و فُكَّ رِهاني , و اجعلني في النََّدِيِّ الأعلى " .
و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" إذا دخل أحدكم المسجد فليسلِّم على النبي صلى الله عليه و سلم و ليقُلْ : اللهم افتح لي أبواب رحمتك , و إذا خرج فليسلِّم على النبي صلى الله عليه و سلم و ليقُل : اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم " .
Barbie
20-02-2009, 06:19 PM
_8_
كثرة ذكر الله تعالى
عن الحارث الأشعري ِّ رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" إنَّ الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات ٍ أن يعمل بها , و يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها . ( و منها قوله : ) و آمُرُكم أن تذكُروا الله فإنَّ مثل ذلك كمثل رجل ٍ خرج العدوُّ في أثَرِهِ سراعا ً , حتى إذا أتى على حصن ٍ حصين ٍ , فأحْرز َ نفسه منهم , كذلك العبد ُ لا يُحْرِزُ نفسه من الشيطان إلا َّ بذكر الله " .
_9_
تطهير البيت من التصاوير و التماثيل
يجب على المسلم ان يطهر بيته من التماثيل و الصُّور إلا ما ورد فيه الاستثناء , كلعب البنات , و الصُّور التي لا روح فيها كالأشجار و الأنهار و الزرع و الجمادات و غيرها .
و ما كان لضرورة ِ كصورة البطاقة و الأوراق الرسمية .
و ذلك لأن الملائكة لا تدخل بيتا ً فيه تصاوير و لا تماثيل , و إذا خرجت الملائكة من البيت دخلت إليه الشياطين .
عن أبي طلحة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
لا تدخل الملائكة بيتا ً فيه كلب و لا صورة .
رواه البخاري ( 3322 ) , و مسلم ( 2106 ) .
_10_
مخالفة الشيطان
إن المؤمن الحق يرفض أن تكون له أي صلة مع الشيطان فهو يخالفه بالأمور التالية :
* العجلة : عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" التأني من الله , و العجلة من الشيطان " .
* الأكل و الشرب : عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه , و إذا شرب فليشرب بيمينه , فإنَّ الشيطان يأكل بشماله , و يشرب بشماله " .
رواه مسلم ( 2020 )
الزاهر
20-02-2009, 06:30 PM
إن المؤمن الحق يرفض أن تكون له أي صلة مع الشيطان فهو يخالفه ....
بالأول واحد من رفاقي خبرني قصة عن ستو ... كان بزيارة لها ودخل وقت صلا وهنة آعدين جمعة ... بعد شوية ما لئيها إلا عم تعيط بالغرفة عم تكحش حدا "أوم روح ... نألع !!!" ... شفي ما في ... آل وسوسلها الشيطان تأجل الصلا شوية فعم تستعيذ منو وتكحشو !!!! :)
الموضوع مميز فعلا" مع اني ما تابعت الا اخر درسين..
مشكورة ...
Barbie
22-02-2009, 01:05 AM
أشكركم على مروركم الكريم .
و ان شاء الله نستفيد كلنا من هذه الدروس , بالتطبيق ... و العمل للتغلب على الشيطان .
Barbie
22-02-2009, 01:22 AM
أكمل مع مخالفة الشيطان :
* الأخذ و العطاء
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" ليأكُلْ أحدكم بيمينه , و يشرب ْ بيمينه
, و ليأخذ بيمينه , و ليعط ِ بيمينه , فإن َّ الشيطان يأكل بشماله , و يشرب بشماله , و يعطي بشماله , و يأخذ بشماله " .
* الكِبْر
اعلم _ عصمك الله من الشيطان _ بأن الكبر من صفات ابليس .
قال سبحانه و تعالى :
(( و إذ قُلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى و استكبر و كان من الكافرين " 34 " ))
البقرة : 34
و قال عز و جل :
" قال فاهبط منها فما يكون ُ لك أن تتكبَّر فيها فاخرج إنَّك من الصاغرين ( 13 ) "
الأعراف : 13
و مخالفة الشيطان في هذه الصفة يكون بالتواضع .
النوع الأول : تواضع العبد عند أمر الله امتثالا ً و عند نهيه اجتنابا ً .
و النوع الثاني : تواضعه لعظمة ِ الرَّبِّ و جلاله , و خضوعه لعزَّته و كبريائه .
* التبذير و الإسراف
قال الله سبحانه و تعالى :
" إن المبذّرينَ كانوا إخوان الشياطين "
الإسراء : 27
عن جابر ابن عبدالله رضي الله عنه : أنَّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له :
" فراش للرَّجل , و فراش ٌ لامرأته , و الثالث للضَّيف , و الرَّابع للشيطان " .
_11_
الإستعاذه
* من دعاء النبي صلى الله عليه و سلم :
" و أعوذ بك أن يتخبَّطني الشَّيطان عند الموت "
* عند تلاوة القرآن :
قال الله عزَّ و جلَّ :
( فإذا قرأت القرءان فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم )
النحل :98
نعوذ بالله من الشيطان الرجيم و من شره .
الزعيم
22-02-2009, 11:52 PM
موضوع رائع و مفيد ,بارك الله بك يا أخت باربي
الشامي
23-02-2009, 06:37 AM
السلام عليكم
حبيت سجل مروري وإعجابي بالموضوع... فالله يجزيكم الخير...
أخوكم:rolleyes:
Barbie
23-02-2009, 06:32 PM
بارك الله بكم , و نفعنا جميعا ً بطاعته و الإجتهاد في سبيله .
Barbie
23-02-2009, 06:47 PM
أكمل مع الإستعاذه
* عند دخول المسجد
عن عبدالله بن عَمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا دخل المسجد قال : " أعوذ بالله العظيم , و بوجهه الكريم , و سلطانه القديم , من الشيطان الرجيم " قال : " فإذا قلت َ ذلك , قال الشيطان : حُفِظ َ منِّي سائر َ اليوم " .
* عند الغضب
عن سليمان بن صُرَد ٍ رضي الله عنه قال :
" كنت جالسا ً مع النبي صلى الله عليه و سلم , و رجلان يستَّبان , فأحدهما أحمر َّ وجهُه و انتفخت أوداجُهُ , فقال النبي صلى الله عليه و سلم :
" إني لأعلم كلمة ً لو قالها ذهب عنه ما يجد , لو قال : أعوذ بالله من الشَّيطان , ذهب عنه ما يجد "
رواه البخاري ( 3282) , و مسلم ( 2610) .
* عند سماع نباح الكلاب و نهيق الحمير
عن جابر ٍ رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" إذا سمِعْتم نِباحَ الكلاب , و نَهيق الحمير بالليل فتعوَّذوا بالله من الشَّيطان , فإنهن َّ يَريْنَ ما لا تَرَون َ ... "
* عند الفزع في النوم
عن ابن عمْرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" إذا فَزِعَ أحدكم في النَّوم فليقُل : أعوذ بكلمات الله التَّامَّة , مِن غضبه , و عقابه , و شر ِّ عباده , و من همزات الشياطين و أن يحضرون , فإنها لن تضُرَّه "
* عند العين و الحسد
عن ابن عبَّاس رضي اللع عنهما قال :
كان النبي صلى الله عليه و سلم يُعوِّذ ُ الحسن و الحسين و يقول : " أ ُعيذكما بكلمات الله التامَّة , من كل ِّ شيطان ٍ و هامَّة , و من كل ِّ عين ٍ لامَّة " ثم يقول : " كان أبوكم يُعوِّذ ُ بها إسماعيل و إسحاق " .
_12_
تسوية الصُّفوف
عن أنس ٍ ابن مالك ٍ رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" رصُّوا صفوفَكُم , و قارِبوا بينها , و حاذوا بالأعْناق ِ , فوالذي نفسي بيده , إني لأرى الشيطان يدخل من خلَل ِ الصَّفِّ , كأنَّها الحَذَفُ ".
الحَذفُ : غنم صغار سود .
Barbie
25-02-2009, 07:08 PM
_13_
الكلمة الطيبة
قال الله عز و جل :
( و قُل لعبادِى يقولوا التي هي أحسنُ إنَّ الشَّيطان ينزغ ُ بينهم إنَّ الشَّيطان كان للإنسان عدوا ً مبينا ً " 53 " )
الإسراء .
في هذه الآية الكريمة " يأمر تبارك و تعالى عبده و رسوله صلى الله عليه و سلم أن ْ يأمر عباد الله المؤمنين أنْ يقولوا في مخاطبتهم و محاورتهم الكلام الأحسن و الكلمةَ الطَّيبة ,
فإنهم إن لم يفعلوا ذلك , نزع الشيطان بينهم , و أخرج الكلام إلى الفِعالَ , و أوقع الشَّرَّ و المخاصمة و المقاتلة , فإنَّه عدوُّ لآدم و ذريته من حين امتنع عن السُّجود لآدم , و عداوته ظاهرة ٌ بينة ٌ " .
تفسير القرآن العظيم ( 3 \ 65 )
_14_
تحصين البيت
* ذكر الله عند الدخول
عن جابر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول :
" إذا دخل الرَّجل بيته , فذكر الله عِنْدَ دخوله و عند طعامه , قال الشيطان : لا مبيت لكُمْ و لا عشاء .
و إذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله , قال الشيطان : أدْرَكتُمُ المبيت . و إذا لم يذكر الله عند طعامه , قال : أدركتم المبيت و العشاء "
رواه مسلم 2018
* التسليم على الأهل
عن انس ٍ رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" يا بُنَيَّ إذا دخلت على أهلك , فسلِّم يكُنْ بركة ً عليك و على أهل بيتك " .
* عمارة البيت بالطاعة و العبادة
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" لا تجعلوا بيوتكم مقابر , إنَّ الشَّيطان ينفِرُ من البيت الذي تُقْرَأ ُ فيه سورة البقرة " .
واه مسلم (780)
* تطهير البيت من صوت إبليس
عن أنس ٍ رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" صوتان ملعونان في الدنيا و الآخرة : مزمار ٌ عند نعمة ٍ , و رنَّة ٌ عند مصيبة " .
قال ابن مسعود ٍ رضي الله عنه :
" الغناء ينبت ُ النِّفاق َ في القلب "
كتب عمر بن عبد العزيز إلى مؤدِّبِ ولده ِ :
" لِيكُن أوَّل ما يعتقدون من ْ أدبك بُغضُ الملاهي , التي بَدؤها من الشيطان , و عاقبتها سَخَطُ الرحمان , فإنَّه بلغني عن الثِّقات من أهل العلم أنَّ صوت المعازف , و استماع الأغاني , و اللَّهْجَ بها , ينبت النِّفاق في القلب كما يَنبت العشب ُ على الماء ".
رواه الآجُرِّي في " سيرة عمر بن عبد العزيز " ( 62 ) بسند ٍ حسن .
إنتهى .
Barbie
25-02-2009, 07:26 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
إخوتي و إخواتي , إنتهى الدرس الرابع الذي تحدث عن عداوة الشيطان لنا و شره الذي يحيط بنا ...
و عرض القسم الأخير الطرق و الأذكار التي تحصننا من وسوسة الشيطان و من الضعف أمام ما يزينه لنا من أعمال محرمة , يوهمنا أنها صغيرة و لا تؤثر !! ... و ....
لذلك أذكر نفسي و أذكركم , أن الأهم من متابعة كل ما نكتبه من مواعظ و دروس دينيه , التطبيق , و الفهم و الإستعاب لما نقرأ , كي نقارن بين ما نفعله و بين ما أمرنا به الله عز و جل _ لنعرف أين التقصير و أين الخطأ _
و لاحقا ً , ستأتي الخاتمة إن شاء الله تعالى لتكون نهاية ً لهذا الحديث .
Barbie
26-02-2009, 03:01 PM
الخاتمة
الحمد لله رب ِّ العالمين , و الصلاة و السلام على خاتم الأنبياء و المرسلين .
ينبغي أن نعلم بأننا في جهاد عظيم , و أننا نخوض معركة ً واحدة ً دائمة لا تضع ُ أوزارها ,
لأن الشيطان لا يملُّ هذه الحرب التي أعلنها منذ لعنه ِ و طرده ِ , فهو مصرٌّ ماض ٍ في طريقه ِ .. و أنَّ الجهاد _ من ثمَّ _ ماض ٍ إلى يوم القيامة في كل ِّ صوره و مجالاته .
و إنَّ المؤمن لا يغفل عن هذه المعركة و لا ينسحب منها , بل
" يجاهد شيطانه بتكذيب ِ وعده , و معصية أمره , و ارتكاب نهيه ِ , فإنَّه يعد ُ الأمانيَّ , و يمنِّي الغرور , و يَعِدُ الفقر , و يأمر بالفحشاء , و ينهى عن التقى و الهدى , و العفة ِ و الصبر , و أخلاق الإيمان كلِّها "
زاد المعد ( 3\8 )
و أغفلُ الغافلين منْ يعلم أن َّ له ُ عدوا ً يقف ُ له بالمرصاد , عنْ عمد ٍ و قصد , و سابق إنذار و إصرار , ثمَّ لا يأخذ حِذرهُ , ثمَّ يزيد ُ فيصبح تابعا ً لهذا العدو ِّ الصَّريح ِ !
و اعلم بأن َّ الشيطان له ُ مع سائر الناس عداوةٌ عامَّة ٌ , و معك َأيُّها المجتهدُ في العبادة و العلم عداوةٌ خاصَّة ٌ , إنَّ أمرك َ له لمهِّم , و معه عليك أعوان , أشدها نفسُك و هواك , و له أسباب و مداخل و أبواب أنت َ عنها غافل ٌ .
الشَّيطان فارغ ٌ و أنت َ مشغول ٌ و هو يراك و أنت لا تراه , و أنت تنساه و هو لا ينساك , و من نفسك َ للشَّيطان عليك عون ٌ .
فالحذرَ الحذرَ , فإنَّما هو الورود ُ على العطَبِ و المهالك ِ و المتالف ِ , أو النَّجاة ُ بفضل الله و رحمته .
و لكثرة فتن الشيطان , و تشبثها بالقلوب , عزَّتِ السَّلامة ُ .
المنتقى النفيس ( ص 55 )
اللهم إنِّي عبدك و هذه ناصيتي بين يديك , و لا خلاص من هذا العدوِّ إلا بك َ , و إنِّي مغْلوب ٌ فانتصِرْ .
Barbie
01-03-2009, 10:12 PM
الدرس الخامس
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
أيها الإخوة و الأخوات مع درس جديد بعنوان : الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر .
( المصدر : موسوعة النابلسي للعلوم الإسلامية ) .
* الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة سادسة :
أيها الإخوة ، يكاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكونان الفريضة السادسة .
* الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علّةُ خيرية هذه الأمة :
قال الله عز وجل : " كنتم خير أمَّة ٍ أخرجة للنَّاسِ "
( سورة آل عمران ) .
أيْ : أصبحتم ببعثة النبي عليه الصلاة والسلام خير أمة أخرجت للناس ، ولكن ما علة هذه الخيرية ؟
قال : ] تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ [
* كيف بكم إذا انقلبت موازين المعروف والمنكر
فإن كف المسلمون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقدوا خيريتهم ، وكانوا أمة كأي أمة خلقها الله ، وهذا معنى قوله تعالى يجيب عن هؤلاء الذين ادعوا أنهم أحباب الله وأبناءه :
" قل فلم يعذِّبُكُم بذنوبكم بل أنتم بشرٌ ٌمِّمَّن خلق "
( سورة المائدة)
أيْ : ليس لكم أية ميزة ، فالمسلمون إذا تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقدوا خيريتهم ، وأصبحوا كأية أمة خلقها الله ، لأنه هان أمر الله عليهم فهانوا على الله ، لذلك في بعض الأحاديث الشريفة :
(( كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف ، ولم تنهوا عن المنكر ؟ قالوا : أوَ كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال : وأشد منه سيكون ، قالوا : وما أشد منه ؟ قال كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف ؟ قالوا : أو كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال : وأشد منه سيكون )) .
[ ابن أبي الدنيا وأبو يعلى الموصلي في مسنده عن أبي أمامة بسند فيه ضعف ]
الحالة الأولى فيها تقصير في الأمر بالمعرف والنهي عن المنكر ، والحالة الثانية أشد بكثير ، فيها النقيض ، أمر بالمنكر ونهي عن المعروف ، لكن في الحالة الأولى والثانية معروف ومنكر ، فمرة قصرنا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومرة فعلنا العكس ، لكن معالم المعروف والمنكر واضحة .
أما أخطر حالة الحالة الثالثة ، قال :
(( كيف بكم إذا أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً ؟ )) .
الذي يأكل المال الحرام يسمى عند الناس ذكيًّا ، والفتاة المتفلتة تسمى بالتعبير المعاصر حضارية ، والمنافق يسمى لبقاً ومرناً ، القيم تبدلت أو انعكست ، لذلك أخطر مرحلة تمر بها الأمة إذا أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً ...
أيها الإخوة ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الفريضة السادسة ، وفي أية لحظة نمتنع عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نكون قد فقدنا خيريتنا ، وأصبحنا أمة كأي أمة من الأمم الشاردة عن الله عز وجل ، لا شأن لها عند الله ، وليست مستجابة الدعوة .
* الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تدركه الفطرة :
لكن أيها الإخوة ، هناك ملمح دقيق جداً من كلمة ( معروف ) ومن كلمة ( منكر ) ، هاتان الكلمتان تشيران إلى الفطرة ، فأيّ إنسان بفطرته يعرف المعروف ابتداءً ، بلا تعليم ، بلا توجيه ، بلا دراسة ، وأي إنسان بحسب فطرته يعرف المنكر ابتداءً ، الفطر السليمة تعرف المعروف ، والفطر السليمة تنكر المنكر ، لذلك الفطرة ما لم تنطمس فهي مقياس للمعروف والمنكر .
أيها الإخوة الكرام ، الإنسان إذا كان صافياً في نفسه وقلبه فإنهما ينبئانه بصواب عمله أو بخطأ عمله .
* من صفات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
أيها الإخوة الله عز وجل يقول :
" و المؤمنونَ و المؤمناتُ بعضهم أولياءُ بعض ٍ يأمرون َ بالمعروف ِ و ينهون عن المنكر "
( سورة التوبة : الآية 71)
أضرب لكم مثلا بسيطا : أب له ابنة أخ زارته وهي ترتدي ثيابا فاضحة أو ضيقة ، يستقبلها ، ويرحب بها ، ويثني على جمالها ، وعلى أناقتها ، وعلى دراستها ، ويسألها عن والدها ، ولا يخطر في بال العم ثانية واحدة أن يلفت نظرها إلى ثيابها الفاضحة .
* تركُ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أحد أسباب هلاك الأمم :
لذلك أحد أسباب هلاك الأمم :
" كانوا لا يَتَناهَوْن َعن مُنكرٍ فعلوه "
( سورة المائدة )
هذا واقع المسلمين ، مجاملات ، مجاملات القوي أو الغني مهما ارتكب من موبقات ، مهما تجاوز الحدود يمدحه الجميع ، ويثني عليه الجميع ، ويوقرونه ويرفعونه ، لكن إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق .
الأب إذا جاءه ضيف من أقربائه يكون مزاجه غير مقبول ، ولا يصلي ، وله تطرفات ، وله انحرافات ، والأب قال لأولاده : ما شاء الله هو فهيم ، ذكي ، ماذا فعل الأب مع أولاده ؟ أوقعهم في اضطراب شديد ، إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق ، بل ينبغي أن تكون دقيقاً في كلامك ، لأن المديح يعني أنك تقره على عمله .
Barbie
05-03-2009, 01:08 AM
* الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تضييق لدوائر الباطل ، وتوسيع لدوائر الحق :
فيا أيها الإخوة الكرام ، ما لم يكن هناك أمر بالمعروف أو نهي عن المنكر فالمشكلة كبيرة جداً ،
لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يضيق دوائر الباطل ، ويوسع دوائر الحق .
لو أن كل واحد منا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر الباطل تضيق دوائره ، لكن كل واحد منا يسكت فيؤثر السلامة ، وما يريد أن يحرج أحدا ،
ولا يريد أن ينكشف اتجاهه الديني ولا يريد أن يُسأل ، هو يمشي مستقيما ، وانتهى أمره ،
لذلك قال تعالى :
" و ما كان ربُّك لِيُهلِكَ القُرى بظلم ٍ و أهلُها مُصلِحون "
( 117 )
سورة هود
صالحون يُهلكون ، أما المصلح فيتكلم كلمة الحق .
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الفريضة السادسة ، وهي علة خيريتنا ، فإن لم نفعل نفقد خيريتنا ، ونصبح أمة كأي أمة خلقها الله عز وجل .
* من ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
1 – عدم إنكار شيء مختلَف في كونه منكرًا :
ينبغي ألا تنكر منكراً فيه خلاف بين المذاهب ، لا تنكر إلا المنكر المتفق عليه .
2 – لا تنكر منكرا ينتج عنه منكر أشدُّ منه :
شيء آخر لا تنكر منكراً ينتج عنه منكر أشد ، هذا شيء متفق عليه ، إذا أنكرت منكراً نتج عن هذا الإنكار منكر أشد بألف مرة من الذي أنكرته فأنت بهذا خالفت منهج رسول الله .
* مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
الإنكار يكون تارة بالقلب ، وتارة باللسان ، وتارة بالفعل .
الله عز وجل هو الذي يوفق الدعاة إلى إنكار المنكر ،
وإلى إصلاح البشر ،
لذلك الحسن البصري أنكر منكراً في عهد الحجاج ، فبلغ الحجاج ذلك فغضب أشد الغضب ،
وقال : يا جبناء والله لأروينكم من دمه ، وأمر بقتله ، فجاء بالسياف ، ومد النطع ، وكلف من يأتي به من بيته ليقطع رأسه أمام مَن حوله ،
فجاء الحسن البصري ، ودخل على الحجاج ، رأى السياف واقفا ، والسيف في يده ، والنطع قد مد ، ففهم القصة كلها ، حرك شفتيه بكلمات لم يفهما أحد ، فإذا بالحجاج يقف له ، ثم يقول : أهلاً بأبي سعيد ، أنت سيد العلماء ،
وما زال به يقربه من مجلسه حتى أجلسه على سريره ، واستفتاه ، وضيفه ، وعطره ، وشيعه إلى باب القصر ،
الذي صعق هو الحاجب والسياف ، فتبعه الحاجب ، وقال له : يا أبا سعيد ، لقد جيء بك لغير ما فعل بك ، فماذا قلت لربك ؟ قال :
قلت له : يا ملاذي عند كربتي ، يا مؤنثي في وحشتي اجعل نقمته علي برداً وسلاماً كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم .
* المنكِر للمنكَر تحت العناية الربانية :
لما تنكر المنكر يمكن بحسب تركيبة المجتمع الذي أنت فيه ، أو بحسب التقاليد والعادات التي أنت فيها قد تدفع الثمن باهظاً ، لكن الله عز وجل يتولاك بالعناية ،
فيخضعك لقانون العناية الإلهية ، فهذا الذي أنكرته تزداد قوة بإنكار المنكر ، وتضعف كثيراً حينما تجبن عن النطق بالحق .
إن الإنسان أحياناً يدعى إلى طعام على المائدة خمر ، يقول لك : أنا معي قرحة ، لا يا أخي ، قل : أنا مسلم ، وهذا حرام ، وهناك حالات كثيرة جداً عن الأجانب لما يمتنع إنسان عن شرب الخمر ، أو على الجلوس على مائدة فيها خمر يقدِّرونه تقديرا كبيرا ، وقد يعطونه الوكالة ، لأنه إنسان أخلاقي .
Barbie
07-03-2009, 02:18 PM
* الفرق بين النصيحة والفضيحة :
يا أيها الإخوة الكرام ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب وفريضة سادسة ، لكن الفرق كبير بين الفضيحة والنصيحة ،
فإنك إن أردت إنكار منكر في إنسان فأنكره بينك وبينه من دون أن تفضحه ، هذه هي الحكمة ، والإنسان أحيانا أمام المجموع يتشبث بخطئه ، ولا يتراجع ، لكن بينك وبينه بكل أدب يمكن أن يستجيب لك ؛ ولك أجر كبير جداً .
على كلٍّ ، لو أن إنكار المنكر كان مخالفاً للعادات والتقاليد في بلد ما ، لكن الله سبحانه و تعالى يخضع هذا الذي أنكر المنكر وأمر بالمعروف إلى قانون العناية الإلهية والحفظ الإلهي ، فدائماً وأبداً يمكن أن تستنبط من حركة الحياة قواعد معينة .
لكنك إذا ابتغيت وجه الله عز وجل وإرضاءه ، و تحصين المسلمين من أخطائهم يمكن أن تصل إلى أعلى مستوى .
* أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في واقع الناس :
أنت أحيانا بكلام أو بملاحظة قد تحيي معروفا ، وقد تنكر منكرا فلا تزهد ، وأحياناً كلمة منك تنقذ أسرة .
والله أيها الإخوة ،
على غير المتوقع يمكن لملاحظة تقدمها لفتاة من قريباتك ، ابنة أخيك تسبّب تدينها وحجابها ، ويمكن ملاحظة تقولها لتاجر يرتدع عن معاملة فيها ربا ، فأنت لا تعرف الخير من كلمة تقولها ، فلا تبخل بكلمة حق تقولها بأدب لأي إنسان ،
لذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من لوازم هذا الدين ، وهو الفريضة السادسة .
* اللطف واللِّينُ ضروريان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
لكن بتلطف ، عفواً ، هل هناك أكفر من فرعون لأنه قال :
أنَا ْ ربُّكُمُ الأعلى ( 24)
( سورة النازعات)
ولأنه قال :
ما علِمْتُ لَكُمْ مِّن إله ٍ غيرِى
( سورة القصص)
ماذا قال الله عز وجل لسيدنا موسى وأخيه هارون ؟
اذهبا إلى فرعون َ إنَّه طغى (43) فقُولا له ُ قولا ً لَّيِّنا ً
( سورة طه)
قولا قولاً ليناً لمن قال : أنا ربكم الأعلى .
إذاً : مَن أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف ، ومَن نهى عن منكر فليكن نهيه بغير منكر .
Barbie
09-03-2009, 09:36 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
انتهى الدرس السابق ( الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ) , و أرجو من الله أن تكون متابعة هذه الدروس قد أثمرت بما فيه خير لنا و لإخواننا أجمعين .... من خلال التطبيق بإذن الله تعالى .
و الآن مع درس جديد بعنوان (( الإيمان بالقضاء و القدر ))
" من موسوعة النابلسي للعلوم الإسلامية " .
الدرس السادس
بسم الله الرحمان الرحيم ,
الإيمان بالقضاء والقدر
1 - عقيد الجبر أخطر العقائد على المسلمين :
قد ألفت النظر إلى أخطر شيء في عقيدة المسلم القضاء والقدر ، لأنه إذا توهم أن الله كتب عليه كل شيء من دون اختيار منه يشلّ المسلم ، وتشلّ الأمة الإسلامية بأكملها ، وما من عقيدة أثرت تأثيراً سلبياً على حياة المسلمين كعقيدة الجبر ، وعقيدة الجبر عقيدة فاسدة .
أيها الإخوة ، لا يعقل أن يكون حال المسلم مع القضاء والقدر كقول الشاعر :
ألقاه في اليم مكتوفاً و قال له إيّاك إياك أن تبتل بالماء
2 - وجودُ الأمرِ والنهي في القرآن يلزم منه الاختيار عند الإنسان :
الأدلة على أن الإنسان مخير لا تعد ولا تحصى ،
أحد أبرز الأدلة العقلية أن وجود الأمر والنهي في كتاب والسنة دليل قطعي على أن الإنسان مخير .
لو تصورنا جدارين بعرض منكب الإنسان تماماً ، إذا مشى بينهما لامس الجدار الأول كتفه الأيمن ،
ولامس الجدار الثاني كتفه الأيسر ، هل يعقل أن نقول لهذا الإنسان : اتجه نحو اليمين ، أيّ يمين ؟
هل هناك فرجة بعشرة سنتمترات يتجه بها نحو اليمين ؟
إذا كان الإنسان مسيَّراً فوجود الأمر والنهي في القرآن الكريم لا معنى له ، هل يستطيع راكب في مركبة أن يسأل راكباً إلى جانبه ويقول له : اتجه نحو اليسار ؟
المقود ليس بيده ، فلذلك لمجرد وجود الأمر والنهي في القرآن الكريم هذا أكبر دليل على أن الإنسان مخير ، هذا دليل منطقي .
3 - الواقع دليل على اختيار الإنسان :
هناك دليل واقعي ، أنت أتيت إلى هذا المسجد باختيارك ، وبإمكانك ألا تأتي ، وبإمكانك أن تصلي في البيت ،
بل وبإمكانك ألا تصلي ، بإمكانك أن تصوم ،
وبإمكانك ألا تصوم ، أنت مخير ، وأقوى دليل واقعي أنك تنفق من مالك باختيارك ، وقد لا تنفق ، قد تعطي ، وربما لا تعطي ، قد تغضب ، وربما لا تغضب ، قد تحزن ، وربما لا تحزن ،
فأنت مخيّر ، ولولا أنك مخير ، أو لو ألغي اختيارك لألغي الثواب والعقاب ، وألغيت الجنة والنار ، وألغي التكليف ، وألغي حمل الأمانة ، وأصبح الدين غير منطقي ، وأصبحت الحياة تمثيلية سمجة .
هل يمكن أن تعلن عن مسابقة ، والذي سوف ينجح معروف قبل الإعلان عن المسابقة ، هذا كلام لا معنى له إطلاقاً .
هل يمكن أن يقف مدير المدرسة في أول يوم من العام الدراسي قبل التدريس ويقول : سأتلو عليكم أسماء الناجحين آخر هذا العام وأسماء الراسبين ، انطلقوا إلى الصفوف ، وادرسوا جيداً أيها الأولاد ، وانتهى الأمر .
مستحيل وألف ألف مستحيل ألا يكون الإنسان مخيراً ، التخيير يثمن العمل .
آيات قرآنية دالة على اختيار العبد :
موضوع آخر ، الله يعلم ، لكنك مخير بنص القرآن الكريم ، وأقوى آية في الدلالة على أنك مخير قوله تعالى :
الآية الأولى :
سيقولُ الَّذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا و لا آبآؤنا و لا حرَّمنا مِن شيء ٍ كذلك كذب الَّذين مِن قبلهم حتى ذاقوا بأْسنا
( سورة الأنعام )
عد إلغاء الاختيار تكذيباً ، قال تعالى :
الآية الثانية :
كذلك كذَّب الذين من قبلهم حتَّى ذاقوا بأْسنا قُلْ هل عندكم مِّن علم ٍ فتخرجوه لنا إِن تتَّبِعُونَ إلا َّ الظَّنَّ و إِن أنتم إلا تَخْرُصون
( 148 )
( سورة الأنعام )
مستحيل أن تكون مسيَّراً ، إذا كنت مسيَّراً فلماذا يحاسبك الله عز وجل ؟ أنت ماذا فعلت في الدنيا ، ما زدت على أن نفّذت أمر الله عز وجل ، لذلك العوام ينطقون بكلام يتناقض مع القرآن الكريم
( الله ما كتب له الهداية )
قال تعالى :
الآية الثالثة :
فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر
( سورة الكهف )
الآية الرابعة :
إنا هديناه ُ السَّبيل إمَّا شاكرا ً و إمَّا كفورا ً ( 3 )
( سورة الإنسان )
الآية الخامسة :
و لِكُلّ ٍ وجهة ٌ هو موَلِّيها فاستبِقوا الخيرات
( سورة البقرة)
آيات كثيرة جداً .
يتبع إن شاء الله تعالى مع المزيد للتوضيح .
Barbie
10-03-2009, 10:07 PM
نكمل بإذن الله تعالى ,
سيدنا عمر جيء إليه بشارب خمر فقال : << أقيموا عليه الحد >> ، قال : والله يا أمير المؤمنين إن الله قدر علي ذلك ، قال : أقيموا عليه الحد مرتين ، مرة لأنه شرب الخمر ، ومرة لأنه افترى على الله ، قال : ويحك يا هذا ، إن قضاء الله لن يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار >> ، أنت مخير فيما كلفت به .
لكن التوضيح لو قرأت القرآن الكريم ، ووقفت عند بعض الآيات :
دفع شبهات ورفع إشكالات : يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ
يُضلُّ من يشاء و يهدِى من يشاء
( سورة النحل)
أولاً : ببساطة ما بعدها بساطة يمكن أن يعود الفاعل في الفعل ( يشاء ) على الإنسان ، فمَن شاء الضلالة يسمح الله له أن يكون ضالاً ، لأنه مخير ، ومن شاء الهدى يعينه الله على الهدى لأنه مخير ، فيعنيه على الهدى ، لقوله تعالى :
الذين قال لهم النَّاسُ إنَّ النَّاس قد جمعوا لكم فاخْشَوْهُم فزادهُم إيمانا ً
( سورة آل عمران)
إنهم فتية ٌ آمنوا بربهم و زدناهم هدًى ( 13 )
زدناهم هدى ، هدى التوفيق ، أنت اخترت الهدى فدلك الله عليه ووفقك إليه .
لذلك أيها الإخوة ، أنت مخير قطعاً بدليل واقعي ، وبدليل منطقي ، وبدليل قرآني ، وبدليل من فعل الصحابة الكرام ، لكن إذا كان هناك آيات يشم منها رائحة الجبر ، يشم لها تأويل الجبر ، فلابد لها من تفسير، ومن هذه الآيات :
يضل ُّ من يشاءُ و يهدي من يشاءُ
( سورة النحل)
أبسط تفسير ، وأيسر تفسير أن المشيئة تعود على الإنسان ، فالذي أراد الضلال أراد ، الشهوة ، أراد التفلت من منهج الله ، لأنه مخير يسمح الله له ذلك ، والذي أراد الهدى الله عز وجل يعينه على ذلك فيزيده هدى .
الإضلال الجزائي نتيجة لضلال العبد الإختياري :
وهناك معنى آخر ، إذا عزي الضلال إلى الله فهو إذا عزي الإضلال إلى الله عز وجل فهو الإضلال الجزائي المبني على ضلال اختياري ، قياساً على قوله تعالى :
فلمَّا زاغوا أزاغ الله قلوبهُم
( سورة الصف)
أوضح مثل لها : طالب في الجامعة لم يداوم ، لم يقدم امتحانا ، لم يشتر الكتب أصلاً ، جاءه إنذار تلو إنذار تلو إنذار ، فأصرَّ على موقفه ، الآن سيصدر قرار بترقيك قيده من الجامعة ، هل هذا القرار فيه تجنٍّ عليه ، أم أنه تجسيد لاختياره ؟
هكذا إذا عزي الإضلال إلى الله فهو الإضلال الجزائي المبني على ضلال اختياري ، فقط ليس غير .
هناك آيات كثيرة تحتاج إلى توضيح :
ذلك هُدى الله يهدي به من يشاءُ من عباده
( سورة الأنعام)
عادت المشيئة إلى العبد بنص هذه الآية الكريمة .
و في آية أخرى :
فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر
( سورة الكهف)
لكن :
و ما تشاءون إلَّا أن يشاء الله
( سورة الإنسان) .
يتبع إن شاء الله .................................................. .................................................. ...
T a c o
12-03-2009, 06:23 PM
شكرااااااااااااا ..!!
Barbie
13-03-2009, 10:06 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
شكرا ً لمرورك أخ_ أخت Mousta
نكمل بإذن الله تعالى :
* بين مشيئة العبد ومشيئة الله :
فيما يبدو أن مشيئة الإنسان ربطت بمشيئة الله ، قد يظن بعض الناس أن هذه المشيئة التي ربطت بمشيئة الله كان ربطاً جبرياً ، لكنه ربط تفضلي ، لأن الله عز وجل أعطانا حرية الاختيار ، فإذا اختار أحدنا طريق الجنة ، وسلكها ، واستحق الجنة فيتفضل الله عليه ، فيذكره بفضله ، يقول : لولا أنني أعطيتكم حرية الاختيار ، واخترتم الجنة لما كنتم في الجنة ، ولولا أنني شئت لكم أن تشاءوا لما دخلتم الجنة ، فهذا ربط فضل لا ربط جبر .
فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر
( الكهف )
إلا َّ إن يشاء الله
( سورة الكهف)
لولا أن الله شاء لكم أن تشاءوا لما شئتم الجنة .
أنت دخلت إلى محل فيه قطع ذهبية ثمينة ، وليس معك مال إطلاقاً ، فقال لك صاحب المحل : اختر ما شئت ، وخذه هدية ، فأنت اخترت أثمن قطعة ، ووضعتها في جيبك ، ثم انصرفت ، قال لك البائع : لولا أنني خيرتك ، ووهبت لك ما تختار لما نلت هذه القطعة ، كذلك لولا أن الله خيرنا فاخترنا الجنة ، ودخلنا الجنة إن شاء الله لما كان هناك دخول للجنة ، فهذا الربط ليس ربطَ جبرٍ ، لكنه ربط فضل .
فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر
( سورة الكهف)
و ما تشاءون إلَّا ان يشاء الله
( سورة الإنسان)
آية ثالثة ، قال تعالى :
و لو شئنا لأتينا كلَّ نفس ٍ هداها
( سورة السجدة)
ولكن هناك إشكال :
و لكن حقَّ القول منِّى لأملأن َّ جهنَّم من الجِنَّة و النَّاس أجمعين
(13)
( سورة السجدة)
هذه من الآيات المتشابهات التي ينبغي أن نعرف حقيقتها ،
معنى الآية : أنتم تزعمون يا عبادي أن أعمالكم السيئة من تقديري ومن إجبارٍ مني ، أنتم واهمون ، لأنني لو أردت أن أجبركم على شيء ما لما أجبرتكم إلا على الهدى ، ولو أردت أن ألغي هويتكم ، لو أردت أن ألغي اختياركم ، لو أردت أن ألغي أنكم جئتم إلى الدنيا مخيرين ، لو أردت أن ألغي بشريتكم ، لو كنت مجبركم على شيء ما لما أجبرتكم إلا على الهدى ، لو شئنا أن نلغي اختياركم ، أن نلغي تكليفكم ، أن نلغي حمل الأمانة ، لو شئنا أن نلغي هويتكم أنكم مخلوقون مخيرون ، قال تعالى :
و لو شئنا لأتينا كل َّ نفس ٍ هداها
( سورة السجدة)
لو كنت مجبركم على شيء ما لما أجبرتكم إلا على الهدى ، ولكن هذه الأعمال من صنعكم ، ومن اختياركم ، وسوف تحاسبون عليها .
* إنه خطأ كبير : عزوُ المصائب إلى القدَر والخير إلى النفس :
لذلك أيها الإخوة ، الإنسان دائماً دون أن يشعر يعزو أخطائه إلى القضاء والقدر ، أما فضائله فينسبها إلى ذاته ، يقول لك : نجحت وتفوقت ، نلت الجائزة الأولى ، أسست عمل ، ربحت ، أما إذا لم ينجح يقول : هكذا الله يريد ، وهذا ترتيب سيدك ، لماذا لم تقل : أنا السبب برسوبي ؟
إن الإنسان إذا أصابته مصيبة قال : هكذا الله يريد ، ما بيدنا شيء ، نحن عبيد امتحان ، ولسنا عبيد إحسان ، لماذا كل السلبيات تعزوها إلى الله ، والإيجابيات تعزوها إلى نفسك ؟
أنت غير منصف ، أنت تتهم الله .
مرة كنا في مؤتمر ، وقام رئيس المؤتمر ، ووجه تهمة للأمة العربية ، والله هو محق فيها ، قال : أنتم أيها الإخوة الكرام ، تعزون أخطاءَكم إلى القضاء والقدر ، وتقولون : الله عز وجل هكذا أراد أن تتسلط علينا الشرذمة القليلة ، مَن قال لك ذلك ؟
هذا جزاء التقصير ، لذلك قالوا : الشيء الذي تتوهم أنك لا تستطيع أن تفعله هو الشيء الذي لا تريد أن تفعله ،
فإن القرار الذي يتخذ الإنسان في شأن مصيره قلما تنقضه الأيام إذا كان صادراً حقاً عن إرادة وإيمان ، وهناك بيت من الشعر مشهور :
إذا ما الشعب أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
أنت إذا أردت شيئاً فلا بد من أن تصل إليه بحكم أن الله جبلك على هذا ، قال تعالى :
فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر
( سورة الكهف)
مَّن كان يريد العاجلة عجَّلنا له فيها ما نشاء لمن نُّريد ثمَّ جعلنا
له جهنَّم يصلاها مذموما ً مَّدحورا ً(18)
( سورة الإسراء)
يتبع إن شاء الله .
mousana
15-03-2009, 08:11 PM
بارك الله بكم.....الموضوع جميل بس طويل و بيضجر
Barbie
15-03-2009, 10:22 PM
ثلاث آيات في ظاهرها إشكلات ثلاثة ، والحقيقة غير ذلك :
الأمر واضح ، إذاً : هناك إشكالات ثلاثة في آيات ثلاث ، الأولى :
فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر
( الكهف )
و ما تشاءون إلَّا ان يشاء الله
( سورة الإنسان)
والآية الثانية :
يضلُّ من يشاء و يهدي من يشاء
( سورة النحل)
والآية الثالثة :
و لو شئنا لأتينا كلَّ نفس ٍ هداها و لكن حقَّ القول منِّى لأملأن َّ جهنَّم من الجِنَّة و النَّاس أجمعين
( سورة السجدة)
* إشكال : الإضلال الحكمي والضلال الاختياري :
وهناك إشكال رابع ؛ هو أن الله عز وجل حينما يعزو الإضلال إليه فهو الإضلال الحكمي ، كيف ؟
إن إنسانا يمشي في طريقه إلى حمص ، وافتراضاً ليس في الطريق لافتات ، وجد طريقين ، يا ترى أيهما إلى حمص ؟
رأى رجلا واقفا فقال له مِن فضلك ؛ أيّ الطريقين أسلك إلى حمص ؟ قال : مِن اليمين ، قال له : جزاك الله خيراً ، قال له : انتبه هناك منحدر خطر على جسر ضيق ،
لما قال له : جزاك الله خيراً ، تابع هذا الإنسان ، وأعطاه مئة معلومة مفيدة له في هذا الطريق ، لو أن إنسانا آخر وصل على هذا المفترق ، والإنسان نفسه واقف ، فسأله : مِن أين طريق حمص ؟ قال له : من هنا ، قال له : أنت كذاب .
هل يستطيع هذا الإنسان أن يتابع ذكر التفاصيل ؟ لأنه كذب فمنع منه الخير ، منع منه الهدى ، وهذا منع حكمي ، فإذا رفض الإنسانُ الدين صار ضالا من نفسه عن هدى القرآن ، لأنه منع نفسه عن هداية النبي العدنان ، وهذا إضلال حكمي .
الإضلال عن الشركاء :
آخر شيء ، عندنا الإضلال عن الشركاء ، الله عز وجل يغار على عبده المؤمن أن يتجه على غير الله ، فلو اتجه إلى غير الله فإن الله عز وجل يضله عن هذا الذي اتجه إليه ، فيخيب ظنه ، هذا إضلال .
مثلا : يكون للإنسان صديق حميم تسلم منصبا رفيعا ، فقال له : أنا في خدمتك ، يذهب إليه فيتجاهله ، ويتنكر له ، قال له : بعنف ليس هناك موافقة ، فيزلزله ، أين الصداقة ؟ لأنه علّق الأمل عليه ، فألهم هذا الذي أشركه مع الله عز وجل أن يتنكر له ، فكأنه أضله عن شريكه ، هذا معنى من معاني الإضلال ، هذا إضلال إيجابي .
كلما تعلقت بجهة ، ونسيت الله عز وجل يضلك عنه ، وهذه قاعدة ، أيّ جهة تعتمد عليها اعتماداً كلياً ـ أنا أقول لك هذا لا من باب علم الغيب ، ولكن من باب علم القوانين ـ سوف تخيب ظنك ، لأن الله يغار عليك أن تتجه إلى غيره ، فإذا علقت الأمل على غيره أضلك .
أحيانا يعلق إنسان آماله كلها على أولاده ، أو على أحد أولاده ، فيسافر ، ويتزوج ، ويمر ثلاث سنوات ولا يتلقّى منه اتصالا هاتفيا واحدا ، لماذا ؟ لأنه علق آمالا كثيرة على ابنه الوحيد .
أحيانا يعلق الأمل على زوجته ، فتكون معه قاسية ولئيمة إلى أبعد الحدود ، فها معنى : أضله عن شريكه .
أحيانا يعلق الآمال بماله فيبتليه الله بمصيبة لا يحلها المال إطلاقاً .
خاتمة :
أيها الإخوة الكرام ، القضاء والقدر من أدق الأبحاث ، لأنه إذا فهمناه خطأً شلت حركتنا ، وإن فهمناه فهماً إيجابياً تألقنا ، وانطلقنا إلى العمل .
أرجو أن تكون هذه الدروس نافعة و مُذكرة لنا جميعا ً إن شاء سبحانه و تعالى .
و التوكل على الله أهم شيء ٍ في حياتنا مع العمل و الصبر و الله تعالى و لي التوفيق .
إنتظرونا مع درس ٍ جديد بإذن الله عز و جل .
Barbie
18-03-2009, 10:04 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
الدرس السابع
نبد أ مع درس جديد بعنوان " النهي عن تمني الموت " , لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
كل واحد له حياة شخصية ، إذا قلنا لأحد الأخوة الكرام يجب أن تعيش المستقبل ، ما هو أخطر حدث في المستقبل ؟ مغادرة الدنيا ، إلى أين ؟
الإنسان يسافر ويرجع ، يذهب في نزهة ويعود إلى البيت. يقوم بمهمة ثم ينام في البيت ، يأتي بعد شهر بعد سنة ، يذهب إلى بلد بعيد يقيم شهراً أو شهرين ، سنة أو سنتين ، ثم يعود ، أما هذه الرحلة التي لا عودة منها إلى أين ؟ وماذا فيها؟ وما العملة الرائجة في هذه الرحلة ؟
أنا أعتقد أن هذا ليس من باب التشاؤم ، ليس من باب السوداوية ، وليس من باب أن تعيش في جو مأساوي ، لا أبداً ، فالموت مصير كل حي، الموت نهاية كل إنسان ، الموت لا بد من أن نتجرع كأسه شئنا أم أبينا ، ولم يُعفَ من هذا التجرع نبي مرسل ولا سيد الخلق ولا ملك عظيم ، ولا غني كبير ، ولا طبيب ماهر ، الموت مصير كل حي .
كل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت ، والليل مهما طال فلابد من طلوع الفجر، والعمر مهما طال فلابد من نزول القبر .
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلةٍ حدباء محمول
فـإذا حملت إلى القبور جنازةً فـاعلم بأنك بعدها محمول .
القبر صندوق العمل .
فالتفكر بالموت لا علاقة له بالتشاؤم أبداً ولا بالسوداوية هذا كلام الجهلة ، هذا الحدث الذي لا بد منه شئنا أم أبينا وليس له قاعدة فقد يخطف الإنسان فجأةً وبأي عمر ففي الثلاثينات موت ، وفي العشرينات ، بالأربعينات ، بالخمسينات ، الموت ليس له قاعدة إطلاقاً ، قاعدته الوحيدة أنه ليس له قاعدة ، الشيء الذي تستعد له وتفكر فيه دائماً لا تفاجأ به ، بل أنت قد أخذت احتياطات بالغة .
صدقوني أيها الأخوة ولا أبالغ ، المؤمن حينما يدنو أجله يكون في أسعد لحظات حياته لأنه في هذه الساعة يقطف ثمن عبادته كلها ، كل حياته صلواته ، ذكره ، استقامته ، ضبطُ جوارحه ، ضبطُ أعضائه ، ضبطُ دخله ، تربية أولاده ، دعوته إلى الله ، تجشمه التعب في سبيل الله ، انتهى التعب وجاء الإكرام ، انتهى التكليف وجاء التشريف ، انتهى العمل وجاء الجزاء ، انتهى الكدح وجاء التكريم .
النظرة السوداوية للموت ينبغي ألا تكون في حياة المؤمن ، مرحباً بالموت كما قال بعض أصحاب رسول الله ، والكلمة المشهورة جداً والتي تعرفونها ، كان القادة المسلمون يقولون لأعدائهم جئناك بقوم يحبون الموت كما تحبون أنتم الحياة ، لكن والله الذي لا إله إلا هو لو كان الإنسان شارداً ، أو عاصياً ، أو بعيداً ، فذكر الموت ينخلع له قلبه فهو شيء مخيف .
موضوع الموت طويل ، لكن الذي أراه إن شاء الله من حين إلى آخر أن نعالج بعض موضوعاته المتسلسلة وله موضوعات كثيرة ، لكن طبعاً الموضوع يبدأ في الدنيا ، فمثلاً لقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تمني الموت .
ليس للموت قاعدة أبداً والوقائع كثيرة ، على كلٍ نحن أمام حدث مستقبلي و لا نعلم متى يحل علينا والصحة لا علاقة لها ، قد يفجأ الموت إنساناً في أعلى درجات الصحة ، وقد يبقى الإنسان طريح الفراش ثلاثين سنة مشلولاً ، ويتمنى أقرب الناس إليه أن يموت ...
والموت مشكلته لا يذكر في كثير إلا قله ، هذا هو الموت ، الموت خطير جداً مغادرة بلا عودة .
أكثر الموضوعات تمس أناساً دون أناس إلا الموت فهذا لا يستطيع قائل أن يقول أنا ليس لي علاقة ، هذا مصير كل إنسان ، وهو مصير محتوم .
أخرج الشيخان البخاري ومسلم
" عَنْ أَنَسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَلا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ ، فَإِنْ كَانَ لا بُدَّ مُتَمَنِّيًا لِلْمَوْتِ فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي "
أحياناً الموت يزيد الإنسان شراً لكنه يقول : يا رب توفني ، أحياناً الحياة تزيدك خيراً رواه الشيخان متفق عليه يا رب أحيني
، أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال عليه الصلاة والسلام :
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لا يَتَمَنَّين أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ ولا يَدْعُو بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ إِنَّهُ إِنْ مَاتَ أَحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ وَإِنَّهُ لا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ من عُمْرُهُ إِلا خَيْرًا " .
المؤمن كلما عاش يوماً ازداد عملاً صالحاً ، فممنوع على المؤمن أن يتمنى الموت ، بعضهم يدعو الله يقصف عمره هذه الدعوات كلها غير شرعية .
أخرج البخاري والنسائي رضي الله عنه قال : قال عليه الصلاة والسلام :
" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ " .
طالما بقي وقت فالوقت فرصة للتوبة .
يتبع بإذن الله تعالى .
Barbie
20-03-2009, 04:56 PM
نتابع بإذن الله تعالى :
طالما بقي وقت فالوقت فرصة للتوبة ،
وهذه آية دقيقة جداً قال تعالى :
و لكل ٍ وِجهة ٌ هو َ موَلِّيها فاستبقوا الخيرات ِ أين ما تكونوا يأت ِ بكُم ُ الله جميعا ً إن َّ الله على كل ِ شيء ٍ قدير ٌ ( 148 )
( سورة البقرة )
أنت مخير ، فهذه الوجهة من اختيارك ، من صنعك ، من تصميمك ، ولكل وجهة هو موليها ، والأمر فاستبقوا الخيرات ، أنت في وقت محدود وتتمتع في هذا الاختيار الذي هو سبب سعادتك ،
إن دخلت إلى محل مجوهرات وقال لك صاحب المحل تفضل واختر ، فهذه فرصة وقد تجتر ألماسة ثمنها مائة وخمسون مليون دولار ، كونه سمح لك أن تختار فقد أعطاك فرصة كبيرة جداً لأخذ أثمن ما في هذا المحل أليس كذلك ؟
أنت في زمن محدود ، أنت بضعةُ أيام ٍ مُنحتَ حرية الاختيار ,
في أي مكان وفي أية مكانة تكون .
لا تأمن الموت في طرف وفي نَفس وإن تمنَّعت بالحجــاب والـحرس
فمـا تـزال سـهام المـوت نافذة في جنــب مـدرع منها ومتـرس
أراك لسـت بوقّـاف ولا حــذر كالحاطب الخابط الأعواد في الغلـس
ترجو النجاة ولم تسـلك مسـالكها إن الســفينة لا تجري على اليبس .
هناك رواية طريفة أنه كان في عهد سيدنا سليمان رجل يحضر مجلسه ، وملك الموت قَد وَفَدَ ،
فملك الموت حدق فيه النظر ملياً ، فهذا الرجل قال له : من هذا الرجل الذي يحدق فيَّ ، قال له هذا ملك الموت ، فانخلع قلبه وقال له : أرجوك خذني إلى طرف الدنيا الآخر ،
طبعاً هذه القصة رمزية ، سيدنا سليمان أوتي بساط الريح ، وسخرت له الريح فنقله إلى الهند إلى أقصى مكان ، بعد يومين مات هناك ، فالتقى هذا النبي الكريم بمِلكِ الموت فقال له : لماذا كنت تحدق النظر فيه ، فقال له : أُمرتُ بقبض روحه في الهند لكني رأيته عندك فاستغربت .
وفي حديث :
" عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لا تَمَنَّوُا الْمَوْتَ فَإِنَّ هَوْلَ الْمَطْلَعِ شَدِيدٌ وَإِنَّ مِنَ السَّعَادَةِ أَنْ يَطُولَ عُمْرُ الْعَبْدِ وَيَرْزُقَهُ اللَّهُ الإنَابَةَ "
الوقت فرصة للتوبة ،
والشيخان أيضا أخرجا :
" قَالَ أَنَسٌ لَوْلا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نهانا : لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لَتَمَنَّيْتُهُ "
الإنسان أحياناً يكون مدمن خمر ويتوب ، يكون منحرفاً انحرافاً شديداً فيتوب ، التوبة وقعت في زمن فمعنى هذا أن الزمن خير ، لو مات قبل التوبة على هذه الحالة لكان في جهنم ،
ذكرت لكم قبل أسابيع أن سيدنا عمرو بن العاص كان على فراش الموت فبكى بكاءً شديداً ، قال له ابنه : يا أبتِ : لقد بشرك النبي ، فلماذا هذا البكاء ،
فقال له : كنت في وقت على ثلاثة أطباق ، الطبق الأول لم يكن في الأرض رجل أبغض إليَّ من رسول الله وما كنت أتمنى إلا أن أتمكن منه حتى أقتله ، فلو مت على هذه الحالة لكنت من أهل النار ، ثم جاء وقت دخل الإسلام إلى قلبي وآمنت برسول الله وأحببته حباً ما كان على وجه الأرض إنسان أحب إليه من رسول الله قال : فلو مت على هذه الحال لكنت من أهل الجنة ، ثم في مرحلة ثالثة كان فيها في حيرة من أمره .
قال تعالى :
قُل يا عبادِى َ الذَّين َ أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من ر َّحمة الله إن َّ الله يغفر الذُّنوب جميعا ً إنّه هو الغفور الرَّحيم
( 53 )
( سورة الزمر )
عن سيدنا سعد بن أبي وقاص ، أخرج المروزي عن القاسم مولى معاوية أن سعد بن أبي وقاص تمنى الموت ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع ، فقال عليه الصلاة والسلام :
" لا تتمنَّ الموت فإن كنت من أهل الجنة فالبقاء خير لك ، وإن كنت من أهل النار فما يعجلك إليها "
أحد حالين مؤمن أو غير مؤمن ، إذا كان مؤمناً كلما عشت يوماً ازداد عملك الصالح ، وإن كانت الثانية فلا بد إنها آتية .
عن ابن عباس رضي الله عنه ، قال عليه الصلاة والسلام : لا يتمنَّ أحدكم الموت فإنه لا يدري ماذا قدم لنفسه .
والنبي دخل على بعض أصحابه وعمه العباس يشتكي :
" عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى الْعَبَّاسِ وَهُوَ يَشْتَكِي فَتَمَنَّى الْمَوْت، فَقَالَ : يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ لا تَتَمَنَّ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتَ مُحْسِنًا تَزْدَادُ إِحْسَانًا إِلَى إِحْسَانِكَ خَيْرٌ لَكَ وَإِنْ كُنْتَ مُسِيئًا فَإِنْ تُؤَخَّرْ تَسْتَعْتِبْ خَيْرٌ لَكَ فَلا تَتَمَنَّ الْمَوْتَ قَالَ يُونُسُ وَإِنْ كُنْتَ مُسِيئًا فَإِنْ تُؤَخَّرْ تَسْتَعْتِبْ مِنْ إِسَاءَتِكَ خَيْرٌ لَكَ "
هذه بعض الأحاديث التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تنهى الإنسان عن تمني الموت ، هذا أول موضوع من موضوعات الموت ... ,
و نكمل إن شاء الله لاحقا ً .
Barbie
23-03-2009, 10:03 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم
لازلنا في موضوع الموت ، والموت أشد الأحداث واقعيةً في المستقبل ، ما من حدث في المستقبل أشد لصوقاً بالإنسان وأشد واقعيةً من الموت ، والتفكير في هذا الحدث الخطير تفكير جاد ، واقعي ، مهم جداً ، لنرى لماذا وجه النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه الكرام ؟ للإكثار من ذكر الموت ؟
" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ يَعْنِي الْمَوْتَ "
أكثروا ليس الأمر منصباً على هاذم اللذات ، بل على الإكثار من ذكر هاذم اللذات ، وهذا الحديث صحيح والنبي عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وصيغة هذا الحديث مصدرةٌ بفعل أمر أكثروا .
وفي حديث آخر :
" أكثروا ذكر هادم اللذات ، فإنه ما ذكره أحد في ضيق العيش إلا وسعه عليه ، ولا في سعة إلا ضيقه عليه "
إن كنت غافلاً مع السعة ذكرك الموت بمغادرة الدنيا ، وإن كنت في ضيق مع القلة ذكرك الموت في الآخرة ، فتنسى ما أنت فيه ، الذي أتمناه على أخوتنا الكرام أن يفهموا أن الدين ليس كما يفهم كثير من الناس صومٌ وصلاة وحجٌ وزكاة ، بل والفهم السليم : أن الدين نهج تفصيلي ، لا أبالغ أنّ فيه عشرين أو ثلاثين ألف بند فهذه بنود الدين ، الذي يكثر من ذكر الموت إنسان يطبق سنة النبي ، يطبق منهج الله عز وجل ، والموت يأتي فجأةً ، بغتةً .
السعة مع الغفلة علاجها التفكر بالموت ، والضيق مع اليأس علاجه التفكر بالموت ، فبالسعة يذكرك وفي الضيق يذكرك ، في السعة ينقذك من غفلتك وفي الضيق ينقذك من غفلتك .
إذا طالب لم يذكر الامتحان في أثناء العام الدراسي فقد أخطأ أما إذا ذكر الامتحان وقد وزعت الأوراق وقرع الجرس ووزعت الأسئلة فالمراقب والامتحان صار أمراً مصيرياً ، نجاح أو رسوب ، النجاح يعني نال رضى من حوله ونال بعض الميزات ، هذا الطالب الذي نال الدرجة الأولى على القطر سئل مرة بمَ نلت هذه الدرجة ؟ قال : لأن لحظة الامتحان لم تغادر ذهني ولا ساعة طوال العام الدراسي ،
والمؤمن الصادق المتفوق مغادرة الدنيا لا تغادر ذهنه إطلاقاً فهو يعمل بدأب وليس فقط يعمل بل حتى إذا قامت الساعة يعمل ويستمر في عمله :
" عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ "
يعمل ويؤسس عملاً ويدرس وينال شاهدات ، و يتوظف ويشتري بيتاً ، ويتزوج ويسكن كل هذا لا علاقة له بالموت ، الموت يحميك أن تخطئ ، يمنعك من أن تعصي الله عز وجل ، يمنعك من أن تأخذ ما ليس لك ، الموت يمنعك أن تقف في طريق الإيمان ، الموت سور ودافع ، يدفعك إلى الله وسور يقيك الزلل والانحراف .
" عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ قَالَ : أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا قَالَ فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ قَالَ : أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا أُولَئِكَ الأكْيَاسُ " .
قد يكون مشتركاً في رحلة فيكتب كل حاجاته لكيلا ينسى شيئاً ثم يضع هذه الحاجات في المحفظة
عندئذٍ يمضي رحلة موفقةً ناعمةً ، والاستعداد من علامات العقلاء ، وأخطر حدث عند الناس الموت أما أن يسكن في بيت فهذا مهم وكذلك أن ، يعمر بيتاً ، وأن يزوج أولاده ، ولكن أخطر حدث على الإطلاق المغادرة ، " الموت" و ما أدخله في حساباته ، فلذلك النبي الكريم عندما سئل " ... فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ قَالَ: أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا أُولَئِكَ الأكْيَاسُ "
أولئك الأكياس أن تكثر ذكر الموت وأن تكثر من الاستعداد له ، بالتوبة وبالوصية و بالعمل الصالح ، بإنفاق المال ، بالدعوة إلى الله ، بالنهي عن المنكر الأمر بالمعروف ، بخدمة الخلق ، بالإكثار من العبادة ، نوافل العبادات طلب العلم ، قراءة القرآن ، أعقل الإنسان في مقياس النبي عليه الصلاة والسلام ، من أكثر ذكر الموت وأكثر الاستعداد له .
" عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ " .
نفعنا الله و إياكم في الدنيا و الآخرة , و أماتنا على فطرة الإسلام و شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا ً صلى الله عليه و سلم رسول الله .
يتبع إن شاء الله تعالى ...
gardinia
24-03-2009, 06:44 PM
مرسي باربي على الموضوع المهم
Barbie
26-03-2009, 09:31 PM
شكرا ً لك أخت Gardinia على مرورك الكريم .
Barbie
26-03-2009, 10:12 PM
حاسب نفسك ، ما من عثرة و لا اختلاج عرق و لاخدش عود إلا بما قدمت أيديكم و ما يعفو الله عنه أكثر .
فالكيس من دان أي حاسب نفسه و عمل لما بعد الموت ، و العاجز من أتبع نفسه هواها و تمنى على الله الأماني ، هذا حال المسلمين اليوم يتبعون أنفسهم هواها .
عن أنس رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
أكثروا ذكر الموت فإنه يمحص الذنوب ويزهد في الدنيا ، فإن ذكرتموه عند الغنى هدمه ، وإن ذكرتموه عند الفقر أرضاكم بعيشكم .
الغني بعد ثوانٍ صار خبراً على الجدران كل ممتلكاته انتقلت لغيره ،بيته يُسكن من بعده ، امرأته قد تتزوج من بعده ، أولاده بعد حين ينسونه فلا بد من التفكر بالموت ،
الإنسان حينما يؤمن بالله عز وجل ويصطلح معه فالموت لا يرعبه كثيراً ، الإنسان يخاف الموت بقدر ذنوبه، والدليل قال تعالى :
قل يأيُّها الَّذين هادوا إن زعمتم أنَّكم أولياءُ الله من دون ِ النَّاس ِ
فَتمنَّوا الموت َ إِن كنتم صادقين (6)
( سورة الجمعة )
علامة أن تكون مع الله في أحسن حال ألّا تخاف الموت ، علامة أنك مؤمن ولك عمل طيب أنك لا تخشى الموت ، أما الظالم يكره الموت .
ومر عليه الصلاة والسلام بمجلس قد استعلاه الضحك ، فقد ترى جلسة بنزهة فيها ضحك غير معقول ، ضحكة درج ، صوت مرتفع وحركة وتمطٍ ، وتعليقات .
قال : هؤلاء لو عرفوا ما أمامهم لما ضحكوا هذا الضحك ، لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً .
أن يعلم الإنسان أن أمامه سؤالاً فهذا ضروري ، والحساب دقيق ، وأمامه جنة أو نار إلى الأبد ، شيء مخيف ، شيء مصيري .
سيدنا عمر يقول : عجبت لمؤمل والموت يطلبه ، وغافل وليس بمغفول عنه ، وضاحك ملء فيه لا يدري أساخط عنه الله أم راضٍ .
مر عليه الصلاة والسلام بمجلس قد استعلاه الضحك فقال عليه الصلاة والسلام : شوبوا مجلسكم بمكدر اللذات .
الغني يموت ، الفقير يموت ، القوي يموت ، الضعيف يموت ، الذكي يموت ، الأحمق يموت ، الكافر يموت ، كلهم يموت .
كل إنسان له منية ، العاقل هو الذي يستعد لهذا الحدث الذي لابد منه ، حينما رأى النبي هذا المجلس قد أخذه الضحك وقال : شوبوا مجلسكم بمكدر اللذات ، قالوا يا رسول الله وما مكدر اللذات ، قال الموت .
" وحدثنا شيخ قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى رجلاً فقال : أكثر ذكر الموت يسليك عما سواه "
العوام لهم كلمات لها معنى عميق ، " إذا ضاقت عليكم الصدور عليكم بزيارة القبور" .
النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا أنس من أصحابه غفلةً ، نادى فيهم بصوت رفيع ، أتتكم المنية راتبةً لازمةً إما شقاوة وإما سعادة .
هذا من باب الحقيقة الثابتة ،
بالنهاية نموت كلنا ، بعد مائة سنة من الآن هل ترون أحداً منا جالس هنا ، ولا واحد كلنا تحت أطباق الثرى مرهونون بأعمالنا ، الإنسان لابد ميت ، قال تعالى :
إنَّك َ ميِّت ٌ و إنَّهم مَّيِّتون َ ( 30 )
(سورة الزمر)
أنت حينما تستيقظ يعني أن الله سمح لك أن تعيش يوماً آخر ، ما من يوم ينشق فجر إلا وينادي منادٍ يا ابن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة .
الإنسان إذا عاش من دون هدف أحمق ، فالذي يجمعه في حياته كلها يأخذه الموت في ثانية واحدة ...
سبحان من قهر عباده بالموت ، الإنسان لا يعرف متى يموت ، كيف يموت .
قيل يا رسول الله هل يحشر مع الشهداء أحد ؟ قال : نعم من يذكر الموت في اليوم والليلة .
وكان أبو الدرداء رضي الله عنه قال : كفى بالموت واعظاً ، وكفى بالدهر مفرقاً ، اليوم في الدور وغداً في القبور .
وقال بعض العلماء : انظر : فالذي تحب أن يكون معك في الآخرة فقدمه اليوم ، وانظر الذي تكره أن يكون معك في الآخرة فاتركه اليوم واخرج عنه ، وكل عمل كرهت الموت من أجله فاتركه ، ثم لا يضرك متى مت .
_ _ _ _
أن نتذكر الموت لا يعني أن تتوقف حياتنا و ننتظر الموت مجردين من الأعمال الصالحة فهي زادنا .
الحياة هي الحياة نعيشها بقلوبنا المؤمنة و الذاكرة دائما ً ,
كي لا تأخذنا فنغفل عن ما سيؤول إليه كل الخلق " الموت " .
نتذكر الموت لأننا نخاف أن تقبض أرواحنا و نحن نعصي الله , فنبعث يوم القيامة على المعصية .
نتذكر الموت لأنه يأتي فجأة ً , دون سابق إنذار ...
نتذكر الموت كي نهذب أنفسنا و تصرفاتنا , كي نترك ما يغضب الله تعالى , و لكي نستيقظ من غفلتنا و هوان ديننا علينا .
آسفة إن أطلت عليكم .
أبو حسن
27-03-2009, 10:43 AM
بارك الله بكم أختنا على هذا الموضوع... متابع له وإن كنت لا أعقب عليه... فما فيه حقه التأمل لا كثرة الكلام...
Barbie
27-03-2009, 10:03 PM
و بكم بارك الله .
نرجو من الله تعالى أن يقدرنا على خدمة ديننا ... و نسأله عز و جل الفائدة لنا جميعا ً .
عصفورة القلمون
27-03-2009, 10:49 PM
بوركت أناملك أخت باربي لما تخطّه من مواضيع مفيدة
السلام عليكم
أختكم في الله
عصفورة القلمون
Barbie
27-03-2009, 11:13 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
الدرس الثامن
حق الآباء على الأبناء 1 / 2 - لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين ،
اليوم ننتقل إلى حقوق الآباء على الأبناء ومن ثَمَّ إن شاء الله تعالى نتحدث عن حقوق الأبناء على الآباء ،
الله سبحانه وتعالى يقول :
إن َّ الله َ يأمُر ُ بالعدل ِ و الإحسان ِ
(سورة النحل : آية " 90 " )
العدلُّ قسري ، والإحسان طوعي ، أي أداء الحقوق لا بدَّ من أن تفعله أيها المؤمن ، أما أن تحسن فهذا بحسب رغبتك وإمكاناتك وطموحك في القرب من الله عزَّ وجل ، فالحديث في الحقوق والواجبات لا يتعلّق بما هو طوعي ، بل يتعلق بما هو قسري ، إلا أن المؤمن مأمور بالإحسان كما هو مأمورٌ بالعدل .
وقواعد الإحسان تتسع لما ضاقت عنه قواعد العدل .
لا بدَّ من أداء الحقوق ، والنبي عليه الصلاة والسلام في الحديث المروي عن عمرو بن جارحة قال :
" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ اسْمُهُ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ وَلا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ " *
(من سنن النسائي )
ولن يكون الطريق إلى الله سالكاً إلا إذا
أعطيت كلَّ ذي حقٍ حقه، لن تشعر أن الله راضٍ عنك إلا إذا أعطيت كلَّ ذي حقٍ حقه ، فالزوجة لها حق ، والأم لها حق ، والأخ له حق ، والأخت لها حق ، والابن له حق ، والبنت لها حق ، والجار له حق ، وكلُّ من يتصل بك له حق ،
وإن الله ليسأل العبد عن صحبة ساعة .
أيها الإخوة الأكارم ... الدرس حديثٌ شريف ، ولكن الموضوع متعلّقٌ بحقوق الآباء على الأبناء ، ومادام في القرآن آيةٌ كريمةٌ تتعلَّق بحقوق الآباء على الأبناء ، فلا بدَّ من أن تقدم هذه الآية ، الآية الكريمة وهي قوله تعالى :
و قضى ربُّك َ ألَّا تعبُدوا إلَّا إيَّاه ُ و بِالوالدين ِ إحسانا ً
( سورة الإسراء : آية " 23 " )
أي أمَرَ ، كلمة قضى في هذه الآية تعني أنه أمرَ ، أي أن الله سبحانه وتعالى أمرَ المؤمن أمر الإنسان ألا يعبد إلا الله وبالوالدين إحسانا .
في الآية دقةٌ بالغة ، أنا ماذا أقول حينما أعطف شيئاً على شيء ؟ أقول : اشتريت أرضاً وبيتاً ، اشتريت مركبةً فخمةً ومركباً في البحر ، اشتريت كتاباً ثميناً ومجلداً ،
لكن ليس من طبيعة العرب أن يعطفوا شيئين متفاوتين ، هل يعقل أن تقول : اشتريت أرضاً وملعقةً ؟ غير مألوف ، اشتريت بيتاً فخماً ودفعت ثمنه مبلغاً طائلاً واشتريت معه سكيناً، لا يوجد تناسب ،
لمجرد أن الله سبحانه وتعالى عطف الإحسان للوالدين على عبادة الله عزَّ وجل ، فالإحسان للوالدين شيءٌ عظيمٌ عظيمٌ عظيم ، قَرَنَه الله عزَّ وجل بعبادته .
شيءٌ آخر ، في حقوق الآباء على الأبناء ، في آيةٍ ثانية الله سبحانه وتعالى يقول :
أَن ِ اشكُر ْ لِى و لوالدَيْك َ إلي َّ المصير ُ ( 14 )
حينما تأتي آيةٌ ثانية تَقْرِن ضرورة شكر الله عزَّ وجل بضرورة شكر الوالدين في آيةٍ ثانية ، إذاً يستنبط من تكرار الآيتين أن هناك قاعدةً ثابتة ألا وهي أن برَّ الوالدين شيءٌ يرقى إلى مستوى عبادة الله عزَّ وجل .
لن أطيل عليكم في المقدمة ... و بإذن الله تعالى سنكمل لاحقا ً , و نتوسع أكثر بالمزيد من الأحاديث و التنبيه مما سيؤول إليه الإنسان العاق ... إلخ , و كيف يكون العقوق .
و المهم أن نتفكر بما جاء في المقدمة و بمعنى الآيتين ... كي نعقد النية الصادقة لنغير أو نحسن تعاملنا مع من برضاهما يرضا الله سبحانه و تعالى .
Barbie
27-03-2009, 11:16 PM
و بكم بارك الله أختي " عصفورة القلمون " , نفعنا الله و إياكم , و يسر لنا الخير .
شكرا ً لمرورك الكريم .
Barbie
29-03-2009, 01:01 AM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
نتابع مع الأحاديث المتعلقة بعقوق الوالدين ... ( نعوذ بالله من غضب الوالدين و عقوقهما ) .
في صحيح البخاري
عن عبد الله قال : " سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ..." هناك أعمالٌ صالحة لا تعد ولا تحصى ، هذا السائل يريد أحب الأعمال إلى الله ، فقال عليه الصلاة والسلام :
" الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا . قَالَ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ ؟ قَالَ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " *
( في صحيح البخاري )
يقول عليه الصلاة والسلام أحب الأعمال إلى الله الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا ، وبِرُّ الْوَالِدَيْنِ ، والْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ .
من معاني بر الوالدين نأخذ بالأشد ، ألا يتعرض الإنسان لسبِّهما إطلاقاً ، ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَلْ يَشْتِمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ ؟!! قَالَ : نَعَمْ يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ " *
( من صحيح مسلم )
والنبي عليه الصلاة والسلام عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ذُكِرَ الْكَبَائِرُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :
" أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ قُلْنَا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى قُلْتُ لا يَسْكُتُ " *
( رواه البخاري ومسلم والترمذي )
وعبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال:
"الْكَبَائِرُ الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ " *
( صحيح البخاري )
" وإن من أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة الإشراك بالله ، وقتل النفس المؤمنة بغير حقٍ ، والفرار يوم الزحف ، وعقوق الوالدين ، ورمي المحصنة ، وتعلُّم السحر ، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم "
( رواه ابن حبان في صحيحه )
يعني هذه الأحاديث كلها مفادها أن عقوق الوالدين من الكبائر ، كيف أن الله سبحانه وتعالى أمرك بالإحسان إليهما ، وقرن الإحسان إلى عبادته ، وكيف أن الله سبحانه وتعالى أمرك أن تشكرهما وقرن شكرهما إلى شكره ، كذلك عقوق الوالدين رفعه الله إلى مستوى الشرك ، الإشراك بالله وعقوق الوالدين .
والآية التي تعرفونها جميعاً وهي قوله تعالى :
إِن تجتنِبوا كبائر َ ما تُنْهَون َ عنه ُ نُكفِّر عنكم سيِّئاتكم و نُدخِلْكُم مُّدخلا ً كريما ً ( 31 )
( سورة النساء )
و عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ وَوَأْدَ الْبَنَاتِ وَمَنَعَ وَهَاتِ وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ " *
( رواه البخاري )
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال :
" ثلاثةٌ لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ..."
أي أكبر عقوبةٍ يعاقب بها الإنسان يوم القيامة أن يحرم من النظر إلى وجه الله الكريم ، والدليل قوله تعالى :
كَلَّا إِنَّهُم عَن رَّبِّهِم يومئذ ٍ لَّمحْجوبون َ ( 15 )
( سورة المطففين )
" ثلاثةٌ لا ينظر الله إليهم يوم القيامة العاق لوالديه ، ومدمن الخمر ، والمنَّان في عطائه ، وثلاثةٌ لا يدخلون الجنة ، العاقُّ لوالديه ، والديّوث، والرجلة ".
الرجلة المرأة المسترجلة التي تقلِّد الرجال ، الفاجرة .
الأحاديث المتعلقة بعقوق الوالدين لا تعدُّ ولا تحصى .
" أربع حق على الله تعالى ألا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمها مدمن خمرٍ وآكل ربا وآكل مال اليتيم بغير الحق والعاق لوالديه ".
اعمل ما شئت ، يقال للعاق : اعمل ما شئت فلن يغفر لك .
"ثلاثةٌ لا ينفع معهن عمل ، الشرك بالله وعقوق الوالدين والفرار من الزحف ".
" وثلاثةٌ لا يقبل الله منهم صرفاً ولا عدلاً عاقٌ ومنانٌ ومكذبٌ بالقتل ".
هذا كله متعلقٌ بعقوق الوالدين لعظم حقهما على الإنسان .
يتبع إن شاء الله تعالى مع التفصيلات المتعلقة ببر الوالدين ( كيف يكون ؟؟ )
Barbie
31-03-2009, 04:55 PM
نكمل بفضل الله تعالى ,
الآن بعض التفصيلات المتعلقة ببر الوالدين ،
من عقوق الوالدين
أن تخالف الأبوين في أغراضهما الجائزة لهما ، كما أن من برهما أن توافقهما في أغراضهما ؛ فإذا أمرك الأب أمراً لا يتعلق بمعصية الله عزَّ وجل وجب عليك أن تنفذه ، إلا إذا كان معصية ، للقاعدة الشهيرة :
" لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق ".
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
"ما من مسلمٍ له والدان مسلمان يصبح إليهما محتسباً إلا فتح الله له بابين يعني من الجنة، وإن كان واحد فواحد ، وإن أغضب أحدهما لم يرض الله عنه حتى يرضى عنه ، قيل: وإن ظلماه ؟ قال : وإن ظلماه".
أي حتى لو أوقع الأب ظلماً بالابن ، لكن العلماء استدركوا وقالوا: " إن ظلماه في الدنيا لا في الآخرة " ، أي إذا كان الأمر متعلق بالدين ، عندئذٍ : " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " .
أما إن ظلماه في الدنيا ويحتمل هذا الظلم ، الأولى ألا يغضبهما ، هكذا قال العلماء ، الظلم في الدنيا إذا كان محتملاً الأولى أن ترضيهما.
وعندنا قضية أخرى متعلقة ببر الوالدين ، الشيء الأساسي أن العلماء قالوا : " لا يختص بر الوالدين ، بأن يكونا مسلمين " ،
يعني أحياناً شابٌ يتعلم الدين من مسجد ، ويرى أن أباه دينه قليل ، فيتهمه بألفاظ كبيرة ويسيء العلاقة مع أبيه ،
استمعوا أيها الإخوة : لا يختص بر الوالدين بأن يكونا مسلمين ، لو كانا مشركين فأنت ملزمٌ ببرهما ، فكيف إذا كانا مسلمين ؟ وكانا مقصرين ؟ أيحق لك أن تتهمهما في دينهما ؟ أيحق لك أن تغلظ عليهما القول؟ أيحق لك أن تكون عنيفاً معهما ؟ يقول الله عزَّ وجل :
لَّا ينْهاكُم ُ الله ُ عَن ِ الَّذين َ لَم ْ يُقاتِلوكُم ْ في الدِّين ِ و لَم ْ يُخْرِجوكُم ْ مِّن دِيارِكُم ْ أَن تَبَرُّّوهُم ْ و تُقسِطوا إليهم إن َّ الله يُحِب ُ المُقْسطين َ ( 8 )
( سورة الممتحنة )
إذا كان الله سبحانه وتعالى لا ينهانا عن الذين لم يقاتلونا في الدين أن نبرهم ، فلأن نبر والدينا من باب أولى .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : مر النبي عليه الصلاة والسلام على ابن أبي بن سلول وهو في ظل ، فقال أبي بن سلول الأب : قد غبر علينا ابن أبي كبشة ، يعني رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم ، فقال ابنه عبد الله : والذي أكرمك وأنزل عليك الكتاب لإن شئت لأتيتك برأسه ، فقال عليه الصلاة والسلام :
"لا ولكن بُرّ أباك ، وأحسن صحبته ".
ألدُّ أعداء النبي ، رأس المنافقين ، أمر النبي عليه الصلاة والسلام إبنه أن يبرَّه ، هذا هو الشرع ، هذا هو الدين ، هذا هو الإسلام .
في الصحيح عن عبد الله بن عمرو قال :
"جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ. فَقَالَ : أَحَيٌّ وَالِدَاكَ ؟ قَالَ: نَعَمْ . قَالَ : فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ "*
( من صحيح المسلم )
وفي غير الصحيح أي في رواية لا ترقى إلى مستوى الصحيح عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قال :
" إَنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي جِئْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَلَقَدْ تَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ. قَالَ : ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا "*
( من سنن النسائي )
وفي خبرٍ آخر :
" نومك مع أبويك يضاحكانك ويلاعبانك أفضل من الجهاد معي ".
فهذا كله يؤكد بر الوالدين .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَايِعُهُ قَالَ :
"جِئْتُ لأُبَايِعَكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَتَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ. قَالَ : فَارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا "*
(مسند أحمد)
ترون من هذه الفقرة عظم بر الوالدين .
الآن من أبكى والديه كان عاقاً ، حدثته حديث فبكى وليس عن الله فبكى هذه ليس لها علاقة ، حدثته بقضية رفضت له طلّب ، أو ترجاك بشيء فأنت لم تستجب ، رجاك أن تكون مع أخيك فانفصلّت عنه ، أي أنه طلّب منك طلباً معقولاً ، فأنت امتنعت فبكى الأب ، فالعلماء قالوا : "بكاء الوالدين من عقوقهما ". طبعاً هذا القول مأخوذ عن النبي عليه الصلاة والسلام :
" بكاء الوالدين من العقوق"
( أخرجه البخاري في الأدب المفرد )
وفي حديثٍ آخر :
" من أحزن والديه فقد عقهما ".
والحديث الشهير الشهير الذي تسمعونه مني ، وهو أن أبا أسيد كان بدوياً قال :
"بَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ بَقِيَ عَلَيَّ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ بَعْدَ مَوْتِهِمَا أَبَرُّهُمَا بِهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ خِصَالٌ أَرْبَعَةٌ الصَّلاةُ عَلَيْهِمَا وَالاسْتِغْفَارُ لَهُمَا وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لا رَحِمَ لَكَ إِلا مِنْ قِبَلِهِمَا فَهُوَ الَّذِي بَقِيَ عَلَيْكَ مِنْ بِرِّهِمَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا "*
(من مسند أحمد)
النبي صلى الله عليه وسلم كان يهدي لصديقات خديجة اللحم بعد موتها براً بها ، ووفاءً لها وهي زوجته فما ظنك بالوالدين ؟ فهو حينما فتح مكة قال لأصحابه : " أنصبوا لي خيمةً عند قبر خديجة "، وفاءً لها، فإذا كان هذا هو وفاء النبي لزوجته فماذا ينبغي أن يكون وفاؤنا لوالدينا؟.
عن أبي بردة رضي الله عنه قال : أتيت المدينة فأتاني عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، فقال: أتدري لم جئتك ؟ قلت : لا ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"من أحب أن يصل أباه في قبره فليصل إخوان أبيه من بعده ".
_ _ _ _
هذه الأحاديث تدلنا على وجوب بر الوالدين و السبيل إلى ذلك .
فنرجو من الله تعالى أن يعيننا على ارضائهما و اسعادهما .
اللهم يا أرحم الراحمين احرم أهلنا , اللهم جازهم بالحسنات إحسانا ً و بالسيئات عفوا ً و غفرانا ً .
اللهم آمين .
يتبع بإذن الله عز و جل .
Barbie
02-04-2009, 11:05 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
نكمل بفضل الله تعالى ,
عن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ "*
(من صحيح البخاري)
فالولد الصالح الذي يدعُو له هذا صدقةٌ جارية ، إذاً حق الأب عظيم أي أن الإنسان إذا ربى ابناً صالحاً ودعا له من بعده فإن كلَّ أعماله الصالحة من بعده تسجَّل في صحيفة الأب ،
لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
" أفضل كسب الرجل ولده ".
سؤل أحد العلماء : " كم يدعو الإنسان لوالديه ، أفي اليوم مرة ، أم في الشهرة مرة، أم في السنة ؟
فقال : تدعو له مع كلِّ صلاة، خمسة صلوات ، أي خمس مراتٍ في اليوم .
قال بعض التابعين : " من دعا لوالديه خمس مراتٍ فقد أدى حقهما في الدعاء
لأن الله تعالى يقول :
أَن ِ اشكُر ْ لِى و لوالدَيْك َ إِلي َّ المصير ُ ( 14 )
(سورة لقمان)
فالصلاة شكر ، والوالدين مع الصلاة إذاً خمسة مرات ، هذا الاستنباط .
"و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
َقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ : أَنَّى هَذَا !! فَيُقَالُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ *
(من سنن ابن ماجة)
آخر قصةٍ في الدرس :
"عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه أتٍ ، فقال شابٌ يجود بنفسه ، (أي يموت ، وهو يحتضر وفي النزاع)
فقيل له: قل: لا إله إلا الله. فلم يستطع ، فقال صلى الله عليه وسلم : كان يصلي ؟ فقالوا : نعم ، فنهض النبي عليه الصلاة والسلام ونهضنا معه حتى دخل على الشاب ، فقال له : قل لا إله إلا الله فقال : لا أستطيع قال : لم ؟
قالوا : كان يعقُّ والدته ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام : أحيةٌ أمه ؟
قالوا : نعم ، قال : ادعوها . فدعوها فجاءت ، فقال عليه الصلاة والسلام : هذا ابنك ؟ قالت : نعم ، فقال لها : أرأيت لو أججت نارٌ ضخمةٌ فقيل لك : إن شَفِعْتِ له خلينا عنه ، وإلا أحرقناه بهذه النار ، أتشفعين له ؟
( هذا أسلوب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ) قالت يا رسول الله : إذاً أشفع له ، قال : فأشهدِي الله وأشهديني أنك قد رضيت عنه ، قالت : اللهم إني أشهدك وأشهد رسولك أني قد رضيت عن ابني . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا غلام قل : لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله فقالها ، فقال عليه الصلاة والسلام: الحمد لله الذي أنقذه بي من النار ".
هذا عمل صالح أن توفق بين أمٍ وابنها ، بين أخٍ وأخيه ، بين أبٍ وأبنه ، بين جارٍ وجاره ، النبي عليه الصلاة والسلام على عظم شأنه وعلى عظم قدره حمد الله عزَّ وجل على أن مكنه من أن ينقذ هذا الشاب من النار حيث جاء بالأم وأقنعها أن تعفو عنه ، فماذا كان يفعل معها ؟ وكان هذا الشاب كما ورد في كتب الحديث يؤذي أمه ، ويؤثر عليها زوجته ،
وللحديث بقيةٌ إن شاء الله تعالى .
اللهم اغفر لأهلنا , و أعنا على برهما و طاعتهما و نصحهما .
اللهم اجعل مثواهم الجنة يا أرحم الراحمين .
اللهم أدم عليهم الصحة و العافية و القوة و العفاف و الغنى .
اللهم آمين ... اللهم آمين .
محمد أحمد الفلو
03-04-2009, 11:36 AM
تسجيل متابعة
الله يبارك بكم
Barbie
03-04-2009, 05:33 PM
و بكم بارك الله .
نسأل الله تعالى أن يُذكرنا جميعا ً بهذه الدروس ما قد نسيناه أو غفلنا عنه .
Barbie
03-04-2009, 05:58 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
نتابع أيها الإخوة و الأخوات بفضل ٍ من الله تعالى , و لازلنا في الحديث عن حقوق الآباء على الأبناء .
... القسم الثاني ...
بسم الله الرحمان الرحيم ,
هناك ملاحظةٌ أريد أن أضعها بين أيديكم ، هو أن الآيات الكريمة المتعددة ، والأحاديث الشريفة الكثيرة ، التي تحض الأبناء على أن يكونوا بارين بآبائهم هذه الآيات والأحاديث ينبغي أن تحْمل الآباء على أن يكونوا في مستوى الأبوة المطلوب ،
مادام ربنا سبحانه وتعالى ونبينا عليه الصلاة والسلام يحضُّ الأبناء على أن يكونوا بارين بآبائهم ، فالآباء يجب أن يكونوا في المستوى المطلوب ، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول :
"رحم الله والداً أعان ولده على بره".
"من أكل من مال ابنه فاليأكل بالمعروف".
يعني ربنا سبحانه وتعالى والنبي عليه الصلاة والسلام في آيات كثيرة وأحاديث كثيرة ، يحض الآبناء على بر آبائهم ، فينتظر من الآباء أن يكونوا مثالييِّن في معاملة أبنائهم ،
الآن ربنا سبحانه وتعالى في الآية التي بدأنا شرحها في الدرس الماضي يقول :
و قضى ربُّك َ ألَّا تعبُدوا إلَّا إيَّاه ُ و بِالوالدين ِ إحسانا ً إِمَّا يَبْلُغَن َّ عِندَك َ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو ْ كِلاهُما فَلا تَقُل لَّهُمَا أُف ٍّ و َ لا تَنهَرْهُما و َ قُل ْ لَّهُما قَولا ً كَريما ً
(سورة الإسراء: آية " 23 " )
الحقيقة الأب الشاب اليقظ الواعي هو في غنى عن ابنه ، ليس في هذا شك ، ولكن متى تشتد حاجة الأب إلى ابنه ؟
إذا بلغ من الكبر عتياً، إذا تقدمت به السن ، إذا ضعف بصره، إذا انحنى ظهره ، إذا خارت قواه ، إذا ضعفت ذاكرته ، إذا كلَّت يده ، إذا أصبح عبئاً على ابنه ، يعني يكون الآب في أشد حالات الحاجة إلى ابنه إذا تقدمت به السن ،
وإذا وقف كسبه ، وإذا أصبحت حاجاته كثيرة ، وأدويته كثيرة ، ومطالبه كثيرة ، وله أبناء في أوج شبابهم ، وفي عنفوان رجولتهم ، لذلك ربنا عزَّ وجل أشار في هذه الآية إلى الكبر .
روى البخاري في كتاب بر الوالدين عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أنه قال :
" رغم أنف امرئ أدرك أبويه عند الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة ."
" رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلاهُ الْجَنَّةَ " *
(سنن الترمذي)
يهمنا من هذا الحديث رغم أنف أمريءٍ أدرك أبويه عند الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة أي أن تكون باراً بأبيك وقد تقدمت به السن ، وقد ضعُف بصره ، وقد خارت قِواه ، وقد ضعفت ذاكرته ، وقد فقد ضبط نفسه أن يبقى عندك معززاً مكرماً مخدوماً فهذا العمل من الأعمال التي يستحق عليها الإنسان كلَّ إكرامٍ في الدنيا قبل الآخرة ،
وما رأيت إنساناً موفقاً في حياته إلا بسببٍ وجيهٍ من برهِ بوالديه ، فمن كان له أبٌ حي فاليغتنم هذه الفرصة إنها فرصة العمر ، فرصةٌ لا تعوض طبعاً أبٌ أو أم ،
قال تعالى :
فَلا تَقُل لَّهُمَا أُف ٍّ
الأُف هذه اسم فعل مضارع ، أي أتضجر ، الكلام القذع الرديء الخفي ، يعني حتى لو رأى الابن من أبيه شيئاً لا يحتمل لا ينبغي أن يقول له : أُف ،
كل ما يضجر ويستثقل ويقال له أُف لا ينبغي أن يقول له هذه الكلمة ، أن يقول الابن هذه الكلمة لأبيه ، النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
" لو علم الله من العقوق شيئاً أقل من أُف لذكره ".
يعني أقل شيءٍ في العقوق أن تقول : أُف ، يعني زفير بصوت مسموع ، تضجر .
" لو علم الله من العقوق شيئاً أردأ من أف لذكره فليعمل البار ما شاء أن يعمل فلن يدخل النار، وليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنة ".
هذا الحديث روي عن سيدنا علي بن أبي طالب ، لكن إياكم أن تتوهموا أن البار بوالديه لو عصى الله عزّ وجل فإنه يدخل الجنة هذا ليس مقصوداً من هذا الحديث .
لكي لا أطيل عليكم , نتابع بإذن الله تعالى لاحقا ً مع المزيد .
Barbie
05-04-2009, 02:48 PM
نتابع بإذن الله عز و جل :
كلمة أُف بالتعريف الدقيق رفض الأب ، رفض نعمته وجحود تربيته ، ردُ الوصية التي أوصانا الله بها للآباء ، وهذا معنى كلمة أُف ، طبعاً كلمة أُف من معانيها الرفض والدليل هو قول الله عزّ وجل على لسان سيدنا إبراهيم حيث قال لقومه :
أُفٍّ لَّكُم و َ لِما تعبدون َ مِن ْ دُون الله ِ أَفَلا تَعقِلون َ ( 67 )
(سورة الأنبياء)
يعني أنا أرفضكم على كفركم، وأرفض عبادتكم ، وأرفض موضوع عبادتكم .
العلماء قالوا : " مجرد النظر إليهما بغضبٍ يعتبر عقوقاً ".
إذا زور أبوه ونظر إليه هكذا ، وعن عائشة رضي الله قالت :
" ما بر أباه من حد النظر إليه ".
(رواه البيهقي)
" وما بر أباه من شد إليه الطرف بالغضب "
هذا أيضاً من العقوق ، بل إن إغلاق الباب بعنفٍ هذا من العقوق وهذا يساوي أُف ، ووضع الإناء بعنف من العقوق ، أحياناً يغضب الابن فيقود سيارته برعونة ليعبر عن غضبه من أبيه هذا أيضاً من العقوق ،
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه :
" لم يتلُ القرآن من لم يعمل به ولم يبر والديه من أحد النظر إليهما في حال العقوق أُولئك براءٌ مني وأنا منهم بريء ".
(رواه الدارقطن)
و َ قُل لَّهُما قَولا ً كَريما ً ( 23 )
و َاخْفِض ْ لَهُما جَنَاح َ الذُّل ِّ مِن َ الرَّحمَة ِ و َ قُل رَّب ِّ ارْحمهُما كَما رَبَّيانِى صَغيرا ً ( 24 )
(سورة الإسراء)
و قضى ربُّك َ ألَّا تعبُدوا إلَّا إيَّاه ُ و بِالوالدين ِ إحسانا ً إِمَّا يَبْلُغَن َّ عِندَك َ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو ْ كِلاهُما فَلا تَقُل لَّهُمَا أُف ٍّ و َ لا تَنهَرْهُما و َ قُل ْ لَّهُما قَولا ً كَريما ً
(سورة الإسراء: آية " 23 " )
النهر يعني الزجر والغلظة .
وقل لهما قولاً كريما ، يعني قولاً ليناً لطيفاً ، يا أبتاه ، يا أُماه من غير أن يسميهما ، أو يُكنيهما ، يعني لو أبوه اسمه سعيد وكنيته أبو أحمد، الأولى أن تخاطبه بأن تقول له : يا أبت ، يا أبي ، يا أبتاه وهذا الأولى من أن تقول : يا أبا أحمد .
عن عائشة رضي الله عنها قالت : أتى رجلٌ النبي صلى الله عليه وسلم ومعه شيخ ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام :
" من معك ؟ قال أبي . فقال عليه الصلاة والسلام : لا تمشِ أمامه ولا تقعد قبله ولا تدعوه باسمه ولا تسبب له ".
لا تسبب له أي لا تكن سبباً في سبه ،
هذا من أدب النبي عليه الصلاة والسلام ، ويقول عليه الصلاة والسلام :
"من أمسى راضياً لوالديه وأصبح ، أمسى وأصبح وله بابان مفتوحان إلى الجنة ، ومن أمسى وأصبح مسخطاً لوالديه أصبح وأمسى وله بابان مفتوحان إلى النار ".
إذا عق والديه فأبواب النار مفتحةٌ عليه ، وإذا بر والديه فأبواب الجنة مفتحةٌ عليه .
****
اللهم يا ذا الجلال و الإكرام احفظ أهلنا و أعنهم على ذكرك و شكرك و حسن عبادتك .
اللهم اغفر لهم و اعف عنهم .
اللهم اجعل حسابهم حسابا ً يسيرا
و أنر قبورهم , و أسكنهم فسيح جناتك يا أرحم الراحمين .
اللهم اجعلنا من البارين المطيعين لهم , إنك على كل شيء ٍ قدير .
و للحديث تتمه بإذن الله تعالى .
soulayma
05-04-2009, 03:39 PM
شكرا" لك اختي الكريمة باربي على الموضوع المفي ان شاء الله يستفاااد الكلّ مثلي هههههههه
Barbie
06-04-2009, 05:24 PM
مشكورة أختي على مرورك الكريم .
و إن شاء الله لا نحرم من الإفادة و الإستفادة في كل وقت و كل حين .
Barbie
06-04-2009, 05:33 PM
نتابع إن شاء الله ,
الآن سيدنا سعد رضي الله عنه قال : " كنت باراً بأمي فأسلمت فقالت لتَدَعَنَّ دينك أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعيَّر بي ويقال لك : يا قاتل أُمه . وبقيت يوماً ويوماً لا تأكل ولا تشرب ، فقلت : يا أماه لو كانت لكِ مائة نفسٍ فخرجت واحدةً واحدةً ما تركت ديني هذا ، فكلي إن شئت أو لا تأكلي " .
يعني في موضوع الإيمان بالله ، موضوع طاعة الله ، يتوقف هنا رضا الأُم والأب ، فكلي إن شئت أو لا تأكلي ، لكنها أكلت ، فلما رأت ذلك أكلت ،
ونزل قوله تعالى :
و إن جاهداك َ عَلى أَن تُشْرِك َ بِى ما ليس َ لَك َ بِه ِ عِلْم ٌ فلا تُطِعْهُما و صاحِبْهُما في الدُّنْيا مَعروفا ً
(سورة لقمان: آية " 15 " )
بعض الأحكام الشرعية المتعلقة في هذا الباب :
طاعة الأبوين لا تراعى في ركوب الكبيرة أو ترك الفريضة ، طاعة الوالدين هذا الحكم الشرعي المستنبط من هذه الآية ، هذا شيءٌ مقطوعٌ به ، وتلزم طاعتهما في المباحات ، الأشياء المباحة يلزمك أن تطيعهما .
لا تنسوا أن الله عزّ وجل نوَّه بالأنبياء الكرام وبرِهم بآباءهم ، فقال متحدثاً عن سيدنا يحيى :
و َ بَرَّا بِوالدَيه ِ و َ لَم ْ يَكُن ْ جَبَّارا ً عَصِيّا ً ( 14 )
(سورة مريم)
وعن سيدنا عيسى :
و َ بَرَّا بِوالِدَتي و َ لَم ْ يَجْعَلْنِى جَبَّارا ً شَقِيّا ً ( 32 )
( سورة مريم )
وعن سيدنا يوسف :
و َرَفَع َ أَبَويْه ِ على العَرْش ِ
(سورة يوسف: آية " 100 " )
وعن سيدنا إسماعيل :
يا أَبَت ِ افعَل ْ مَا تُؤْمَر ُ سَتَجِدُنِى إِن شاء َ الله ُ مِن َ الصَّابرين َ
( 102 )
(سورة الصافات)
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال :
" أَنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ ذَنْبًا عَظِيمًا فَهَلْ لِي تَوْبَةٌ ؟ قَالَ : هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ ؟ قَالَ : لا . قَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَبِرَّهَا "*
(سنن الترمذي)
وهذا حديث لطيف ، يعني إذ كان إنسان توفيت أمه وله خالة فالإحسان إلى الخالة بمثابة الإحسان إلى الأُم .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ وَيُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ * (مسند أحمد)
وقال عليه الصلاة والسلام :
" من برّ والديه طوبى له وزاد الله في عمره ".
_ _ _
سبحان الله فضل بر الوالدين علينا , بات واضحا ً من خلال ما ذكرناه من آيات كريمة و أحاديث , فنسأل الله تعالى أن لا يحرمنا من هذه النعمة .
اللهم بارك لأهلنا في أوقاتهم و أعمالهم و حياتهم .
اللهم اكفيهم شر الشيطان الرجيم .
اللهم أعنهم على طاعتك و على فعل الخيرات و ترك المنكرات .
و أعنا يا ربنا على طاعتهم و اسعادهم , و البعد عن عقوقهم كما باعدت بين المشرق و المغرب إنك على كل شيء ٍ قدير .
اللهم آمين
و للحديث تتمة بإذن الله عز و جل .
Barbie
07-04-2009, 09:15 PM
نختم هذا الدرس بفضل ٍ من الله تعالى :
عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
لا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلا الْبِرُّ وَلا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلا الدُّعَاءُ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ
( سنن ابن ماجة )
ثلاثة أحاديث عن أن بر الوالدين يزيد في العمر وفي الرزق قال:
" إن العبد ليموت والداه أو أحدهما وإنه لهما لعاق فلا يزال يدعو لهما ويستغفر لهما حتى يكتبه الله باراً ".
هذه بشارة حتى لو أن أباً مات غاضباً على ابنه ، انظر إلى باب الرحمة ، فلو أن هذا الابن العاق دعى لوالديه واستغفر لهما وفعل الأعمال الصالحة من أجلهما ربما كتبه الله باراً ولو مات أبوه عليه غاضباً ،
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول :
"استغفار الولد لأبيه من بعد الموت من البر ، وإن الرجل لترفع درجته في الجنة فيقول: يا ربي أنى لي هذا ؟!!فيقال : باستغفار ولدك لك " .
" من زار قبر أبويه أو أحدهما في كل جمعة غفر الله له وكُتب باراً ".
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول :
" بروا آبائكم تبركم أبنائكم وعفوا تعف نسائكم والبر لا يبلى والذنب لا ينسى والديان لا يموت، اعمل ما شئت كما تُدين تدان ".
قال إن رجلاً شكا إلى النبي عليه الصلاة والسلام سوء خلق أمه ، فقال عليه الصلاة والسلام :
" لم تكن أُمك سيئة حين أرضعتك حولين كاملين ؟ هذا عمل سيء ؟ ولم تكن سيئة الخلق حين أسهرتها الليل ، ولم تكن سيئة الخلق حين رعتك ، لقد جازيتها بهذا ؟ ".
ولد اشتكى إلى النبي عليه الصلاة والسلام أباه وأنه يأخذ ماله فدعا به فإذا هو شيخٌ يتوكأ على عصا فسأله فقال :
إنه كان ضعيفاً وأنا قوي ،
قال له : يا رسول الله إن ابني وهو صغير كان ضعيفاً وأنا قوي، وكان فقيراً وأنا غني ، فكنت لا أمنعه شيئاً من مالي ، واليوم أنا ضعيفٌ وهو قوي ، وأنا فقيرٌ وهو غني يبخل علي بماله ، ( هذه المفارقة الحادة) فبكى النبي عليه الصلاة والسلام وقال :
"ما من حجرٍ ولا مدرٍ يسمع هذا إلا بكى ، ثم قال للولد : أنت ومالك لأبيك أنت ومالك لأبيك. (وهذه رواية أخرى)
* قيل لعمر بن ذر : كيف كان بر ابنك ؟
" قال ما مشيت نهاراً إلا ومشى خلفي ولا ليلاً إلا مشى أمامي ، ولا رقى سطحاً وأنا تحته ".
* قيل لعلي بن الحسين : " أنت من أبر الناس بأمك ، ولكن لماذا لا تأكل معها ؟ قال: والله أخاف أن تسير يدي إلى ما قد سبقت عينها إليه فأكون قد عققتها " .
يعني يوجد قطعة من اللحم في الصحن وهي عينها على القطعة ، فأنا أكلتها فأكون قد عققتها . كانوا إلى هذا المُستوى .
* أبو يزيد البسطامي رحمه الله قال : " كنت ابن عشرين سنة فدعتني أُمي لتمريضها ذات ليلة فأجبتها ، فجعلت يدي تحت رأسها والأخرى أمسِّد يدها بيدي ، وأقرأ قل هو الله أحد فخدرت يدي ، فكدت أفقد قوة اليد ، فقلت : اليد لي وحق الوالدة لله ".
" كان رجلٌ يجلس إلي فبلغني أنه نزل به الموت وإذا أُمٌ عجوز كبيرة جعلت تنظر إليه حتى غُمِّض وعُصِّبَ وسُجي فقالت: رحمك الله يا بني لقد كنت بنا باراً ، وعلينا شفوقاً ، رزقنا الله عليك الصبر ، فقد كنت تطيل القيام وتكثر الصيام ، فلا أحرَمَكَ الله ما أملت من رحمته وأحسن عنك العزاء ، ثم نظرت إليّ وقالت: لو بقي أحدٌ لأحد لبقي النبي عليه الصلاة والسلام لأمته ".
كل حالٍ يزول ، لذلك " رجعوا وتركوك وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبق لك إلا أنا وأنا الحي الذي لا يموت ".
من خلال هذه الآيات والأحاديث والتعليقات والأحكام الفقهية والقصص يتبين لنا بر الوالدين بابٌ كبير من أبواب الجنة ، ورغم أنف امرئ أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة ، فمن كان له أب على قيد الحياة أو أم أو من كان له أب أو أم فليغتنم هذه الفرصة ، لأن الله عزّ وجل أمرنا أن نحسن إلى الوالدين وقرن هذا الأمر بعبادته .
* * *
اللهم اغفر لنا ذنوبنا و تقصيرنا ...
اللهم أعنا على تطبيق كل ما تعلمناه , اللهم ذكرنا بهذه الآيات و الأحاديث ما حيينا .
اللهم ارحم أهلنا و ارزقهم الصحة و العافية و اهديهم و لا تحرمهم من رؤية وجهك الكريم .
اللهم اجعل قبورهم روضة من رياض الجنة و سامحهم .
اللهم جازهم بالحسنات إحسانا ً و بالسيئات عفوا ً و غفرانا ً .
اللهم لا تحرمنا من برهما كي يرضوا عنا , فترضا يا ربنا , يا أرحم الراحمين .
اللهم آمين .
Barbie
07-04-2009, 09:21 PM
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته ,
إخوتي و أخواتي , الدرس القادم سيتناول الحديث عن حق الأبناء على الآباء إن شاء الله عز و جل .
لا تنسونا من صالح دعائكم .
lina k
08-04-2009, 02:21 AM
يعطيك العافية باربي على هالمجهود الرائع
متابعين, ما توقّفي
Barbie
10-04-2009, 05:34 PM
شكرا ً لك ِ لينا , و الله يعافيكي .
بإذن الله يُكتب لنا الخير من هذه الدروس , و نوفق لتطبيقها بعد قراءتها إن شاء الله تعالى .
Barbie
10-04-2009, 05:48 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
الدرس التاسع
حق الأبناء على الآباء - لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين ،
أيها الإخوة المؤمنون ... في الدرس الماضي أنهينا بفضل الله عزَّ وجل حقوق الآباء على الأبناء ، وها نحن أولاء في هذا الدرس ننتقل إلى موضوعٍ آخر متمَّمٍ للأول ألا وهو حقوق الأبناء على الآباء ، لأن كل حقٍ يقابله واجب ، وكل واجبٍ يقابله حق ، فما دام للآباء حقوقٌ على الأبناء ، لابدَّ من أن يكون للأبناء حقوقٌ على الآباء ، والحديث الشريف الذي تعرفونه جميعاً :
" رحم الله والداً أعان ولده على برِّه "
إذا أدَّيت ما عليك من حقوق صار الطريق إلى الله سالكاً ، وإذا كان هناك تقصيرٌ ، أو مجاوزةٌ ، أو جنوحٌ ، أو مخالفةٌ ، أو إساءةٌ كانت هذه الأعمال حجاباً بين العبد وبين ربه ،
والحديث الذي تعرفونه أيضاً جميعاً هو أن الإنسان قد يستحق النار يوم القيامة فيقف بين يدي الله عزَّ وجل ويقول :
" يا رب لا أدخل النار حتى أًُدخِل أبي قبلي " .
إذاً الحديث النبوي الشريف :
" رحم الله والداً أعان ولده على برِّه "
هو عنوان هذا الموضوع : حقوق الأبناء على الآباء .
يا أيها الإخوة الأكارم ... جاء رجلٌ إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه، يشكو إليه عقوق ابنه ، فأحضر سيدنا عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه ابنه وأنَّبه على عقوقه لأبيه .
فقال الابن : " يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوقٌ على أبيه ؟ " . قال : " بلى " . فقال " فما هي يا أمير المؤمنين ؟ " . قال : " أن ينتقي أمه ، وأن يحسن اسمه ، وأن يعلِّمه الكتاب ـ القرآن ـ " .
فقال الابن : " يا أمير المؤمنين إنه لم يفعل شيئاً من ذلك ، أما أمي فإنها زنجيةٌ كانت لمجوسي ، وقد سماني جُعْلاً ـ أي خنفساء ـ ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً " . فالتفت أمير المؤمنين إلى الرجل وقال له : " أجئت تشكو عقوق ابنك ، لقد عققته قبل أن يعقَّك، وأسئت إليه قبل أن يسئ إليك؟ " .
هذا النص أن ينتقي أمه ، وأن يحسن اسمه ، وأن يعلِّمه القرآن ، فإذا أهمل الأب هذه الأشياء يكون قد عَقَّ ابنه قبل أن يعقَّه ابنه ، ويكون الأب قد أساء إليه قبل أن يسئ الابن إلى أبيه .
فأول واجبٍ على الآباء تجاه الأبناء أن يحسن الأب اختيار الزوجة، إن هذا الواجب يسبق وجود الولد ، الواجب الأول بل هو أخطر واجب إنه يسبق وجود الولد ، وهو أن يحسن اختيار أمه .
النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
" خير فائدة أفادها المرء المسلم بعد إسلامه امرأة صالحة تسره إذا نظر إليها ، وتطيعه إذا أمرها ، وتحفظه في غيبته في ماله ونفسها "
وفي حديثٍ آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه قيل يا رسول الله :
" أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ قَالَ الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ "*
(من سنن الترمذي: عن أبي هريرة)
اختيار الزوجة الصالحة أول واجبٍ على الآباء تجاه الأبناء الذين سوف يأتون إلى الدنيا .
وفي حديثٍ آخر عن النبي عليه الصلاة والسلام ، رواه البخاري ومسلم ، يقول عليه الصلاة والسلام :
" تنكح المرأة لأربع ؛ لمالها ، ولخلقها ، ولجمالها ، ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك "
أي إن لم تفعل ما نلت إلا التُراب ، والتراب شيءٌ لا قيمة له إطلاقاً، إذا جهدت ، وتحمَّست ، وانقضضت ، وأمسكت بشيء فإذا هو تراب ، يقال تربت يمينك ، أي لن تأخذ شيئاً ، لم تنل شيئاً ، لم تفلح في هذا الزواج .
هذا كلُّه من حقوق الأبناء على الآباء ، أي ليحسن الأب اختيار الزوجة الصالحة ..
" الدنيا متاع ، و خير متاعها المرأة الصالحة "
( من المأثور : عن " ابن عمرو " )
يتبع إن شاء الله تعالى ... كي لا أطيل عليكم .
Barbie
12-04-2009, 12:21 AM
نكمل بفضل الله عز و جل :
_ 2 _ الواجب الذي يلي هذا الواجب هو :
أن يتخيَّر له اسماً حسناً ذكراً كان أو أنثى
ففي الحديث الشريف :
" إنكم تُدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم ".
(رواه أبو داود بإسنادٍ جديد)
النبي عليه الصلاة والسلام ، عن ابن عمر رضي الله عنه ، وفيما رواه الإمام مسلم يقول
" إن أحب أسمائكم إلى الله عزَّ وجل عبد الله وعبد الرحمن " .
* نختار أيضاً من حقوق الأبناء على الآباء ما ورد في كتاب إحياء علوم الدين عن رياضة الصِبيان :
فاعلم أن الطريق في رياضة الصبيان ـ والمقصود هنا بالرياضة هي التربية ـ من أهم الأمور وأوكدها ،
والصبي أمانةٌ عند والديه ، وقلبه الطاهر جوهرةٌ نفيسة ساذجة ، خاليةٌ من كل نقشٍ وصورة ، وهو قابل لكل ما نُقِش ، ومائلٍ إلى كل ما يمال به إليه ، فإن عُوِّد الخير وعُلِّمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة ، وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلمٍ له ومؤدِّب ، وإن عوِّد الشر وأُهمل إهمال البهائم شقي وهلك ، وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له ،
وقد قال الله عزَّ وجل :
يأيُّها الَّذين َ ءامنوا قُوا ْ أَنفُسَكُم ْ و َ أَهْليكُم ْ نارا ً وَقودُها النَّاس ُ و الحِجارة ُ
(سورة التحريم: من آية 6 )
إذا كان الأب يصونه عن نار الدنيا ، فلأن يصونه عن نار الآخرة أولى ، وصيانته عن نار الآخرة بأن يؤدِّبه ويهذبه ـ الكلام للإمام أبو حامد الغزالي ـ ويعلّمه محاسن الأخلاق ، ويحفظه من قُرَناء السوء .......... فينبغي أن يحسن مراقبته ..
" لاعب ولدك سبعاً ، وأدِّبه سبعاً ، وراقبه سبعاً ، ثم اترك حبله على غاربه "
وإن الصبي إذا أهمل من ابتداء نشأته خرج في الأغلب رديء الأخلاق ، كذَّاباً ، حسوداً، سروقاً ، نمَّاماً ، لحوحاً ، ذا فضول ، وضحك، وكِياد ، ومجانة ـ أي من المجون ـ وإنما يُحفظ عن جميع ذلك بحسن التأديب .
_ 3 _ الحق الثالث هو :
أن يُعَلِّمُ الأب ابنه القرآن الكريم ،
هذا حق الابن على أبيه ، فقد ورد في حديثٍ شريف رواه البيهقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
"حق الولد على الوالد أن يعلمه الكتابة والسباحة والرماية ، وألا يرزقه إلا طيبا "
(من الجامع الصغير : عن " أبي رافع " )
هذا الحديث الذي رواه البيهقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد في الجامع الصغير في الجزء الأول .
والمقولة التي تعرفونها جميعاً هو أنه ما من مشكلةٍ على وجه الأرض إلا بسبب خروج عن منهج الله ، وما من خروج عن منهج الله إلا بسببِ جهلٍ به ، إذاً كل مصيبةٍ ، كل مشكلةٍ أساسها الجهل وعلاجها العِلم ، والقرآن الكريم كتاب الله عزَّ وجل ، فيه هذا كتاب مقرر ، فيه تعليمات الصانع ، فمن أخذ به فقد أمسك مفتاح النجاح ، ومن أهمله فقد جانب النجاح .
يتبع إن شاء الله تعالى ...
ملاحظة : أريد أن أنوه إلى أن ما أنقله لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي , مختصر بمعنى أنني لا أستطيع نقل الدرس كاملا ً , بل أضع بين أيديكم ما أراه يصب في صلب الموضوع ( و الله أعلم ) , كي لا أطيل عليكم .
Barbie
13-04-2009, 02:44 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
نكمل بفضل الله ,
إذاً في تعليم الابن القرآن الكريم هناك أهدافٌ لا تعدُّ ولا تحصى .
فحينما يعلِّم الأب ابنه كتاب الله عزَّ وجل ، يكون قد أدى ما عليه من حقوقٍ تجاه الدين ،
لكن هنا ملاحظة مهمة جداً :
يربي الأب ابنه فهذا عمل يختلف اختلافاً كلياً عن أي عمل آخر ، فمثلاً أن تمسك بقطعة خشب وتنجِّرها وفق ما تريد ، فهذا أمر سهل لأن قطعة الخشب مطواعةٌ لك ، فأنت تفعل بها ما تشاء ؛ تقطعها ، تنجِّرها ، تصلها بأختها ،
ولكن الابن له اختيارٌ مستقلٌ عن أبيه ، فكأن الأب مطالب أن يبذل العناية الكافية ، ولكن ليس على الأب أن يحقق النتائج المرجوة في ابنه، فهذا فوق مقدور الإنسان .
أنا ذكرت هذا الكلام حتى يبذل كل أب أقصى جهده في تربية ابنه ، ولكن أحياناً مع بذل غاية الجُهد وأقصى العناية والتوجيه ، فالابن قد يأخذ موقفاً آخر لأن الابن مخَيَّر ،
من هنا قال الله عزَّ وجل للنبي عليه الصلاة والسلام :
لَّيس َ عَلَيْك َ هُداهُم ْ و َ لَكِن َّ الله َ يَهدي مَن يَشاء ُ
(سورة البقرة: من آية 272)
فعلى الإنسان أن يسعى وليس عليه إدراك النجاح ،
هذا الكلام أريد أن أذكره لئلا يتألَّم أبٌ بذل قصارى جهده في تربية ابنه ، وفي تعليمه ، وفي إرشاده ، وفي توجيهه ، فرأى هذا الأب ابنه في طريقٍ آخر ، وفي وادٍ آخر ، ولم يستجب له .
الأب يعرف ، إذا كان انحراف ابنه أو تقصيره بسبب تقصير الأب أو إهماله ، أو بسبب إصرار الابن على اختيارٍ معين ، هذا الشيء يعلمه الأب وحده دون غيره ، فلذلك المسؤولية تنتهي حينما تبذل قصارى جهدك مع ابنك .
** "حق الولد على الوالد أن يعلمه الكتابة والسباحة والرماية ، وألا يرزقه إلا طيبا "
(من الجامع الصغير عن أبي رافع)
الإمام الشافعي رحمه الله تعالى يقول : " ليس بعد الفرائض أفضل من طلب العلم ، فهو نورٌ يهتدي به الحائر " .
أي كما تعلمون مني سابقاً أن هذه القيَم التي يتفاضل الناس بها في الدنيا ؛ القوة ، الغنى ، الوسامة ، الجمال ، الذكاء ، الصحة ، هذه القيَم قد رفض القرآن الكريم أن يعتمدها قيماً مُرَجِّحَة ، إلا قيمةً واحدة هي قيمة العلم والعمل به ،
فلذلك قال الله عزَّ وجل :
قُل هَل ْ يَستو ِى الَّذين َ يَعْلَمون َ و الَّذين َ لا يَعْلمونَ
(سورة الزمر: من آية " 9 )
وقال الله عزَّ وجل :
وَ قُل رَّب ِّ زِدْنِى عِلما ً ( 114 )
(سورة طه)
والفرق الدقيق الدقيق بين الإنسان الذي أكرمه الله بالعلم ، وبين الإنسان الذي بقي جاهلاً هو فرقٌ كبيرٌ جداً فهما لا يستويان ، فلذلك على الأب أن يحرص على تعليم ابنه .
بالعلم تحيا نفوسٌ قط ما عرفت ....
من قبل ما الفرق بين الصدق والمَيْنِ
العلم للنفس نورٌ يستدل به ...
...... على الحقائق مثل النور للعين
المَيْنِ : هو الكذب .
ولولا العلم ما سعدت نفوسٌ ولا عرف الحلال من الحرام
فبالعلم النجاة من المخازي .... وبالجهل المذلة والرغام
* * *
وسيدنا علي كرم الله وجهه يقول : " العلم خيرٌ من المال لأن العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة ، والعلم يزكو على الإنفاق " .
وهكذا ، إذاً إذا علّمْتَ ابنك القرآن فقد علمته منهج الحياة حقيقة ،
وأنت إذا تعلمت القرآن تعلمت أهم شيء في حياتك ، تعلمتَ المنهج .
_ 4 _ الحق الرابع : أن يعلمه السباحة .
فالنبي عليه الصلاة والسلام عندما قال في حديثٍ رواه البيهقي :
" أن يعلمه الكتاب والسباحة .... "
أنا أعتقد أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يقصد بالسباحة مدلولها بالذات ، بل مدلول السباحة عموماً لأنها تحرِّك كل عضلات الجسم ،
فكأنه لما ذكر هذا النوع من الرياضة وأراد به كل أنواع الرياضة ، فقد يكون الإنسان بمكان لا يوجد فيه أنهار أو مسابح إطلاقاً ، كما هو الحال في بعض القرى ،
إذاً صار المقصود من السباحة هنا أي يجب أن ينشأ ابنك في بنيته الجسمية نشأةً قوية ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
" الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ "*
من سنن ابن ماجة: عن أبي هريرة
لكن روعة الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام قيَّد القوة بالإيمان ، لأن القوة وحدها شيءٌ خطير ، شيءٌ مخيف ، شيءٌ مدمِّر ، أما المؤمن القوي ، لم يقل : القوي .
بل المؤمن القوي ، لأن الإيمان فيه ضوابط ، الإيمان قَيْدُ الفتك ولا يفتك مؤمن ، المؤمن القوي ، والإنسان كما قال سيدنا علي ، هذا كلام واقعي وخطير ، أعظم نعمةٍ تمتلكها ما هي ؟
نعمة الإيمان .
... يتبع إن شاء الله تعالى ...
Barbie
16-04-2009, 03:55 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم
نكمل مع الحق رقم _4_ تعليم السباحة :
ما هي أكبر نعمةٍ بعد الإيمان ؟
أكبر نعمة أقول ، وأعني ما أقول : هي الصحة .
فما قيمة المال من دون صحة ؟ لكن ما هي أكبر نعمةٍ بعد الصحة ؟ أن تكون مكتفياً .
لذلك الإيمان والصحة والكفاية إذا توافرت لك فالدنيا كلّها لا تعدل شيئاً أمامها ، من هنا قال عليه الصلاة والسلام :
"مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ـ الآمن أي مطمئن إلى ربه ـ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها "*
(من سنن الترمذي: عن عبيد الله بن محصن الخطمي)
صحة الجسد شيءٌ مهم ، والحقيقة أن الجسد مطيَّتك إلى الله عزَّ وجل ...
الإنسان بالصحة يعمل ، ويدرِّس ، ويدعو إلى الله عزَّ وجل ، ويكسب المال ، ويفعل كل شيء ، أما إذا تعطلت صحتك فإنك تتعطل عن العمل بسبب المرض ،
فالقضية خطيرة جداً ، أي أن العناية بالصحة أريد أن أقول شيءٌ يلي الإيمان في الأهمية ،
من هنا قال عليه الصلاة والسلام:
" علموا أولادكم الكتاب والسباحة "
إذاً السباحة بمعنىً مُطلق القوة ، القوة الجسمية ، الرياضة البدينة .
*** فإذا تحدثنا عن الرياضة والسباحة فالحديث جميل بشرط ألا نضيع من أجلها أخلاق أبنائنا ، هذه قاعدة مهمة جداً ، كشف العورات ، الاختلاط ، هذا كله يتناقض مع قواعد الدين .
في أحاديث أخرى :
"علموا أولادكم السباحة والرمي والفروسية".
(من الجامع الصغير: قول لسيدنا عمر رضي الله عنه)
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول :
" ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي"
رواه مسلم
وهذا من إعجاز النبي عليه الصلاة والسلام ، فأحدث سلاح الآن أساسه دقة الرمي .
الآن الحق _ 5 _ : ألا يرزقه إلا طيباً .
والمراد بالرزق الطيب الكسب الحلال ، ومعنى ذلك أن يتحرى الحلال في تجارته ، وأن يؤدي الأعمال بإتقان .
قال عليه الصلاة والسلام :
"من أصاب مالاً في مهاوش ـ أي بالهيلمة ـ أذهبه الله في نهابر"
يذهب المال نهيباً ، كيف يأتي المال يذهب ، حديثٌ ورد في الجامع الصغير :
"من أصاب مالاً في مهاوش أذهبه الله في نهابر"
"يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة "
(من المأثور: عن سعد بن أبي وقَّاص)
يقول عليه الصلاة والسلام :
" من سعى على عياله من حِلِّه فهو كالمجاهد في سبيل الله ومن طلب الدنيا حلالاً في عفاف كان في درجة الشهداء "
وفي الأثر :
" أنه من لم يبال من أين مطعمه لم يبال الله عزَّ وجل من أي أبواب النيران دخل " .
أبناء أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام كانوا يوصون أباهم قبل أن يذهب إلى العمل ، يقولون له :
" اتقِ الله فينا ولا تعد علينا إلا بالحلال ، فإنا نصبر على الجوع ولا نصبر على عذاب الله " .
إن شاء الله نتابع حقوق الأبناء على آبائهم ، واعتقد أن هذه الموضوعات تمس كل إنسان منا ، وهي ومهمة جداً لأنه ما من إنسان إلا وله أب أو ابن فليعرف إذا كل واحد منهما ماله وما عليه .
Barbie
18-04-2009, 01:56 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
نتابع الدرس بفضل الله تعالى :
_ 6 _ من حقوق الأبناء على آبائهم أن يُؤدَّب بالأدب الإسلامي ، كل دينٍ ، أو كل مذهبٍ ، أو كل مبدأٍ ، أو أية حضارةٍ هي مجموعة أفكار ، ومجموعة قيَم ، ومجموعة أخلاقيات ، وقد يعبَّر عنها بالأدبيات ، الإسلام له أفكاره ، وله قيمه ، وله آدابه .
هناك آداب الاستماع ، آداب الحديث ، آداب الطريق ، آداب طلب العلم ، آداب تلقين العلم ، هناك آداب الزوج مع زوجته ، آداب الزوجة مع زوجها ، آداب الجار مع جاره ، في الإسلام بعامة وفي السُنَّة المطَّهرة بخاصة موضوعٌ كبيرٌ ويحتل مساحةً كبيرةً إنه موضوع الآداب .
فالابن فضلاً عن أن الأب مُلزم عن أن يعلِّمه مبادئ الإسلام ، وأن يعلِّمه قيم الإسلام عليه أن يؤدِّبه بأدب الإسلام .
فعلى الأب أن يؤدَّب ابنه بالآداب الإسلاميَّة ، ولكن وهذه كلمةٌ صريحة :
ما دور الكلام في نقل الآداب ؟ ما دور الكلام في نقل القيَم ؟
إن دور الكلام دورٌ ضئيلٌ جداً ، محدودٌ جداً ، ولكن يكفي أن يتأدَّب الأب بالأدب الإسلامي ، وأن يكون في بيته مسلماً صادقاً ، يكفي أن يَصْدُق ليعلِّم أبناءه الصدق من حيث لا يشعر ولا يشعرون ، لمجرَّد أن يكشف الابن أن الأب يكذب على أمِّه ،
وأن الأم تكذب على الأب ، وأن الأخ يكذب على أخيه هذا اسمه كذبٌ ممارس ، الواقع فيه كذب ، فالابن يتعلَّم من الواقع أضعاف ما يتعلَّم بالتلقين ،
من هنا قالوا : " لغة العمل أبلغ من لغة القول ".
إذاً هذه كلمة أقولها من القلب : الإسلام الآن لا يحتاج إلى كلام ، الكلام ولاسيما في هذا العصر هناك منه طَوَفان ، أو هناك طُوفان ، أي من الكلام، الكلام ، الكتابات ، المقالات ، الكتب ، التسجيلات ، الخُطَب ، المحاضرات، الندوات بلغت من الكثرة ، والعمق ، والتفنُّن ، والتنوُّع ، والقدرة على التأثير الحَدَّ الأقصى ، وما لهؤلاء الناس لا يرتدعون ، ولا يؤثِّر فيهم هذا الكلام ؟ لأن لغة العمل أبلغ من لغة القول .
أنا أقول لكم هذه الكلمة : " بدأ الدين غريباً وسيعود كما بدأ ، فطوبى للغرباء " . الآن لا يؤثِّر في أخيك ، ولا في جارك ، ولا في زميلك، ولا في صديقك ، ولا في أي إنسان تلتقي به لا يؤثِّر فيه دقة الفكرة ولا دليلها ، بل يؤثِّر فيه الموقف الإسلامي ؛ أن تكون صادقاً ، أن تكون منضبطاً ، أن تكون عفيفاً ، أن تكون سَخياً ، أن تضع المادة تحت قدمك من أجل مبدئك ، أن تكون عند وعدك ، عند ما تقول ، فإذا كان هذا هو الطريق الوحيد لنشر الدين في الأوساط ، فأن يكون الطريق الوحيد لتلقين أولادك فبادئ الإسلام وقيمه وآدابه من باب أولى .
لذلك قبل أن تقول لأولادك عُدَّ للألف وللمليون هل أنت في مستوى هذا القول ؟ إن دعوتهم إلى الصدق فهل أنت صادق ؟
إن دعوتهم إلى أن يفعلوا كذا وكذا فهل تسبقهم أنت إلى فعل كذا وكذا ؟
هذه الازدواجيَّة في شخصية الإنسان هي الطامَّة الكبرى في هذا العصر ، هناك شرخٌ كبير بين ما تعتقده ، وبين ما تؤمن به ، وبين ما تدعو إليه ، وبين ما تمارسه في حياتك اليوميَّة ، هذا الشرخ الكبير ، هذه الهوة الكبيرة فصلت الإسلام عن الحياة .
ما تسمعه في المسجد ، ما تسمعه من خطيب المسجد كلامٌ طيب مائة في المائة ، ولكن ما تراه في الحياة اليوميَّة شيءٌ آخر مختلفٌ كل الاختلاف،
لذلك الكلمة الفصل ، والكلمة الصادقة ، إذا أردت أن تربي أبناءك على أي شيء لا تنتظر أن يكونوا كما تريد إن لم تكن أنت كما يريد الإسلام ، إذا كنت أنت عاجزاً عن أن تكون صادقاً فأولادك أعجز عن الصدق منك ،
إذا كنت أنت عاجزاً عن أن تضبط شهواتك ، يكفي أن يراك ابنك تستقبل امرأةً لا تحلُّ لك ؛ قريبة ، أو صديقة ، أو ، أو ، ويكفي أن ينظر إليك وأنت تدير معها حديثاً لطيفاً وأنت تملأ عينيك منها ، أي كلامٍ تقوله لابنك عن غض البصر ، وعن العفَّة ، وعن وعن كلامٌ لا قيمة له إطلاقاً ، يجب أن يرى الابن من أبيه الصدق ، العفَّة ،
من هنا قال عليه الصلاة والسلام :
" الإسلام عفيفٌ عن المحارم ، الإسلام عفيفٌ عن المطامع"
إذا أردنا أن نوسِّع الدائرة فهذا ممكن .
دعونا من تربية الأبناء ووسِّعوا الدائرة إلى الدعوة إلى الله ، لن تستطيع أن تؤثِّر في إنسان كائناً من كان إن رأى هذا الإنسان مسافةً بين أقوالك وأفعالك ، الكلام سهل ، لذلك قال بعض الأدباء : " إن أكثر الناس يستطيعون الحديث عن المُثُل العُليا ، ولكنهم لا يستطيعون أن يعيشوها " .
أي لك أن تقول : هذه حقوق الأم . ولكن البطولة أن تعرف هذه الحقوق وأنت متزوِّج ، حينما تصطدم أمك مع زوجتك ، تقف مع من؟ تقف مع مبدئك أم مع شهوتك ؟ تقف مع مصلحتك العاجلة أم مع مصلحتك الآجلة ؟
لذلك هذه الكلمة لابدَّ منها تقديماً لهذا الموضوع الدقيق ، أي يا رب كيف أؤدِّب ابني بالأدب الإسلامي ؟
يجب أن تكون أنت مسلماً ، يجب أن يكون هذا البيت إسلامياً ، يجب ألا تعد وعداً إن لم تكن متأكِّداً من أن توفيه .
الطفل يصدِّق كل ما تقوله له ، لقد وعدته بمكافأةٍ إذا نجح ، وها هو ذا قد نجح أين المكافأة ؟ هو لا يعرف أنك لا تملك مالاً ولكن يعرف أنك وعدته ، أنت أبوه وهو يظن كما يقولون : " المرأة والطفل الصغير يحسبان الرجل على كل شيءٍ قدير " . هكذا تظن المرأة وابنها في وقتٍ واحد ، فإذا كنت لست متأكِّداً من قدرتك على أن تفي بوعدك فلا تعد ، أي علِّم ابنك قدسيَّة الكلمة .
نكمل لاحقا ً إن شاء الله عز و جل ... و أعتذر إن أطلت عليكم , لكن من أجل اكمال الفكرة .
Barbie
20-04-2009, 01:08 AM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
نكمل بفضل ٍ من الله تعالى ,
قال عليه الصلاة والسلام :
" أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبه "
(رواه ابن ماجة: عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما)
سبحان الله ! هناك جبلَّةٌ جبلها الله عزَّ وجل في قلب كل أب ، هذه الجبلَّة هي الحرص على أولاده ،
ولكن المشكلة أنك تحرص على أولادك من زاوية نظرك ،
من وجهة نظرك ، فالأب الذي لا يعرف الله عزَّ وجل يحرص على مستقبل أولاده وفق تخطيطه هو ،
هذا الذي يسميه الناس ضالٌ مُضل ، يحب أن يكون أولاده أحراراً في أعمالهم ، وفي حركاتهم ، وفي سكناتهم ، ولا يتأثَّر كثيراً إذا رأى انحرافاً لابدَّ من أن يكون ابنه كذا وكذا ،
لذلك تعلُّم الأب فرض عينٍ قبل أن يُعَلِّم ، الأبوَّة مسؤوليَّة .
فكل إنسان يتزوَّج ينجب أولاداً ، هذا في مقدور أي إنسان ؛ جاهل ، عالم ، عظيم ، تافه، أخلاقي ، لا أخلاقي ، أمر واضح كائن مع كائن ينجبان مولوداً ، ولكن الأبوَّة في الإسلام مسؤوليةً قبل أن تكون مُتعة ، مسؤوليَّة كبيرة ، هذا الذي أنجبته له حقٌ عليك .
هؤلاء الأولاد إن تخليت أنت عنهم من لهم ؟ ليس لهم أحد ،
من هنا كان الدرهم الذي تنفقه على عيالك ، أو على أولادك خيراً من أي درهمٍ آخر .
عن أيوب بن موسى عن أبيه عن جده أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :
" ما نحل والدٌ ولداً أفضل من أدبٍ حسن "
(رواه الترمذي)
معنى نحل أي أعطى ـ
الله سبحانه وتعالى جعل في الأرض معايش ،
معنى معايش أي جعل في الأرض أبواباً لكسب الرزق ، كل واحد له حرفة ؛
كذلك ربنا سبحانه وتعالى جعل في الحياة الدنيا أبواباً للعمل الصالح لا تعد ولا تحصى
الأسرة أحد أكبر هذه الأبواب ،
أي يكفي أن تكون زوجاً مثالياً ، أن ترعى زوجتك ، أن تحملها على طاعة الله ، أن تعرِّفها بأمر آخرتها ، أن تعطيها سؤلها بالمعقول من دون شطط ، من دون إسراف ، من دون تبذير ، من دون مباهاة ، أن تكفيها مؤنتها ،
أن تطمئنها لا أن تهددها بالطلاق صباح مساء ، يكفي أن تبثَّ في قلبها الأمن والطمأنينة ، وأن تطعمها مما تأكل ، وأن تلبسها مما تلبس ،
وأن توقِّرها توقيراً يليق بها كزوجة شريكة حياة ، هذا بابٌ كبير من أبواب العمل الصالح .
*** أولادك يكفي أن تحرص على مستقبلهم ،
يكفي أن تحرص على هدايتهم ، يكفي أن تسعى لتنشئتهم نشأةً صالحة .
بناتك يكفي أن ينشأن على طاعة الله ورسوله ، يكفي أن تكون هذه البنت وفق ما أراد النبي عليه الصلاة والسلام ،
وأن تبحث لها عن زوجٍ مؤمن فإن في هذا المسعى عملاً عظيماً هو مدخلٌ لك على الله عزَّ وجل .
عن عبد الله بن عامر رضي الله عنه قال : جاء النبي عليه الصلاة والسلام إلى بيتنا ـ يبدو أن بينهم قرابة ـ وأنا صبيٌ صغير ،
فذهبت لألعب فقالت لي أمي : " يا عبد الله تعالَ أعطيك ". فقال عليه الصلاة والسلام : " ما أردتِ أن تعطيه ؟ " قالت : "تمراً " ، فقال عليه الصلاة والسلام : " أما إنكِ لو لم تفعلي ذلك لكُتبت عليكِ كذبة ".
فعليك أن تمارس مع ابنك الصدق قبل أن تأمره بالصدق .
يتبع بإذن الله تعالى ...
هادي شقرة
20-04-2009, 09:13 AM
بارك الله بكم يا اخت باربي وجزاكي كل خير وجعله في ميزان حسناتك
Barbie
21-04-2009, 05:18 PM
و بكم بارك الله تعالى .
Barbie
21-04-2009, 05:44 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " أخذ الحسن بن علي رضي الله عنه تمرةً من تمر الصدقة فجعلها في فيه ـ أحياناً الأب لا يبالي ماذا يأكل ابنه ؟ من طعام حلال ، من طعام حرام ، هذا الشيء يجوز أكله ، أو لا يجوز أكله ، شاهد معه حاجة ليست له فلم يسأله : من أين هي ؟ هذا الذي لا يبالي ربَّما شجَّع ابنه على أكل مالٍ حرام وهو لا يدري ـ فقال عليه الصلاة والسلام لحفيده الحسن ، وقد أخذ تمرةً من تمر الصدقة ، قال عليه الصلاة والسلام : كخ كخ ـ هذه كلمةٌ فصيحة وهي اسم فعل ـ ارم بها أما علمت أَنَّا لا نأكل الصدقة ؟ ".
(رواه الشيخان)
إذا تعفَّف الأب انتبه الابن ، وصار لديه انضباط
عندنا قاعدة شهيرة جداً : " لا يستقيم الظلُ والعود أعوجُ " .
أحضر عواًد أعوج وضعه في الشمس ، هل يمكن أن يأتي ظلُّه مستقيماً ؟ مستحيل ، متى يستقيم العود والظل أعوج ؟!
والبيت الشهير الذي تعرفونه جميعاً :
إذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيتِ كلُّهم الرقص
* * *
فالأب كما قلت لكم سابقاً : يكون ابنه في سن لا يُجدي معه إلا الملاعبة ، والمداعبة ..
" لاعب ولدك سبعاً ..."
طفل صغير ، هذا الذي يستيقظ ليضرب ابنه ضرباً مبرِّحاً إذا بكى في الليل وأيقظه ، وعمره سنتان ، هذا ليس أباً ، هذا الإنسان ليس في مستوى أن يكون أباً لولد ، من عام لسبعة أعوام هذا الطفل الصغير يحتاج إلى إيناس ، يحتاج إلى ابتسام ، يحتاج إلى ملاعبة ، يحتاج إلى أن تهبِط إلى مستواه ، يحتاج إلى أن تمضي معه فترةً في تأليف قلبه ،
فالنبي على عظمة شأنه ، وعلى عِظَمِ قدره كان يمشي على أربع ، ويركب الحسن والحسين على ظهره ويقول :
" نعم الحملان أنتما ، ونعم الجمل جملكما ".
" نعم الجمل جملكما! ونعم العدلان أنتما ".
(من كنز العمال: عن جابر)
" من كان له صبي فليتصابى له "
(من الجامع الصغير: عن "معاوية)
وكانت الجارية تأخذ بيد رسول الله ـ البنت الصغيرة جداً ـ وتمضي به حيث تشاء ، الآن :
" لاعب ولدك سبعاً ، وأدبِّه سبعاً ".
من السابعة إلى الرابعة عشرة تأديب ، تكلَّم الابن قليلاً خلاف الحق أو أخذ ما ليس له ، أو نظر نظرةً غير مؤدَّبة ، فيجب أن تؤدِّبه باستمرار .
لكن ما هي المشكلة ؟
أنه أحياناً ألف إنسان ينظِّف لا يستطيع أن يزيل أثر إنسان يوسِّخ ، فكيف إذا كان منظِّف واحد وألف موسِّخ ؟ اعكسوها . الإنسان أحياناً بحكم الفساد الاجتماعي العام ، يجد مصدراً واحداً للتوجيه وألف مصدرٍ للإفساد ، على كلٍ وأدِّبه سبعاً .
هناك وصية لسيدنا لقمان مأثورة عن هذا النبي الكريم وهي من وصايا كثيرة أثرت عنه، وبعضهم يقول : هو ليس نبياً ، على كلٍ ورد ذكره في القرآن الكريم ..
و َ إذ ْ قَال َ لُقمان ُ لِابْنِه ِ وَ هُو َ يَعِظُه ُ يا بُنَى َّ لَا تُشْرِك ْ بِالله ِ
(سورة لقمان: من آية " 13)
قد تواجهك مرحلة لا تملك عندها إلا التوجيه الصحيح وأن تكون قدوةً ، وعلى الله الباقي .
" يا بني اتخذ تقوى الله تعالى تجارتك يأتك الربح من غير بضاعة ".
أول ملاحظة : استقيموا ولن تحصوا ، استقم على أمر الله واجعل تجارتك أن تكون مستقيماً على أمر الله ، ولا تسأل عن كثرة الخير الذي سيأتيك من كل جانب .
النصيحة الثانية : " يا بني احضر الجنائز فإن الجنائز تذكِّرك بالآخرة " .
الجنائز تذكر بالآخرة ، فأحياناً الشباب في مرحلة من حياتهم أسقطوا من حساباتهم كلياً موضوع الموت ، أو موضوع مغادرة الدنيا ، هناك مفاجآت، فكم من شابٍ مات في مقتبل العمر ؟! هذه الفكرة الخاطئة أنا شاب الآن ، هذا كلام غير صحيح ، نسمع كل يوم بنعوات الشاب أو الشابَّة ، أو فلانة الوالدة مع ابنها ، إذاً الموت لا يعرف صغيراً ولا كبيراً ، فالنصيحة الثانية أن يتجه الشاب إلى أمر الآخرة .
" يا بني لا تكن أعجز من هذا الديك الذي يصوِّت بالأسحار وأنت نائمٌ على فراشك ".
أي في الصباح ساعة فيها من التجلِّي ، وفي من البركات والخيرات لا يعلمها إلا الله .
" لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا "*
( من صحيح البخاري : عن أبي هريرة)
ربنا عزَّ وجل في هذا الوقت يتجلَّى على عباده ، فلذلك هناك من يستيقظ ليأخذ من هذا التجلِّي شيئاً ، وهناك من يمضي هذا الوقت نائماً ، على كلٍ الله سبحانه وتعالى يقول في الحديث القدسي :
" إن اللّه تعالى ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول: هل من تائب فأتوب عليه ؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فيعطى سؤله؟ حتى يطلع الفجر
( من تفسير ابن كثير : عن " سعيد لن جبير " )
" يا بني لا تؤخِّر التوبة فإن الموت يأتي بغتة ".
لذلك مرَّ معي أن من أدعية المصطفى صلى الله عليه وسلَّم : " اللهمَّ اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم " .
هذا دعاء قرآني كان النبي عليه الصلاة والسلام كثيراً ما يتمثَّله .
وهناك شيء آخر هام جداً : " اللهمَّ تب علينا من نسيان التوبة ، وتب علينا من تأخير التوبة " .
نسيان التوبة ذنب يضاف إلى ذنب الذنب ، وتأخير التوبة ذنب ، أيضاً وبعض الشباب دائماً يردد : أنا شاب ، وغداً أتوب . وقد قال عليه الصلاة والسلام :
" ويحك! أو ليس الدهر كله غدا ؟ " .
من الجامع الصغير : عن جعال بن سراقة
يتبع بإذن الله تعالى ...
Barbie
28-04-2009, 12:45 AM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
أعتذر عن توقف الموضوع في الفترة السابقة .
و الآن نكمل بفضل الله تعالى مع حقوق الأبناء على الآباء .
( _ 6 _ من حقوق الأبناء على آبائهم أن يُؤدَّب بالأدب الإسلامي )
بسم الله الرحمان الرحيم ,
" يا بني لا ترغب في ود الجاهل فيرى أنك ترضى عن
عمله ".
إذا أثنيت على جاهل فكأنك تثني على جهله ،
من هنا الحديث الشريف :
" إن الله يغضب إذا مُدِحَ الفاسق ".
(من أحاديث الإحياء : عن ابن أبي الدنيا)
إذا مدحت فاسقاً أمام ابنك ، هو لا يصلي ، يشرب الخمر ، يا أخي لطيف ،
تقول عنه لابنك : مهذَّب ، لبق ، ذكي ، شاطر ، فإلى أين أنت مندفع في ثنائك الزائف ؟
ابنك يصدِّقك ، إذا خلعت على هذا الإنسان العاصي لربه ، المقترف للكبائر ووصفته بكل صفات الأدب ، والذكاء ، واللطف ، فهذه مشكلة ، يجب أن تسكت وإلا فإنك تكون قد وضعت ولدك في خصم المتناقضات..
" إن الله يغضب إذا مُدِحَ الفاسق".
من أحاديث الإحياء : عن ابن أبي الدنيا
يغضب ، حينما تمدح الفاسق ماذا تفعل ؟ تجعل القيم تضطرب في ذهن ابنك .
لذلك أحياناً في القصص ، والأعمال التي تجسِّد هذه القصص في بعض أجهزة اللهو ، ما الذي يحصل ؟
أن شخصيةً من الشخصيات يسبغ عليها كاتب القصَّة البطولة ، الشهامة ، المروءة ، حب الآخرين ، حب خدمة الناس ، الصدق ، الأمانة ، كل الصفات البطوليَّة تُسْقَطُ على هذه الشخصيَّة ، ومع ذلك يشرب الخمر ،
ولا يأبه لأوامر الله عزَّ وجل ، إذا قرأ الإنسان هذه القصَّة ، أو شاهدها ممثَّلةً ، ماذا يحصل ؟ هذه القيم تتسرَّب إلى أعماقه ، إلى عقله الباطن ،
فأخطر ما في القصَّة إذا أراد الكاتب منها تدمير القيَم هذا الخطر الماحق ، إذ أن كل صفات البطولة يخلعها كاتب القصَّة على شخصيَّةٍ ما ، وفي الوقت نفسه يظهر أن هذه الشخصيَّة ليست منضبطة بأوامر الدين ، في أعماق أعماق المشاهد أو القارئ يتسرَّب إلى عقله الباطن أن البطولة ليس من مقوماتها معرفة الله ولا طاعته ، بل إن المعصية من لوازم البطولة .
يجب أن تعرف ماذا يقرأ ابنك ؟
إذا جئت بمطبوعات من المستوى الهابط إلى البيت فتعلم أن هذا يُقرأ من قِبَل الزوجة والأولاد ، إذاً من أنت ؟
أنت وعاء، تفكيرك ، تصوراتك محصلة ما يملأ في هذا الوعاء . فهذا الذي يعاشر رفاق السوء ، هذا الذي يعاشر أناساً متفلِّتين من أوامر الدين ، هؤلاء يبثون فيه قيماً أخرى غير قيم الدين ، يبثون فيه عادات ليست إسلاميةً ، يبثون فيه مبادئ ليست إسلاميَّة ، لذلك أنت أو ابنك في النهاية وعاء ، ماذا يصبُّ في هذا الوعاء ؟
فإذا كنت ممن يقرأ القرآن ، ممن يقرأ سُنَّة النبي العدنان ، إذا كنت ممن يحضر مجالس العلم ، إذا كنت ممكن يقرأ كتاباً إسلامياً يغذي قلبه وعقله فأنت في النهاية إنسانٌ مبدؤك صحيح ، قيمك صحيحة ، وكذلك عاداتك ، وتقاليدك ، وأخلاقك ،
أما إذا سمحت لمُغَذِّياتٍ أخرى ، لثقافاتٍ أخرى ، للباطل المزيَّن المزخرف أن يملأ بيتك ، عن طريق كتاب ، أو مجلَّة ، أو قصَّة ، هناك أثر للقصَّة لا يعرفه إلا المختصّون ،
فهذا الذي تقرؤه ، هذا الذي تسمعه ، هذا الذي تشاهده
شئت أم أبيت ، أحببت أم لم تُحب في النهاية هو الذي يصنع عقيدتك ، وهو الذي يصنع قيَمك ، وهو الذي يصنع عاداتك وتقاليدك ، فالخطر يأتي من هنا .
اقرأ القرآن فهذا كلام الله عزَّ وجل ..
لابدَّ من مقصٍ بيد الأب يقصُّ به كل شيءٍ لا يعجبه حتى لا يقرأه ابنه ، إذا أردت أن تؤدِّبه أدباً إسلامياً .
الحق الذي قبل الأخير من حقوق الأبناء هو :
_ 7 _ أن يعوله حتى يبلغ سن الرشد
أنا لست مجبوراً بك ، لا إنك مجبور به ، هذا الكلام الصحيح ، أنت حينما أردت أن تكون زوجاً وأباً فلهؤلاء الأولاد حقوق عليك ،
لذلك عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قالا : قال عليه الصلاة والسلام ـ استمعوا جيداً ـ
" كفى بالمرء إثماً أن يضيِّع من يقوت ".
الشيء الآخر : عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :
" أفضل دينارٍ ينفقه الرجل على عياله ، ودينارٌ ينفقه على دابَّته في سبيل الله " .
إذاً أن تعوله حتى يبلغ سن الرشد ويستطيع الكسب .
يتبع إن شاء الله تعالى ...
Barbie
29-04-2009, 03:41 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
لا زلنا في حقوق الأبناء على الآباء ، وقد وصلنا في الدرس الماضي إلى حقٍ جديد ، إنه :
_ 8 _ العدل بين الأولاد في العطاء وفي الوصية
المشكلة التي يعيشها بعض المسلمين هو الفصل بين العبادات وبين المعاملات ، فإذا أدَّى صلواته الخمس ، وصام شهره ، وحج بيت الله الحرام ، وأدى زكاة ماله ، يظن أنه قد أدَّى كل شيء ،
أما أن يأتي فيحابي ولداً على حساب ولد ، أو يعطي ولداً على حساب ولد ، فيظن أن هذا من شأنه الشخصي ،
مع أن الإسلام نظامٌ كاملٌ أمثلٌ لكل مواقف الإنسان ، سواءٌ أكانت هذا المواقف أُسَرِيَّة ، أو في عمله ، أو في علاقته بربه ، الحق الأخير من حقوق الأبناء على الآباء ، العدل بينهم في العطاء والوصية .
فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحد أصحابه أعطى أحد أولاده عطيةً ، وأراد أن يُشهد النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فسأله النبي الكريم :
" أَفَكُلَّهُمْ أَعْطَيْتَ مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَهُ ". فقال هذا الصحابي : " لا " فقال عليه الصلاة والسلام : " فَلَيْسَ يَصْلُحُ هَذَا ـ هذا العمل لا يصلح ـ وَإِنِّي لا أَشْهَدُ إِلا عَلَى حَقٍّ "* . .
(من صحيح مسلم : عن جابر)
وفي رواية : " لا أشهد على جور "
من خلال هذا الحديث يتضح أن الذي يفرق بين أولاده في العطية خرج عن سنة النبي عليه الصلاة والسلام ،
إلا في حالات خاصة فأحياناً هناك أبٌ يزوج بناته الأربع ، ثلاث بناتٍ منهن في وضعٍ ماديٍ جيِّد ، بينما بنتٌ رابعة زوجها فقير ، فإذا أعطاها في حياته شيئاً فأعانها على صعوبات الحياة ، وقد رضي بقية الإخوة ، فهذا وضعٌ استثنائي له عند الله حُجَّة ومبررات، ولكن الأصل أن يعدل المُسلم بين أولاده في العطية .
روى البخاري ومسلم في صحيحهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :
" اتقوا الله وأعدلوا بين أولادكم "
أمر اعدلوا بين أولادكم ، أمرٌ من النبي عليه الصلاة والسلام ،
المشكلة أن الإنسان أحياناً يظن أن هذا حديث شريف وقد مر به ، قد قرأه أو سمعه من مدرس ، أو اطلع عليه ، وهذا مجرد أمر .
و َ مَآ ءَاتاكُم ُ الرَّسُول ُ فَخُذُوه ُ و َ مَا نَهَاكُم ْ عَنْه ُ فَانتَهُوا ْ
(سورة الحشر: من آية " 7)
أي أن الله سبحانه وتعالى خالق السماوات والأرض هو الصانع ، هو الخالق ، بيده كل شيء ، أعطاك أمراً واضحاً بيناً ، قطعي الثبوت ، قطعي الدلالة ، يقول لك : اعدل بين أولادك .
وتقول : هذا حديثٌ شريف والله قرأته واطلعت عليه ، وقد مر بي . القضية أخطر من ذلك ، إنه أمرٌ من عند النبي عليه الصلاة والسلام الذي فوَّضه الله عزَّ وجل أن يشرع لنا..
والحديث الآخر :
" سووا بين أولادكم في العطية ـ سووا فعل أمر من التسوية ـ فلو كنت مفضلاً أحداً لفضَّلت النساء ".
وهذا الحديث أيضاً رواه الإمام الطبراني ،
إذاً حديثٌ أول ، وثانٍ ، وثالث ، يحضُّ المسلمين على أن يعدلوا بين أولادهم ،
* النبي عليه الصلاة والسلام رفض أن يشهد على جور حينما بلغه أن أحد أصحابه فضَّل ولداً من أولاده على آخر ،
* والنبي عليه الصلاة والسلام يأمرنا أن نتقي الله وأن نعدل في أولادنا ،
* والنبي عليه الصلاة والسلام في حديثٍ ثالث ، يقول :
" سووا بين أولادكم في العطية فلو كنت مفضلاً أحداً لفضَّلت النساء "
هذه النصوص الثلاثة الصحيحة التي هي الأصل في العدل بين الأولاد .
يتبع بإذن الله عز و جل ...
Barbie
01-05-2009, 01:59 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
نكمل بفضل الله تعالى ,
العلماء قالوا : " يحرم على المرء أن يوصي لأحدهم بأكثر مما يستحق شرعاً ، أو أن يحرمه مما يستحق ، أو أن يحرمه بعض ما يستحق " .
يحرم ، أي دخلنا في الحرمة ، هناك حرمة ، وهناك كراهةٌ تنزيهية، وهناك كراهةٌ تحريمية ، وهناك أمرٌ مباح ، وهناك سُنَّةٌ غير مؤكدة ، وسنةٌ مؤكدة ، وواجب ، وفرض .
أن تحرم أحد أولادك من حقه ، أو من بعض حقه ، أو أن تعطي أحد أولادك فوق حقه ، فهذا مما يحرُم شرعاً ،
فهذا الذي سيغادر الدنيا كيف سيلقى الله عزَّ وجل ؟ يلقاه وقد ظلم أولاده ، وقد فضَّل بعضهم على بعض ، وقد حابى بعضهم على حساب بعض ؟!!
إن هذا يزيد البعيد بعداً ، قد يقول قائل : إن هذا الابن لا يَبَرُّني .
إن هذا التصرُّف من قبل الأب يزيد الابن البعيد بعداً ، وتنشأ عداواتٌ بين الأخوة بعد الوفاة لا يعلمها إلا الله .
لذلك الأولى أن تبقى على السُنَّة ، السنة منهج ، طريق مستقيم ، فالإنسان مهما اجتهد ، وفكر ، وتأمل ، ليس أعظم فهماً من خالقه ومربية الذي شرع له هذا الدين .
الآن عندنا نقطة دقيقة : " ويجب أن يعطي أبناؤه في الوصية مثل ما أخذه أحدهم زيادةٌ عنهم " .
فأحياناً ولد يأخذ نصيباً كبيراً من والده بحكم كونه أكبر أولاده ، فيزوجه ، يشتري له بيتاً، ويغادر الدنيا وعنده أربعة أولادٍ آخرون ، هؤلاء سوف يقتسمون الإرث بالتساوي مع أخيهم الأكبر الذي أخذ هذه الدفعة الكبيرة ،
الأولى أن يسوِّي بينهم في العَطية ، بمعنى أنه إذا أعطى الأخ الأكبر ، فيجب أن يعطي كلاً من الصغار بقدر ما أعطى الأكبر ، هذا أيضاً حكم الله عز وجل ، أي يجب أن يتم التوازن بين الأولاد في تقسيم الميراث .
شيءٌ آخر : لا يحق للأب أن يعطي في وجوه الخير أكثر من الثلث، والثلث كثير .
أي أنه إذا كان مندفعاً لفعل الصالحات فيدع ورثته عندئذٍ من بعده عالةً يتكففون الناس وهذا لا يرضي الله عزَّ وجل أبداً ، لا يرضيه أبداً .
فأحياناً يقول لك : يجب أن أوصي بثلث المال للمساجد . وقد ترك بيتاً واحداً ، ويسكنه أولاده ، فمن أجل أن توصي للمسجد فسوف ترغم أولادك على بيع هذا البيت ، فإذا كان هناك بيت وحيد يؤيهم ، ففي مثل هذه الحالة لا ينبغي أن توصي لا للمسجد ولا لغيره .
" لأن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم فقراء يتكففون
"
( من سنن النسائي: عن السيدة عائشة )
هذا توجيه النبي عليه الصلاة والسلام . فسواء في حياته ، أو بعد مماته فلا ينبغي أن يعطي أحداً فوق ما يستحق ، ولا أن يحرم أحداً حقه ولا جزءاً من حقه ، وإذا أعطى أحداً دفعةً كبيرة ، فينبغي أن تدخل هذه في حساب الإرث ، أما أن تكون خارج الحساب وهو أعطاه بيت ، وزوجه ، وفتح له محلاً ثم توفى ، وترك أربعة أولاد آخرين ، فما تبقى لهؤلاء الخمسة ، صار في تفاوت كبير جداً ، الأولى أن يكون لكل ولدٍ حقٌ معلوم .
الآن من توابع هذا الحق أن تدخل السرور على أولادك ، فقد ورد أن مر قومٌ من الأعراب على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : تقبلون صبيانكم ؟ قالوا : نعم ، فقالوا : لكنا والله لا نقبل . فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
" وما أملك إن كان الله قد نزع منكم الرحمة "
(رواه ابن ماجة)
أي أن هناك عطاءً معنوياً ، كان الحديث قبل قليل عن العطاء المادي ولكن عندنا عطاء معنوي ، فالابن أحياناً بحاجة إلى عطف ، بحاجة إلى قلب كبير ، بحاجة إلى اهتمام ،
أحياناً لمسة حنانٍ من الأب أو الأم تغني عن آلاف الليرات ، الإنسان مفتقر إلى العطف ، لذلك هذا الذي ينشأ في حجر أمه وأبيه يكون في المستقبل متوازناً نفسياً ، أما الذي ينشأ في بيت فيه خصومات ، وفيه شقاق ، وفيه طلاق ،
هذا الطفل ينشأ عنده خلل في عواطفه ، فلذلك النبي عليه الصلاة والسلام أشار إلى أن من واجبات الأب تجاه أبنائه ليس أن يطعمهم ، أو أن يسقيهم ، أو يكسوهم فقط بل هناك واجبٌ آخر وهو أن يغمرهم بالعطف والحنان ، الاهتمام بطعامه وبشرابه ، وبغرفته وبحاجاته ، وبملابسه ، هذا الاهتمام هو الذي يزرع العطف والحب في قلب الأبناء ،
فالنبي عليه الصلاة والسلام حينما أنكر هذا الأعرابي تقبيل الولد ، قال عليه الصلاة والسلام :
" وما أملك إن كان الله قد نزع منكم الرحمة "
(رواه ابن ماجة) .
يتبع إن شاء الله تعالى ...
Barbie
02-05-2009, 06:36 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
نكمل بإذن ٍ من الله تبارك و تعالى ...
النبي عليه الصلاة والسلام أراد أن يَخُصَّ البنات بشيءٍ من العطف الزائد ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام نشأ في بيئةٍ كانت البنت فيها مظلومة ،
النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
" أكرموا النساء فإنهن المؤنسات الغاليات "
" اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا "*
(من صحيح مسلم: عن أبي هريرة)
واستوصوا بالنساء خيراً قالها كثيراً في حياته ، فلذلك هناك أحاديث خاصة بالنساء .
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" من عال جاريتين - اي ابنتين صغيرتين - حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو هكذا ، وضم أصبعيه كناية عن قرب الجوار في الجنة "
رواه مسلمٌ في صحيحه
طبعاً كل من عنده بنتان صغيرتان يرعاهما ، لكن بشرط أن ينشئهما تنشئةً طاهرة ، بشرط أن ينشِّئهما على حب الله ورسوله ، وعلى تلاوة كتابه ، بشرط أن ينشِّئهما وفق الشرع ، أما إذا سيب أمرهما وجعلهما تعيشان كما يعيش بقية الفتيات غير الملتزمات ، فهذا ما زاد عن أن أطعم هاتين البنتين فقط .
والحديث الذي تعرفونه سابقاً أن البنت إذا نشأت نشأةً منحرفة بتشجيعٍ من أبيها ، أو بغفلةٌ منه ، أو بإهمالٍ لها ، ورأت مصيرها في النار ، تقول : " يا رب لا أدخل النار حتى أدخل أبي قبلي " . لقد كان هو السبب ، فلذلك الأبوة مسؤولية .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت :
"جاءت امرأةٌ ومعها ابنتان لها تسألني ـ أي شيءً ـ فلم أجد عندي شيئاً ـ انظر بيت سيدنا رسول الله سيد الخلق حبيب الحق ، نبي هذه الأمة ليس في بيته إلا تمرةٌ واحد ـ فلم أجد عندي شيئاً غير تمرةٍ واحدة أعطيتها إيَّاها هذه الأم أخذتها فشقتها بين ابنتيها ولم تأكل منها شيئاً ، فدخل عليه الصلاة والسلام على أثر ذلك فحدثته حديثهما فقال عليه الصلاة والسلام:
"من ابتنى - أي من كان له بنت - من هذه البنات بشيءٍ فأحسن إليهن كن له ستراً من النار" .
في رواية : " من ابتلي " أنه بلاء وليس مصيبة ، البلاء من معانيه الامتحان ، " مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ " .
" أو من ابتنى ـ من البنوة أي من كانت له بنت من هذه البنات ـ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ "*
(من صحيح البخاري: عن السيدة عائشة)
هذا الحديث وحده يكفي كي يدفع الآباء إلى الإحسان إلى بناتهم ، فلعل الله سبحانه وتعالى يرحمنا جميعاً بالإحسان إلى أولادنا وبناتنا .
وعن عوف بن مالكٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
"من كانت له ثلاث بناتٍ ينفق عليهن حتى يَبِنَّ - أي بمعنى يبتعدن عنه بمعنى يتزوجن - أو يمُتن كن له حجاباً من النار"
(رواه البيهقي)
في الحديث الأول : بنتان يحسن إليهن وهنا ثلاث بنات ينفق عليهن .
وعن عوف بن مالكٍ أيضاً قال عليه الصلاة والسلام :
"ما من عبدٍ يكون له ثلاث بناتٍ فينفق عليهن حتى يَبِنَّ أو يمُتن إلا كن له حجاباً من النار فقالت امرأة: يا رسول الله وابنتان قال: وابنتان "
أي أن ملخص الملخص إذا جاء ملك الموت ينبغي أن يكون معك عملٌ تلقى الله به ، عمل طيِّب ، يا رب ربيت هاتين الابنتين تربيةً صالحة، تربيةً إسلامية ، علَّمتهما كتاب الله ، زوَّجتهما من مؤمنين ، أنفقت عليهما ، حتى أدخلت على قلبيهما السرور ، هذا عمل ، أو ربيت ولدين فصارا صالحين من بعدك ، هذا عمل ، أو دعوت إلى الله هذا عمل ، أو تركت علماً نافعاً هذا عمل ، وكل ذلك عمل صالح .
فدائماً لديك سؤال كبير كبير كبير : ماذا أعددت للقاء الله عزَّ وجل ؟ قال له : " جئتك لتعلمني من غرائب العلم قال : فماذا صنعت في أصل العلم ؟ قال : وما أصل العلم ، قال : هل عرفت الرب ؟ قال : ما شاء الله . قال : فماذا صنعت بحقه ؟ قال : هل عرفت الموت ؟ قال : ما شاء الله قال : فماذا أعددت له ؟ "
هل أعددت لهذا اللقاء استقامةً تامة ؟ هل أعددت حباً لله ورسوله ؟ هل أعددت حفظاً وفهما لهذا الكتاب وتعليماً له ؟ هل أعددت أمراً بالمعروف أو نهياً عن المنكر ؟ هل أعددت تربية أولادٍ تربيةً صالحة ؟ ماذا أعددت لهذا اللقاء ؟
و للحديث تتمة بإذن الله تعالى ...
شادي فقوعه
03-05-2009, 01:48 AM
بارك الله بكم و جعل عملكم في ميزان حسناتكم يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
و الله حسيبكم
Barbie
05-05-2009, 06:14 PM
و بكم بارك الله .
اللهم انفعنا بكل شيء ٍ نتعلمه , و أعنا على العمل به .
Barbie
05-05-2009, 06:31 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم
وصلنا إلى القسم الأخير من هذا الدرس .... و نرجوا من الله تعالى أن ينفعنا دائما ً و أبدا ً بكل ما قرأنا و سنقرأ , و الحمد لله رب العالمين .
نتابع ,,,,, أن تكون أباً وعندك زوجة وأولاد هذه أبواب مفتَّحة للعمل الصالح ، فسوف تتعرض لتعب ، وعليك مسؤولية ، تعاني سَهَراً ، وهموماً ، وحُزناً ، لابد من توجيه ، وتتعرض لإحباط ، أحياناً يواجهك إخفاق ، لكن الله عزَّ وجل وضعك بموضع لكسب ثواب العمل الصالح ،
فالزواج كله من أوَّله إلى آخره بدءاً بمسرَّاته وانتهاءً بمآسيه ، الزواج كله بابٌ من أبواب العمل الصالح ، فالجهد المبذول للتوجيه ، ولإدخال السرور على قلب الأولاد، و إكرام الزوجة .
هذا كله من الأعمال الصالحة التي يرضى الله عنها ، وكنت قد حدَّثتكم من قبل من أن الأعمال الصالحة الأخرى إذا قمت بها أنت فأنعم وأكرم ، وإن لم تقم ، قد يقوم بها غيرك ، ولكن أسرتك من لها غيرك ؟ ليس لها أحدٌ غيرك ، فلذلك إذا قصَّرت في حقها فأنت محاسبٌ عند الله .
.
.
.
" يا بني اتقِ الله ولا ترى الناس أنك تخشاه لشيءٍ ما ". فأحياناً الإنسان لا يخشى الله ابتغاء مرضاة الله ، بل إنه يخشى الله ابتغاء ألا يتعرض لغضب الناس، هذا نوعٌ من الشرك .
" يا بني ما ندمت على الصمت قط ، فإن الكلام إذا كان من فضَّةٍ كان السكوت من ذهب ".
لأن الصامت في أمان أو في سلام ، والمتكلِّم إما له أو عليه .
" يا بني اعتزل الشر يعتزلك فإن الشرَّ للشر خُلِق".
"يا بني عليك بمجالسة العلماء ، واستمع إلى كلام الحكماء فإن الله يحيى القلب الميِّت بنور الحكمة كما يحي الأرض بوابل المطر ، وإياك والكذب وسوء الخُلُق ، فإن من كذب ذهب ماء وجهه ، ومن ساء خلقه كثر غمُّه ، ونقل الصخور من موضعها أيسر من إفهام من لا يفهم ".
عندنا باللغة مصطلحان : الفهم والتَفَهُّم ، الفهم معروف ، أما التفهُّم هو محاولة الفَهْمِ ، وتجد إنساناً لا يحب التفهُّم ، أي ليس مستعداً أن يبذل أي جهدٍ ليفهم ، وتجد إنساناً لا يفهم ولكنَّه يتفهَّم .
" يا بني لا ترسل رسولاً جاهلاً فإن لم تجد حكيماً فكن رسول نفسك ".
أحياناً الإنسان يكلِّف إنساناً بمهمَّة ، فهذا الإنسان يشوِّه سمعته ، يسئ إليه ، الرسول يجب أن يكون من جِنس المرسل ، وشرف الرسول من شرف المُرسل .
" يا بني يأتي على الناس زمان لا تقرُّ فيه عين حليم ". النبي عليه الصلاة والسلام تعجَّب من آخر الزمان ، كيف أنه يدع الحليم حيران .
" يا بني اختر المجالس على عينك ، فإن رأيت المجلس يُذكر فيه الله عزَّ وجل فاجلس معهم ، فإنك إن تكن عالِماً يزدد علمك ، وإن تكن جاهلاً يعلِّموك ، وإن يطلع الله عزَّ وجل عليهم برحمةٍ تصبك معهم " .
" يا بني لا تجلس المجلس الذي لا يُذكر فيه الله عزَّ وجل ، فإنك إن تكن عالماً لا ينفعك علمك ، وإن تكن غبياً يزدك غباءً ، وإن يطلع الله عليهم بعد ذلك بسخطٍ تصبك معهم " .
أي أن أجدى شيءٍ لك أن تحضر مجالس العلم التي تثق بها .
" يا بني لا يأكل طعامك إلا الأتقياء ، وشاور في أمرك العلماء ، يا بني إن الدنيا بحرٌ عميق وقد غرق فيه ناسٌ كثير ، فاجعل سفينتك تقوى الله عزَّ وجل " .
" يا بني إني حملت الجندل والحديد ـ الجندل هو الصخر ـ فلم أحمل شيئاً أثقل من جارٍ السوء ، وذقت المرارة كلها فلم أذق أشدَّ من الفقر " .
" يا بني لا تتعلَّم ما لا تعلم ، حتى تعمل بما تعلم" .
" من عمل بما علم ورَّثه الله علم من لم يعمل ".
" يا بني إذا أردت أن تؤاخي رجلاً فأغضبه قبل ذلك ، فإن أنصفك عند غضبه وإلا فاحذره ".
فالبطولة أن تنصف الناس وأنت غضبان لا وأنت فرحان .
" يا بني إنك منذ نزلت إلى الدنيا استدبرتها واستقبلت الآخرة ، فدارٌ أنت إليها تسير أقرب من دارٍ أنت عنها راحل ".
" يا بني عوِّد لسانك أن يقول: اللهمَّ اغفر لي ، فإن لله ساعاتٍ لا يُرَد فيها الدعاء " .
" يا بني إياك والدَين فإنه ذلٌ في النهار وهمٌ في الليل " .
هذه بعض الكلمات التي أُشرت في الكتب القديمة عن سيدنا لقمان الحكيم ، على كلٍ إذا بلغ ابن الرجل السن التي يميِّز بها فليس عليك إلا أن تنصحه ، هذا كل ما تملكه نحو ابنك .
إنتهى ... و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
07-05-2009, 02:51 AM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
إخوتي و أخواتي تحدثنا في ما سبق عن حقوق الآباء على الأبناء , و من ثم تناولنا حقوق الأبناء على الآباء .
و من المهم أن يعرف كل منا ما له و ما عليه من حقوق و واجبات تجاه أهله و أولاده حاضرا ً أو مستقبلا ً بإذن الله تعالى .
و سنكمل إن شاء الله عز و جل , في الحقوق ... لنتحدث في الدرس القادم عن حق المسلم على أخوه المسلم .
و نرجوا من الله تبارك و تعالى أن ييسر لنا متابعة هذه الدروس و العمل بها .
فالعلم وحده لا يثمر من دون العمل ... بل و يصبح دون معنى .... لأنه مجرد كلام لا يطبق .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
08-05-2009, 07:31 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
الدرس العاشر (( حق المسلم على أخوه المسلم ))
من موسوعة الدكتور محمد راتب النابلسي .
بسم الله الرحمان الرحيم ,
اليوم ننتقل إلى بابٍ جديد من أبواب الحقوق ، ألا وهو حق المسلم على المسلم ، حقوق المسلم على المسلم كثيرة ، منها النصح له ، وقبل الحديث عن هذا الحق الجليل ، أود أن أقدم لهذا الحق بمقدمةٍ موجزة ،
إن أخطر شيءٍ في حياة الإنسان دينه قال :
" ابن عمر دينك دينك إنه لحمك ودمك ".
النبي عليه الصلاة والسلام في تعريفٍ جامعٍ مانعٍ قال :
" َ فعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الدِّينُ النَّصِيحَةُ . قُلْنَا : لِمَنْ ؟ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ
( صحيح مسلم )
قد يفهم المسلمون الدين أنه صلاةٌ وصيام وحجٌ وزكاة ، سيدنا عمر قال : " من شاء صام ومن شاء صلى ولكنها الاستقامة " .
"من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بُعداً " .
الدين شيءٌ يدخل في كل حياتك ، في كل حركاتك وسكناتك ، في كل نشاطاتك ، في كل علاقاتك ، فالنبي عليه الصلاة والسلام ، قال :
" الدِّينُ النَّصِيحَةُ "*
أي إذا جاءك أخ مسلم أو غير مسلم ، إلى محلك التجاري وأراد أن يشتري منك حاجة ، وأنت من أجل أن تبيع هذه الحاجة الكاسدة أوهمته أنها جيدة ، وأثنيت عليها بما لا تستحق ، حتى أقنعته بشرائها ، إنك لم تنصحه ، إذاً ما قيمة دينك ؟ ما قيمة صلاتك ؟
هذا الذي وقع في مخالفةٍ شرعية ،
قالت له السيدة عائشة : " أبلغوا فلاناً أنه أحبط عمله ، أو أنه خسر جهاده مع رسول الله فالذي أتمناه عليكم أن تضعوا أيديكم على جوهر الدين ، " الدِّينُ النَّصِيحَةُ " *
الدين يبدو في دكانك ، في متجرك ، وراء طاولتك إذا كنت موظفاً ، في العيادة إذا كنت طبيباً ، وراء مكتبك في المحاماة إذا كنت محامياً ، وراء مكتبك الهندسي إذا كنت مهندساً ، وراء مهنتك إذا كنت من أصحاب المهن ، في مهنتك اليومية ،
إذا غششت المسلمين فلست مسلماً ، النبي عليه الصلاة والسلام نفى عنك صفة الإسلام :
"فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاحَ فَلَيْسَ مِنَّا وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا *
(صحيح مسلم)
النبي أخرجك من دائرة المسلمين إذا لم تنصح أخاك ،
أي إذا قال لك : ماذا أفعل بهذا المبلغ ، لو أن هذا المبلغ لك تشتري به دكاناً ، تقول له : لا أعطني إياه ، ماذا كنت تفعل لو أن هذا المبلغ معك ؟ بماذا نُصحُك لهذا الإنسان صاحب المبلغ ينم عن دينك ، يجب أن تنصح له بما أنت فاعلٌ لنفسك ، بما أنت تفعل لو أن هذا المبلغ لك ،
هذا هو الدين، الدين يبدو أكثر ما يبدو في التعامل ،
لذلك ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أن : " الدين هو النصيحة ، وأن الدين المعاملة ".
والعوام يقولون هذا الكلام : الدين المعاملة ، الدين في تعاملك مع زوجتك ، الدين في تعاملك مع عُمَّالك ، الدين في تعاملك مع أولادك ، الدين في تعاملك مع جيرانك ، يجب أن تعرف حدك فتقف عنده ،
فلذلك الشيء المؤلم أن مفهوم الدين مضطرب ، مفهوم الدين مفهوم أصبح زئبقياً فكل إنسان يفهمه على طريقة
الدين داخل بحياتك اليومية ، داخل في كل دقيقة من حياتك ، في كل ثانية ، في كل حركة ، في كل سكنة ، في نومك ، في استيقاظك ، في علاقاتك بزوجتك ، بأولادك ، بمعملك ، بعمالك ، بمكتبك ، بمن يقف أمامك ، بمن يقف وراءك ، بمن هو فوقك ، بمن هو تحتك ، هذا هو الدين ، الدين هو النصيحة .
فلذلك حينما فهم المسلمون أن الدين عباداتٌ شعائرية صاروا خلف الأمم ، ولم تكن كلمتهم هي العليا ، وحينما فهم أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ، أن الدين نصحٌ لكلّ مسلم ، الدين معاملة ، الدين انضباط ، فتحوا العالم ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ " *
(صحيح مسلم)
يجب أن نرجع إلى ينابيعه الأولى ، إلى ينابيعه الصافية ،
الآن لاحظ أن المسلمين يصلون ، الجوامع ممتلئة والمظاهر الدينية صارخة ، ولكن إذا دخلت إلى الأسواق رأيت الكذب ، ورأيت الغش ، ورأيت الخداع ، ليس هذا من الدين في شيء ، إذا أردت أن تكسب وقتك ، إذا أردت أن تكسب حياتك ، إذا أردت أن تضع يدك على جوهر الدين ، إذا أردت أن تكون من المؤمنين الصادقين فالدين النصيحة ،
أنا أضرب المثل الدقيق الدين النصيحة ،
قال لك إنسان : أفتح محل بهذه المصلحة ؟ أنت تعلم أن هذه المصلحة ذات أرباح طائلة ، تقول : لا هذه مصلحة فاقورة ، تريد أن تصرفه عن هذه المصلحة وأنت مسلم ؟!
هناك أمثلة لا تُعد ولا تُحصى ، أكثرها في العمل ،
فلذلك الله عزَّ وجل ، يضع الإنسان في مواقف صعبة ، أهونها الصلاة والصوم والحج والزكاة ، ولكن أصعبها أن تقف على مفترق الطرق ، إذا نصحت تخسر وإذا غششت تربح ،
وهذه حكمةٌ إلهية ، هذه المقدمة أردت منها أن أصل إلى أن من حقوق المسلم على المسلم النصح له .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أن النبي عليه الصلاة والسلام من خلال حديثٍ طويل يقول :
"حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ قِيلَ مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ وَإِذَا مَاتَ فَاتْبَعْهُ
(مسند الإمام أحمد)
اسْتَنْصَحَكَ فعل استفعل فيه معنى الطلب كقولك : استغفر ، كقولك: استرحم ، كقولك استودع .
يتبع بإذن الله تعالى ...
Barbie
10-05-2009, 02:30 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
نتابع بفضل ٍ من الله تبارك و تعالى ....
بسم الله الرحمان الرحيم
أول حق : هذا الذي يدخل إلى محلك أليس مسلماً ؟
مسلم ، يقول لك : انصحني ، هل هذا القماش جيد ؟ هل هذه الآلة جيدة ؟ هل هي أصلية أم تقليد ؟ تقول : لا .. أنا أرتدي منه ، من أجل أن تبيع هذه البضاعة .
وهذا شيءٌ خطير ، هذا الذي يدخل إلى محلك التجاري ، الله سبحانه وتعالى وكيله وهو مطلعٌ عليك ويعلم السر وأخفى ، فمن حق المسلم على المسلم النصح له : وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ .
سؤال ، الإنسان متى يستنصح إنساناً ؟
حينما يأتيك إنسان و يقول لك : انصحني ماذا أفعل ؟
هل تعلم ماذا يعني ذلك ؟
يعني ذلك أنه واثقٌ من رجاحة عقلك ، ومن إخلاصك له ، إنسان وضع ثقته فيك ، وضع ثقته برجاحة عقلك ، وضع ثقته بإخلاصك له ، أعطاك صفتين ، صفة عقلية وهي الرُجحان ، وصفة نفسية وهي الإخلاص ، لا يمكن أن تأتي إنساناً وتستنصحه إلا إذا وثقت بعقله وأخلاقه ، إلا إذا وثقت برجاحة عقله وصدق إخلاصه ، إذاً حينما يأتيك إنسان وقد منحك الثقة ، وقد منحك كل عوامل الرضا تخونه ؟!
لذلك :
" كبرت خيانةً عند الله أن تحدث الناس بحديث هم لك مصدقون وأنت لهم به كاذب "
هو يصدقك لأنه منحك الثقة وأنت تكذب عليه ،
فهذا الذي يغش الناس كذَّاب يكذب عليهم ، ينصحهم بشيءٍ لا يفعله هو لنفسه .. شيء آخر .. إذا طرق بابك واستُنصحت ، فأنت مظنة رجحان العقل ، وصدق الإخلاص ، فإن شئت أن تخيِّب الناس فيك فخيبهم إذا شئت ، أما لو لم تكن راجح العقل ، لو لم تكن مظنة صلاح لما سألك أحد : وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ .
شيء آخر .. هذا الذي يستنصح هو رجل راجح العقل أيضاً ، كلاهما عاقل المستنصِح والمستنصَح ، الإمام عليٌِ كرم الله وجه يقول :
" الرجال ثلاثة رجلٌ رجل ... يقول لك رِجَّال ( بالمعنى العامي) رجلٌ رجل ، ورجلٌ نصف رجل (نصف رجل) ، ورجلٌ لا رجل ".
هذا قول سيدنا علي .
" الرجال ثلاثة رجلٌ رجل ، ورجلٌ نصف رجل ، ورجلٌ لا رجل ، فالرجل الرجل هو الذي له رأيٌ ويستشير ، والرجل نصف الرجل هو الذي له رأيٌ ولا يستشير ، والرجل الذي لا رجل هو الذي لا رأي له ولا يستشير" .
في حديثٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صُبْرَةٍ مِنْ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلا فَقَالَ :
" يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ مَا هَذَا قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : أَفَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ ثُمَّ قَالَ : مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا " *
( سنن الترمذي )
يوجد عندنا قاعدة ، الإنسان عليه أن يشاور وعليه أن يستخير ، الإنسان الناجح الموفق ،
"من استشار الرجال فقد استعار عقولهم" ، عليه أن يستشير ، وعليه أن يستخير ، الاستشارة لأولي الخبرة من المؤمنين ، لأن غير المؤمن يغشُّك ، والمؤمن الذي لا خبرة له ، كيف ينصحك؟ لا بدَّ من توافر الخبرة ،
القوة في العلم ، والأمانة الإخلاص ، فلذلك الإنسان الناجح في عمله الموفق ، الذي يُطبق سنة النبي عليه الصلاة والسلام ، يستشير ويستخير ، يستشير أولي الخبرة من المؤمنين ، ويستخير الله عزَّ وجل في كل المباحات ،
إياكم أن تظنوا أن المؤمن يستشير أو يستخير في الأمور التي نص على حرمتها الشرع ، هذا كلام مرفوض لأن الله عزَّ وجل يقول :
و َ مَا كَان َ لِمُؤْمِن ٍ و لا مُؤْمنة ٍ إذا قضى الله ُ و رسولُه ُ أَمرا ً أَن يَكون َ لَهُمُ الْخِيَرَة ُ مِن ْ أَمْرِهِم ْ و َ مَن يَعْص ِ الله َ و َ رَسولَه َ فَقَد ْ ضَل َّ ضَلالا ً مُّبينا ً ( 36 )
( سورة الأحزاب )
* ما الذي يقابل النصيحة ؟ الغش أو الخيانة ،
النبي عليه الصلاة والسلام قال :
" مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا "
(صحيح مسلم)
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلالِ كُلِّهَا إِلا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ
(مسند أحمد)
ما الذي يقابل الغُشَّ والخيانة ؟ النصح ، أن تكون نصوحاً ، والنبي عليه الصلاة والسلام وصف المؤمنين فقال :
" المؤمنون نصحةٌ متوادون ولو ابتعدت منازلهم والمنافقون غششةٌ متحاسدون ولو اقتربت منازلهم ".
إذاً أكبر حقٍ عليك ، وأول حقٍ عليك ، وأوجب حقٍ عليك تجاه أخيك المسلم أن تنصح له ، ما معنى النصيحة ؟
نتابع إن شاء الله لاحقا ً ... لنتحدث عن معنى النصيحة .
Barbie
11-05-2009, 06:57 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
نكمل بإذن الله تبارك و تعالى مع تعريف النصيحة ...
بسم الله الرحمان الرحيم
ما معنى النصيحة ؟
جرت عادة العلماء على أن يبدؤوا التعريف بالتعريف اللغوي ، إذا قلت: نصحت ، ما معنى نصح في اللغة ؟
علماء اللغة قالوا : " نصح الرجل ثوبه إذا خاطه " .
كأن النصيحة التي أرادها النبي عليه الصلاة والسلام ، إذا رأيت خللاً في ثوب أخيك عليك أن تنصح هذا الخلل ، أي أن ترفو هذا الخلل، أي أن تخيط هذا الخلل ، أي أن تسدَّ هذه الثغرة ، أي أن تخيط هذا الثوب ،
فالنصح بالمعنى اللغوي الخياطة ، نصح الرجل ثوبه إذا خاطه، نصحت أخي المسلم أي وجدت في ثوبه خرقاً أو ثُغْرَةً فأحكمت إغلاقها ، وهذا معنى ،
المعنى الثاني : نصحت العسل إذا صفيته من الشمع ، فهذا عسلٌ نصوح أي مصفَّى .
الآن ما علاقة النصح بهذا المعنى ؟ إذا قدمت لأخيك النصيحة أي قدمت كلاماً صحيحاً حقاً خالصاً دقيقاً ، لا يوجد فيه شائبة .
وهذا حق يا أيها الإخوة الأكارم ، الذي أراه أن الكلام انتهى دوره لكثرة الكلام المُنمق ، لكثرة الفصاحة ، لكثرة البيان ، الكلام انتهى دوره ولم يبق إلا العمل ، لذلك مهما صافحت أخاك المسلم ، ومهما شددت على يده ، ومهما كان لقاؤك له حاراً ؛
إذا غششته أو إذا أخفيت عنه العيب أو إذا أضللته أو إذا حاولت أن تصرفه عن شيءٍ مهم ... ! مثل هذا المجتمع لا يحق أن ينصره الله عزّ وجل ، لذلك : " الدِّينَ النَّصِيحَةُ " .
يجب أن تنصح المسلمين من خلال عملك في الدرجة الأولى وقبل الحديث ، كلٌ في عمله ؛ الطبيب في عيادته ، والمحامي في مكتبه، والتاجر في حانوته ، والبائع في دكانه ، والموظف وراء طاولته ،
هذا الذي أمامك إن كان مخلوقاً فهو مخلوقٌ لله عليك أن تنصح له ،
وإن كان مسلماً له عليك حقَّان ، الحق الأول هو الأخوة في الإنسانية ، والحق الثاني هو الأخوة في الدين ،
يجب أن تنصح له ،
والنصح الكلام المصفى كالعسل ، والنصح الكلام الذي لا شائبة فيه ، والنصح إحكام الخلل ، إغلاق الثُغْرَة وهذا هو النصح ، لذلك هذا المعنى أساسه لغوي وانتقل إلى المعنى المجازي ، والمؤمن ناصحٌ ونصوح ، من صفات أهل الإيمان أنهم نصحةٌ متوادون ، من صفات أهل النِفاق أنهم غششةٌ متحاسدون ،
الله سبحانه وتعالى يقول على لسان سيدنا نوح :
أُبَلِّغُكُم ْ رِسالات ِ رَبِّى و َ أَنصَح ُ لَكُم ْ و َ أَعْلَم ُ مِن َ الله ِ مَا لا تَعْلَمون َ ( 62 )
(سورة الأعراف)
من الذي يجب عليه أن ينصح ؟
هو الذي يعلم من الله ما لا يعلم الآخرون ، كل من آتاه الله علماً ، من أمانة العلم أن تنصح كل المسلمين ،
والآية الثانية على لسان سيدنا هود :
أُبَلِّغُكُم ْ رِسالات ِ رَبِّى و َ أنَا ْ لَكُم ْ نَاصِح ٌ أَمين ٌ ( 68 )
(سورة الأعراف)
لكن هناك سؤالٌ دقيق وهذا السؤال هل أنا عليّ أن أنصح كل إنسان ، في كل مكان ، في كل وقتٍ وزمان ، ليس هناك استثناء ؟
قال العلماء : " النصيحة فرض كفاية ، إذا قام بها البعض سقطت عن الكل " .
يعني إذا كنتم جماعة في نزهة ورأيت إنساناً يعذِّب حيواناً ، إذا تكلم أحد هؤلاء ناصحاً سقط الوجوب عن بقية الحاضرين ، إذاً النصح فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الكل ، هذا الحكم الأول .
الحكم الثاني هو إذا غلب على ظنك إذا تيقنت أو غلب على ظنك أن هذا الإنسان لا يقبل النصيحة بل سيستهزئ بها لأنه ينكر أصل الدين، إذا قلت له : يا أخي قال الله تعالى ،
يقول لك : أو مصدقٌ أن هذا كلام الله ؟ مثل هذا الإنسان لا عليك إن لم تنصحه ،
انطلاقاً من قوله تعالى :
فَذَكَِرْ إِن نَّفَعَت ِ الذِّكْرَى ( 9 )
(سورة الأعلى)
انطلاقاً من حديث النبي عليه الصلاة والسلام أن لا تضع الحكمة في غير أهلها :
"من منع الحكمة أهلها فقد ظلمهم ، ومن وضعها في غير أهلها فقد ظلمهما ".
وانطلاقاً من حديث رسول الله صلى اله عليه وسلم : أي إنه من تكلم في الحكمة لغير أهلها فقد ظلمها ومن منعها أهلها فقد ظلمهم .
أول حكم في النصيحة أنها فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الكل ، يعني إنسان أخطأ وكنتم جماعة ، فأوجهكم أوسطكم أعقلكم أعلمكم أذكاكم أفصحكم قال له : يا أخي بأسلوب لطيف ولبق ، وبقية الإخوة الحاضرين ليس عليهم أن يتكلموا أكثر من ذلك ، وإلا تصبح هذه النصيحة فضيحة ، والنصيحة شيء والفضيحة شيءٌ آخر .
الحكم الثاني : أنك إذا غلب على ظنك أن هذا الإنسان بعيدٌ عن الدين بعد الأرض عن السماء ، وأنه لا يستجيب ، وأنه سيستهزئ ، وأنه سيكيل للدين الشتائم ، وأنه بعيدٌ عن الله كالحجر الصلب ،
في مثل هذه الحالة أعفاك الشرع من أن تنصح له ، يعني أحياناً الإنسان يلتقي بسيارة عامة بالطريق بإنسان يسب الدين يتكلم كلام بذيء بحق الحضرة الإلهية ، فإذا نصحته ربما زدته هيجاناً ، ربما زدته تفلتاً ، ربما حملته على أن يقول كلمة الكفر ، مثل هذا من الحكمة أن تبتعد عنه .
نتابع إن شاء الله لاحقا ً .
Barbie
13-05-2009, 05:28 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
تنابع بفضل الله تعالى ,
بسم الله الرحمان الرحيم , كنا قد تحدثنا عن الحكم الثاني للنصيحة , و الآن مع الحكم الثالث :
يوجد عندنا حكم ثالث ،
هناك حالاتٌ إذا نصحت فيها تخشى أن يلحق بك ضررٌ كبير ، كأن يُتلف مالك كله ، أن تضيع حريتك ، أن تفقد أحد أعضائك ، أيضاً في مثل هذه الحالة الشرع الحنيف أعفاك من النصيحة ، إذا خفت على نفسك الضرر الكبير ، وإذا كان هذا المنصوح بعيداً عن الدين بعد الأرض عن السماء ، وإذا قام بهذه النصيحة أحدٌ آخر ، سقطت في هذه الحالات الثلاثة .
_ _ _
و قبل أن نكمل ما جاء في صلب درسنا " حقوق المسلم على المسلم " من شرح لمعنى النصح بين المسلمين و كيف يكون , و .... إلخ .
سنتحدث الآن عن ماهية العبادات و كيف يجب علينا فهم الدين , لكي تكون الصورة تامة و واضحة عندنا فيما بعد إن شاء الله و تعالى .
بسم الله الرحمان الرحيم ,
الآن الحديث النبوي الشريف الذي بين أيدينا ،
عن ابن رقية تميم الداري ، من هو تميم الداري ؟ هذا الذي اشترى القناديل والحبال والزيت من الشام وأخذها إلى المدينة المنورة ، وكان وصوله للمدينة يوم الجمعة أو عصر الجمعة ، أمر غلاماً له فعلق الحبال وعلق عليها القناديل وملأها بالزيت ، وحينما غابت الشمس أمر غلامه أن يُسرج هذه القناديل ، ودخل النبي عليه الصلاة والسلام فإذا مسجده النبوي مُزهر متألق بالأضواء ،
فقال عليه الصلاة والسلام :
"من فعل هذا ؟ قالوا : يا رسول الله تميم الداري ، فقال عليه الصلاة والسلام ( والبسمة على شفتيه وقد شعر أصحابه أنه رضي تمام الرضى ) فقال عليه الصلاة والسلام : نورت الإسلام ، نور الله قلبك يا تميم ، لو أن لي بنتاً لزوجتكها ".
لذلك هذا الحديث وحده يكفي لدفع الإخوة الأكارم إلى أن يعتنوا بمسجدهم ، هذا بيت الله، هذا الذي يُسهم في إنارته ، وهذا الذي يُسهم في نقل الصوت ، وهذا الذي يُسهم في تنظيفه ، وهذا الذي يُسهم في حراسته ، وهذا الذي يُسهم في خدمة الإخوة الكرام رواد هذا المسجد ، هذا عمل عظيم .
وقد تكلمت كلمة اليوم قلت : إن العبادات نوعان ،
عباداتٌ شعائرية ؛ مثل الصلاة وهي عبادة شعائرية تقف وتقرأ الفاتحة وسورة وتركع وتسجد ، الصيام تدع الطعام والشراب ، الحج تذهب إلى الديار المقدسة ، تخلع الثياب وترتدي ثوبين أبيضين غير مخيطين ، تطوف حول الكعبة ، تُقَبِّل الحجر ، تسعى بين الصفا والمروة ، تصعد إلى عرفات ، هذه عبادة شعائرية ،
ويوجد عبادات تعاملية ، وهي الصدق الأمانة الإخلاص عدم الكذب ، عدم الغيبة وعدم النميمة ، غض البصر وعدم سماع الغناء ، ضبط اللسان وضبط اليد ، ضبط الأعضاء ،
هذه العبادة الشعائرية تشبه ساعات الامتحان ، وهذه العبادة التعاملية تشبه العام الدراسي بأكمله ، فساعات الامتحان لو أن طالباً لم يقرأ كلمةً أثناء العام الدراسي ، إلا أنه أخذ أول قلم وثاني قلم وثالث قلم احتياطاً ، وارتدى أجمل الثياب ، وتعطر ، وحمل شطيرةً ليأكلها إذا جاع ، ووضع في جيبه بعض المال ، وركب سيارةً فخمة إلى الامتحان ،
لكنه نسي شيئاً واحداً ، نسي أن يدرس فقط !!
أما كل شيء هيأه سوى الدراسة ؛ الأقلام مهيأة ولباسه جيد والعطر متعطر ، كل هذه العناية بهذه الساعات الثلاث لا قيمة لها ،
إذا لم يسبق هذه الساعات الثلاث عملٌ دؤوب طوال العام الدراسي ،
فالعبادات الشعائرية إن لم يمهَّد لها بالعبادات التعاملية لا قيمة لها إطلاقاً ،
من هنا قال عليه الصلاة والسلام :
" بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ "*
( صحيح البخاري: عن ابن عمر رضي الله عنهما )
هذه دعائم الإسلام وليست هي الإسلام ، الإسلام صدق ، الإسلام أمانة ، الإسلام إخلاص ، الإسلام نصيحة ، الإسلام ورع ، الإسلام محبة لله عزّ وجل ، الإسلام بذل المال والوقت والخبرة والجاه في سبيل الله عزّ وجل ،
هذا هو الإسلام ، إذا فعلت هذا جاء الامتحان وقفت في الصلاة فانهمرت دموعك ، وقفت في الصلاة فاتصل قلبك بالله ، وقفت في الصلاة فشعرت بالشوق إلى الله ،......
إذا فهمنا الإسلام عبادةً شعائرية ، قيامٌ وركوعٌ وسجود وصيامٌ وحج ، وزينات وألقاب فخمة وبروتوكولات وطقوس ، وألبسة خاصة بالمسلمين ، وعطر خاص لهم ، وحفلات خاصة ، وطرب ، والحلوى وما شاكل ذلك ، إذا فهمنا الدين بشكلٍ شعائري بشكل طقوس انتهى الدين ،
الدين أكبر ثورة اجتماعية في الأرض ، حينما يظهر الدين في مجتمع يصبح مجتمعاً آخر ، يوجد فيه كل علاقاته ، لذلك حينما فهمنا الإسلام صلاةً وصياماً ، قال سيدنا عمر : " من شاء صام ومن شاء صلى ولكنها الإستقامة ".
*
*
*
"الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنَا : لِمَنْ ؟ قَالَ : لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ .
( صحيح مسلم )
تتمة الحديث ستكون بإذن الله تعالى , عن الحديث أعلاه ( معنى النصح و كيف نفهمه ) .
Barbie
14-05-2009, 04:53 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم
" الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنَا : لِمَنْ ؟ قَالَ : لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ
( صحيح مسلم )
اجعل هذا الكلام في بالك ، :
أولاً النصح ، أي أن تنصح نفسك أو أن تنصح غيرك ؟
الجواب الحديث يحتمل كِلا المعنيين ، أن تنصح نفسك أولاً ، وأن تنصح غيرك ثانياً ، كيف النصح لله ؟
أي أن تؤمن به ، أن تؤمن به أنت ، وأن تدعو الناس للإيمان به ، من خلال شرح آياته ، وشرح نعمائه ، وشرح بلائه، ونفي الشرك عنه ، أن تقنع نفسك بالتوحيد ، وأن تبعدها عن الشرك الجلي والخفي ، وأن تنبِّه الناس إلى ما قد ينزلقون فيه من شركٍ خفيٍ أو جلي ، عدم الإلحاد بأسمائه وصفاته ،
إذا نفيت علمه فقد ألحدت بأسمائه، إذا نفيت حكمته ، إذا نفيت رحمته ، إذا نفيت تقديره ، إذا نفيت عزَّته ، إذا نفيت أن دينه لا يصلح ، أنت تلحد باسمه ، تلحد بهذا الدين القويم ،
النصح لله أن تنصح نفسك ، أن تعرفها بالله عزَّ وجل ، وأن تعرف غيرك .
شيءٌ آخر ، أن تنفي عنه جميع النقائص ، هذا الشيء الذي تترفع أنت عنه ، إياك أن تصف الله به ، بشكل أن الله عزَّ وجل خلق الإنسان منذ الأزل وقدَّر عليه أن يكون شقياً ، فيأتي إلى الدنيا ماذا يفعل الإنسان ؟
فيقول : " كاسات معدودة بأماكن محدودة " ، فيشرب الخمر ، لأن الله قدر عليه هذا الشرب ، ولم يهتد ، لأن الله قدر عليه الضلال ، فإذا جاء الموت كان في جهنم إلى الأبد ، أتفعل أنت هذا مع تلميذٍ لك ، مع صانعٍ عندك ، مع مأمورٍ عندك ؟
تقدِّر عليه الشر وتجبره عليه وتعاقبه عليه ، يجب أن تنفي عنه ما لا يليق به ، وهذا معنى قولنا : سبحانه وتعالى ، سبحان الله ، هذا التسبيح هو التنزيه والتمجيد ،
أن تطيعه وأن تدعو الناس لطاعته ، هذا هو النصح له ، وأن تجتنب معصيته وتحذِّر الناس من معصيته ، و أن تحبَّ فيه وأن تبغض فيه ، أن تبني كل علاقاتك على أساس محبة الله عزّ وجل ، فالذي يحبه الله أنت تحبه ، والذي لا يحبه فلا تحبه ،
قد يكون هنا علاقات عمل لا يوجد مانع ، علاقات العمل لا علاقة لها بالمحبة والكراهية ، أما أن تقيم مع إنسان علاقةً حميمة ، أن تسهر معه إلى أنصاف الليالي ، أن تستمتع بحديثه وهو مُلحد ، وهو عاصٍ وهو شارب خمر ، من أنت ؟
أنت مثله ، إذاً أن تبتعد عن معصيته وأن تقبل على طاعته ، وأن تحب فيه وأن تبغض فيه ، وأن توالي من يواليه وأن تعادي من يعاديه ، وأن تجاهد في سبيله ، تجاهد نفسك وهواك ، وأن تعترف بنعمه وأن تشكره عليها ، وأن تخلص له في جميع الأمور ، هذا معنى النصح لله ،
أولاً أنت عليك أن تعرفه ، عليك أن تعبده ، عليك أن تطيعه ، وعليك أن تحبه ، عليك ألا تشرك به ، عليك أن توحِّده ، عليك أن تنزِّهه ، وأن تسبِّحه ، عليك أن تدعو الناس إليه ، هذا هو النصح لله .
تحدثنا الآن عن : (( كيف يكون النصح لله )) ... و في المشاركة القادمة إن شاء الله تعالى سنتابع شرح الحديث أعلاه و نتكلم عن النصح لكتابه .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
17-05-2009, 01:47 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
نتابع تفسير الحديث , و الآن سنتكلم عن معنى النصح لكتاب الله و لنبيه ( عليه أفضل الصلوات و التسليم )
بسم الله الرحمان الرحيم
النصح لكتاب الله ؛ أن تؤمن بأن هذا كلام الله ، وأن تدعو الناس للإيمان به ، وأن تؤكِّد لنفسك ولغيرك أن هذا الكلام ليس ككلام البشر ، كلامٌ آخر كلامٌ معجز ، وأن تعظِّم القرآن ، وأن تتلوه آناء الليل وأطراف النهار ، أن تتلوه حق تلاوته بدءً من التجويد وانتهاءً من التفسير ،
وأن تخشع عند قراءته ، وأن تصدِّق ما جاء فيه ، وأن تعتني بمواعظه ، وأن تتفكر في عجائبه ، وأن تعمل بمحكمه ، وأن تسلم بمتشابهه ، وأن تبحث عن عمومه وخصوصه ، وأن تنشر علومه في الناس ، هذا النصح لكتابه ،
كتاب الله ، هذا منهجك ، هذا دستورك ، هذا الذي نعيش من أجله، هذه تعليمات الصانع ، وأنت آلةٌ معقدة ، لا يوجد إنسان عنده آلة غالية ، فأنا أعدُّ هذا شيئاً عاماً ، لا يوجد إنسان عنده آلة غالية ، غالية الثمن ، عظيمة الخطر ، معقَّدة التركيب ، إلا وهو حريصٌ عليها حرصاً لا حدود له ، من حرصه على هذه الآلة يسعى لتنفيذ تعليمات الصانع تنفيذاً حرفياً وقد يكون أحياناً شكلياً ، وقد يكون أحياناً مُضنياً ،
آلة ثمنها ثلاثمائة وخمسين ألف والله لا يوجد منها هكذا يقول لك ، وقف لا تشغلها حتى تبرد ، إن أخذ مكيفاً يقول إياك أن تطفئه اتركه يعمل حسب التعليمات ، لماذا أنت حريصٌ كل هذا الحرص على هذا المكيف ، ولست حريصاً على هذه النفس ، التي ملكك الله إياها ؟
لماذا لم تحرص على هذه النفس التي قال الله عنها : قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها .
لو أن أحداً عينه مريضة لا ينام الليل ، أولاً يطلب موعداً يقول له الطبيب : بعد شهرين، فيقبل ، قبل أن يلتقي بالطبيب يقول لك ثلاثمائة ليرة ، مائة وخمسين قبل أي لقاء وبكل بساطة يدفع ، لأن العين كما يقول عامة الناس : " غاليةٌ على صاحبها " ،
فإذا كانت نفسك بهذا الغلاء فعليك أن تعتني بها ، من هنا قال الله عزّ وجل :
يا أيُّها الَّذين َ ءَامنوا عَلَيْكُم ْ أ َنفُسِكُم ْ
(سورة المائدة: آية 105)
أي اعتنوا بأنفسكم ، عليك به ، أي اعتنِ به ،
الآن ... معنى النصح لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،
أيضاً أن تصدقه على أنه رسول الله وعلى أنه نبي الله ، وأن تبين للناس حرص هذا النبي ، ورحمة هذا النبي ، تبين للناس صواب أقوال هذا النبي ، حكمة سنته ، وأن تنصره حياً وميتاً ، حياً معروفة ، أما ميتاً ؟ بالدفاع عنه ،
إذا وقف إنسان في مجتمع في احتفال ، وانتقص من النبي عليه الصلاة والسلام ، وأنت تستطيع أن ترد عليه ، تبقى ساكتاً ؟! هذا من النصح لرسول الله ، أن تنتصر له، أن ترد الشبهات التي يتقولها الناس عنه .
وأن تعادي من يعاديه ، وأن توالي من يواليه ، وأن تعظِّم حقه ، وأن توقره ، وأن تحييّ طريقته وسنته ، وأن تبُث دعوته ، وأن تنشر سنته ، وأن تستفيد من علومه ، وأن تفقه معانيها ، وأن تدعو إليها ، وأن تتلطف في تعليمها للناس ،
يعني إذا علمت الناس السنة قمت بعملٍ عظيم، لأن السنة تبيينٌ للقرآن الكريم ، والقرآن منهج الإنسان ، لا يوجد عمل أجل في الحياة بعد تعليم القرآن من تعليم السنة ، والسنة والقرآن مصدران أولان كبيران من مصادر التشريع الإسلامي .
والتأدُّب عند قراءة السنة ، هناك من يفتح كتاب السنة وهو متوضئ من باب التأدب ، هناك مجموعة آداب أُثرت عن السلف الصالح عند قراءة كتب السنة ، والتخلق بأخلاق النبي ، والتأدب بآدابه ، و محبة آله وأصحابه ، وبغض أهل البدع في السنة ، وبغض من يتعرَّض لأصحاب رسول الله ،
قال له :
"يا سلمان لا تبغضني فتفارق دينك. فقال سلمان : كيف أبغضك وبك هدانا الله ؟!! قال : يا سلمان تبغض العرب فتبغضني " .
فهذا الذي يغمز من قناة الأمة العربية ، يحاول في كل مجلس أن يطعن في هذه الأمة ، متخلفة ، كذا وكذا ، هذه أمتك ، وهذه أمة نبيك ، وإذا تعثَّرت في آخر الزمان أنت أن تحطمها ؟!!.
نكمل لاحقا ً بإذن الله تعالى , لنتحدث عن معنى النصيحة لأئمة المسلمين .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
18-05-2009, 09:42 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
نتابع مع النصيحة لأئمة المسلمين .
بسم الله الرحمان الرحيم
معنى النصيحة لأئمة المسلمين ، قال : بمعاونتهم على الحق ، فأنت إذا كنت موظفاً في دائرة ، يوجد شخص أعلى منك مشى في اتجاه أن يصدر قرار ، فيه إبعادٌ للناس عن الحق ، ولك مكانةٌ عنده ، ويستمع إليك ويأخذ بآرائك ، أنت إذا نصحته ووجهته ، وبينت له الحق وقلت له : هذا الشيء لا يجوز ولا ينبغي أن يكون في هذا المجتمع المسلم ، فإذا أخذ برأيك فقد أعنته ، وهذا نصح ولاة الأمور ، هذا الوالي إنسان ، أولي الأمر من بني البشر ، فإذا أنت نصحتهم وبينت لهم فلك أجرٌ كبير، إذاً أن تعينهم على الحق ، وأن تنبِّههم وأن تذكرهم برفقٍ ولطف ،
فالله عزَّ وجل علمنا حين قال لسيدنا موسى وأخيه هارون :
فقولَا لَه ُ قَوْلا ً لَّيِنا ً
(سورة طه: آية 44)
فرعون قال :
فَقال َ أَنَا ْ رَبُّكُم ُ الأَعلى ( 24 )
(سورة النازعات)
ومع ذلك ربنا عزَّ وجل قال لسيدنا موسى وهو نبيٌ عظيم :
فقولَا لَه ُ قَوْلا ً لَّيِنا ً
وإعلامهم بما غفلوا عنه ، وتأليف قلوب المسلمين لطاعتهم ، وألا تثني عليهم ثناءً كاذباً ، هذا كلُّه من النصح لولاة الأمور .
لكن بعض العلماء يرون أن ولاة الأمور ، تعني شيئاً آخر ، وهم أئمة الدين ، وعلماء الدين ، يعني هذا العالم ليس معصوماً ، فإذا زلت قدمه ، أو إذا أخطأ كن له نصوحاً ولا تكن له فضوحاً ، النبي عليه الصلاة والسلام معصوم لا شك في ذلك ، وليس أحدٌ بعده معصوماً ، الولي محفوظ ، ما الفرق بين المعصوم والمحفوظ ؟
المعصوم الذي عصمه الله عزَّ وجل عن أن يغلط لأن النبي إذا غلط وقد أمرنا الله عزَّ وجل أن نتبع سنته فكأن الله أمرنا بالمعصية ، مستحيل ، لا يمكن إلا أن يكون النبي معصوماً في أقواله ، وفي أفعاله ، وفي إقراره ، وفي حركاته ، وفي سكناته ، وفي رضاه ، في غضبه ، في كل أحواله معصوم لأنه مشرِّع ، معصوم لأن الله قد أمرنا أن نأخذ منه ، وأن نتبع أمره وأن ننتهي عما عنه نهى ، فمن باب أولى أن يكون النبي عليه الصلاة والسلام معصوماً ، والعصمة صفةٌ لازمةٌ للأنبياء ، انتهى الأمر ،
يوجد عندنا قاعدة ، " ما من أحدٍ أكبر من أن يُنْقَد وما من أحدٍ أصغر من أن يَنْقُد " ، أحياناً طفل ينتقدك ، هو على حق وأنت على غير الحق ، عوِّد نفسك أن تستمع إلى النصيحة تتلقاها بصدر رحب ، عود نفسك أن تكون متواضعاً ، عود نفسك أن لا تدعي أنك أفهم الناس ، أنت واحد من الناس ،
هكذا قال سيدنا الصديق ، مع شهادة النبي الكريم له حين قال :
" لو وزن إيمان الخلق بإيمان أبي بكر لرجح ".
ماذا قال أبو بكر في خطبته الأولى ؟ قال : " أيها الناس لقد وليت عليكم ولست بخيركم
أحب هدية ، والله الذي لا إله إلا هو ، لو أن إنساناً قدم لك ساعة ذهبية ، أو ساعة من أغلى أنواع الساعات ثمنها عشرات الألوف ، بل مئات الألوف ، وإنسان آخر نصحك نصيحة في دينك ، قال لك : يا أخي هذا العمل لا يليق بك ، هذا مخالفٌ للسنة ، لو عرفت قدر هذه النصيحة لسارعت إلى تقبيل يديه ، تقول له : شكراً لك على هذه النصيحة ،
هكذا مجتمع المؤمنين ، فيه تناصح ، نصحةٌ متوادون ، لذلك إذا نُصحت فأصغ لهذه النصيحة ، وتواضع للذي ينصحك ، وتأدب معه ، واشكره على نصيحته ،
وإذا رأيت أخاً كريماً لك قد زلت قدمه أو سبقه لسانه فأسدِ له النصح ، ومن صفات المؤمنين التناصح ، وكلُّ واحدٍ يؤخذ منه ويُردُّ عليه
إذاً النصح أيضاً على علماء الدين ، ومن نصحهم قبول ما روه وتقليدهم في الأحكام وإحسان الظن بهم .
يتبع إن شاء الله تبارك و تعالى .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
22-05-2009, 07:50 PM
السلام عليكم و رحة الله و بركاته ,
نكمل بإذن الله تعالى ,
بسم الله الرحمان الرحيم
* الأولى أن يحسن الظن بأخيه المؤمن ، أحياناً الإنسان يرى أن إنساناً وضع يده بجيب إنسان ، لعل هذا الرداء رداؤه ، أو لعله رداء ابنه ، أنت دائماً كمؤمن حاول أن تحسن الظن ،
هذا الموقف سليم ، أما إساءة الظن تحتاج إلى دليل قطعي ، مادام لا يوجد دليل قطعي الأولى أن تحسن الظن. فالمؤمن يجب أن يغلِّب حسن الظن .
أما النصيحة لعامة المسلمين ؛ نصيحتهم بإرشادهم إلى معرفة ربهم ، بمصالحهم في دنياهم وآخرتهم ، إعانتهم على أمر دنياهم بالقول والفعل ، ستر عوراتهم ، سدُّ خُللهم ، دفع المضار عنهم ، جلب المنافع إليهم ، أمرهم بالمعروف ، نهيهم عن المنكر برفق .
النصح لكل مسلم ، في أمر دينه وفي أمر دنياه ،
إذاً : هؤلاء كلهم عباد الله عزّ وجل لا تفرق فكلهم عباد الله ، إذا كنت مسلماً صحيحاً يجب أن يكون وقتك كله في خدمة الخلق ، من أجل أن يحبك الحق :
"عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ قَالَ : بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ "*
( صحيح البخاري ، متفقٌ عليه )
الكلمة الأخيرة في هذا الموضوع // حق النصح " من استبد برأيه هلك ، ومن استشار الرجال استعار عقولهم ".
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
" رأس العقل بعد الإيمان بالله التودد إلى الناس ، وما استغنى مستبدٌ برأيه ، وما هلك أحدٌ عن مشورة ".
إياك أن تستبد برأيك ، اسأل إخوانك المؤمنين ، اسأل أولي الخبرة من المؤمنين الصادقين ، حديث خطير :
رأس العقل بعد الإيمان بالله التودد إلى الناس ، وما استغنى مستبدٌ برأيه ، وما هلك أحدٌ عن مشورة ، فإذا أراد الله بعبدٍ هلكةً كان أول ما يهلكه رأيه " .
لهذا نحن ندعو على أعدائنا ونقول : " اللهم اجعل تدميرهم في تدبيرهم" .
إذا الإنسان استبد برأيه وتكبر وركب رأسه ، ورفض النصيحة قد يكون دماره في تدبيره .
والحمد لله رب العالمين .
إن شاء الله سنتابع لاحقا ً , لنتحدث عن حق جديد ( حق إجابة الدعوة ) .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
24-05-2009, 02:15 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
نتابع الآن مع حق جديد , و هو حق إجابة الدعوة .
بسم الله الرحمان الرحيم
أي مسلم ٍ تلتقي به له حقٌ عليك ، و هذا الحق الذي له عليك يصبح عليك واجباً ، ومن تعريفات الواجب أن فاعله يُثاب وتاركه يُعاقب ، ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه ، هذا هو الواجب ، فلذلك موضوع الحقوق موضوعٌ مصيري وموضوعٌ خطير تتعلق به سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة ،
تحدثنا عن هذه الحقوق عن حقٍ واحد هو حق النصيحة ، إن أخاك المسلم له عليك حق النصيحة ، وواجبٌ عليك أن تشير عليه ما أنت صانعٌ لنفسك في كل مجالات الحياة .
الآن ننتقل إلى حقٍ آخر من حقوق المسلم على المسلم إن هذا الحق هو إجابة الدعوة ، أخوك دعاك ، له حقٌ عليك أن تجيب دعوته ، وواجبٌ عليك أن تلبي هذه الدعوة ، فإجابة الدعوة حقٌ واجبٌ على المسلم لأخيه المسلم ، لماذا ؟
لأنها تحقق معنى الأُخوة ، والأُخوة من معانيها المساواة ،
والله سبحانه وتعالى يقول :
إِنَّما المُؤْمِنون َ إِخْوَة ٌ
من لوازم الأخوة في الله ، من لوازم الأخوة في الدين ، من لوازم الأخوة في الإسلام أن تجيب دعوة أخيك في شتى المناسبات ، وتلبية الدعوة أيها الإخوة إجابة الدعوة تحقق الأخوة وتزيد في الود وتصفِّي النفوس فيما بينها ،
الإسلام حث عليها واعتبر الممتنع عنها عاصياً ، عد الإسلام الممتنع عن تلبية الدعوة عاصياً ، والدليل ،
عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال : قال عليه الصلاة والسلام :
" ست خصالٌ واجبةٌ للمسلم على المسلم من ترك شيئاً منهن فقد ترك حقاً واجباً ، يجيبه إذا دعاه ، وإذا لقيه أن يسلِّم عليه ، وإذا عطس أن يشمِّته ، وإذا مرض أن يعوده ، وإذا استنصحه أن ينصح له
(رواه ابن حبَّان)
" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
لِلْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ سِتُّ خِصَالٍ يَعُودُهُ إِذَا مَرِضَ وَيَشْهَدُهُ إِذَا مَاتَ وَيُجِيبُهُ إِذَا دَعَاهُ وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ إِذَا لَقِيَهُ وَيُشَمِّتُهُ إِذَا عَطَسَ وَيَنْصَحُ لَهُ إِذَا غَابَ أَوْ شَهِدَ " *
( من سنن الترمذي )
ويعنينا من هذا الحديث الفقرة الأولى ، يجيبه إذا دعاه ، طبعاً يوجد أحاديث أُخرى بروايات أُخرى تشير إلى حقٍ سادس ألا وهو إذا مات أن يتبعه ، أي أن يشيعه .
"وعَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَك
(من صحيح مسلم)
في هذا الحديث إشارةٌ لطيفةٌ جداً إلى أن المراد من هذه الدعوة اللقاء ، هذا الذي لا يجيب الدعوة لأنه يعاني من حميةٍ قاسية كأن هذا الكلام يضمِّن أن الدعوة من أجل أن يأكل ويشرب ، الحديثٌ دقيقٌ جداً أن تأكل عند أخيك وأن تشرب شيئاً ثانوياً ، ولكن الشيء الأساسي هو أن تلتقي به ،
هذا اللقاء يضمن المودة ، والمحبة ، والأُلفة ، والتفاهم ،
هناك بعض الأشخاص يبنون قصوراً من الأوهام إذا تم اللقاء والتواصل ذابت هذه القصور من المشكلات ومن التصورات ومن الآلام ومن الغضب ، فيبدو أن اللقاء شيءٌ مهمٌ جداً في علاقات الأُخوة الإسلامية .
إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَك
(رواه مسلم)
العبرة أن تلتقي بأخيك ، وأخوك حينما يدعوك معنى هذا أنه يحبُّك ، ومعنى هذا أنه يتمنى أن تكون عنده في البيت ، معنى هذا أنه يتمنى أن يلتقي بك ، فاللقاء هو الأصل .
حديثٌ آخر :
"عن ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُجِبْ عُرْسًا كَانَ أَوْ نَحْوَهُ " *
( من صحيح مسلم )
فالآن أكثر الدعوات في عقود القِران ، أي أن الإنسان حينما يزوج ابنه ويرسل هذه البطاقات إلى إخوانه المؤمنين يتمنى أن يكونوا في هذا الاحتفال ، وقد يكون في هذا الاحتفال خيرٌ كبير ؛ ككلمةٌ تلقى أو نشيدٌ ينشد ، أو مدحٌ للنبي عليه الصلاة والسلام ، وهذا الحديث الآخر رواه مسلم .
"وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى لَهَا الأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ وَمَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " *
( من صحيح البخاري )
أي أنك إذا اخترت من المدعوين أُولي الغنى والوجاهة والشأن في المجتمع ، وأهملت المؤمنين الصادقين الذين تقع مرتبتهم أحياناً في الدرجة الثانية في المجتمع ، إن فعلت هذا فهذه الدعوة شرُّ أنواع الدعوات ، كيف ؟
عليك أن تذيب الفوارق بين المجتمع ، لك أقارب ، لك إخوة، لك أصدقاء ، لك إخوان في الله عزَّ وجل اُدعوهم جميعاً ، ولا تجعل أساس الدعوة الغنى ، ولا أساس الدعوة الوجاهة ، ولا أساس الدعوة علوً المرتبة الاجتماعية ،
ليس هذا من شأن المؤمن أبداً ، المؤمن أخو المؤمن ، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ، فيكفي ألا تدعوه إلى هذا الغذاء لأنه من الدرجة الثانية لأن لباسه وسط ، أنا داعي علية القوم وهذا يفسد الحفلة ،
"عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهم أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى لَهَا الأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ وَمَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "*
( متفقٌ عليه)
"وعن عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ عُمَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ دُعِيَ فَلَمْ يُجِبْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ دَخَلَ عَلَى غَيْرِ دَعْوَةٍ دَخَلَ سَارِقًا وَخَرَجَ مُغِيرًا " *
( من سنن أبي داود )
فالمؤمن ما لم يدعَ فلا ينبغي للمؤمن أن يُذل نفسه ، ولا ينبغي للمؤمن أن يذهب بلا دعوة ، أحياناً دعاك وحدك فجئت مع خمسة أولاد ، هو لم يهيئ نفسه لخمسة أولاد ، المكان محدود والكراسي محدودة والطعام محدود ، واختارك من بين مجموعة فدعاك فجئت مع أولادك كلهم ، هذا ليس من أخلاق المسلم ، أما إذا سمى أولادك واحداً واحداً بأسمائهم ، أو أعطاك بطاقاتٍ خاصةً لهم عندئذٍ الأمر طبيعي .
الآن نريد الحكم الشرعي في إجابة الدعوة .... نكمل لاحقا ً إن شاء الله تعالى .
Barbie
26-05-2009, 10:39 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
نتابع مع حق الدعوة , و لقد وصلنا إلى الحكم الشرعي ...
بسم الله الرحمان الرحيم
الحكم الشرعي في إجابة الدعوة ، لاشك أن هذه الأحاديث التي بين أيديكم ، هذه الأحاديث الستُ كلُّها تؤكد أن تلبي دعوة أخيك ، لكنكم تعلمون أن الأمر في القرآن والسنة إما أن يكون أمر وجوب و إما أن يكون أمر ندبٍ ، وإما أن يكون أمر إباحةٍ وإما أن يكون أمر تهديد ،
أمر الوجوب :
و َ أَقيموا ْ الصَّلاة َ
(سورة الروم: آية 31)
أمر الإباحة :
و َ كُلُوا ْ و َ اشْرَبُوا ْ حَتَّى يَتَبَيَّن َ لَكُم ُ الخَيط ُ الأبيَض ُ مِن َ الْخَيْط ِ الأَسْوَد ِ مِن َ الفَجْر ِ
(سورة البقرة: آية 187)
أي مباحٌ لكم الطعام لأن هذا أمر إباحة ،
أما أمر الندب :
و َ أَنْكِحوا ْ الأَيَامَى مِنْكُم ْ و َ الصَّالِحين َ مِن ْ عِبَادِكُم ْ و َ إِمَآئِكُم ْ
( سورة النور : آية " 32)
أمر التهديد :
فَمَن شآء َ فَلْيُؤْمِن و َ مَن شَآء َ فَلْيَكْفُر ْ
(سورة الكهف: آية 29)
سَأُوْريكُم ْ ءَايَاتِى فَلا تَسْتَعجِلُون ِ ( 37 )
( سورة الأنبياء )
فيا ترى هذه الأوامر التي وردت عن النبي عليه الصلاة والسلام في إجابة الدعوة هل هي أمر وجوب أم أمر ندب أم أمر إباحة أم أمر تهديد ؟
الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرح صحيح مسلم يقول : " لا خلاف أن المؤمن مأمورٌ بإجابة الدعوة " .
ولكن هل هو أمر إجابٍ أو ندبٍ ؟ هنا الخلاف ، هناك خلافٌ بين العلماء هل الأمر أمر إيجاب أم ندب ؟
عند السادة الشافعية هو فرض عين إذا قام به البعض يسقط عن الكل ، أي على كل مدعوٍ أن يلبي الدعوة ، ولكن يسقط هذا الواجب إذا كان له عُذرٌ شرعي ، عذر أي مسافر أو مريض ، بعضهم قال : و فرض كفاية ،
بعضهم قال : أنه مندوب في وليمة العرس ،
إلا أن العلماء اتفقوا على وجوب الإجابة في وليمة العرس ، واختلفوا في سواها ، وفي سواها أيضاً بين من يرى أنها واجبةٌ ومندوبة .
على كلٍ الملخص : إن إجابة الدعوة بين أن تكون فرض كفايةٍ وبين أن تكون فرض عين ، وبين أن تكون واجبةً وجوب إجاب ، وبين أن تكون واجبة وجوب ندب ، تتراوح أحكام إجابة الدعوة بين هذه النقاط الأربعة .
الآن يوجد عندنا سؤال دقيق ، إذا دعي الإنسان من زميلٍ له كتابي أي من أهل الكتاب ما رأي الشرع الشريف في إجابة مثل هذه الدعوة ؟
قال العلماء : " تجب هذه الإجابة لعموم الحكم الشرعي ، يجب عليك أن تجيب دعوة هذا الكتابي الذي دعاك إلى وليمة ".
وقال بعضهم : " إذا كان في هذه الوليمة منكرٌ وبإمكانك أن تزيل هذا المنكر فلبِّ الدعوة ، وإن لم يكن بإمكانك أن تزيل هذا المنكر فلا عليك ألا تلبي الدعوة " .
إذا كان هناك اختلاط ، أو يوجد تماثيل ، إذا يوجد فيه غناء أو أي شيء لا يرضي الله عزّ وجل فإذا كان بإمكانك أن تزيل هذا المنكر فلبي الدعوة ، وإن لم يكن بالإمكان ذلك لا عليك ألا تلبي هذه الدعوة ،
بعضهم قال :
" إذا قال لك الداعي : أمرني فلان أن أدعوك أنت بالذات ، فعليك أن تجيب " ، أما إذا قال: "أمرني فلان أن أدعو من أشاء وها أنا ذا قد دعوتك ، في مثل هذه الحالة لا عليك ألا تجيب".
يعني ترون من هذا الحكم أنك إذا ذهبت إلى هذه الدعوة ولم يكن فيها منكرات ، ولم يكن فيها معاصي ، ولم يكن فيها اختلاط ، ولم يكن فيها شرب خمر ، ولم تكن فيها مخالفاتٌ شرعية ، وبإمكانك أن تلبي هذه الدعوة من دون أن يُمَس دينك إطلاقاً فيجب أن تلبيها ،
أما إذا كان هناك منكرات وليس بالإمكان أن تزيلها ، وليس بالإمكان أن تأمر بالمعروف ولا أن تنهى عن المنكر ، فيجب عليك ألا تلبي هذه الدعوة ، هذا هو الحكم الشرعي .
قلنا : إن إجابة الدعوة فرض عين لا تسقط إلا بعذر ، ما هي الأعذار التي يمكن أن تسقط واجب إجابة الدعوة ؟
قالوا : " هي أعذار من يمتنع عن الصلاة في المسجد ، فإذا كان مريضاً ، أو يقوم بشأن مريض ، أو كان يجهِّز ميتاً ، أو يقوم بإطفاء حريق ، أو يخاف ضياع ماله ، أو في طريقه من يؤذيه ، هذه الأعذار تكون أعذاراً مقبولةً إذا دُعي الإنسان ولم يلبِّ الدعوة ".
يوجد نقطة ثالثة وهي أن هناك بعض الأعراس تستمر أياماً ثلاثة، فإذا كانت الوليمة ثلاثة أيام فدعيت في اليوم الأول وجب عليك الإجابة ، فإذا دعيت في اليوم الثاني لم تجب عليك الإجابة ، ولكن يُستحب أن تجيب هذه الدعوة ، فإذا دعيت في اليوم الثالث ليس لك أن تجيب هذه الدعوة هكذا قال عليه الصلاة والسلام في بعض الأحاديث الشريفة الذي رواه أحمد وأبو داود والترمذي قال :
" الْوَلِيمَةُ أَوَّلَ يَوْمٍ حَقٌّ وَالثَّانِيَ مَعْرُوفٌ وَالْيَوْمَ الثَّالِثَ سُمْعَةٌ وَرِيَاءٌ " *
(من سنن أبي داود )
يتبع لاحقا ً إن شاء الله تعالى ... مع المزيد من المعلومات .
Barbie
28-05-2009, 08:18 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
أيها الإخوة و الأخوات , نتابع بإذن ٍ من الله تعالى ,
بسم الله الرحمان الرحيم
الآن يوجد عندنا مشكلة ، أحياناً الإنسان يُدعى من جهتين أغلب الظن أن الإنسان يختار الأوجه يقول لك : هذه أدسم ، هذا أوجه ، فهنا يوجد عندنا حكم شرعي دقيق جداً ،
هذا الحكم يُزيل كل مشكلة ، يُزيل كل التباس ، مثلاً ، إذا دعاك اثنان إلى وليمتين ، فإن سبق أحدهما قُدِم الأول لسبقه ، دعاك إنسان على طعام متواضع جداً في مكان بعيد ،
بعد نصف ساعة جاءك إنسان من وجهاء المجتمع يدعوك إلى طعام نفيس ، ويوجد حضور من المستوى الرفيع ،
أنت كمسلم يجب أن تلبي الداعي الأول لسبقه ، وهذا هو الحكم الشرعي ، وتعتذر للثاني ،
أما إذا دعواك في وقتٍ واحد عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
" إِذَا اجْتَمَعَ الدَّاعِيَانِ فَأَجِبْ أَقْرَبَهُمَا بَابًا فَإِنَّ أَقْرَبَهُمَا بَابًا أَقْرَبُهُمَا جِوَارًا فَإِذَا سَبَقَ أَحَدُهُمَا فَأَجِبِ الَّذِي سَبَقَ "*
( مسند أحمد )
هكذا علمنا النبي عليه الصلاة والسلام ، ويوجد عندنا : إذا تساويا في الوقت وفي القرب أجب أقربهما رحماً ، أي دعواك في وقت واحد والبيتان في مسافة واحدة فأجب أقربهما رحماً .
الآن من دُعي إلى موضعٍ فيه منكر من زَمْرٍ أو خمرٍ فإن قدر على إزالته لزمه أن يحضر لوجوب الإجابة لإزالة المنكر ، ومن لم يقدر لم يحضر ،
فقد نهى أن يجلس الرجل على مائدة تدار فيها الخمر لما روي عَنْ جَابِرٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
"مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يَدْخُلِ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ إِزَارٍ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الْحَمَّامَ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا بِالْخَمْرِ"
( من سنن الترمذي )
يقول لك : أخي أنا والله لم أشرب . لا يكفي ، فقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن أن يجلس على مائدةٍ تدار عليها الخمر .
الآن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ*
( من سنن أبي داود )
دعاك وأنت صائم لكنك صائمٌ صيام فرض ، صيام الفرض شيء وصيام النفل شيء آخر ، مادمت صائماً صيام فرضٍ يجب أن تلبي وتصلي ،
أما إذا كنت صائماً صيام نفلٍ النبي عليه الصلاة والسلام استحب لك أن تفطر إكراماً لأخيك ، أخوك دعاك وتكلف لك وتقول إني صائم ، فإكراماً له أن تفطر فعَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ " *
(من صحيح مسلم)
ليس القصد أن تأكل إنما القصد أن تكون عند أخيك ، ربما كان وجودك في بيت أخيك يُدخل على قلبه السرور ، يوجد أشخاص محميين، يوجد أشخاص عندهم نظام قاسٍ في الغذاء ، يوجد أشخاص عندهم أمراض في جهاز الهضم ، يوجد أشخاص لهم طعام خاص ، يوجد أشخاص يؤثرون عدم تناول الطعام إلا بشكل معين ، فهذا إذا دعي يجب أن يلبي من دون أن يُحْرَج .
* المستحب لمن دعي إلى طعام وانتهى من الطعام أن يدعو لصاحب الطعام ، عن عبد الله بن الزبير أنه قال :
"أَفْطَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَقَالَ: أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبْرَارُ وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلائِكَةُ *
(من سنن ابن ماجة )
قل له كما قال النبي :
" أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبْرَارُ وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلائِكَةُ الإخيار وذكركم الله فيمن عنده " .
.... نكمل لاحقا ً إن شاء الله تعالى , مع بعض آداب إجابة الدعوة .
و لكن لدَيَّ استفسار لمن يعرف ,,,, ورد أعلاه في الحديث :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ*
( من سنن أبي داود )
دعاك وأنت صائم لكنك صائمٌ صيام فرض ، صيام الفرض شيء وصيام النفل شيء آخر ، مادمت صائماً صيام فرضٍ يجب أن تلبي وتصلي ،
ما المقصود بهذه الجملة ؟؟ كيف تلبي و تصلي ؟
و بارك الله بكم .
Barbie
31-05-2009, 01:58 AM
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم
الآن من آداب إجابة الدعوة كما جاء في الإحياء :
أول أدب : ألا يميز الغنى بالإجابة عن الفقير ، من آداب إجابة الدعوة أن تجيب دعوة أي إنسان ، أي أخ مؤمن ، أي أخ مسلم ، ألا تميز بين الغني والفقير ، التميز بين الغني والفقير نوعٌ من التكبر .
سيدنا الحسن بن علي رضي الله عنهما مر بقومٍ من المساكين الذين يَسألون الناس على قارعة الطريق ، وقد نشروا كِسراً ، أي خبزاً يابساً فقط ،
على الأرض في الرمل وهم يأكلون ، وهو على بغلته فسلم عليهم فقالوا له :
" هَلُمَّ إلى الغذاء يا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : نعم إن الله لا يحب المستكبرين ، فنزل وقعد معهم على الأرض وأكل ثم سلم عليهم وركب ،
بعد أن ركب قال : قد أجبت دعوتكم فأجيبوني ، قالوا : نعم ، فوعدهم وقتاً معلوماً فحضروا فقدَّم لهم فاخر الطعام ، وجلس يأكل معهم ".
من آداب إجابة الدعوة أن تمتنع عن إجابة دعوةٍ الطعام فيها مشبوه ، تعرف إنساناً ماله كلّه حرام ، هنا يوجد مشكلة ، أو يوجد منكرات ، أو يوجد مخالفات ، أو يوجد معاصي ، أو يوجد شيء لا يرضي الله عزَّ وجل، يوجد مزامير يوجد ملاهي ، اختلاط ، هزل ، لعب ، كذب ، نميمة غيبة ، هذه الدعوات لا تبال بها إطلاقاً ،
أنت مؤمن طاهر ، يجب أن تلبي دعوةً نظيفة ، فيها طهر ، فيها تقوى ، فيها ورع ، فيها خوف من الله عزَّ جل ،
لذلك النبي هكذا نصحنا فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
" لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنًا وَلا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِي
ٌّ)من سنن الترمذي)
وإلا تندم على ذلك ،
أدب آخر : ألا يقصد من إجابة الدعوة قضاء شهوة البطن ، أخي فلان نريد أن نذهب عنده لأن أكلاته طيبين ، فلان عنده أكل مرتب ، فلان دعوة دسمة غميقة ، هذا كلام كلّه كلام العوام ، كأنك بهذه الدعوة تريد _أن تقضي شهوة بطنك ، فليس هذا من أخلاق المؤمن .
ما النية إذاً ؟ النية أن تجيب هذه الدعوة إكراماً لأخيك المؤمن لقول النبي عليه الصلاة والسلام :
" من أكرم أخاه المؤمن فكأنما أكرم ربه ".
في حديث آخر :
" من سرَّ مؤمناً فقد سرَّ الله عزَّ وجل ".
من آداب الحضور أنه من التواضع لله عزَّ وجل الرضا بالدون من المجلس .
من آداب المسلم أن يجلس حيث ينتهي به المجلس ، هذا الأدب الأول في إجابة الدعوة فإن من التواضع لله عزَّ وجل الرضا بالدون من المجلس .
من آداب إجابة الدعوة أيضاً ألا تجلس مقابل باب يمكن أن يرى منه النساء ،
أيضاً غسل اليدين قبل الطعام وبعده من سنة النبي عليه الصلاة والسلام :
" بركة الطعام الوضوء قبله وبعد ".
فصاحب الطعام يجب أن يغسل يديه قبل كل واحد ، في بداية الطعام وآخرهم بعد نهاية الطعام ، هكذا الأدب .
بعضهم قال : " من دعانا فأبينا فله الفضل علينا ، وإذا نحن أجبنا رجع الفضل إلينا ".
و بعضهم قال :
قم إذا ما الضيف جاءك وامنح الضيف غذاءك
وأجل من وجهك مرآةً.. .... يرى فيها صفاءك
إن يهُن عندك ضيفٌ .. ....يكن الهون جزاءك
أي أن من صفات المؤمن إكرام الضيف .
والحمد لله رب العالمين ... يتبع إن شاء الله تعالى مع حق عيادة المريض .
Barbie
31-05-2009, 08:43 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العلمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
اليوم ننتقل إلى حق ٍ ثالث من حقوق المسلم على المسلم ألا وهو عيادته إذا مرض .
هناك إخوةٌ كرام كثيرون لا يُقيمون قيمةً لهذا الحق ، ولا يعرفون قيمة عيادة المريض إلا إذا مرضوا ومضى يومان وثلاثة وأربعة أيام ولم يأتهم أحد ، يقول : أهذا شأني عند إخواني ؟ أهذا شأني عند المؤمنين ؟
المريض من أشد الناس حاجةً إلى المواساة ، المريض من أشد الناس حاجةً إلى من يؤنسه ، إلى من يدعوه إلى الصبر ، إلى من ؟ إلى من يعطيه شحنةً روحيةً يُعينه على تحمل المرض ،
فلذلك النبي عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة جداً وصحيحة حضنا على عيادة المريض .
بادئ ذي بدء عيادة المريض كما ذكرت قبل قليل ، حقٌ من حقوق المسلم على أخيه المسلم ، ولكن بالمعنى الفقهي الدقيق ، عيادة المريض سنةٌ مؤكدة ، كلكم يعلّم أن في الدين فرضاً، وفي الدين ندباً ، وفي الدين مباحاً ، وفي الدين كراهةً ، وفي الدين حراماً ، فالشيء المندوب ، أو السنة المؤكدة أو غير المؤكدة ، هذا بين المباح وبين الفرض ،
فعيادة المريض بالتعريف الدقيق الفقهي ، حكمها الفقهي سنةٌ مؤكدة ، ما معنى سنةٌ مؤكدة ؟ أي فعلها النبي كثيراً وتركها قليلاً ، ما معنى سنة غير مؤكدة ؟ أي فعلّها قليلاً وتركها كثيراً ،
فعيادة المريض سنةٌ مؤكدةٌ عند جمهور العلماء ، كلمة جمهور تعني أي عند أكثر العلماء، وقال عليه الصلاة والسلام:
" لا تجتمع أمتي على خطأ ".
عيادة المريض سنةٌ مؤكدةٌ عند جمهور العلماء بقول ابن عباسٍ رضي الله عنهما :
" عيادة المريض أول يوم سنة وبعد ذلك تطوع ".
إذاً يفهم من هذا الحديث أنه ينبغي أن تعود المريض في أول يوم ، لأن الصبر عند الصدمة الأولى ، والصابر يفعل في أول يومٍ من المصيبة ما يفعله الجاهل في اليوم الثالث ،
في اليوم الثالث يقول الجاهل : ماذا نريد أن نفعل ، هذا أمر الله ، بعد ما سب ، وطبش وكسر ،
هذا الصبر عند الصدمة الأولى ، يبدو أن تعود المريض في أول يوم هذا أفضل عند الله عزَّ وجل من أن تعوده بعد أن يبُلَّ من مرضه ، وبعد أن يغادر الفراش ، وبعد أن يذهب إلى عمله ، ليس هناك معنى لهذه العيادة في ذلك الوقت المتأخر .
الإمام البخاري يقول : " العيادة واجبة " .
وقال : " إنها فرض كفاية " أي إذا قام به البعض سقط عن الكل ،
لحديث أبي موسى الأشعري أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :
" أَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَعُودُوا الْمَرِيضَ وَفُكُّوا الْعَانِي
َ ( صحيح البخاري )
فكيف عرف الإمام البخاري أن عيادة المريض فرض كفاية ؟
من قول النبي الكريم : " وَعُودُوا الْمَرِيضَ " .
لأن هذا الأمر موجهٌ إلى مجموع الأمة ، إلى مجموع المؤمنين ، إلى مجموع المسلمين ، فإذا قام به بعضهم سقط عن بعضهم الآخر ، من هنا استنبط الإمام البخاري أن عيادة المريض فرضٌ ولكنها فرض كفايةٍ و ليست فرض عين .
يتبع بإذن الله تبارك و تعالى .... تجنبا ً للإطالة .
Barbie
02-06-2009, 05:23 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
نكمل بفضل الله سبحانه و تعالى .
بسم الله الرحمان الرحيم
و لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال :
" خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ رَدُّ السَّلامِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِز
ِ ( أخرجه الشيخان واللفظ لمسلم )
النبي عليه الصلاة والسلام في حديثٍ قال : تجب ، وفي حديثٍ أمرنا أن نعود المريض ، استنبط العلماء أن النبي عليه الصلاة والسلام يحضُّ أصحابه على أن يعود بعضهم بعضاً لعظم هذا العمل ولشدة مثوبته عند الله عزَّ وجل ، و إلا فهو في النهاية مندوب ، والمندوب بين المباح وبين الفرض .
لكن الآن يوجد عندنا تفصيل ، عيادة بعض المرضى فرضٌ كفرض الصلاة ، الوالدان الذين يلوذون بك ، الذين ليس لهم أحدٌ سواك ،
في حق البعض فرضٌ وفي حق البعض حقٌ ، من تستفيد من عيادته ، وفي حق البعض عملٌ صالح إذا راعيت حاله ،
وفي حق البعض مباح ، أي شخص بعيد عنك ، ليس في حاجةٍ إليك ، ولست في حاجةٍ إليه ، ولا ترجو منه شيئاً ولا يرجو منك شيئاً ، لا ترجوه ولا يرجوك ، ولست بحاجته ، وليس في حاجتك ، ولا ينتمي إلى مبدئك ولا إلى كذا فهذا عيادته مباحة ،
أما والداك ، إخوانك في الله هؤلاء يرتقي أمر عيادتهم إلى مرتبة الواجب ، وهناك بعضهم إلى مرتبة الحق ، و بعضهم إلى مرتبة العمل الصالح ، هذا تفصيل العيادة ،
يقول عليه الصلاة والسلام :
"وَعُودُوا الْمَرِيضَ".
هذه الألف واللام ، ألف ولام الجنس ، يعني أي مريض ، فلا تظن المريض هو الذي أقعده المرض في الفراش ، لو أنه شكا من عينيه هذا يُعاد ، لو أنه شكا من جلده هذا يُعاد ،
والدليل النبي عليه الصلاة والسلام عاد كما يقول أحد أصحابه وقد أصابه رمد أي ألم في عينيه فعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ :
"عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِعَيْنِي "*
(سنن أبي داود)
الحقيقة ليس القصد عيادة المريض أن تزوره وأن تسأل خاطره ، وأن تسأله عن صحته، وعند من تطبب ، وما الدواء الذي أخذه ، وخاطرك مع السلامة ، ليس هذا هو المقصود من عيادة المريض ، قال المقصود من عيادة المريض :
" تعهٌّده ، وتفقد أحواله وإيناسه والتلطف به "،
يجب أن تؤنسه ...
قد يكون مضطراً إلى أن يفعل شيئاً أساسياً في حياته أقعده المرض عن ذلك ، إذاً عيادة المريض تعني ، تفقد أحواله ، التلطف به ، إيناسه ، تعهد حاجاته ، هذا معنى عيادة المريض .
يتبع إن شاء الله تعالى مع المزيد .
Barbie
03-06-2009, 11:00 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
نتابع مع المزيد بإذن الله تعالى .
بسم الله الرحمان الرحيم
النبي عليه الصلاة والسلام في بعض الأحاديث القدسية
يروي هذا الحديث عن رب العالمين ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ :
" يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي ..."
كيف نفهم هذا الحديث ؟ الله سبحانه وتعالى نسب المرض إليه مجازاً تكريماً للمريض :
" يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي . قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟!! قَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ " .
لوجدت الثواب عنده ، لوجدت الراحة عنده ، لوجدت الأنوار عنده ، لوجدت تجلي رب العالمين عنده .
" يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي .
قَالَ : يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟!!
قَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي "
في العيادة لوجدتني عنده، في الإطعام لوجدت ذلك عندي .
" يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي . قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟!!
قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي * " .
( رواه مسلم )
هل بعد هذا الحديث حديث يدفعنا إلى عيادة إخواننا في الله ، يدفعنا إلى عيادة أقاربنا ،
حتى القريب الذي لا ترجو منه هِدايةً ، لو عدته في مرضه لرأيته في حالٍ آخر ، لرأيته قد صفت نفسه ، ورقَّت روحه ، وصار قريباً من أي حديثٍ ديني ،
وهو في قوته وشدته ، قد يكون أبعد الناس عن هذا الحديث وعن هذا الموضوع ،
قد يقول لك : دعنا من هذا الحديث ، ولكنك إذا زرته وهو مريض لرأيت منه استجابةً لا تصدق ، لذلك النفس عند المرض ترق ، تصبح شفافة ، تصبح قريبةً من الله عزَّ وجل ، لأنه في أثناء العلاج ، الإنسان في المرض يشعر بضعفه ، وخلق الإنسان ضعيفاً ،
المرض من نعم الله على الإنسان ، لو أن الإنسان لم يمرض إطلاقاً لظن أنه قوي ، ولكن هذا المرض يحجمه يعطيه حجمه الحقيقي ، يجعله عبداً لا يقوى على شيء ذهبت قوته ،
انهارت قِواه ما هذا المرض ؟
والله الذي لا إله إلا هو لو كشف الغطاء يوم القيامة لرأيت أن المرض من نعم الله الكبرى على الإنسان ، لعل المرض هو الذي حثه على التوبة ، لعل المرض هو الذي عرفه بعبوديته ،
لذلك الكافر يعلو ويعلو ويعلوا ، إلى أن تدق رقبته في أيام ، أما المؤمن كلما غفل رده الله ، أما الكافر خطه البياني يصعد صعوداً حاداً وهو يعتدُّ بنفسه ويظن أنه لا أحد يستطيع أن يزحزحه عن مكانه ، أياماً معدودة ، فإذا هو في أسفل سافلين ،
أما المؤمن له ترتيبٌ آخر ، كلما زلت قدمه جاءه العلاج ، كلما جاءه خاطر جاءه العلاج ، كلما غفل جاءه العلاج ، هذا من رحمة الله بالمؤمنين ،
المؤمن سنبلة تأتي الرياح فتميلها ثم تعود ، ولكن الكافر كالشجرة العملاقة تأتي الرياح فتستأصلها من جذورها ، وينتهي الأمر .
إذاً حينما أضاف الله المرض إلى ذاته ، هذا تكريمٌ للمريض ، وتشريفٌ له وحينما قال : " وجدتني عنده " أي وجدت ثوابي وكرامتي في عيادة المريض ،
لذلك بعد هذا الدرس لا ينبغي لواحدٍ منا أن ينسى أو أن يغفل عن عيادة أخٍ أو قريبٍ أو جارٍ ،
وتروي الأخبار أن النبي عاد جاره اليهودي ، وكان يؤذيه كل يوم ، انقطع الأذى أيام فتوقع أنه مريض ، فعاده وكانت هذه العيادة سبباً في إسلامه .
سيدنا أبو حنيفة كان له جار مغنٍ وكان يزعجه طوال الليل ، كل يوم يغني ، ويضرب على العود ويقول :
أضاعوني وأي فتىً أضاعوا ليوم كريهةٍ وطعان خلسي
فلما ألقي القبض عليه وسيق إلى السجن ، ذهب أبو حنيفة بنفسه إلى صاحب السجن وتوسل له ، وأخرج صاحب السجن كل من السجن إكراماً لمقدم أبي حنيفة ،
وفي طريق العودة قال : يا فتى هل أضعناك ؟ تقول :
أضاعوني وأي فتىً أضاعوا ليوم كريهةٍ وطعان خلسي
فكانت هذه الزيارة سبب توبته ، ويبدو أنه يلحق بهذه أن تزور إنساناً فقد حريته ، أيضاً هذه الزيارة لها وقعٌ كبير ، في أعلى درجة من درجات الصفاء ، والإنابة إلى الله ،
أي أن كلماتك عن الله عزَّ وجل تأتيه كالبلسم ، تأتيه كالدواء ، تأتيه كالماء على عطش شديد ، فإذا أكرم الله عزَّ وجل أحداً بالإيمان لا يضن بوقته وبزياراته وبأحواله وبعلمه على هؤلاء المرضى ، أو هؤلاء الذين فقدوا حريتهم .
نكمل لاحقا ً إن شاء الله تبارك و تعالى .
Barbie
05-06-2009, 12:47 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم
عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال :
" إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا عَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ "*
قيل : " يا رسول الله وما الخرفة ؟ الخرفة على وزن غرفة . فقال عليه الصلاة والسلام ، جناها، يعني ثمارها "
( صحيح مسلم )
أي ليس في الجنة فقط بل يأكل من ثمار الجنة ، ليس في الجنة فحسب بل يأكل من ثمار الجنة هذا إذا عاد الإنسان مريضاً .
وعن عليٍ كرم الله وجهه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
"مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً ( أي صباحاً ) إِلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إِلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ " *
( حَدِيثٌ حَسَنٌ رواه الترمذي )
إن عدته صباحاً صلَّت عليك الملائكة أي شعرت بالسعادة ، وإن عدته مساءً صلَّت عليك الملائكة أي شعرت بهذه السعادة التي تلقيتها من صلاة الملائكة عليك ، والخريف هو الثمر المخروف في الجنة المجتنى .
الآن ما هي آداب عيادة المريض ؟
قال : أولاً : يستحب لعائد المريض أن يدعو له بالشفاء ، وأن يأمره بالصبر لحديث عائشة بنت سعد بن أبي وقاص ، أن أباها قال :
" اشْتَكَيْتُ بِمَكَّةَ فَجَاءَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِي ثُمَّ مَسَحَ صَدْرِي وَبَطْنِي ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا وَأَتْمِمْ لَهُ هِجْرَتَهُ "*
( سنن أبي داود )
وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :
"مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَقَالَ عِنْدَهُ سَبْعَ مِرَارٍ : أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ إِلا عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ "*
(أخرجه أبي داود والترمذي)
أي إذا ابتهلت إلى الله ابتهالاً شديداً ، وكنت محباً لهذا الأخ ودعوت الله أن يشفيه لعل الله عزَّ وجل يظهر له كرامتك عنده وكرامته عنده وأن يشفيه بهذا الدعاء ، لذلك دعوة الأخ لأخيه لا ترد .
وعن عائشة أن النبي عليه الصلاة والسلام :
" كَانَ يُعَوِّذُ بَعْضَ أَهْلِهِ يَمْسَحُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَيَقُولُ : اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ الْبَاسَ اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي لا شِفَاءَ إِلا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا "*
(رواه الشيخان البخاري ومسلم ، متفقٌ عليه)
هذا الدعاء النبوي إذا زرت مريضاً فقل :
" اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ الْبَاسَ اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي لا شِفَاءَ إِلا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا ". أي مرضاً .
وعن أبي عبد الله عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أنه شكا إلى النبي عليه الصلاة والسلام وجعاً في جسده فقال له :
"اجْعَلْ يَدَكَ الْيُمْنَى عَلَيْهِ وَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ سَبْعَ مَرَّاتٍ فَقُلْتُ ذَلِكَ فَشَفَانِيَ اللَّهُ "*
( سنن ابن ماجة )
هذا من أدب الذي يعود المريض أن يدعو له بالشفاء ، ودعاء الأخ لأخيه لا يرد ، ولعل الله يُظهر كرامتك عنده ، ولعل الله يظهر كرامة المريض عندك ، ولعل الله يظهر هذا الحب بينكما ، إذاً إذا عدت مريضاً فادعُ له بالشفاء ، بأية لغةٍ تشاء ، أو بهذا الدعاء الذي دعا به النبي :
"اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ الْبَاسَ اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي لا شِفَاءَ إِلا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا ".
وكان عليه الصلاة والسلام يقول :
" لا بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ."*
( صحيح البخاري )
الشيء الثاني : يستحب للزائر أن يضع يديه على مكان المرض ويسمي الله تعالى ويدعو للمريض لما تقدم ، ويستحب للزائر أن يطيب نفس المريض بإطماعه في الحياة ، أن ينفس له في الأجل ، ...
يتبع إن شاء الله تعالى .
Barbie
06-06-2009, 04:21 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم
الآن يوجد شيء جديد في آداب العيادة ،
يستحب لعائد المريض أن يطلب منه الدعاء ، قال : " فإن دعاء المريض مستجاب "، لحديث أنس بن مالك أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :
"عودوا المرضى ومروهم فليدعوا لكم فإن دعوة المريض مستجابةٌ وذنبه مغفور".
لأنه رقيق قريب من الله عزَ وجل ، دائماً المريض تجده صافياً ، ويستحب تخفيف العيادة ،
النبي الكريم عيرها قال :
" فُوَاقَ نَاقَةٍ "*
" العيادة فُوَاقَ نَاقَةٍ "* أي مقدار حلب ناقة عشر دقائق ، تخفيف العيادة وعدم تكريرها ، إلا إن رغب المريض ذلك في حالات خاصة ،
يوجد عندنا موضوع شكاية المريض ، فالمريض له الحق في أن يقول مثلاً : لم أنم البارحة طوال الليل ، آلام لا تطاق مثلاً . ما حكم هذا في الشرع ؟
قال : " لا بأس أن يخبر المريض بما يجده من ألمٍ لا على سبيل الضجر والسخط مبتدأ بحمد الله تعالى " يقول : الحمد لله أشعر كذا كذا ، يؤلمني كذا وكذا ...
إذا شكر قبل أن يشتكي فلا يشتكي ، فهذا ليس شكوى .
" إذا كان الشكر قبل الشكوى فليس بشاكٍ”
(أخرجه الشيخان)
قال : إن الألم لا يقدر أحدٌ على رفعه والنفوس مجبولةٌ على وجدان ذلك فلا يستطاع تغيرها عما جبلت عليه ، وإنما كلّف العبد ألا يقع منه في حال المصيبة ماله سبيلٌ إلى تركه ، كالمبالغة في التأوّه والجذع الزائد ".
النبي عليه الصلاة و السلام بكى حينما مات ابنه إبراهيم ، فقالوا : أتبكي !! فقال :
"نعم ، إن العين لتدمع وإن القلب ليخشع ولا نقول ما يسخط الرب وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون " .
هذا موقف النبي عليه الصلاة والسلام ، أي أن الصبر ليس معناه أن تصبح إنساناً آخر كالحجر ، لا أنت بشر من لحمٍ ودم ، والألم ليس مخالفاً للسنة ،
ولكن الذي يخالف السنة أن تضجر ، أن تكفر ، أن تتذمر ، كأن تقول : ماذا فعلت ؟ أن تقول كلام يتناقض مع الإيمان ، أما الألم مع الرضا هذا مقبول .
أيضاً هناك شيء آخر ، هناك من يشكو إلى الله وهناك من يشكو على الله ، إذا شكوت إلى مؤمن فإنما تشكو إلى الله ، وإذا شكوت إلى كافر فكأنما تشكو على الله ،
قال الشاعر :
وإذا عراك بليةٌ .. فاصبر لها
صبر الكريم ... فإنه بك أعلم
وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما
تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم
أي أن من أكمل المواقف أن تكون شكواك إلى الله وحده ، أما إذا شكوت إلى مؤمن فهذا من قبيل التنفيس ، والشكوى إلى مؤمن شكوى إلى الله ، بينما الشكوى إلى كافر هي شكوى على الله .
الحديث الشريف الذي أخرجه الشيخان والنسائي
فعن أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْه
ُ ( صحيح البخاري )
معناها أنت مطموع فيك ، معناها أنت قابل للتربية ، معناها أنت غالٍ على الله ، معناها أنت فيك خير كبير جداً ، معناها أنت قريب كثيراً من الحق ،
فهذا المرض جاء ليدفعك إلى بابه الكبير ،
أما الميؤوس منه ، خارج الاهتمام ، خارج المعالجة هذا :
فَلَمَّا نَسُوا ْ مَا ذُكِّرُوا ْ بِه ِ فَتَحْنَا عَلَيْهِم ْ أَبْوَاب َ كُل ِّ شَىْ ءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا ْ بِمَآ أُوتُوا ْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَة ً فَإذا هُم مُّبْلِسُون َ ( 44 )
( سورة الأنعام : آية " 44 " )
وعن مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
" إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ فَمَنْ صَبَرَ فَلَهُ الصَّبْرُ وَمَنْ جَزِعَ فَلَهُ الْجَزَعُ "*
إذا صبرت فهذا دليل نجاحك في الإيمان .
وعن عَائِشَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا * ( صحيح البخاري )
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
" مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ وَلا هَمٍّ وَلا حُزْنٍ وَلا أَذًى وَلا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ "*
( رواه أحمد والشيخان )
أعتقد أحاديث كافية جداً أن الإنسان يقبل المرض ، وأن يصبر عليه وأن يعود المريض .
يتبع بإذن الله مع حق جديد .
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
08-06-2009, 02:42 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
نتابع إخوتي و أخواتي مع حقوق المسلم على المسلم ... و اليوم سوف نبدأ بحق جديد (( رد السلام ))
بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله رب العلمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ...
حقٍ آخر من حقوق المسلم على المسلم ألا وهو رد السلام .
قد يبدو لكم بادئ ذي بدء أن موضوع السلام ، إلقاء السلام ، رد السلام شيءٌ جزئيٌ في الإسلام ، ولكن الأحاديث الصحيحة تنبئ بأهمية البدء بالسلام ورد السلام ،
وسوف ترون بعد قليل كيف أن موضوع السلام في الإسلام شيءٌ يشغل حيزاً كبيراً ، وقبل الدخول في هذا الموضوع لا بدّ من مقـدمة .
الإنسان أيها الإخوة ... له حياةٌ فردية ، له حياةٌ عضوية ، له حياةٌ نفسية ، له حياةٌ عقلية ؛
* يعيش مع عقله ، يفكر يدرس ، يبحث ، يطلب الأسباب ، يطلب البراهين يقتنع ، لا يقتنع، يقبل ، يرفض ، هذه حياة عقلية متعلِّقة بالفكر والحقائق ، والدراسة ، والتأمل ،
والقبول ، والرد ، والرفض ، والبرهان ، وعدم البرهان ، والصحة ، والفساد ، والبُطلان ، هذه حياة عقلية ، لكل واحد منا حياته العقلية ، ولعقله مستوى .
* والإنسان له حياة نفسية ؛ يغضب ، يحزن ، يتفاءل ، يتشاءم ، ينشأ في نفسه صراع ، له طموحات ، يُحِس بالانقباض ، يُحس بالانشراح ، يشعر بالسعادة ، يشعر بالضيق ، هذه حياة نفسية .
* وله حياة عضوية ؛ يأكل ، ويشرب ، ويهضم الطعام ، وله جهاز دوران ، وجهاز هضم ، وجهاز إفراز ، وجهاز عضلي ، وجهاز عظمي ، له غدد صماء ، وله أجهزة ، وله عضلات ، ويعتريه عطب ، وكما يعتريه مرض ، ويتمتع بصحة .
* وله حياةٌ اجتماعية ؛ الإنسان اجتماعي ، الله سبحانه وتعالى فطره فطرةً اجتماعية ، يُعبر عنها الناس بكلمات ، من هذه الكلمات: " الجنة بلا ناس لا تنداس " .
الإنسان يأنس بأخيه الإنسان ، فلو نام إنسان في بيتٍ وحده يشعر بالوحشة، لو سافر وحده يشعر بالوحشة ، الإنسان مفطور على الاجتماع ، رُكبت الطبيعة الاجتماعية في فطرته .
ويبدو أن الله سبحانه وتعالى ، خلق الإنسان ذا طبعٍ اجتماعي لأهدافٍ كثيرة ،
منها أن إعداده للآخرة لا يكون إلا عن طريق الحياة الاجتماعية ، كيف يرقى الإنسان لو كان يعيش وحده ؟
إذا عاش مع الناس يظهر كرمه ، يظهر بخله ، يظهر صدقه ، يظهر كذبه ، يظهر حرصه، يظهر إهماله ، تظهر شجاعته ، يظهر وفاؤه ، يظهر إخلاصه وكل الفضائل التي يمكن أن تسعدك في الجنة وإلى الأبد ، لا تكون إلا وسط المجتمع ، كل الفضائل التي يمكن أن تسْعَد بها إلى أبد الآبدين لن تنمو ولن تظهر إلا في جوٍ من الحياة الاجتماعية ،
لذلك نظام الأسرة اجتماع هكذا رتب الله الحياة ؛إذاً حينما خلّق الله الإنسان خلقه بجبلة اجتماعية ، هذا التعايش مع الناس ، هذا النظام الاجتماعي يحتاج إلى ضوابط ،
فخالق الكون الذي أبدع وأتقن حينما خلق الإنسان شرع له هذه الضوابط ، فأنت في حياتك الاجتماعية إما أن تكون أسعد الناس بها ، وإما أن تكون أشقى الناس بها ،
أي أن المجتمع إما أن يكون مصدر سعادةٍ لك كأن يكون تفاهم زوجي مثلاً ، تفاهم بين الأب وأولاده ، ومع التفاهم محبة ، مع المحبة تضحية ، مع التضحية مؤاثرة ، فتغدو هذه الأسرة قطعةً من الجنة ؛
وقد تغدو هذه الأسرة قطعةً من النار ، بالتباغض ، والشحناء ، والبغضاء ، والكيد ، زوجة مشاحنة ، والزوج يريد أن يغيظ زوجته فيبحث عن الطريقة التي يؤلمها به ، وتبحث هي عن الطريقة التي تؤلمه بها ، والأولاد في واد ، والأب في واد ،
فبينما يجب أن تكون الأسرة مصدر سعادةٍ لأفرادها ، إذاً الأمر ينعكس فتغدو هذه الأسرة مصدر شقاءٍ لأفرادها ، فالحياة الاجتماعية ليس فيها حل وسط ، إما أن تكون سعيداً بها ، وإما أن تكون شقياً .
فلأن الإنسان كائنٌ اجتماعي لا بدَّ من أن يشرع الله له تشريعاً يضمن سعادته في ظل المجتمع ، لذلك حقوق المسلم على المسلم تشريعات شرعها الخالق ،
سيدنا سعد حينما قال : " ثلاثة أنا فيهن رجل وفيما سوى ذلك فأنا واحدٌ من الناس ، ما سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حقٌ من الله تعالى ".
أي أن هذا الكلام للنبي الكريم يشير إلى العلاقات الاجتماعية ، و حقوق المسلم على المسلم تعني بحال أو بآخر أن هذا من عند الله عزَّ وجل ، هذا بإلهام الله عزَّ وجل ، بوحيٍ من عند الله ، فأنت حينما تقرأ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المتعلِّق بالحياة الاجتماعية فأنت تقرأ تعليمات الخالق فيما يتعلق بعلاقتك بمجتمعك هكذا .
نكمل لاحقا ً إن شاء الله تعالى لنتحدث عن أصول العلاقات الإجتماعية ... أو أصول حقوق المسلم على المسلم .
Barbie
10-06-2009, 05:30 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم , نتابع اليوم مع الحق الجديد (( رد السلام )) .
من تعليمات الخالق الصانع التي جاءتنا عن طريق النبي عليه الصلاة والسلام هذان الحديثان الشريفان اللذان هما أصلان من أصول العلاقات الاجتماعية ، أو من أصول حقوق المسلم على المسلم ،
فعن أبي هريرة أن رسول صلى الله عليه وسلم قال :
" حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلامِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ " *
( صحيح البخاري )
وروى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
" حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ . قِيلَ : مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَسَمِّتْهُ وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعه " *.
( صحيح مسلم )
وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعه : أي شيِّعه .
الآن ربما استغرق موضوع السلام وقتاً طويلاً ، وسوف ترون معي بعد قليل كيف أن هذا الموضوع خطير جداً ،
فربما كان إلقاء السلام سبباً من أسباب التفاهم الاجتماعي ، ربما كان إلقاء السلام والردّ بالسلام سبباً في شيوع السلام بين الناس ، ربما كان تبادل السلام سبباً لهذه المودة والمحبة التي يجب أن تكون بين الناس ،
الله سبحانه وتعالى يقول :
و َ إِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّة ٍ فَحَيَّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَو ْ رُدُّوهَا إِن َّ الله َ كَانَ عَلَى كُل ِّ شَىْءٍ حَسِيبا ً ( 86 )
( سورة النساء )
الحكم الفقهي أن إلقاء السلام سنة ورد السلام واجب بل هو فرض لقوله تعالى :
و َ إِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّة ٍ فَحَيَّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَو ْ رُدُّوهَا
فحيوا هذا أمر ، والأمر في القرآن يقتضي الوجوب بأحسن منها قال لك : السلام عليكم، تقول له : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، قال لك : أسعد الله صباحك ، تقول له : أسعد الله جميع أوقاتك ،
أي :
و َ إِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّة ٍ فَحَيَّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَو ْ رُدُّوهَا إِن َّ الله َ كَانَ عَلَى كُل ِّ شَىْءٍ حَسِيبا ً ( 86 )
( سورة النساء )
بل إن رد السلام على أهل الذمة أو على أهل الكتاب واجب ، كالرد على المسلمين تمسكاً بعموم الآية ،
وهذا قول ابن عباس : والشعبي و قتاده .
إن الله عزّ وجل حينما حدثنا عن سيدنا إبراهيم قال :
و َ لَقَد ْ جَآءَت ْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيم َ بِالبُشْرَى قَالُوا ْ سَلَامَا ً قَال َ سَلَام ٌ فَمَا لَبِث َ أَن جَآء َ بِعِجْل ٍ حَنِيذ ٍ ( 69 )
( سورة هود )
قالوا : سلاماً ، أي سلَّموا سلاما ، قال : سلامٌ ،
قال العلماء : إن كلمة سلام أبلغ من سلاما ، لأن سلاما مفعول مطلق لفعلٍ محذوف ، أُسلمُ سلاماً ،
والمفعول المطلق مع الفعل المحذوف يؤلف جملة فعلية ، والجملة الفعلية ليست مستمرة أي أنها وقعت وانتهت ،
أما سلام جملة اسمية فيها معنى الاستمرار ، فسيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم كانت تحيته أحسن من التي طرحت عليه .
عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : إنَّ رَجُلا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الإِسْلامِ خَيْرٌ ؟ قَالَ :
" تُطْعِمُ الطَّعَامَ وَتَقْرَأُ السَّلامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ ".
( صحيح البخاري )
أي أن إطعام الطعام سنةٌ نبويةٌ طاهرة ، وتقرأ السلام ، قراءة السلام شيء ورده شيءٌ آخر ، أي أن تطرح السلام ، أن تبدأ بالسلام على من عرفت ومن لم تعرف ،
وعن أبي أُمامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاللَّهِ مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلامِ " *
( سنن أبي داود )
أي أن هذا الذي يسلم على الناس ، ويبدؤهم بالسلام ، أولى الناس وأقربهم إلى الله عزّ وجل ،
وعن عمار بن ياسر قال النبي عليه الصلاة والسلام :
" ثَلاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الإِيمَانَ الإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ وَبَذْلُ السَّلامِ لِلْعَالَمِ وَالإِنْفَاقُ في الإِقْتَارِ"*
( صحيح البخاري ) .
يتبع إن شاء الله .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
12-06-2009, 11:38 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
نتابع بفضل ٍ من الله تعالى .
بسم الله الرحمان الرحيم
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم :
" أفشوا السلام تعلوا " .
أي يرفع الله من شأنكم ، ويرفع لكم مقامكم في الدنيا ، أفشوا السلام تعلوا .
وفي حديثٍ آخر عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :
" أَفْشُوا السَّلامَ تَسْلَمُوا وَالأَشَرَةُ أَشَرُّ " *
( مسند أحمد )
يعني إذا كنت ليس لك أصحاب ضمن حيك فإنك لا تسلم على أحد ، يزورك الناس لا ، لأنك لا تزور أحداً ، فهم إذاً يبحثون لك عن عيب ، عن غلطة ، ينقضون عليك ، ليشفوا غليلهم منك ،
أما إذا كنت متواضعاً وسلَّمت عليهم ، وزرت جيرانك ، وعاونتهم في حياتهم ، أصبح هذا البناء التي تساكن جيرانك به أسرة واحدة ، إذا سافرت سافرت وأنت مطمئن ، كلهم كأنهم أنت ، إذا فقدت هذه المودة ، وفقدت التحية وهذا السلام ، تعيش في جفاء ،
فالإسلام جماله في هذه الحياة الاجتماعية السليمة ، لأن التباعد والتدابر والتجافي والمشاحنة والبغضاء تفتت المجتمع ،
قال الله عزَّ وجل :
و َ لَا تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ و َ تَذْهَبَ رِيحُكُم ْ
( سورة الأنفال: آية " 46 " )
بالمنازعة والمشاحنة ضعف ، يضعف هذا المجتمع الذي تنتمي إليه ، لذلك تجد مجتمعات مفتتة ؛
بفعل الخصومات والغيبة والنميمة والحسد والبغضاء والتدابر والتطاحن والتنافس تجد المجتمع المنهار ، أما بتطبيق تعاليم الإسلام تجد الجتمع كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً ،
إذاً : أفشوا السلام تعلوا ، أفشوا السلام تسلموا ،
وعن ابن الزبير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ ، وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ حَالِقَةُ الدِّينِ لا حَالِقَةُ الشَّعَرِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلا أُنَبِّئُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ "*
( مسند أحمد )
ولمَ يقسم النبي فلماذا يقسم ؟ معنى ذلك أن هناك أمراً خطيراً..
أنت إذا كنت تحب إخوانك فإخوانك يحبونك ،
يجب أن تعاملوا بعضكم معاملة يكون من ثمارها المحبة .
المحبة ليست عملاً إرادياً ، بل عملاً عفوياً :
" يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها " .
لا تعرف أنت طوالع المستقبل فإنه غيب فكن أديباً مع الناس ، رأيت عاصياً ، انصحه، فهّمه بين له اخدمه ، أنا أحب أن يكون كلّ أخ شعاره : " كن عوناً لأخيك على الشيطان ، ولا تكن عوناً للشيطان على أخيك " .
عاونه على الشيطان فتواضع له واخدمه ، ولا تنفره من الدين ، ولا تكن عوناً للشيطان على أخيك ،
الحديث الشريف القدسي :
" أنا مع المنكسرة قلوبهم الحزانى في كنف الله إن الله يحب كل قلبٍ حزين " .
الحزانى معرضون للرحمة ، الإنسان قيمته بأخلاقه ، النبي بماذا مدحه الله عزَّ وجل ؟ بيته فخم ؟ مترامي الأطراف مثلاً لا ؟
بماذا مدحه الله عزَّ وجل؟ أحياناً أنت تقيم الإنسان بسيارته، ببيته ، بمكتبه ، بمرتبته ، برصيده ، بأسرته ، بحسبه ، بنسبه ، بيده الطايلة ، أخي فلان يده طايلة ،
بماذا مدح الله نبيه الكريم قال :
و َ إِنَّك َ لَعَلَى خُلُق ٍ عَظِيم ٍ ( 4 )
( سورة القلم )
يتبع إن شاء الله تعالى ... و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
14-06-2009, 02:07 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم
بقي علينا اليوم أن نتحدث عن الأحكام الفقهية المُتعلقة بالسلام .
بادئ ذي بدء ، يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه عمران بن حصين :
" قال عمران بن حصين جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليكم.
فرد صلى الله عليه وسلم السلام ثم جلس ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عشرٌ .
ثم جاء آخر فقال : السلام عليكم ورحمة الله . فرد عليه الصلاة والسلام السلام وجلس وقال النبي الكريم : عشرون . وجاء آخر فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فرد وجلس وقال عليه الصلاة والسلام : ثلاثون " .
فهم من ذلك أن السلام التام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، هذا السلام ينال ثلاثة أمثال السلام الأول ، هذه صيغةٌ من صيغ السلام .
وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليها وسلم لها :
"هذا جبريل يقرأ عليكِ السلام قالت عائشة: وعليك وعليه السلام ورحمة الله وبركاته "
(رواه الشيخان)
إذاً كلمة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ورد السلام : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته . هذه هي الصيغة التي اختارها النبي صلى الله عليه وسلم لإلقاء السلام ورد السلام .
الصيغ الأخرى التي تعرفونها ، أنعِم صباحاً ، أنعِم مساءً ، عِم صباحاً ، عِم مساءً ، أسعد الله أوقاتكم ، أسعد الله صباحك ، أسعد الله مساءك ، هذه الصيغ التي يستعملها الناس الأولى منها أن نستعمل تحية الإسلام : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
لأن السلام اسمٌ من أسماء الله عزَّ وجل .
بعضهم يقول : طرح السلام سُنَّة ، لكن رد السلام واجب ،
أي إذا قال لك أحدهم : السلام عليكم . فهذا قد طبق السنة ،
أما أنت إذا ألقي عليك السلام فردّك على هذا السلام واجبٌ والواجب كما تعلمون قريبٌ من الفرض ، بل هو عند بعض الأئمة هو الفرض نفسه .
والله سبحانه وتعالى حينما قال :
و َ إِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّة ٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَن َ مِنْهَا
(سورة النساء: من آية 86)
الآن ندخل في موضوع آخر من السلام ، السلام على أهل بيتك ،
فالنبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام أنس بن مالك ، قال عليه الصلاة والسلام :
" يا أنس أسبغ الوضوء يزد في عمرك ، وسلِّم على من لقيك من أمتي تكثر حسناتك ، وإذا دخلت بيتك فسلِّم على أهلك ، يكثر خير بيتك ، وصلاة الضحى فإنها صلاة الأوَّابين ، يا أنس ارحم الصغير ووقر الكبير تكن من رفقائي يوم القيامة ".
يعنينا من هذا الحديث إلقاء السلام على أهل البيت ، وسلم على أهل بيتك ، يكثر خير بيتك .
وفي حديثٍ آخر يقول عليه الصلاة والسلام :
" إذا ولج أحدكم بيته فليقل : اللهم إني أسألك خير الولوج وخير الخروج وبسم الله ولجنا وبسم الله خرجنا وعلى الله توكلنا ثم يسلم على أهله ".
وعن زيد بن أسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :
" إذا دخلتم بيتاً فسلموا على أهله ، واذكروا اسم الله فإن أحدكم إذا سلَّم حين يدخل بيته وذكر اسم الله تعالى على طعامه يقول الشيطان لأصحابه لا مبيت لكم هنا ولا عشاء ".
* إذا دخل إلى البيت فسلم على أهل بيته ، يقول الشيطان لأصحابه : لا مبيت لكم هنا ، فإذا وضع الطعام وسمى الله قبل أن يأكل ، يقول الشيطان لأصحابه : ولا عشاء لكم اليوم .
فإذا دخل بيته وسلم على أهله وسمى على طعامه يقول الشيطان : لا مبيت لكم ولا طعام في هذا البيت .
* أما إذا لم يسلم على أهل بيته ، ولم يذكر الله على طعامه يقول الشيطان لإخوانه : أدركتم المبيت والعشاء .
وعن أنسٍ رضي الله عنه قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم تكن بركةً عليك "
فالبيت جنة المؤمن ، جنته داره ، فإذا كانت علاقته طيبةً ، بأهله وأولاده يسعد في داره ، وإذا سعد الإنسان في داره خرج إلى الناس وهو سليم الصدر وكان إنتاجه طيِّباً ،
فالإنسان يقاس إنتاجه بمدى نجاحه في بيته ، فهذا البيت ، هذه اللبنة الأولى هي أصل صلاح المجتمع ، إذا صلحت الأسرة صلح المجتمع ، فلذلك على كل زوجٍ أو على كل أبٍ ، أن يحرص حرصاً بالغاً على سلامة العلاقة بينه وبين أهله ، وبينه وبين أولاده ، فكلما كانت العلاقة طيِّبةً ، والعلاقة علاقة محبةٍ واحترام وودٍ انعكس هذا في عمله ، وانعكس هذا في علاقاته الخارجية ، فلذلك :
" إذا دخلت على أهلك فسلم عليهم تكن بركةً عليك وعلى أهل بيتك ".
(رواه الترمذي وقال حديثٌ صحيح)
وفي حديثٍ آخر :
" إذا دخلت على أهلك فسلم عليهم تحيةً من عند الله مباركةً طيبة ".
يتبع إن شاء الله تعالى ...
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
16-06-2009, 05:00 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم
نتابع بفضل الله تعالى ,
كلما ألقيت السلام نمت المودة بين المؤمنين ، وهذه طريقةٌ في تمتين العلاقة بين الإخوة المؤمنين .
الآن : ما حكم السلام على الصبيان ،
ورد عن أنسٍ رضي الله عنه
" أن النبي عليه الصلاة والسلام مر على صبيان فسلم عليهم "
وكان عليه الصلاة والسلام يفعل هذا دائماً .
فهذا الصبي الصغير يجب أن تهتم به ،
* كلكم يعلم أن سيدنا عمر رضي الله عنه حينما كان يمشي في المدينة ، رأى مجموعةً من الغِلمان ، لما رأوه تفرقوا ،
إلا واحداً منهم قال : " يا غلام لمَ لمْ تهرب مع من هرب ؟! . قال : " أيها الأمير لست ظالماً فأخشى ظلمك ولست مذنباً فأخشى عقابك والطريق يسعني ويسعك " .
* ومثل هذا الغلام فقد دخل مرة على سيدنا عمر بن عبد العزيز وفد من الحجاز و يتقدم الوفد غلام ،
فامتعض سيدنا عمر منه لما أراد أن يتحدث باسم الوفد وقال : " اجلس أيها الغلام وليقم من هو أكبر منك سناً " .
فقال : " اصلح الله الأمير المرء بأصغريه قلبه ولسانه ، فإذا وهب الله العبد لساناً لافظاً وقلباً حافظاً فقد استحق الكلام ، ولو أن الأمر كما تقول لكان في الأمة من هو أحق منك بهذا المجلس " .
أي أن هذا الصغير إذا عرف أن المسلمين يقدِّرونه ، ويقدرون وجوده في المسجد ، ويحبون وجوده في المسجد ، ويكرمون وجوده في المسجد ، فإنه ينشأ على حب بيوت الله ،
وهذا الشاب الذي تعلَّق قلبه في المساجد من السبعة الذين يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله ، إذاً من السنة أن تسلم على الصبيان ، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول :
" من كان له صبيٌ فليتصابى له " .
وكلكم يعلم كيف كان يركب الحسن والحسين على ظهره الشريف ويقول :
" نعم الجمل جملكما ! ونعم العدلان أنتما " .
(من كنز العمال : عن " جابر رضي الله عنه " )
على كلٍ طرح السلام من الإسلام ، صغيراً كان أو كبيراً ، قريباً أو بعيداً ، ...
حِكَم السلام أنه به تستكسب الود وتستدفع المكروه ، قد يلقاك شخص شرير ، فإذا سلمت عليه انطفأت شرته ، فالسلام أحياناً تستجلب به المودة أو تستدفع به المكروه ، فإذا كان شخص يخشى شره وسلَّمت عليه وكنت معه لطيفاً ، ربما صرف النظر عن إيذائك هذا من حكمة السلام .
و الآن عندنا أحكام أخرى لحالات أخرى ،
أنه إذا جاء في الخطاب لفظ السلام ، تقرأ رسالة ، تقرأ في مقدمة الرسالة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فقال العلماء يجب أن تقول : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته .
أن ترد على السلام المكتوب ، هذا حكمٌ فقهي .
وعن عائشة أنها قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" يا عائشة هذا جبريل يقرأ عليك السلام قالت : قلت : وعليك وعليه السلام ورحمة الله وبركاته " .
أي إذا ألقي عليك السلام مباشرةً ، وجهاً لوجه لا بد من أن ترد السلام ، وإذا جاءك السلام مكتوباً ، أو جاءك على لسان إنسانٍ آخر ، يجب أن تقول : عليك وعليه السلام .
كما علمنا النبي عليه الصلاة والسلام.
* فعن غالب القطان عن رجلٍ قال حدثني أبي عن جدي قال : بعثني أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ائته فأقرأه السلام فأتيته فقلت : يا رسول الله إن أبي يقرئك السلام فقال عليه الصلاة والسلام :
" عليك السلام وعلى أبيك السلام "
( رواه أبو داوود )
الآن إذا كان المؤمنون جماعةً فطرح السلام سنة كفاية ، إذا قام به أحدهم سقط عن الباقي
و إذا كان المطروح عليهم السلام جماعة فردُّ السلام واجب كفاية ،
إذا كان الذي طرحت عليه السلام واحداً رد السلام واجب عين ،
طرح السلام من جماعة سنة كفاية ، طرحه من واحد سنة عَيْن ، هذا حكم السلام .
نكمل إن شاء الله لاحقا ً , لندخل في باب المصافحة و المعانقة .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
20-06-2009, 07:29 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
نتابع مع موضوع السلام .
و كنا قد وصلنا إلى نقطة ( المصافحة والمعانقة ) ..
بسم الله الرحمان الرحيم ,
* عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" إن المؤمن إذا لقي المؤمن فسلم عليه وأخذ بيده فصافحه ، تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر " .
إذاً فهم من هذا الحديث أن السلام بين المؤمنين إذا ألقى أحدهما الآخر فكيفيه أن تسلم عليه بلسانك وتصافحه بيمينك .
* وعن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه سلمان بن الفارسي أنه قال :
" إن المسلم إذا لقي أخاه فأخذ بيده تحاتت ذنوبهما كما يتحات الورق عن الشجرة اليابسة في يوم ريحٍ عاصف "
إذاً هذا السلام وهذه المصافحة ، مما أكدهما النبي عليه الصلاة والسلام في أكثر من حديث.
* وعن أنسٍ رضي الله عنه قال رجلٌ :
" يا رسول الله الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له ؟ قال : لا . قال أفيلتزمه ويقبله ؟ قال : لا .
قال : فليأخذ بيده ويصافحه ؟ . قال : نعم " .
( رواه الترمذي )
إذاً النبي نهى عن أن ننحني لبعضنا بعضاً ، ونهى أيضاً عن أن يلتزم بعضناً بعضاً ويقبل بعضناً بعضاً إلا لحديثٍ آخر نراه بعد قليل .
* حدثني عبد الله بن طاووس عن أبيه عن عبد الله بن عباس :
" أن النبي عليه الصلاة والسلام لما قدم جعفر من أرض الحبشة اعتنقه النبي صلى الله عليه وسلم وقبل ما بين عينيه وكان جعفر أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم " .
إذاً فهم أنه إذا قدم الإنسان من سفر ، وكان لقاءٌ بعد غيابٍ طويل ، السنة أيضاً أن تلتزمه وأن تعتنقه وأن تقبله ، هذه السنة ، أما التقبيل بين الآونة والأخرى فهذا ليس من السنة ، المصافحة من السنة ، طرح السلام من السنة .
الآن من آداب السلام :
" أن يسلِّم الراكب على الماشي ، والماشي على القاعد ، والقليل على الكثير " .
( متفقٌ عليه )
و من آداب السلام أيضاً :
" إِذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ فَلْيُسَلِّمْ فَلَيْسَتِ الأُولَى بِأَحَقَّ مِنَ الآخِرَةِ "*
( من سنن أبي داود : عن " أبي هريرة " )
هناك بعض أحكامٍ أخرى متعلقةٍ بالسلام :
روى الإمام البخاري في صحيحه في الأدب المفرد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :
" أبخل الناس الذي يبخل بالسلام " .
يجب أن تسلم على كل من تلقاه على من حولك ، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
" إن أبخل الناس من بخل بالسلام وأعجز الناس من عجز عن الدعاء "
( من كشف الخفاء : عن " أبي هريرة " )
يتبع بإذن الله تعالى ...
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
ضيف على القلمونيين
21-06-2009, 04:53 AM
جزاك الله خيرا على ما تقدمين و نفع به كاتبه و قارئه و ناقله و المنقولة إليه و كل من ساهم
Barbie
25-06-2009, 06:23 PM
آمين .
و جزاكم الله خيرا ً .
Barbie
25-06-2009, 07:16 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
إخوتي و أخواتي , انتهى درس حق المسلم على المسلم ... و نرجوا من الله تبارك و تعالى أن نكون قد تعلمنا ما ينفعنا في الدنيا للآخرة .
و بإذن الله نتذكر دائما ً واجباتنا تجاه إخوتنا في الله , من نصح و تلبية الدعوة ,,,, و زيارة المريض , و إلقاء السلام و رده .... فالعلم لا يثمر إلا بالعمل و التطبيق .
حتى تتحقق الفائدة لنا و لمن حولنا إن شاء الله تعالى .
أما اليوم سننتقل للحديث عن حق آخر ... و هو حق الطريق .
و ندعوا الله تعالى أن يوفقنا و جميع المسلمين لما فيه خير لنا و لأمتنا .
الدرس الحادي عشر (( حق الطريق )) .
.
.
.
Barbie
25-06-2009, 07:38 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ننتقل في هذا الدرس إلى حقٍ جديد وقد يبدو لكم غريباً ، إلا أن النبي عليه الصلاة والسلام هو الذي سمَّاه هذا الاسم ، إنه حق الطريق .
الطريق التي نسير فيها لها حقٌ علينا ، والنبي عليه الصلاة والسلام سمَّاها حق الطريق ،
فعن أبي سعيد الخِدْرِيّ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلَّم أنه قال :
* " إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ..."
( من صحيح مسلم : عن أبي سعيد الخدري)
كلمة إياكم من ألفاظ التحذير ، إياك والكذب ، إياك والخيانة ، إياك والتقصير ، إياك وما يعتذر منه ..
إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا ... ".
أي إذا كان هناك ضرورة ، إذا كان لابدَّ من أن نجلس لشأنٍ مهم ، لشأنٍ مشروع ، لشيءٍ مباح ، لعملٍ ، لتجارةٍ ، لكسب رزقٍ ، لحل مشكلةٍ، لحل قضيَّةٍ ..
" إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلا الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ قَالُوا وَمَا حَقُّهُ قَالَ غَضُّ الْبَصَرِ... ".
)1( إن غض البصر ينفرد به الدين ، وليس في القوانين الوضعيَّة كلِّها مادَّةٌ تلزم الإنسان بغض البصر ،
فإذا غض الإنسان بصره عن محارم الله بماذا يشعر ؟ هل يستطيع الشيطان أن يوسوس إليك أنك بهذا الغض تنافق ؟
لا والله ، ما أحد يراقبك ، ولا أحد يلزمك ، ولا أحد يحاسبك ، إذا كنت خالياً وحدك ...
حينما تغض بصرك ...
من الذي رأى هذا العمل ؟ لا أحد ، لذلك :
إذاً غض البصر مدرسةٌ لتهذيب النفس .
النقطة الدقيقة الثانية : إن غض البصر ،
أنت قد سمح الله عزَّ وجل لك أن تقف بين يديه في النهار والليلة خمس مرات ، في صلاة الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء ، وقد جعل لك آلاف المناسبات في النهار ،
بل عشرات الألوف ، بل مئات للإقبال عليه ، كلَّما صرفت بصرك عن امرأةٍ لا تحلُّ لك شعرت أنك بهذا تطيع الله عزَّ وجل ، كأن غض البصر هذا كان لك مُدخلاً إلى الله عزَّ وجل ، فأنت حينما تقف في اليوم والليلة خمس مرات تصلي ، أنت إذا غضضت بصرك عن محارم الله
، في كل مرةٍ تغض فيها البصر ترقى إلى الله ، كأن الله سبحانه وتعالى أعطاك مناسباتٍ عديدةً كي تقبل بها عليه .
و النتيجة أن هناك علاقةً علميَّةً بين الطاعة وبين نتائجها ، كما أن هناك علاقةً علميةً بين المعصية وبين نتائجها ،
بمعنى أنك إذا وضعت يدك على المدفأة أحرقتك المدفأة ، هذه علاقة علميَّة ، أي علاقة سبب بنتيجة ،
هذا الذي يغض بصره عن محارم الله قبل الزواج يعيش حياة هادئةً ، حياةً نظيفةً ، حياةً وادعةً ،
قد يبني بهذا الوقت مستقبلاً ، فإذا تزوَّج وغضَّ بصره عن محارم الله عاش حياةً زوجيَّةً سعيدة ،
تعيش الحياة مرَّتين مرَّةً قبل الزواج ومرَّة بعد الزواج ، وحينما تغض البصر عن محارم الله لا تفعل هذا إلا ابتغاء مرضاة الله ، وهذا غض البصر من عبادات الإخلاص ،
إذا أنفقت المال من دون أن يعلم أحد بهذا الإنفاق فهذا إنفاق الإخلاص ، وإذا غضضت البصر عن محارم الله من دون أن يعلم بهذا أحد ، فهذا الغض عبادة الإخلاص ،
* النبي عليه الصلاة والسلام قال :
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِي اللَّهم عَنْهم عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ ، فَقَالُوا : مَا لَنَا بُدٌّ إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا ، قَالَ : فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلا الْمَجَالِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا ، قَالُوا : وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ ؟ قَالَ : غَضُّ الْبَصَرِ ، وَكَفُّ الأَذَى ، وَرَدُّ السَّلامِ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ *
(صحيح البخاري)
فغض البصر يتناقض مع الشهوة ، النقطة الدقيقة أن أوامر الشرع تعتمد على العقل ، بينما الشهوات تتناقض مع العقل ، من تناقض العقل مع الشهوة يكون رقي الإنسان ،
فأحياناً يتوافق العقل مع الشهوة الإنسان لا يرقى ، هو جائع والطعام موجود ، والطعام طعامه وهو في بيته ، فإذا أكل حتى شبع لا يشعر أنه فعل شيئاً عظيماً يرضي الله عزَّ وجل ،
العقل توافق مع الشهوة ، أنت جائع والطعام موجود ، والطعام حلال ، وأنت تأكل هذا الطعام لتقتات به ، فتوافق العقل مع الشهوة ربما أدَّى إلى الشُكر ، أما أن ترقى بهذا العمل ! إنك لا ترقى به .
أما إذا عاكست شهواتك ، إذا جاء الأمر العقلي يتناقض مع الشهوة التي أودعها الله في الإنسان هنا يكون الرقي ،
فمثلاً الإنسان بكظم الغيظ يرقى ، الإنسان بالصبر يرقى ، الإنسان بغض البصر يرقى ، الإنسان بحفظ السر يرقى ،
لأن الإنسان يتمنى أن يحكي قصص الناس ، شيء ممتع جداً ، إذا وجد الإنسان في مجلس وسمع قصَّة ممتعة ، ومثيرة جداً ،
وإذا تكلَّم فيها فضح أخوه الإنسان ، الشهوة تدعوه إلى أن يحكي هذه القصَّة ، ولكن العقل يأمره أن يسكت عنها، إذا كان وجد في مجلس فيه اختلاط ، شهوته تدعوه إلى هذا المجلس ، شيء ممتع ، لكن عقله يمنعه من ذلك .
فغض البصر من حق الطريق
.... و الأجر متى يعلو جداً ؟ حينما يكون القابض على دينه كالقابض على الجمر .
بالسيارة ، بالطريق ، بأي مكان نساءٌ كاسياتٌ عاريات ، مائلاتٌ مميلات ، لذلك غض البصر في آخر الزمان أجره كبير جداً ، والقاعدة الشهيرة : " الثواب على قدر المشقَّة " .
أي قد أراد الله عزَّ وجل أن يجعل لك مناسباتٍ عديدةٍ كل يوم كي ترقى بها إليه ، من هذه المناسبات غض البصر .
يتبع إن شاء الله تعالى ...
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
المصدر : موسوعة فضيلة الشيخ النابلسي . // و للأمانة ما انقله يكون مختصرا ً.
Barbie
27-06-2009, 09:11 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
نكمل مع القسم الثاني من درس " حق الطريق " ...
و كنا قد بدأنا بأول حق و هو غض البصر .
و الآن سنتابع إن شاء الله تعالى
في هذه النقطة أيضا ً .
بسم الله الرحمان الرحيم
يقول الله تبارك و تعالى :
و َ لَا تَقْف ُ مَا لَيْس َ لَكَ بِه ِ عِلْم ٌ إِنَّ السَّمْع َ و َ البصَرَ و الفُؤاد َ كُلُّ أُولَئِك َ كَان َ عَنْه ُ مَسْؤلا ً ( 36 )
( سورة الإسراء )
الفؤاد هنا بمعنى الفكر ، من فَأَدَ أي قيَّد ، أي السمع والبصر والفكر كل أولئلك كان عنه مسؤولاً ،
الدعاء الشهير : " ومتعنا اللهمَّ بأسماعنا وأبصارنا وقوَّتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا " .
" عَيْنَانِ لا تَمَسُّهُمَا النَّارُ عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"*
( من سنن الترمذي : عن " ابن عبَّاس " )
يوجد عفَّة ، المؤمن عفيف ، لو أن امرأةً تمشي أمامه لَقَصَّرَ عنها ، أو لتجاوزها ، ...
في مناسبات يبدو لك الإيمان صريحاً واضحاً، وهذا يرضي الله عزَّ وجل ، أودع فيك هذه الشهوة و هو ينظر إليك.
والله الذي لا إله إلا هو لن يضيع عند الله شيء ، والله زوال الكون أهون عند الله عزَّ وجل من أن يضيع مؤمناً عفَّ قبل الزواج ، هذا له مكافأة عند الله ،
غضَّ بصره عن محارم الله ، وتوجَّه إلى المسجد ليتعرَّف إلى الله ، وضبط مشاعره هذا ممن يحبهم الله ..
فسماع المنكر فيه معصية ، سماع المعصية معصية ، القاعدة الشهيرة : " ما حَرُمَ فعله حرم استماعه وحرم النظر إليه " .
وفي الحديث الشريف :
" النظرة سهم مسموم " .
( من أحاديث الإحياء : عن " حذيفة " )
هذا من بلاغة النبي عليه الصلاة والسلام ، سهم مسموم ، لو أنه سهمٌ عادي لفعل فعله في موضعٍ واحد ، و لكنه لأنه مسموم هذا السُم يسري في كل أنحاء الجسد ، لذلك الذي يُطلق بصره في الحرام تصبح حياته متسمِّمة ،
الحديث هنا :
" النظرة سهم مسموم من سهام إبليس لعنه الله فمن تركها خوفا من الله آتاه الله عز وجل إيمانا يجد حلاوته في قلبه " .
( من أحاديث الإحياء : عن " حذيفة " )
الله عزَّ وجل يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، أي أن أدق النظرات المختلسة لامرأةٍ لا تحل لك هذه يعلمها الله عزَّ وجل ، و يحاسب عليها ، وكلَّما تشدَّدت في غض البصر شعرت أنك ترضي الله عزَّ وجل ، وأن الطريق إلى الله سالك .
يتبع إن شاء الله تعالى ...
مع بعض الأحكام المتعلقة بغض البصر (( ماذا يقابل غض البصر ؟ إذا كان المؤمنون قد أمروا بغض البصر ، فماذا على المؤمنات أن يفعلن ؟ ))
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
29-06-2009, 09:23 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم
من أول حقوق الطريق غض البصر ،
ولكن يعنينا من غض البصر أنه مدرسةٌ يمكن أن تصل بصاحبها إلى الاتصال بالله عزَّ وجل ،
كأن الله سبحانه وتعالى جعل غض البصر مناسبةً ليشعر المؤمن في اليوم الواحد عشرات المرات أنه مخلصٌ لله عزَّ وجل ، ولعله بهذا الشعور وذاك الإخلاص يقبل على الله عزَّ وجل .
و من غض بصره عن محارم الله أورثه الله حلاوةً في قلبه إلى يوم يلقاه ،
الآن
ماذا يقابل غض البصر ؟ إذا كان المؤمنون قد أمروا بغض البصر، فماذا على المؤمنات أن يفعلن ؟
هناك أحكامٌ عدَّة تتعلق بالمرأة ،
* الله سبحانه وتعالى نهى النساء عامةً عن أن يتبرَّجن تبرج الجاهلية ، عرَّف العلماء تبرج الجاهلية بأنه إظهار محاسن المرأة للأجانب ، مهما بالغت المرأة بإظهار محاسنها لزوجها فهي في أعلى درجات الطاعة لربها ، إذا بالغت المرأة المسلمة بإظهار محاسنها لزوجها ، وكانت معواناً له على غض بصره فهي في أعلى درجات الطاعة ،
أما إذا جهدت لتبرز محاسنها بطريقةٍ أو بأخرى لغير زوجها ، للأجانب ، لمن لا يجوز لها أن تبرُز أمامهم ، لمن لا يجوز لهم أن ينظروا إليها ، فهي في أدنى درجات المعصية ، في أدناها دَرْكَاً ، لذلك عندما قال ربنا عزَّ وجل :
و َ لَا تَبَرَّجْن ِ
( سورة الأحزاب : من آية 33)
لو قال : ولا تبرجن . نهيٌ عن مطلق الزينة ، قال :
و َ لَا تَبَرَّجْن َ تَبَرُّج َ الجاهِليَّة ِ
( سورة الأحزاب : من آية 33)
* فتنةٌ أخرى يمكن أن تقع بها المرأة ألا وهي فتنة اللسان ، صوت المرأة عورة ، إذا ليَّنته ، وكسَّرته ، ورقَّقته ، ونغَّمته ، إنه عورة ،
ربما شفَّ عن محاسنها وهي محجبةٌ عن الذي يستمع إليها ، حتى لو أن صوتها وصل إلينا من وراء حجاب إذا كسَّرته ، وليَّنته ، ولوَّنته ، ونغَّمته ، فإنه عورةٌ وأية عورة ،
من هنا قال الله عزَّ وجل :
إِن ِ اتَّقَيْتُن َّ فَلا تَخْضَعْن َ بِالقَوْل ِ فَيَطْمَعَ الَّذي في قَلْبِه ِ مَرَض ٌ و َ قُلْن َ قَولا ً مَّعْروفا ً ( 32 )
علِّموا نساءكم ، علموا بناتكم ، علموا أخواتكم ، علموا من يلوذ بكم من النساء أن يقلن قولاً معروفاً مع الأجانب ،.
* هناك فتنةٌ أخرى ، قد تسير سيراً بصوتٍ صارخٍ يلفت النظر إليها ، قال تعالى :
و َ لَا يَضْرِبْن َ بِأَرِجُلِهِن َّ لِيُعْلَم َ مَا يُخْفين َ مِن زِينَتِهِن َّ
( سورة النور : من آية 21)
فهذه الأحذية النسائية التي لها صوت حينما تمشي المرأة ، كأن المرأة تقول : ها أنا ذا انظروا إلي .
لو أنها مشت خلف الرجل تلفت نظره إليها عن طريق هذه المِشية ...
* هناك فتنةٌ رابعة ، فتنة الطَيْب ، قال عليه الصلاة والسلام :
" َالْمَرْأَةُ إِذَا اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ بِالْمَجْلِسِ فَهِيَ كَذَا وَكَذَا يَعْنِي زَانِيَةً "*
( من سنن الترمذي : عن أبي موسى)
امرأة تسير في الطريق بين الأجانب وقد استعطرت ، لماذا استعطرت ؟ من أجل أن تلفت النظر إليها ،
وفي حديثٍ آخر :
" إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلا تَمَسَّ طِيبًا "*
( من صحيح مسلم : عن زينب)
الزينة مطلوبة من دون أن يكون لهذه الزينة رائحةٌ تلفت نظر الرجال .
* و فتنة التعرِّي هذه فتنةٌ كبيرةٌ جداً ، جاء في الحديث الشريف :
" إِيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّيَ فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لا يُفَارِقُكُمْ " *
( من سنن الترمذي : عن ابن عمر)
والنساء الكاسيات العاريات اللائي وصفهن النبي عليه الصلاة والسلام :
" المائلات المميلات رؤسهن كأسنمة البَخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها "
( رواه مسلم )
اللهم ثبتنا و اهدينا أجمعين .
يتبع بإذن الله تعالى ...
Barbie
04-07-2009, 11:28 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
أيها الإخوة و الأخوات , كنا قد بدأنا بالحديث عن حق الطريق , و ذكرنا الحق الأول و هو غض البصر .
و الآن ننتقل بفضل الله و رحمته لعرض حقوق أخرى (( مقتبسه من موقع كلمات )) .
بسم الله الرحمان الرحيم
حقوق الطريق بيّنها النبي صلى الله عليه و سلم وهي :
( غض البصر ، و كف الأذى ، و رد السلام ، و أمر بالمعروف ، و نهي عن المنكر )
وهذه الحقوق ليست من باب الحصر، وإنما هي بعضها، وقد بيّنت أحاديث أُخر حقوقاً للطريق غير هذه، فعلم أن المذكورات التي في الحديث ليست من باب الحصر.
)2( كف الأذى : ومن حقوق الطريق ، كف الأذى وعدم إيذاء الناس في أبدانهم أو أعراضهم .
وفي الحديث الذي رواه عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: { المسلم من سَلِم المسلمون من لسانه ويده... الحديث } [رواه البخاري ومسلم]
و الحديث من جوامع كلمه صلى الله عليه و سلم ، فيشمل اللسان من تكلم بلسانه وآذى الناس في أعراضهم أو سبهم ، و يشمل من أخرج لسانه استهزاء وسخرية.
وكذا اليد فإن أذيتها لا تنحصر في الضرب، بل تتعداها إلى أمور أُخر كالوشاة بالناس، والسعي في الإضرار بهم عن طريق الكتابة، أو القتل ونحو ذلك.
)3( رد السلام : ومن حقوق الطريق : رد السلام ، وهو واجب لقوله صلى الله عليه و سلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
{ خمس تجب للمسلم على أخيه : رد السلام ، وتشميت العاطس، وإجابة الدعوة، وعيادة المريض، واتباع الجنائز } [رواه البخاري ومسلم].
وقد قصّر في هذا الباب خلق كثير، واقتصر سلامهم على المعرفة، فمن عرفوه سلموا عليه أو ردوا عليه سلامه، و من لم يعرفوه لم يعيروه اهتماماً.
و هذا خلل ومخالفة للسنة.
)4( وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: هذا باب عظيم الشأن والقدر، به كانت هذه الأمة خير الأمم : كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنُونَ بِاللهِ [آل عمران: 110].
قال ابن كثير : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه من سره أن يكون من تلك الأمة فليؤد شرط الله فيها ، رواه ابن جرير ، ومن لم يتصف بذلك أشبه أهل الكتاب الذين ذمهم الله بقوله تعالى : كَانُواْ لا يَتَنَاهَونَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ [المائدة: 79].
وبتركه يحل بهم العقاب.
فقد روى الإمام أحمد في مسنده قال: ( قام أبوبكر رضي الله عنه فحمد الله عز وجل وأثنى عليه فقال: أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيكُم أَنفُسَكُم لا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إذَا اهتَدَيتُم [المائدة:105] إلى آخر الآية ،
وإنكم تضعونها على غير موضعها ، وإني سمعت رسول الله يقول : { إن الناس إذا رأوا المنكر ، لا يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقاب } ).
و في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فوائد عظيمة للأمة ، منها :
نجاة سفينة المجتمع من الهلاك والغرق ، ومنها قمع الباطل وأهله، ومنها كثرة الخيرات والحد من الشرور ، ومنها استتباب الأمن، ومنها نشر الفضيلة وقمع الرذيلة... إلخ.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس مقصوراً على جهة معينة أو أناس معينين ، بل إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل أحد، كلٌ بحسب استطاعته.
والحديث الوارد في ذلك عام لم يخصص أحداً من أحد.
قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: { من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان } [رواه مسلم].
يتبع بإذن الله تعالى , للإشارة إلى بعض الأمور المتعلقة بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
07-07-2009, 11:12 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
أعتذر منكم إخوتي و أخواتي , لأنني أتأخر في متابعة الموضوع .
في المشاركة الأخيرة تحدثنا عن حقوق الطريق التالية : كف الأذى , رد السلام , و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر .
و اليوم إن شاء الله تعالى , سنذكر بعض الأمور المتعلقة بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر , و نتحدث عن حق آخر من حقوق الطريق ,,,, و فضل كف الأذى .
بسم الله الرحمان الرحيم ,
الأمور المتعلقة بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر
أولاً : التدرج في الإنكار :
فلا يتحول المرء إلى مرتبة حتى يعجز عن التي قبلها، فلا ينكر بقلبه من يستطع الإنكار بلسانه، وهكذا.
الثاني : أن من كانت له ولاية فإنكاره يكون بأعلى مراتب الإنكار :
فرب الأسرة هو السيد المطاع في البيت وتغييره يكون بيده فهو قادر على إزالة المنكر بيده ولا يعذر بترك ذلك.
الثالث: العلم بالمنكر أنه منكر قبل الإنكار:
وهل هو من الأمور التي يسوغ فيها الخلاف، وهذا باب غلط ... فليتنبه له.
الرابع : يجب أن يستشعر المُنكِرُ قاعدة المفاسد والمصالح:
وأن لا يبادر إلى الإنكار إلا إذا علم أن مصلحته راجحة على مفسدته، ومتى علم رجحان المفسدة وجب عليه الكف حتى لا يفتح باب شر وإفساد.
الخامس: إذا عجز المُنكرُ عن المرتبة الأولى والثانية:
فلا يغفل عن قلبه ويمر عليه المنكر دون إنكار بالقلب وظهور آثار ذلك على صفحات وجهه.
هـ - هداية السائل عن الطريق : ومن حقوق الطريق - أيضاً - إرشاد السائل عن الطريق، وهدايته إليه، سواءً كان ضالاً أو أعمى.
وجاء هذا الحق مصرحاً به في حديث أبي هريرة في قصة الذين سألوا النبي عن حق الطريق قال: { وإرشاد السبيل } [رواه أبو داود].
وفي حديث آخر لأبي هريرة ما يبين أن هداية السبيل من الصدقات، قال: قال رسول الله : { ودلُّ الطريق صدقة } [رواه البخاري]. -
ومن حق الطريق : إزالة الأذى من الطريق :
من الآداب المستحبة في الطريق ! إزالة الأذى عن الطريق، بل هي من الإيمان : قال صلى الله عليه و سلم : { الإيمان بضع وسبعون شعبة أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان } [رواه البخاري].
وهي من الصدقات، وبسببها أدخل رجل الجنة،
ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
{ كل سلامى من الناس عليه صدقة... ثم قال: وتميط الأذى عن الطريق صدقة } [رواه البخاري ومسلم].
وعنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: { بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره، فشكر الله له فغفرله... الحديث } [رواه البخاري ومسلم]
وعند أبي داود: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : { نزع رجلاً لم يعمل خيراً قط غصن شوك عن الطريق، إما كان في شجرة فقطعه وألقاه، وإما كان موضوعاً فأماطه، فشكر الله له بها فأدخله الجنة }.
إن شاء الله تعالى , يتبع مع المزيد ...
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
10-07-2009, 10:35 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
وصلنا للقسم الأخير من هذا الدرس , و الفضل لله تعالى .
بسم الله الرحمان الرحيم
ومن حق الطريق : أن الرجال أحق بوسط الطريق من النساء :
من حرص صاحب الشرع على تميز النساء على الرجال، وقطع كل طريق يؤدي إلى الفتنة بهن، أن جعل حافة الطريق للنساء وأوسطه للرجال، حتى لا يختلط الرجال بالنساء وتعظم الفتنة - كما هو الحال الآن إلا من رحم الله -
فعن أبي أسيد الأنصاري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول وهو خارج من المسجد، فأختلط الرجال مع النساء في الطريق، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم للنساء: { استأخرن فإنه ليس لكنّ أن تحققن الطريق، عليكُنّ بحافات الطريق } فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به [رواه أبو داود].
وسير النساء بمحاذاة جوانب الطريق أستر لهن، وأقرب للحياء، لا أن ينافسن الرجال في طريقهم ويقتحمونه معرضين أنفسهن وغيرهن للفتنة.
وأول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء، وهلاكها كان بسبب ذلك.
ومن حق الطريق : إعانة الرجل في حمله على دابته أو رفع متاعه عليها :
ومن آداب الطريق المستحب فعلها أنك إذا رأيت رجلاً يريد أن يركب دابته وكان ذلك يشق عليه، فإنك تعينه على ذلك، أو تعينه في حمل متاعه، ويمكن فعل ذلك الآن، فإن بعض كبار السن قد لا يتمكن من الركوب في ( العربات المتحركة ) بسهولة، وخصوصاً إذا كانت كبيرة.
و فعل ذلك كله من الصدقة التي يؤجر المسلم عليها.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: { كل سُلامى عليه صدقة، كل يوم، يعين الرجل في دابته يحامله عليها أو يرفع عليها متاعه صدقة... الحديث } [رواه البخاري]، ولفظ مسلم: { فتحمله عليها }.
وبالله التوفيق .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
يتبع بإذن الله تعالى مع درس جديد .
لا تنسونا من صالح دعائكم ... و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
16-07-2009, 11:14 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
إخوتي و أخواتي نبدأ اليوم بإذن الله تعالى الدرس الثاني عشر تحت عنوان (( التوكـــل على الله )) , مقتبس لفضيلة الأستاذ محمد راتب النابلسي .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
اخترت لكم حديثاً صحيحاً شريفاً ، لماذا اخترت هذا الحديث ؟
لأنني أرى كثيراً من حالات مرَضية أساسها ضغوط نفسية ، أمراض كثيرة هذه الأمراض تعزى بالدرجة الأولى إلى الناحية النفسية الضاغطة ،
النفس تتلقى ضغطاً ، وطبيعة الحياة معقدة جداً ، المطالب كثيرة ، الموارد قليلة ، الضغوط كثيرة ، التعقيدات بالغة ، المنافسة شديدة ، فما من بيت إلا وفيه هموم لا يعلمها إلا الله ،
ما الخلاص من هذه الهموم ، و هذه الضغوط ، و هذه الصدمات ، ثم في النهاية تلك الأمراض ، لأن العضوية لا تحتمل هذا الضغط النفسي ؟
* حديث عظيم يقنّن سبيلَ المعيشة والرزق :
عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(( لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ ، تَغْدُو خِمَاصًا ، وَتَرُوحُ بِطَانًا )) .
[ أحمد ، النسائي ، ابن ماجه ، الحاكم ، وقال الترمذي حسن صحيح ]
1 – الحياة والرزق مصدرٌ لقَلقِ الناسَ :
حديث على إيجازه بليغ في مدلولاته ، أولاً ما الذي يقلق الناس ؟ الرزق وقبل الرزق الحياة ، حياة الإنسان ورزقه ، فإذا أيقن العبد أن له عند الله عمراً لا ينقص ولا يزيد ، و أن له عند الله رزقاً لا بد من أن يستوفيه ، إذا أيقن أن أجله محدود ، و رزقه مقسوم رفع عنه ضغط كبير .
2 – هذا الحديث أصلٌ في التوكّل على الله :
هذا الحديث يتعلق بالتوكل ، ولو أنك توكلت على الله ،
انظر إلى الطفل الصغير لا يهتم لا بالإنفاق ولا بالمصروف ولا بارتفاع الأسعار ، ولا بشح الموارد ، ولا بتعقيد الحياة ، كل همه على أبيه ، ما يهتم إطلاقاً ، طفل عمره سنة أو سنتان ، تراه يفرح ، ويمرح ، ويضحك ،
المؤمن الصادق حينما يضع همومه عند الله عز وجل يستريح ، هذا الحديث الشريف قال عنه العلماء : هو " أصل في التوكل " ، وهناك أحاديث تبين التوكل من زوايا فرعية ،
أما هذا الحديث فيعد أصلاً في التوكل ، و هذا الحديث يعد من أعظم الأسباب التي يجلب بها الرزق ، فهو أصل في التوكل وأصل في طلب الرزق ،
قال تعالى :
.... و َ مَن يَتَّق ِ الله َ يَجْعَل لَّه ُ مَخْرَجا ً (2) و َ يَرْزُقْه ُ مِن ْ حَيْث ُ لَا يَحْتَسِب ُ وَ مَن يَتَوَكَّل ْ عَلى الله ِ فَهُو َ حَسْبُهُ
( سورة الطلاق )
النبي عليه الصلاة والسلام قرأ هذه الآية ، وقال : لو أن الناس كلهم أخذوا بها لكفتهم .
3 – نحن بحاجة إلى التوكّل على الله :
والآن نحن في أمسّ الحاجة إلى هذه الآية ، نحن في أشد الحاجة إلى التوكل ، إلى أن تلقي الهموم كلها عند الله ،
يا رب ، أنا عبدك ، وابن عبدك ناصيتي بيدك ، (( اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ، وَابْنُ عَبْدِكَ ، وَابْنُ أَمَتِكَ ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ )) .
[أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم من حديث ابن مسعود] .
أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له السماوات والأرض من أن تنزل بي سخطك ، أو تحلّ بي غضبك ، ولك العتبى حتى ترضى ، لكن عافيتك أوسع لي .
هذا الدعاء من القلب ، الدعاء مع الخشوع ، الشعور أن الله بيده كل شيء ،
يا رب ، ليس لي إلا أنت ، أنا لا أملك إلا رحمتك ، إذا قطعت الأسباب ، إذا قطعت العلائق ، وتوكلت على الله عز وجل فلا شك أنك تشعر براحة كبيرة ،
أنا علي أن أعبده ، أنا علي أن أبحث عن أمره ، أنا علي أن أطلب العلم ، أن أتعلم ، وأن أتقصى أمره ، وأن أنفذ أمره ، والباقي كله عليه ، هو يعلم حاجتي ، ....
سبحان الله و نعم الوكيل .
يتبع إن شاء الله مع المزيد من الإفادة , لنفهم حقيقة التوكل على الله بشكل صحيح ...
فهو الوسيلة التي تعيننا على قضاء حوائجنا و مواجهة المشاكل , بقلوب مؤمنة ٍ متوكلة .
اللهم اجعل لنا من كل هم مخرجا ً , و فرّج الكرب عن المسلمين و المسلمات .
المحروم
17-07-2009, 04:18 PM
بارك الله بك اختنا باربي انا اول مره ادخل على الموضوع وقراة اخر درس
وهو رائع باذن الله ساكون من المتابعين
Barbie
18-07-2009, 01:10 PM
و بكم بارك الله .
Barbie
18-07-2009, 01:40 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
نكمل و الحمد لله ...
بسم الله الرحمان الرحيم , اللهم انفعنا بما نتعلمه , و أعنا على العمل به .
4 – التوكل والتقوى :
يقول بعض السلف : " لو حقق الناس التقوى والتوكل لأفلحوا " ،
فإن التوكل بلا تقوى لا يصح ، وكل إنسان متلبس ، وهذه أخطر فكرة في الدرس ،
كل إنسان متلبس بالمعصية لا يستطيع أن يتوكل على الله ، لأنه خجول ، لأن وجهه أسود ، ... أما إذا حقق العبد التقوى ، أي طاعة الله عز وجل فبإمكانه أن يتوكل عليه ، قدمت شيئًا يا رب ، أنا أطيعك ، هذا قسمي فيما أملك ، أنا أملك أن أطيعك ، لكن لا أملك الأقدار ، الأقدار بيدك يا رب ، أنا لا أملك الصحة ، لكن أملك أن أطيعك ، أنا لا أملك المال ، لكنك تملك المال ، أنا أملك أن أطيعك ، أنا لا أملك الأقوياء ، هم بيدك ،
الأمر واضح جداً ، أنت ماذا تملك ؟
تملك أن تطيعه ، أنت مكلف بطاعته ، ما أنت مكلفٌ به محاسب عليه ، وما لست مكلفاً به لا تحاسب عليه ، الأقوياء ليسوا بيدك ، السماء ليست بيدك ، تمطر أو لا تمطر ، ...
5 – التوكل استسلام لله تعالى :
هناك استسلام لله عز وجل ، أقامك في هذا الشكل ، وفي هذا الدخل ، وبهذه الإمكانيات ، وبهذا البيت ، وبهذه الحرفة ، ليس في الإمكان أبدع مما كان ، يا رب هذا حكمك ، وأنا راض بحكمك ، مشاعر الرضى لا توصف ، المؤمن إذا ارتقى في الإيمان يشعر بالسعادة التي لا توصف حينما يرضى بقضاء الله ، ترضى بقضاء الله ، وقد يكون هذا القضاء مكروهاً .
يقول تعالى : و عَسى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئا ً و َ هُوَ خَيْر ٌ لَّكُم ْ و َ عَسَى أَن تُحِبُّوا ْ شَيْئا ً و َهُو َ شَرٌّ لَّكُم ْ و َ الله ُ يَعْلَم ُ و َ أَنتُم ْ لَا تَعْلَمُون َ
( سورة البقرة)
لذلك كان التوكل من أعظم الأسباب التي يستجلب بها الرزق ، و لو حقق العباد التوكل والتقوى لاكتفوا بذلك في مصالح دينهم ودينايهم .
إذا تحقق العدل من التقوى والتوكل فقد اكتفى بهما في مصالح الدين والدنيا .
* الآن نذهب إلى معنى و حقيقة التوكل :
)1( الحقيقة الأولى
عرف بعضهم التوكل بأنه صدق اعتماد القلب على الله ، أنت قد تعتمد على جهة ، ولا تثق بها ، تقول : هذا اعتماد كاذب ، لكن التوكل الحقيقي الذي منه تنجو من عذاب الدنيا والآخرة هو صدق اعتماد القلب على الله اعتمادا حقيقيا ،
والإنسان أحياناً يوكل قضيته لمحامٍ لامع جداً ،... فتراه يرتاح ، فلان وكلته مثلاً ، فكيف إذا كان الله جل جلاله هو الوكيل ، قال تعالى :
إِن َّ الله َ يُدافِع ُ عَن ِ الَّذينَ ءَامَنُواْ
( سورة الحج)
)2( الحقيقة الثانية
قال بعضهم ، وهذه عبارة دقيقة : حسبك من التوسل إليه أن يعلم الله من قلبك حسن التوكل عليه .
لك وسيلة واحدة إلى الله ، الوسيلة الوحيدة أن يعلم الله أنك صادق في التوكل عليه ، فكم من عبد من عباد الله فوض أمره إلى الله فكفاه الله كل ما أهمّه .
أيها الإخوة الكرام ، نقطتان : عليك أن تطيع الله ، فإذا أطعته فلك عليه حق ، تستطيع أن تتوكل عليه ، التوكل على الله ممتع ومسعد ، لكن العاصي يستحي أن يتوكل على الله ، يخجل ، لأن الذنوب حجاب ،
حقيقة التوكل صدق اعتماد القلب على الله في استجلاب المصالح ، ودفع المضار في أمور الدنيا والآخرة ، وهذا تعريف جامع مانع ، صدق اعتماد القلب على الله في استجلاب المصالح ، ودفع المضار في أمور الدنيا والآخرة .
باب التوكل واسع جداً ، عود نفسك الدعاء ، كلما أقدمت على عمل فقل : اللهم إني تبرأت من حول وقوتي ، والتجأت إلى حولك وقوتك يا ذا القوة المتين .
نتابع لاحقا ً إن شاء الله عز و جل .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
21-07-2009, 05:08 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم ,
أيها الإخوة و الأخوات نكمل اليوم ما بدأنا به سابقا ً , و سنتابع مع حقيقة التوكل :
)3( الحقيقة الثالثة
تحقيق الإيمان أي حقيقة الإيمان : أنه لا يعطي ولا يمنع ، و لا يضر ولا ينفع إلا الله ، إذاً توكل عليه .
قال بعض العلماء : " التوكل على الله جماع الإيمان ، فالإيمانُ بأكمله يلخص بالتوكل ، والغاية القصوى هي التوكل ، ...
فالتوكل غاية ، فإذا عرفت الله ، وكنت مستقيماً على أمره تتوكل عليه في جلب المصالح ودفع المضار في الدنيا والآخرة ، فالطاعة والتوكل لجلب المصالح ودفع المضار في الدنيا والآخرة .
)4( الحقيقة الرابعة
قال بعض العلماء عن توكل العبد على ربه : " أن يعلم أن الله هو ثقته " .
أحيانا يقول الإنسان : يا رب ، توكلت عليك ، وكل ثقته بفلان ، هذا يعلمه الله ، يعلم الله حقيقة هذا التوكل ، لذلك مَن سرّه أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله ، اللهم إني أسألك صدق التوكل عليك ، دققوا ، صدق التوكل ، لأن هناك توكلا كاذبا ،
قال تعالى :
يا أَيُّهَا الَّذين َ ءَامَنُواْ اتَّقُوا ْ الله َ حَق َّ تُقَاتِه ِ
( سورة آل عمران)
و َجَاهِدُوا ْ في الله ِ حَق َّ جِهَادِه ِ
( سورة الحج)
أسألك صدق التوكل على الله التوكل الحقيقي ، اللهم اجعلني ممن توكل عليك فكفيته ، حسبي الله ونعم الوكيل .
* الآن الأخذُ بالأسباب ثم التوكّلُ على الله :
لكن أيها الإخوة ، الذي لا أريده أن تفهموه مني أنك إذا توكلت على الله تركت السعي بالأسباب ، الله عز وجل قال :
يا أيُّهَا الَّذين َ ءَامَنُواْ خُذُوا ْ حِذْرَكُمْ
( سورة النساء )
و َ أَعِدُّوا ْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّة ٍ وَ مِن رِّبَاط ِ الْخَيْل ِ
( سورة الأنفال )
فَإِذَا قُضِيَت ِ الصَّلاةُ فانتشِرُوا ْ في الأرض ِ و َ ابْتَغُوا ْ مِن فَضْل ِ الله ِ
( سورة الجمعة )
كل إنسان ساكن يقبع في بيته لا يتوكل على الله حقيقةً ، أنت إنسان كسولٌ ، ليس هذا هو التوكل ،
التوكل أن تأخذ بكل الأسباب ، التوكل مكانه القلب ، والجوارح مكانها السعي ، لا تخلط هذا بذاك ، لا تلبس على الناس دينهم ، التوكل في القلب ، والسعي بالجوارح ،
قال أحد العلماء : " من طعن في الحركة يعني في السعي والكسب فقد طعن في السنة ، ومن طعن في التوكل فقد طعن في الإيمان " .
إذا ما توكل الإنسان معنى ذلك أنه ضعيف الإيمان ، وإذا ما سعى فهو ضعيف التطبيق للسنة ، النبي كان يسعى ، وأكملُ شيءٍ أن تسعى بجوارحك ، وأن تتوكل بقلبك ، أنا علي أن أسعى ،
وأوضحُ مثل أن المطارِدين من قريشٍ حينما وصلوا إلى غار ثور النبي بقي رابط الجأش ، هو أخذ بالأسباب ، والآن هو متوكل ،
لك مظهران مظهر السعي والنشاط والحركة ، والعلم والأسباب والخطط ، ومظهر من الداخل سلام في سلام ، يا رب ، هذا الذي علي فعلته بقي الذي عليك ، في الدراسة ، والزواج والتجارة والصناعة والقضاء والطبابة والتدريس والهندسة ،...
هذه حقيقة التوكل الصادق .
إن شاء الله سنتابع لاحقا ً مع المزيد .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
24-07-2009, 01:01 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
نتابع بفضل الله ...
بسم الله الرحمان الرحيم
التوكلُ حالُ النبيِّ والكسبُ سنّتُه :
أيها الإخوة الكرام ، التوكل حال النبي والكسب سنته ، فمن عمل على حاله لا ينبغي أن يترك سنته ، سنته السعي وحاله التوكل ،
أنت مكلف أن تقلده في حاله وفي سنته ، في حاله بالاستسلام ، فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا جاءه أمر على ما يريد قال : الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وإن جاءت الأمور على غير ما يريد قال : الحمد لله على كل حال ، هكذا الله يريد ، أنت كل حياتك من أجله ،
قال تعالى :
قُل ْ إِن َّ صَلَاتِى و َ نُسُكِى و َ مَحْيَاىَ و َ مَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين َ
( سورة الأنعام )
كل حياتي من أجلك يا ب ، وهذا قرارك ، وهذه حكمتك .
والله مرة قرأت لوحة فيه :
] وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ [
( سورة الطور : من الآية 48 )
لو كان حكم الله واضحا جداً فا يحتاج إلى صبر ، لما تكون مريضا عند طبيب أسنان ، ويعطيك إبرة البنج المخدر ، وتعرف أن الإبرة مؤلمة ، لا أقول : جداً ، لكن مؤلمة ، لكن ألمها أخف بكثير من آلام قلع الضرس ، فالأمر واضح عندك ، لأنه واضح فأنت صابر ،
لكن الأمر إذا ما كان واضحا فالله عز وجل يقول لك :
] وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ [
أجمل شيء في حياة المؤمن إذا جاءت الأمور على خلاف مراده يقول : يا رب ، لك الحمد ، أنا مستسلم ، أنا راض يا رب ، التوكل حال النبي ، والكسب سنته .
* علاقة التوكل بأفعال الإنسان التعبدية والعادية :
1 – علاقة التوكّل بالطاعة والعبادة :
قال بعض العلماء : " أفعال الإنسان ثلاثة أنواع ، أولها الطاعات التي أمر الله عباده بها ، وجعلها سبباً للنجاة من النار ودخول الجنة ، هذه الطاعات لا بد من فعلها مع التوكل على الله ، والاستعانة به عليها ،
فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله ، قال النبي عليه الصلاة والسلام في تفسير هذه الكلمة :
(( لا حول عن معصية الله إلا بالله ، ولا قوة على طاعته إلا به )) .
[ ورد في الأثر ]
يجب أن تتوكل على الله في أداء الطاعات ، وأحيانا الله عز وجل يضعف لك همتك ، يضعف لك مقاومتك أحياناً ، وإذا رزق الله الإنسان الاستقامة فلا ينبغي أن يتيه بها على الخلق ،
أنا مستقيم ، وأنا غير فلان ، ومن أنت ؟ إذا كنت مستقيماً فهذا فضل من الله عليك ، فإذا استقام الإنسان على أمر الله ، واعتد باستقامتك ، وتاه بها على عباد الله فهذه ليست استقامة ،
لقد شابها الكبر ، شابها العلو ، لذلك هذه الاستقامة ليست مقبولة إلا إذا خالطها التواضع ، خالطها العبودية لله ، المؤمن الصادق إذا وفقه الله لطاعة يشكر الله على أن وفقه إليها ، يا رب ، سمحت لي أن أقوم بهذا العمل ، سمحت لي أن أحضر هذا المجلس ، وهناك إنسان مريض ، وإنسان يسبب الله عز وجل له متاعب كثيرة في حياته ، مشاكل في البيت والعمل ، والأولاد ، فإذا فرغه الله عز وجل ، وسمح له أن يحضر مجلس علم فهذه من نعم الله ،
قال تعالى :
يَمُنُّونَ عَلَيْك َ أَن ْ أَسْلَمُواْ قُل لَّا تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلَامَكُم ْ بَل ِ الله ُ يَمُنُّ عَلَيْكُم ْ أَنْ هَدَاكُم ْ لِلْإِيِمَان ِ
(سورة الحجرات )
حتى العبادة تحتاج إلى توكل ، والدليل ، الفاتحة :
] إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعِينُ [
( سورة الفاتحة : الآية 5 )
تستعين بالله على صلاتك ، وعلى صيامك ، وعلى حجك ، وعلى زكاة مالك ، وعلى غض بصرك ، وعلى ضبط لسانك ، وعلى تحرير دخلك ، وعلى قيامك بالأعمال الصالحة .
نتابع لاحقا ً إن شاء الله , مع النقطة الثانية بعنوان :
2 – علاقة التوكّل بالعادة والمباح , و من ثم مع أثر التوكل على الله بالقلب .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
26-07-2009, 02:20 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم ,
إخوتي و أخواتي وصلنا إلى النقطة الثانية :
2 – علاقة التوكّل بالعادة والمباح
الشيء الثاني : ما أجرى الله به العادة في الدنيا ، وأمر به عباده ، كالأكل عند الجوع ، والشرب عند العطش ، والاستظلال من الحر والتدفؤ من البرد ، هذه أيضاً أسباب ،
إن لم تأخذ بها تحاسب عليها ، فإذا أهمل الإنسان طعام الفطور ، وحدث معه ضعف ، أو أهمل نوع الطعام ، أهمل الحاجات الأساسية التي أمره الله بها ، وحدثت له مشكلة فهذه المشكلة يحاسب عليها ، يحاسب على تقصيره ،
جسمك ليس ملكك ، فهذا الجسم أمانة بين يديك ، سلمك الله إياك فعليك أن تعتني به لأنه قوام حياتك ، ورأس مالك في حياتك ، فالعناية بالصحة جزء من الدين ، أن تعلم ماذا تأكل ، ماذا تشرب ، ...
* لو حقق العباد التوكل على الله بقلوبهم لساق الله إليهم أرزاقهم مع أدنى سبب :
الآن يقول بعض العلماء : لو حقق العباد التوكل على الله بقلوبهم لساق الله إليهم أرزاقهم مع أدنى سبب كما يسوق إلى الطير أرزاقها بمجرد الغدو والرواح .
أحيانا الله عز وجل يرزقك ، لكن بعد أن يعصرك ، مشاكل ، ومعالجة مع الناس حتى تلحق رزقك ، وأحيانا يكرمك الله فيبعث لك رزقا يكفيك مع جهد بسيط ، هذا من إكرام الله لك .
اسمعوا هذه الحقيقة ، إذا طلبت العلم ، وحضرت مجالس العلم ، وأعطيت من وقتك الثمين وقتاً لمعرفة الله ، بفهم كتابه ، بفهم سنة نبيه ، بفهم السيرة ، أرجو الله عز وجل ألا أكون مبالغاً في هذا ، ساق الله لك رزقاً وفيراً مع جهد يسير ،
أقول لكم : الآن أي عمل من أعمالكم إذا استغرق كل وقتكم مهما علا دخله فهو خسارة كبيرة ، وقد ألغى وجودك ، أنت تعمل من أجل رسالة ، من أجل إيمانك بالله ، من أجل عمل صالح ينفعك بعد الموت .
أنا أخالف أناساً ، الدنيا كلها ما عنده شيء غير تجارته من الفجر إلى نصف الليالي ، لا زوجة ، لا أولاد ، لا مجلس علم ، لا درس فقه ، لا قرآن ، كل وقته في تجارته ، تجارته قبر له ،
وفي معمله ، معمله قبر له ، وفي وظيفته ، وظيفته قبر له ، انتهى الإنسان ، العمل الذي يستغرق كل وقتك هو خسارة فادحة ، ولو در عليك مئات الألوف ، لأنك انتهيت ، انتهى وجودك ، انتهت رسالتك .
أحيانا هناك إنسان يتباهى ، والله أنا آتي بعد ما ينام أولادي ، وأذهب قبل أن يستيقظوا ، مَن لهم أولادك ؟ أنت لست أبًا ، أنت منفق عليهم فقط ، لو حقق العباد التوكل على الله بقلوبهم لساق الله إليهم أرزاقهم مع أدنى سبب ، كما يسوق إلى الطير أرزاقها بمجرد الغدو والرواح .
لذلك الإمام أبو حنيفة قرأ عن النبي عليه الصلاة والسلام حديثاً ، كان هذا الحديث انعطافاً في حياته ، ما هذا الحديث ؟ (( من طلب العلم تكفل الله له برزقه )) .
[ ورد في الأثر ]
هذا الكلام قطعي ، إذا طلبت العلم تكفل الله لك برزقك ، وربما حرم الإنسان الرزق بذنب يصيبه ، لأن الذنوب تقطع الأرزاق .
* الآن من أسباب الرزق :
1 – الاستقامة
وعندنا للرزق سبب آخر ، ففي آية قرآنية استنبط منها العلماء أن هذا العمل يسبب بحبوحة الرزق ، قال تعالى :
و َ أَلَّو ِاسْتَقَامُواْ عَلَى الطَّرِيقَة ِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّآء ً غَدَقا ً
2 – الصلاة
قال تعالى :
و َ أْمُر ْ أَهْلَك َ بِالصَّلاة ِ و َ اصْطَبِر ْ عَلَيْهَا ( سورة طه )
الدليل :
لَا نَسْأَلُك َ رِزْقَا ً نَّحْن ُ نَرْزُقُك َ و َ الْعَاقِبَة ُ لِلتَّقْوَى
( سورة طه )
3 – التقوى والتوكل
التقوى والتوكل هذه الثالثة .
4 – الاستغفار وإتقان العمل والأمانة والصدقة وصلة الرحم :
الاستغفار ، إتقان العمل ، الأمانة ، صلة الرحم ، الاستقامة والصدقة ، استمطروا الرزق بالصدقة والتوكل مع التقوى .
انتهى
و يتبع بإذن الله مع (( بمَ نفسِّر عدم توافر الرزق مع توافر أسبابه ؟ )) , و نقاط أخرى بإذنه تعالى .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
27-07-2009, 05:43 PM
الســــلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم , نتابع اليوم بفضل الله تعالى مع :
* بمَ نفسِّر عدم توافر الرزق مع توافر أسبابه ؟
هذه كلها أسباب لوفرة الرزق // التي سبق و ذكرناها سابقا ً ،
وإذا توافرت كلها والرزق قليل فبمَ نفسر ذلك ؟ نفسر ذلك بالحكمة ، كما في الأثر : " إن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ، فإذا أغنيته أفسدت عليه دينه ، وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ، ولن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها ، والأجل محدود والرزق مقسوم ، لا تقلق ،
قال بعض السلف : توكل تُسَقْ إليك الأرزاق بلا تعب ولا تكلف .
* ثانيا ً : علامة صدق التوكل اليأس مما في أدي الخلق
سئِل أحد العلماء : " ما علامة صدق التوكل ؟ فقال : أن يتوكل العبد على الله ، وألا يكون في قلبه أحد من الآدميين يطمع أن يجيبه بشيء .
يجب أن تيئس مما في أيدي الخلق ، ما دام فلان لا يقصر لو طرقت بابه ، فلان يودني ، تقول : باب السماء مغلق ، إذا يئست بما في أيدي الخلق أمدك الله عز وجل بما تحتاج ، فعلامة صدق التوكل اليأس مما في أدي الخلق .
لا تسألن بني آدم حــاجة و سل الذي أبوابه لا تُحجَب
الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يُسأَل يَغضب
***
كان أهل اليمن يحجون ، ولا يتزودون ، ويقولون : نحن متوكلون ، فيحجون ، فيأتون مكة ، فيسألون الناس ، فأنزل الله هذه الآية :
و َ تَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّاد ِ التَّقْوَى
( سورة البقرة )
هذه الآية تدل على الأخذ بالأسباب ، الحقيقة أن صدق التوكل عرفه بعضهم بأنه قطع الاستشراف من الخلق ، الاستشراف هو الطمع .
سئل أحد العلماء : ما الدليل ؟ قال : قول إبراهيم عليه السلام لما عرض عليه جبريل أن يساعده ، وهو يرمى في النار ، فقال له : ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا ، وظاهر الكلام أن إبراهيم ترفع عن سؤال جبريل حينما ألقي في النار .
الله عز وجل حينما رأى منك يأسك من الخلق أمدك بما تريد .
سئل أحد العلماء ، وهو بشر الحافي عن التوكل فقال : اضطراب بلا سكون ، وسكون بلا اضطراب ، فقال له السائل : فسره لنا حتى نفقهه ،
فقال بشر : اضطراب بلا سكون ، رجل تطرب جوارحه بالسعي ، وقلبه ساكن إلى الله لا إلى عمله ، سعى وأخذ بالأسباب ، وخطط ، وسأل ، وقدم واستدعى ، أخذ بكل الأسباب ، هذا اضطراب ، لكن بلا سكون إلى هذا العمل ، بل السكون إلى الله عز وجل ،
رجل ساكن إلى الله عز وجل بلا حركة ، ولا اضطراب ، فاضطراب بلا سكون ، وسكون بلا اضطراب .
* ثالثا ً : كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ
إذا توكل الإنسان على الله عز وجل ، وقصر في تحصيل رزق أولاده فهو محاسب عند الله ، والدليل : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ )) .
[ أبو داود ]
بإذن الله نكمل لاحقا ً , مع المزيد .
Barbie
29-07-2009, 03:24 PM
الســـلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم ,
أيها الإخوة و الأخوات لا نزال في درس التوكل على الله , و مما تعلمناه أن التوكل لا يعني الخمول و الكسل ... و لا يدفعنا للتوقف عن السعي في أمور الدنيا ...
و انطلاقا ً من هذا المبدأ سنتحدث اليوم عن النقاط التالية ( التي تبرهن لنا أهمية العمل و عدم الخنوع بحجة التوكل ) , لنختم بها درسنا , و لله الحمد .
* أولا ً : الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ
النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ )) .
[ صحيح مسلم]
كل مؤمن يسعى ويكسب المال ، ويتخذ الأسباب ، هذا قوي ، هذا أحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، لأن قوته للمسلمين .
أخ درس دراسة عالية جداً ، احتل منصبا رفيعا ، تمكن أن يخدم خمسين أخا ، فكلما قوي مركزُ الإنسان كثر ماله ، وعلا شأنه ، احتل مركزاً رفيعاً ، كثر عمله الصالح ، (( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ )) .
ولكن القوي أحسن ، كإنسان يحمل شهادة عالية جداً ، ويصلي أمام الناس ، يشجج الضعفاء ، صاحب مشروع ضخم ، ومستقيم استقامة تامة ، العمال كلهم يرونه قدوة ، فكلما ارتفعت مكانةُ الإنسان الاجتماعية صار قدوة ، أما إذا كان مقصرا فيقال له : اذهب وخذ الشهادة أولا ، ثم حل مشاكلك قبل أن تنصحنا .
* ثانيا ً : المؤمن العملي المثالي قدوة لغيره
أنا قلت مرة لأخ : الناس الآن لا يحترمون المؤمن ، ولا يقتدون به إلا إذا تفوق في عمله ، إذا كان دكانه نظيفة جداً ، حسابات دقيقة مثلاً ، إذا كان في التعامل رقي ، وإذا كان فيه فوضى و تقصير تجاوزات وإهمال لا يُقتدى به .
(( إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ : حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ )) .
[ أبو داود]
إنسان مقصر ما نجح ، وما درس يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله ، حسبي الله ونعم الوكيل ، هذا جهل ، ادرس ،
اشترى بضاعة من دون دراسة فما بيعت معه ، ثم قال : هكذا ترتيب الله ، حسبي الله ونعم الوكيل ، لا هذا تقصير منك .
(( إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ : حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ )) .
أحيانا يحدث أمر قاهر ، وأدق قول قال النبي عليه الصلاة والسلام :
(( إن التوكل بعد الكيس )) .
[ ورد في الأثر ]
معنى الكيس التعقل ، بعد أن تأخذ بالأسباب تتوكل على الله .
فمن لوازم التوكل الأخذ الأسباب .
قال العلماء : إن التوكل لا ينافي الأسباب ، بل قد يكون الجمع بينهما أفضل ، أن تجمع بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله عز وجل ، والتوكل بالقلب ، والأسباب بالجوارح .
* ثالثا ً : أقوال حكيمة في التوكل على الله
1 – من توكل على الله لطلب الرزق فقد جعل التوكل سبباً :
أخر نقطة في التوكل هي من أدق نقاطه : من توكل على الله لطلب الرزق فقد جعل التوكل سبباً ، أنا سوف أتوكل حتى الله يرزقني ، جعلت التوكل سبباً ،
يجب أن تتوكل على الله لأنك راض بما قسمه لك ، وإن توكلت على الله لأنك راض بما قسمه لك فهذا هو التوكل الحقيقي ،
أما إذا توكلت على الله كي تجلب بهذا التوكل الرزق فهذا التوكل أصبح مشوبًا .
2 – من توكل على الله لطلب الرزق فقد جعل التوكل سبباً :
لا تكونوا بالمضمون مهتمين فتكونوا للضامن مُتَهِمين .
3 – التوكل على الله على ثلاث درجات :
الحكماء قالوا : التوكل على الله على ثلاث درجات :
أولها ترك الشكاية ، فهناك إنسان كثير الشكوى ، أينما جلس يحيطك بهالة سوداء ، الشغل صعب ، أولاد ، بيت ، جيران ، مشاكل ، فترك الشكاية أول درجة من درجات التوكل .
وثاني هذه الدرجات : الرضا .
وثالث هذه الدرجات : المحبة ، فترك الشكاية درجة ، والرضا درجة ، والمحبة درجة ثالثة ، الأولى للزاهدين والثانية للصادقين والثالثة للمرسلين .
4 – أصبحت ومالي سرور إلا في مواضع القضاء والقدر :
كان سيدنا عمر بن عبد العزيز يقول : " أصبحت ومالي سرور إلا في مواضع القضاء والقدر الذي يقضيه الله عز وجل " ، أنا راض به ، قال سيدنا علي : << الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين >> .
و أخيرا ً : لهذا كان التوكل موضوع هذا الدرس
سقت هذا الدرس للأسباب التالية :
الحياة ... معقدة ، والهموم كثيرة ، والضغوط شديدة ، والصراعات على أشدها ، وكسب المال صعب ، وتوفير الأعمال صعب ، والشبهات كثيرة ، فهذه الضغوط من شأنها أن تضغط على الإنسان فتصيبه بالعطب ، الحل لمثل هذه الحالات الصعبة طاعة الله ، والتوكل عليه ،
الآية التي أتمنى أن تكون شعاراً لكم جميعاً أولها بل ، بل حرف إضراب ، بل تنفي ما قبلها ، وتثبت ما بعدها ، قال تعالى :
بَل ِ الله َ فَاعْبُدْ و َ كُن ْ مِن َ الشَّاكِرِِينَ
( سورة الزمر )
هذه مهمتك ، وبها تنتهي مهمتك ، لن تستطيع التوكل عليه إلا إذا أطعته ، إنك إن لم تطعه تشعر بالخجل ، تشعر بالحجاب .
علاجنا أيها الإخوة إذا اشتدت الأمور ، وضاقت المكاسب ، وتعقدت الظروف في التوكل .
... ، فالمفروض على الإنسان أن يستسلم ، ويستقيم ، ويتوكل ، وعلى الله الباقي ، فالتوكل يحتاج إلى استقامة ، استقم تر أن الله معك ، وكن مع الله تر الله معك .
انتهى الدرس الثاني عشر بفضل الله تعالى .
و نرجوا من الله أن نكون قد استفدنا به , و نسأله أن يعيننا على تطبيقه .
و الله و لي التوفيق .
يتبع مع درس جديد بإذن الله تبارك و تعالى .
Barbie
04-08-2009, 04:03 PM
الســـلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
أيها إلإخوة و الأخوات , عدنا مع درس جديد , بعنوان أمة التبليغ و أمة الإستجابة // مقتبس من موسوعة النابلسي للعلوم الإسلامية .
الدرس الثالث عشر
بسم الله الرحمان الرحيم ,
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة الأكارم ... يحتاج المؤمن أحياناً إلى أن يملك التفسير الصحيح ، أن تملك التفسير الصحيح للأحـداث هذه نعمة كبرى ينعم الله بها على المؤمن ، و النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة وردت في باب الفتن ( و التي سنبدأ بذكرها لاحقاً و تباعا ً في درسنا هذا بإذن الله تعالى ) له توجيهات نظرية وله توجيهات عملية ، ففي كتاب الفتن من قسم الأفعال من كتاب كنز العمال أحاديث كثيرة تلقي ضوءاً ساطعاً على بعض القضايا .
* يعني آحاد الأمة لها أحكام ومجموع الأمة لها أحكام ، فأنت كمؤمن إن آمنت بالله عز وجل واستقمت على أمره وأخلصت له وعملت الصالحات فلك بنص القرآن الكريم حياة طيبة ، وبنص القرآن الكريم لك مودة مع الله ، وبنص القرآن الكريم إن الله يدافع عنك ، وبنص القرآن الكريم أن الله يحفظك وينجيك ،
هناك وعود كثيرة تزيد عن عشرين وعداً إلهياً وعد الله بها المؤمن ، هذا الموضوع ليس بمشكلة فهو معروف عندكم جميعاً ، و لكن أحياناً حينما تكون الأمة المنتمية إلى النبي عليه الصلاة والسلام في مجموعها مقصرة عندئذ قد ينشأ ظرف تحار في تفسيره .
* كلنا يظن نفسه أنه من أمة نبينا محمد ، توضيح دقيق : فهناك من ينتمي إلى النبي انتماء التبليغ وهناك من ينتمي إلى النبي انتماء الاستجابة ، فأنت إما أن تكون من أمة التبليغ وإما أن تكون من أمة الاستجابة ،
فلأنك مسلم ومن أب مسلم ومن أم مسلمة ولأنك نشأت في بيئة مسلمة ، ولأنك تحضر خطب الجمعة ، وفي منهاجك المدرسي مادة التربية الإسلامية فأنت مسلم وقد بلغت الإسلام من والديك ومن أساتذتك ومن علماء المسلمين بحكم انتمائك إلى أب مسلم وأم مسلمة وبحكم تلقيك الدروس الدينية إن في المدرسة وإن في المسجد ، فأنت أيها الأخ الكريم مصنف مع أمة التبليغ ،
لكنك إذا سمعت الحق وفهمته وتدبرته ووعيته واستجبت لله عز وجل :
يا أَيُّهَا الَّذِين َ ءَامَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ و َ لِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ
(سورة الأنفال 24)
فالآن أنت تنتقل من أمة إلى أمة ، تنتقل من أمة التبليغ إلى أمة الاستجابة ، عندئذ جميع الوعود التي وعد الله بها المؤمنين كجماعة لا كأفراد تنطبق عليك :
وَعَدَ اللهُ الَّذِين َ ءَامَنُواْ مِنكُمْ و َ عَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ في الأَرْض ِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذينَ مِن قَبْلِهِمْ و َ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ
(سورة النور 55)
إِن يَنصُرْكُمُ الله ُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ
(سورة آل عمران 160)
إِن تَنصُرُواْ اللهَ يَنصُرْكُم ْ و َ يُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)
(سورة محمد)
و َ لَا تَهِنُواْ وَ لَا تَحْزَنُواْ و َ أَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(139)
(سورة آل عمران)
* إذاً هناك وعود في القرآن موجهة إلى الأفراد ، ووعود متوجهة إلى مجموع الأمة ، فأنت إذا كنت من أمة الاستجابة ينالك وعود الأفراد ووعود الجماعة ،
فإن كان مجموع الأمة في تقصير ، في ضياع ، في تهاون ، في مخالفات ، في إعراض ، في تشتت ، في حب للدنيا فعندئذ جميع الوعود التي وعد الله بها الأمة كمجموعة ، هذه الوعود معطلة .
فالإنسان حتى يبقى متوازناً ، حتى يملك تفسيراً صحيحاً لما يجري حتى يملك التفسير الصحيح لما يفعله الله عز وجل ، القرآن حق ، وكلام الله حق ، وزوال الكون أهون من أن يُعطَلَ وعدُ الله لمجموع الأمة .
* الآن وقفة مع بعض الأحاديث ( التي وردت في باب الفتن ) :
)1( عن سهل بن سعد الساعدي ، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لأصحابه : كيف أنتم إذا بقيتم في حثالة من الناس ، مرجت أماناتهم وعهودهم وكانوا هكذا ، ثم أدخل أصابعه بعضها في بعض .
يعني الأمانة معدومة ، لا دين لمن لا أمانة له ، ولا إيمان لمن لا عهد له ، ليس هناك أمانة وليس هناك عهد .
كيف أنتم إذا بقيتم في حثالة من الناس ، مرجت أماناتهم وعهودهم وكانوا هكذا ، ثم أدخل أصابعه بعضهــا في بعض ، قالوا : إذا كان كذلك كيف نفعل يا رسول الله ؟ قال : خذوا ما تعرفون ودعوا ما تنكـرون ،
ثم قال عبد الله بن عمرو بن العاص : ما تأمرني به يا رسول الله ؟ قال : آمرك بتقوى الله وعليك من نفسك وإياك عامة الأمور .
)2( وهذا حديث آخر : يقول عليه الصلاة والسلام :
إن في آخر الزمان دعاة على أبواب جهنم من أطاعهم أدخلوه فيها ، قال : قلت يا رسول الله : كيف النجاة منها ؟ قال عليه الصلاة والسلام : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم .
أنت لك جماعة ، لك إمام ، أنتم على الحق على منهج الله ، على العقيدة الصحيحة ، على الأسلوب الصحيح ، على الطريق المستقيم .
قال : قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال : اعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على غصن شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك .
نتابع لاحقا ً إن شاء الله تعالى , مع المزيد .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
06-08-2009, 11:17 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
نتابع من جديد , أيها الإخوة و الأخوات , مع الأحاديث التي ذكرها رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم في باب الفتن :
)3( عن حذيفــة بن اليمان قال : كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني.
ليس بخيركـم من عرف الخير ولا من عرف الشر ، لكن من عرف الشرين وفرق بينهما واختار أهونهما .
فقلت يا رسول الله : إن كنا أهل جاهلية وشر فقد جاء الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شر ؟
يعني بعد النبي وأصحابه ، بعد هذه الشعلة التي أضاءت العالم ، هل بعد هذا الخير من شر.
قال : نعـم ، قال : فقلت هل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال : نعم وفيه دخن ، قلت : وما دخنه ؟ قال : قوم يستنون بغير سنتي ، ويهتدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر .
بأعمالهم أشياء صحيحة وأشياء غير صحيحة ، في عقائدهم عقائد صحيحة وغير صحيحة.
قال : نعم ، قال : فقلت هل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال : نعم وفيه دخن ، قلت : وما دخنه ؟ قال : قوم يستنون بغير سنتي ، ويهتدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر ، قلت : فهل بعـد ذلك الخير من شر ؟ قال : نعم ، خير ثم شر ثم خير ثم شر ، دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه إليها .
حق صراح بعده فتن ، بعده خير فيه دخن ، بعده شر دعاة إلى أبواب جهنم ، هذا حديث آخر من أحاديث الفتن .
)4( النبـي عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عنه حذيفة بن اليمان ، يقول النبي عليه الصلاة والسلام : كيف أنتم إذا كنتم بين عاجز وفاجر .
مسلم عاجز ، وإنسان آخر فاجر ، القوي فاجر والمسلم ضعيف ، هذه علامة من علامات آخر الزمان .
النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ .
(صحيح مسلم 4816)
لم يقل : القوي خير ، لأن القوة من غير إيمان قوة غاشمة ، قوة خطيرة ، قيد القوة بالإيمان، فقال : المؤمن القوي خير .
)5( وعن سهل بن سعد ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
اللهم لا ترني زماناً لا يتُبعُ فيه العليم .
يعني أحياناً عامة المسلمين ينحون باللائمة على العلماء ، العلماء ماذا يستطيعون أن يفعلوا غير أن يبينوا ، لو أن الناس اتبعوهم لكانوا في حال غير هذه الحال ،
لو اتبعهم واحد أو اثنان أو عشرة أو مائة هؤلاء الذين اتبعوا الحق لهم عند ربهم وعدهم وتوفيقهم وحفظهم ،
ولكن لو أن مجموع الأمة اتبعت علماءها لكانت الأمة في حال أحسن، فلا رأي لمن لا يطاع .
فيقول النبي عليه الصلاة والسلام :
اللهم لا ترني زماناً لا يُتبع فيه العليم ، ولا يستحيا فيه من الحليم.
العليم لا يتبع ، يعني لا اتباع ولا حياء ، الإنسان أحياناً يكون كثير العلم قليل الحياء ، لا علم ولا حياء ، هذه أيضاً علامة من علامات آخر الزمان .
)6( وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : ذكر رسول الله صلى عليه وسلم فتنة بين يدي الساعة ، قال : قلت وفينا كتاب الله ، قال : وفيكم كتاب الله .
فينا كتاب الله بين أيدينا نقرؤه صباح مساء ، آياته واضحة جلية ، أحكامه دقيقة ، سبل النجاة فيه ميسرة ، ومع ذلك فالناس لا يتبعونه ، جعلوه وراء ظهورهم ، أعرضوا عن تطبيقه، ما آمن بالقرآن من استحل محارمه ، ربّ تال للقرآن والقرآن يلعنه ، فلذلك ذكر النبي عليه الصلاة والسلام فتنة بين يدي الساعة .
قلت : وفينـــا كتاب الله ، قال : وفيكم كتاب الله ، قلت : ومعنا عقولنا ، قال : ومعكم عقولكم .
فيكم أذكياء كثر ، وفيكم عقلاء كثر ، لكن هذا العقل مسخر للدنيا ، هذا العقل مسخر لمصالح دنيوية لا لمعرفة الله عز وجل ،
فقد تكون فتنة كبيرة والذين وقعوا فيها بين أيديهم كتاب الله وعقولهم في رؤوسهم ، ولكن كتاب الله مهجور وعقولهم معطلة ، أيضاً هذه علامة من علامات آخر الزمان .
بإذن الله نتابع لاحقا ً مع المزيد من الأحاديث و التفسير .
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
بارك الله بك أخت باربي وأثابكي كل خير
Barbie
07-08-2009, 10:59 PM
و بكم بارك الله أختي مايا .
Barbie
08-08-2009, 08:32 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم ,
نتابع بفضل الله تعالى ... و سنكمل ذكر الأحاديث التي تدخل في باب الفتن :
)7( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : تكون فتنة لا يُنَجّي منها إلا دعاء كدعاء الغريق .
تصور إنسان وقع في البحر والأمواج طاغية ولا يجيد السباحة وليس له إلا الدعاء كيف يدعو! أظنه أنه يدعو بكل خلية في جسده ، بكل عضو من أعضائه .
)8( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنه سيصيــب أمتي داء الأمم ، قالوا : يا نبي الله وما داء الأمم ؟ قال : الأشر والبطر والتكاثر والتنافس في الدنيا والتباغض والتحاسد حتى يكون البغي ثم يكون الهرج .
)9( وعن ابـن مسعود رضي الله عنه قال : أخاف عليكم فتناً كأنها الليل ، يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه .
يعني له قلب ميت لا يعي على خير ، لا يفعل شيئاً ابتغاء وجه الله، لا يتحرك إلا بالمال ، قلبه لا يرحم ، يريد أن يحيا ويموت الناس ، يبني مجده على أنقاض الناس ، يبني غناه على فقر الناس ، مثل هذا الإنسان مات قلبه وهو عند الله من الميتين ،
قال تعالى :
أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءِ و َ مَا يَشْعُرُنَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ( 21 )
(سورة النحل 21)
الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا .
)10( وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : يأتي على الناس زمان يأتي الرجل القبر فيضطجع عليه ويقول يا ليتني مكان صاحبه ، ما به حب للقاء الله ولكن لما يرى من شدة البلاء .
)11( عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم :
تكون فتنة النائم فيها خير من المضطجع والمضطجع فيها خير من القاعد والقاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الراكب والراكب فيها خير من المجري، قيل: ومتى ذلك؟ قال: ذلك أيام الهرج حين لا يأمن الرجل جليسه .
(كنز العمال 30991)
)12( وعن مرداس قال : قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه :
(يقبض الصالحون، الأول فالأول، وتبقى حثالة كحثالة التمر والشعير، لا يعبأ الله بهم شيئا ).
(صحيح البخاري 3925)
كنت أقول لكم دائماً الإنسان إذا هان الله عليه هان على الله ، إذا أردت أن تعرف مقامك فاعرف فيما أقامك ، إذا أردت أن تعرف ما لك عند الله فاعرف ما لله عندك ،
هل أنت عند الأمر والنهي ؟ هل يراك حيث أمرك ؟ هل يفتقدك حيث نهاك ؟ هل شرعه معظم عندك ؟ هل تحرص أن تكسب مالك بالحلال ؟ هل ترعى حرمات الله ؟ هل تعظم شعائر الله ؟
يعني الدخل حرام ، واختلاط ، ومنكر ، وشرب خمر ، وزنى ، وبغي وعدوان ، وكبر ، مجتمع غارق في الوحول والشهوات ، هؤلاء حثالة كحثالة التمر أو الشعير لا يبالي الله بهم .
وكما قلت في مطلع الدرس هناك وعود وعد الله بها المتقين كأفراد ، وهناك وعود وعد الله بها المؤمنين كجماعة ،
فالفرد ما دام يؤمن بالله الإيمان الصحيح ويطبق أمره التطبيق الصحيح وله إخلاصه فله عند الله مكانته وحفظه وله نجاته وله معاملة إلى حدٍ ما خاصة ما دام يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، أما مجموع الأمة ، حين يقول الله عز وجل :
وَعَدَ اللهُ الَّذِين َ ءَامَنُواْ مِنكُمْ و َ عَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ في الأَرْض ِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذينَ مِن قَبْلِهِمْ و َ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ
(سورة النور 55)
إِن يَنصُرْكُمُ الله ُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ
(سورة آل عمران 160)
إِن تَنصُرُواْ اللهَ يَنصُرْكُم ْ و َ يُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)
(سورة محمد)
و َ لَا تَهِنُواْ وَ لَا تَحْزَنُواْ و َ أَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(139)
(سورة آل عمران)
الوعود المتعلقة بمجموع الأمة لا تتحقق إلا إذا كان مجموع الأمة كما يريد الله عز وجل .
* وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
تكون فتن لا يستطيع أن يغير فيها بيد ولا بلسان
يعني هناك فتن ضمن إمكانات المسلمين أن يغيروها ، ولكن هناك فتن أخرى يقف المسلم إزاءها عاجزاً لا يستطيع أن يغيرها لا بيده ولا بلسانه .
فقال علي: يا رسول الله! وفيهم مؤمنون يومئذ؟ قال: نعم، قال: فهل ينقص ذلك من إيمانهم؟ قال: لا إلا كما ينقص المطر على الصفا.
(كنز العمال 31520)
* وعن علي رضي الله عنه قال : سيأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ، ولا يبقى من القرآن إلا رسمه .
يعني الكتاب : القرآن فإذا كان مطبوعاً طباعة أنيقة ، ويوضع في أجمل مكان في البيت ، وللبيت مظاهر إسلامية ، والمساجد فخمة مزخرفة ، والناس يعتزون بأنهم مسلمون ، ولكن حلقاتهم اليومية ، دخلهم ، حركاتهم ، علاقاتهم بغيرهم ، ليس أساسها الإسلام ،
أساسها ما تعارف عليه الناس من عادات وتقاليد فهم غثاء ، ...
يعني النبي الكريم يقول حديثاً لو فهمناه فهماً عميقاً لكان لنا شأن آخر .
لو أن في الأمة المحمدية أمة الاستجابة لا أمة التبليغ ، لو أن فيها هذا العدد لن تغلب من قلة ، المسلمون يعدون ألف مليون ، ألف مليون، لذلك يبدو أنه لم يبق من الإسلام إلا اسمه على مستوى المجموع ولا من القرآن إلا رسمه ،
مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى وهم بعيدون عن الدين بعداً شديداً ، فأنت تراهم كأنهم ليسوا من بني البشر لقسوة قلوبهم ، ولغلظة طباعهم ، ولأنانيتهم ، ولأثرتهم ، ولاتجاههم نحو الأذى والشر .
سنكمل بإذن الله تعالى لاحقا ً .
اللهم انفعنا بما علمتنا .
Barbie
12-08-2009, 04:17 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
نتابع ما بدأنا به , بفضل الله تعالى :
بسم الله الرحمان الرحيم
الأحاديث الواردة كثيرة ، يعني قراءتها تكفي لا تحتاج إلى شرح ، ولكن الإنسان حينما يرى المؤمن مستضعفاً ، أو المسلم لا يرى وعود الله التي وعده إياها كمجموعة متحققة لأمته أما كأفراد هذا موضوع آخر ،
المؤمن كآحاد كفرد موعود بحياة طيبة ، موعود بطمأنينة ، موعود بأن يدافع الله عنه ، موعود بأن ينجيه الله من كل كرب ، موعود بوعود كثيرة هذه كلها محققة على مستوى الأفراد ،
أما على مستوى الأمة فلا تتحقق وعود الله إلا إذا كانت الأمة بمجموعها كما أراد الله عز وجل ، فإن كانت كما يريد الله جاء قول الله تعالى :
و َ لَا تَهِنُواْ وَ لَا تَحْزَنُواْ و َ أَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139)
(سورة آل عمران)
إن كانت الأمة بمجموعها كما يريد الله عز وجل يأتِ قول الله تعالى :
إِن يَنصُرْكُمُ الله ُ فَلَا غَالِبَ لُكُمْ
(سورة آل عمران 160)
إن كانت الأمة بمجموعها كما يريد الله عز وجل يأتِ قول الله تعالى :
وَعَدَ اللهُ الَّذِين َ ءَامَنُواْ مِنكُمْ و َ عَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ في الأَرْض ِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذينَ مِن قَبْلِهِمْ و َ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ
(سورة النور 55)
لذلك ، نحن في زمن صعب ، وفي زمن فتن ، والقابض على دينه كالقابض على الجمر أجره كأجر سبعين ، قالوا منا أو منهم ؟ قال : بل منكم ، قالوا ولمَ ؟ قال : لأنكم تجدون على الخير معواناً ولا يجدون ،
والحديث الذي تعرفونه جميعاً : قال صلى الله عليه سلم : يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها قالوا : أوَمِن قلة نحن يومئذ ؟ قال : لا ، أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، قالوا : ولمَ ؟ قال : يصيبكم الوهن ، قيل وما الوهن ، قال حب الدنيا وكره الموت .
إذاً لن نفلح ، ولن نقوى ، ولن نعتز ، ولن ننتصر إلا إذا اصطلحنا مع الله ، لا كأفراد بل كمجموعة ، طيب كيف يكون هذا الصلح على مستوى المجموع ، هذا يبدأ من كل واحد على حدة ، اصطلح أنت مع الله ، أقم الإسلام في بيتك ،
لو أن كل واحد منا فعل هذا لا يمضي زمن إلا وهذه البيوت المسلمة تتقارب ، فإذا المجموع على حق عندئذ نستحق النصر من الله عز وجل .
يعني اسمع قول الله عز وجل :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَاب ٍ أَلِيم ٍ ( 10 ) تُؤْمِنُون َ بِالله ِ و َ رَسُولِهِ و َ تُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ و َ أَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم ْ تَعْلَمُونَ ( 11 ) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُم ْ و َ يُدْخِلْكُمْ جَنَّات ٍ تَجرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ و َ مَسَاكِنَ طَيِّبَة ً فِى جَنَّات ِ عَدْن ِ ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيم ُ ( 12) وَ أُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّن َ الله ِ و َ فَتْح ٌ قَرِيب ٌ و َ بَشِّرِ المُؤْمِنِين َ ( 13 )
( سورة الصف )
وأخرى تحبونها ، فالنصر محبب ، وربنا عز وجل لما خاطب النبي قال:
و َ يَنصُرَكَ الله ُ نَصْرا ً عَزِيزا ً
(سورة الفتح 3)
يعني ما من شعور يصيب المؤمن مثل أن يشعر أن الله عز وجل كان معه ، والشيء الذي تعرفونه جميعاً أن الله عز وجل له معيتان ، معية عامة ، وهو معكم أينما كنتم ، ومعية خاصة هذه خاصة بالمؤمنين ، بالصابرين ، بالمتقين ، فمعية الله الخاصة هي معية الحفظ والتأييد ومعية النصر والتوفيق .
إذاً إذا أردتُ أن أضـع لهذا الدرس عنواناً فهو الصلح مع الله ، طريق عزتنا وكرامتنا ، العودة إلى أوامر الله عز وجل ، إذا عدت وحدك تأخذ وعود الله عز وجل لك ،
أما إذا عاد مجموع الأمة تستحق الأمة في مجموعها وعد الله عز وجل ، نبدأ من الأفراد ، فلا بد أن يبدأ كل مؤمن بمحاسبة نفسه حساباً دقيقاً ، هذا البيت بيته ، هل يأمر أهله بالصلاة ؟ هل يربي أولاده تربية صحيحة ؟ هل زوجته عندما تخرج من بيتها وتمشي بالطريق في زيّ يرضي الله عز وجل ؟
أما هذا الانفصام في الشخصية هو في وادٍ وحياته الخاصة في وادٍ ومشاعره في وادٍ ، معاملته في وادٍ ، شروده في وادٍ ، وانتماؤه في وادٍ ، هذا الانفصام في الشخصية هو السبب في الهلاك يعني كما قلت ... زوال الكون أهون على الله من أن يضيع على مؤمن عمله، زوال الكون أهون على الله من ألا تتحقق وعوده ، كما جاء في العقيدة الصحيحة ،
وعد الله حق لا يتخلف ، وعد الله للمؤمن حق لا يتخلف ، ووعد الله للأمة المؤمنة حق لا يتخلف ، فالطريق واضح، يعني على الإنسان أن يبلغ ، الطريق واضح ، و الكلام كله لا يجدي ، المشاعر كلها لا تجدي ، يعني ما من إنسان إلا وله مشاعر ، فإذا شعر أن الله أعز الإسلام يفرح ، وإذا الإسلام تخلف يتألم ،
هذه المشاعر لا تقدم ولا تؤخر أما الذي يقدم ويؤخر أن تكون في المستوى الذي يريده الله عز وجل ، لذلك إذا رجع العبد إلى الله نادى منادٍ في السماء أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله ،
إذا كانت معرفة الإنسان بالله متينة وإيمانه قوياً فلو أن الأمور جاءت على خلاف ما يريد لا يتزلزل بل يقول كل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، وإرادة الله متعلقة بالحكمة ، وحكمته متعلقة بالخير المطلق .
نكمل لاحقا ً بإذن الله تعالى .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
13-08-2009, 11:17 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
إخواني و أخواتي , انتهى درسنا (( أمة التبليغ و أمة الإستجابة )) , و نرجوا من الله تعالى أن ينفعنا به و بكل ما نتعلمه .
و الآن سننتقل إلى درس جديد بعنوان < أســـباب قوة أعدائنا > .
Barbie
14-08-2009, 02:59 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
الدرس الرابع عشر : أسباب قوة أعدائنا !
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
)1( ثقافة كل أمة ملك البشرية جمعاء :
أيها الأخوة الكرام ،
أول حقيقة : أن ثقافة كل أمة ملك البشرية جمعاء ، لأنها بمثابة عسل استخلص من زهرات مختلف الشعوب على مرّ الأجيال ، وهل يعقل إذا لدغتنا جماعة من النحل أن نقاطع عسلها ؟.
الأشياء التي تقوينا ينبغي أن نقتبسها منهم ، ماذا نأخذ ، وماذا ندع عن الغربيين ؟ قال بعض المفكرين : نأخذ ما في رؤوسهم ، وندع ما في نفوسهم ،
)2( على المسلم أن يأخذ من الغرب ما كان صواباً :
ينبغي أن نقتبس من أعدائنا الخصائص التي أصبحوا بها أقوياء ، لكن من المؤسف أن هذه الخصائص هي أصول في ديننا ، لكننا تصورنا الدين عبادات شعائرية ، ونسينا أنه منهج كامل
كدليل قرآني على أنه يجوز أن تتخذ من الآخرين ما كان صواباً .
الملكة بلقيس قالت :
إِن َّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَة ً أَفْسَدُوهَا و َ جَعَلُواْ أَعِزَّة َ أَهْلِهَا أَذِلَّة ً
( سورة النمل الآية : 34 ) .
بماذا عقب الله على كلامها ؟ قال :
و َ كَذَلِكَ يَفْعَلُون َ ( 34 )
( سورة النمل ) .
ليست مؤمنة ، وليست مسلمة ، لكنها قالت كلمة صحيحة ، فإذا كان عند الأجانب أسباب قوة ينبغي أن نقتبسها ،
ينبغي أن ندع .... الصرعات ، هذه إذا أقبلنا عليها تقويهم ، أما البرامج ، والكومبيوترات ، والذي يقوينا على أنهم أعداؤنا ، ويتفننون في إفقارنا ، وفي إبادتنا ، وفي إذلالنا ، وفي إضلالنا ، وفي إفسادنا ينبغي أن نأخذ منهم ما يقوينا .
)3( التعاون من الصفات التي ينبغي أن نقتبسها من الغرب :
وهذه الأدلة أول شيء يتميز عندهم التعاون ، وفي قرآننا يقول الله عز وجل :
و َ تَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ و َ التَّقْوَى
( سورة المائدة الآية : 2 ) .
أمر إلهي :
و َ لَا تَعَاوَنُواْ عَلَى الْإثْم ِ وَ الْعُدْوَان ِ ( سورة المائدة الآية : 2 ) .
من مسلمات علم الأصول أن كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ، الوهم الكبير أن الدين خمس فرائض تعبدية ، لا ، الدين خمسمئة أمر في القرآن والسنة ، منهج كامل ، لما توهمنا أن الدين فرائض شعائرية خمس صلينا ، وصمنا ، وحججنا ، وزكينا ، وعشنا حياة الغرب ، وقيم الغرب ، وعادات الغرب ، وتقاليد الغرب ، حينما فهمنا الدين عبادات شعائرية رأيتم ماذا حلّ بنا .
)4( البر صلاح الدنيا والتقوى صلاح الآخرة :
إذاً أول صفة من صفات الغرب التعاون ، هل تصدقون أن ألعاب أطفالهم لا تصلح لواحد من أطفالهم إلا لجماعة ؟! يدخلون التعاون في دماء أولادهم ، التعاون ، فنحن نتنافس لا نتعاون ، نحن يحطم بعضنا بعضاً ،
قال تعالى : ﴿ وَتَعَاوَنُوا ﴾ .
قال علماء التفسير : البر صلاح الدنيا ، والتقوى صلاح الآخرة ، ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ .
ولأن كلمة تعاونوا فعل أمر ، ولأن كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب فالتعاون من علامات الإيمان ، و التنافس من علامات النفاق ،
إن كنت تتعامل مع أخيك المؤمن من أي انتماء أساساً الانتماء إلى مجموع المؤمنين ، ولن تكون مؤمناً إلا إذا كان انتماؤك لا إلى حلقة ، ولا إلى جماعة ، ولا إلى فقاعة ، لا ، ينبغي أن يكون انتماؤك إلى مجموع المؤمنين ، لقوله تعالى :
إِنَّمَا المُؤْمِنُون َ إِخْوَة ٌ
( سورة الحجرات الآية : 10 ) .
ما قال الجماعة الفلانية قال : ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ .
)5( الطبع و التكليف :
أيها الأخوة ، لكن هناك حقيقة دقيقة أنت أيها الإنسان معك طبع ، ومعك تكليف ، أو لك طبع ، ومعك تكليف ، و الطبع يتناقض مع التكليف ،
طبعك أن تأخذ المال ، والتكليف أن تنفقه ، إنفاق المال يتناقض مع طبعك ، طبعك أن تبقى نائماً في الفراش الوثير إلى ساعة متأخرة من الضحى ، والتكليف يأمرك أن تستيقظ لتؤدي الصلاة في المسجد .
(( من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي ، ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح )) .
[ ورد في الأثر] .
إذاً طبعك يقتضي أن تبقى نائماً ، والتكليف يأمرك أن تستيقظ ، طبعك يأمرك أن تملأ عينيك من محاسن النساء ، والتكليف يأمرك أن تغض البصر ، فالطبع متناقض مع التكليف ،
الآن طبعك يأمرك أن تخوض في فضائح الناس ، شيء ممتنع جداً ، خانته ؟ مع من خانته ؟ التكليف يقتضي أن تستر ،
هذه تمهيدات ، وطبعك فردي ، أن تعيش حدك ، أن تتنعم وحدك ، أن تقتني أجمل بيت وحدك ، أن تقتني أجمل مركبة وحدك ، أن يكون لك دخل فلكي ، والناس من بعدي الطوفان ، هذا الطبع ، التكليف أن تتعاون .
سنتابع لاحقا ً بإذن الله تعالى .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
17-08-2009, 01:43 AM
الســـــلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
نتابع إيها الإخوة و الأخوات مع القسم الثاني من درسنا : (( أسباب قوة أعدائنا )) .
و لقد تحدثنا في القسم الأول , بإنه لا ضير بأخذ ما ينفعنا منهم , و لكن يجب علينا ترك ما يوردونه لنا من قيم تطمس لنا هويتنا الاساسية .
و ذكرنا , أن ما يجدر بنا أخذه منهم , موجود سابقا ً و أصلا ً في شرع الله ! لكننا نحن مَن ابتعدنا عنه , و عمل به الغربيون ! .
فنأخذ ما عندهم من أسباب القوة , مع أن كل أسباب القوة عندهم هي أصول عندنا في الدين ، لكننا فهمنا الدين صلاة ، وصياماً ، وحجاً ، وزكاة ، وغفلنا عن أوامره التفصيلية ، ...
و أول ما يجب علينا العودة إليه , هو التعاون و الإخوة .
الآن سوف نكمل بإذن الله تعالى , لنتحدث عن :
)6( الدعوة إلى الله دعوتان :
إذاً يتعاون المؤمن مع أخوانه بقدر طاعته لله ، ويتنافس معهم بقدر بعده عن الله ، والتعاون بين المؤمنين من كل أطيافهم علامة إيمانهم ، والتنافس بينهم علامة نفاقهم .
لذلك هذا الكلام يسوقنا إلى حقيقة خطيرة ، هي أن الدعوة إلى الله دعوتان ، دعوة إلى الله صادقة ، مخلصة ، ودعوة إلى الذات مغلفة بدعوة إلى الله ، الدعوة إلى الله المخلصة أساسها الاتباع .
إِنْ أَتَّبِع ُ إلَّا مَا يُوحَى إِلَي َّ
( سورة الأنعام الآية : 50 ) .
هذا النبي الكريم سيد الخلق ، وحبيب الحق ، الدعوة إلى الله الخالصة من خصائصها الاتباع ، والدعوة إلى الذات من خصائصها الابتداع ، لابدّ من أن تتبع شيئاً في الدين ليس له أصل حتى تقول أنا وحدي على حق ، فالاتباع من صفات المخلصين والابتداع من صفات المنتفعين ، المنتفعين بالدين ،
*** التعاون أصل عند المسلمين لكنه ضعيف :
... المؤمنان يتعاونان ولا يتنافسان ، يتطاوعان ولا يتنافسان ، التنافس من علامة النفاق ، والتعاون من علامة الإيمان ، ومع الأسف الشديد الشديد مع أن التعاون أصل في ديننا لكنه ضعيف عندنا ، أساس علاقاتنا التنافس ، أن يحطم بعضنا بعضاً .
نحن كمسلمين في تفوق فردي يوجد تفوق فردي كبير جداً ، لكن لا يوجد تفوق جماعي ، لأنه لا يوجد تعاون .
التعاون عندهم يعيشونه ، عندهم واقع يعيشونه ، أما التعاون عندنا في النصوص أما في حياتنا اليومية لا يوجد تعاون أبداً ، هذه أكبر خطأ عندنا .
)7( نقل الإسلام من ظاهرة صوتية إلى واقع ملموس :
أيها الأخوة ، إن الإسلام عند المسلمين الآن ظاهرة صوتية دروس ، ومحاضرات ، ومؤتمرات ، وبيانات ، وتصريحات ، وشجب ، وتنديد ، وتشديد على الفكرة الفلانية ، وحرق علم ، وحرق صور ، هل يوجد عندنا غير هذا ؟
لكن هؤلاء القلة الذين نصرهم الله البارحة هؤلاء قلبوا الظاهرة الصوتية إلى بعدٍ عملي ، لا يمكن أن ينتصر الإسلام كصوت ، إلى متى صوت ؟ والله أتمنى أن نصمت كلياً ، وأن نقدم شيئاً حضارياً ، هذا القوي لا يعبأ بالمظاهرات ، ولا بالتنديد .
فالغرب لا يعنيه أن نسبه ، يعنيه أن يأخذ ثرواتنا ، يعنيه أن يفرق جمعنا ، يعنيه أن يقيم الفساد في بلادنا ، وسبه بقدر ما تشاء ، لا يتأثر .
فلذلك أيها الأخوة ، العمل أن نصمت ، قدم عملاً حضارياً تقنع بالإسلام أعداءك وألقي محاضرات إلى يوم الدين من واقع سيء .
مثلاً تجد نسب البطالة عالية بالبلاد الإسلامية ، أعلى نسب مدخنين بالعالم عند المسلمين ، فأنت حينما تشتري علبة دخان تقدم لإسرائيل يومياً ثمن رصاصة ، يومياً .
أيها الأخوة ، نسب بطالة عالية ، نسب عنوسة عالية ، نسب أميّة عالية ، نحن على رأس قائمة المستوردين ، وفي أسفل قائمة المصدرين ، العالم الإسلامي أنا أقول عن المسلمين جميعاً .
نكمل لاحقا ً بإذن الله تعالى .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
21-08-2009, 01:23 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
إخواني و أخواتي , وصلنا اليوم إلى القسم الأخير من درسنا (( أسباب قوة أعدائنا )) , و كانت النقطة الأخيرة التي تحدثنا بها , نقل الإسلام من ظاهرة صوتية إلى واقع ملموس .
و بفضل الله سنتابع الآن مع :
بسم الله الرحمان الرحيم
)8( كل عمل يحتاج إلى إتقان و تطوير
أيها الأخوة ، الغرب لا يحترم الفصحاء ، ولا الخطباء ، ولا المتكلمين ، يحترم مجتمعاً قوياً ، القوي يحترم القوي ،
أيها الأخوة ، العمل يحتاج إلى إتقان ، أحد الصحابة توفي ، فالذي حفر القبر ترك فرجة فيه ، فقال عليه الصلاة والسلام : إن هذه الفرجة لا تؤذي الميت ، ولكنها تؤذي الحي ، إن الله يحب من العبد إذا عمل عملاً أن يتقنه .
)9( الشباب مستقبل الأمة علينا الاهتمام بهم :
هناك إحصاءات مؤلمة جداً في بعض البلاد الإسلامية يعمل المواطن سبعاً و عشرين دقيقة في اليوم ، وفي بلد آخر إسلامي يعمل المواطن فيه سبع عشرة دقيقة ،
وهؤلاء الأقوياء يعملون ثمان ساعات كاملة ، لا تصدق أمة يعمل أفرادها سبع عشرة دقيقة تغلب أمة يعمل أفرادها ثمان ساعات كاملة ، مدة العمل مهمة جداً ،
عندنا مشكلة الشباب ، هؤلاء الشباب الطاقة المتفجرة ، هؤلاء مستقبل الأمة ، قادة الأمة ، هؤلاء يحتاجون إلى بيوت ، وإلى أعمال ، وإلى زواج ، ما لم يهتم المجتمع بهم سيصحبون لغماً متفجراً ، إما طاقة كبيرة جداً ، أو لغماً متفجراً .
الظاهرة الصوتية إلقاء كلمات ، إلقاء محاضرات ، مناقشات ، مداولات ، بيانات ، شجب ، استنكار ، مظاهرة ، هذه اكتفينا بها ، نحن بحاجة إلى عمل ,,, العمل يرفع من قيمتنا .
فلذلك لما نطق هذا الدين ، يبتعد عن أن يكون ظاهرة صوتية ، فيصبح واقعاً عملياً .
)10( نظام فريق العمل نظام حضاري إسلامي :
أخوانا الكرام ، بقي موضوع في هذا اللقاء الطيب ، هو كلمة ( فريق عمل ) ،
نظام فريق العمل نظام حضاري ، هو نظام إسلامي ، الذي آلمني أن كل هذه الصفات التي يتمتعون بها ، والتي هي سبب قوتهم هي أصول في ديننا ، أصول ، بدل أن تشتكي على أخيك انصحه .
لو أن كل مدير شركة قال لموظفيه : إذا زميلك أخطأ لا تقل لي ، انصحه ، هو إذا ترك خطأه انتهى الأمر ، عش بجو جماعي ، عش بجو تضامني ، جو تعاون ، جو محبة ، بأي دائرة ، بأي شركة ، بأي تجمع تجد كل إنسان قناص ، ينتظر الثاني على خطأ فإذا أخطأ أشاع هذا الخبر ،
وحطمه ، هذه مشكلتنا ، كيف يحبنا الله عز وجل ونحن لا نحب بعضنا بعضاً ؟ كيف نتراشق التهم ؟ كيف كل واحد منا يتمنى دمار الآخر ؟ كيف نستحق النصر وهذه صفاتنا ؟ .
)11( اقتباس الإيجابيات من الغرب و العمل بها لأنها أصل عندنا :
... كل إيجابيات الغرب إسلامية ، لا لأنهم يعبدون الله ، أبداً ، بل لأنهم يعبدون الدولار من دون الله ، يعبدون مصالحهم ،
تقتضي مصالحهم أن يعملوا ضمن فريق ، أن يكونوا صادقين ، أن يكونوا متقنين ، هم أقوياء جداً ، هذه أسباب قوتهم ، أنا لا يمنعني أنهم أعداؤنا أن اقتبس منهم الإيجابيات ، ثم أؤكد أن هذه الإيجابيات أصل عندنا ، ولعلهم أخذوها منا .
الفعال هو الله ، والناصر هو الله ، وحينما تكون مؤمناً تتبدل كل المعادلات ، وتلغى كل الافتراضات .
إذا كان خالق السماوات والأرض معك لن ينالوا منك ، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ لعل هذه الجرعة المنعشة تتوسع في بلاد المسلمين حتى يصبح هذا الإسلام واقعاً ، وليس ظاهرة صوتية .
اللهم انفعنا بما علمتنا .
انتهى الدرس الرابع عشر , بفضل الله تعالى ....
ملاحظة
إخواني و أخواتي , سوف أتوقف عن متابعة هذا الموضوع , خلال شهر رمضان المبارك .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
04-10-2009, 09:51 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
إخواني و أخواتي عدنا لمتابعة هذا الموضوع بإذن الله تبارك و تعالى . و نرجوا من الله تعالى أن يبارك لنا اعمالنا , و يوفقنا لما فيه خير لنا و لجميع المسلمين .
Barbie
05-10-2009, 08:04 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
مع الدرس الخامس عشر , تحت عنوان (( الوقف )) .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أيها الإخوة ... بحثت لكم عن موضوعٍ لهذا الدرس ننتفع به جميعاً ، فوفَّقني اللهُ أن يكون هذا الدرس عن الوقف ، وثقوا أيها الإخوة أن في هذا الموضوع من الخير ما لا يصدق .
فما أساس هذا الوقف ؟ ما من إنسان في العالم الإسلامي إلا ويقول لك : وزارة الأوقاف ، مديرية الأوقاف ، الوقف الذَّري ، الوقف الخيري ، هذه كلمات من أين جاءت ؟
أصل الوقف أيها الإخوة ؛ أن سيدنا عمر رضي الله عنه ، قال للنبي عليه الصلاة والسلام : إن المائة سهمٍ التي بخيبر ، لم أصب مالاً قط هو أعجب إلي منها ـ أي أن أنفس مال عندي هذه المائة سهمٍ التي بخيبر ـ وقد أردت أن أتصدق بها ،
فقال له النبي عليه الصلاة والسلام : " احبس أصلها وسبِّل ثمرتها " .. هذه رواية .
وفي رواية البخاري : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، أصاب أرضاً بخيبر ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها ، فقال : يا رسول الله إني أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط أنفس عندي منه، فما تأمر به؟
قال عليه الصلاة والسلام : " إن شئت حبست أصلها ، وتصدقت بثمرتها " .
الأصل موقوف إلى يوم القيامة للفقراء والمساكين ، قال : فتصدق بها عمر ، على ألا يباع هذا الوقف، ولا يوهب ، ولا يوَرَّث ، وتصدق بها على الفقراء ، وفي القربى ، وفي الرقاب ، وفي ابن السبيل ، وفي سبيل الله والضيف ، لا جناح على مَن وليها أن يأكل منها بالمعروف ، وأن يطعم غير متموِّل ـ أي لا أن يتاجر بها ـ ودعا نفراً من المهاجرين والأنصار وأشهدهم على ذلك ، فاشتهر ذلك .
ومن ثَمَّ أقبل المهاجرون والأنصار على وقف بعض أموالهم ، وفي ذلك قال جابر رضي الله عنه :
لم أعلم أحداً من المهاجرين والأنصار إلا حبس مالاً من أمواله صدقةً مؤبَّدةً ـ على التأبيد ـ لا تشترى، ولا توهب ، ولا تورَّث ، وكان كثيرٌ من الواقفين يكتبون كتاب وقفهم مُصَرِّحين فيه بأنه:
كان على سنة عمر بن الخطاب ، لقول النبي عليه الصلاة والسلام : " فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ"*
( مسند أحمد : عن " العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ " )
أيها الإخوة ... سيدنا عثمان حبس بئر رومة على المسلمين ، اشترى بئرًا غالية جداً ، وأوقفها ليشرب منها المسلمون على التأبيد ، بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ينتقل بذلك من السَلَف إلى الخَلَف جيلاً بعد جيل .
و ثبت أيضاً أن كلاً من سيدنا أبي بكرٍ رضي الله عنه ، وسيدنا علي بن أبي طالب ، حبسا شيئاً من أموالهما ، وتبعهم مَن أتى بعدهم حيث لم يخلُ عصرٌ من عصور المسلمين ، إلا وحبس فيه أناسٌ شيئاً من أموالهم على جهاتٍ خيريةٍ على التأبيد .
أيها الإخوة ... يجب أن نعلم علم اليقين أن العمل الصالح هو الثمرة الطبيعية للإيمان ، الإيمان حقيقة إيجابية وليست سلبية ، حقيقة متحرِّكة وليست ساكنة ، فما إن تستقر في النفس حتى تسعى بذاتها إلى تحقيق ذاتها ، في صورة عملٍ صالحٍ ،
فإن لم يتحرَّك المؤمن هذه الحركة الطبيعية ، فهذا الإيمان مزيَّف ، بل ميت، لأن الإيمان ليس انكماشاً ، ولا سلبيةً ، ولا انزواءً ، وليس مجرد نوايا طيبة لا تُجسد في حركةٍ أو عمل صالح .
إذاً الثمـــرة الأولى للإيمان ، العمل الصالح ، نضيف : علة وجودك في الأرض ، العمل الصالح ، المهمة التي أنيطت بك في الأرض ، العمل الصالح ، ثمن الجنة ، العمل الصالح ،
والأدلة لا تعد ولا تحصى، و الشيء الذي يندم عليه الإنسان عند موته هو العمل الصالح ، والدليل :
رَبِّ ارْجِعُون ِ ( 99 ) لَعَلَّى أَعْمَل ُ صَالِحا َ ( سورة المؤمنون )
أنت مخلوقٌ للعمل الصالح ، بل إن العمل الصالح ثمن اللقاء مع الله..
فَمَن كَان َ يَرْجُواْ لِقَاءَ رَبِّه ِ فَلْيَعْمَل َ عَمَلا ً صَالِحا ً و َ لَا يُشْرِك ْ بِعِبَادَة ِ رَبِّه ِ أَحَدَا ( 110 )
( سورة الكهف ).
نتابع إن شاء الله لاحقا ً , مع المزيد من التوضيح لهدف موضوعنا هذا , في القسم الثاني لهذا الدرس .
Barbie
06-10-2009, 06:37 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
مع القسم الثاني من موضوعنا الجديد , لنكمل في الحديث عن المعاني التي تنطوي في درسنا (( الوقف )) .
بسم الله الرحمان الرحيم ,
الطَّمــــــــــوح :
وبعد ؛ فإنّ الطَّموح يختار أعظم الأعمال ، مليار مليار مليار مليار عمل صالح ، ولكن الطَّموح عاليَ الهمة يختارُ أعلى هذه الأعمال ، ما هي أعلى هذه الأعمال ؟
قالوا : كلما اتسعت رُقْعة العمل الصالح ، أحياناً دعوتك بقرية ، أحياناً بمدينة ، أحياناً ببلد كبير ، أحياناً ببلاد ، أحياناً بقارات ، كلما اتسعت رقعة العمل الصالح فشملت أعداداً كبيرةً من البشر، وكلما امتد أمد العمل الصالح ،
فمن الممكن لإنسان أنْ يؤلف كتابًا ويموت ، وهذا الكتاب يتناقله جيلٌ بعد جيل إلى يوم القيامة ، وينتفع به مسلمون كثيرون لا يعلمهم إلا الله ، فكلما اتسعت رقعة العمل الصالح ، وكلما امتد أمده ، وتوارثت ثماره أجيالٌ وأجيال ، وكلما تغلغل العمل الصالح في كيان الإنسان كله ؛ المادي ، والنفسي ، والاجتماعي ، والروحي ، حتى يتحقق به وجود الإنسان ورسالته في الحياة ، كان العمل أعظم .
ابحـث عن عمل تكون رقعته واسعة ، وأمده طويلاً ، وتأثيره عميقًا ،
إنّ قيمة العمل تزداد ، كيف ؟ تزداد قيمة العمل إذا كَثُرَت المعوّقات في سبيله ، هذا العمل دونه عقبة، وذاك العمل أمامه عقبة ، وهذا العمل فيه مسؤولية ، وذاك العمل متعب ، وهذا العمل له مضاعفات ، كلما كثرت المعوِّقات في سبيله ، تزداد قيمته .
و كلما كثرت الصوارف عنه تزداد قيمته ،
أنت كإنسان ، لابد من أن تغادر هذه الدنيا ، ما هو أعظم عملٍ صالح على الإطلاق ؟ هو العمل المستمر بعد الموت ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
" إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثٍ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ـ والوقف من الصدقة الجارية ـ وَعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ " *
( سنن الترمذي : عن " أبي هريرة " )
محور درسنا اليوم الصدقة الجارية ، أي العمل المستمر بعد وفاة الإنسان ، هناك أعمال لا تعد ولا تحصى تنتهي عند الموت ، لكن هناك أعمال ولو أنك غادرت الحياة الدنيا ، فهي في صحيفتك إلى أبد الآبدين ، فابحثوا عن عملٍ لا ينتهي مع الموت ، ابحثوا عن عملٍ يستمر بعد الموت .
و للحديث تتمة , إن شاء الله تعالى .
محمد أحمد الفلو
06-10-2009, 08:32 PM
تسجيل متابعة
بارك الله بكم
عودة رائعة اخت باربي وننتظر البقية بإذن الله تعالى
لا تطولي علينا
Barbie
08-10-2009, 02:44 PM
بارك الله بكم على مروركم الكريم .
Barbie
08-10-2009, 03:18 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم
نتابع مع القسم الثالث لهذا الدرس . و قد توقفنا سابقا ً عند ما هية الصدقة الجارية // التي يستمر فضلها إلى ما بعد الموت .
و نبدأ هذا القسم بحديث للنبي عليه الصلاة والسلام ،... قال : " إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ أَوْ بَيْتًا لابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ "*
( سنن ابن ماجة : عن " أبي هريرة " )
ومن ثمَّ عقَّبتُ بكلمة : هنيئاً لمن كانوا تحت الثرى ، والناس مهتدون بهديهم ، سعداء بأعمالهم ، لقد أصبحوا عظاماً ، لكن الناس مهتدون بهديهم سعداء بأعمالهم ،
ولي كلمة كنت أقولها دائماً نقلتها عن بعض التابعين : " فاعل الخير خيرٌ من الخير ، وفاعل الشر شرٌ من الشر " ، كيف ؟
وما هو العمل الشرير الكبير؟ هذا الذي ألقى قنبلةً على هيروشيما ، وقتل ثلاثمائة ألف إنسان في أربع ثوانٍ ، مضى على العمل خمس وخمسون سنة ، أغلب الظن لو أن القنبلة لم تلق وقتها ، لماتوا الآن موتًا طبيعيًا ، فهذا الشر انتهى ، أما هذا الذي أمر بقتل هؤلاء ، سيشقى إلى أبد الآبدين بهذا العمل ، فصار فاعل الشر شرٌ من الشر .
لكن إنسانًا أسس مساجد ، وشيَّد معاهد ، وأقام دار أيتام ، وبنى مستشفيات ، هذه كلها أعمال طيبة ، وهذه الأعمال تنتهي مهمتها يوم القيامة ، انتهى نفعها ، وأساساً انتهى التكليف كله ، أما صاحبها فيسعد بهذه الأعمال إلى أبد الآبدين .
الحقيقة أن الوقف من الأعمال التي تستمر بعد الموت ، وهو الصدقة الجارية ، لكن قد يقول أحدكم : أنا لا مال عندي ، وهذا الدرس ليس لي ، وهذا الدرس للأغنياء الكبار ،الذين بإمكانهم أن يوقفوا أراضيَ أو عقارات أو بيوتًا ، ... !
و لكن هناك أطفال في الدولة الإسلامية لهم صدقاتٌ جارية على سبيل الوقف ، مشروع خيري ، أصدروا أسهمًا ، السهم بمائة ليرة ، فصار حتى الإنسان صاحب الدخل المحدود ، حتى الطفل إذا معه مئة ليرة ، جَمَّعها في العيد ، يمكن أن يسهم في صدقةٍ جاريةٍ تنفعه بعد الموت ، وهذا تشجيع .
الحقيقة أعظم إيجابية في الوقف أنه يحوِّل قابض الزكاة إلى دافعٍ لها ، يحوِّل المستهلك إلى منتج ، يحوِّل الذي تحمله إلى إنسانٍ فيحمله معك ، كنت تحمله فإذا هو يحمل معك ، فالوقف من أهدافه الكبيرة :
أن الإنسان هو غاية كل الشرائع ، من حيث العنايةُ به ، وتوفيرُ حاجاته ، وراحته النفسية ، وحاجاته المادية فوق كل شيء.
هذا اقتراح ، أن توظَّف بعض أموال الأغنياء في إنشاء بيوتٍ لسُكْنى الشباب أصحاب الدخل المحدود ، هذا عمل ، فأنت عوِّد نفسك ، فلا تعط إنسانًا صدقة يستهلكها في أيام ، ويبقى يمدّ يده ، لا ، بل أغنِه ،
والعلماء قالوا : الزكاة ينبغي أن تُغني ، أن تُغنيه عامًا على مذهب ، وطوال العمر على مذهب آخر ، تعطيه أدوات حرفة ، تفتح له محلاً صغيرًا ،هكذا ينبغي أن تُصرف أموال الزكاة ، في نقل الإنسان من قابض إلى دافع ، من محمول إلى حامل ، من سَلْبيٍّ إلى إيجابي .
يتبع لاحقا ً بإذن الله تعالى .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
11-10-2009, 01:12 AM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم
نتابع الآن , بفضل الله تعالى مع مجموعة أوقاف لنذكِّر بها .
وقف للثقافة والفكر ، وقف للقرآن الكريم ، وقف للنشر ، وقف للمعاقين ، وقف للمحافظة على البيئة ، نحن أمام التلوث المخيف ، وقف للتوعية المروريَّة ، وهناك وقف سمعت عنه اليوم لدفع الأطفال إلى المُطالعة ، توزَّع قصص للطلاب ، فيها فكر هادف ، فيها قيَم إسلامية ، فالطفل يأخذ القصص يقرؤها، فيغدو محبًا للمطالعة ، هذا وقف أيضاً ، هناك وقف لتوزيع الأشرطة والمحاضرات الدينية.
هناك وقف صحي لإنشاء مستوصفات ،فممكن بالصحة ، ممكن بالتعليم ، ممكن بالتوعية ، ممكن بالعناية بالمساجد ، بالعناية بالبيئة ، بتربية الصغار ، هذه الأموال حينما توقف لهذه المشاريع العملاقة، صارت صدقة جارية ، لم يعد عملك منتهيًا بموتك ، لا ، لا ، فالعمل مستمر .
طبعاً الأعمال التي تكلمت عنها هي واقعة بشكل فردي محدود ، نحن إذا أردناها أن تكون ذات نفع عام نعمِّمها .
عندما يشتغل دماغنا بشكل صحيح ، يحبنا الله ، وينصرنا الله عز وجل ، الدنيا تستقيم بالعدل والإيمان ، ولا تستقيم بالكفر والظلم ، عندما نعاون بعضنا ، نترابط ، نتكاتف ، نتناصر ، نهتم بالفقير ، نهتم بالشباب، عندئذٍ لعل الله يرحمنا .
أيها الإخوة ... السلف الصالح ، جزاهم الله خيراً ، كانوا مولعين بالعمل الصالح ،...
فمن الممكن لكل إنسان أن يبحث عن عمل لا ينتهي بموته ، فنحن من الممكن لنا أن نعمل أعمالاً صالحة كبيرة ، و كما تعلمون الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق ، وكلما كان إيمانُ الإنسان أقوى ، كلما تفتق ذهنه عن أعمال صالحة لم تخطر على بال .
يتفتق ذهنه عن عمل لا يخطر على بال ، وأنواع الوقف لا تعد ولا تحصى، وليس لها حد أكبر .
* كلمة (وقف) للناس موقف منـه ، فليس شرطًا أنْ تسجله بشكل رسمي ، ممكن أن توقفه أنت لوجه الله من دون أن تسجله ،
فأحياناً يوقف الإنسانُ مبلغًا للدين ، بعض إخواننا خصّص مبلغًا للدين والإقراض يتداول ، وهذا ليس له علاقة بالصدقة والزكاة ، خصّص مبلغًا معينًا فرضاً مئتي ألف ، هذا إنسان طرق بابه يقترض عشرة آلاف أو خمسة آلاف ، أو خمسين ألفًا ،
من إخواننا المؤمنين ، الصادقين ، المستقيمين ، الأوفياء ، عندهم ذمة وعهد ، فيدينه له ، فإذا أرجعه ، أعطاه لغيره ، فهذا وقف ، وليس شرطًا أنْ تسجله ،...
فالملاحظ أنّ بعض الأغنياء المحسنين أفقهم ضيق ، فهو يعطي متسوِّلا مثلا ، أما أن يساهم في تنشئة جيل مؤمن ، ويهيِّئ الأسباب لتربية جيل ، فهو بعيد عن هذا الجو ، يجب أن يعطي فقيرًا ، ليطعمه فقط ،
و الفرق واضح بين أن تطعمه وبين أن تهديه ، وأن تعرِّفه بالله ، وتيسِّر له عملاً يرتزق منه ، فهذه أشياء تحتاج إلى فهم أعمق .
فأرجو الله سبحانه وتعالى أن يلهمنا الصواب ، فأنا أقول : كل واحد منكم يجب أن يكون له عمل لا ينتهي مع موته ، بل يبقى إلى أبد الآبدين ، .... و للحديث تتمة إن شاء الله تعالى , و لكن سنكتفي الآن بهذا القدر حتى لا أطيل عليكم .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
12-10-2009, 01:07 AM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
نتابع من حيث توقفنا , حتى نختم هذا الدرس بفضل الله عز و جل .
بسم الله الرحمان الرحيم ,
أرجو الله سبحانه وتعالى أن يلهمنا الصواب ، فأنا أقول : كل واحد منكم يجب أن يكون له عمل لا ينتهي مع موته ، بل يبقى إلى أبد الآبدين ،
فإذا دعا الإنسان إلى الله فهذه صدقة جارية ، لا تكلفك شيئًا ، فإن لم يكن معك مال ، ودعوتَ إلى الله وكنتَ سبباً في هداية الخلق ، فهذا وقف كذلك ، أوقفت علمك ، فهذه امرأة عمران ماذا وقفت ؟
إِنِّى نَذَرْت ُ لَكَ مَا فِى بَطْنِى مُحَرَّرا ً
( سورة آل عمران : من آية " 35 " )
لا تملك شيئًا ، لكنها تملك هذا الجنين الذي في بطنها ..
فَتَقَبَّل ْ مِنِّى
( سورة آل عمران : من آية " 35 " )
فكانت السيدة مريم ، ومن السيدة مريم سيدنا المسيح ، سيدنا عيسى،
ولو أنّ كل واحد منكم حتى الصغير أوقف شيئًا يستمر ثوابه بعد وفاته ، فهذا أوقف علمه ، هذا أوقف اختصاصه ، هذا أوقف حرفته ، هذا أوقف بيته ، هذا عنده اختصاص معين ، والمسلمون بحاجة له ، فأوقفه للمسجد لعمَّ الخيرُ الناسَ ،
فمعنى الوقف أنك حبست الأصل وسبلت الثمرة ، أصل الشيء موقوف ولكن منفعته مستمرة إلى يوم القيامة .
فأردت أن يكون هذا الدرس في المجال الذي نعيش فيه هذه الأيام ، فلعل الله سبحانه وتعالى ينفعنا بهذا البحث الفقهي القَيِّم الذي نحن في أمس الحاجة إليه ، وبيَّنت لكم كيف أن كيف هناك مشكلات لا تعد ولا تحصى تحل بهذه الطريقة .
والحمد لله رب العالمين.
يتبع مع درس جديد , بإذن الله تعالى .
Barbie
14-10-2009, 01:35 AM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم , مع درس جديد بعنوان (( بعض الحكم العطائية )) . و للأمانة الدرس السابق مقتبس من موسوعة فضيلة الدكتور محمد النابلسي , و كذلك الأمر بالنسبة لهذا الدرس .
نبدأ الآن مع القسم الأول من الدرس السادس عشر .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علمًا ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الأخوة الكرام ؛ انطلاقاً من قول الله عز وجل :
و َ مَن يُؤْت َ الْحِكْمَة َ فَقَدْ أُوتِى َ خَيْرا ً كَثِيرا ً (سورة البقرة)
الحكمة أن تعرف الحقيقة ! والحكمة أن تعرف سرّ وجودك وأن تعرف لماذا أنت في الدنيا ، وأن تتاجر مع الله ، وأن تكسب الدار الآخرة ، وأن تزكي نفسك ، وأن تسعد بربك ، كلمة جامعة مانعة ، ولأن خالق الأكوان يقول لنا :
و َ مَن يُؤْت َ الْحِكْمَة َ فَقَدْ أُوتِى َ خَيْرا ً كَثِيرا ً (سورة البقرة)
ولأن خالق الأكوان يقول لنا :
قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيل ٌ
(سورة النساء)
فلو ملكت البلاد وجاءك ملك الموت فلابد من مفارقة الدنيا .
ولذلك فإنَّ الأنبياء كُتِب عليهم الموت ، وإنّ المؤمنين والكفار كتب عليهم الموت ، لأن الموت مغادرة ، فالبطولة أن يكون لك عند الله ما بعد الموت حظٌ كبير ،
فمن يؤتى الحكمة يعمل للدار الآخرة ، والكيس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، و العاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .
لقد اشتهر في العالم الإسلامي الحكم العطائية ، وهي في الحقيقة من أجَلِّ الحِكَم ، وقد درّستها قبل سنوات عديدة ، وأخ كريم تمنى علي أن نقف وقفة عند بعض حكم ابن عطاء الله السكندري ، الحقيقة أنّي تصفحت هذه الحكم ، و اخترت لكم بعضها ، وبعض قوله :
"هذه الحكم بَسَطَكَ كي لا يبقيك مع القبض ، وقَبَضَك كي لا يتركك مع البسط ، وأخرجك عنهما كي لا تكون لشيء دونه ".
المعاني التي تتضمنها هذه الحكم رائعة لما فيها من فوائد ... و بإذن الله سنبدأ بشرحها في القسم الثاني من درسنا .
Barbie
15-10-2009, 01:00 AM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم ,
نتابع بإذن الله تعالى مع تفسير الحكم التي وصلنا إليها بالأمس .
"هذه الحكم بَسَطَكَ كي لا يبقيك مع القبض ، وقَبَضَك كي لا يتركك مع البسط ، وأخرجك عنهما كي لا تكون لشيء دونه ".
فالإنسان تعتريه أحوال ، وفي بعض الأحيان يشعر بانشراح وامتداد وسرور وطمأنينة ، والحديث عن المؤمنين ، وعن طلاب العلم ، عمن يطلب ويرجو الله واليوم الآخر ، فأنا أخاطب طلاب علم ، وأخاطب رواد مسجد ، و أخاطب أناسًا إن شاء الله لهم باع طويل في معرفة الله ، فالحديث ليس عاماً ، بل هو خاص بالمؤمنين ،
ففي بعض الأحيان تشعر بانشراح وامتداد وتألق وطمأنينة وسعادة ، وأنتَ أنتْ ، وأنت مستقيم ، وتؤدِّي عباداتك كلها ، وأنت وقّاف عند كتاب الله، وأنت مطبق لمنهج الله تشعر بالقبض فما الذي حصل ؟
الذي حصل هو أن الله سبحانه وتعالى ربّ العالمين ، فلو أن هذا الانبساط استمر ، فالانبساط من لوازمه أن تضعف عبادة الإنسان ، وأن تضعف همته ، وأن يكسل عن بعض الطاعات ، ويأتي الانقباض .
فالله عز وجل يتجلَّى تارة باسم الجليل فتنقبض ، ويتجلى تارة باسم الجميل فتنشرح ، فقد يأتي القبض ، وقد يأتي البسط ، والحقيقة أن الله عز وجل يريدك أن تكون معه ، لا أن تكون عبدًا للأحوال ،
* فيجب أن تقدم له الأعمال ، أمّا الأحوال فمرَغِّبة معينة أحياناً ، ولكن ليست مقياساً ، والعلم حَكَم على الحال ، فبسطك كي لا يبقيك مع القبض ، فالله حكيم ، و لو استمر القبضُ لضجر الإنسانُ ،
يأتي القبض فيضيق الإنسانُ به ذرعاً ، فيأتي البسط فيرتاح ، ولو استمر البسط نحن لسنا كالصادقين والأنبياء المقربين لا ، فنحن حينما نرتاح نضعف ، وقد كان عليه الصلاة والسلام يصلي الليل حتى تتورم قدماه ! ويمضي النهار في الدعوة إلى الله .
فَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، صَلَّى حَتَّى انْتَفَخَتْ قَدَمَاهُ ، فَقِيلَ لَهُ : أَتَكَلَّفُ هَذَا وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ؟ فَقَالَ : أَفَلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا *
(صحيح مسلم)
سنتوقف عند هذا الحد , لنكمل حديثنا غدا ً إن شاء الله عز و جل مع المزيد .
Barbie
16-10-2009, 12:58 AM
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم ,
تتمة الموضوع :
أحدنا إذا عمل عملاً صالحاً ، أولاً يعلن عنه كثيراً ، ويملأ الدنيا صخباً ، ثم يرتاح بعدها راحة عفوية ، وقد كان عليه الصلاة والسلام يجهد النهار ويجهد الليل ويقول : " أَفَلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا " فربنا عز وجل يعالجنا بالقبض والبسط ،
فإذا تبحبحنا يأتي القبض ، وإذا كدنا نيأس يأتي البسط ، أنت ما مهمتك ؟ مهمتك أن تعبده وأن تدع أمر القبض والبسط إليه ، والدليل على ذلك أن الله عز وجل يقول :
بَل الله َ فَاعْبُد ْ و َ كُن مِّن َ الشَّاكِرِين َ ( 66 )
(سورة الزمر)
فهذه مهمتك ، ارتَحْ وأَرِحْ ، فأنا عليّ أن أطيعه ، وهو ليفعل بي ما يشاء ، فهو رحيم وحكيم وعليم وقدير ، وأنا علي أن أطيعه ، و تمثلوا قول النبي عليه الصلاة والسلام في الطائف :
اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، لمن تكلني إلى عبد يتجهمني، أو إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك من أن ينزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك "
(الطبراني في الكبير عن عبد الله بن جعفر )
ولا يوجد كلام أروع ولا أدق ولا أجمل ولا أعبق ولا أكثر أدبًا مع الله عز وجل من هذا الكلام ! إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ، ولك العتبى حتى ترضى ، ولكن عافيتك أوسع لي"
فإذا أعطاك فالحمد لله ، و إذا منعك فالحمد لله ، و إذا بسطك فالحمد لله ، و إذا قبضك فالحمد لله ، و إذا رفعك فالحمد لله ، و إذا خفضك فالحمد لله ، و إذا ضيّق عليك فالحمد لله ، فهذا المؤمن الصادق ،
والله عز وجل الذي تحبه وتعبده وتؤثره وتشتاق إليه ، فهذا الذي أنت فيه هو قراره ، وقل مع الإمام الغزالي رحمه الله تعالى : ليس في الإمكان أبدع مما كان ، ولو كشف الغطاء لاخترتم الواقع ، ولو أن كل إنسان انزعج من شيء ساقه الله إليه ، ثم كشف الله له علم الغيب لمَا تمنَّى إلا أن يكون كما هو .
ومرة قرأت مثلاً دقيقًا ؛ أب عنده بنت جميلة ، عمرها اثنتا عشرة سنة ، قطعة من الجمال والحيوية ، تملأ البيت حبوراً ، لو أنها ماتت فموتُها شيء لا يحتمل ، وشيء مؤلم ، لا سمح الله ولا قدر ، ولو أن الله كشف له أن هذه إذا عاشت عمرًا مديداً كانت زانية ، والأب صاحب دين ومؤمن ماذا يسأل الله ؟ يا رب اقبضها !
لو أن الله كشف لك ما سيكون لما أردت إلا ما هو كائن ، ولا تمنيت إلا ما هو كائن ، ولذلك استسلمْ دائماً ، وعندنا حالة اسمها القبول ، فالمؤمن يقبل واقعه ، وهذا القبول مسعد ، عبَّر عنه علماء القلوب بالرضا ، فهو راضٍ عن الله ،
قال له : يا رب هل أنت راض عني ؟ وكان وراءه الإمام الشافعي فقال له : هل أنت راض عن الله حتى يرضى عنك ؟ قال له : يا سبحان الله من أنت ؟ فقال : أنا محمد بن إدريس ، قال : كيف أرضى عنه وأنا أتمنى رضاه ؟ قال له : إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله .
بإذن الله تعالى نتابع غدا ً .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
17-10-2009, 12:40 AM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم , نكمل ما بدأنا به :
إذا كنتَ تستقبل مكروه القضاء بالرضا فأنت تعرف الله ، فأنا لا أحب أن ينشغل المؤمن بالأحوال ، ...
و .. الأحوال مسعدة ، والانقباض صعب ، ولكن الله يربِّينا عن طريق الانبساط والانقباض ، وعن طريق البسط والقبض ، والله عز وجل من أسمائه الباسط والقابض ،
يفهمون هذين الاسمين على أنهما بمعنى مادي ، أي يعطي المال أو يأخذه ، وهذا معنى مقبول ، لكن هناك معنى أرقى فهو قابض ، أي يقبض نفسك ، فإذا هي تضجر ، و باسط ، أي يبسطها ، فإذا هي تتألق ، لقد بَسَطك كي لا يبقيك مع القبض ، وقبضك كي لا يتركك مع البسط ،
و أنت له ، أنت عبد الفتاح ، لا عبد الفتح ، وأنت عبد الله ، لا عبد الأحوال ،
والأحوال يستمتع بها الأشخاص الذين ليس عندهم غير الأحوال ، وهي مسعدة ممتعة ، و بالتقريب إذا جلس إنسان في حمام وملأ الحوض ماًء فاترًا ، واستلقى ، فارتاح ، فهو شيء مريح ، ولكنه لا يصبح تاجرًا عقب هذه الاستلقاءات ، ولو أمضى كل يوم ثماني ساعات لا يكون عالمًا ،
و الاستمتاع ليس له أيّة ثمرة، فلو أنّ إنسانًا كان هدفه الأحوال فقط دون الأعمال فلا يرقى عند الله ، والذي يرفعك عند الله هو العمل ، قال تعالى :
و َ الْعَمَل ُ الصَّالِح ُ يَرْفَعُه ُ
(سورة فاطر)
ولكن لا مانع من أن الله عز وجل يربِّي هذا الإنسان عن طريق الأحوال ؛ عن طريق القبض تارة وعن طريق البسط تارة أخرى ،
والإمام علي كرم الله وجهه يقول : النفس لها إدبار ولها إقبال ، فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل ، وإذا أدبرت فاحملوها على الفرائض " ، وفي حالة القبض يجب أن تحافظ على الفرائض ، وفي حالة الانبساط ينبغي أن تسعى إلى النوافل ، لكن هناك أشخاص إيمانهم ضعيف ، فما دام في بسط فهو مرتاح ، فإذا أصيب بالقبض تجده يقصّر ، و حينما تقصر مع القبض فهذه بادرة غير طيبة إطلاقاً .
* لدينا حكمة أخرى متعلقة بهذه الحكمة الأولى ، " العارفون إذا بُسِطوا أخوف منهم إذا قُبِضوا " .
إن شاء الله تعالى , سنتابع مع هذه الحكمة و غيرها غدا ً .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
18-10-2009, 03:15 AM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم ,
سنسلط الضوء على حكمة أخرى متعلقة بهذه الحكمة الأولى ، " العارفون إذا بُسِطوا أخوف منهم إذا قُبِضوا " .
... " العارفون إذا بُسِطوا أخوف منهم إذا قُبِضوا " فمع الانبساط مزل القدم ، وهذا الشيء يستنبط من أن النبي عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن نفسه :
جاءه جبريل قال : يا محمد أتريد أن تكون نبياً ملكاً ؟ أم نبياً عبداً ؟ فقال : بل نبياً عبداً ، أجوع يوماً فأذكره ، وأشبع يوماً فأشكره " ، ويبدو أن تلوين حياة المؤمن أكثر صلاحاً له من ثباتها على حال عالٍ ، أجوع يوماً فأذكره ، وأشبع يوماً فأشكره .
و الآن القوي والضعيف ، فالقوي إذا كان إيمانه عاليًا بقوة يصالح المسلمين ، ولكن مع القوة توجد المزالق ، ومع الغنى توجد المزالق ،
فإذا كان احتمال الانزلاق كبيرًا فالضعف أفضل من القوة ، وإذا كان الانزلاق كبيرًا مع الغنى فالفقر أقرب إلى السلامة من الغنى ، قال له : أتريد أن تكون نبياً ملكاً ؟ أم نبياً عبداً ؟ قال : بل نبياً عبداً ، أجوع يوماً فأذكره ، وأشبع يوماً فأشكره،
فالعارفون إذا بُسِطوا أخوف منهم إذا قُبِضوا ، وأكثر الناس يتوهمون أن الصبر للفقير ! لا ، بل الصبر للغني ! وكيف ؟
فالفقير ما الذي هو متاح أمامه ؟ الدخل المحدود والبيت والعمل ، فلو أنّ غنيًّا سافر إلى بلد غربي ، ومعه الملايين فيتُاح له أن يفعل كل شيء ، وأن يرتاد أي مكان ، وأن يجلس في أي متنزه ، وأن يدخل أي ملهى ، وأن يلتقي مع أية امرأة في أي فندق متاح له ، فإذا اكتفى بغرفته في الفندق ، إلى مكتب العمل ، وعاد إلى بلده وذكر الله كثيراً ،
فمن هو الذي يحتاج إلى الصبر أكثر ؟ هو الغني ، لأنّ المال قوة ، والمال يتيح له أن يفعل كل شيء ، وأن يأكل ما يشاء ، وأن يلتقي مع مَن يشاء ، وأن يسكن في أي مكان شاء ، وهذه الحرية التي يتيحها المال تحتاج إلى صبر ، فالقوي بإمكانه أن يظلم ، ولو استفزه رجل لبطش به فوراً ، لأنه قوي ،
فالقوي في أمس الحاجة إلى الصبر أكثر من الضعيف ، وقد تجد أخًا مؤمًنا ملتزمًا تماماً متألقًا مرتاحًا ، فإذا ازداد الحال معه ، تجده إن رأى رجلاً مقصرًا يقول له : ماذا حصل لك ؟ فهو يصاب بنوع من الاستعلاء ، فهذا الحال فيه اعتداد ، وغفلة عن الله عز وجل ، فمع الغفلة أحياناً يأتي الانقباض ، انقباض بحجمك .
يتبع إن شاء الله تعالى ...
Barbie
20-10-2009, 12:51 AM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
مع تتمة الموضوع , و قد كنا مع الحكمة القائلة : العارفون إذا بُسِطوا أخوف منهم إذا قُبِضوا .
بسم الله الرحمان الرحيم ,
لا يقف على حدود الأدب في البسط إلا القليل ، فإذا بسَط اللهُ عز وجل للإنسان متَّعه بأحوال عالية ، فربما اعتدَّ بهذه الأحوال ، وظنَّ نفسه مقربًا ، فاستعلى على الناس قليلاً ، ولذلك قال ابن عطاء الله السكندري : ربّ معصية أورثت ذلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً ، ولو لم تذنبوا لخفت عليكم ما هو أكبر ، العُجْبُ العُجْب .
والآن هناك حكمة مهمة ، يقول ابن عطاء الله السكندري : ربما أعطاك فمنعك ، وربما منعك فأعطاك "، كلام طيب ودقيق ،
فقد تجد مثلاً بلادًا تنعم بغنى كبير ، ورفاهية كبيرة ، والأمور ميسرة إلى درجة مذهلة ، وكل شيء متوافر ، فهذه الدنيا العريضة هي في الحقيقة حجاب بين هؤلاء وبين الله ، وقد تجد مجتمعًا آخر في ضائقة ، وهذه المشكلات تكون لهم دافعًا كبيرًا إلى الله !
فالمجتمعات التي فيها قسوة وضعف ، وفقر وشدة تجد مساجدها ممتلئة ، ودروس العلم عامرة ، والناس ملتفتون إلى الله عز وجل ، فمن أدراك أن هذه الشدة التي ساقها الله لهؤلاء الناس هي سبب قربهم من الله ؟
كل رجل له ظروف نشأ فيها ، وهذه الظروف هي أفضل شيء له ، ولولاها لما كان في هذه الأحوال التي ينعم بها ،
وأحياناً ينشأ الولدُ يتيمًا، وليس معه ثمن طعام ، فيدرس ، فيأخذ أعلى شهادة ، فيتألق ويعيش حياة كريمة ، وهناك رجل قوي وغني ، والابن ليس لديه الدافع ليدرس ، وكل شيء موجود ؛ سيارة وبيت ، وطعام ، وشرب ، ومال ، يموت الأب فيصبح ابنَه وراء الناس في المؤخرة ، فبربك هل اليُتم والفقر خيرٌ أم الغنى والدلال ؟ إنّ الغنى والدلال جعله في المؤخرة ، واليتم والفقر جعله في المقدمة ، أليس كذلك ؟
هذا معنى قول بن عطاء الله السكندري : ربما أعطاك فمنعك ، وربما منعك فأعطاك ".
واللهِ أيها الأخوة ؛ ما مِن آية في القرآن الكريم تهز مشاعر المؤمن كقوله تعالى :
و َ عَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئا ً و َ هُو َ خَيْر ٌ لَّكُم َ وَ عَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئا ً و َ هُو َ شَر ٌّ لَّكُم و َ الله ُ يَعْلَم ُ و َ أَنتُمْ لَا تَعْلَمُون َ
(سورة البقرة)
دع الأمر لله عز وجل ، واستسلم لقضائه ، وارضَ بما أنت فيه ، واقبَل واقعك ، وقل : يا رب لك الحمد الذي أوجدتني ، ولك الحمد الذي أمددتني ، ولك الحمد الذي هديتني ، "ربما أعطاك فمنعك وربما منعك فأعطاك "، ..
سنتابع بإذن الله غدا ً , مع المزيد من الحكم :
* " متى فتح لك باب الفهم في المنع ، عاد المنع عين العطاء " .
* " إن أردت أن يكون لك عز لا يفنى فلا تستعزن بعز يفنى".
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
21-10-2009, 12:40 AM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم ,
* "متى فتح لك باب الفهم في المنع ، عاد المنع عين العطاء" ، وينبغي لك أنْ توقن أنّ الأشياء التي حُرِمتَ منها لو كشف الغطاء لشكرت الله على حرمانك منها ! وهذا هو الإيمان ، الإيمان معه راحة .
المشكلة أن المصيبة تقع ، والعبرة لا أن تتأكد من وقوعها ، فوقوعها سهل ، فأحياناً يقع زلزال ، وتتناقل وكالات الأنباء أخبار هذا الزلزال ، ويذاع في كل إذاعة ، وينشر في كل صحيفة ، ويُرى في كل الأخبار المصورة ، فهل العبرة أن ترى حوادث الزلزال ، أم أن تفهم حكمة الزلزال ؟
العبرة أن تفهم الحكمة ، والبطولة لا أن تتأكد من وقوع مصيبة ، إنما البطولة أن تعرف الحكمة من هذه المصيبة، والآية الكريمة :
و َ مَن يُؤْمِن بِِالله ِ يَهْد ِ قَلْبَه ُ
(سورة التغابن)
فمِن حكمة المصيبة ، إذا آمن الإنسان بالله يهدي قلبه ،
* ويقول ابن عطاء الله السكندري أيضاً : " إن أردت أن يكون لك عز لا يفنى فلا تستعزن بعز يفنى".
وقد ذكرت أن الإنسان عنده دوافع ، فالدافع إلى الطعام هذا أساسي لبقاء الفرد ، والدافع إلى الطرف الآخر من الجنس لبقاء النوع ، ولكن عنده دافع آخر إلى تأكيد الذات في التفوق إلى بقاء الذكر ، هذا الدافع الثالث لك أن تسميه دافع العزة :
فاجعل لربك كل عزك يستقر ويثبت فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت
و مستحيل ثم مستحيل أن توالي الله ثم لا يعزك ، والذين وقفوا مع النبي عليه الصلاة والسلام هم في أعلى عليين ، والذين حاربوه وكفروا به هم في أسفل السافلين ،
فالصحابة الكرام الأبطال الأعلام ، وكبار القادة المسلمون ، وكبار علماء المسلمين ، يذكرهم المسلمون في اليوم ملايين المرات ، أما الذين حاربوا الإسلام فيُذكَرون بأشنع الصفات ، فمثلاً : أبو جهل هل يترحَّم أحد عليه ؟ مستحيل ، قاتله الله ، وأبو لهب ، قاتله الله ، وسيدنا الصديق رضي الله عنه ! خلال ألف وأربعمائة عام كلما ذكره مسلم ترضَّى عنه ، فماذا فعل ؟ لقد وقف مع النبي ، ومرة ذكرت آية وهي تدعو إلى الحيرة :
إِن تَتُوبَا إِلَى الله ِ فَقَد ْ صَغَت ْ قُلُوبُكُمَا و َ إِن تَظَاهَرَا عَلَيْه ِ فَإِن َّ الله َ هُو َ مَوْلَاه ُ و َ جِبْرِيل ُ و َ صَالِح ُ المُؤْمِنِين َ و َ الْمَلائِكَة ُ بَعْد َ ذَلِك َ ظَهِير ٌ ( 4)
(سورة التحريم)
العلماء قالوا : هذه الآية معناها : أنه لمجرد أن تفكر في معاداة أهل الحق ، ومعاداة الدين ، وفي إطفاء نور الله ، اعلم من هو الطرف الآخر ! أنت بأي بلد تعرف هذا الإنسان له صلة بأعلى جهة هل تسبب له مشكلة في الطريق ؟ لا بل تريد السلامة منه ، وتعرف من وراءه،
فإذا أراد الإنسانُ أن ينال من الدين ،هو أحمق ، لأن الطرف الآخر هو الله ، والطرف الآخر حياته بيده، و قلبه بيده ، ودسّامات قلبه بيده، وكليتاه بيده ، يوجد عند الله أمراض وبيلة ، والله عنده قهر ، وعنده خسف .
فَخَسَفْنَا بِه ِ و َ بِدَارِه ِ الأَرْض َ
(سورة القصص)
فربنا عز وجل عنده أشياء كثيرة ، فكلما كنت مؤمناً تأدبت مع الله كثيراً ، وإن أردتَ أن يكون لك عز لا يفنى فلا تستعزن بعز يفنى :
اجعل لربك كل عزك يستقر ويثبت فإن اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت !
يتبع إن شاء الله مع حكمة جديدة .
Barbie
22-10-2009, 12:16 AM
السلام عليكم و حمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم ,
آخر حكمة : " العطاء من الخلق حرمان ، والمنع من الله إحسان "
أحياناً ينالك من إنسان فاسق فاجر عطاء ، فتميل له ميلاً شديدًا ، وبهذا الميل تجامله ، وتنافق له أحياناً، وتسترضيه ، وهو ليس أهلاً لذلك ، فحجبك عن الله ، فعطاء هذا الإنسان سبب حرمانك من رحمة الله ...
... ومن هنا قال عليه الصلاة والسلام : " رب لا تجعل لي خيراً على يد كافر أو منافق " تميل له ، وإذا ملت إلى كافر أو منافق فقد أصبحتَ أسيرًا عنده ، إذ يتكلم بالخطأ فتجامله ، ويقول لك : رافقني إلى المكان الفلاني فتستحي منه ،
والأغنياء الشاردون عن الله مثل البحر وأنت القارب ، فإذا بلعت شيء من ماءه بلعك كلك ، والسفينة إذا بلعت من ماء البحر شيئًا بلعها كلها ! فأنا أتمنى أن يبقى الإنسان مع المؤمنين ، ولا يقبل عطاءً من إنسان فاسق فاجر ، يعطيه شروطًا معينة ، فالعطاء من الخلق حرمان ، والمنع من الله إحسان ،
إنتــــــــــــــــــهى .
وهذه بعض الحكم :
1. بسطك كي لا يبقيك مع القبض وقبضك كي لا يتركك مع البسط ، وأخرجك عنهما كي لا تكون لشيء دونه .
2.العارفون إذا بسطوا أخوف منهم إذا قبضوا ، ولا يقف على حدود الأدب في البسط إلا قليل .
3.ربما أعطاك فمنعك ، وربما منعك فأعطاك ، ومتى فتح لك باب الفهم في المنع ، عاد المنع عين العطاء .
4.إن أردت أن يكون لك عز لا يفنى ، فلا تستعزَّنَّ بعزٍ يفنى .
5.و العطاء من الخلق حرمان ، والمنع من الله إحسان .
يتبع مع درس جديد , بإذن الله تعالى .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
25-10-2009, 01:16 AM
السلام عليكم و حمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم ,
الدرس السابع عشر : الهبة : " أصولها وأحكامها ومع من تصح " ـ لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، أيها الإخوة الأكارم ، من حين إلى آخر أجد من المناسب أن نعالج موضوعاً في الفقه تشتد الحاجة إليه ،
واليوم نعالج موضوع الهبة ، فأكثر الناس يقعون في إشكالات مع أولادهم في حياتهم ، فيما يعطونهم فيما يمنعونهم ، فيما يوصون إليهم ..إلخ .
1 ـ ما هي الهبةُ ؟
جاء في القرآن الكريم :
رَبِّ هَبْ لِى مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّة ً طَيِّبَة ً إِنَّك َ سَمِيع ُ الدُّعَاء ِ ( 38 ) ( سورة آل عمران ) .
الهبة تمليك إنسان مالاً لغيره في الحياة بلا عوض .
2 ـ الفرقُ بين الهبة والبيع والإعارة والوصية :
الآن عندنا عدة حالات ، فإذا كان بعِوَضٍ صارت بيعاً ، إذًا : التمليك في الحياة فقط صار إعارة ، فإذا استردت الهبة انتفع بها لوقت معلوم صارت إعارة ، و إذا وهب الشيء ، وأضيف إلى ما بعد الوفاة صار وصية .
هناك شيء دقيق ، الهبة في الشرع عقد موضوعه تمليك الإنسان ماله لغيره في الحياة بلا عوض ، فإذا أباح الإنسان ماله لغيره لينتفع به ، ولم يملّكه إياه كان إعارة ، الهبة شيء والإعارة شيء ، الإعارة أن تهب مالك لينتفع به أخوك لكن على أن تسترده صار إعارة .
أما إذا أهديت ما ليس بمال فليس هدية ، الخمر ليس بمال إطلاقاً ، لحم الخنزير ليس بمال ، الشيء المحرم ليس مالاً ، والشيء الذي لا قيمة له ليس مالاً ، والشيء الذي لا تملكه ليس مالا .
وإذا كان التمليك مضافاً إلى ما بعد الحياة صار وصية ، وإذا كان بعوض صار بيعاً ، و العبرة للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني ، فإذا قلت لمن يشتري منك مصحفاً :
... وهبتك هذا المصحف بمئة ليرة فهذا عقد بيع ، لو قلت : بعتك هذا المصحف بلا ثمن هذا عقد هبة ، لو قلت : بعتك بلا ثمن فهو عقد هبة ، وهبتك بمئة ليرة فهو عقد بيع .
3 ـ الهبة المطلقة :
الهبة المطلقة ، معنى المطلقة أيْ : في حدها الشرعي ، لا تقتضي عوضاً ...
يتبع بإذن الله تعالى , مع : 4_ المعاني الفرعية للهبة .
5_ الحكمة ُ من تشريع الهبة .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
26-10-2009, 01:30 AM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم ,
نكمل الآن مع :
4 ـ بعضُ معاني الهبة :
هناك معان فرعية للهبة ، الإبراء هبة ، لك على فلان مبلغ من المال ، تقول له : وهبتك هذا الدين ، أنت ما قدمت له شيئًا ، ما مسكت شيئًا وسلمته إياه ، ما ملكته إياه ، لك عليه ذمة .
فالهبة في بعض معانيها تعني الإبراء ممن هو عليه ، و الصدقة تأخذ معنى الهبة ، أنت قدمت لإنسان مبلغا من المال ، حاجة ، لباسًا ، شيئًا ينتفع به ، أنت نويتها صدقة ، فالهبة تأخذ معنى الصدقة أحياناً ، وتأخذ معنى الإبراء أحياناً ، و تأخذ معنى الهدية أحياناً أخرى .
مثلاً : أنت ضحيت في العيد ، الشرع سمح لك أن تقدم ثلث الأضحية لأصدقائك ، فإذا طُرق باب الرجلِ ، وأعطوه قطعة لحمة فليس معناها أنه فقير ، أحب أخوك ، أو صديقك ، أو جارك أن يتودد إليك بقطعة لحمة ، هذه ما فيها شيء .
الشيء الثاني : وقسم للفقراء ، وقسم أن تأكله أنت ، فما كل شيء يقدم لك اسمه صدقة ، قد يكون يأخذ مأخذ الهدية ، أنت لست بحاجة للشيء ، لكن هناك معانٍ نبيلة جداً أرادها الشارع الحكيم من الهدية .
إذا نشأ مع أخيك شيء من الجفاء فحلّه بهدية ، قدم له هدية ، لك قريب جاءه مولود فقدمت له هدية ، الهدية كما قال عليه الصلاة والسلام :
(( تَصَافَحُوا يَذْهَبِ الْغِلُّ ، وَتَهَادَوْا تَحَابُّوا ، وَتَذْهَبِ الشَّحْنَاءُ )) .
[ مالك في الموطأ ]
إذاً : من المعاني الفرعية للهبة الإبراء ، والصدقة ، والهدية ،...
لما شرع ربنا عز وجل الهدية فمن أجل تأليف القلوب ، وتوثيق عُرى المحبة بين الناس .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( إِيَّاكُمْ وَسُوءَ ذَاتِ الْبَيْنِ فَإِنَّهَا الْحَالِقَةُ ... إِنَّهَا تَحْلِقُ الدِّينَ )) .
[ الترمذي ]
(( إياكم وفساد ذات البين ، فإنها الحالقة ، لا أقول : حالقة الشعر ، ولكن حالقة الدين )) .
[ البزار بإسناد جيد عن ابن الزبير ]
إذا نشأ بينك وبين أخيك فساد ، أو قطيعة ، أو هجران ، هذا أسلوب يفتت العلاقات ، يمزق الجسد الإسلامي .
عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا )) .
[ متفق عليه ]
*** و الله عز وجل يسترضى ، يسترضى بالصدقة ، بالهدية .
(( باكروا بالصَّدقة ، فإن البلاء لا يتخطاها )) .
[ رواه أبو الشيخ ، وابن أبي الدنيا والبيهقي ، عن أنس ] .
(( صدقة السر تطفئ غضب الرب )) .
[ أخرجه ابن عساكر عن ابن عباس ] .
5 ـ الحكمةُ من تشريع الهبة :
إذاً : شرع الله الهبة لما فيها من تأليف القلوب ، وتوثيق عُرى المحبة بين الناس ...
فعن أبي هريرة رضي الله عنه يقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أخرجه البخاري في الأدب المفرد ، وأخرجه البيهقي ، وقال الحافظ : إسناده حسن ، قال :
(( تَهَادَوْا تَحَابُّوا )) .
[ مالك في الموطأ ]
يتبع بإذن الله تعالى , مع :
* معنى تهادوا , و نقاط أخرى سنذكرها تباعا ً إن شاء الله عز و جل .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
27-10-2009, 12:45 AM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم ,
* معنى تهادوا :
الذي يعرف اللغة يفهم معنى تهادوا ، تهادوا على وزن تفاعلوا ، ماضيه فاعَلَ ، وزن فاعلَ يفيد المشاركة ، تريد أن تقدم هدية ، والذي تلقى الهدية عليه أن يقدم هدية ، ليس في هذا كسب إطلاقاً ، لكن تنشأ مودة ،
>>> ... ، ليس هناك خسارة ، عملية مقابلة فقط ، لكن سبحان الله ! المقابلة وحدها تنشئ هذه المودة ..
فالهدايا باب كبير من أبواب البر بين الناس .
إذاً : " تهادوا " ، ليقدمْ أحد هدية لأخيه ، وعلى الذي تلقى الهدية عليه أن يرد الهدية مثلها ، لذلك العوام عندهم كلمة بسيطة : الهدية دين ووفاء ، دعاك فادعُه ، أهداك تهديه ، عاونك تعاونه ، لذلك النبي الكريم يقول :
(( ومن أسدى إليكم معروفا فكافئوه )).
[ رواه الطبراني عن الحكم بن عمير ] .
كلمة " الله يعطيك العافية " ، " تفضلت " ، " كثر خيرك " ، الله يجزيك الخير " ، كله كلام لا معنى له إن لم يكن له واقع عملي .
((ومن أسدى إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا فادعوا له )).
[ رواه الطبراني عن الحكم بن عمير ] .
أي أن الدعاء للذي قدم لك معروفاً لا يقبل إذا كنت تستطيع أن تقدم له شيئاً مقابل الذي قدمه لك ،
فعلى الإنسان أن يعوّد نفسه هذه العادة ، فلا تقل : أنا ما لي عند أحد شيء ، بل كل شيء قدمه لي الناس هذا فضل منهم ، وعليّ أن أرد الجميل ، بهذه الطريقة ينشأ مجتمع كالبنيان المرصوص .
* انسَ ما قدّمتَه للناس واذكر ما قدّمه الناسُ لك :
لذلك عندنا قاعدة ، هذه قاعدة ذهبية : أيّ شيء قدمته للناس يجب أن تنساه ، وكأنه ما كان ، و أي شيء قدمه الناس لك يجب ألا تنساه حتى الموت ، إذا كنتَ تريد أن تُحب ، وتريد أن يحبك الناس ، تريد أن يرضى الله عنك ، تريد أن تكون سمعتك عطرة ، تريد أن يلهج الناس عنك بالثناء ، وإذا خدمك أحدُهم خدمة يجب ألا تنساها حتى الموت ، .. ،
و إذا قدمت خدمة فإياك أن تذكرها ،
فقط تقول : أنا أعطيتك ، أنا قدمت لك ، عاونتك ، دعوتُك مرتين ، قدمت لك هدية في عرسك ، بهذا ألغيتَ الهدية . إن عملت عملا فإياك أن تذكره ، أنت عاملت الله .
أذكر لكم حديثا شريفا أيها الإخوة ، هذا الحديث الشريف يلقي على قلب كل واحد منكم السكينة والاطمئنان ، لو أنك خدمت الناس ، والناس أساءوا لك ، لو خدمت ومقابل الخدمة إساءة ، الحديث :
(( اصنع المعروف إلى من هو أهله ، وإلى غير أهله ، فإن أصبت أهله أصبت أهله، وإن لم تصب أهله كنت أنت أهله )) .
[ رواه ابن النجار عن علي ] .
علامة الإخلاص لله عز وجل أنك لا تنتظر على عملك الصالح شيئاً ، لا ثناء ، أخي والله العملية ناجحة ، لو كتب هذا المريض عني في الجريدة كلمتين ، أنت خدمته لله ، لا تنتظر الشكر ، ولا الامتنان ، ولا التنويه في الجريدة ، ولا باقة ورد ، ولا شيء إطلاقاً ، خدمته لله خذ أجرك من الله ...
بإذن الله تبارك و تعالى , سنكمل غدا ً مع المزيد .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
28-10-2009, 01:10 AM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم ,
وصلنا إلى هذه النقطة :
* النبي يقبل الهدية ويكافئ عليها :
قد كان عليه الصلاة والسلام يقبل الهدية ، ويثيب عليها ، وكان يدعو إلى قبولها ، ويرغب فيها ، فعند أحمد من حديث خَالِدِ بْنِ عَدِيٍّ الْجُهَنِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(( مَنْ بَلَغَهُ مَعْرُوفٌ عَنْ أَخِيهِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ ، وَلَا إِشْرَافِ نَفْسٍ فَلْيَقْبَلْهُ ، وَلَا يَرُدَّهُ ، فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ )) .
[ أحمد ]
الإشراف معناه التطلع ، أحيانا تكون حاملا لغرض ، وأحدهم ظل يرمقه بعيون ، فهذا إشراف .
((مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ ، وَلَا إِشْرَافِ نَفْسٍ )).
لا سألت ، ولا تمنيت ، أيهما أبلغ ؟ ما تمنيت ، فلا سؤال ، ولا تمني .
ما الشرط ؟ عدم السؤال ، والثاني عدم التمني ، لا سألت ، ولا طلبت ، لكن أخاك أحب أن يتقرب إليك ، أهلاً وسهلاً .
هذا حكم شرعي ، هناك إنسان يسأل ، وإنسان يتطلّع ، وإنسان يشارط ، كله غلط ، وهناك إنسان يرفض الشرط ، ويرفض العطاء ، يا أخي أنت ما سألت ، ولا طلبت ، ولا تمنيت ، وأحببت أنا أن أتقرب إلى الله بخدمتك ، وهو لا يقبل ، هذا أيضاً تعنت ، وهذا أيضاً مخالفة للسنة .
(( مَنْ بَلَغَهُ مَعْرُوفٌ عَنْ أَخِيهِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ ، وَلَا إِشْرَافِ نَفْسٍ فَلْيَقْبَلْهُ ، وَلَا يَرُدَّهُ ، فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ )) .
* ثانيا ً : اقبل الهدية ولو كانت شيئًا يسيرًا :
النبي الكريم يقول :
(( ولو أهدى إلي كراع )).
[ أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن أنس ] .
هذه أخلاق النبي اللهم صل عليه يجب أن نتعلم الأدب ، فإذا قدم لك أحدُهم هدية صغيرة رخيصة فقل له : جزاك الله خيرا ، والله معناها كبير يا أخي ، والله أنا غالٍ عليك ، طيّب له قلبه ، دعه يشعر بعمله الطيب ، شجعه على تطبيق السنة ،
قال النبي اللهم صل عليه :
(( ولو أهدى إلي كراع لقبلت )).
قال :
(( ولو دعيت إلى كراع لأجبت )).
[ أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن أنس ]
. عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ :
(( إِنَّ لِي جَارَيْنِ ، فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي : قَالَ : إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا )) .
( البخاري )
الأقرب فالأقرب .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( تَهَادَوْا )) .
أمر نبوي :
(( تَهَادَوْا ، فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ )) .
( الترمذي )
الحقد ، والألم ، والضيق ، والشقاق ، والخصومة ، هذه تذهبها الهدية .
بإذن الله يتبع مع :
* قبول هدية غير المسلم .
* و حالات ترفض فيها الهدية .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
29-10-2009, 01:27 AM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم ,
* قَبولُ هدية غير المسلم :
الشيء الدقيق أن النبي عليه الصلاة والسلام قبِل هدية الكفار ، فقبل هدية كسرى ، وهدية قيصر ، وهدية المقوقس ، كما أهدى للكفار بعض الهدايا .
إذا كنت موظفًا ، ومعك موظف غير مسلم ، وجاءه مولود ، وقدمت له هدية فلا حرج في ذلك أبداً ، تألفته ،
حتى قال عنك : والله هذا المسلم صاحب ذوق ، لبق ، فهيم ، طبعاً هذا أخ لك في الإنسانية ، حتى إن بعض العلماء فسروا :
(( لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحبُّ لِنَفْسِهِ )).
[ متفق عليه ] .
لو أردت أن تفهم هذا الحديث فهماً أصولياً أخيه مطلقة ، وإذا أطلقت الكلمة أخذت أوسع معانيها ، لذلك قالوا : (( حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ )) في الإنسانية ، (( ما يُحبُّ لِنَفْسِهِ )) ، لو كان غير مسلم ، استنصحك فانصحه بأحسن شيء .
فالنبي قبِل الهدية ، قبِل هدية الكفار ، قبِل كسرى ، وهدية قيصر ، وهدية المقوقس ، كما أهدى هو الهدايا والهبات .
الآن * حالاتٌ تُرفَض فيها الهديةُ :
لكن يبدو أن هناك حالة خاصة ، إذا قدم الإنسان لك هدية ، ويريد منك شيئاً لا يرضي الله عز وجل ، أو أراد أن يحرجك بها ، أو أن يظهر فضله عليك بها ، فإنه يمكن أن ترفض الهدية ،
روى أبو أحمد والترمذي عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ أَنَّهُ أَهْدَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدِيَّةً لَهُ أَوْ نَاقَةً ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( أَسْلَمْتَ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : فَإِنِّي نُهِيتُ عَنْ زَبْدِ الْمُشْرِكِينَ )) .
[ الترمذي ]
فكيف نوفق بين قبول هدية قيصر وكسرى والمقوقس مع هذا الحديث ؟
إذا كانت الهدية قصدها التودد فيجب أن تقبلها ، أما إذا قصدها إملاء شروط معينة ، هدفها الإحراج ، هدفها أن ينتقص من قيمتك ، فلا أقبلها ،
كشخص يقف موقفا ضدك ، لا آخذ هديته ، مادام مصرًا على موقفه العدائي فهديته ضعف بالنسبة لي ، أو يقف موقف العدائي المصر عليه ، لا يتراجع عنه ، وينهش بك ، وأحب أن يهدي لك ، لا ، لا آخذ الهدية ، أنا غني عنها .
يبدو أن هذا الإنسان رفض النبي هديته ، قال : (( أَسْلَمْتَ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : فَإِنِّي نُهِيتُ عَنْ زَبْدِ الْمُشْرِكِينَ )) .
بعضهم قال : هذا الحديث منسوخ ، تحب أن توفق بينه وبين البقية أنه منسوخ ، أما الأقوى أنه إذا كانت الهدية سوف تحرجك ، وتضعف من قيمتك ، أو يملي عليك مهديها شروطاً عندئذٍ يمكن أن ترفضها .
يتبع إن شاء الله تعالى .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
31-10-2009, 12:28 AM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم ,
أيها الإخوة و الأخوات , سنتابع الآن مع :
1 ـ يجب أن يكون الواهبُ مالكًا للموهوب :
الواهب يجب أن يكون مالكاً للموهوب ، أول شرط للهدية لها ثلاث أشياء ، الهبة فيها واهب ، وموهوب له ، وموهوب فيه ، أي : المادة ، والمعطي ، والآخذ ، فيها ثلاثة عناصر ، الواهب يجب أن يكون مالكاً للموهوب ، وإلا :
و َّ يُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ
( سورة آل عمران الآية : 188 ) .
قد يتكرم أحدُهم من مالِ غيره ، يكون وصيا على أموال أيتام ، فيقيم الولائم ، ويقدم هدايا ، وقد يكون شريكا ، مثلاً ، يأتي مندوب شركة ويقدم له سوارا من ذهب من مال الشركة ، الشركة ليست لك وحدك ، فيها مستثمرون ، فيكون قد كسب وجاهة من مال غيره ، فالهدية يجب أن يملكها الواهب ، هذا أول شيء .
2 ـ أن يكون الواهبُ بالغًا غير محجور عليه :
وألا يكون الواهب محجوراً عليه لسبب من أسباب الحجر ، وأن يكون بالغاً .
إياك أن تقبل هدية من غير بالغ ، أنت مؤاخذ ، دخلت محلا تجاريا ، الأب في البيت ، وضع ابنه صغير في المحل ، وأعطاك ساعةً ، إنه طفل صغير ، كيف تأخذها وتمشي ؟
هذه الهدية غير مقبولة من واحد صغير ، ممنوع ، لابد أن يكون بالغاً ، لأن الصغير ناقص الأهلية ، أن يكون مختاراً ، لأن الهبة عقد يشترط فيه صحة الرضا ، أما إذا كان بالقهر فليست هدية ، لأنه : " ما أخذ بسيف الحياء فهو حرام " .
3 ـ أن يكون الموهوب مالاً متقوَّماً :
وأن يكون الموهوب مالاً متقوماً ، يمكن أن يستغربوا ، لأن هناك مسلمين يُصلُّون في المساجد ويقدمون الخمر هدايا إذا طلبه إنسان منهم ، الشرع دقيق جداً ،
يجب أن يكون الموهوب مالاً متقوماً ، والخمر ليس بمال .
4 ـ أن يكون الموهوب شيئًا يقبل الانتقال :
أيضاً يجب أن يكون الموهوب شيئًا يقبل الانتقال ، لا يوهب مثلاً سمك بنهر، لا يوهب هذا المقصف لك ، في أشياء يجب أن تنتقل معك .
لا يجوز أن تهب شيئاً متصلاً بمال الواهب اتصال قرار ، توهب الأشجار بأرض لك ، هذه صعبة ، وهبت الأشجار ، وبقيت الأرض ، كالزرع والشجر والبناء دون الأرض ، بل يجب فصله وتسليمه ،
وكل شيء مشاع لا تصح هبته ، لأنه يصعب أن يتملكّه ، وكذا الشيء المرهون ، والشيء غير المقسوم .
بإذن الله نكمل غدا ً لنتحدث عن أحكام الهبة ...
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
01-11-2009, 01:11 AM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم ,
من أحكام الهبة :
1 ـ هبة المريض مرضَ الموت :
الآن أخطر شيء في الموضوع هبة المريض مرض الموت ، هنا المشكلة ، كما يقال اليوم : كتب لي هذه السجادة ، كتب لي هذا البيت ، كتب لي هذه الدكان ، فينازع ،
فإذا كان الشخص مريضا مرضَ الموت ، ووهب غيره هبة فحكم هبته كحم الوصية ، وينطبق عليها حكم الوصية لا حكم الهبة ، لأن كل شيء أضيف إلى ما بعد الموت صار وصية ،
فإذا وهب هبة لأحد ، ثم مات فهذا شيء يعد كالوصية تماماً .
إذا وهب إنسان شيئًا وهو مريض مرض الموت فالهبة وصية ، شُفيَ بعد هذا المرض ، وعاش عشر سنوات تصح الهدية ، لأنها انقلبت من وصية إلى هبة .
2 ـ هل يُشتَرط القبضُ في الهبة ؟
عندنا بحث لطيف ملخصه موضوع خلافي بين العلماء ، بعضهم لا يرى أنها تصح أو تقع إلا بالقبض ، فإذا وهبك شخصٌ شيئًا ، ولم يعطك إياه ، ومات ، هل ذهب الموهوبُ عليك ؟
لا ، لن يذهب عليك ، بعضهم يقول : تصح بالإيجاب والقبول ، لأن القبض شيء ثانوي ، وبعضهم قال : لا بد من القبض ، فهذا الحكم مرن ، يتحول بحسب الظروف والحالات والملابسات .
3 ـ هل يجوز هبةُ جميع المال ؟
أما أن يتبرع الإنسان بكل ماله فهذا موضوع شائك ، الإمام أبو حنيفة يقول : " لا يصح التبرع بكل المال ، ولو في وجوه الخير " .
... ، عند الأحناف لا تجوز هذه الهبة ، ولا تصح .
أفضل شيء الثلث ، طبعاً الهبة تأخذ حكم الوصية في الثلث ، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ ، أَوْ كَبِيرٌ )) .
[ متفق عليه عن ابن عباس ]
دائماً دع لأولادك ثلاثة أرباع ، إذا كنتَ في بحبوحة ، وعندك أموال طائلة ، تحب أن تتقرب إلى الله عز وجل بهبة في حياتك ، أو بوصية بعد وفاتك ، فاجعل أقصى شيء فيها الربع ، لقول النبي : (( وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ )) .
و الهبة لها ميزة ، أنه أحيانا يكون عندك بنت مثلاً بحاجة إلى بيت ، عندك أربع بنات ، الثلاثة أزواجهم أغنياء ، وبنت واحدة زوجها فقير جداً ، وبيته بالأجرة ، وعليه دعوى إخلاء عليه ،
أنت في حياتك قدمت لها بيتا صغيرا مناسبا ، هذا يدخل تحت باب الهبة لا الوصية ،
فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ :
(( إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ )) .
[ رواه الترمذي ]
فإذا كان معك جواب لله عز وجل ، فإذا أخذت موقفا موضوعيا أخلاقيا بدافع الرحمة والإنصاف فهو أمرٌ مقبول .
يتبع بإذن الله عز و جل , مع الأحكام المتبقية للهبة .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
02-11-2009, 12:39 AM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم ,
4 ـ المكافأة على الهدية :
قال يستحب المكافأة على الهدية ، الدليل ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ :
(( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ ، وَيُثِيبُ عَلَيْهَا )) .
[ البخاري ]
وفي رواية :
(( ويثيب ما هو خير منها )).
بعضهم قال : هبة الأعلى للأدنى هبة إكرام وإلطاف ، وهبة الأدنى للأعلى هبة منفعة وثواب ، وهبة النظير لنظيره هبة تودد ، إكرام ، منفعة ، تودد ، من أعلى إلى أدنى إكرام ، من أدنى إلى أعلى منفعة .
قد يحب إنسان أن يستفيد من إنسان ، فيتقرب له بشيء ، فمن مستوى إلى مستوى موازٍ تودد .
5 ـ العدل في الهبة بين الأولاد :
الحديث الذي بين يدي ، وهو من أهم الأحاديث هو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ )).
[ رواه البخاري]
هذا حديث مهم جداً :
(( إن أحدكم ليعمل طوال حياته بعمل أهل الجنة ، حتى يأتيه الموت فيضار في الوصية فيستحق النار فيدخلها )).
[ ورد في الأثر ]
لذلك الحديث الصحيح الذي رواه الإمام البخاري عن ابن عباس
(( اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ )).
الحديث الشهير الذي هو محور هذا الدرس قال عن الشعبي عن النعمان بن البشير قال :
(( أَنْحَلَنِي أبِي نُحْلاً ـ النحل يعني العطاء ـ فَقالَتْ لَهُ أُمّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ ائتِ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَأَشْهِدْهُ ـ ما قال :
أبي نحلني نحلاً ـ فَأتَى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ ، قالَ : فَقالَ لَهُ : إنّي نَحَلْتُ ابْنِي النعْمَانَ نُحْلاً ، وَإنّ عَمْرَةَ زوجتي سَألَتْنِي أنْ أُشْهِدَكَ عَلَى ذَلِكَ ، قالَ : فقالَ :
(( ألَكَ وَلَدٌ سِوَاهُ ؟ قالَ : قُلْتُ : نَعَمْ ، قال : فَكُلّهُمْ أعْطَيْتَ مِثْلَ مَا أعْطَيْتَ النعْمَانَ ؟ قالَ : لاَ : قالَ : فَقَالَ بَعْضُ هَؤُلاَءِ المُحَدّثِينَ : هَذَا جَوْرٌ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : هَذَا تَلْجِئَةٌ ، فَأشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي ،
قالَ مُغِيرَةُ في حَدِيثِهِ : قال النبي : ألَيْسَ يَسُرّكَ أنْ يَكُونُوا لَكَ في الْبِرّ وَاللّطْفِ سَوَاءٌ ؟ قالَ : نَعَمْ ، قال : فَأشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي ، فإني لا أشهد على جور )).
وقال في رواية أخرى ذكرها مجاهد :
(( إنّ لَهُمْ عَلَيْكَ مِنَ الْحَقّ أنْ تَعْدِلَ بَيْنَهُمْ ، كَمَا أنّ لَكَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْحَقّ أنْ يَبَرّوكَ ، إنّ لَهُمْ عَلَيْكَ مِنَ الْحَقّ أنْ تَعْدِلَ بَيْنَهُمْ )).
هذا الحديث وقف العلماء عنده وقفات طويلة ، لكنه يفيد الحديث أنه لا يجوز أن لا تكون عادلاً بين أولادك في العطية .
يقول لي واحد : هذا يبرني ، هذا الذي ما برك لما فضلت الأول عليه ازداد عداوة لك ، وإذا سويته مع أخيه اقترب منك ، فإذا كان ابنك الذي برك خدمك لله الله يجازيه ، أنت اعدل بينهم جميعاً ، عليك أن تعدل .
هنا ينتهي هذا الدرس ... و بإذن الله سنكمل موضوعنا مع درس جديد .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
05-11-2009, 02:44 AM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
إخواني و أخواتي , سنبدأ الآن بعون الله تعالى الدرس الثامن عشر لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي . تحت عنوان (( الغرباء في الدين ))
بسم الله الرحمان الرحيم ,
* يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز :
فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُون ِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّة ٍ يَنْهَوْن َ عَن ِ الْفَسَاد ِ فِى الأَرْض ِ إِلَّا قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُم ْ
و َ اتَّبَع َ الَّذِين َ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيه ِ و َ كَانُواْ مُجْرِمِين َ ( 116 )
( سورة هود )
هذه الآية تدل دلالةً قطعيةً على أنَّ الناجينَ قِلة ، وعلى أنَّ المستقيمين قِلة ، وعلى أنَّ الطائعينَ قِلة ، فإذا وجدتَ نفسكَ في عصرٍ ما مع القِلة الطائعة بعيداً عن الكثرة العاصية ، مع القِلة المنيبة بعيداً عن الكثرة المعرضة ،
مع القِلة المتبّعة لسنة النبي عليه الصلاة والسلام بعيداً عن الكثرة التائهة والضالة فهذه علامة طيبة
لأنَّ الله سبحانه وتعالى في هذه الآية وبدلالةٍ قطعية يؤكد أنَّ أكثرَ من في الأرضِ ..
و َ إِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى الأَرْض ِ يُضِلُّوك َ عَن سَبِيل ِ الله ِ إِن يَتَّبِعُون َ إِلَّا الظَّنَّ وَ إِن ْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُون َ ( 116 )
( سورة الأنعام )
هناك شعور ينتاب المؤمن .. يارب كلُّ هؤلاء الناس على خِلاف الحق ، أكثرُ هؤلاء الناس ليسوا على الطريق المستقيم ، أيهما على حق أنا أم هم ..
لِئلا تقعَ في هذا الصِراع ، لِئلا تشعرَ بالوحشة ، لِئلا تشعرَ بأنكَ وحيدٌ في هذا المجتمع التائه ، لِئلا تُحس أن الحقَّ مع هؤلاء الأكثرية فتقول لعلي على ضلال أنا وحدي ، لِئلا تقع في هذه المشاعر التي لا ترتاح لها
جاءت الآية الكريمة تؤكدُ " فلولا كانَ من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم" بقيةٌ قليلةٌ ينهونَ عن الفسادِ في الأرض ،
معنى ذلك أنَّ الفسادَ ظهرَ وعمّ ، وأنَّ هذه القِلةَ القليلة تنهى عن الفساد في الأرض ، لو عرضتَ أمرها على الناس لرأوها فِئةً تائهةً .
لو أُتيحَ لكَ أن تقبضَ مالاً كثيراً من شُبُهةٍ ورفضته تُتهمُ في عقلك ، لو أُتيحَ أن تكونَ في نزهةٍ مع أًصحابك .. النزهة مختلطة .. ورفضتَ هذه النزهة لاتهمت في عقلك ، لو جاءكَ خاطِبٌ لابنتكَ من مستوىً رفيع في ماله وفي جاهه وفي عمله ورفضتَ هذا الخاطب لرِقةٍ في دينه تُتهمُ بعقلك
فلِئلا تقعَ في هذه المشاعر جاءت الأحاديث الشريفة تؤكد فحوى هذه الآية ، يقول عليه الصلاة والسلام :
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَنَّةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بَدَأَ الإسْلامُ غَرِيبًا ثُمَّ يَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى للغُرَبَاءِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنِ الْغُرَبَاءُ قَالَ الَّذِينَ يُصْلِحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُحَازَنَّ الإيمَانُ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا يَحُوزُ السَّيْلُ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَأْرِزَنَّ الإسْلامُ إِلَى مَا بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا *
سنكتفي بهذا القدر كبداية لدرسنا هذا , و بإذن الله تعالى سنتابع غدا ً مع المزيد .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
06-11-2009, 01:24 AM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
نتابع إيها الإخوة و الأخوات مع القسم الثاني لهذا الدرس :
بسم الله الرحمان الرحيم ,
الناس خرجوا في الطرقات بلا احتشام وبلا وقار وبلا تستر وبلا انضباط تَبِعوا الأجانب في أزيائهم ، لو أنَّ ثيابَ المرأةِ الأجنبيّة تبذلّت لتبذلّت المرأة المسلمة معها اتباعاً لها ، لو دخلوا جُحرَ ضبِّ خَرِبٍ لدخلتموه ،
فحينما ترى أنَّ الكثرة الكثيرة خرجوا في الطرقات بلا حجاب بلا احتشام ، بلا وقار ، تتبعوا عادات الأجانب عادةً عادة ، قلّدوهم في كلِّ شيء ، قلّدوهم في احتفالاتهم المُختلطة ، قلّدوهم في إنفاقهم المُترف ، قلّدوهم في أكلهم المالَ الحرام ، قلّدوهم في العلاقات الربوية ، قلّدوهم في تفلت الناس من منهج الله عزّ وجل ،
إن رأيتَ مجتمعاً هكذا صِفته وأنتَ غريبٌ عنه لا ترضى به تُنكر ما فيه ، فهذه بِشارةٌ طيبةٌ على أنك من الغرباء ، يعني أيها المؤمن لا تشعر بالوحشة ، وحشتك طبيعية جداً وحشتك من الناس طبيعية ، بل هيَ شعورٌ صحيّ للمؤمن .
يقول عليه الصلاة والسلام : " بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء قيلَ يا رسول الله ومن الغرباء الذين يصلحون إذا فَسَدَ الناس "
البطولة أن تُتاح لكَ الدنيا من أوسع أبوابها ، أن يُتاح لكَ أن تكونَ في أعلى المراتب ، لكنَّ هذه المرتبة التي يطمحُ لها الناس أساسها إيقاع الأذى بالناس ، أو إضلال الناس ، أو إفساد العلاقات ، فمهما كانت هذه المرتبةُ مغريّةً لوجود شُبهةٍ فيها تبتعدُ عنها ،
إذاً يصلحون إذا فسَدَ الناس ، حينما يَعمُّ الفسادُ في الأرض أكثر الناس لا يبالون أكانَ كسبهم حلالاً أم حراماً ، أكثرُ الناس لا يبالون أكانت علاقاتهم مع بعضهم مشروعةً أو غيرَ مشروعة ،
أكثرُ الناس لا يبالون إذا كانت أعمالهم أساسها طاعة أو معصية ،
جاءته وظيفةٌ دخلها كبير ولكن في ممارسة هذا العمل بعضُ المعاصي فرفضها ، لو عرضتَ قصته على الناس لاتهموه بالجنون ، يشعر بغربة حتى أهله حتى أمه حتى أبوه .
إن شاء الله تبارك و تعالى , سنتابع غدا ً مع القسم الثالث .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
07-11-2009, 03:41 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم ,
الإيمان ليسَ كما يظنُ الناس ، الإيمان ليسَ صلاةً وصياماً فقط ، ليسَ عبادات شكلية جوفاء كما هيَ عندَ الناس ، الإسلام مواقف ، الإسلام منهج متكامل ، الإسلام يدخل في دقائق عملك اليومية ،
يدخل في مهنتك ، في حرفتك ، في بيتك ، في نزهتك، في لهوك ، في جِدّك ، في سفرك ، في حَضرِك ، الإسلام يعني تقريباً 100 ألف بند ، عندما المسلمون اختصروه إلى أربع خمس عبادات شكليّة وفي ما سِوى هذه العبادات هم على أهوائهم وفقَ نزواتهم ، وفقَ ما يحلو لهم ، وفقَ مصالحهم ، وفقَ طموحاتهم الدنيوية ،
فصلوا الدينَ عن الدنيا وجعلوا الدنيا في واد والدينَ في واد ، لذلك بلغوا ألف مليون في العالم وليست كلمتهم هي العليا .. لا أقول سفلى .. لكن ليست هي العليا . مع أنَّ الله يقول :
وَعَدَ الله ُ الَّذِين َ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَ عَمِلُواْ الصًّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الأَرض ِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْد ِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُنَنِى لَا يُشْرِكُونَ بِى شَيْئاً وَ َمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِك َ فَأُوْلائِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ( 55)
( سورة النور )
والحديث الصحيح :
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأكْثَمَ بْنِ الْجَوْنِ الْخُزَاعِيِّ يَا أَكْثَمُ اغْزُ مَعَ غَيْرِ قَوْمِكَ يَحْسُنْ خُلُقُكَ وَتَكْرُمْ عَلَى رُفَقَائِكَ يَا أَكْثَمُ خَيْرُ الرُّفَقَاءِ أَرْبَعَةٌ وَخَيْرُ السَّرَايَا أَرْبَعُ مِائَةٍ وَخَيْرُ الْجُيُوشِ أَرْبَعَةُ آلافٍ وَ لَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ *
لو أنَّ عددَ المؤمنين الصادقينَ في الأرض اثنا عشرة ألف رجل ما غُلِبوا فكيفَ إذا كانوا ألفَ مليون .. ألف مليون .. ماذا يعني ذلك ..؟..
القضية عندَ الله ليست بالمظاهر ، المظاهر الإسلامية الصارخة والمصاحف والأشرطة والخُطب ، والجوامع ملأىَ بالمُصلين ، هذه مظاهر ، تُبشر بالخير ، ولكن ليست كذلك عِندَ الله ، عِندَ الله عدد المسلمين هو عدد الطائعين ، عدد المُلتزمين ، من وليُّ الله ... ؟ .. الوليُّ كلُّ الوليّ الذي تجده عِندَ الحلالِ والحرام .
فيا أخي الكريم .. إسلامك في معملك ، إسلامك في دكانك ، إسلامك في وظيفتك ، إسلامك في بيعك وشرائك ، إسلامك في تعاملك ، إسلامك في جوارحك ، في مهنتك ، هذا هو الإسلام ...
أول حديث :" طوبى للغرباء قيلَ ومن الغرباء يا رسول الله قال الذين يصلحون إذا فَسَدَ الناس " .
حديثٌ آخر : يقول عليه الصلاة والسلام :
" طوبى للغرباء قيلَ ومن الغرباء يا رسول الله قال الذين يزيدون إذا نقصَ الناس "
ما معنى يزيدون إذا نَقَصَ الناس ..؟.. يعني إذا قلَّ أهلُ الخير زادَ خيرهم وإذا قلَّ أهل المعروف زادَ معروفهم ، وإذا قلَّ أهلُ الورع زادَ ورعهم ، وإذا قلَّ أهلُ الالتزام زادَ التزامهم ، الذين يزيدون في المعروف وفي الورع وفي الطاعة وفي القربات وفي البذل وفي التضحية إذا نَقَصَ الناس .
يتبع بإذن الله تعالى .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
09-11-2009, 04:38 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم ,
عَنِ الأعْمَشِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الأحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الإسْلامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ قِيلَ وَمَنِ الْغُرَبَاءُ قَالَ النُّزَّاعُ مِنَ الْقَبَائِلِ *
قبيلة خرجَ منها واحدٌ أو اثنان تعرّفا إلى الله عزّ وجل وطبقّا أمرَ النبي وجاهدا في سبيله وبذلا الغالي والرخيص والنفسَ والنفيس .. فهذا نَزَعَ من القبيلة .. ،
الأكثرية مُقيمةٌ على أكلِ الرِبى ، وعلى لَعِب الميسر ، وعلى متابعة الأعمال الفنية الساقطة ، .. صارَ الناسُ موحدين بنزعاتهم التي لا تُرضي الله عزّ وجل ،
أهدافهم كما قلتُ قبلاً الإنسان وعاء أخطر ما في الوعاء ماذا يُصبُّ فيه . ..
أنت ما الذي يغذيك ثقافيّاً ، الغذاء المعروف معروف الطعام والشراب أما هذه النفس هي وعاء ماذا يُصبُّ فيها ، أخبار الفنانين ، أخبار أهل الدنيا ، أخبار الساقطين والساقطات ، ما الذي تقرؤهُ ، ما الذي تستمعُ إليه ، ما الذي تُشاهده ، هذا الوعاء ماذا يُصبُّ فيه ..؟..
لن يخرجَ منه إلا مثلَ الذي يصبُّ فيه ، فإذا ملأتَ وعاءك من أخبار الفنانين فلن تتكلّمَ إلا عنهم ، و إن ملأتَ وعاءكَ من أخبار أهل الدنيا ... لن تستطيع أن تتحدثَ إلا عن هؤلاء ، أما إذا ملأتَ وعاءكَ من كتاب الله ومن سُنّة النبي عليه الصلاة والسلام ومن بطولات أصحاب رسول الله .. راقب نفسك إذا أردتَ الحديث لن تتحدثَ إلا عن هؤلاء .. أبداً ..
هذا الذي قاله الأجداد :" كلُّ إناءٍ بالذي فيه ينضحُ ".
أخطر ما في الأمر أن تُراقب من الذي يُغذيك ، عندك مصادر مسموعة ، وعندك مصادر مقروءة ، وعندك مصادر مشاهدة . .. هذه المصادر .. فلن تتكلم إلا من هذا الذي تستمعُ إليه ، ما يخرج منك من جنس ما تُغذى به ، قل لي ماذا تقرأ أقل لك من أنت قل لي ماذا تُشاهد أقل لك من أنت ، قل لي ماذا تسمع أقل لك من أنت .
* حديثٌ رابع :
حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مِلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
إِنَّ الدِّينَ لَيَأْرِزُ إِلَى الْحِجَازِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا وَلَيَعْقِلَنَّ الدِّينُ مِنَ الْحِجَازِ مَعْقِلَ الأرْوِيَّةِ مِنْ رَأْسِ الْجَبَلِ إِنَّ الدِّينَ بَدَأَ غَرِيبًا وَيَرْجِعُ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنْ بَعْدِي مِنْ سُنَّتِي .... *
" الذين يُحيون سٌنّتي ويعلمونها الناس "... النبي له سُنّة .
كلٌّ يدعي أنه يحبُ رسول الله وقد قالَ الله عزّ وجل :
قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله َ فاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ و َ اللهُ غَفُورٌ رَّحِيم ٌ (31)
( سورة آل عمران )
لا أصدّق أن تدّعي حُبَّ رسول الله أو حُبَّ الله عزّ وجل وأنتَ مُخالفٌ سُنّته ، أبداً .. علامة حُبكَ للهِ عزّ وجل اتباع سُنّة نبيه .
يحيون السنة بالتطبيق وينشرونها بالتعليم .
و َ مَا كَان َ الله ُ لِيُعَذِّبَهُمْ و َ أَنتَ فِيهِم ْ و َ مَا كَان َ الله ُ مَعَذِّبَهُم ْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)
( سورة الأنفال )
أجمعَ المفسرون على أنَّ هذه الآية تعني : أنه إذا كانَ النبي عليه الصلاة والسلام بين
ظهرانيهم .. بينَ أصحابه .. لن يُعذبوا ، و أنه إذا كانت سُنّته مُطبقةً في من بعده لن يُعذبوا ، فأنتَ متى لا تُعذب ..؟.. في حالتين : إما أن تكونَ مع النبي الكريم شخصيّاً ، وإما أن تكونَ سُنّته معك مُطبقةً في بيتك .
للحديث تتمة بإذن الله تعالى .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
12-11-2009, 09:52 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم ,
* عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمًا إِلَى مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَاعِدًا عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْكِي
فَقَالَ مَا يُبْكِيكَ قَالَ يُبْكِينِي شَيْءٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ
إِنَّ يَسِيرَ الرِّيَاءِ شِرْكٌ وَإِنَّ مَنْ عَادَى لِلَّهِ وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَ اللَّهَ بِالْمُحَارَبَةِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الأبْرَارَ الأتْقِيَاءَ الأخْفِيَاءَ الَّذِينَ إِذَا غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا وَإِنْ حَضَرُوا لَمْ يُدْعَوْا وَلَمْ يُعْرَفُوا قُلُوبُهُمْ مَصَابِيحُ الْهُدَى يَخْرُجُونَ مِنْ كُلِّ غَبْرَاءَ مُظْلِمَةٍ *
تأتي الفِتن كقطع الليل المُظلم . إلا من رَحِمَ ربك ، إلا من نجاه الله عزّ وجل ، بعيدٌ عن هذه الفِتنة . .. هناكَ فِتنٌ تدعُ الحليمَ حيران ، المؤمن الصادق يُنجيه الله عزّ وجل من هذه الفِتن ،
أخفياء لا يُحبون الشُهرة ، أتقياء لا يحبون المعصية ، أبرياء ليسوا متهمين ، إذا غابوا لم يُفتقدوا ، وإذا حضروا لم يُعرفوا ، قلوبهم مصابيح الهدى ، يخرجون من كل فِتنةٍ عمياء مظلمة .
كما قال عليه الصلاة والسلام : " ابتغوا الرِفعةَ عِندَ الله " .
هم لا يسعونَ إلى رِفعةٍ بين الناس .. إلى رِفعةٍ عِندَ الله عزّ وجل .. البطولة أن تحجز مكانةً عِندَ الله :
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّات ٍ و َ نَهَر ٍ ( 54 ) فِى مَقْعَدِ صِدْق ٍ عِندَ مَلِيك ٍ مُّقْتَدِر (55 )
( سورة القمر )
لك مكان عِندَ الله ، لكَ مكانة عِندَ الله ، تشعر أنَّ الله يُحبك ، تشعر أنكَ على المنهج الصحيح ، تشعر أنكَ في الطريق الصحيح ، تشعر أنتَ متجهٌ إلى الهدفِ الصحيح ،
هذا الشعور يُغنيكَ عن مدحِ الناس ، وعن الرِفعةِ بينَ الناس ، وعن تسليط الأضواء ، وعن الشُهرة ، وعن الشأن ، وعن الجاه ، هذه كلها تستغني عنها بشعوركَ أنَّ الله يُحبك.
فقال أهلُ الإسلام في الناسِ غرباء ، و المؤمنونَ في أهلِ الإسلامِ غرباء ، المؤمن الصادق مع عامة المسلمين ، هو مُعتقد أنه هناك إله ولكن لا يُطبّق شيئاً ، يفعل كما يفعل الناس ، المؤمن الصادق مع عامة المسلمين غريب .
... أهلُ العِلمِ في المؤمنين غرباء . المُتبحر في العِلم الذي عرَفَ سِرَّ وجوده والهدفَ فيه ، وعَرَفَ حقيقةَ الدنيا ، وعَرَفَ عِظَمَ المسؤولية ، ورأىَ أنَّ الكونَ كله مُسخرٌ للإنسان ، يرى أنَّ الوقتَ ثمين جداً وأنه لا يُمضي وقته إلا في عملٍ صالح فإذا وازنَ نفسه مع المؤمنين يرى نفسه غريباً عنهم .
.. هذه القضية ، قضية كل ما ارتفع مستوى الإنسان تقلّ الدائرة مثل الهرم تماماً إذا أنت مع أول قاعدة واسعة جداً صعدت درجة القاعدة قلّت ، كلما صَعِدتَ في هذا الهرم ضاقت القاعدة .
لذلك لو جاء النبي .. أيُّ نبي .. وجلسَ مع مؤمنين لا أُبالغ يرى نفسه غريباً عنهم .
يتبع إن شاء الله تعالى .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
محمد أحمد الفلو
13-11-2009, 01:01 PM
تسجيل متابعة ..؛
الله يبارك فيكم ..
Barbie
13-11-2009, 11:02 PM
و فيكم بارك الله .
Barbie
13-11-2009, 11:47 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم ,
... البطولة أن يكون الإنسان مع القِلة المؤمنة ، أن يكونَ مع الغرباء كي ينجو من عذاب الله عزّ وجل .
الإنسان يُحب الحياة هذا كلام واقعي ، لكن لو فرضنا لاحَ شبحُ الموت لمؤمن ومستقيم وعمله طيب و حياته في طاعة الله ، أتظن أنه يخاف من الموت ..؟.. يتمنى أن يعيش أطول عُمر ..
حتى أكون معك واقعياً خيركم من طالَ عُمره وحَسُنَ عمله ، لكن لو لاحَ له شبحُ الموت فمرحبا به … الإنسان يتمنى أن يعيش أطول عمر ممكن أما لو لاحَ له شبح الموت لا يوجد عنده هذا الجزع ..
إلى أين ذاهب ..؟.. كلُّ هذه الحياة لهذه الساعة مهيأة .
هذه غُربةٌ لا وحشةَ فيها بل هو آنسُ ما يكون إذا استوحش الناس وأشدُّ ما تكونُ وحشته إذا استأنسوا فوليه الله ورسوله والذين آمنوا وإن عاداه أكثرَ الناس وجَفوه .
يقول عليه الصلاة والسلام :
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لا يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأبَرَّهُ مِنْهُمُ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ ..... *
هذا غريب معناها .
...... عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ وَأَهْلِ الْجَنَّةِ أَمَّا أَهْلُ الْجَنَّةِ فَكُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ أَشْعَثَ ذِي طِمْرَيْنِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأبَرَّهُ وَأَمَّا أَهْلُ النَّارِ فَكُلُّ جَعْظَرِيٍّ جَوَّاظٍ جَمَّاعٍ مَنَّاعٍ ذِي تَبَعٍ *
* أنت إذا شاهدت مؤمناً مستقيماً ولو كانت مرتبته الدنيوية وسط فلا تتطاول عليه لأنَّ الله كبير ، ...
قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَإِنَّهُ لَيْسَ دُونَهَا حِجَابٌ *
البطولة أن تكون أنت متواضع وتعرف أن المراتب عِندَ الله ليست كما هيَ عِندَ الناس ، الناس يحترمون الغني ويحترمون القوي ويحترمون صاحب الشهادات العليا يحترمون الوسيم الجميل ويحترمون الصحيح ويحترمون المُتكلَم ويحترمون الذكي ، أما ربنا عزّ وجل يُحب الطائعين ..
أحبُّ الطائعين وحُبي للشابِ الطائعِ أشد ، أحبُّ المتواضعين وحُبي للغني المتواضع أشد ، أحبُّ الكرماء وحُبي للفقير الكريم أشد .
" ألا أُخبركم عن ملوك أهلِ الجنة قالوا بلى يا رسول الله قال كلُّ ضعيفٍ أغبرَ ذي طمرين لا يُؤبه له لو أقسم على الله لأبرّه " .
قال صفات هؤلاء الغرباء الذين غبطهم النبي صلى الله عليه وسلم أول صِفةٍ لهم هيَ التمسك بالسُنّة إذا رَغِبَ الناسُ عنها ، صلاته مهمة جداً ، غضُّ بصره مهمٌ جداً ، لا يكون في اختلاط مهمٌ جداً ، ما يكون في شُبُهة بالدخل مُهمٌ جداً .
يتبع إن شاء الله مع القسم الأخير لهذا الدرس .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
15-11-2009, 01:07 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم ,
في حديث فيه بِشارة لكم جميعاً إن شاء الله تعالى ، قال : جُعِلَ للمسلم الصادق في هذا الوقت إذا تمسكَ بدينه أجرَ خمسينَ من الصحابة .
عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ قَالَ أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ فَقُلْتُ لَهُ كَيْفَ تَصْنَعُ بِهَذِهِ الآيَةِ قَالَ أَيَّةُ آيَةٍ قُلْتُ قَوْلُهُ تَعَالَى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ )
قَالَ أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ
بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعِ الْعَوَامَّ
فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَزَادَنِي غَيْرُ عُتْبَةَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ قَالَ بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ ..... *
في بعض الروايات : قالوا لِم ..؟.. قالَ لأنكم تجدونَ على الخير مِعواناً ولا يجدون .
إذا الإنسان استقام .. أهله اقرب الناس إليه يرفضونه .. زوجته أحياناً ترفضه ، شريكه لا يرضى ...
ف القصد أنَّ الغُربة نِعمة وليست نِقمة ، إذا كنتَ غريباً فهذه بِشارةٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والحمد لله رب العالمين.
انتهى هذا الدرس , و نسأل الله تعالى لنا و لجميع المسلمين و المسلمات الثبات و العمل بما يرضيه عنا .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
يتبع مع درس جديد بإذن الله تعالى .
Barbie
18-11-2009, 05:05 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم ,
إخواني و أخواتي .... مع الدرس 19 لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي , تحت عنوان الإرادة . \* من دروس منازل السالكين *\
و منزلة اليوم منزلةٌ يحتاجها كلُّ مؤمن إنها منزلة الإرادة ، قيمة هذه المنزلة تُكمنُ في أنَّ كلَّ إنسانٍ أو أنَّ كلَّ مؤمن يتمنى أن يكونَ أفضلَ مما هوَ عليه . ما الذي يمنعهُ من أن يكونَ كما يتمنى .. ضعفُ إرادته ..
لا أُبالغ إذا قُلت إنَّ من أخطر الموضوعات المطروحة هذا الموضوع ، يعني .. من مِنّا لا يتمنى أن يكونَ من أعلى المؤمنين ، من أكملهم إيماناً ، من المتقين ، من المُحسنين ،
ممن تَخلّقَ بأخلاق النبي ممن رزقهُ الله عملاً صالحاً ، ممن أتقنَ صلاتهُ ، ممن أنفقَ ماله في سبيل الله ، ممن دامَ ذِكرهُ ، ممن طَهُرَ قلبهُ ، ممن أقبلت نفسه ....
لماذا نحن دائماً دونَ ما نتمنى ، لماذا هناكَ مسافةٌ بينَ ما نحنُ عليه وبينَ ما يجبُ أن نكونَ عليه ، هنا تكمن قيمة هذا الدرس .. إنها الإرادة .
ليسَ من السهلِ أن تَملِكَ إرادةً تقوى بها على عاداتك على مألوف حياتك ،
... درسُنا كُلهُ في فكرتين إذا كانَ هناكَ فرقٌ كبير بينما أنتَ عليه وبينما يجب أن تكونَ عليه هذه المسافة الكبيرة سببها ضعفُ الإرادة و ضَعفُ الإرادة سببها نقصُ العِلم .
إذاً : العلمُ هو الطريقةُ الوحيدةُ إلى الله ، إذا ازداد عِلمُك قَويت إرادتُك ، إذا قَويت إرادتُك وصلتَ إلى ما تصبو إليه . فهذا ملخص الملخص قبل أن نبدأ بالتفصيلات .
لماذا تضعف عن أن تكونَ كما تريد لأنَّ عِلمكَ بما تُريد يحتاجُ إلى مزيد .
نَحُلُ بهذا الدرس مُشكلة كبيرة ، كلما تاقت نفسكَ إلى أن تكونَ في مستوىً أرقى مما أنتَ فيه اعلم عِلمَ اليقين أنَّ هذا يعود إلى ضعفِ إرادةٍ فيك وهذه الإرادة ضَعُفت لنقصِ العلمِ الذي تحويه .
كلما ازددتَ علماً ازددتَ إرادةً ، وكلما ازددتَ إرادةً بلغتَ المستوى الذي تصبو إليه .. ..
يتبع إن شاء الله تعالى , حتى نَدخل في صلب موضوعنا .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
21-11-2009, 12:22 AM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم ,
... قال تعالى :
و َ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَ رَسُولَهُ وَ الدَّارَ الْأَخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيما ً (29)
(سورة الأحزاب)
" وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ " هُنا المُشكلة .. ماذا تُريد ؟ هذا أكبر سؤال ،
هناكَ من يريد الدنيا من خلال الدين ، هناكَ من يحضر مجالس العِلم ليزدادَ دخلهُ ليُكثُرَ زبائنهُ ، هناكَ من يحضر مجالس العِلم ليتعلّمَ أشياء يتصدّرُ بِها المجالس ، وهناكَ من يُريد اللهَ ورسوله .
" وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ".
أُورد لكم طائفةً من تعاريف العُلماء ، علماء القلوب بالإرادة أو بالمُريد ، " الإرادة : مُطلقة ، المُريد : من أرادَ الله ورسوله ".
الإنسان بِلا عِلم ، بِلا توجيه ، بِلا مجلس عِلم ، بِلا مُرشد ، بِلا مشرب ديني ، بِلا تزويد ، إنسان له جسد ، له شهوات ، له مطالب ، غالِباً يستجيبُ لشهواتِ جسمهِ ، غالِباً يَركنُ للراحة ،
يعني من الطبيعي جداً أن تُصليَّ الصبح بعدَ الشمس مادامَ جِسمُكَ مستريحاً في الفراش ، هذا الجسد يتمنى أن يبقى نائماً ، وهذا الجسد يتمنى أن يقبعَ في البيت لا أن يأتي إلى مجلس علم ، وهذا الجسد يتمنى أن يأكلَ كثيراً ،
فالإنسانُ دونِ علمٍ دونِ مجلسِ علمٍ ، دونِ توعيةٍ ، دونِ إطلاّعٍ ، دونِ معرفةٍ ، ينساق مع شهواتهِ ، فقال الناسُ غالِباً يُعرّجونَ على أوطان الغفلة ، ويجيبونَ دواعي الشهوة ، ويخلدونَ إلى أرض الطبيعة ، و من أرادَ الله َ ورسولهُ ينسلخُ عن كلِّ ذلك .
هذا أول تعريف .
الصلاةُ ذِكر وإذا كانَ الإنسانُ منسجماً في عملهِ لا يتمنى أن يُصلي ، إذا كان مُنسجماً يقوم بعمل رائع له أجرٌ كبير يتمنى أن يبقى بِلا صلاة ساعاتٍ طويلة ، فالإنسان دون علم ، دون معرفة ينسجم معَ عملهِ فلا يُصلي ، ويبقى نائماً فلا يُصلي الفجر، ويأكلُ دونِ حساب ، ويمزح ويتكلّم وينهشُ أعراضَ الناس ويغتاب ... كلُّ هذا انسجاما مع غفلتهِ .
* تعريفُ آخر للمُريد الصادق.. " من هو المُريد ..؟..
الذي يُريد اللهَ ورسولهُ : نهوض القلب في طلب الحق " ..
الذي يُريد اللهَ ورسولهُ قِلقٌ دائماً لا يُطمئنهُ إلا أن يرضى الله عنه ، قِلقٌ دائماً لا يُطمئنهُ إلا أن يشعر أن الله يُحبه ، لذلك نهوض القلب في طلب الحق .. هذا تعريفٌ آخر من تعريفات المُريد .
* تعريفٌ ثالث : " لوعةٌ تُهَوِنُ كلَّ روعة " ،
فليتكَ تحلو والحياةُ مريرةٌ وليتكَ ترضى والأنامُ غِضابُ
وليتَ الذي بيني وبينكَ عامِرٌ وبيني وبينَ العالمين خرابُ
إذا صحَ مِنكَ الوصلُ فالكلُ هينٌ وكلُّ الذي فوق التُرابِ تُرابُ
هذا الذي يُريد الله ورسوله ، يهونُ عليه كلُ صعب ، يسهُل عليه كلُ مُحال ، يبتغي مرضاة الله عزّ وجل بأيّ ثمن .
قال بعضهم : " المُريد من كانَ في قلبهِ لوعةٌ ، ولذعةٌ في فؤادهِ وغرامٌ في ضميرهِ ، و انزعاجٌ في باطنهِ ، ونيرانٌ تتأججُ بينَ جوانحهِ .
هذا هو المُريد ".. .. المُريد يقشعّرُ جِلدهُ إذا ذُكِرَ الله ، يَجِلُ قلبهُ تنهمرُ دموعهُ يُحبُّ الله ، أقول لكم مِراراً وتكراراً هو الذي خلقكم من نفسٍ واحدة من النفوسُ جميعها مهيأةٌ لأن تعرفَ الله ، النفوسُ جميعها مهيأةٌ لأن تُحِبَ الله ، النفوسُ جميعها مستعدةٌ لأن تكونَ ممن سَعِدَ بُقربِ الله عزّ وجل .
و لكن مرةً ثانية وثالثة : نقصُ العِلمِ يؤدي إلى ضعفِ الإرادة ، وضعف الإرادة يؤدي إلى وجود مسافةٍ كبيرةٍ بين ما أنت عليه وما ينبغي أن تكونَ عليه .
سوف نتابع بإذن الله تعالى ... مع المزيد .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
22-11-2009, 03:33 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم ,
أكثرَ المؤمنين في قلبهِ لوعة يتمنى أن تكونَ صلاتهُ أفضلَ مما يُصلّي ، يتمنى أن يكونَ صيامهُ أفضلَّ مما هوَ يصوم ، يتمنى أن يكونَ حجهُ أفضلَ مما شعرَ في الحج ، يتمنى أن تكونَ صدقتهُ أكبر أكثر وأشدَّ إخلاصاً ، يتمنى أن يكونَ وِردهُ في صحوةٍ لا في غفلة ، يتمنى من أن تكونَ استقامتهُ من أعلى مستوى ،
مادام هناك شعور بالتقصير فليعلم الإنسان عِلم اليقين أنَّ هذا التقصير مبعثهُ إلى ضعف الإرادة ..
بقيَّ الفرق بينَ أن تملكَ الإرادةَ بعدَ فوات الأوان وبينَ أن تملِكها في الوقت المناسب لابدَّ من أن تملِكها بعد أن تدفعَ الثمن ،
أما البطل هو الذي يملكُها بالعِلم لا بالتجربة لابدَّ من أن تَمِلكَ إرادةً قوية إما أن تملكها بعدَ أن تدفع الثمنَ باهظاً وبعدَ فوات الأوان وعندئذٍ لا تستفيد من هذه الإرادة القوية ،
وإما أن تملكَ الإرادة القوية بسببِ العِلمِ الذي تُحصّلهُ وأنتَ في مُقتبل العمر هذا هو الفرق .
قال بعض العلماء : " من صفات المُريد أنه يتحبب إلى الله بالنوافل ، بصلاةٍ نافلةٍ ، بصومٍ نفلٍ ، بتلاوةِ قرآنٍ ، بذِكر كثير ، وصدقةٍ كثيرة ، الذي يتحبب إلى الله بالنوافل هذه صفاتٌ في المُريد ".
و المُريدُ أيضاً : " هو الذي يأنسُ بالخلوة ".
... المُريد الصادق لهُ معَ ربهِ خلوات ، وله مع ربهِ جلوات ، يأنَسُ إذا جلسَ وحدهُ في الغرفةِ يذكرُ الله ، يأنسُ بتلاوة القرآن ...
و إذا كُنتَ مُريداً صادقاً مع الله ربما شعرتَ بهذا الشيء ، كلما ازدادَ قُربُك ازدادَ أُنسُك ، وإذا ازدادَ أُنسُكَ باللهِ عزّ وجل غَلَبَ على وحشةِ المكان .
** من علامة المُريد الصادق أنه يأنَسُ بالخلوة ، ويؤثر أمرَ الله تعالى على كلِّ شيء ، ويستحيي من نظرِ اللهِ إليه ..
يستحيي أن ينظرَ اللهُ إليه في حالةٍ لا تُرضيه ، ويبذل جُهدهُ في ابتغاء مرضاة الله ، ويتعرضُ لكلِّ سببٍ يوصِلُ إليه ، يا ترى بحفظِ القرآن ، يا ترى بخِدمة الصالحين ، يا ترى بالدعوةِ إليه ، يا ترى بالتواضع ، يا ترى بماذا ؟
كُلما بَلَغَهُ أنَّ هذا الطريق يوصِل إلى الله سَلَكَهُ ، كُلما سَمِعَ أنَّ هذا العمل يُقرّبُ فعله ، كُلما دَرِي أنَّ هذا الشيء إذا ابتعدَ عنهُ يقترب من الله عزّ وجل يُبادر فيبتعد عنه ... و القناعة من صفات المُريد الصادق يقنعُ بما قَسمهُ اللهُ له ، دائماً المُريد صابر وقَنوع وراضٍ و الذي يُريد الدنيا وزينتها دائماً لجوج وناقم وساخط .
و قلبُ المُريد لا يَقرّ إلا إذا وصلَ إلى الله عزّ وجل ، يُثلجُ قلبهُ أن يرضى الله عنه .
يتبع إن شاء الله تعالى ... و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
23-11-2009, 02:25 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم ,
لأحدِ العلماء كلمةٌ خطيرة قالَ : "من لم تَصحَّ إرادتهُ ابتداء فإنه لا يزيده مرور الأيامِ إلا إدباراً ".
يعني إذا الإنسان في بداياتهِ لم يُرد الله ورسولهُ كُلما مرَت الأيام تزيدهُ بُعداً وسأماً وضجراً ومللاً وكسلاً وانصرافاً إلى أن ينقطعَ عن اللهِ عزّ وجل .
يعني إذا بدأتَ طريقَ الإيمان بدأتهُ غيرَ صادقٍ ما صحت إرادتك في طلب الحق ، إذا بدأت الإيمان لطلبِ الدنيا تجد أنَّ الأيام كلما مرت أبعدتك جعلتك تسأم ،
يقول لك والله مللنا كلاماً سمعناه كثيراً ، تجده يُصلّي متكاسلاً ، يصوم متأففاً ، يحجُّ تاجراً ، يذكرُ لاهيّاً ، يُسبّحُ غافلاً ، يقوم بالواجبات شكلاً صورةً ، عباداتهُ جوفاء ، تِلاوتهُ عرجاء .
من لم تَصِحَ إرادتهُ إبتداءً فإنَّ الأيامَ لا تزيدهُ إلا إدباراً .
* وقالَ بعضهم : " المُريد إذا سَمِعَ شيئاً من علوم القوم "، سَمِعَ شيئاً فَعَمِلَ به صارَ حِكمةً في قلبهِ إلى آخرِ عُمُرِهِ .
يعني مثلاً : سَمِعَ أنَّ أمرَ اللهِ عزّ وجل أن تَغُضَ بصركَ عن محارم الله هذا توجيه إلهي ، فغضَّ بصره عن محارم الله فشعرَ بحلاوةٍ ملأت قلبهُ ، صارَ هذا حكيماً لأنه مُجرّب سَمِعَ التوجيهَ نظريّا وطبّقهُ عمليّاً فشعرَ بحلاوةٍ في قلبه إلى آخرِ عمره يقول أنا فعلتُ كذا وكذا وشعرتُ بكذا وكذا .
سَمِعَ أنه ما تركَ عبدٌ شيئاً لله إلا عوّضهُ اللهُ خيراً منهُ في دينهِ ودُنياه ، سَمِعَ بهذه الحِكمة فعرضت لهُ الدنيا مع شُبُهةٍ فتركها وإزوّرَ عنها وابتعدَ عنها فآتاه الله خيراً مما فقدهُ .
صارَ حكيماً ، صار بالتعبير الحديث صاحب تجربة ، صار صاحب خِبرة ، صار يُعاين كما قالَ العُكبُري : القرآن الكريم تؤخذُ ألفاظهُ من حُفّاظهِ وتؤخذُ معانيه ممن يُعانيه ، صار في معناه .
قال وإذا تكلّمَ هذا الحكيم الذي سَمِعَ من كلامِ القوم فطبّقهُ فقطفَ ثِمارهُ فذاقَ طعمهُ فصارَ حكيماً ، الآن إذا تكلّمَ به انتفعَ به من سَمِعهُ ، وقديماً قالوا الكلامُ الذي يخرجُ من القلب يدخلُ إلى القلب بِلا استئذان ، والذي يخرجُ من الفم لا يُجاوز الأذان .
* متى يمكن أن ينتفعَ الناسُ بكلامك ؟ إذا استمعتَ أنتَ إلى الحق وطبّقتهُ وقطفت ثِمارهُ ، لمستَ فوائده ،
قال : وإذا تكلّمَ بهِ انتفعَ به من سَمِعهُ .. بالمقابل .. ومن سَمِعَ شيئاً من علوم القوم ولم يعمل به كانَ حكايةً يحفظُها أياماً ثمَ ينساها .
فإذا كانت معلوماتك بالدين كأن تقرأ مقالة عن البحر وأنتَ ما عرفتَ البحر وما رأيتَ البحر ولا سبحتَ في البحر ولا ذُقتَ طعم البحر ولا أوشكتَ على الغرق فيه فكلُّ معلوماتك سطحية وسرعان ما تنساها .
لذلك .. تؤخذ ألفاظهُ من حُفاظّهِ وتؤخذ معانيه ممن يُعانيه ، أما إذا كان لكَ مع الله تجربة ، إذا ذُقتَ طعمَ القُربِ فعلاً ، إذا ذُقت طعمَ الاستقامة ، إذا ألقى الله في قلبكَ السكينة ، إذا شعرتَ براحة الإيمان ، إذا شعرتَ بأنَّ الله يُحبك ، إذا أنفقتَ من مالِكَ فآتاكَ الله عشرةَ أمثال ،
إذا آثرتَ مرضاة الله عزّ وجل فعوّضكَ الله خيراً مما فقدك ، كلُّ حديثٍ شريف ، وكلُ آيةٍ كريمة تُطبُقها وتقطف ثمارها أنت الآن داعية أصبحت لأنكَ إذا تكلّمت تركتَ أثراً عميقاً في نفوس الناس ،
إذا دعوتَ إلى الله وعبّرتَ عن خِبراتكَ الإيمانيّة فعلتَ في نفوس الناس فِعلَ السِحر لأنكَ تتحدثُ عن تجربة . . .
للحديث تتمة بإذن الله تعالى .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
24-11-2009, 05:29 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم ,
قالَ يحيى ابن مُعاذ : أشدُّ شيء على المُريد معاشرة الأضداد ، ...
إذا كُنتَ فعلاً مُريداً صادقاً أصعبُ شيء في حياتك أن تُضطرَ أن تُرافِقَ إنساناً بعيداً عن الله عزّ وجل ، أشدُ شيء على المُريد مُعاشرةُ الأضداد من كانوا ضِدهُ في السلوك .
* المُريد الصادق أيّةُ حركةٍ يتحركها في الدنيا يزينُها بمقياسٍ واحد ، هل تُقرّبهُ من الله أم تُبعِدهُ ، حتى تجارتهُ حتى حِرفتهُ حتى مهنتهُ حتى حركتهُ وسكناته حتى نزهاتهُ حتى إجازاتهُ حتى كلُّ حركاتهِ ، إن كانت حركتهُ تُبعدهُ عن الله عزّ وجل لا يفعلُها ، إذاً في كلِّ نشاطهِ يقصدُ وجهَ الله عزّ وجل لذلك إلهي أنتَ مقصودي ورضاكَ مطلوبي .
* لابدَّ من ثلاثة أشياء حتى تَبلُغَ ما تريد أيها المُريد ، لابدَّ من نفسٍ مستعدةٍ قابلة والنفسُ لا تستعدُ ولا تقبل إلا إذا تعلّمت ..
إذاً العِلمُ هو الطريق الوحيد .. ، ولابدَّ من دعوةٍ مستمعة ، أنت نفس مستعدة ودعوة حقيقية صحيحة أساسُها الحق أساسُها العدل أساسُها الواقع أساسُها الفِطرة أساُسها المنطق ،
ولابدَّ من أن يكونَ الطريقُ خاليّاً من العوائق ، فإذا أزلتَ العوائق ووفقتَ إلى دعوةٍ صحيحة وكُنتَ مستعداً لقَبولِها بسبب العلمِ الذي تعلمتهُ صارَ الطريقُ إلى الله سالكاً والوصول محققاً .
* آخر فِكرةٍ في الدرس : هو أنّ المُريد تنتابهُ حالتانِ أساسيتان حالة القبض وحالة البسط ، الحقيقة القبض يأتي من الخوف والبسطُ يأتي من الرجاء ،
القبضُ لسببين إما لتقصيرٍ أو لمعصيةٍ أو لتركِ حقوقٍ لا تؤدى وهذا السبب يقتضي التوبة والتصحيح ، و إما أن لا يدري المُريد لهذا الانقباض سبباً عندئذٍ عليه أن يصبر فلعلَّ في هذا حِكمةً تتضحُ لهُ بعدَ حين ،
و أما البسط يشعر بنشوة بإقبال بمعنويات مرتفعة جداً هنا منزلق أن يتيهَ على الناسِ بهذا الحال ، أن يُعجبَ بنفسهِ ، أن يرى نفسهُ فوقَ الناس ، عندئذٍ ينزلقُ من هذا الحال المريح إلى حالٍ أخرى لا تُرضي الله عزّ وجل ...
فإذا جاءَ الانقباض فابحث عن السبب فإن عرفتهُ فتُب منهُ وإن لم تعرفهُ فاصبر على حِكمة الله عزّ وجل حتى ينجليَّ الموقف ، و إن جاءَ الانبساط فإيّاكَ أن يستخفّكَ الانبساط فتقعَ في زهوٍ أو في كبرٍ أو استعلاء على الناس وعندئذٍ تكونُ قد امتحنت ورسبتَ في الامتحان .
ملخص المُلخص : يجب ألا يُخرجكَ البسطُ عن الاستقامة ولا أن يُخرجكَ البسطُ أيضاً على أن لا تكونَ أديباً بينَ يدي الله عزّ وجل .
هذه لمحةٌ سريعةٌ عن منزلة الإرادة أُلخصّها بكلمتين : إذا كانَ بينما أنتَ فيه وبينَ ما تتمنى أن تكونهُ مسافةٌ كبيرة فاعلم أنَّ هذا بسببِ ضعفٍ في إرادتك وضعفُ الإرادةِ في الأصلِ نقصٌ في العلمِ .
عُدنا إلى أنَّ العِلمَ هو الطريق الوحيد إلى الله عزّ وجل وما من طريقٌ إلى الله إلا طريقُ العِلمِ فإذا أردتَ الدنيا فعليكَ بالعلم وإذا أردتَ الآخرة فعليكَ بالعِلم ، وإذا أردتهما معاً فعليكَ بالعِلم ، و العِلمُ لا يُعطيكَ بعضهُ إلا إذا أعطيتهُ كُلكَ فإذا أعطيت بعضكَ لم يُعطِكَ شيئاً ويظلُ الإنسانُ عالِماً ما طَلَبَ العِلم فإذا ظنَّ أنه قد عَلم فقد جَهل .
انتهى هذا الدرس بفضل الله تعالى ... و نسأل الله عز و جل أن ينفعنا به و بكل ما تعلمناه و سنتعلمه .
سنكمل موضوعنا إن شاء الله عز و جل , مع درس جديد .. لكن بعد العيد .
أعاده الله علينا و على جميع المسلمين و المسلمات باليُمن و البركات .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
01-12-2009, 09:08 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم ,
إخواني و أخواتي نتابع موضوعنا هذا , و قد وصلنا إلى الدرس العشرين , تحت عنوان (( إتخاذ الأسباب )) .
ما مرَّ على المسلمين في تاريخهم وقتٌ هم في أمسّ الحاجةِ إلى هذه المنزلة منهم في هذا الوقت وقد تعجبونَ من عنوانها ، إنها منزلة الأخذِ بالأسباب أو كما سمّاها ابنُ القيم : إنها منزلة رعاية الأسباب .
وقبلَ أن أُفصّلَ في هذه المنزلة أتمنى أن أُوفقَ إلى مقدمةٍ قصيرةٍ تلقي ضوءاً على هذه المنزلة .
الشيء الذي يلفتُ النظر أنَّ النجاحَ في الحياة يُعزى إلى صِحة التصور ، وأنَّ الإخفاقَ فيها يُعزى إلى سوء التصور ،
فلو أنَّ طالباً حققَ نجاحاً عالياً في امتحانٍ ما ، هذا النجاح يُعزى إلى حُسن تصور الطالب لضبطه للوقت ولإستخدامه للوقت ولإتمامِ ما يجبُ أن يُتمه فإذا أخفق فيجب أن نتساءل لعلَّ هناكَ خطأً في تصوره .
ما الذي جعلَ المسلمين في فجر الإسلام وفي عقود الازدهار يتفوقون والله سبحانه وتعالى يُمكّنهم ويستخلّفهم وتُرفرف راياتهم في مشارق الأرض ومغاربها ؟ وما الذي جعلهم بعدَ وقتٍ معين في مؤخرةِ الأمم ؟
لماذا كانت كلمتهم هي العليا وليست كلمتهم عُليا في وقتٍ آخر ؟ لماذا كانوا أقوياء في وقت وليسوا كذلك في وقتٍ آخر ؟ لماذا كانوا دُعاة ورُعاة للأمم فلماذا أصبحت الأمم ترعاهم وتتولى الوصاية عليهم ..؟.. هذا سؤالٌ كبير القرآن هو هوَ والسُنّة هي هيَ والعلم هناك ازدهار في العلم هناك ازدهار في نشر العلم ،
ماالذي جعلَ المسلمين السابقين في القِمة وماالذي جعلَ بعضهم في الحضيض ، لماذا كانوا مُثلاً عُليا لماذا فتحوا البلاد ؟ لماذا رحموا العباد ..؟.. هذه أسئلة كبيرة .
لا شك أنَّ أصحابَّ النبي عليهم رِضوان الله شيء فَهِموا الإسلام فهماً صحيحاً ، ولا شك أنَّ الرعيلَ الأخير الذي جاء في آخر الزمان فَهِمَ الإسلامَ فهماً سيئاً .
كأنَّ هذه المنزلة التي نحن بصددها الحديث عنها كأنها إجابةٌ شافيةٌ لِما يعاني المسلمون من مشكلات .
.. هناك مشاعر عاطفية إسلامية هذه نحترمها ولكن لا تكفي ، هناك شعور إسلامي جيد كل مسلم يتمنى أن يكون المسلمون بوضع مقبول ، بوضع ممتاز ، بوضع عزيز ، بوضع قوي بوضع فيه تفوق ، لا شك ... هذه العواطف نحترمها ولكن هل تكفي العواطف ، هل يكفي أن أتعاطف مع الإسلام والإسلام يُعاني ما يُعاني ..؟..
أينَ الخطأ ، أينَ الخلل ، أينَ الضعف
الله سبحانه وتعالى أسماؤه حُسنى وصفاته فُضلى وهو معنا أين ما كُنّا ، معنا من قبل ومعنا الآن ومعنا من بعد ... الإله هو هو، القرآن هو هو، الحق هو هو .
.. تصور العلماء للدين شيء مهم جداً ومن هنا كانت هذه المنزلة اسمها منزلة رعاية الأسباب ،
و أقول لكم دائماً يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم يعني أنتَ إذا بإمكانك أن تُقنع الآخرين أن هذا هو الصواب فيها ونعمت وإن لم يكن بإمكانك أن تُقنعهم افعل ما أنتَ قانعٌ به تنل من الله كلَّ الوعود وتقطفَ كلَّ الثِمار ، وإن أقنعتَ الناس بأن يفعلوا ما هوَ صواب كان الفرجُ عاماً .
الموضوع يشمل كل مسلم ،
هذا السؤال الكبير لماذا تفوقَ أصحاب النبي لماذا تفوقَ التابعون ، لماذا كانوا مستخلفينَ في الأرض ، لماذا كانت كلمتهم هي العُليا ، لماذا كانوا مُمكنين ، و لماذا نحن متخاذِلون ، لماذا نحن ضعفاء ، لماذا كلمتنا ليست هي العُليا ماالسر ..
أقول لكم بكل تأكيد هناك خطأ في التصور .
في ضوء هذا التمهيد نشرحُ هذا الموضوع .
تجد المسلم يتوكل على الله في أعماله لا يُتقن عمله ويتوكل ، لا يأخذ بالأسباب ويتوكل ، وقلوبه مشرك ، بقلبه يعتمد على زيد أو عُبيد وعمله ظاهره متوكل ، هذا خطأ مزدوج والعكسُ هوَ الصواب يجب أن يتوكلَّ بقلبه وأن يسعى بعمله ، والأحداث والظروف والصِدامات في العصور الحديثة تؤكد هذه المقولة .
و للحديث تتمة بإذن الله تعالى ... و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
02-12-2009, 07:26 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم ,
ما تعلمت العبيد أفضلَ من التوحيد . أن تقول لا إله إلا الله لا مُسير لاربَّ إلا الله لا خالِقَ إلا الله لا معطيَ إلا الله لا مانعَ إلا الله لا مُعزَ إلا الله لا مُذلَ إلا الله لا باسطَ إلا الله لا قابضَ إلا الله ، هذا التوحيد ،
و التوحيد له مستويان مستوى قولي لساني وهذا سهل جداً ومستوى نفسي فكم من موحدٍ مُشرك ، كم من موحدٍ بلسانه مشركٍ في قلبه في جنانه ، يقول لا إله إلا الله بلسانه وكلُّ اعتماده على فلان وكلُّ ثِقته بماله كلُّ إعتماده على قوته كلُّ اعتماده على أولاده كلُّ اعتماده على أهله .. هذا موحد مُشرك بآن واحد .. يؤكد هذا قول الله عزّ وجل :
و َ مَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِالله ِ إِلَّا و َ هُم مُّشْرِكُونَ ( 106 )
( سورة يوسف )
ياليت هذا الخطأ في التصور أو في العقيدة يبقى في العقيدة ، هذا ينعكس في السلوك ينعكس في حياتنا العامة ، ذلكَ أنَّ التوحيدَ يقتضي القيامَ بالأسباب الظاهرة .
مادام المسلمون في هذا الجهل يعزون أخطاءهم إلى القدر ، كلما وجدَ مشكلة بحياته يقول لكَ أخي الله لم يسمح .. الله لم يرد .. الله لم ييسر .. الله لم يجبر .. هذا الموقف الذي كانَ الصحابة على عكسه.
قال : التوحيد إذا كنتَ موحداً إذا رأيتَ يدَ اللهِ لا يدَ غيرها ، إذا رأيتَ أنَّ الأمر كله بيد الله ، إذا رأيت أنَّ الله هو كلُّ شيء ،
قال يجب أن تأخذَ بالأسباب كل الحركات والأعمال ، و يجب أن تعتبرها يعني أن تحترمها أن تهتمَّ بها ، ويجب أن لا تُهملها ، ويجب أن لا تُعطلها ، ..
النجاح في الامتحان يحتاج إلى دراسة ، النجاح في التجارة يحتاج إلى دراسة السوق ...
كلٌّ شيء يجب أن تأخذَ بأسبابه ، إذا أردتَ أن تنتمي إلى أمةٍ كانت فيما مضى أمةً رائدةً للأمم إذا أردتَ أن تنتمي لأمةٍ كانت في مقدمة الأمم هذه الأمة بدأت كما فعلَ النبي عليه الصلاة والسلام .
هل في الأرضِ كلها إنسانٌ يستحقُ النصرَ والتأييد والعون كرسول الله أكمل إنسان رسول الله ، يوحى إليه ، جاء بالإسلام ، ومع ذلك ما فرّطَ في الأخذِ بالأسباب قيدَ أنملة .
إذا كنتَ موحداً .. يجب أن تأخذَ بالأسباب وأن لا تهملها وأن لا تُعطلها وأن تعتمدها .. تعتمد أن تأخذها .
فموقف الاستكانة ، موقف التقصير ، موقف الكسل ، موقف التسيب ، هنا خسران ووضعك سيء ، ليسَ هذا موقفاً صحيحاً إسلامياً .. الموقف الإسلامي ابنكَ مريض يجب أن تأخذه إلى الطبيب وأن تختار أفضل طبيب وأن تشتري الدواء الصحيح وأن تعطيه الدواء بعنايةٍ فائقة وأنتَ في كلِّ هذه الحركات تقول يارب لا شافي إلا أنت .
بهذا يُصبحُ حالُكَ طيباً ، بهذا تقوى ، بهذا ترقى ، بهذا تستحقُ تأييد الله ، بهذا تستحقُ نصرَ الله ، بهذا تستحقُ إكرامَ الله عزّ وجل .
* إنسان يتوكل على الله ويهمل الأسباب ويتوكل على الله بسذاجة ، فالتوكل مع إلغاء الأسباب سذاجة وجهل ، وتأليه الأسباب جهل ، هذه غلط وهذه غلط ، لا ترقى إلا بأخذكَ بالأسباب وتوكلكَ على ربِّ الأرباب هذا الكلام دقيق جداً يمس كل مسلم ....
لن ترى المسلمين قادة ، لن تراهم في الصدارة إلا إذا طبقوا هذا الموقف الدقيق ..
من السهل أن تأخذَ بالأسباب وتعتمدَ عليها وتؤلِهها ، ومن السهل أن تدعها وأن تعتمدَ على الله ساذجاً و لكن البطولة أن تأخذَ بالأسباب وأن تتوكل على الله .
...... عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَارِبُوا وَسَدِّدُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَنْ يُنْجِيَهُ عَمَلُهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْتَ قَالَ وَلا أَنَا إِلا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ *
هل هناك أوضح من هذا الحديث .. " اعملوا واعلموا أنَّ أحداً منكم لن ينجيه عمله " ..
طبّق كلَّ القواعد الصحيّة ، أما إذا طبّقتها واستغنيتَ بها عن الله وألهتها لن تنجوَ من المرض يجب أن تأخذَ بها وأن تعتمدَ على الله عزّ وجل وأن ترجوَ الله . هذا أول حديث .
اعملوا واعلموا ادرس وتوكل ،
أقم كلَّ الأسباب وتوكلّ على ربِّ الأرباب هذه منزلة رعاية الأسباب .
يتبع مع المزيد إن شاء الله تعالى .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
04-12-2009, 05:48 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم ,
عَنْ عَلِيٍّ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ جَالِسًا وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ مَا مِنْكُمْ مِنْ نَفْسٍ إِلا وَقَدْ عُلِمَ مَنْزِلُهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلِمَ نَعْمَلُ أَفَلا نَتَّكِلُ قَالَ لا اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ ثُمَّ قَرَأَ ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ) إِلَى قَوْلِـهِ ( فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ) ....... *
اعمل واعلم أنكَ مُيسرٌ لِما خُلقتَ له ..؟.. خُلقتَ ليرحمكَ الله عزّ وجل . حينما تعمل الطاعات فقد حققتَ المُراد الإلهي ، فإذا عَمِلتَ المعاصي وأنتَ قد خُلقتَ للرحمة والاكرام فلابد من العِلاج .
النبي عليه الصلاة والسلام هذا الذي لا ينطقُ عن الهوى كلام النبي يُمثل تعليمات الصانع .. قالَ يا رسولَ الله أرأيتَ أدويةً نتداوى بها ، ورُقىً نسترقي بها ، وتُقاتاً نتقي بها ، هل تردُ من قدر الله شيئاً ؟
........ عَنْ أَبِي خِزَامَةَ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَأَيْتَ أَدْوِيَةً نَتَدَاوَى بِهَا وَرُقًى نَسْتَرْقِي بِهَا وَتُقًى نَتَّقِيهَا هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا قَالَ هِيَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ *
هيَّ أيضاً من قدرِ الله ، إنكَ إذا استخدمتَ الدواء فررتَ من قضاء الله وهو المرض إلى قضاء الله وهو الشِفاء ، المرض قضاء الله والشِفاء قضاء الله فررتَ من قضاء الله إلى قضاء الله .. هذا الموقف الدقيق .. لن نرقى ، لن نقوى ، لن نعلو ، لن نُعز ، لن نُستخلف ، لن نطمئن ، إلا إذا كُنّا هكذا .
*** قال تعالى :
و َ إِن مِّن شَىْء ٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَ مَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَر ٍ مَّعْلُوم ٍ ( 21 )
( سورة الحجر )
و َ الأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَ أَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِىَ وَ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَىْء ٍ مَّوْزُون ٍ ( 19 )
( سورة الحجر )
إِنَّا كُلَّ شَىْء ٍ خَلَقْنَاه ُ بِقَدَر ٍ ( 49 )
( سورة القمر )
و َ الْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِل َ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُون ِ الْقَدِيم ِ ( 39 )
( سورة يس )
....
كم آية ..؟.. كُلها بقدر ، بقدر ، قال المعنى في كلِّ هذا خلقه بنظام وترتيب ، خلقه بقدر هناك سٌنن ، هناك أسباب ، هناك مُسببات ، هناك نتائج ، فإذا كانَ تصميم الكون ... وفق الأسباب والنتائج وفقَ التقدير الدقيق ، وفق الحساب الدقيق ، وفق النظام الرائع ،
أنتَ أيها المؤمن يا من تدعي أنكَ مؤمنٌ بالله ، هل يليق بك أن تُهملَ نظام الله عزّ وجل ، أن تُهملَ هذه السُنن ، أن تُهملَ هذه المعطيات ، ألاّ تبالي بهذه القواعد ، ألاّ تبالي بهذا التقدير ،
أنا أصدقكم القول كلُّ مؤمنٍ يستخفُ بالأسباب فهو سيء الأدب مع الله عزّ وجل ، كلُّ مؤمنٍ يستخفُ بالأسباب ويحتقرها ولا يبالي بها ولا يأخذُ بها فهو يُسيء الأدبَ مع الله عزّ وجل ، لا نرقى ولا نقوى ولا نستحقُ نصر الله عزّ وجل ولا نستحق تأييده وعونه وحِفظه إلا إذا تأدبنا مع سُننه ،
يعني أنت عندك مدرسة فيها نظام دقيق قلت الدخول الساعة 8 ، جاءك طالب وهو ابن صديقك الساعة 9 ما دام المدير نظّم هذا النظام قال : يُغلق الباب الساعة الثامنة وعلى المتأخر أن يبقى خارج المدرسة . هذا نظام .. إذا كنتَ تُقدّر صاحبَ هذه المدرسة تُجِلُّ هذا النظام وتتقيد به وتحترمه .
الآن : .. ما من مؤمنٍ يُهمل الأسباب ويستخفُ بها و لايعبأ بها ولا يعتني بها ويُهملها ويدّعي أنه متوكل فهو كاذب وهو مسيءٌ للأدب ولا يستحقُ نصر الله ولا تأييده ولا حِفظه .
لا أقول لكَ يجب أن تأخذَ بالأسباب الكاملة قد تكون الكاملة ليست في مقدورك .. يجب أن تأخذ بالأسباب المتاحة لكَ ..
يتبع بإذن الله تعالى ... و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
06-12-2009, 11:21 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم ,
عدم الأخذِ بالأسباب هو سببُ تخلف المُسلمين ، عدم الأخذِ بالأسباب هو سببُ ضعفهم ، عدم الأخذِ بالأسباب هو سبب تخلي الله عنهم ،
.. مدير مدرسة وضع نظاماً دقيقاً يأتي ابن صديقه مُخالفاً لهذا النظام أليست في مخالفة هذا النظام احتقار لهذا المدير أليسَ من سوءِ الأدب ألا تُبالي بهذا النظام ، فكل إنسان يهمل الأخذ بالأسباب ويفعل ما يحلو له بلا تروّ ، بلا دقة ، بلا حسابات ، بلا دراسات ، فهو إنسان بعيد عن الدين ،
و دائماً أعداء الدين يتهمون المسلمين بأنهم متواكلون ، بأنهم حالمون ، بأنهم عاطفيون بأنهم يثارون لأتفه الأسباب ، وتضعف هِممهم لأتفه الأسباب ...
ربنا عزّ وجل نظّمَ الكون وفق الأسباب وأودعَ فيكَ عقلاً لايفهم الشيء إلا بسببه ، العقل في مبدأ السببية والكون أساسه الأسباب ، العقل في مبدأ الغائية والكون أساسه الغايات .
و القرآن مملوءٌ كله من ترتيب الأحكام الكونية والشرعية والثواب والعقاب على الأسباب بطرقٍ متنوعة فيأتي مثلاً بباء السببية ، مرة باللام لام التعليل ، مرة بأن التعليلية ، مرة بكي التفسيرية ، مرة بذكر الوصف ، مرة بالتعليل الصريح ....
يعني آيات لا تعد ولا تُحصى تُرينا أنَّ الله عزّ وجل حينما خلقَ الكون نظّمه ،
لا تجده في سن الـ 18 مهذباً راقياً عنده حياء وخجل دون تربية آباء يقولون لك .. سلّمته لله .. يتفاجأ بعد فترة أنَّ ابنه سيء الخُلق ، منحرف الطِباع ، هذا كلام لا يعني شيئاً . ..
الخُلق والاستقامة تريد التربية ، تريد الاهتمام ، تريد الرعاية ، يجب أن تكون راعياً دائماً ، تأخذه معك ، تراقبه ، تنصحه ... مرة بالإكرام ، مرة بالشِدة ، مرة بالتهديد ، مرة بالوعيد ، مرة بالوعد ، مرة بالمكافأة ، مرة بالعقاب ، مرة بالهجران ، تسأل متى جاء ومتى ذهب ومن صديقه ومع من يمشي ..
تريده وأنت غافل عنه وأنت تاركه وهامله ، تريد أن تفتح عينيك تجد ولداً على أخلاق ، على علم ، على فهم ، مستحيل هذا الكلام ... هذا كلام السُذج ، كلام الجهلة ...
يا أخوان كلما تركنا الأسباب تقهقرنا ، كلما تركنا النظام الذي خلقه الله عزّ وجل تراجعنا ، كلما أهملنا هذه السُنن والنواميس تخلّفنا ،
قال تعالى :
يَا أَيُّهَا النَّاس ُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَر ٍ و َ أُنثَى وَ جَعَلْنَاكُم ْ شُعُوبأ وَ قَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُم ْ عِند َ الله ِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ الله َ عَلِيم ٌ خَبِير ٌ ( 13 )
(سورة الحجرات )
هذه المعاني رائعة جداً ، التعامل مع الله مريح لأنه في قوانين " إنَّ أكرمكم عِندَ الله أتقاكم " أقرب إنسان إلى الله من أطاعه كائناً من كان .
الموّحد المتوكّل لايطمئن إلى الأسباب ، ولا يرجوها ولا يخافها ولا يركن إليها ولكن يأخذُ بها ، لا يعتمد عليها ولكن يعتمد على الله عزّ وجل ،
يكون قائماً بها ناظراً إلى الله عزّ وجل , قال : فلا يصحُّ التوكلُ شرعاً وعقلاً إلا عليه سبحانه وحده .
فليسَ في الوجود سببٌ تامٌ مُنجٍ إلا مشيئته وحده فهو الذي سببَ الأسباب وجعلَ فيها القِوى والاقتضاء .. لا يُنجيكَ من أيِّ شيء إلا أن يشاء الله لكَ النجاة ..
فإذا جمعتَ بينَ التوحيد وبينَ إثباتِ الأسباب استقامَ قلبك على السير إلى الله ، ووضحَ لكَ الطريق الأعظم الذي مضى عليه جميع الأنبياء والرسل وهو الصراطُ المستقيم صراطَ الذينَ أنعمتَ عليهم يا رب.
و قيمة هذا الدرس ليسَ في معلوماته ، في تطبيقه ..
انتهى هذا الدرس بفضل الله عز و جل .. و بإذنه تعالى يتبع مع درس جديد .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
08-12-2009, 04:31 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم ,
مع الدرس الحادي و العشرين
موضوع اليوم عنوانه النِفاق ، ولماذا كانَ هذا الموضوع ،
هناكَ أسباب وجيهةٌ وخطيرةٌ تدعو إلى معرفة هذا المرض الخطير الذي يصيب المؤمنين
و لا أدلَّ على خطورة هذا الموضوع من أنَّ سيدنا عمر بن الخطاب رضيَ الله عنه قال لحذيفةَ بن اليمان رضي الله عنه : يا حذيفة ناشدتك بالله هل سماني لكَ رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم .. أي من المنافقين .. قالَ لا ولا أُزكّي بعدكَ أحداً .
و لا أدلَّ على خطورةِ هذا الموضوع من أنَّ الحسنَ البصري رضي الله عنه قال ما أمِنَ النِفاقَ إلا مُنافق .. وما خافَ النفاقَ إلا مؤمن .
فيجب أن نعرفَ هذا المرض الخطير الذي يصيب المؤمنين .
أيها الأخوة الأكارم ... النِفاقُ داءٌ عُضالٌ باطن .. و معنى باطن أنه قد يكون مستشريّاً في نفس المؤمن وهو لا يدري ، فمن كانَ مطمئناً من هذا المرض ربما كانَ منافقاً ،
قد يمتلئُ منه الرجل وهو لا يشعر فإنه أمرٌ خَفي على الناس وكثيراً ما يخَفى على من تلبسَّ به فيزعم أنه مصلح وهو في الحقيقة مُفسد . ..
أحدنا إذا كان يخاف على سلامة إيمانه ، إذا كانَ يخاف على مكانته عِندَ ربه ، إذا كانَ يخشى الله واليومَ الآخر ، إذا كانَ يخشى أن يُحبطَ الله عمله ، إذا كانَ يخشى أن يكونَ له صورة وله حقيقةٌ أخرى لا يرضاها الله عزّ وجل ، فليُدقق في هذا الدرس .
* العلماء قالوا : " النِفاق نوعان .. نوعٌ أكبر ونوعٌ أصغر . النوع الأكبر يوجِبُ الخلودَ في النار في دركها الأسفل "
قال تعالى :
إِن َّ الْمُنَافِقِين َ فِى الدَّرْكِ الأَسْفَل ِ مِنَ النَّار ِ وَ لَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا ً ( 145 )
( سورة النساء )
المشكلة : المنافق يصلي مع الناس ، ويصوم مع الناس ، وله زيٌّ إسلامي ، ويحضر جماعاتهم ، فالنوع الأكبر يُوجب الخلودَ في النار في دركها الأسفل لأنَّ المنافقَ هذا يُظهر للمسلمين إيمانه بالله وإيمانه بالملائكة وبالكتب وبالرسل وباليوم الآخر ،
و هو في الباطن مُنسلخٌ من ذلك كله ، لا يؤمن بأنَّ الله تكلّمَ بكلامٍ أنزله على بشر ، يهديهم بإذنه ، ويُنذرهم بأسه ، ويُخوّفهم عِقابه ، هذا الإنسان المُنافق هَتكَ الله سِترهُ وكشفَ سِرّه ، وجلّى لعباده أمره ، ليكون الناسُ منه على حذر .
و ذكر الله سبحانه وتعالى كما تعلمون في القرآن الكريم وفي مطلع سورة البقرة أربعَ آياتٍ تتعلق بالمؤمنين ، أصناف العالمين أصنافٌ ثلاثة : مؤمنٌ و كافرٌ و منافق .
فالمؤمنون خصّهم بأربع آيات :
بسم الله الرحمن الرحيم
1. الم
2. ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ
3. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ
4. وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ
5. أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
( سورة البقرة )
و الكفار خصّهم بآيتين :
6. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ
7. خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
( سورة البقرة )
و أما المنافقون فتحدثَ عنهم في ثلاث عشرة آية لخطورتهم ولاستشراء النِفاق في صفوف المؤمنين ،
لذلك المؤمن القضية سهلة .. مؤمن .. مستقيم ، عقيدته صحيحة ، مخلص ، مُقبل ، مُنيب ، مُحب ، ورع . والكافر لا يستحي بكفره من كلامه ، من تعبيراته ، من حركاته ، من سكناته ،
فأنتَ تعرفُ المؤمن وتعرفُ الكافر ، ولكن هذا الشخص الثالث الذي يُظهر لكَ من الإيمان ما فيه الكفاية وهو مُنافق ، قال هذا النوع الثالث هو النوع الخطر .
سنتوقف هنا , و بإذن الله يتبع مع المزيد .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
10-12-2009, 03:11 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم ,
الله سبحانه وتعالى خصّ ( المنافقين ) بثلاثة عشرة آية ، لكثرتهم ، لكثرة المنافقين ، ولِعموم الابتلاء بهم ، وشِدة فتنتهم على الإسلام وأهله ،
فإنَّ بليّة الإسلام بهم ، والذي يقوله الناس دائماً أخشى ما نخشاه على الإسلام لا من أعدائه بل من أدعيائه المنافقين ، لأنَّ هؤلاء المنافقين يفجرونه من داخله ، إذا هاجمه أعداء الدين ، أخذَ المؤمنون الحيطة ولكنَّ المنافقين في صفوف المؤمنين ، بينهم ، في مساجدهم ، معهم ، في أعمالهم .
قال : فكم من معقلٍ للإسلام قد هدموه
وكم من حِصنٍ له قد قلعوا أساسه وخرّبوه
وكم من عَلمٍ قد طمسوه
وكم من لواءٍ له مرفوعٍ قد وضعوه
وكم ضربوا أساسه بالمعاول فهدّموه
لذلك ربنا عزّ وجل قال :
11. وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ
12. أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ
( سورة البقرة )
يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ( 8 )
( سورة الصف )
أربع آياتٍ للمؤمنين ، آيتان للكفار ، ثلاث عشرة آية للمنافقين لكثرتهم ولخطورتهم ، و لإفسادهم ، و لانحرافهم ، و لأنَّ الناسَ قد يَلبَسُ عليهم أمرهم ،
أول صِفة من صفات المنافقين : قال اتفقَ المنافقونَ على مفارقة الوحي ، .. كلام الله عزّ وجل عِندَ المؤمنين له شأنٌ عظيم بينما كلام الله عزّ وجل عِندَ المنافق .... يتحرك في الحياة لا وفقَ كلام الله بل وفقَ هواه ،
.. ، .. تراه ينطلق من مصالحهِ ، من ثقافته أحياناً ، من طموحاته غير المشروعة ، و لا يعبأ بكلام اللهِ ، و لا بحدوده ، و لا بأوامره ولا بنواهيه ،
ربنا عزّ وجل وصفهم فقال :
فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53)
( سورة المؤمنون )
.. عِندهم آراء وعقائد ومواقف وتنظيمات لا تمت للدين بصِلة ، " كلُّ حِزبٍ بما لديهم فرحون " هؤلاءِ هم المنافقون ، وأيضاً يوحي بعضهم إلى بعضٍ زُخرفَ القولِ غروراً ، و الذي يجمعهم جميعاً أنهم اتخذوا هذا القرآن مهجوراً ، .. يتلو قوله تعالى :
وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
(221)
( سورة البقرة )
فإذا (file://\\فإذا) طرقَ بابه خُطّابٌ كثيرون يختار الغني ولا يعبأ بالمؤمن .
قال الله عزّ وجل :
يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)
( سورة البقرة )
لا يُبالي بهذه الآية يأكل الرِبا ويوكِله ، هذا هو النِفاق لعلكَ تراه يصلي ، لعلكَ تراه يصوم ، لا قيمة لهذه الصلاة ولا لهذا الصيام .
اتخذوا هذا القرآن مهجوراً ما هجرَ تِلاوته ولكن هجرَ تطبيق أحكامه ، ما جعله في حياته جعله وراء ظهره جعله خارج اهتمامه فالإنسان الذي لا يعبأ بكلام الله ، ولا يتخذه دستوراً ، ولا ينطلق في حياته من أحكامه ، فهذا منافقٌ منافقٌ منافقٌ .
* صِفةٌ أخرى من صفات المنافقين : قالَ الله عزّ وجل :
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ (18)
( سورة البقرة )
... عيناه لا تريه آيات الله عزّ وجل تريه مباهج الدنيا ، عينه تلتقط المباهج ، الزخارف ، المٌتع ، المال ، ما فيها من زينة ، أما أن تلتقط عينه آيات الله الدالة على عظمته ، ليسَ هذا من صفات المنافق
" صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يرجعون "
إن ألقيتَ عليه الموعظة كانَ كالأصم ، إن تكلّمَ تكلّمَ بالدنيا ، لسانه يتلعثمَ في ذِكر الله ، لا يذكر الله إلا قليلاً ، يذكر الدنيا إذا ألقيت عليه حديثاً عن الله عزّ وجل تململ وتثاءب وقال دعكَ من هذا الحديث ، أما إذا ألقيت عليه حديث الدنيا أصغت أذناه وبرقت عيناه وتألّقَ
ربنا عز وجل قال : صمٌ بكمٌ عميٌ أصمّ عن سماع الحق ، أبكم عن أن يذكروا الله عزّ وجل ، عمي عن آيات الله الكونية فهم لا يرجعون إلى الله عزّ وجل.
أتلفت قلوبهم الشبهات والشهوات ،...
يتبع إن شاء الله تعالى .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
Barbie
11-12-2009, 08:41 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم ,
نتابع مع صفات المنافقين
قال الله عزّ وجل :
فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ
(10)
( سورة البقرة )
.. الأمراض التي في قلوبهم انقلبت إلى أعمال ، فكيف يزداد المرضُ مرضاً إذا استحكمَ في النفسِ وانقلبَ إلى سلوك .
لهم علامات يُعرفون بها ، باديةٌ لمن تدبرها ، من أوضحها الرياء وهو أقبحُ مقامٍ يقفه الإنسان .. الرياء .. الازدواجية .. لهم ظاهر ولهم باطن ، لهم موقف مٌعلن ولهم موقف حقيقي لهم عبادةٌ يعبدون الله بها في بيوتهم ، ولهم عبادة يعبدون الله بها أمام الناس ،
أساس مواقفهم الرياء ، وقعدَ بهم الكسلُ عمّا أُمروا من أوامر فأصبح الإخلاص عليهم ثقيلاً ،
كيفَ وصفهم الله عزّ وجل قال :
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً
(142)
( سورة النساء ) .
درسنا الآن بعض الآيات التي تصف المنافقين ، هذا كلام الله عزّ وجل ، فإذا الإنسان بريء من هذه الأوصاف فأنعم به وأكرم ، وليحمد الله عزّ وجل ، ونرجو الله جميعاً أن نكونَ ممن نجاهم الله من النِفاق ، وإن كانَ متلبّساً ببعض الصفات والقلب ينبض إذاً المجال مفتوح باب التوبة مفتوح ، باب الإخلاص مفتوح ، باب الإصلاح مفتوح ، ..
الصِفة الأولى أنهم يراءون الناس ، ولا يذكرون الله إلا قليلاً ، وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى .
** من صفات المنافقين التذبذب والحيرة ، مع هؤلاء أم مع هؤلاء ، مع رفاق السوء أم مع المؤمنين ، مع دورِ العِبادة أم مع دورِ اللهو ، لا يسخو لا بهذا ولا بذاك ،
" في قلوبهم مرضٌ فزادهم الله مرضاً " قالَ أحدهم كالشاة العائرة بين الغنمين تيعرُ إلى هذه مرةً وإلى هذه مرةً ولا تستقر مع إحدى الفئتين ،
إذا كان أحد الناس جلس مع المؤمنين طابَ له المجلس ، فإذا جلسَ مع الكفار أو مع أهل الدنيا ، أو مع أهل البُعدِ ، فسُرَّ معهم واستمرأَ حديثهم ، وطابت له جلستهم ، فهذه علامة النِفاق ،
لو كانَ مؤمناً حقاً لا يرتاح للكفار ، ولا لحديثهم ، ولا لمزاحهم ، و لا لأنماط سلوكهم ، ولا لأوضاعهم ،
لذلك النبي الكريم وصف المنافقَ فقال :
........ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ الشَّاةِ الْعَائِرَةِ بَيْنَ الْغَنَمَيْنِ تَعِيرُ إِلَى هَذِهِ مَرَّةً وَإِلَى هَذِهِ مَرَّةً لا تَدْرِي أَهَذِهِ تَتْبَعُ أَمْ هَذِهِ *
و قال تعالى :
مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاءِ وَلاَ إِلَى هَؤُلاءِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً
(143)
( سورة النساء )
* صِفةٌ أخرى من صفات المنافقين : يتربصون الدوائر بأهلِ الكتاب والسُنّة .. بالمؤمنين .. دائماً على حسد ، دائماً على تربص ،
فإن كانَ لهؤلاء المؤمنين فتحٌ من الله قالوا ألم نكن معكم ، نحن معكم يا أخي ، نحن مؤمنون ، نحن أعنّاكم ، نحن دعمناكم ،
قال فإن كانَ لهم فتحٌ من الله قالوا ألم نكن معكم وأقسموا على ذلك بالله جهدَ أيمانهم ،
وإن كانَ لأعداء الكتاب والسُنّة من النُصرة نصيب قالوا ألم تعلموا أنَّ عقدَ الإخاءِ بيننا وبينكم مُحكم ، نحن معكم ضد المؤمنين ، وأنَّ النسب بيننا قريب ،
ربنا عزّ وجل قال :
الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً
(141)
( سورة النساء )
هذا الموقف المتذبذب مع الأقوى دائماً مع الأعز .. هذا موقف المنافق ..
يتبع بإذن الله تعالى , و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
14-12-2009, 12:18 AM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم ,
الحقيقة المنافق قد يُعجبُ السامعُ بقوله لحلاوته ولينه ويُشهد الله على ما في قلبه ، يقول لك شَهِدَ الله أني أُحبك ، يُشهِد الله على ما في قلبه وهو ألدُّ الخصام .
قال تعالى :
وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ
(204)
( سورة البقرة )
خصم عنيد ، خصم شديد ، عدو لدود ، ومع ذلك له كلام أحلى من العسل ، وله قلبٌ أمرُّ من الصبر ، هذه من صفات المنافق ، تكاد تكون الازدواجية مِحور أساسي في هذه الصفات . ..
المؤمن الحق ما في قلبه على لسانه ، وما قاله بلسانه في قلبه ، وعلانيته كسريرته ، وسريرته كعلانيته ، وباطنه كظاهره ، وظاهره كباطنه ، المؤمن متوّحد في اتجاه ،
المنافق مزدوج ،
فهذه نصيحة لكل أخ مؤمن : اجعل الصلاة في البيت كما هي في المسجد ، غضُ بصركَ في الطريق وأنتَ وحدك كما لو كنت بين المؤمنين ،... راقب الله عزّ وجل ، لا تأخذكَ في الله لومة لائم ، لا تعبأ بكلام الناس ، لا تأخذ مواقف أمام الناس ، لا تكن لكَ مواقف أخرى في البيت ،
من لم يكن له ورعٌ يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله . ركعتان من ورع خيرٌ من ألف ركعةٍ من مُخلّط .
قال تعالى :
وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ
(205)
( سورة البقرة )
أفسدَ العلاقة بين الشريكين ، بين الزوجين ، بين الأخوين ، بين الجارين ،
" وإذا تولى سعى في الأرض ليُفسدَ فيها ويهلكَ الحرثَ والنسل والله لا يُحب الفساد ".
* المنافق كلام الله عليه ثقيل ، لا تركن نفسه إلى كلام الله ، لا ينصاعُ له ،.. إذا حاكمتهم إلى صريح الوحي وجدتهم عنه نافرين وإن دعوتهم إلى حُكم كتاب الله وسُنّة رسوله رأيتهم عنه مُعرضين .
ربنا عزّ وجل قال :
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا
(61)
( سورة النساء )
كتاب الله بيننا ، ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام بيننا ، المنافق لا يرضى لا بكتاب الله ولا بكلام رسول الله ، يرضى برأيه الشخصي ، أو بحكم القاضي ، أو برأي المحامي ،
المنافق من علاماته كثيرُ حلفِ الأيمان بلا سبب ، كثرةُ حلفه للأيمان دليل خلل داخلي ،
فأحدهم تسبقُ يمينه كلامه ، لم يكذبكَ أحد ما أحد كلّفكَ أن تحلف اليمين ، ما أحد دعاك إلى حلف اليمين يحلف الأيمان الكاذبة دون أن يُستحلف ، لاعتقاده الداخلي أنَّ الناسَ لا يصدقونه ، هناك خلل داخلي في شخصيته ،
فربنا عزّ وجل قال :
اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ
(16)
( سورة المجادلة )
اتخذوا أيمانهم وقايةً ، دريئةً يدرؤون بها تشكيكَ الناس في أقوالهم ، .. هذه كلها آيات قرآنية ..
كثرة حلف الأيمان ، الصدُّ عن حُكم الله وحُكمِ رسوله ، الفساد في الأرض ، إفساد العلائقَ بينَ الناس ، له كلامٌ أحلى من العسل وقلبٌ أمرُّ من الصبر ، يتربصون بالمؤمنين الدوائر مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، يراءون الناسَ ، وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كُسالى ، لا يذكرون الله إلا قليلاً ، هذه صفاتهم المُستنبطة من آيات الله البيّنات .
المنافق كأنه إنسان سارَ في رحلة في الصحراء ، بعد حينٍ من الوقت أو بعدَ مسافةٍ من المكان شعرَ بالتعب والإعياء فنكثَ راجعاً ، لم يتابع المسير .
فربنا عزّ وجل قال :
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ
(3)
(سورة المنافقون)
بعد ما آمن رأى في الإيمان قيوداً ، حدوداً ، وتكاليف ومجالس علم ، وغض بصر ، وهذه حرام وهذه حلال ،
بعدَ أن عاهدَ الله عزّ وجل وسارَ في أولِ طريق الإيمان رأى الإيمان عِبئاً عليه ، رآه ثقيلاً ، رأى التكاليف تكاليف باهظة ،
لذلك انتكثت روحهُ .. وتركَ المؤمنين يتابعون الطريق ،
قال تعالى " ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطُبعَ على قلوبهم فهم لا يفقهون " بعد أن آمن كفر ، وهذا واضح ، بعد ما حضر مجالس العلم سنة ، انتكث وعادَ إلى شهواته وأهوائه ،
وعادَ إلى رفاق السوء ، وعادَ إلى انطلاقه إلى المعاصي كيفما يشاء ، فهذه النكثة هيَ نكثات المنافقين .
يتبع بإذن الله تعالى ... و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Nader 3:16
14-12-2009, 08:24 PM
السلام عليكم.
بارك الله بك ...!
آخر (طرح) فيه الكثير من الفائدة ان شاء الله...!
اسأل الله ان يطهّر قلوبنا و أعمالنا من النفاق....!
Barbie
15-12-2009, 03:50 PM
و بكم بارك الله .
Barbie
15-12-2009, 04:09 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم ,
المؤمن ليسَ ساذجاً ، يؤخذ بشخص طويل القامة ، أنيق المظهر ، طليق اللسان ، ذكي العقل ، لكن خبيث النفس ، ضعيف الإيمان ، شهواني ، له خلفيّة سيئة ،
المؤمن ذو بصيرة ، اتقوا فِراسةَ المؤمن فإنه ينظر بنور الله ،
و قال سيدنا علي : نحن نعرف الرجالَ بالحق ولا نعرف الحقَ بالرجال ، المؤمن مقياسه دقيق جداً ،
يعني أن يفعل المؤمن فعلاً منافياً للشرع هذا الشخص ساقطٌ بنظر المؤمن ، أن يعتقدَ اعتقاداً مخالفاً لكتاب الله هذا الشخص ساقطٌ في نظر المؤمن ، أما الذي يُعجب بالناس ، بأجسامهم ، بأطوالهم ، بحركاتهم ، بسكناتهم ، بفصاحتهم ، بطلاقتهم ، و لا ينظر إلى انحرافاتهم وإلى أخطائهم ، وإلى بُعدهم عن أمر الله عزّ وجل وعن سُنّة النبي فهو إنسان ساذج ،
قال : يؤخرون الصلاة عن وقتها الأول ، فالصبح عِندهم طلوع الشمس والعصر عِندهم الغروب ، وينقرونها نقرَ الغراب إذ هيَ صلاة الأبدان لا صلاة القلوب ، يلتفتون فيها التفات الثعلب ولا يشهدون الجماعة ،
بل إن صلى أحدهم صلى في البيت أو في دكانه ، يهجر المسجد .. هذه صفة المنافقين ،
من علامة المنافقين إذا أصابَ المؤمنين عافيةٌ ونصرٌ وظهورٌ ساءه ذلكَ وغمهُ ،
على المستوى الفردي لك أخ مؤمن الله عزّ وجل رفع شأنه تتألم ، أطلق لسانه تتألم تتضايق ، جعل له شأن في المجتمع تتضايق ، تبحث عن عيوبه ، تبحث عن سقطاته ، تُبرزها للناس .. هذه علامة النِفاق ..
من علامة الإيمان أنَّ المؤمن إذا رأى أخاه المؤمن قد أطلق الله لسانه ورفع شأنه يفرحُ له ويكون في خدمته وعونه .. الحق واحد لأنه .. إذا عزَّ أخوكَ فهُن أنت ، المؤمنون شركاء في أعمالهم الصالحة ، الإنسان إذا عمل عملاً صالحاً دعم بعمله أخاه المؤمن ،
مؤمنون كانوا في زيارة شخص أحدهم انطلقَ في الحديث عن الله عزّ وجل إذا سكتَ الباقون لهم مِثلُ أجره ، لأنَّ العِبرة أن يصل هذا الحق إلى هذا الإنسان ،
أما التنافس والتنطع وعرض العضلات ليسَ هذا من صفات المؤمن ، أخوك انطلقَ في الدعوة إلى الله كُن معه أنت ، كُن معيناً له ، كُن دعماً له ، لا تحاول أن تُبرز سقطاته الموهومة عِندك ،
ربنا عزّ وجل قال :
إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ
(120)
( سورة آل عمران )
يتضايق . .. يُعلن عن حسده ، يُعلن عن غيرته ، يُعلن عن ضيقه ، لا يتمنى لهذه الدعوة أن تنتشر ، لا يتمنى لهذا المؤمن أن يظهر ، لا يتمنى له أن يعلو عِندَ الناس ،
" إن تمسسكم حسنةٌ تسؤهم وإن تصبكم سيئةٌ يفرحُوا بها " يعني .. فإذا أصابَ هذا المؤمن مصيبة يفرح المنافق وقد يُعلن عن فرحه ، إذا فرح عاقبه الله عزّ وجل ، فإذا أعلن عن فرحه ازدادَ العِقاب ،
الله عزّ وجل كرهَ طاعتهم ، لِخُبثِّ قلوبهم وفسادِ طواياهم ثبطهم عنها ، أقعدهم ، أبغضَ قربهم منه ، لميلهم لأعدائه طردهم عنه وأبعدهم ، أعرضوا عن وحيه فأعرضَ عنهم ، أشقاهم وما أسعدهم ، حكمَ عليهم بُحكمٍ عدلٍ لا مطمعَ لهم في الفلاحِ بعده .. القرآن الكريم ..
وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ
(46)
( سورة التوبة )
لأتفه سبب يترك مجالس العلم .. لماذا ربنا ثبّطَ عزائمهم ، قال لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً ، يوهنون القِوى ، يوهنون العزائم ، يضعِفون المعنويات ، يُيئسوا ، لهم كلمات فيها استهزاء ، لهم كلمات فيها تجريح ، هم ميالون للدنيا ،
قال تعالى : لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ
(47)
( سورة التوبة )
المنافق من دلائل نِفاقه أنَّ النص القرآني ثقيلٌ عليه ، قال ثَقُلت عليهم النصوص فكرهوها ، أعياهم حملها ، ألقوها عن أكتافهم ووضعوها تفلتت منهم السُنن فلم يحفظوها ،
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ
(9)
( سورة محمد )
.. إذا الله عزّ وجل أمرَ بأمر وأنت شعرت بكراهية لهذا الأمر فهذه علامة النِفاق ، المؤمنون .. يفرحون بما أُنزل إليهم . .. أما المُنافق يرى أمرَ الله ثقيلاً عليه .
إن شاء الله تعالى يتبع ... و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
Barbie
17-12-2009, 01:16 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم ,
نتابع مع صفات المنافقين :
هم أسرّوا النِفاق لكن الله عزّ وجل أظهرَ بعضَ علاماته على صفحات وجوههم وظهرَ نِفاقهم من فلتاتِ لسانهم ،
ربنا عزّ وجل قال :
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ
(29)
وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ
(30)
( سورة محمد )
.. تجد المؤمن وجهه مُشرق ، فيه براءة بوجهه ، فيه نور ، فيه صفاء ، فيه إقبال ،
وجه المنافق تجده في نوع من الغَبَرَة ، وجهه أسود ، سواد معنوي ، وجهه فيه قتامة ، وجهه فيه انحباس ، النِفاق ،
قال تعالى " أم حَسِبَ الذين في قلوبهم مرضٌ أن لن يُخرجَ الله أضغانهم ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول " لحن القول هو فلتات اللسان .. " والله يعلم أعمالهم " .
من صفات المنافقين أيضاً : لمّا ربنا عزّ وجل قال في سورة الحديد :
يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ
(13)
يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ
(14)
( سورة الحديد )
المنافقون في الدنيا كانوا مع المؤمنين ، معهم في مساجدهم ، في أفراحهم ، في أتراحهم، في الحج ، في رمضان ، في الصيام ، هم معهم ... مختلطونَ معهم ،
يوم القيامة يتوقف بهم المسير على الصراط المستقيم فيقولون للمؤمنين " انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً " لم تكن أعمالكم في الدنيا صالحة ، لم تكن هِممكم في الدنيا عالية لم تكن نواياكم مُخلصة ،
الدنيا مكان العمل ، وفيها يُقتبسُ النور ، ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً، قالوا ألم نكن معكم ....؟.. قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم بالدنيا وتربصتم ، وارتبتم ، وغرّتكم الأماني حتى جاء أمرُ الله وغَركم بالله الغَرور ،
انظر كم صِفة ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم يعني .. أحببتم الدنيا وجعلتموها كلَّ همكم وجعلتموها مَحطَ رِحالكم وتربصتم بالمؤمنين تمنيتم أن يصيبهم السوء ،
تربصتم بالمؤمنين تمنيتم الدمارَ لهم ، إذا جاءهم الخير ضاقت نفوسكم به ، وارتبتم في كلام الله عزّ وجل ، ما كنتم على يقينٍ من كلام الله عزّ وجل ، إرتبتم في وعده وفي وعيده ، ارتبتم في حلاله وفي حرامه ،
وغرّتكم الأماني ، تمنيتم الدنيا وحدها واغتررتم بها حتى جاءَ أمرُ الله وغرّكم بالله الغَرور .
الغَرور هو الشيطان وعدكم وأوهمكم أنه من كانَ من أُمةِ مُحمدٍ عليه الصلاة والسلام يشفع له النبي يكفي أن تكون من أمةِ مُحمدٍ فالنبي مُحمد صلى الله عليه وسلم يشفعُ لكَ يومَ القيامة دونِ قيدٍ أو شرط .. هكذا ..
فانطلقتم إلى المعاصي ، وإلى الشُبهات ، وإلى المخالفات وإلى الدنيا ، وإلى المغانم والمكاسب .
* يُروى أنَّ سيدنا حُذيفة بنَ اليمان سَمِعَ رجلاً يقول اللهم أهلك المُنافقين فقال يا ابن أخي لو هَلَكَ المنافقون لاستوحشتم في طرقاتكم من قِلة السالكين .
يعني بِشارة من سيدنا حذيفة بن اليمان إلى أنَّ الكثرة الكثيرة من الناس يعني من هذا القبيل .
* .. سيدنا حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أسرَّ إليه النبي عليه الصلاة والسلام أسماء المنافقين فسيدنا عمر يعلم ذلك فقال له يا حذيفة ناشدتك بالله هل سماني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ..؟.. ورد اسمي بالقائمة .. قال لا .. ولا أُزكي بعدكَ أحداً ..
لا تحرجني أنت لا اسمك غير وارد .. ولا أُزكي بعدكَ أحداً .
* ابن مُليكة يقول : أدركتُ ثلاثينَ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النِفاقَ على نفسه .
ما منهم أحدٌ يقول إنَّ إيمانه كإيمانِ جبريلَ وميكائيل .
... إذا شككت بنفسك دائماً .. لعل في نِفاق ، لعل في تقصير ، فهذه علامةٌ طيبة ،
و إذا في طمأنينة ساذجة ، أنا مؤمن الحمد لله ، أنا بزمن صعب ، أنا عملي كسبعين من أصحاب رسول الله ، أنا في زمن القابض على دينه كالقابض على الجمر إذا كان بهذه النفسية أنت مطمئن ، مرتاح تماماً ، وما في مشكلة عِندك إطلاقاً ، هذه علامة خَطِرة هذه علامة النِفاق ،
علامة الإيمان أن تخشى النِفاق ، وعلامة النِفاق ألا تخشى منه .
يتبع إن شاء الله تعالى .. و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
Barbie
18-12-2009, 03:28 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,
بسم الله الرحمن الرحيم ,
الحسن البصري كما قلتُ لكم قال : ما أمِنَ النِفاق إلا مُنافق ، وما خافه إلا مؤمن ،
وكانَ بعضُ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونَ اللهَ فيقولون : اللهّمَ إني أعوذُ بِكَ من خشوعِ النِفاق ، قيلَ وما خشوع النِفاق ..؟.. قال : أن يُرى البدنُ خاشعاً والقلبُ ليسَ بخاشع بالصلاة يظهر الخشوع شيء .. وقلبه ليس بخاشع ..
* قال بعضهم : النِفاق يُزرعُ ينبتُ له ساقان ساقُ الكذب و ساقُ الرياء ، و يُسقى بعينين عينِ ضعفِ البصيرة وعينِ ضعفِ العزيمة ،
يعني .. رؤيته غلط وإرادته ضعيفة وفي عنده كذب وفي عنده رياء ، يعني أربع دعائم للنِفاق : الكذب والرياء وضعف البصيرة وضعف العزيمة .
رؤيته مضطربة ، عزيمته ضعيفة ، يعتمدُ الكذب ، ويعتمدُ الرياء .
وقد قال عليه الصلاة والسلام :
....... عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلالِ كُلِّهَا إِلا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ *
فالكذب ليسَ من صفات المؤمن .
قال : إذا تمت هذه الأركان الأربعةُ استحكمَ نبات النِفاق ولكنه بمدارج السيول على شفا جُرفٍ هار فإذا شاهدوا سيلَ الحقائق يوم تُبلى السرائر ويبعثرُ ما في القبور ويُحصّلُ ما في الصدور تبيّنَ لهم يومئذٍ من كانت بِضاعته النِفاق فهي كالسراب يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجدَ الله عِنده فوفّاه حِسابه والله سريع الحساب .
ملخص الدرس : من علامات النِفاق أنَّ المُنافق إذا عاهدَ خان وإذا وعدَ أخلف ، و إذا قالَ كذب لم يُنصف ، و إذا دُعي إلى الطاعةِ تلكأ ، و إذا قيلَ لهم تعالوا إلى ما أنزلَ الله وإلى الرسولِ صدفوا ، و إذا دعتهم أهواؤهم إلى أعراضهم أسرعوا وانصرفوا ، فذرهم وما اختاروا لأنفسهم من الهوان والخزيِ والخُسران .
* قال تعالى :
وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ
(75)
فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّوْا وَّهُم مُّعْرِضُونَ
(76)
فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ
(77)
( سورة التوبة )
هذا الذي يسميه كُتّاب السيرة حمامة المسجد ثعلبة كانَ يصلي خلف النبي ، ما فاتته تكبيرة الإحرام خلفَ سيدِ الأنام ، كان فقيراً قال له يا رسول الله ادع الله أن يرزقني ، يبدو أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام له بصيرة في هذا الإنسان ،
قال يا ثعلبة قليلٌ تؤدي شُكره خيرٌ من كثير لا تؤدي شكره ، قالَ يا رسول الله ادع الله أن يرزقني ، قال يا ثعلبة قليلٌ يكفيك خيرٌ من كثير يٌطغيك ، قالَ يا رسول الله ادع الله أن يرزقني ،
يريد مالاً ،
فقال ربي ارزق ثعلبة كيفَ شئت ومتى شئت ، اشترى غنماً والغنم توالدت ملأت طرقات المدينة بشكلٍ عجيب ، بمدةٍ قصيرة صارَ من أغنى الأغنياء ، ما عادَ يُصلي خلفَ سيد الأنام ، ما عادَ يُحصّل تكبيرة الإحرام خلف سيد الأنام ، غاب عن مجلس النبي عليه الصلاة والسلام ، غاب غيبة طويلة جداً ،
النبي سأل عنه ، تجد الواحد بعد الزواج لم نعد نشاهده ، بعد ما صار تاجراً لم نعد نشاهده .. الله عزّ وجل ورسوله أولى باهتمامك .. فالنبي بعثَ برسول لثعلبة يطالبه بالزكاة ،
فيقول لرسول رسول الله : قل لصاحِبكَ ليسَ في الإسلام زكاة ، قال له أهوَ صاحبي وليسَ صاحِبكَ ، أجمعتَ إلى ترك الزكاة الكُفرَ برسول الله ، عِندئذٍ نَزَلَ فيه وفي أمثاله هذه الآية
"ومنهم من عاهدَ الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكوننَ من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم مُعرضون فأعقبهم نِفاقاً في قلوبهم إلى يومِ يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ".
انتهى هذا الدرس بفضل الله سبحانه , و في الختام نسأل الله تعالى أن يجنبنا النفاق , و نعوذ به من الرياء و الكذب .
يتبع إن شاء الله عز و جل مع درس جديد .
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
Barbie
20-12-2009, 03:25 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الأخوة و الأخوات .... مع الدرس 22
بعنوان الثِقة .
النبي عليه الصلاة والسلام في حديثٍ طويل يقول :
حديث علي :
سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سنته فقال " المعرفة رأس مالي والعقل أصل ديني والحب أساسي والشوق مركبي وذكر الله أنيسي والثقة كنزي والحزن رفيقي والعلم سلاحي والصبر ردائي والرضا غنيمتي والعجز فخري والزهد حرفتي واليقين قوّتي والصدق شفيعي والطاعة حبي والجهاد خلقي وقرة عيني في الصلاة "
الكنزُ الذي لا يُقدّرُ بثمن هوَ ثِقَتُكَ باللهِ عزّ وجل ، الكنزُ الذي لا يُقدّرُ بثمن بتقرير النبي عليه الصلاة والسلام أن تكونَ واثقاً بالله ،
وقد وردَ في بعض الأحاديث :
عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ الزَّهَادَةُ فِي الدُّنْيَا بِتَحْرِيمِ الْحَلالِ وَلا فِي إِضَاعَةِ الْمَالِ وَلَكِنِ الزَّهَادَةُ فِي الدُّنْيَا أَنْ لا تَكُونَ بِمَا فِي يَدَيْكَ أَوْثَقَ مِنْكَ بِمَا فِي يَدِ اللَّهِ وَأَنْ تَكُونَ فِي ثَوَابِ الْمُصِيبَةِ إِذَا أُصِبْتَ بِهَا أَرْغَبَ مِنْكَ فِيهَا لَوْ أَنَّهَا أُبْقِيَتْ لَكَ *
(سنن ابن ماجة)
أنا أُتابعُ كلمة الثِقة ، النبي عليه الصلاة والسلام يقول : " الثِقةُ كنزي "... أي الثِقةُ بالله عزّ وجل ... و إذا أردتَ أن تكونَ أغنى الناس فكُن بِما في يدي الله أوثقُ منكَ بما في يديك ،
والحقيقة .. الثِقةُ باللهِ عزّ وجل ثمرةٌ من ثِمارِ الإيمان أو ثمرةٌ من ثِمارِ المعرفة .. إذا عرفتهُ وثقتَ به ، فأُمُ موسى عليه السلام ماذا قال الله لها ؟
وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ
(7)
(سورة القصص)
كلام غريب !! .. إذا خِفتِ عليه فالقيه في اليم : ائتني بامرأة من مليون امرأة تضعُ ابنها في صندوق وتُلقيه في النهر ، لماذا ألقت أُمُ موسى وليدها الحبيب في النهر ؟ لِثِقتها بأنَّ الله عزّ وجل سيحفظهُ .
لذلك .. " فإذا خِفتِ عليه فألقيه في اليمِ ولا تخافي ولا تحزني "
يعني أنت مثلاً متى ترفض دخلاً كبيراً فيهِ شُبُهة ؟ لِثِقَتِكَ بأنكَ إذا تركتهُ لله عوّضكَ الله خيراً منه ،
متى ترفضُ عملاً لا يُرضي الله ؟ لِثِقَتِكَ أنكَ إذا فعلتَ ذلكَ غَضِب الله عليك وإذا غَضِبً الله عليك خَسِرتَ كُلَّ شيء ،
متى ترفضُ أن تُعينَ ظالماً ؟ لِثِقَتِكَ أنكَ إذا أعنتهُ كُنتَ أولَ ضحاياه .
قال ابن عباس : إذا رضي الله عن قوم ولى أمرهم خيارهم ، إذا سخط الله على قوم ولى أمرهم شرارهم.
وفي الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم : من أعان ظالما سلطه الله عليه .
.. القرآن الكريم حينما تقرؤه والسُنّةُ المطهّرةُ حينما تقرؤها إذا كُنتَ واثِقاً أنَّ هذا كلام خالِقُ الكون وأنَّ زوالَ الكون أهونُ من ألا يتحققَ وعدهُ أو وعيدهُ ، وأنَّ زوالَ الكون أهونُ من ألا يتحققَ وعد النبي ووعيدهُ ،
عندئذٍ تَثِقُ بأنَّ هذا القرآن كلامهُ وأنهُ واقعٌ لا محالة .. لذلك تخشاهُ .
.. لا أُبالغ : يُمكن أن يُجمعَ الإيمانُ كُلهُ في كلمة واحدة أنكَ واثقٌ مما جاء في القرآن الكريم ، تضعُ الدنيا تحتَ قدميك ، تضعُ كّلَّ مباهج الدنيا تحتَ قدميك إذا حَمَلتكَ على معصية الله أو إذا حَجَبتكَ عن الله ، ولو سألتَ مؤمناً : لماذا أنتَ تُطيع الله عزّ وجل ..؟..
لو سألت مؤمناً صادقاً ما الذي يحمِلكَ على طاعتهِ يقول لكَ لأنني مُتصلٌ بهِ وأخشى على هذه الصِلة أن تنقطع ..
وهذا أقوى جواب .. ، لماذا تغضُ بصركَ عن محارم الله ؟ لأنكَ موصول بالله بهذه الطاعة فإذا أطلقتَ بصركَ في محارم الله حُجِبتَ عن الله .. ومادام الله .. أغلى ما تملك .. أغلى شيء في حياتك لذلك حريصٌ أنتَ على أن تكونَ متصلاً بهِ .. هذا سِرُ الطاعة ..
فالنبي عليه الصلاة والسلام ما كانَ مُبالِغاً حينما قال : " الثقة كنزي " ، و ما كان مُبالِغاً حينما قال :
عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ الزَّهَادَةُ فِي الدُّنْيَا بِتَحْرِيمِ الْحَلالِ وَلا فِي إِضَاعَةِ الْمَالِ وَلَكِنِ الزَّهَادَةُ فِي الدُّنْيَا أَنْ لا تَكُونَ بِمَا فِي يَدَيْكَ أَوْثَقَ مِنْكَ بِمَا فِي يَدِ اللَّهِ وَأَنْ تَكُونَ فِي ثَوَابِ الْمُصِيبَةِ إِذَا أُصِبْتَ بِهَا أَرْغَبَ مِنْكَ فِيهَا لَوْ أَنَّهَا أُبْقِيَتْ لَكَ *
يتبع بإذن الله تعالى .. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
21-12-2009, 07:22 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,
بسم الله الرحمن الرحيم
يمكنُ أن يُضغطَ الإيمانُ كلهُ ، والمعرفةُ كُلها ، واليقينُ كُلهُ .... في كلمةٍ واحدة : هو أنكَ واثِقٌ بالله ، واثِقٌ من أنَّ اللهَ لا يُضيّعُ عبدهُ المؤمن زوال الكون أهون على اللهِ من أن يُضيّعَ مؤمناً أطاعه ، سبحانكَ إنهُ لا يَذِلُ من واليت ولا يَعُزُ من عاديت ،
سيدنا رسول الله ( عليه الصلاة و السلام ) كانَ مع أصحابهِ وكانوا فقراء ، ضعفاء ، مقهورين ، محتاجين وكانت ثقتهم بربهم لا حدود لها .
و الله الذي لا إله إلا هو إن رأيتُ شاباً مستقيماً ضابطاً لجوارحه ، ضابطاً لمشاعره ، يصلي أناء الليل وأطرافَ النهار ، يغضُ بصرهُ عن محارم الله ، يتحرّى الحلال ، مستعدٌ أن يُضحي بكلِّ شيء من أجلِ مرضاة الله عزّ وجل .. والله الذي لا إله إلا هو أقول لهُ وأنا واثِقٌ مما أقول لهُ : الله سبحانهُ وتعالى سيوفِقُك ، وسيرفعُك ، وسيُعِزُّك ، وسيُعطيك وسيُقرُّ عينَك .. أبداً ..
الإيمان كلهُ أن تكونَ واثقاً بالله .
.. الموضوع واسع جداً ، كُلُ المعاصي التي يقترفُها الناس لِضعفِ ثِقتهم بالله ، كُلُ اليأسِ الذي يُصابُ بهِ الناس لِضعفِ ثِقتهم بالله ،
كُلُ القنوط حينما يطيعُ مخلوقاً ويعصي خالِقاً ضعيفُ الثِقةِ بوعدِ الله .. رأى أنَّ إرضاء هذا المخلوق أثمنُ من رِضاءِ الله عزّ وجل ، وأنَّ سخطَ هذا المخلوق أعظمُ عِندهُ من سخطِ الله ، ليسَ واثِقاً بكلام الله ، ولا واثِقاً بِما عِندَ الله من نعيمٍ مُقيم ، ولا ما عِندَ الله من عذابٍ أليم .
لذلك العلماء قالوا : " التفويضُ لله ، والتسليمُ لقضاء الله ، مرتبة التفويض ومرتبة التسليم ومرتبة التوكل أساسُ هذه المراتِبِ كُلِها : الثِقة ".
أنتَ لا تُفوِض إلا من تَثِقُ بهِ ، ...
أساس التعامُل هو الثِقة . فهل في الكونِ كُلِهِ جِهةٌ أجدرُ بثِقَتِكَ من اللهِ عزّ وجل ؟ .
قال تعالى :
اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا
(87)
(سورة النساء)
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
(111)
(سورة التوبة)
حتى إنَ بعضَ العلماء حينما قال :
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ
(1)
(سورة الفيل)
والله أنا ما رأيت ، أحضر لي واحداً رأى هذا الحادث ، لِمَ لم يقل الرب : ألم تسمع .. معقولة .. سمعنا .. قرأناها في التاريخ .. أما ألم تر ، من رأى مِنّا ما فعلهُ أبرهةُ بالكعبة ..؟..
العلماء قالوا : لأنَ إخبارَ اللهِ يقينٌ كيقين المُشاهدة ، إخبار الله عزّ وجل يقينٌ كيقين المُشاهدة لذلك وردَ قولهُ تعالى : " ألم تر كيفَ فعلَ ربُكَ بأصحاب الفيل " ثِقة ..
ما ترك عبد لله أمرا لا يتركه إلا لله إلا عوضه الله منه ما هو خير له منه في دينه ودنياه
إذا كُنتَ واثِقاً من قول النبي تُضحي بِكُلِ شيء ولا تُضحي بطاعة الله عز وجل وعِندَئذٍ يأتيكَ كُلُ شيء ..
هل في الأرضِ كُلِها إنسان يرى في المنام أنهُ يذبحُ ابنهُ يقول له في اليوم التالي يابني إني أرى أني أذبَحُكَ فانظر ماذا ترى ؟ قالَ يا أبت افعل ما تؤمر ،
لا يوجد بالأرض كُلها إنسان واحد عِندهُ استعداد لِمنامٍ رآهُ في الليل أن يذبحَ ابنهُ حبيب قلبِهِ ، مُهجةً فؤادِهِ ، أن يضعَ السكينَ على رقبتهِ .. مستحيل ..
لكن لماذا فعلَ هذا النبي العظيم لأنهُ واثقٌ من رحمة الله ، واثِقٌ من أنَّ أمرَ اللهِ فيه حِكمةٌ بالِغة ، وأنَ أمرَ الله لابدَ من أن يُنفّذ ، لكن لمّا انطلقَ لتنفيذهِ كانَ الفِداءُ الذي تعرفونهُ جميعاً .
كُلما ارتفعَ مستوى الإيمان ارتفعَ معهُ مؤشر الثِقة إلى أن تؤمر بشيء .. غير معقول لكنكَ واثِقٌ من أنَّ الله عزّ وجل لن يُضيعك ..
أحياناً تتعارض القوانين الأرضية التي تعارفَ الناسُ عليها مع الأوامر الإلهية .. هُنا يظهر المؤمن …. الناسٌ جميعاً يدعونكَ إلى أن تفعلَ كذا وكذا .. هكذا التِجارة .. هكذا البيع والشراء .. هكذا إخفاء العيب .. هكذا ينبغي أن تفعل ، والنبي عليه الصلاة والسلام يُعطيكَ أمراً آخر ، فإذا كُنتَ واثِقاً من أنَ هذا النبي العظيم لا ينطق عن الهوى وكلامهُ وحيٌ يوحى وأنَّ هذا الوحيَ من عِندِ الله وأنَّ الله هو الصانع وهذه تعليمات الصانع ، تفعل ما يأمرك به نبيك.
* لكلِ شيء أوان فإذا تعجلّتَ الشيء قبلَ أوانهِ عوقِبتَ بحرمانهِ فثِقتُكَ بالله عزّ وجل هيَّ إيمانُك ، مؤشر الثِقة يتناسب طرداً مع مؤشر الإيمان ، كُلما زادَ الإيمان زادت الثِقة ،
.. تقدمت في الامتحان لم تنجح .. بعد ما فوضت لم تنجح .. أنتَ الآن أمام حالة أُخرى ما هي ..؟.. التسليم ، التفويض قبلَ النتائج والتسليم بعدَ النتائج ، فلابُدَ من أن تفوض ، ولابُدَ من أن تُسلّم ، لابُدَ من أن تُفوض قبلَ النتائج ولابُدَ من أن تُسلّم بعد النتائج ،
والتفويض والتسليم أساسهُ الثِقة ، والتفويضُ والتسليمُ مع الثِقةِ هذه كُلُها هيَ التوكل ، والتوكل :
وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً
(81)
(سورة النساء )
و للحديث تتمة إن شاء الله تعالى .
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
Barbie
24-12-2009, 02:08 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول عليه الصلاة والسلام :
إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله تعالى ، و أن تحمدهم على رزق الله تعالى ، و أن تذمهم على ما لم يؤتك الله .
إن رزق الله لا يجره إليك حرص حريص ، ولا يرده كراهية كاره ، وإن الله بحكمته وجلاله جعل الروح والفرح في الرضا واليقين ، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط
يعني كل الأحزان إذا شككتَ برحمة الله ، بعدالتهِ ، بحِكمتهِ ، برحمتهِ بعطائهِ ، بقدرتهِ ، بعلمهِ .. مادام هُناك شك .. في أحزان لا تنتهي ، وفي سُخط .. دائماً ساخط ،
من صفات الكافر أنهُ يتسخّط كُلَ شيء .. كُل شيء لا يُعجِبهُ .. كُل شيء ينتقدهُ .. لا يرى يدَ الله عزّ وجل .. تفعلُ ما تُريد ، لا يرى حِكمة الله عزّ وجل ،
لكن الرِضا حال قلبي ليسَ عملاً إرادياً فالعلماء قالوا: من لم يقدر على الرِضا ظَفِرَ باليقين ، لم يرض لكنه موقن أنَّ هذا العمل نتائجهُ لصالِحه ، وإن لم يظفر باليقين فعليه بالصبر ..
إمّا أن ترضى ، وإما أن توقن ، وإما أن تصبر ، إن ظَفِرتَ بالرِضا فهذه مرتبةٌ جيدة وإن لم تظفر بها فعليكَ باليقين بأنَّ النتائج لِصالِحك لقول الله عزّ وجل :
قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ
(128)
(سورة الأعراف)
و إن لم تظفر باليقين فعليكَ بالصبر :
وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ
(127)
(سورة النحل)
* الآن التسليم لله عزّ وجل .. قال : هُناكَ تسليمان : تسليمٌ لأمرِهِ التكليفي ، وتسليمٌ لأمرهِ التكويني ...
كُلما اعترضتَ على أمرٍ تكليفي من عِبادةٍ أو معاملة أو خُلُقٍ فأنتَ لا تعرِفُ الله عزّ وجل ، فعلامة المؤمن أن يُسلّم لأمر الله التكليفي لذلك ربنا عزّ وجل قال :
فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا
(65)
(سورة النساء)
تحكيمُ النبي عليه الصلاة والسلام هو تحكيمُ الشرع وبعدَ موت النبي عليه الصلاة والسلام كيفَ تحكيمهُ أن تعودَ إلى سُنّتهِ ، إذا عُدتَ إلى رأيهِ في حياتهِ فرأيُهُ سُنّة ،
وإذا عُدتَ إلى سُنتهُ بعدَ مماتهِ فقد حكّمتهُ " فلا وربك لا يؤمنون حتى يُحكموكَ فيما شجرَ بينهم " ، الإنسان حينما يرضى بالتحكيم فقد وثقَ بالمُحكّم ،
هذه مرتبة .
المرتبة الثانية : " ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت " يعني .. أنتَ قَبِلت لكن مع القبول قلق ،
كيفما حكم فأنتَ راضٍ " ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت "وبعدَ أن يحكُم " و يُسلّموا تسليماً " .
* يوجد صحابي جليل احترق لأنهُ لمّا النبي الكريم نهى عن قتل عمهُ العباس قالَ في نفسهِ يأمُرنا ألا نقتلَ عمهُ ونحنُ نقتلُ آباءنا وإخواننا
فسّرَ التوجيه تفسيراً آخر .. تفسيراً عصبياً .
عمهُ لا نقتلهُ له أمّا نحن آباؤنا يقتلون لا بأس .. هوَ عمهُ كان قد أسلمَ من قبل غزوة بدر ، والنبي الكريم صلى الله عليه و سلم إذا قال إن عمي قد أسلم فَقَدَ مهمتهُ الخطيرة في مكة كان يُقدّمُ للنبي أخباراً دقيقةً عن ما تُجمِعُ عليه قريش ،
فلو أعلنَ أنَّ عمهُ قد أسلم انتهى دورهُ ، ولو لم يأمر أصحابهُ ألا يقتلوه يقتلونه في الحال ، ولو لم يشترك عمهُ في الحرب لَشُكَ في ولائهِ لقُريش ، إذا لم يشترك بالحرب عمه مُشكلة وإذا قال النبي أنَّ عمي أسلم مُشكلة ، وإذا قال اقتلوه مشكلة ،
أليسَ لكَ ثِقة بالنبي أنهُ حكيم وليسَ مُتعصبّاً لا لأهلِهِ ولا لأعمامهِ .
هذا الصحابي قال : أيأمُرنا ألا نقتلَ عمهُ ونحنُ نقتلُ آباءنا وإخواننا .. فسّرها تفسيراً آخر .. قال : بقيت عشر سنوات وأنا أتصدق وأُصلي لعلَ اللهَ يغفِرُ لي .. هذا الظن السيئ ..
" فلا وربك لا يؤمنون حتى يُحكموكَ فيما شجرَ بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويُسلّموا تسليماً "
يجب أن تستسلم لأمر الله التشريعي ، آمركَ بأوامر كثيرة وعليك الطاعة ...
ما دام في اعتراض وعدم قبول لأمر الله عزّ وجل التكليفي التشريعي فهُناك خلل في الإيمان .
قال النوع الثاني : التسليمُ لأمر الله التكويني ..
يعني هذا الإنسان لم يأته أولاد جاءتهُ زوجة سيئة جداً ، هكذا شاء القدر دخلهُ قليلٌ جداً ، لهُ ابن فيهِ عاهةٌ منذُ الولادة ، .. هكذا الله يُريد .. ألستَ واثِقاً من حِكمته ، من رحمته ، من عِلمه ، من عدالته ؟
قال هذا هو الرِضاءِ بالقضاءِ والقدر .
في نقطة مهمة جداً في القضاء والقدر ، قضاء ليسَ لكَ أن ترفضهُ ، و قضاء يجبُ أن ترفضهُ .. كيف ؟
إن شاء الله يتبع ...
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
26-12-2009, 02:18 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,
بسم الله الرحمن الرحيم
نتابع إخواني و أخواتي مع :
في نقطة مهمة جداً في القضاء والقدر ، قضاء ليسَ لكَ أن ترفضهُ ، و قضاء يجبُ أن ترفضهُ .. كيف ؟
ما كُلُ قضاءٍ وقدر يُستسلمُ لهُ ، الابن ساخن حرارته 40 " قضاء وقدر " ألا تُعالجهُ ليس قضاءً وقدراً ، في قضاء يجبُ أن تستسلمَ لهُ وفي قضاء ثانٍ يجبُ ألا تستسلمَ لهُ ..
في قضاء يجب أن تستسلم لهُ ، وفي قضاء يجب أن تُعالِجهُ .
لذلك قالوا : في قضاء وفي مقضيّ ، القضاء من الله مباشرةً أمّا المقضي عن طريق إنسان ..
أيام شخص يتجاوز حدوده أتستسلم لهُ أتُطمِّعهُ ؟ لكن إذا وقفت في وجهه ونيتُكَ أن توقِفهُ عِندَ حدهِ وأن تردعهُ عن مثلِ هذا العمل .. هذا عمل طيب .. فما كُل قضاء يُستسلمُ لهُ .
بل إنَّ علماء العقيدة فرقّوا بينَ القضاء والمقضيّ ، إنسان تجاوز الحد ، هو حينما فعلَ هذا بأمر الله لكن أنتَ عليكَ أن ترفضَ هذا العمل ، أن تؤدبهُ ، أن توقِفهُ عِندَ حدهِ ،
هُنا الفرق بين الفقيه و غير الفقيه .. اتركهُ .. هكذا يُريد .. هكذا الله يُريد ، .. لا .. هذا موقف ضعيف ..
أخي هذا قضاء وقدر ليسَ لهُ علاقة هو حينما فعلَ هذا بقضاء الله وقدرهِ ، لكن هذا لا يعني أن يُعفى من المسؤولية وإلا أصبحنا في فوضى .
فلذلك : هُناكَ أحكامٌ يؤمرُ الإنسانُ أن يستسلمَ لها ، وأحكام لابدَ من أن تُعالِجها كما أنَّ الله عزّ وجل أمرَ بذلك .
و بالعودة إلى موضوع التسليم الأساسي :
التسليم الذي أساسهُ الثِقة بالله عزّ وجل هو أن تتخلص من كُلِ شُبُهةٍ تُعارض الخبرَ الإلهي .
شيء يُحير فمعناها ما في تسليم لله عزّ وجل لم تُسلّم ،
مثال : أنتَ قرأت أنَّ الأرض كوكب في مراحل متأخرة جداً ابترد وصار أرضاً أما ربنا قال :
ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11)
(سورة فُصلّت)
الأرض مخلوقة قبل السماء .. هكذا ربنا عزّ وجل قال ، إذا في عِندكَ شُبُهات تعترض بها على إخبار الله عزّ وجل فالله عزّ وجل قال كلمة واحدة قال :
مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51)
(سورة الكهف)
ف عدمُ التسليم من عدمِ الثِقة .
أو في عندك شهوة مُصرّ عليها هذه الشهوة تُعارض بها أمراً إلهياً ، قال لكَ الله غُض بصركَ .. يا أخي هذا الزمان صعب ، أين نذهب بأعيننا ، يعني مستحيل ، يعني الله كلفكَ بشيء فوق طاقتكَ ،
الله قال :
لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ
(286)
(سورة البقرة)
فعدم الاستسلام سببهُ إمّا شُبُهة تُعارِضُ إخبار الله عزّ وجل ، و إمّا شهوة تُعارِضٌ أمره ،
و أنتَ بينَ شهوةٍ وشُبُهة ، الشُبُهة تمنعُكَ من أن تستسلم و عدم الاستسلام أساسهُ عدم الثِقة والشهوة تمنعُكَ من أن تستسلم وعدم الاستسلام أساسهُ عدم الثِقة ، أو إرادة تُعارض الإخلاص .
يتبع إن شاء الله تعالى .. و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
Barbie
26-12-2009, 06:05 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,
بسم الله الرحمن الرحيم
مع القسم الأخير من هذا الدرس :
تجد شخصاً أحياناً ليسَ عِندهُ إخلاص لله عزّ وجل يجعل الدين تجارة ، يجعل الدين شيئاً رخيصاً ، .. يبتغي بالدين عَرَضَ الدنيا
فالله عزّ وجل أمرهُ بالإخلاص وهوَ يُريد الدنيا من خلال الدين هذا إذاً لا يستسلم ،
وفي إنسان .. الله عزّ وجل يقول مثلاً :
إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ
(119)
(سورة هود)
يقول لكَ لا : الله خلقنا لُيعذبنا ، يا أخي لا راحة في الدنيا ، يعني الله كلامهُ غلط .. أنتَ لكَ رأي غير ما يقولهُ الله عزّ وجل ،
فإذا نجوتَ من شُبُهةٍ تُعارِضُ إخبارَ الله أو من شهوةٍ تُعارِضُ أمرَ الله أو من إرادةٍ تُعارِضُ الإخلاصَ لله أو من تفسيرٍ أو فلسفةٍ تُعارضُ ما جاءَ في كتاب الله .. إذا نجوتَ من كُلِّ ذلك فأنتَ ذو قلبٍ سليم ..
واسمع قولهُ تعالى :
يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ
(88)
إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ
(89)
(سورة الشعراء)
* القلبُ السليم : خلا من شُبُهةٍ وخلا من شهوةٍ وخلا من إرادةٍ خِلاف الإخلاص لله وخلا من عقيدةٍ أو تفسيرٍ أو رأيٍ خِلاف ما وردَ في كتاب الله .. إذ نجوت من كُلِ أُؤلئك فأنتَ ذو قلبٍ سليم وأنتَ الناجي بفضل الله عزّ وجل .
* العلماء قالوا : " إنَّ التسليم يكادُ يرقى بالإنسان إلى مرتبة الصديقيّة ، و مرتبةُ الصديقيّة أعلى مرتبةٍ بعدَ النبوة ،
النبوة .. الصديقيّة ".
مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ
(75)
(سورة المائدة)
سيدنا أبو بكر الصدّيق ، أعلى مرتبة في الإيمان مرتبةُ الصديّقية فإذا استسلمت إلى الله عزّ وجل ، فوضت واستسلمت ووثقت ، لا في شُبُهة ولا في شهوة ولا في إرادة غير مُخلِصة ولا في تفسير خِلاف ما جاء في القرآن ، نجا قلبُكَ من هذه الأمور الخمسة فأنتَ في مرتبة التسليم
و التسليمُ أساسهُ الثِقة والثِقةُ أساسُها معرفة الله ومعرفةُ الله هيَ كُلُ شيء و رضي الله عن سيدنا عليٍّ حينما قال : أصلُ الدينِ معرِفتهُ
يعني .. بينَ الذي يعرف والذي لا يعرف بونٌ شاسع ،
مرة كنت حاضراً في مكان توفي صاحب البيت فذهبنا إلى مواساة أهلهُ .. دخلَ أخوه وسبَّ الدين لماذا مات أخي .. هذا لو كان يحضر مجالس عِلم لو كان يعرف الله عزّ جل ، فيعرف الأجل ، يعرف ما عِندَ الله بعدَ الموت ... جاهل .. جاهل جهلاً فاضحاً وقذراً .. جهلاً بشعاً .. قال : لماذا مات أخي ... واحد توفيت زوجتهُ عمرها 60 سنة ولها أُخت عمرها 90سنة فقال : لو ماتت تلك ...
هذا جهل .
فلذلك : الإنسان كُلما نما عقلهُ ونما إيمانهُ قلَّ كلامهُ ، لَزِمَ الصمت وسبّحَ الله وحَمِدَ اللهَ على كُلِ شيء .
انتهى ... و نكمل الموضوع إن شاء الله تعالى مع درس جديد.
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
Barbie
30-12-2009, 04:45 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أيها الإخوة و الأخوات : مع الدرس 23 من مستلزمات العبودية :
تعظيم حرمات الله عز وجل وتعظيم شعائره .
آية تعد أصلاً في هذا الباب ، ألا وهي قوله تعالى :
مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا
(13)
وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا
(14)
(سورة نوح)
فالإيمان بالله شيء ، وتوقيره شيء آخر ، حينما قال الله عز وجل : ] إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ [ ، فالتركيز والإضاءة والخط تحت كلمة عظيم ، لأن معظم الكائنات من دون استثناء يؤمنون بالله ،
حتى إن إبليس قال :
قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ
(76)
قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ
(79)
(سورة ص)
فالإيمان بوجود الله قاسم مشترك بين معظم الخلق ، ولا يعد هذا الإيمان إيمان منجياً ، لكن الإيمان بالله العظيم حينما تعظمه ، وتوقره ، وتراه عظيماً ، عندئذ تستقيم على أمره ، ويبدو أن الطاعة مرتبطة بالتعظيم .
* قال الإمام مجاهد : " ما لكم لا تبالون لله عظمة " ، وقال ابن عباس : " ما لكم لا تعلمون لله عظمة " ،
وفي رواية : " ما لكم لا تعظمون الله حق تعظيم " ،
وقال ابن زيــد : " ما لكم لا ترجون لله وقاراً " ، الوقار هو الطاعة ، " ما لكم لا تخافون عظمة الله عز وجل ".
أيها الإخوة : دائماً الطاعة مقترنة بالتعظيم ، ... أنت تطيعه بقدر ما تعظمه ، و تعصيه بقدر ما يقلّ تعظيمك له ، فمن لوازم العبودية لله عز وجل طاعته ، وتعظيمه كي تطيعه .
* يقول عليه الصلاة والسلام : (( إن لله تعالى أقواماً يختصهم بالنعم لمنافع العباد ، ويقرها فيهم ما بذلوها ، فإذا منعوها نزعها منهم ، فحولها إلى غيرهم )) ،
الآن هذه النعمة التي أكرمك الله بها ينبغي أن تراها من فضل الله عليك ، فإذا رأيتها هكذا بذلتها ، و إن رأيتها بجهدك بخلت بها .
فيا أيها الإخوة : من لوازم تعظيم الله عز وجل تعظيم نعمه ،
الزوجة نعمة ، فمن كفر بها حرم منها ، والزوج نعمة ، فإذا كفرت الزوجة هذه النعمة حرمت هذه النعمة ، وأن تكون معافى في جسمك هذه نعمة ، كان عليه الصلاة والسلام إذا استيقظ يقول : (( الحمد لله الذي عافاني في بدني )) ، أن تتمتع بسمعك ، وبصرك ، وحركتك ، وذاكرتك ، وقوتك ، وتخدم نفسك بنفسك ، هذه نعمة لا تعدلها نعمة .
من لوازم تعظيم الله عز وجل تعظيم ما حباك الله به ، و من نتائج تعظيم ما حباك الله به أن تبذله للناس ، لا أن تستأثر به ، وتنفرد به .
* عَنْ عَمْرِو ابْنِ الْحَمِقِ الْخُزَاعِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ . قِيلَ : وَمَا اسْتَعْمَلَهُ ؟ قَالَ : يُفْتَحُ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ بَيْنَ يَدَيْ مَوْتِهِ حَتَّى يَرْضَى عَنْهُ مَنْ حَوْلَهُ )) .
(مسند الإمام أحمد)
دائماً وأبدا أقول : إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما استعملك ، إذا أحب الله عبداً استعمله في خير ، وجعل حوائج الناس إليه ، وفتح على يديه باب الأعمال الصالحة ، واستعمله ، أي جعله أداة خير للناس ، .. منّ الله عليه بعمل صالح ، بدعوة ، بتعليم ، ببناء مشفى ، أو ميتم ، أو مسجد ، أو بإدارة دعوة ناجحة لله عز وجل ، ...
في حديث آخر من طريق آخر : (( إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله ، قيل : كيف يستعمله ؟ قال : يوفقه لعمل صالح قبل الموت ، ثم يقبضه عليه )) .
يتبع إن شاء الله تعالى ... و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
Barbie
02-01-2010, 12:50 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,
بسم الله الرحمن الرحيم
المؤمن يعظم النعمة ، لأنها من الله ، يشكرها ، ويبذلها ، المؤمن يعظم العمل الصالح ، يقبل عليه لأنه قربة إلى الله ،
يعظم الله ، ويعظم نعمه و أوامره ويعظم الأعمال التي تقرب منه ،
*** سيدنا موسى بعد أن سقى للفتاتين قال :
فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ
(24)
(سورة القصص)
لذلك العلماء استنتجوا أن الغنى الحقيقي غنى العمل الصالح ، و أن الفقر الحقيقي فقر العمل الصالح .
الله عز وجل هدى على يد إنسان مئات الأشخاص ، هذا أكبر غني في الأرض ، والذي يملك ألوف الملايين ، و لم يقدم لله عملاً صالحاً واحداً هذا أفقر خلق الله ،
فمن وسائل التعظيم كما يقول الله عز و جل :
قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ
(46)
(سورة سبأ)
التفكر في خلق السماوات والأرض .
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الأَلْبَابِ
(190)
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
(191)
(سورة آل عمران)
من باب تعظيم الله عز وجل وتوقيره التفكر في آياته ،
المؤمن ما الذي يملأ قلبه ? ، قرأت بحثاً عن النملة والنحلة والمجرات شيء لا يصدق ، خلق الله يملأ ساحة نفسي ،
الأنبياء والصديقون والعلماء الكبار ملأت نفوسهم عظمة الله عز وجل ،
و يقول تعالى :
ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ
(32)
(سورة الحج)
نسأل الله عز و جل أن يجعلنا ممن يخافه و يعظمه و يعمل لرضاه دائما ً و أبدا ً .
هنا ينتهي هذا الدرس ... و في الدرس القادم إن شاء الله سنتحدث عن فكرة ثانية , (( من مستلزمات العبودية (2) ... )) .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
03-01-2010, 02:59 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,
بسم الله الرحمن الرحيم
مع الدرس الرابع و العشرين : (( من مستلزمات العبودية (2) )) : الخوف من الله .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد .
أيها الإخوة و الأخوات ... ،هناك لوازم إيمان سلوكية أن تكون مستقيماً ، ملتزماً ، عند الأمر وعند النهي ، أن يراك حيث أمرك ، ويفتقدك حيث نهاك ،
لكن من اللوازم الشعورية أن تشعر بالخوف من الله ، وأن تشعر بالحب له ، وأن تشعر بالتعظيم ،
لذلك ورد في بعض الآثار القدسية : (( أن يا رب أي عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك ؟ قال : أحب عبادي إلي تقي القلب نقي اليدين لا يأتي إلى أحد بسوء ، أحبني وأحب من أحبني وحببني إلى خلقي ، قال : يا رب إنك تعلم أني أحبك وأحب من يحبك فكيف أحببك إلى خلقك ؟ قال : ذكرهم بآلائي ونعمائي وبلائي)) .
كأن شرح الحديث : ذكرهم بآلائي كي يعظموني ، وذكرهم بنعمائي كي يحبوني ، وذكرهم ببلائي كي يخافوني ، فمن علامة الإيمان أن تشعر بالخوف من الله ، لأن الله عز وجل يقول :
إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ
(12)
( سورة البروج )
إذا أخذ أدهش !
وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ
(40)
(سورة البقرة)
وحينما يتقدم المفعول على الفعل فهو صيغة قصر ، أي ارهبوني وحدي ، وإياي فارهبون ، وفي آية ثالثة :
فلا تَخَافُوهُم ْ و َ خَافُون ِ
(سورة آل عمران)
علامة الغافل أنه يخاف مما سوى الله ، و علامة اليقظ المؤمن أنه لا يخشى إلا الله ، وحينما يصف الله المؤمنين فيقول :
إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ
(57)
(سورة المؤمنون)
وفي آية اخرى :
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27)
(سورة الصافات)
قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26)
(سورة الطور)
علامة المؤمن الذي يستحق الجنة أنه خائف في الدنيا ،
فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ
(27)
إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28)
(سورة الطور)
وفي آية أخيرة :
فَلا تَخْشَوهُم ْ و َ اخْشَونِى
(سورة البقرة)
ينبغي أن تشعر إذا كنت مؤمناً حقاً أن تخاف من الله ، بل إن رأس الحكمة مخافة الله ،
والإمام الحس البصري يقول : إن المؤمن جمع إحساناً وشفقة ، وإن المنافق جمع إساءة وأمناً ، سبحان الله !
المستقيم المحسن خائف ، والمسيء المتفلت مطمئن ، لكنها طمأنينة الجهل والغباء والسذاجة ، حينما وصف الله عباده المؤمنين :
و َ الَّذِين َ يُؤْتُون َ مَا ءَاتَواْ وَّ قُلُوبُهُم ْ وَ جِلَة ٌ
آتوا أي أعطوا ، أتوا بمعصية أو بذنب .
أخرج الإمام أحمد في المسند عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ :
(( يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ( الَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ) يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ الَّذِي يَسْرِقُ وَيَزْنِي وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ وَهُوَ يَخَافُ اللَّهَ
قَالَ لَا يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُ الَّذِي يُصَلِّي وَيَصُومُ وَيَتَصَدَّقُ وَهُوَ يُخَافُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ )) .
(مسند الإمام أحمد)
علامة المؤمن ، وأنت في طاعتك ، وفي استقامتك ، وأنت تعطي ، وتضحي ، وتلتزم وتنفق ، أنت خائف لعلو مقام الألوهية عندك ، خائف ألا يقبل منك ذلك ،
هذا المعنى قاله النبي عليه الصلاة والسلام ، و الوجل والخوف والخشية والرهبة ألفاظاً منتقاة ، و ليس مترادفة ، ونحن في صدد بيان الفروق الدقيقة بين هذه الألفاظ .
لكن إن شاء الله في القسم الثاني من درسنا هذا .
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
Barbie
04-01-2010, 03:40 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,
بسم الله الرحمن الرحيم
نكمل من حيث توقفنا في المرة السابقة , لنتعرف الفرق بين الخوف و الخشية من الله تعالى :
قال بعض العلماء : الخوف اضطراب القلب ، وحركته من تذكر المخوف الذي تخاف منه ،
كيف سيدنا عمر حينما كان في المدينة يتفقد أحوال رعيته رأى قافلة في ظاهر المدينة ، ومعه عبد الرحمن بن عوف ، قال : تعال يا عبد الرحمن نحرس هذه القافلة ، سمع سيدنا عمر بكاء طفل ، وقال لأمه : أرضعيه ، أرضعته ، ثم بكى ، قال : أرضعيه ، أرضعته ، ثم بكى ، فغضب ، قال : أرضعيه ، لعله قالها بقسوة ، عندئذ غضبت الأم ، وقالت له : وما شأنك بنا إنني أفطمه ؟ فقال عمر : ولم ؟ قالت له : لأن عمر - ولا تعلم أنه عمر - لا يعطينا العطاء ، إلا بعد الفطام ،
فيقال : إنه ضرب جبهته ، وقال : ويلك يا ابن الخطاب كم قتلت من أطفال المؤمنين ، وقيل : إنه ذهب إلى صلاة الفجر من شدة بكائه وخوفه من الله عز وجل لم يفهم الصحابة ، وقد صلوا ورائه صوته ، وكان يقول : يا رب هل قبلت توبتي فأهنئها ، أم رددتها فأعزيها ؟ لأنه اجتهد أن التعويض يعطى للمولود بعد الفطام ، ثم أمر أن كل مولود يستحق عطاءه عند الولادة ،
إذا لم يكن في بالقلب خوف إطلاقاً واللهِ هناك خلل كبير في الإيمان ، وهناك مشكلة .
* أيها الإخوة : يقول بعض العلماء : الناس على الطريق ما لم يزل عنهم الخوف ، مادمت خائفًا فأنت على طريق الله على صراط مستقيم ، كأن الخوف يحميك من أن تزل قدمك عن الطريق المستقيم ،
وقال بعض العلماء : ما فارق الخوف قلوبنا إلا كربت قلوبنا ، و ينبغي للقلب أن يغلب عليه الخوف ، فإن غلب عليه الرجاء فسد .
شخص يغلب عليه الرجاء ، لا تدقق ، الله غفور رحيم ، الله لن يحاسبنا ، هو علي قدير ، نحن ضعفاء ، هذا يغلب عليه الرجاء ، لكن رجاء السذاجة ، والغباء ، والتقصير ، لكن بعض العلماء يقول : إن المؤمن يغلب عليه الخوف .
* لكن أيها الإخوة : لا يمكن أن يكون الخوف مقصوداً لذاته ، بالعكس الخوف وسيلة للبعد عن الحرام ، ليس العبرة أن تخاف بل أن يحملك على طاعة الله فقط ، أن يحجزك خوفك عن أن تعصي الله ، هذا الخوف المحمود ، ليس الخوف هدفاً بذاته ، بل هو وسيلة لذلك ، فما دام ليس هدفاً بذاته بالجنة فلا يوجد خوف .
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ
(30)
(سورة فصلت)
فالخوف في الدنيا وسيلة ، وليس هدفاً ، وظيفة الخوف أن يحجزك عن محارم الله فقط ، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ، اللهم اجعلنا نخشاك حتى كأن نراك ، وأسعدنا بلقياك ، اللهم بارك لنا في قضاءك وفي قدرك ، حتى لا نحب تعجيل ما أخرت ، وتأخير ما عجلت .
دعاء في أعلى درجة من الدقة ! إذا آمنت بالقدر خيره وشره من الله تعالى ، وأن كل شيء وقع أراده الله ، وأن كل شيء أراده الله وقع ، وأن إرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، وأن حكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق ، لا تستعجل شيئاً آخره الله ، ولا تستبطئ عجل الله به .
لكل شيء حقيقة ، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، أنت حينما تؤمن بعلم الله المطلق ، وبحكمته المطلقة ، وبرحمته المطلقة لا تتمنى تأخير ما عجل ، ولا تعجيل ما أخر ، هذا هو الإيمان الصحيح .
إخواننا الكرام : الخوف للمؤمنين ، و الخشية للعلماء ، وأي واحد عرف الله على علم بالله ، أنا لا أقصد العلماء الذين يعملون في الدعوة ، لكن يوجد عابد ، ويوجد عالم ، العابد يخاف الله ، لكن العالم الذي بنى إيمانه على بحث ، ودرس ، وتدقيق ، وتمحيص ، ودقة ، وأدلة ، فهذا الذي انتقل من العبادة إلى العلم هذا مرتبته أعلى من مرتبة الخوف ، هذا في خشية الله ،
العابد يخاف الله لكن العالم الذي طلب العلم الشرعي ، ومعه الأدلة القوية ، ومعه علم بالله هو يخشاه ، الدليل :
إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء
(28)
(سورة فاطر)
و للحديث تتمة بإذن الله تعالى .
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
Nader 3:16
04-01-2010, 06:42 PM
ليس الخوف هدفاً بذاته ، بل هو وسيلة لذلك
صراحة عجبني هالتعبير و اقتنعت به...!
بارك الله بك
ومتل ما بقول الامام ابن القيم انو جناحين العبادة الخوف و الرجاء.!
Barbie
06-01-2010, 03:06 PM
و بكم بارك الله .
Barbie
06-01-2010, 03:45 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,
بسم الله الرحمن الرحيم
المؤمنون في خوف مستمر من الله العظيم أن تزل أقدامهم في هذه الدنيا ، من وقوع في معصية ، أو اجتراح اثم ، أو فاحشة ، أو كسب حرام ،
لكن في آخر الزمان : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ مَا يُبَالِي الرَّجُلُ مِنْ أَيْنَ أَصَابَ الْمَالَ مِنْ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ )) .
(سنن النسائي)
* الإنسان أحياناً حينما تصعب عليه قيادة نفسه وتغلبه نفسه هناك وصفة نبوية : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ يَعْنِي الْمَوْتَ )) .
(سنن الترمذي)
بالموت فإنه لم يذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه الله عليه ، و لا ذكره أحد في سعة إلا ضيقها عليه .
الحقيقة مفارقة رائعة ، المحروم إذا تذكر الموت تذكر الجنة ، والغني المنحرف إذا تذكر الموت تذكر الفقر ، لأن العملة المتداولة يوم القيامة هي العمل الصالح ، فالفقر يوم القيامة فقر العمل الصالح ، والغنى غنى العمل الصالح .
* مما يدل على أن الصحابة الكرام كانوا في أعلى درجات الخوف سيدنا عمر حينما قرأ قوله تعالى : " إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ " بكى ، واشتد بكاؤه حتى مرض ، وعاده أصحابه ،
وقال لابنه : ويحك يا بني ، ضع خدي على الأرض عسى الله أن يرحمني ، ثم قال : ويل أمي إن لم يغفر الله لي ، ثلاثاً ، ثم قضى ، ثم أسلم روحه لله عز وجل ،
قال له ابن عباس وهو في هذه الحالة : يا أمير المؤمنين ، لقد نصّر الله بك الأنصار ، فتحت البلاد ، وفتح بك الفتوح ، وفعل ، وفعل معك ، فقال : وددت أني أنجو ، لا أجر ولا وزر ،
هل هذا الخوف مصطنع للاستهلاك أم هو خوف حقيقي ؟
نحن هل نخاف هذا الخوف ؟ ما لنا عمل ، ولا واحد بالمليار من أعمال عمر ، ولا نخاف هذا الخوف ، العلة فينا أم فيه ؟ العلة فينا ، عندنا خلل ، علامة صحة إيمانك خوفك من الله عز وجل
وفي رواية : لو تعلمون ما أنتم عليه بعد الموت ما أكلتم طعاماً عن لذة ، قال بعض العلماء : صاحب الخوف يهرب إلى الإمساك والزهد ، و صاحب الخشية يلتجئ إلى الله بالاعتصام بالعلم ،
لكنني أطمئنكم أن الله أجل ، وأعظم ، و أكرم من أن يجمع على عبد خوفين أو أمنين ، إن خاف الله في الدنيا أمنه يوم القيامة ، و إن أمنه في الدنيا أخافه يوم القيامة ، فاختر أيهما تريد ؟ الهيبة خوف مع التعظيم .
* ورد أنه ما من أحد رأى النبي إلا هابه خوف مع التعظيم ، ولا عامله إلا أحبه ، الإجلال خوف وتعظيم وحب ،
قاعدة : إنك قد تحب ، ولا تعظم ، أو تعظم ولا تحب ، قد تحب إنساناً بسيطاً ساذجاً ، لكنه قد أحسن إليك ، وقد تبغض إنساناً عظيماً قوياً ، لكنه قد أساء إليك ، فقد تعظم ولا تحب ، وقد تحب ولا تعظم ، لكن الله تحبه ، وتعظمه ،
وهذا معنى :
تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ
(78)
(سورة الرحمن)
بقدر ما تحبه بقدر ما تعظمه ، نحن في هذا العصر يوجد مفارقة ، قد تعامل مؤمنًا معلوماته بسيطة جداً ، وساذجًا ، لكنه طيب ، لا يغش ، سليم الصدر ، تحبه ، لكن ليس في نظرك كبيرًا ، وقد تعامل إنسانًا ذكيًا جداً ، لكنك لا تحبه ،
أما الشخص الآن الذي يمكن أن يكون سببًا في هداية الخلق يجب أن يكون على أعلى درجة من العلم والفهم ، وعلى أعلى درجة من الورع والتقى ،
أن يحبك الناس كما يحترموك ، أو أن يحترموك كما يحبونك ، هذا من فضل الله عليك ، و لا يستطيع إنسان الآن أن يؤثر بالآخرين إلا بهاتين الصفتين مجتمعتين ، على علم وعلى خلق ، خلق بلا علم لا يكفي ، وعلم بلا خلق لا يكفي ، الإشفاق خوف معه رقة وحرص .
يتبع بإذن الله عز و جل . و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
Barbie
08-01-2010, 01:53 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول بعض العلماء : الخشوع قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع ، والذل والاجتماع عليه ، وفي معنى آخر : الخشوع هو الانقياد .
نحن قلنا : الخوف للمؤمنين والخشوع لطلاب العلم ، أنت على علم بالله ، معك أدلة ، تعرف طرفاً من كماله ومنهجه ، ينبغي أن تخشاه ، و الخشية فوق الخوف .
* الجنيد يقول : الخشوع تذلل القلوب لعلام الغيوب .
* بعضهم يقول : حسن أدب الظاهر عنوان أدب الباطن ، بالظاهر يوجد أدب معنى بالداخل يوجد أدب ، إذا بالظاهر لا يوجد أدب ، بالداخل لا يوجد أدب .
>>> دخل على عالم جليل شاب متحذلق يتباهى قال له : يا بني نحن على أدبك أحوج منا إلى علمك .
والنبي عليه الصلاة والسالم حينما أثنى الله عليه أثنى على خلقه ، لذلك حينما كان الصحابة يعجبون من خلقه يقول : أدبني ربي فأحسن تأديبي ، و ما من موقف يملأ الناس سعادة كأن تكون أخلاقياً .
** سيدنا حذيفة يقول : إياكم وخشوع النفاق فقيل له : وما خشوع النفاق ؟ قال : أن ترى الجسد خاشعاً ، والقلب ليس بخاشع .
فخشوع النفاق هدفه أن ينصب ، يتمثل بالخشوع ، أول ما تفقدون من دينكم الخشوع في الصلاة ، .... ، وآخر شيء تفقدونه الصلاة ، لا يصلي إلا بالمناسبات ، ... ورب مصلٍّ لا خير فيه ، ويوشك أن تدخل مسجد الجماعة فلا ترى فيهم خاشعاً .
لما قال الله عز وجل :
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
)16(
(سورة الحديد)
و عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ : ((مَا كَانَ بَيْنَ إِسْلَامِنَا وَبَيْنَ أَنْ عَاتَبَنَا اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ) إِلَّا أَرْبَعُ سِنِينَ)) .
(صحيح مسلم)
نحن مضى على هذه البعثة ألف وأربع مئة عام وزيادة .
ويقول ابن عباس : إن الله استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن ، وقال الحسن : إن الله استبطأهم وهم أحب خلقه إليه .
فالعبرة أن ترجو الله ، وتخافه في وقت واحد ، الرجاء المستمر خلل بالإيمان ، والخوف المستمر خلل بالإيمان ، ينبغي أن تعبده رغبة ورهبة ، و أن ترجوه وتخافه .
*** بعضهم يقول كلامًا رائعًا : العارف بالله لا يرى له على أحد حقاً ، ولا يشهد له على غيره فضلاً ، لذلك لا يعاتب ، ولا يضارب ، ولا يطالب ، ...
>> سيدنا عمر رأى رجلاً يطئطئ رقبته في الصلاة ، تجد شخصًا ينحني انحناء زائدًا ، ويغمض عينه ، ويعصر جبينه ، ويشد على يده هذا خشوع ظاهر .
سيدنا عمر رأى شخصًا على خشوع كهذا الخشوع ، فقال له : يا صاحب الرقبة، ارفع رقبتك ليس الخشوع في الرقاب ، ولكن الخشوع في القلوب .
و كان سيدنا عمر يكره في الرجل أن يري من نفسه الخشوع أكثر مما في قلبه ، أحياناً الإنسان يعمل مظاهر أكبر مما في قلبه ، يا ابن آدم لا تدري أي النعمتين عليك أفضل نعمته فيما أعطاك ، أو نعمته فيما زوى عنك .
يتبع بإذن الله تعالى , و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
Barbie
11-01-2010, 06:04 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,
بسم الله الرحمن الرحيم
إخواني و أخواتي نبقى ضمن موضوع (( مستلزمات العبودية )) , و اليوم سنبدأ بدرس جديد إن شاء الله تعالى , الدرس 25 بعنوان المراقبة و الاستقامة .
* من لوازم الإيمان بالله وتوحيده أن تراقبه ، ومقام المراقبة مقام واضح جداً عند المؤمنين ، المراقبة أيها الإخوة الكرام في الحقيقة مقام كبير ، أن تراقب الله ،
بل إن النبي عليه الصلاة والسلام جعله أعلى مقام ، سماه مقام الإحسان ، (( أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك )) .
(مسلم عن عمر)
أيها الإخوة الكرام : يقول عليه الصلاة والسلام يخاطب أحد أصحابه ، وهو عبد الله بن عباس ،
فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ :
(( يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ ، احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ ، وَجَفَّتْ الصُّحُفُ )) .
[ الترمذي ، أحمد ]
أي أن الأمر كله بيد الله ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .
إذاً الشيء الأول : أن تراقب قلبك ، ...
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
((إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ)) .
[ البخاري ، مسلم ، الترمذي ، النسائي ، أبو داود ، ابن ماجه ، أحمد ، مالك ]
* هناك من المقصرين من يكون الله أهون الناظرين إليه ، يستحي من صديق ، يستحي من أستاذ ، يستحي من قريب محتم ، ولا يستحي من الله .
لذلك المراقبة درجات وأنواع ، لكن أبرزها أن تراقب قلبك ، هل يحب غير الله ؟ هل يعتمد على غير الله ؟ هل يرجو غير الله ؟ هل يخاف من غير الله ؟ هل يتوكل على غير الله ؟
مراقبة القلب ، ((احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ)) .
البند الثاني : مراقبة اللسان ، القلب ساكت ، هناك خواطر لا ترضي الله ، وهناك خواطر فيها معاص ، وخواطر فيها حقد ، وخواطر فيها حسد ، وخواطر بها تشفٍّ ، وخواطر فيها قيد ،
راقب قلبك ، إذا أحسنت مراقبة قلبك راقب لسانك ،
إِنَّ اللَّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء
[ سورة آل عمران : الآية 5]
* عَنْ بلالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيَّ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(( إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ )) .
[ الترمذي ، ابن ماجه ، أحمد ، مالك ]
و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ)).
[ متفق عليه ]
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((مَنْ صَمَتَ نَجَا)) .
و عن شقيق قال : لبى عبد الله رضي الله عنه على الصفا ثم قال : يا لسان قل خيراً تغنم ، اسكت تسلم من قبل أن تندم ، قالوا : يا أبا عبد الرحمن هذا شيء أنت تقوله أم سمعته ؟ قال : لا ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( أكثر خطايا ابن آدم في لسانه )) .
[رواه الطبراني بإسناد جيد على شرط مسلم ]
شيء آخر ، ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام : ((ليس شيء من الجسد إلا يشكو إلى الله اللسان على حدته)) .
[ورد في الأثر]
ف المراقبة الأولى : مراقبة القلب ، تعاهد قلبك ، أخوك أصابه خير، فتألمت ، هذا مؤشر خطير ، لو أنك تراقب قلبك لقلت : هذه صفات المنافقين ،
قال تعالى :
إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ [ سورة التوبة : الآية 50]
إذا أصاب أخاك خير فتألمت فهذه علامة النفاق ، وإن أصاب أخاك شر ففرحت فهذه علامة النفاق ، لو لم تفرح ارتحت ، ما تكلمت ولا كلمة ، لكنك ارتحت لهذا المصاب الذي ألمّ بأخيك ، فهذا علامة النفاق ،
هذه مراقبة القلب ، أن تراقب قلبك ، أن تحاسبه في حسد ، في غيرة ، في حقد ، في تشفٍّ ، في شرك ، في تعلق بغير الله ، في اعتماد على المال فقط ، اعتماد على صديق قوي فقط ،
والصحابة الكرام ومعهم خير الأنام ، وفي معركة فاصلة في حنين قالوا : لن نغلب من قلة ، اعتمدوا على عددهم فخذلهم الله عز وجل .
هذا القلب ، أما اللسان فينبغي أن تعدّ كلامك من عملك ،
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ : كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فَقَالَ :
(( رَأْسُ الْأَمْرِ الإسلام وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ ، ثُمَّ قَالَ : أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ؟ فَقُلْتُ لَهُ : بَلَى يَا رسول اللَّهِ ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ ثم قَالَ : كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا ، قُلْتُ : يَا نبي اللَّهِ ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فَقَالَ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِعَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ )) .
[ أحمد ، الترمذي ، النسائي ، ابن ماجه ]
* قالت عائشة عن صفية : إنها قصيرة يا رسول الله، قال : يا عائشة لقد قلت كلمة لو مزجت بمياه البحر لأفسدته .... ............ " قصيرة " .
[الترمذي]
و للحديث تتمة بإذن الله تعالى ,,,, و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
Barbie
13-01-2010, 04:35 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,
بسم الله الرحمن الرحيم
نكمل في موضوع المراقبة و الإستقامة :
* مراقبة الجوارح ، مراقبة العين ، قال تعالى :
يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُن ِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ
[ سورة غافر : الآية 19]
قال تعالى :
الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ
(218)
وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ
(219)
[ سورة الشعراء ]
لذلك أفضل إيمان أن تؤمن أن الله يراقبك ، وأنك تحت المراقبة ، وإن ربك لبالمرصاد .
أيها الإخوة الكرام : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ ، وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ )) .
[ متفق عليه ]
هذا بند ثالث : مراقبة الجوارح ، هل ينطق هذا اللسان بالباطل ؟ هل تنظر هذه العين إلى عورة ؟ هل تستمع هذه الأذن إلى أغنية ؟ مراقبة الجوارح ، هل تبطش هذه اليد ؟ هل تتحرك بالباطل ؟ هل تقودك رجلاك إلى مكان منكر ؟
مراقبة القلب أولاً ، ثم مراقبة اللسان ثانياً ، ثم مراقبة الجوارح ثالثاً .
* الآن مراقبة الخلق والسلوك والنفوس والمشاعر ، اتق الله حيثما كنت في إقامتك ، وفي سفرك ، اتق الله مع الناس ، وفي خلوتك ،
وأنا أبشر أن الذي لا يختلف بين خلوته وجلوته ، ولا بين إقامته وسفره ، ولا بين ما يعلن ويسر فهذه بشارة طيبة جداً ، ظاهرك كباطنك ، وباطنك كظاهرك ، سرك كعلانيتك ، وعلانيتك كسرك ، خلوتك كجلوتك ، وجلوتك كخلوتك ، سفرك كإقامتك ،
عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا ، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ )) .
[ أحمد ، الترمذي ، الدارمي ]
لا بد من ضبط شمولي ، أن تضبط قلبك ، أن تراقب قلبك ، وأن تراقب لسانك ، وأن تراقب جوارحك ، وأن تراقب كسب المال ،
لذلك قال عليه الصلاة والسلام : يأتي على الناس زمان لا يبالي الرجل من أين أصاب المال من حلال أو حرام ، وأطيب الكسب عمل الرجل بيده ، وكل بيع مبرور ، وإن أطيب الكسب كسب التجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا ، وإذا وعدوا لم يخلفوا ، وإذا ائتمنوا لم يخونوا ، وإذا اشتروا لم يذموا ، وإذا باعوا لم يطروا ، وإذا كان لهم لم يعسروا ، وإذا كان عليهم لم يمطلوا .
في بعض الأحاديث قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِنَّ التُّجَّارَ هُمْ الْفُجَّارُ ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَيْسَ قَدْ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ؟ قَالَ : بَلَى وَلَكِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ فَيَكْذِبُونَ وَيَحْلِفُونَ وَيَأْثَمُونَ )) .
[ أحمد ]
*** أضع بين أيديكم المجالات التي ينبغي أن نراقب الله فيها ، القلب مجال ، اللسان مجال، الجوارح ، سمع ، بصر ، يد ، رجل مجال ، كسب المال مجال ، الخلق والسلوك والمشاعر مجال .
* الآن مراقبة الله في القوة والعافية ،القوة ينبغي أن تكون في طاعة الله ، أحياناً مع القوة والشباب والوسامة والجمال والأناقة والغنى ينشأ حالة خطيرة وصفها النبي عليه الصلاة والسلام فقال : (( لو لم تذنبوا لخفت عليكم ما هو أكبر ، ما هو أكبر من الذنب قال العجبَ العجب)) .
أن تعتد بشكلك ، تعتد بطولك ، تعتد بوسامتك ، تعتد بأناقتك ، تعتد بنسبك ، تعتد بوظيفتك ، بمركزك ، بشهادتك ، بمكانتك ، تشعر أنك فوق الناس ، ... !!
سنتوقف هنا , و للحديث تتمة بإذن الله تعالى ...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
Barbie
15-01-2010, 03:18 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,
بسم الله الرحمن الرحيم
نتابع أيها الإخوة و الأخوات مع :
مراقبة الله عز وجل في الوقت ،
أنت وقت ، رأس مالك الوقت ، أثمن شيء تملكه هو الوقت ، ينبغي أن ينفق بترشيد ،
لذلك الآن في إدارة الوقت لا يعقل أن تستهلك استهلاكاً رخيصاً ،
عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبلاهُ وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ )) .
[ الترمذي ]
النبي عليه الصلاة والسلام أقسم الله بعمره الثمين قَالَ قال تعالى :
لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [ سورة الحجر : الآية 72]
* علماء الكبار تركوا مئات المؤلفات ، أما الناس بتفاهة ما بعدها تفاهة لا يعملون ولا يقدمون ، إلا أنه يستمع ، ويشاهد ، ويعلق ، وله موقف سلبي دائماً .
الأسئلة التي سوف تسألون عليها يوم القيامة ، عن علمك ماذا عملت به ، عن مالك من أين اكتسبته ، و فيم أنفقته ، عن عمرك فيم أفنيته ، عن شبابك فيم أبليته ؟
هذه المراقبة أيها الأخوة ، أما الاستقامة أيضاً فمن لوازم الإيمان بالله ، و من لوازم التوحيد الاستقامة .
أيها الإخوة الكرام : الاستقامة تشمل صحة فهم الدين ، .. خذ عن الذين استقاموا عقيدتهم وتصوراتهم ، خذ عن الذين استقاموا عقيدتهم و تصوراتهم ، خذ عن الذين استقاموا ، و لا تأخذ عن الذين مالوا .
* سيدنا أبو بكر قال : الاستقامة ألا تشرك بالله شيئاً .
* سيدنا عمر قال : الاستقامة أن تستقيم على الأمر و النهي ، ولا تروغ روغان الثعلب .
* سيدنا عثمان قال : استقاموا أخلصوا العمل لله .
* سيدنا علي قال : استقاموا ، أدوا الفرائض .
الاستقامة أيها الإخوة كلمة جامعة آخذة بمجامع الدين ، هي القيام بين يدي الله على حقيقة الصدق و الوفاء ، و الاستقامة فضلاً عن صحة العقيدة الثبات على الحق ،
أول مجال أن تأخذ عقيدتك عن الذين استقاموا ، أن تصح عقيدتك ، و الاستقامة أن تثبت على ما أنت عليه .
* عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ قُلْتُ : (( يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ غَيْرَكَ قَالَ قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ فَاسْتَقِمْ )) .
[ مسلم ، الترمذي ، ابن ماجه ، أحمد ، الدارمي ]
شيء آخر ، أنه مع الاستقامة لابد من المقاربة ، سددوا ، و قاربوا ، هذا رد على الغلو في الدين ، ورد على التشدد ، ورد على التطرف ، ورد على المبالغة ، سددوا و قاربوا.
* و من جوانب الاستقامة : الاستقامة في القول والعمل ، أول استقامة صحة العقيدة ، ثاني استقامة الثبات على هذا الدين والاستمرار ، وإن الله يحب من الأعمال أدومها ، وإن قلّ ، وكان عمله ديمة .
فيا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك .
و صل اللهم على سيدنا محمد و على آله و صحبة أجمعين .
بإذن الله يتبع , لنكمل ما تبقى لنا في موضوع الإستقامة .
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
Barbie
17-01-2010, 03:28 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,
بسم الله الرحمن الرحيم
المعنى الثالث : استقامة في القول و العمل .
الآن الاستقامة يمكن أن تكون في علاقتك مع الله ، و يمكن أن تكون في علاقتك مع العباد ،
مع العباد ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ )) .
[ البخاري ، مسلم ، الترمذي ، النسائي ، أبو داود ، ابن ماجه ، أحمد ، مالك ]
في رواية أخرى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ((إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا )) .
[ البخاري ، مسلم ، الترمذي ، النسائي ، أبو داود ، ابن ماجه ، أحمد ، مالك ، الدارمي ]
كما أمركم الله .
وفي رواية أخرى عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( لَا تَقَاطَعُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا ...)) .
[ البخاري ، مسلم ، الترمذي، أبو داود ، أحمد ، مالك ]
و يوجد رواية عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( لَا تَهَجَّرُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا )) .
[ البخاري ، مسلم ، الترمذي ، النسائي ، أبو داود ، ابن ماجه ، أحمد ، مالك ]
لذلك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاس )) .
[ مسلم ، الترمذي ، أبو داود ، ابن ماجه ، أحمد ]
أن ترد الحق ، و أن تظلم الناس ، هذا هو الكبر .
أيها الإخوة : المراقبة والاستقامة من لوازم الإيمان ، ....
العقيدة الصحيحة ليست أن تعلم ما ينبغي ، لكن العقيدة الصحيحة الكاملة أن تعلم ما ينبغي أن تعتقد ، و أن تكون على ما ينبغي أن تكون من استقامة ، و من توكل ، و من توحيد، و من مراقبة ، و من أعمال صالحة ،
دائماً اسأل نفسك أين أنا من صفات المؤمن الناجي ؟
* يقول عليه الصلاة و السلام : (( إنما العلم بالتعلم ، و إنما الكرم بالتكرم ، و إنما الحلم بالتحلم )) .
و روعة هذا الدرس أن ينقلب إلى سلوك ، إلى سمت حسن ، إلى صمت واع ، إلى نطق بذكر الله ، أمرت أن يكون صمتي فكراً ، و نطقي ذكراً ، و نظري عبرة .
أي لا يكون المسلم مسلماً إلا إذا كان متميزاً بأخلاقه ، و سمته ، و هيبته ، و سكونه .
>>>>
أخ كريم يسأل ما معنى أن يكون الإنسان لا تختلف جلوته عن خلوته ؟
الجلوة و أنت بين الناس ، و الخلوة و أنت وحدك ، فإذا إنسان بين الناس أتقن صلاته وحده لم يتقن صلاته إذاً يوجد نفاق ، إذا بين الناس غض بصره و إذا كان وحده بحلق بصره هذه مشكلة كبيرة معنى هذا يوجد نفاق ،
.. ، الذي تختلف جلوته عن خلوته يوجد علامة نفاق ، أما إذا كانت خلوتك كجلوتك و سرك كعلانيتك و ظاهرك كباطنك فهذا مظنة صلاح إن شاء الله .
*** يقول هل يحاسب المسلم على خواطره التي تخطر في نفسه ؟
أولاً لا يحاسب ، لكن يوجد كلمة قالها مرة طبيب أعجبتني ، كنت في أمريكا قال لي مرة طبيب هذا العمل كبير صغير ، صغير إذا لحقته و كبير إذا أهملته .
: : : خاطر كبير صغير إذا تابعته و قصمته لا يوجد مشكلة أبداً ، لا تحاسب إلا على العمل ،
أما خاطرة ، تابعت الخواطر أصبحت فكرة ، تابعت الخواطر أصبحت شهوة ، تابعت أصبحت همة ، تابعت أصبحت إرادة ، تابعت أصبحت عملاً ، تابعت أدمنت عليه :
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
[ سورة الحديد : الآية 16]
الخواطر كبيرة صغيرة إن تابعتها صغيرة ، إن أهملتها كبيرة .
انتهى ... و بإذن الله يتبع مع موضوع جديد ضمن سلسلة دروس ( مستلزمات العبودية ) .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
Barbie
06-05-2010, 01:21 AM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
إخواني و أخواتي , بإذن الله تعالى سنكمل هذا الموضوع , مع سلسة جديدة من الدروس .
سائلين الله سبحانه , أن ييسر لنا متابعتها و الإستفادة منها .
الدرس 26 , بعنوان :التفاؤل والتشاؤم .
مقتبس من ( ندوة تلفزيونية : موسوعة الأخلاق الإسلامية : التفاؤل والتشاؤم لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ).
بسم الله الرحمن الرحيم
...... بعد المقدمة ...
* سيدي الكريم نتمنى أن نتحدث اليوم وإياكم عن خلق التفاؤل ، وهل التفاؤل حسن
الظن بالله عز وجل ؟ ما تعريف هذا الخلق ؟ .
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا
محمد الصادق الوعد الأمين .
التفاؤل : هو حسن الظن بالله ، والتفاؤل توقع الخير ، والتفاؤل ألا تسمح للمصائب أن تأخذك إلى اليأس ، التفاؤل أن ترى ما عند الله ، وأن تكون واثقًا بما في يدي الله
أوثق منك بما في يديك ،
التفاؤل أن تكون غنيًا بالله ، التفاؤل أن تنقل اهتماماتك إلى الدار الآخرة ، فالدنيا عندئذ ٍلا تعنيك ، التفاؤل أن ترى الهدف البعيد ، فإذا حالت عقبات دونه وأنت مُصر عليه فأنت متفائل ،
والتفاؤل صفة العظماء ، والتفاؤل صفة المؤمنين ، والتفاؤل
صفة الذين عرفوا أن الأمر بيد الله ، صفة الموحدين ،
فالتفاؤل توقع الخير ، والتفاؤل حسن
الظن بالله ، والتفاؤل أن تكون محصنًا من أن يأخذك اليأس إلى مكان بعيد .
* قلتم أن التفاؤل من صفات المؤمنين ، أين أرشدنا القرآن الكريم إلى أن التفاؤل
من صفات المؤمنين ؟.
الدكتور راتب :
المؤمن متفائل حتمًا ، لأنه يعلم علم اليقين أن الأمر بيد الله ، وأن الله قوي .
(( ما شاء اللهُ كان ، وما لم يشأْ لم يكن )) .
[ أخرجه أبو داود عن بنت من بنات النبي ] .
وأن الله في أية لحظة بيده المعادلات كلها ، بيده موازين القوى، وأن الأمر يرجع إليه ، و ما أمرك الله أن تعبده إلا بعد أن طمأنك فقال :
وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
( سورة هود الآية : ١٢٣)
التفاؤل أساسه الإيمان ، أنت حينما تؤمن أن الله وحده هو القوي ، وأن أمره هو النافذ ، وأن :
﴿ لَه اْلَخَلْقُ واْلأَمر ُ﴾ .
( سورة الأعراف الآية : ٥٤)
﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ .
( سورة الزمر ) .
﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ﴾ .
( سورة الزخرف الآية : ٨٤)
﴿ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ﴾ .
( سورة الكهف ) .
ما دام الله عز وجل ، صاحب الأسماء الحسنى ، هو الرحيم ، هو العدل ، هو القوي ، هو الغني ، هو الحنان ، هو المعطي ، ما دام الأمر بيده الله عز وجل قال :
﴿ إِن ربَّي عَلى صراط ٍ مسَتقيم ٍ ﴾ .
( سورة هود ) .
ألزم ذاته العلية إلزامًا ذاتيًا في الاستقامة ، هو العدل ، وسعت رحمته كل شيء ، لا يمكن أن يجتمع إيمان بالله مع التشاؤم ، إيمان بالله مع اليأس ، إيمان بالله مع السوداوية ،
لذلك قال تعالى :
﴿ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ .
( سورة يوسف ) .
أي كأن التشاؤم من صفات الكفار ، وكأن التفاؤل من صفات المؤمنين .
مع هذه الفكرة و غيرها سنكمل هذا الدرس بإذن الله .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
06-05-2010, 11:59 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,
بسم الله الرحمن الرحيم
* التشاؤم من صفات الكفار والتفاؤل من صفات المؤمنين :
الإيمان بالله أثمر التفاؤل ، وعدم الإيمان به يؤدي إلى التشاؤم ،
إنسان لا يرى أن الله بيده كل شيء ، يرى قوى مخيفة ، طاغية ، معتدية ، حاقدة ، جبارة ، لا ترحم ، وأنه
ضعيف أمامها ، طبعًا تحصيل حاصل أن يكون متشائمًا ، تحصيل حاصل أن يسحق نفسيًا ،
أن يحس بالإحباط ، كل مشاعر الإحباط ، والخوف الشديد القاتل ، واليأس القاتل ، بسبب ضعف الإيمان .
مثلاً لا أعتقد أن هناك حالة أصعب من أن يكون عدوًا قويًا ، حاقداً ، ظالماً، متغطرسًا ، وراءك بكل قوته ، وأنت مع بعض الأشخاص قلة قليلة لا تملكون شيئًا ، والبحر
أمامكم .
قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ
)61(
قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ
(62)
( سورة الشعراء ) .
لا يعقل أن يكون النبي عليه الصلاة والسلام وهو في الغار ، وقد وصلوا إليه ،وقد وضعت مئة ناقة لمن يأتي به حيًا ، أو ميتًا ، وأن يبقى ثابتًا ، واثقًا من الله عز وجل ،
قال يا رسول الله ، في رواية : لقد رأونا ، وفي رواية :
(( لو أن أحدهم نظر إِلى َقدميه أبصرَنا تحت قدميه . فقال : يا أبا بكر ، ما ظنك
باثنين الله ثالثهما ؟ )) .
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أنس بن مالك ] .
طبعًا هذه صفات الأنبياء ، لكن لكل مؤمن من هذه الصفات نصيب بقدر إيمانه ،
فأنت حينما ترى أن الله سبحانه وتعالى حينما يقول :
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ
( سورة الجاثية ) .
هذه آية تملأ القلب تفاؤلاً ، أنت إنسان مستقيم ، وقاف عند حدود الله ، دخلك حلال ، بيتك إسلامي ، عملك إسلامي ، لا تعصي الله ، لا تكذب ،
لا تغش المسلمين ، لم تبن ِمجدك على أنقاضهم ، ولا حياتك على موتهم ، ولا غناك على فقرهم ، ولا أمنك على خوفهم ، ولا عزك على ذلهم ، إنسان تخشى الله ، لا بد لك من معاملة خاصة ، لا بد لك من أن تكون متميزًا عن بقية الناس .
* آيات من القرآن الكريم تثبت أن الإيمان والتوحيد يورثا التفاؤل :
لذلك الإيمان والتوحيد يورثا التفاؤل ، والشواهد كثيرة جدًا ،
هذه الآية أوضح آية:
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ .
أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لّا يَسْتَوُونَ
( سورة السجدة ) .
أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ )35(
مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ
(36)
( سورة القلم ) .
أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ
( سورة القصص ) .
... يتبع إن شاء الله تعالى .
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
07-05-2010, 11:50 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول تعالى :
قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
سورة التوبة الآية :51
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ
)30(
نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ
(31)
( سورة فصلت ) .
القرآن الكريم يملأ القلب تفاؤلاً :
فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى
)123(
( سورة طه ) .
وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
)47(
( سورة الروم ) .
وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)
( سورة الصافات ) .
إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ
( سورة غافر الآية : ٥١)
الآيات كثيرة جدًا :
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا
سورة النور الآية :٥٥
وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً
(41)
( سورة النساء ) .
هذه آيات في كتاب الله ، هذه وعود رب العالمين ، وزوال الكون أهون على الله
من ألا يحقق وعوده للمؤمنين.
*** المؤمن دائمًا متفائل و لا يسمح لشيء أن يسحقه أو يشلّ قدراته :
كيف لا يكون المؤمن متفائلا وقد يرى أن الله سبحانه وتعالى معه ؟
وَ أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِين َ
( سورة الأنفال ) .
أي الله معهم بالنصر ، والتأييد ، والحفظ ، والتوفيق ، هذه معية خاصة ، لذلك
المؤمن قطعًا متفائل ، و لا يسمح لمصيبة أن تسحقه ، و لا يسمح لمصيبة أن تأخذه إلى اليأس ،
و لا يسمح لمصيبة أن تشل قدراته ، و لا يسمح لمصيبة أن تجعله سوداويًا متشائمًا ،
لكن ضعف الإيمان يودي إلى التشاؤم ، ضعف الإيمان يودي إلى السوداوية ، واليأس .
* ضعف الإيمان يودي إلى السوداوية واليأس ، ولكن هل من الممكن لإنسان أصابه
شيء من اليأس ، أن يصل به يأسه إلى الكفر ؟ هل المسألة عكسية ؟ .
الدكتور راتب :
والله الإنسان مخير ، فإذا أصابته حالة سلبية عليه أن ينتبه لنفسه ، وأن يذكر ما عند الله من وعود ، وأن يتوب إلى الله من بعض الذنوب ،
التشاؤم حالة مؤلمة جدًا ، أحيانًا
هي عقاب من الله ، الإنسان حينما يعصي ربه ، أو حينما يقصر ، يشعر بالكآبة ، والكآبة توصله إلى التشاؤم ،
أو حينما لا يوحد ، حينما يرى آلهة في الأرض ، والآلهة مصالحها متناقضة ، ومتنافسة فيما بينها ، وهو ضاع بين هذه الآلهة المتوهمة طبعًا أما إذا وحد الله فالأمر بيد الله .
(( ما شاء اللهُ كان ، وما لم يشأْ لم يكن )) .
و كل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، وإرادة الله متعلقة بالحكمة
المطلقة ، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق .
إذًا الإنسان يتشاءم بقدر ضعف إيمانه ، و يتفاءل بقدر قوة إيمانه ، وكلما كان
الإيمان أقوى كان التفاؤل أقوى .
لذلك عظماء الأرض كانت أمامهم عقبات وعقبات ، يقول عليه الصلاة والسلام :
(( لقد أُخِفْت ُ في الله ما لم يُخَف ْ أَحد ٌ ، وأُوذيت في الله ما لم يؤذ َ أحد ، ولقد أتى عليَّ ثلاثون من يوم وليلة ، ومالي ولبلال طعام ٌ إِلا شيء يُواريه إِبط ُ بلال )) .
[ أخرجه الترمذي عن أنس رضي الله عنه ] .
ومع ذلك كان سيد أهل الأرض .
يتبع بإذن الله تعالى .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
Barbie
09-05-2010, 12:35 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,
بسم الله الرحمن الرحيم
*سيدي الكريم هل من مثال تطبيقي عملي على مسألة التفاؤل حتى نفهمه على
أرض الواقع بشكل أوضح ؟.
الدكتور راتب :
مثال تطبيقي عملي على مسألة التفاؤل :
كل أخوتنا يعلمون أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما هاجر وأفلت من يد قريش، وضعت مئة ناقة لمن يأتي به حيًا أو ميتًا ، كلمة مئة ناقة تعني شيئًا كبيرًا ، الناقة تساوي مبلغًا كبيرًا جدًا ، مئة ناقة ، ثروة طائلة ، لذلك تهافت الناس على التسابق لأخذ هذه الجائزة إذا جاؤوا بالنبي حيًا أو ميتًا ،
النتيجة أن إنسانًا اسمه سراقة طمع بالجائزة ، فركب فرسه ، وعدا إلى طريق الهجرة ، أدرك النبي ، لكن النبي كما تعلم متفائل ، وموقن بنصر الله عز وجل ، قال له كلمة نحن نرددها كثيرًا ، وقد لا نفهم معناها ، أو قد لا ننتبه إلى خلفياتها ، أو إلى مدلولاتها ، أو إلى أبعادها قال له : يا سراقة ! كيف بك إذا لبست سواري كسرى ؟
شيء لا يصدق ! إنسان مطارد ، مهدور دمه ، مئة ناقة لمن يأتي به حيًا أو ميتًا ، لسان حاله يقول : أنا سأصل آمنًا ، وسأؤسس دولة ، وسأحارب أقوى دولتين في العالم، الفرس والروم ، وسوف ينهزم الفرس ، وسوف تأتيني كنوز فارس ، وسوف تأتي إلى المدينة ، ويا سراقة لك سواري كسرى ،
هذا الذي وقع مستحيل ! .
كأن نخاطب دولة متفلتة ، في طرف الصحراء ، تعاني من مليون مشكلة ، نقول
لها : أنت سوف تحتلين البيت الأبيض ، هذه هي النسبية .
لذلك قال له : كيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى ؟ فكان عليه الصلاة
والسلام متفائلاً ، لكن تفاؤله حقيقي ، تفاؤل يعتمد على إيمانه .
*** التفاؤل من ثمار الإيمان والتشاؤم واليأس والسوداوية والإحباط من ثمار الشرك والمعصية :
و أنا أقول الآن بدافع من الإيمان : لا تستطيع جهة في الأرض مهما تكن قوية ، مهما تكن تملك الأسلحة الفتاكة ، والإعلام ، والاقتصاد ، لا يمكن للقطب الأوحد في الأرض أن يفسد على الله هدايته لخلقه ، مستحيل وألف ألف ألف مستحيل .
أنت أب وقوي ، وعالم ، وغني ، لك أولاد ، هدفك الأول أن يتعلم أولادك ، وأن
ينالوا شهادات عليا ، أحد هؤلاء الأولاد يمنع أخوته من الذهاب إلى الامتحان ، والأب ينظر
إليه ، ويراقبه ، والأمر بيد الأب ، وكل شيء بيده ، أيعقل هذا ؟! أيعقل أن يسمح لواحد من
أولاده أن يفسد على الأب خطته في تربية أولاده ؟! مستحيل .
لكن الله يسمح للأقوياء أن يهددوا ، ليمتحن إيمان المؤمنين ، يسمح للأقوياء أن
يعلنوا عن خططهم الجهنمية ليمتحن إيمان المؤمنين .
﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ .
( سورة آل عمران ) .
لذلك أنا مؤمن أن التفاؤل من خصائص المؤمنين ، بل إن التفاؤل من ثمار
الإيمان ، و إن التشاؤم واليأس والسوداوية والإحباط من ثمار الشرك أولا ً ، و المعصية ثانية .
يتبع بإذن الله تعالى .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
10-05-2010, 10:42 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,
بسم الله الرحمن الرحيم
* القصص في القرآن الكريم وقعت وأرادها الله أن تكون قانونًا وحافزًا لنا :
الدكتور راتب :
هناك شعور أنك حينما تتصل بالله ، ترى أن القوى بيديه ، وأن الله سبحانه وتعالى بيده الأمر .
إنسان وجد نفسه في بطن حوت ، هل هناك حالة أصعب من هذه الحالة ؟
فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ
(87)
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ
(88)
( سورة الأنبياء ) .
قلة قليلة وراءها جيش ضخم ، كثير العَدد ، والعدد ، له قيادة حاقدة ، وطاغية ،
وظالمة ، والبحر أمامنا ، الأمل صفر ، أعتقد أن مليون إنسان كانوا في مثل هذا الموقف
يوقنون بالهلاك ، يتشاءمون ، ييئسون :
قال َ أَصْحَاب ُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِن َّ مَعِي َ رَبَّي سَيَهْدِين ِ
فهذه القصص لنا ، هي وقعت وأرادها الله أن تكون قانونًا لنا ، و حافزًا إلينا .
* الآن ما الفرق بين التفاؤل ، والتشاؤم ؟ .
الدكتور راتب :
هناك خرافات كانت سائدة في العصر الجاهلي ، الإنسان إذا طار عن يساره طير يتشاءم ، يتوقع الهلاك ، والمصائب ، وإن طار الطير عن يمينه يتفاءل ، فالله عز وجل رد ّ
على هؤلاء ، وقال :
طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ
سورة يس الآية : ١٩
سبب تفاؤلك منك ، سبب تشاؤمك منك ، أي أنت حينما تستقيم ، وتؤدي الحقوق تفاءل ، لأن الله يعدك بالتوفيق ، وحين تبني مجدك على أنقاض الناس ، تأخذ ما ليس لك ،
تعتدي على أعراضهم ، يلقي الله في قلب هذا العاصي التشاؤم والخوف والقلق ،
فالتفاؤل والتشاؤم لا يأتي من جهة بعيدة عنك ، يأتي منك ، فأنا معي أسباب التفاؤل هي طاعتي لله ,ومعي أسباب التشاؤم هي التقصير والمعصية ، فكل إنسان يعصي الله يصاب بالكآبة أو ً لا ، ثم بالسوداوية ، والتشاؤم ، واليأس ، وهناك يأس خاطئ .
طبعًا نهاية اليأس الانتحار ، والمؤمن مستحيل وألف ألف مستحيل أن يقدم على
هذه المرحلة ، لأن الله موجود ، وقد يخلق الله من الضعف قوة ، ومن الجهل علمًا ، ومن
عدم الحكمة نجاحًا وتفوقًا ، والأمثلة كثيرة جدًا .
* عندما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفأل فعرفه بالكلمة الصالحة
يسمعها أحدكم ، كيف تكون الكلمة الصالحة من الفأل ؟.
إحساس الإنسان بالضعف يجعله يلجأ إلى الله عز وجل :
الدكتور راتب :
أي أنت حينما ترى مريضًا لا ينبغي أن تقول له : مرضك قاتل ولا علاج له ،
ينبغي أن تنفس له في الأجل ، أحيانًا الله عز وجل يمنح الشفاء الذاتي من دون أسباب علمية ،
هناك بحث في الطب اسمه الشفاء الذاتي ، آلاف الحالات ، مرض مستعص ، مرض عضال،
يأتي معه شفاء ذاتي .
فلذلك أخطر شيء في الحياة أن تهزم من الداخل ، أن تقع في اليأس ، فأحيانًا أنت ضعيف هذا سر قوتك ، إحساسك بالضعف يجعلك تلجأ إلى الله .
لذلك قالوا : الله عز وجل يستجيب لعباده إذا دعوه ، ولكن وفق شروط .
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ
( سورة البقرة ).
كأن الله سبحانه وتعالى وضع ثلاثة شروط ثلاثة لاستجابة الدعاء ، أن تؤمن ، وأن تستجيب ، وأن تكون في دعائك مخلصًا ،
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ _أي مخلصًا _ فَلْيَسْتَجِيبُواْ _ يطيعوني _ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ
لكن العلماء استثنوا إنسانين ، استثنوا المظلوم واستثنوا المضطر ، فالمظلوم
يستجيب الله له ، لا لأهليته بالدعاء ، ولكن بعدل الله ، والمضطر يستجيب الله له ، لا لأهليته
في الدعاء ، ولكن برحمة الله .
فالله عز وجل موجود ، وهو ينتظر دعاءنا ،
فقد قال الله عز وجل :
قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ . سورة الفرقان الآية : ٧.
يتبع إن شاء الله تعالى .
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
أشكر الأخت الفاضلة على هذه المواضيع القيمة المفيدة
بارك الله بكم و جزاكم كل خير
Barbie
11-05-2010, 11:08 PM
و بكم بارك الله .
Barbie
11-05-2010, 11:52 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,
بسم الله الرحمن الرحيم
* الدعاء علاج التشاؤم :
ماذا يعني الدعاء ؟ يعني الدعاء أنه مستحيل على الإنسان أن يدعو جهة ليس مؤمنًا بوجودها ، والا يعد مجنونًا ، فما دمت تقول : يا رب ، أنت موقن أن الله موجود ، وموقن أيضًا أن الله يسمعك ، وموقن أيضًا أن الله قادر على تلبية طلبك ، وموقن أيضًا أن الله يحب أن يلبك ، موقن بوجوده ، وسمعه ، وعلمه ، وقدرته ، ومحبته لك .
لذلك الذي يدعو الله مؤمن ، من لا يد عُني أغضب عليه ، إن الله يحب الملحين
في الدعاء ، إن الله يحب من عبده أن يسأله شسع نعله إذا انقطع ، إن الله يحب من عبده أن
يسأله حاجته كلها ، إن الله يحب من عبده أن يسأله ملح طعامه .
فالدعاء مرغوب عند الله عز وجل ، وما أمرك أن تدعو الله إلا ليستجيب لك ، وما أمرك أن تستغفره إلا ليغفر لك ، وما أمرك أن تتوب إليه إلا ليتوب عليك ، إذًا الدعاء هو الذي يخرج الإنسان من التشاؤم .
ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً
سورة الأعراف الآية :55
والله عز وجل يقول :
(( إذا قال العبد : يا رب وهو راكع ، قال الله له : لبيك يا عبدي ، فإذا قال : يا
رب وهو ساجد ، قال الله له : لبيك يا عبدي ، فإذا قال : يا رب وهو عاص ٍ قال الله له : لبيك ثم لبيك ثم لبيك )) .
[ ورد في الأثر القدسي ] .
إذًا مع الدعاء ليس هناك تشاؤمًا ، مع التوجه إلى الله ليس هناك تشاؤما ً ،
والتشاؤم علاجه الدعاء .
* التفاؤل هو حسن الظن بالله عز وجل ، فمن فوائد التفاؤل عند الله عز وجل لا
بد من هذا التفاؤل بثمرة وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما هي فوائد وثمرات
التفاؤل ؟.
الدكتور راتب :
الحقيقة التفاؤل حينما يأتي بعده استجابة للدعاء يقوي الإيمان ، والتفاؤل يهب الإنسان طاعة سيد الأنام ، النبي علمنا التفاؤل ، والتفاؤل يجعلك إنسانًا محببًا ،
هناك إنسان أينما جلس يخوف الناس من الحروب ، صار هذا الإنسان مربوطًا بالشر ، صار وجوده
ثقيلا ً ، هناك أشخاص سوداويون ، إذا جلس يعطيك الصورة القاتمة للمستقبل ، يعطيك ضعف
الأمل بإنجاز ما نعاني منه ،
المتفائل محبوب ، و المتفائل استجاب لقول النبي الكريم في محبته
للتفاؤل ، و المتفائل ازداد إيمانه قوة ، و المتفائل ازداد مكانة عند الناس .
* إذًا هل من فوائد الخُلق _خلق التفاؤل_ أنه يجلب السعادة إلى النفس ، وإلى
القلب ، وأنه يقوي من العزيمة ، ويحث النفس على العمل ؟.
الدكتور راتب :
الحقيقة التفاؤل سر السعادة ، ......
... الله قادر أن يخلق التشاؤم واليأس من دون أسباب مادية ، و أن
يخلق الأمن والطمأنينة من دون أسباب مادية .
إذًا المؤمن يكافأ بالتفاؤل ، وغير المؤمن مع أنه يملك أسباب القوة ، والأموال ، وكل شيء ، هو قلق ، لذلك يكون التفاؤل أحيانًا مكافأة للمؤمن ، ويكون التشاؤم معاقبة
للمسيء ، فقد تكون متفائلا ً ولا تملك أسباب التفاؤل ، و قد تكون متشائمًا ومعك أسباب
التفاؤل .
فالعبرة أن الله سبحانه وتعالى بيده قلوب العباد ، يقلبها كيف يشاء ، وفي الأعّم الأغلب يجعل هذا القلب متفائلاً إذا كان منيبًا لله عز وجل ، ويجعله أيضًا متشائمًا إذا كان بعيدًا عن الله عز وجل .
انتهى .
يتبع مع درس جديد بإذن الله تعالى .
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
Barbie
15-05-2010, 01:47 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,
بسم الله الرحمن الرحيم
إخواني و أخواتي , مع الدرس 27 , بعنوان : التسويف و التباطؤ .
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : بادروا بالأعمال الصالحة فستكون فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ً و يمسي كافرا ً, و يمسي مؤمنا ً و يصبح كافرا ً , يبيع دينه بعرض ٍ من الدنيا .
< رواه مسلم > .
* أتذكر كم مرة عزمت على فعل خير ثم أجَّلت ؟
* كم مرة فكرت في قيام الليل ثم أرجأت ؟
* كم مرة داعبت أفكارَك التوبة ثم سوَّفت ؟
* كم مرة قالت لك نفسك: تصَدَّق، فقلت: غدا سوف أتصدق. وجاء الغد وتبعه آخر ولم تفعل ؟
أتدري أن التسويف والتباطؤ من أعدى أعدائك حيث يكون أكثر ندم أهل النار من : سوف ؟.
لأنهم كانوا يفكرون في فعل الخير، أو ترك المعاصي والمنكرات فأجلوا وسوفوا حتى نزل بهم الموت فندموا حيث لا ينفع الندم:
( وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ ) (سـبأ:54)
ولقد ذم الله التباطؤ والتسويف فقال:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً . وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً . وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً )
(النساء: 71-73)
كما نبه الله المؤمنين إلى ضرورة وأهمية المبادرة بالأعمال الصالحة قبل حلول الأجل وهجوم سكرات الموت على العبد فقال:
( وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )
(المنافقون:10-11).
وقال الله تعالى: ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ). (المؤمنون: 99-100)
ونفس المعنى أكده رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال:
" بادروا بالأعمال الصالحة ".
وقال : " اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك ، و صحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك ".
يتبع إن شاء الله تعالى مع :
أسباب التباطؤ و التسويف .
و آثارهما .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
الدرس مقتبس من موقع islamweb.
أبو الفداء أحمد بن طراد
15-05-2010, 02:11 AM
أحسنتم أحسن الله إليكم
Barbie
16-05-2010, 12:36 AM
بارك الله بكم.
Barbie
16-05-2010, 12:59 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,
بسم الله الرحمن الرحيم
* من أسباب التباطؤ والتسويف:
1ـ ضعف الهمة والإرادة :
فبينما تجد صاحب الهمة العالية في شغل دائم ، مهموما بإصلاح نفسه ، ساعيا في اللحاق بركب المتقين، تجد ضعيف الهمة كسولا متراخيا، مؤجلا عمل اليوم إلى الغد.
ولعلك تعرف سر استعاذة الرسول صلى الله عليه وسلم من العجز والكسل إذ كان يردد كثيرا : " اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل".
2ـ صحبة البطّالين:
فالإنسان يتأثر بالبيئة المحيطة به، ويكون التأثير الأكبر لأصحابه المقربين، فإذا كانت هذه الصحبة بطالة تميل إلى الدعة والراحة تهمل أداء الواجبات، وتميل إلى الجرأة على المنكرات، فإن من يخالط هذه الصحبة سيتأثر بها ولا شك،
ولعل هذا هو السر في توجيه النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي".
3ـ طول الأمل:
فإن طول الأمل ينسي العبد التفكر في أمر الآخرة والاستعداد لها وكما قيل : لولا طول الأمل ما وقع إهمال أصلا.
ولهذا كان الصالحون يستعيذون بالله من طول الأمل؛ لأنه يمنع صالح العمل.
و يقول ابن الجوزي رحمه الله:
يجب على من لا يدري متى يبغته الموت أن يكون مستعدا، ولا يغتر بالشباب، والصحة، فإن أقل من يموت الأشياخ، وأكثر من يموت الشباب، ولهذا يندر من يكبر، وقد أنشدوا :
يعمر واحد فيغر قوما وينسى من يموت من الشباب.
4ـ ضعف جانب الخوف وتغليب جانب الرجاء:
فالإنسان حين يأمن العقوبة قد يسيء الأدب، وحين يأمن الإنسان مكر الله وعقابه، ويمني نفسه بعفو الله ومغفرته فإن ذلك يوقعه في التسويف والتأجيل طالما أنه استقر في نفسه أن الله عفو غفور رحيم ، لكنه نسي أن الله تعالى شديد العقاب وأن بطشه شديد وأن عذابه أليم وأنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.
* آثار التسويف على صاحبه وعلى دعوته وعمله.
1 - الحسرة والندم في وقت لا تنفع فيه الحسرة والندم :
ذلك أن المسوف يقضي دهره متعديا على حدود الله، مفرطاً في جنبه حتى إذا جاءه الموت، وكشف عنه الغطاء، وعاين الأمور على حقيقتها يتحسر ويندم، ويتمنى التأخير، أو الرجعة إلى الدنيا ليتدارك أمره، وأنى له ذلك، وقد ضاعت منه الفرصة وفات الأوان،
يقول تعالى :
{حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} ( المؤمنون: 99-100)،
{وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فاصدق وأكن من الصالحين.ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعلمون} ( المنافقون: 10-11)،
{ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين} (الأنعام: 27).
2 - الحرمان من الأجر والثواب :
وهو كذلك بتعديه على حدود الله، وتفريطه في جنبه سبحانه حرم نفسه من كثير من الأجر والثواب، وما قيمة الإنسان غدا إذا لقي ربه بغير أجر ولا مثوبة، إن قيمته إذن أن يكون من أصحاب الجحيم، وتلك هي الخسارة الحقيقية،
وصدق الله الذي يقول: { إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل} (الزمر: 15)،
{ إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إن الظالمين في عذاب مقيم} (الشورى: 45).
و للحديث تتمة إن شاء الله تعالى .
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
Barbie
17-05-2010, 01:39 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,
بسم الله الرحمن الرحيم
نكمل مع أسباب التسويف و التباطؤ :
3 - تراكم الذنوب، وصعوبة التوبة :
والتسويف يؤدي إلى تراكم الذنوب، وإذا تراكمت الذنوب ثقلت على المرء، وحار حيرة شديدة، بأيها يبدأ، وبأيها ينتهي، الأمر الذي يؤول به إلى استثقال التوبة وصعوبتها وواقع العصاة والمذنبين في كل عصر ومصر خير شاهد على ذلك .
4 - تراكم ا لأعمال، وصعوبة الأداء :
وقد يؤدي التسويف إلى تراكم الأعمال، وتزاحم الأعباء، فلا يدري المرء أيها يقدم، وأيها يؤخر، ومن ثم يتشتت فكره ويضيع سعيه، ويصبح أمره فرطا، ولا يمكن أن ينجز واجباً من الواجبات .
5 - ضياع الهيبة، وعدم القدرة على التأثير في الناس :
وهو بتعديه على حدود الله، وتفريطه في جنبه سبحانه وعدم قيامه بواجبه نحو ربه، ونحو نفسه، وذويه، ونحو أمته، تضيع هيبته من صدور الناس، ولا يتمكن من إتقان أي عمل من الأعمال، الأمر الذي يفقده القدرة على التأثير في الناس،
وإذا ضاعت هيبة المسلم من صدور الناس فقد القدرة على التأثير فيهم، واستوى معهم، وكيف يستوي معهم، والمفروض أنه إمامهم، ورائدهم كما قال سبحانه :
{وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيـدا}
( البقرة :143)،
{ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس} ( الحج : 78).
أما آثاره على العمل الإسلامي ، فمنها:
1 - تطويق العمل الإسلامي :
الأمر الذي يؤدي إلى طول الطريق وكثرة التكاليف، ذلك أن التسويف ينتهي بأصحابه إلى ضياع الهيبة، وفقدان عنصر التأثير في الناس كما قدمنا، الأمر الذي يطمع العدو، ويقلل من الأنصار، وبذلك يسهل تطويق هذا العمل، وتكثر التكاليف ويطول الطريق .
2 - الحرمان من العون والمدد الإلهي :
وذلك أن من سنته سبحانه في خلقه أنه لا يمنحهم عونه ولا مدده وهم مسوفون، متعدون على حدود الله، مفرطون في جنبه سبحانه، وإذا حرم العمل الإسلامي عونه ومدده سبحانه، فعلى هذا العمل السلام، ولن يصل إلى مبتغاه.
يتبع إن شاء الله , مع علاج التسويف .
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
Barbie
19-05-2010, 12:55 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,
بسم الله الرحمن الرحيم
علاج التسويف :
وما دمنا قد وقفنا على ماهية ومظاهر وأسباب وآثار التسويف، فإنه يسهل علينا الآن أن نسعى نحو العلاج، والوقاية، بل أن نصف هذا العلاج وهذه الوقاية، وذلك على النحو التالي:
1 - أخذ النفس بالحزم، وقوة العزيمة، ولأن تتعب النفس اليوم لتستريح غدا، خير لها من أن تستريح اليوم، وتتعب غدا،
وأيضا لأن مكر الله غير مأمون، والموت يأتي بغتة، وإذا لم يأت بغتة فإنه يسبقه المرض، ثم يكون الموت، وهو سبحانه يقول:
{ وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون.واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون.أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين.أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين.أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين.بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكـافرين } (الزمر: 54-59).
2 - تذكير النفس دوماً بأن التسويف عجز وضعف، وخور، وليس من سمات المسلم العجز، والضعف، والخور، بل إن الإنسان إذا كان معتزا بإنسانيته فإنه يأبى عليها هذه الأوصاف،
وإن مثل هذا التذكير إن كان صادقا، وانفعلت به النفس، فإنه سيقودها حتما إلى التشمير، والمسارعة بترك المحظور والمكروه، وفعل المأمور والمحبوب،
ورضي الله عن سيدنا عمر حين قال : " من القوة ألا تؤخر عمل اليوم إلى الغد ".
3 - دوام الدعاء والضراعة إلى الله - عز وجل - بالتحرر من العجز والكسل ؛ فإن الدعاء هو العبادة، وهو سبحانه يقول:
{ ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين } ( غافر: 60)،
{ وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون } (البقرة: 186).
4 - أن تأخذ البيوت نفسها بالحزم والعزم حتى لا تفسد الناشئة من الأولاد، وعلى الأولاد من جانب آخر أن يشبوا على تعلم وتعاليم الكتاب والسنة، وأن يزنوا كل تصرف بهما، فما وافقهما فهو الحق، وعليهم اتباعه، وما خالفهما فهو الباطل، وعليهم اجتنابه.
5 - الانسلاخ من صحبة الكسالى، والمسوفين، والارتماء بين يدي ذوي الحزم، والعزم، والقوة، فإن ذلك من شأنه أن يحمل على مجاهدة النفس وأخذها بالحزم، والعزم، والقوة.
6 - الاحتراز من المعاصي والسيئات بألا يقع فيها المسلم أصلا، وإن وقع بادر بالتوبة، فإن أكثر التسويف مبعثه الانغماس في المعاصي والسيئات على النحو الذي ذكرنا في الأسباب،
بل ويشفع ذلك بمزيد من الطاعات: فرائض، ونوافل حتى تلين الجلود، والجوارح، وترق القلوب بذكر الله، فتنشط النفس من عقالها، وتتخلص من التسويف.
7 - تذكر الموت والدار الآخرة على الدوام ، فان مثل هذا التذكر مما يقلل عمر الدنيا في نظر المسلم، ويهون من شأن زخرفها، وزهرتها، وزينتها، ويحمله على المبادرة بالتوبة، وأداء الحقوق لذويها، وإن ثقل الحمل، وعظمت التكاليف .
يتبع إن شاء الله تعالى ... و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
غريبة
20-05-2010, 11:54 PM
salam w 3alaykom
shokran 3ala hezihi el mawadi3 el mouhemma ye okhet barbi
Barbie
21-05-2010, 12:28 AM
أهلا ً بك ِ أختي .
Barbie
21-05-2010, 12:42 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,
بسم الله الرحمن الرحيم
نكمل مع علاج التسويف :
8 - معايشة السلف في نظرتهم إلى التسويف ، ونفورهم منه نفورا شديدا قولا، وفعلا، فكرا، وسلوكا، وسبق قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب : (من القوة ألا تؤخر عمل اليوم إلى الغد) .
وهذا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وقد فرغ من دفن سليمان بن عبد الملك الخليفة الذي كان قبله، وانتهى من الخطبة التي افتتح بها حكمه بعد أن بايعه الناس، ينزل عن المنبر ويتجه إلى بيته، ويأوي إلى حجرته يبتغي أن يصيب ساعة من الراحة بعد هذا الجهد، وذلك العناء اللذين كان فيهما منذ وفاة الخليفة سليمان بن عبد الملك.
وما يكاد يسلم جنبه إلى مضجعه حتى يقبل عليه ولده عبد الملك - وكان يومئذ يتجه نحو السابعة عشرة من عمره - ويقول له: ماذا تريد أن تصنع يا أمير المؤمنين؟ فقال: يا بني، أريد أن أغفو قليلا، فلم تبق في جسدي طاقة، فقال: أتغفو قبل أن ترد المظالم إلى أهلها يا أمير المؤمنين ؟
فقال: أي بني، إني قد سهرت البارحة في عمك سليمان، وإني إذا حان الظهر صليت في الناس، ورددت المظالم إلى أهلها إن شاء الله، فقال: ومن لك يا أمير المؤمنين بان تعيش إلى الظهر؟
فألهبت هذه الكلمة عزيمة عمر، وأطارت النوم من عينيه وبعثت القوة والعزم في جسده المتعب، وقال: ادن مني أي بني، فدنا منه، فضمه إليه، وقبل ما بين عينيه، وقال: الحمد لله الذي أخرج من صلبي، من يعينني على ديني، ثم قام، وأمر أن ينادي في الناس: ألا من كانت له مظلمة فليرفعها .
و قال لقمان لابنه : يا بني، لا تؤخر التوبة، فإن الموت يأتي بغتة، ومن ترك المبادرة إلى التوبة بالتسويف، كان بين خطرين عظيمين ، أحدهما : أن تتراكم الظلمة على قلبه من المعاصي ، حتى يصير رينا وطبعا فلا يقبل المحو، الثاني: أن يعاجله المرض أو الموت فلا يجد مهلة للاشتغال بالمحو .
وعن أبي إسحاق قال : قيل لرجل من عبد القيس في مرضه: أوصنا قال: أنذرتكم سوف .
و أوصى ثمامة بن بجاد السلمي قومه ، فقال: أي قوم ، أنذرتكم سوف أعمل، سوف أصلي ، سوف أصوم .
و يقول الحسن البصري رحمه الله : إياك والتسويف، فانك بيومك، ولست بغدك، قال: فإن يكن غد لك، فَكِسْ فيه - أي اعمل عملا تكون به كيسا- كما كست في اليوم، وإلا يكن الغد لك، لم تندم على ما فرطت في اليوم .
و كان مالك بن دينار يقول لنفسه : ويحك، بادري قبل أن يأتيك الأمر، ويحك بادري قبل أن يأتيك الأمر. حتى كرر ذلك ستين مرة .
و اجتهد سيدنا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قبل موته، اجتهادا شديدا، فقيل له: لو أمسكت، أو رفقت بنفسك بعض الرفق، فقال: إن الخيل إذا أرسلت فقاربت رأس مجراها، أخرجت جميع ما عندها، والذي بقي من أجلي أقل من ذلك، قال: فلم يزل حتى مات .
9 - أن تقوم الأمة كلها على المستوى القيادي، وغير القيادي، في متابعة ومحاسبة المسوفين، فإن هذه المتابعة، وتلك المحاسبة، تقطع الطريق على النفس، وتحول بينها وبين التسويف، وهذا من حق الأمة على بعضها البعض وصدق الله العظيم:
{ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله } ( التوبة: 71 ).
10 - عدم الاستهانة بأي أمر من الأمور ، وإن كان هذا الأمر بسيطا، واليقين بأن الأمر كله لله، والفرصة التي في يدك الآن قد تضيع منك غدا .
11 - التذكير الدائب بالعواقب والآثار المترتبة على التسويف، فان هذا التذكير من شأنه أن يشحذ الهمم، والعزائم، وأن يقضي على التسويف عند من كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد.
انتهى ... يتبع مع درس جديد بإذن الله تعالى .
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
Barbie
04-06-2010, 08:40 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم
إخواني و أخواتي , مع الدرس 28 _ بعنوان _ " الترهيب من اليمين الكاذبة الغموس" ,
لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
في كتاب الترغيب والترهيب باب حول الترهيب من اليمين الكاذبة الغموس ،
و سميت غموسًا لأنها تغمس الحالف في الإثم في الدنيا و في النار يوم القيامة .
كلكم يعلم أن اليمين ثلاثة أنواع ، يمين لغو ، و يمين منعقدة ، و يمين غموس ،
اليمين الغموس حينما تقرض إنسانًا مبلغًا من المال ، ولا تأخذ إيصالا ً ، ولا سندًا ، ولا وثيقة ، ثم تطالبه بهذا فينكر ، ليس أمامك إلا أن يحلف اليمين ،
فإذا حلف اليمين أخذ هذا المال ظلمًا :
((مَنْ حَلفَ عَلى مالِ امرئٍ مُسلم ٍ بِغيرِ حقِّه َلقي اللَّه وهُو عَليه غَضبانُ )) .
[ متفق عليه عن ابن مسعُود رضي اللَّهُ عنْهُ ]
وفي المحاكم تسمى هذه اليمين باليمين الحاسمة لأنه لا يوجد وثائق ، ولا بينات ، ولا مستمسكات ، ولا إيصال ، ولا سند ، لا يوجد إلا أن يحلف ،
فإذا حلف نجا من عقاب الدنيا لكنه عرض نفسه لأشد أنواع العقاب من الله عز وجل ،
...
* من وقع في سخط الله و غضبه لاقى أشد أنواع العذاب والتنكيل :
اليمين الكاذبة الغموس : اليمين الغموس لها وضع خاص ، بعضهم قال : تغمس صاحبها في النار ، بعضهم قال : لا كفارة لها ، بعضهم قال : ينبغي أن تبدأ
التوبة من جديد .
(( سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم في الحج بين الجمرتين و هو يقول :
من اقتطع مال أخيه المسلم بيمين فاجرة فليتبوأ مقعده من النار ليبلغ شاهدكم غائبكم مرتين أو ثلاثًا )) .
[حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه بهذه السياقة عن الحارث بن البر رضي اللَّهُ عنْهُ ]
أي الإنسان عليه أن يعد للمليون قبل أن يحلف يمينًا ليس متأكدًا من صحتها ، إنك تضع يدك على كتاب الله وتقول : أقسم بالله العظيم ، فإن حلفت هذه اليمين نجوت فورًا من عقاب القاضي ولكن أين قاضي السماء ؟
يحكى أن رجلا ً يطوف حول الكعبة ، ويقول : ربي اغفر لي ذنبي ولا أظنك تفعل ؟ وراءه رجل ، قال له : يا هذا ما أشد يأسك من رحمة الله ؟ قال له : ذنبي عظيم ، قالله : ما ذنبك ؟ قال له : كنت جنديًا في قمع فتنة ، فلما ُقمعت أُبيحت لنا المدينة ، فدخلت أحد البيوت فرأيت فيه رجلا ً ، وامرأة ، وطفلين ، قتلت الرجل ، وقلت لامرأته : أعطني كل ما عندك ، أعطتني كل ما عندها ، فقتلت ولدها الأول ، ولما رأتني جادًا في قتل الثاني أعطتني درعًا مذهبة ،
أعجبتني أيما إعجاب ، تأملتها ، تفحصتها ، فإذا عليها بيتان من الشعر قرأتهما
فوقعت مغشيًا علي ، البيتان :
إذا جار الأمير وحاجباه وقاضي الأرض أسرف في القضاء
فويل ثم ويل ثم ويل لقاضي الأرض من قاضي السماء
* * *
الإنسان أحيانًا ينجو من عقاب الدنيا ، ينجو من حكم القاضي ، لكنه إذا وقع في
سخط الله وغضبه قد يلاقي أشد أنواع التنكيل :
﴿ إِِنَّ بَطْْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ )
_١٢_
( سورة البروج)
يتبع بإذن الله تعالى .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
10-06-2010, 06:55 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم ,
أعتذر عن تأخري في متابعة الدرس .
* اليمين الغموس من أكبر الكبائر :
اليمين الغموس ، الآن بالمحاكم كلها هي الحل الوحيد إذا انعدمت الوثائق ، والسندات ، والأدلة ، والبينات ، ليس أمام القاضي إلا اليمين الحاسمة ، فالإنسان إذا حلف نجا ، لكنه إذا حلف يميناً كاذبة فاجرة ليقتطع بها مال أخيه المسلم بغير حق وقع في غضب الله وسخطه ، وهذه اليمين الغموس من أكبر الكبائر ،
يقول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ مَصْبُورَةٍ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ بِوَجْهِهِ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ)) .
[أحمد عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]
هذا الحديث يوضح أن هذه اليمين الفاجرة تغمس صاحبها في النار ، فقبل أن تحلف يميناً لست متأكداً من صحتها راجع نفسك لأنه :
(( مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ )).
[أخرجه مالك و أحمد و مسلم عن أبي أمامة]
فقال أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام وإن كان شيئاً يسيراً ؟ فقال النبي : وإن كان قضيباً من أراك ، مسواك ، هذه اليمين الغموس توجب النار لصاحبها .
(( الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ)).
[ البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو]
* لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار :
تعلمون أيها الأخوة أن الله عز وجل يقول :
إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا
) 31 (
( سورة النساء)
الكبائر ورد فيها أحاديث كثيرة ، الإمام الذهبي جعلها سبعين كبيرة ، ولكل كبيرة أدلة من الكتاب والسنة على أنها كبيرة .
( لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار ) .
[ رواه ابن المنذر والديلمي عن ابن عباس ]
الصغائر إذا لم يفكر في التوبة منها انقلبت إلى كبائر ، .... سميت الصغيرة صغيرة لأن التوبة منها سهل جداً ، أما إذا أصررت عليها انقلبت الصغائر إلى كبائر ، ....
(( الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ)).
[ البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو]
(( جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْكَبَائِرُ قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ قَالَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ ثُمَّ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ قَالَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ قُلْتُ وَمَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ قَالَ الَّذِي يَقْتَطِعُ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا كَاذِبٌ )).
[ البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا]
* آخر حديث :
(( مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ وَمَا حَلَفَ حَالِفٌ بِاللَّهِ يَمِينَ صَبْرٍ فَأَدْخَلَ فِيهَا مِثْلَ جَنَاحِ بَعُوضَةٍ إِلَّا جُعِلَتْ نُكْتَةً فِي قَلْبِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ )).
[ أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ الْجُهَنِيِّ]
أيها الأخوة الكرام ، الإنسان المؤمن يجب أن يخشى أن يقف بين يدي الله عز وجل ليسأله فيم فعل هذا ؟ وفيمَ ترك هذا ؟ وفيمَ اقتطع هذا المال ؟
....
الله عز وجل يقول :
إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ
نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ
نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ
( سورة فصلت ) .
انتهى ... بإذن الله نكمل مع درس آخر جديد .
Barbie
13-06-2010, 10:56 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم
إخواني و أخواتي , مع الدرس 29
الترغيب والترهيب للإمام المنذري ـ كتاب العلم : الترهيب من أن يعلم ولا يعمل بعلمه ويقول ولا يفعل ـ لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي .
* على كل إنسان أن يحاسب نفسه على كل صغيرة و كبيرة لأنه سيسأل عنها يوم القيامة :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( لا تزولُ قدَمَا عبد يومَ القيامة ، حتى يُسألَ عن أربع : عن عُمُره فيمَ أفناه ؟ وعن عِلْمِهِ ما عمِل به ؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ؟ وعن جسمه فيم أبلاه ؟ ))
[ رواه الترمذي وصححه عن أبي برزة الأسلمي] .
الإنسان أيها الأخوة ، حينما يوقن أن جهة قوية ستسأله ، لا بد من أن يفكر في كل شيء يفعله ، إذا كان هناك سؤال ، والسائل قوي ، وأنت في قبضته ، ولا تستطيع أن تقول كلمة خلاف الواقع ،
فلو أن كل إنسان درس هذه الأسئلة ، وتحرك في حياته اليومية محاولاً أن يجيب عن كل سؤال يُسأل عنه يوم القيامة .
الإنسان أحياناً يعيش عمراً ، ستون ، خمسة وستون ، اثنان وسبعون ، ثلاثة وثمانون ، أربع وخمسون ، ثمانية وأربعون ، كل واحد منا له عمر ، هذه السنوات ، هذه الأيام ، هذه الأشهر ، هذه الأسابيع كيف أمضاها ؟ السهرات أين أمضاها ؟ مع من ؟ موضوع الحديث هل فيه معصية ؟ هل فيه اختلاط ؟ هل فيه مشاهدة أعمال فنية ساقطة ؟
هل فيه غيبة ؟ نميمة ؟ افتراء ؟ ملء العين من الحرام ؟ النهار كيف أمضاه ؟ في دكانه ، في مكتبه ، في يمين كاذبة ، في بهتان ، في تصرف سيء ،
الأيام والليالي تمضي ، كل حركة وكل سكنة سوف نُسأل عنها ، نُسأل عن العين هل غضت البصر ؟ نُسأل عن الأذن هل استمعت إلى محرم ؟ نُسأل عن اللسان هل نطق بغير الحق ؟ نُُسأل عن اليد هل بطشت ؟ نُُسأل عن هذه الرجل هل تحركت في معصية ؟.
العمر يستهلك ، لا يوجد إنسان يتمتع بصحته إلى ما شاء الله ، يضعف جسمه ، ينحني ظهره ، يضعف بصره ، يغير أسنانه ، يشيب شعره ، تضعف قوته .
(( عبدي كبرت سنك ، وشاب شعرك ، وضعف بصرك ، وانحنى ظهره ، فاستح مني فأنا أستحي منك )) .
[ ورد في الأثر ] .
* من أمضى حياته في القيل و القال و كثرة السؤال ندم أشد الندم :
العمر يصعد في خط صاعد ، ثم يستقيم الخط ثم ينحدر ، الإنسان حينما ينحدر خطه البياني ، وكان قد أمضى حياته في طاعة الله هذه سنة الله في خلقه ،
أما حينما ينحدر خطه البياني وكان قد أمضى حياته في معصية الله ، أو في القيل والقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال ، أو في سفاسف أو ترهات لا ترضي صاحبها شيئاً ، عندئذٍ يندم أشد الندم ويتألم أشد الألم .
(( عن عُمُره فيم أفناه ؟ )) .
الإنسان أحياناً يمضي حياته في النزهات ، في المباحات ، لكن همه طعامه وشرابه ، همه المتعة ، همه أن ينغمس فيما أباح الله له ، هذا الاستمتاع في المباحات ليس له رصيد ...
... الاستمتاع ليس له رصيد مستقبلي ، أما السعي والكد له رصيد مستقبلي .
لو أن طالباً أمضى حياته الدراسية ، في النوم ، والاستلقاء ، واللعب مع أصدقائه، ... هل ينجح ؟ هو مستمتع الآن ، و المتعة في وقت العمل جريمة ، نحن في الدنيا ، في دار عمل ، نحن في دار سعي ، في دار كسب ، في دار إعداد ، نحن في دار الدنيا إعداد لدار عليا ،
لذلك يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح :
(( إياك والتنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين )) .
[أخرجه الإمام أحمد عن معاذ بن جبل ] .
الإنسان حينما يجعل النعيم هدفاً له ، يعيش ليأكل ، يعيش ليستمتع ، يعيش ليحتفل، يعيش ليفتخر ، يعيش لينغمس في الملذات ، أنا أقول المباحة الآن ، دعونا من المعاصي والآثام ، إنسان يعيش ليستمتع بما أعطاه الله ، هذا الاستمتاع ، وهذا الاسترخاء ، وهذا القعود ، وهذا الكسل ، هذا ليس له رصيد مستقبلي .
و للحديث تتمة إن شاء الله تعالى .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
14-06-2010, 05:28 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم
* العلم وسيلة إن لم ينقل الإنسان إلى السمو فلا فائدة منه :
إن استقمت على أمر الله سلمت ، أما إن بذلت من مالك ، ومن وقتك ، وجهدك ، سعدت ، لا بد من أن تبذل من أجل أن تتصل بالله عز وجل .
....
لا يوجد مسلم إلا ويعلم الحقائق ، من الآيات ، من الأحاديث ، من الأحكام الفقهية، من السيرة النبوية ، ألف ضعف عما يفعله ، العلم ليس سبباً بذاته ، العلم وسيلة ، إن لم ينقلك العلم إلى السمو فلا فائدة منه .
وعالم بعلمه لم يعملن معذب من قبل عباد الوثن .
***
العلم من دون عمل شجر بلا ثمر ، كل علم وبال على صاحبه ما لم يعمل به ، العلم حجة لك أو حجة عليك ، العلم وسيلة .
* العبرة ليست في التعلم بل في التطبيق و ليست في جمع الحقائق بل في تطبيقها :
(( وعن عِلْمِهِ ما عمِل به ؟ )) .هذا الأعرابي الساذج الذي سأل النبي عليه الصلاة والسلام : عظني ولا تطل ؟ تلا عليه قول الله تعالى :
فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ
)7(
وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ
)8(
( سورة الزلزلة ) .
قال : كُفيت ، اكتفى بآية واحدة ، القرآن فيه ستمئة صفحة ، فيه آلاف الآيات ، اكتفى بآية واحدة ، فقال عليه الصلاة والسلام : فقه الرجل ، أي صار فقيهاً .
نحن لا نحتاج إلى علم كثير ، نحتاج إلى تطبيق كثير ، عاهد نفسك ، هذه الحقيقة قطعية الثبوت ؟ ... قطعية الدلالة ؟ ماذا عملت فيها ؟
والله أيها الأخوة ، إذا كل مسلم ألزم نفسه أن يطبق واحد بالألف مما يعلم لكنا جميعاً في حال غير هذا الحال ، واحد بالألف مما يعلم فقط ، أن تعامل الله عز وجل ، تعامل خالق الكون ، هذه العين هل صنتها عن معصية ؟ اللسان ، العين ، الأذن ، القلب ، اليد ، الرجل .
* على كل إنسان أن يسأل نفسه أين هو من آيات كتاب الله عز وجل ؟
دائماً اسأل نفسك ،
مرة أحد التابعين قرأ قوله تعالى : لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ
( سورة الأنبياء الآية : 10 ) .
بدأ يقرأ القرآن ، مرّ بآيات الصالحين قال : أنا لست منهم ، القصة أنه أين أنت من هذه الآيات ؟.
قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ
( سورة النور الآية : 30 ) .
أين أنت من هذه الآية ؟
إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا (103)
( سورة النساء ) .
... اقرأ القرآن ، واسأل نفسك أين أنا من هذه الآية ؟ هل أنا مطبق لها ؟ هل أنا مقصر ؟ هل أنا سبّاق إليها ؟ لا يعنيك أن تتعلم ، يجب أن يعنيك ماذا فعلت فيم علمت ؟.
لو فرضنا : أنت بحاجة إلى الشمس من أجل شفاء من مرض جلدي ، وقلت : الشمس ساطعة ، ولم تتعرض إلى أشعتها ، ما قيمة هذه المقولة ؟ هي ساطعة ، إن قلت : ليست ساطعة لا أحد يصدقك ، وإن قلت : ساطعة ما فعلت شيئاً ، أبداً تحصيل حاصل ، حقيقة صارخة بادية للعيان أنت ذكرتها ، أما حينما تذهب إليها وتعرض نفسك لأشعتها فتشفى ، الآن أنت إنسان منطقي .
فالعبرة ليست في التعلم في التطبيق ، ليست في جمع الحقائق ، في تطبيق الحقائق ، هذه الأسئلة كلها الله عز وجل سربها إلينا من خلال النبي عليه الصلاة والسلام ، لو فرضنا إنسان جاءته الأسئلة انتهى ، يهيئ الأجوبة ، النبي عليه الصلاة والسلام أعطاك الأسئلة ، يوم القيامة هناك خمسة أسئلة .
* كل شيء مسجل على الإنسان فليتخذ حذره :
(( عن عُمُره فيمَ أفناه ؟ )) .
الأيام ، والليالي ، والأسابيع ، والشهور ، والسنوات ، والعقود ، كيف مضت ؟ السهرات أين أمضيتها ؟ في النهار ، في الصيف ، في الشتاء ، في الربيع ، في الخريف ، ... هذا البيت من دخل إليه ؟ ما الموضوعات التي طرحت فيه ؟ هذه الجلسة في الليل مع الأهل عن أي شيء تكلمتم ؟ ماذا شاهدتم ؟ ماذا فعلتم ؟ كل شيء مسجل عليك ؟
والله الإنسان إذا عرف أن خطه مراقب يحسب ألف حساب ، يعد للألف قبل أن ينطق بكلمة واحدة .
وأنت مراقب من قبل الله عز وجل ، مراقب وسوف تُسأل ، وأي إنسان إذا جاءته ورقة : تعال إلينا يوم الخميس ، لا ينام ثلاثة أيام بالليل ، والله لم أفعل شيئاً ، .... ، فكيف إذا سألك خالق الكون الذي لا تخفى عليه خافية ؟
Barbie
15-06-2010, 12:55 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم
* العاقل من هيأ جواباً لله عز وجل قبل فوات الأوان :
هذا كلام دقيق أيها الأخوة ، كلام فيه مسؤولية كبيرة :
(( لا تزولُ قدَمَا عبد يومَ القيامة ، حتى يُسألَ عن أربع :عن عُمُره فيم أفناه ؟..... ))
أي إن أعطيت لماذا أعطيت ؟ هل أعطيت محاباة ؟ هل أعطيت ظلماً ؟ إذا منعت لماذا منعت ؟ إذا ابتسمت لماذا ابتسمت ؟ إذا عبثت لماذا عبثت ؟ إذا وصلت لماذا وصلت ؟ إذا قطعت لماذا قطعت ؟ إذا طلقت لماذا طلقت ؟ كل شيء سوف تُسأل عنه ،
أنا أقول دائماً هذه الكلمة : هيئ لله جواباً ، دعك من العباد ، هيئ لرب العباد جواباً ،
هذه المرأة الضعيفة التي عندك في البيت أنت أقوى منها ، كيف عاملتها ؟ هل كنت منصفاً لها ؟ هل أعطيتها حقها ؟ هذا الشريك هل كنت منصفاً معه ؟ هل أعطيته حقه ؟ هذا الذي جاء إلى دكانك ، أو إلى عيادتك ، أو إلى مكتبك ، وهو واثق منك هل نصحته أم غششته ؟ هناك آلاف المهن أو الحرف لا يستطيع الطرف الآخر أن يناقشها .
.... حينما تتعامل مع الله عز وجل فاحذر .
(( كبُرتْ خيَانة تحدِّثَ أخاكَ حديثاً هوَ لك بُه مُصدِّق ، وأنتَ له به كاذبُ )) .
[ أخرجه أبو داود عن سفيان بن أسيد الحضرمي ] .
* من فهم الدين فهماً خاطئاً تخلى الله عنه :
عندك جرأة أن تقول الحق ولو كان مراً ؟ وأن تقول الحق ولو كان على نفسك ؟ ولو كان على أهلك ووالديك وأقرب الناس إليك ؟
هذا الإيمان ، أنا أستغرب ، هذا الدين العظيم الذي فيه مئة ألف بند ، مسخ عند المسلمين إلى خمسة بنود ؛ صلى ، وصام ، وحج ، وزكى ، وانتهى الأمر ،
وبيعه غير شرعي ، علاقاته غير شرعية ، احتفالاته غير شرعية ، أحزانه غير شرعية ، لماذا تأخر المسلمون ؟
لماذا يبدو تخلى الله عنهم ، لماذا مليون يتحدون مئة مليون ؟ يتغطرسون ، ويستعلون ، ويقتلون ، ويذبحون ، ويكسرون العظام ، لماذا ؟
لأننا فهمنا الدين فهماً خاطئاً ، فهمناه عبادات شعائرية ، فهمناه صلاةً ، وصياماً ، الدين صدق ، الدين أمانة ، الدين التزام ، الدين معاملة للخالق .
يتبع إن شاء الله تعالى , مع القسم الأخير لهذا الدرس .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
16-06-2010, 12:53 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم
* الناس لا يلتفتون إلى الدين إلا بالتطبيق :
(( لا تزولُ قدَمَا عبد يومَ القيامة ، حتى يُسألَ عن أربع : عن عُمُره فيم أفناه؟ وعن عِلْمِهِ ما عمِل به ؟.. )) .
لا بدّ من أن تجعل كل شيء تعلمه مطبقاً حتى يرضى الله عنك .
((.. وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ؟ )) .
سبحان الله ! معقول أن الدين كله ينتهي في النهاية إلى الكسب الحلال .
( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ) .
[ أخرجه الطبراني عن عبد الله بن عباس ] .
فالناس لا يلتفتون إلى الدين إلا بالتطبيق ،
* من استهلك عمره في الطاعات فلا شيء عليه :
الإنسان بعد عمر مديد يحنى ظهره ، يشيب شعره ،.... ، هذا الجسم استهلك، فيمَ استهلك ؟
...... العبرة كيف أمضيت هذا العمر ؟ في الطاعات ، في الصلوات ، في خدمة الخلق ، في الصدق والأمانة ، في الإخلاص في عملك ،.. ..
أخواننا ، هذا الحديث من أخطر الأحاديث ، .. أسئلة تنتظرنا جميعاً يوم القيامة ، هذه الأسئلة سُربت إلينا ، النبي سربها لنا ، جاهزة ، هيئ أجوبة .
(( لا تزولُ قدَمَا عبد يومَ القيامة ، حتى يُسألَ عن أربع : عن عُمُره فيم أفناه ؟ وعن عِلْمِهِ ما عمِل به ؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ؟ وعن جسمه فيم أبلاه ؟ )).
[ رواه الترمذي وصححه عن أبي برزة الأسلمي ] .
انتهى.
Barbie
28-06-2010, 12:59 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
الدرس 30 : الصــبر
مقتبس من موسوعة فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ثم الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا ، و ما توفيقي و لا اعتصامي ولا توكُّلي إلا على الله ...
في القرآن الكريم مئة آية تتحدَّث عن الصبر ، و الشيء الذي يلفت النظر أن النبي عليه الصلاة و السلام سُئل عن الإيمان فقال : هو الصبر ..." يا سبحان الله أيُختصر الإيمان كله في الصبر ؟! كيف ذلك ؟
في بعض الأحاديث الشريفة : الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد ، فإذا ذهب الصبر ذهب الإيمان ... .
.. النبي عليه الصلاة و السلام يختصر الإيمان كلَّه في الصبر ، فقد ورد في القرآن الكريم ما يزيد عن مائة آية تتحدث عن الصبر ، فما الصبر ؟ وهل هو ضرورة من ضرورات الإيمان ؟ ..
الصبر في أصل اللغة الحبس و الكف ، قال تعالى :
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا
(28)
[ سورة الكهف]
اصبر نفسك معهم ، أي : احبس نفسك معهم ، كن معهم ، احضر مجالسهم ، استمع منهم ، تعلم ، منهم اقتبس منهم ، رافقهم ، ..
قال تعالى :
سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ
(21)
[سورة إبراهيم]
فإن لم تصبر فلا بد من الجزع ، إما أن تكون جازعا أو جزوعا على المبالغة ، و إما أن تكون صابرا أو صبورا ، ولكن الصبر الذي أراده الله عز وجل في الآيات المائة هو حبس النفس على ما تكره ابتغاء مرضاة الله عزوجل ،
قال تعالى :
وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ
(22)
[سورة الرعد]
صبروا ابتغاء وجه ربهم ، لم يصبروا قهرا ، لم يصبروا ابتغاء وجه زيد أو عبيد، أو فلان أو علان ، لم يصبروا حرمانا ، لم يصبروا سياسة ، لم يصبروا مداراة ، لم يصبروا ذكاء ،
صبروا ابتغاء وجه ربهم ، و أقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ، إذا حبست نفسك على ما تكره ابتغاء وجه الله عز وجل فهذا هو الصبر الذي أراده الله في مئة آية و نيف في كتاب الله عز وجل .
يا أيها الأخوة المؤمنون ، لعل الصبر في تعريفه الدقيق ، وفي مفهومه الشمولي هو حبس النفس عن مشتهيات الطبع و مقتضيات الهوى ، حمل النفس على طاعة الله وزجرها عن معصية الله هو ما يعنيه الصبر في القرآن الكريم ،
و لكن النبي عليه الصلاة والسلام حينما يلخِّص الإيمان كله حينما يلخصه في الصبر ، فلا بد من أن الصبر له فروع كثيرة ، وهو سمة عميقة لأخلاق كثيرة
..
... ، فالذي يغضُّ بصره عن محارم الله ، إنما هو صابر ، يعاكس شهوته ، فالعفيف صابر ،
و الذي يصبر عن مغريات المال ، من ملك المال ، هناك دوافع كثيرة تدفعه إلى أماكن معينة ، وإلى مواقف معينة ، وإلى طرائق معينة في الحياة ، فهذا الذي يستجيب لهوى نفسه إذا كان قد أكرمه بالمال سَّماه العلماء البطر ، بطر الغنى أن تأكل ما تشتهي ، وتفعل ما تشتهي ، وتجلس في المكان الذي تشتهي ، وأن تستعلي على عباد الله ،
لكن الذي يضبط نفسه وهو غني فيحملها على طاعة الله ، ويحملها على العبادة ويحملها على التواضع ويحملها على السخاء ، فهذا أيضا من الصابرين ، صبر عن مغريات المال ، ضبط نفسه ، ولم يكن بطرا ،
والذي يصبر في الحرب هو الشجاع ، و نقيضه الجبان ، و الشجاعة صبر,
و إذا استفزَّك إنسان وبإمكانك أن تسحقه فكظمت غيظك لوجه الله عزوجل ، فأنت صابر ، فكظم الغيظ من الصبر ، وإذا جهل عليك إنسان أنت قادر على أن تكيل له الصاع صاعين ، لكنك اتَّسمت بسعة الصدر فأنت صابر ،
و إذا أفشى لك إنسان سرَّه ، وغالبت نفسك وهواك في إذاعته فكتمت هذا السر فأنت صابر ،
وإذا عرضت لك الدنيا بزينتها ، وتراقصت أمام عينيك ، فعففت عنها ، وآثرت الله ورسوله فأنت صابر ،
إذا حباك الله برزق قليل محدود ورضيت به ، وقنعت به فأنت صابر ،
فالقنوع صابر ، والزاهد صابر ، وكاتم السر صابر ، و الحليم صابر وواسع الصدر صابر ، والشجاع صابر ، ومن ضبط نفسه و المال بين يديه إنه من الصابرين ، ....
يتبع إن شاء الله تعالى .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
29-06-2010, 08:41 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم
إن معظم أخلاق المؤمن مردُّها إلى الصبر ، حقيقة دقيقة من حقائق العقيدة ، هل كُلِّف الملائكة بالصبر ؟ لا، لماذا ؟ لأن فيهم نزوعا إلى الله عزوجل ، ليس غير ، ليس هناك قوة أخرى تعاكس هذه القوة، الملائكة رُكِّبوا من عقل بلا شهوة ، فهم مدفوعون إلى الله عزوجل في بنيتهم و فطرتهم ، فالصب ليس له وجود في حياتهم ،
و الحيوان رُكِّبت فيه الشهوة ، و لم يُكلَّف حمل الأمانة ، و لم يُكلَّف معرفة الله عزوجل ، و لم يكلف تطهير نفسه ، ليس في حياة الحيوان قوتان متعاكستان ، لذلك لا يكلف الحيوان بالصبر ،
إن الإنسان وحده لأن الله عزوجل أودع فيه نوازع مادية ، كحب الطعام و الشراب ، وحب النساء ، و حب الذكر و العلو في الأرض ، هذه دوافع أرضية ، و حمَّله الأمانة و كلَّفه أن يطهِّر نفسه ، سخِّر له الكون ، و منحه نعمة العقل ، كلفه بالشرع ، أعطته حرية الاختيار ،
فالإنسان بين قوتين ، قوة تدعوه إلى الأرض ، تدعوه إلى قضاء الشهوة ، تدعوه إلى الاستمتاع بالمادة ، تدعوه إلى اللَّذة ، وقوة تدعوه إلى الله ، تدعوه إلى السموّ ، تدعوه إلى الرقي ، تدعوه إلى أن يكون أخلاقيا ، تدعوه لمعرفة ربه ،
الإنسان مركَّب من عقل وشهوة ، العقل يدعوه إلى الله ، والشهوة تدعوه إلى الأرض ، لذلك أنت بين قوتين ، كل أخلاق المؤمن في أساسها أن الباعث الديني يغلب الباعث الشهواني ، و كل أخلاق الكافر في أساسها أن الباعث الشهواني يغلب الدافع الديني ،
فأنت في صراع بين الشهوة و بين العقل ، بين الدنيا ، و بين الآخرة ، وجنود الشهوة هم شياطين الجن والإنس ، يوسوسون للإنسان بفعل المعاصي ، و جنود الحق هم الملائكة الذين يلهمون الإنسان بفعل الخيرات ،
و المؤمنون الذين ينصحون الناسَ بطاعة الرحمن ، فهذا الصراع بين الباعث الديني و بين الباعث الشهواني ، هو في أساسه يحتاج إلى صبر ، يحتاج إلى أن تسكت الباعث الشهواني استجابة للباعث الديني ، أن تئثر الآخرة الباقية على الدنيا الزائلة ،
لذلك حينما سُئل عليه الصلاة و السلام عن الإيمان فقال : هو الصبر .
يا أيها الإخوة المؤمنون ، من منا يصدِق أن القرآن الكريم في آيات ثلاث جعل ثمن الجنة كله الصبر ، بل إن الصبر بمعناه الواسع ، الحليم صبور ، الزاهد صبور ، و القنوع صبور ، و الرحيم صبور ، والعفيف صبور ، و الشجاع صبور ، إن الصبر سمة عميقة في النفس ، تظهر على ساحة السلوك بالعفة و الشجاعة و الحلم و ضبط النفس والزهد و القناعة ،
لذلك جعل القرآنُ الكريم الصبرَ وحده مناط الفلاح في الآخرة ،
قال تعالى :
جَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا
(12)
[سورة الإنسان]
في آية ثانية قال تعالى :
أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا
(75)
[سورة الفرقان]
في آية ثالثة قال تعالى :
سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ
(24)
[سورة الرعد]
إذًا أنت في الدنيا بين أن ترضي نوازعك الشهوانية ، و بين أن ترضي نوازعك الروحية ، بين أن تكون مع الله و بين أن تكون مع الشيطان ، بين أن تسعى إلى اللذة الآنية و بين أن تسعى إلى السعادة الأبدية ، أنت بين هذا و ذاك .
يا أيها الإخوة المؤمنون ، الصبر ثبات لداعي الحق ، و عدم الصبر انحراف عن الحق ،
لذلك قال تعالى :
إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا
(19)
إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا
(20)
وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا
(21)
إِلاَّ الْمُصَلِّينَ
(22)
[سورة المعارج]
هذا الذي اتصل بالله وذاق طعم القرب ، ذاق حلاوة الإيمان ، ذاق معنى الرضوان ، هذا الذي اتصل بالله و عرف الدنيا وكيف أنها زائلة ، و كيف أنها مزرعة الآخرة ، و كيف أنها دار ابتلاء، وكيف أنها دار تكليف ،
هذا الذي عرف حقيقة الدنيا ، عرف سرعة زوالها ، عرف تفاهة قيمتها ، عرف أنها لا تعدل عند الله جناح بعوضة ، آثر ما يبقى على ما يفنى ، آثر الجنة التي فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، على الدنيا المحفوفة بالهموم ، المحفوفة بالقلق ، المحفوفة ب المكاره .
بإذن الله تعالى يتبع .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
30-06-2010, 08:45 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَهُوَ يَقُولُ بِيَدِهِ هَكَذَا فَأَوْمَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِيَدِهِ إِلَى الْأَرْضِ مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ لَهُ وَقَاهُ اللَّهُ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ
أَلَا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ ثَلَاثًا أَلَا إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ وَالسَّعِيدُ مَنْ وُقِيَ الْفِتَنَ
وَمَا مِنْ جَرْعَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ جَرْعَةِ غَيْظٍ يَكْظِمُهَا عَبْدٌ مَا كَظَمَهَا عَبْدٌ لِلَّهِ إِلَّا مَلَأَ اللَّهُ جَوْفَهُ إِيمَانًا .
[رواه أحمد]
يعني لمجرد أن تستسلم لشهوتك ، وتسير مع رغبتك ، وأن تميل مع الهوى فقد سار الإنسان في طريق النار ، و لمجرد أن يسعى إلى الله و رسوله ، وإلى الدار الآخرة ، وأن يكافح رغبته ، وأن يعاكس شهوته ، و أن يعصي هواه فقد سار في طريق الجنة ، يلخِّص هذا قوله تعالى :
وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى
)40(
فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى
)41(
[سورة النازعات]
نهى النفس عن الهوى ، داعي الهوى يدعوك ، وداعي الرحمن يدعوك ، الملَك يلهم ، و الشيطان يوسوس ، الجسد يطلب ، و الروح تطلب ، وأنت مع من ؟
يا أيها الإخوة المؤمنون ، شيء آخر ، من منكم يصدِّق أن الصبر من لوازم النجاح في الدنيا قبل الآخرة ، ما من إنسان حقَّق في الدنيا نجاحا كبيرا إلا و السببُ هو صبره على متاعب العمل في أوله ،
فلولا صبر الزارع على بذره لما حصد ، ولولا صبر الغارس على غرسه لما جنى ، ولولا صبر الطالب على درسه لما نجح ، ولولا صبر المقاتل على عدوه لما انتصر .
أيها الإخوة المؤمنون ، كلُّ الناجحين حقَّقوا آمالهم ، وبلغوا مُناهم بالصبر ، إذا كانت الدنيا الدنية التي لا تعدل عند الله جناح بعوضة ، لا بد للنجاح فيها من الصبر ، ....، و ما من إنسان في عالم المال أو في عالم التجارة , أو في عالم الصناعة ، أو في حقل العلم ، أو في حقل الخبرة ، ما من إنسان حقَّق نجاحا إلا بثمن باهظًا ، ألا وهو الصبر،
إذا كان هذا قانون الدنيا الدنية من أجل سنوات معدودة أفلا يجب أن يكون هذا القانون مطبَّقا على الآخرة الأبدية ، لذلك ادخلوا الجنة بما صبرتم ،
و قال تعالى :
وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا
(12)
[سورة الإنسان]
يا أيها الأخوة المؤمنون ، كل الناجحين - كما قلت قبل قليل - حقَّقوا آمالهم بالصبر ، و استمرءوا المرَّ ، و استعذبوا العذاب ، و استهانوا بالصعاب ، و مشوا على الشوك ، و حفروا الصخور بالأظافر ، و لم يبالوا بالأحجار تقف في طريقهم ، و لم يبالوا بالطعنات تُغرس في ظهورهم ، و بالشراك تُنصب للإيقاع بهم ، و لم يبالوا بالكلاب تنبح من حولهم ، هؤلاء الناجحون في الدنيا ،
قال تعالى :
إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا
(104)
[سورة النساء]
أهل الباطل يصبرون على أهدافهم ، ... أيُعقل أن يصبر الكافرُ ليحقِّق هدفه ، والمؤمن صاحب الرسالة العظمى ، صاحب الهدف الكبير ، يستمرئ الرخاء ، و الراحة و المتعة ، و يطلب الجنة من غير عمل ،
لذلك قال الإمام علي كرم الله وجهه : (طلب الجنة من غير عمل ذنب من الذنوب) ، ذنب عظيم ، إنه استهزاء بالله عزوجل ،
قال تعالى :
وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ
(72)
[سورة الأنفال]
قال تعالى :
قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
)111(
[سورة البقرة]
و قال تعالى :
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ
(11)
[سورة البروج]
و قال تعالى :
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ
(30)
[سورة فصلت]
و قال تعالى :
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ
)33(
[سورة فصلت]
و قال تعالى :
فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا
(110)
[سورة الكهف]
... إذا كانت الرفعة في الدنيا وتحقيق النجاح فيها يحتاج إلى جهد كبير ، وإلى صبر طويل ، فما بالك بالآخرة ، التي تنعم بها في الجنة إلى أبد الآبدين ..
و قديما قالوا : لا بد دون الشَّهد من إبر النحل ...
يتبع إن شاء الله تعالى .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
01-07-2010, 08:54 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم
القسم الأخير لهذا الدرس :
ابن سيرين العالِم الذي عُرف بتفسير المنام سأله رجل قال : " يا إمام رأيت في النوم أنني أسبح في غير ماء ، وأطير بغير جناح ، فقال ابن سيرين : أنت رجل كثير الأماني ، و الأحلام ، تتمنى ما لا يقع ، و تحلم بما لم يتحقَّق " ،
هذا الذي يقول : اللهم أدخلنا الجنة ، ماذا فعلت من أجلها ؟ ماذا قدَّمت من عمل ؟ ما الموقف الذي وقفته من أجل الجنة ؟ و ما الشيء الذي تركته ، ما الشيء الذي دفعته ؟ ما الشيء الذي قبضته ؟ عن أي شيء امتنعت ؟
ماذا وصلت ، وماذا قطعت ؟ ماذا أعطيت ، وماذا منعت ؟ لمن غضبت ، ولمن رضيت ؟ هذا الذي يقول : ربنا أدخلنا الجنة ، وهو على ما هو عليه ، لا يفعل شيئا ، هذا يضيف إلى ذنوبه ذنبا جديدا .
يا أيها الأخوة المؤمنون ، أحد علماء القلوب ، يقول : الصبر سبب دخول الجنة ، قيل له : و كيف ؟ قال : لأن النبي عليه الصلاة و السلام يقول ،
كما في الحديث عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ.
[رواه مسلم]
ولا بد من أن تصبر على المكاره ، و ان تصبر عن الشهوات ، حتى يُسمح لك بدخول الجنة، وما هي أسباب المعاصي ؟ قلة الصبر ، قلة الصبر على ما يكره ، وقلة الصبر عن ما يحب ، يبتعد عما يكره ، و يقبل على ما يحب ، من هنا تأتي المعاصي ، و النبي عليه الصلاة أصاب كبد الحقيقة حينما قال :
(( الإيمان هو الصبر)) .
الشيء الأخير .. قول الله عزوجل :
إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا
(2)
[سورة الإنسان]
و في آية أخرى :
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ
(30)
[سورة المؤمنون]
و في آية ثالثة :
الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ
(2)
[سورة الملك]
فالابتلاء أن تقف من الشيء موقفا تجعله سُلَّما لك إلى الآخرة ، أو أن تقف منه موقفا تجعله سلما إلى النار ، سلما تنزل عليه ، لا تصعد عليه ،
فالمرأة إذا تعاملت معها وفق الشرع كانت المرأة سلما إلى الله عز وجل ، والمال إن تعاملت معه وفق ما أمر الله عز وجل كان المال سلما إلى الجنة ، فإذا تعاملت معه خلاف الشرع كان سلما تهوي به إلى النار ، كل شيء في الدنيا إما أن ترقى به و إما أن تهوي به ، إما أن يرفعك إلى أعلى عليين ، وإما أن يهبط بك إلى أسفل سافلين ،
الأشياء يمكن أن تُستغل بطريقتين ، إما بالشهوة كما قلت , شهوة محرِّكة نافعة ، وإما أن تكون قوة مدمِّرة مهلكة ، بحسب طريقة استعمالها .
كل شيء في الدنيا مادة تُمتحن به من قِبَل المولى جل وعلا ...
انتهى ..
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
09-07-2010, 07:15 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم
الدرس 31 : من مستلزمات العقيدة : الأدب .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ...
أيها الإخوة الكرام ، الاعتقاد ليس ما ينبغي أن تعتقد فحسب ، و لكن ما ينبغي أن تتخلق به ، فشطر العقيدة حقائق يجب أن تؤمن بها بعد البحث والتدقيق ، وشطرها الآخر أخلاق وأحوال ومقامات ينبغي أن تتمثل فيك من أجل أن تكون سبباً لسعادتك في الدنيا وفي الآخرة ، تلك السعادة التي خلقت من أجلها :
إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ
[ سورة هود : 119]
أيها الإخوة الكرام ، إذا ذكرت كلمة مؤمن فينبغي أن يقفز إلى ذهنك أنه أديب ، يا رسول الله ما هذا الأدب ؟ قال : ((أدبني ربي فأحسن تأديبي)) .
[ ورد في الأثر ]
لا يمكن أن تقع عينك على مؤمن غير مؤدب ، فظ غليظ ، وقح متطاول ، مستحيل ، لا مع الله ، ولا مع أنبيائه ، ولا مع كبار المؤمنين ، و لا مع عامة الناس .
إذا قلت : مؤمن ، أي أنه مؤدب ، لطيف ، يعرف حقه و يعرف حق غيره ، يعرف حدوده و يعرف حدود غيره .
أيها الإخوة : موضوع الأدب ينشعب إلى ثلاثة فروع :
أولها : الأدب مع الله ، فالأدب مع الله جل جلاله أن تصف الله فيما وصف به نفسه من غير تمثيل ولا تعطيل ، فهو الله سبحانه و تعالى فوق سماواته ، على عرشه ، بائن من خلقه ، ليس في ذاته شيء من مخلوقاته ، ولا في مخلوقاته شيء من ذاته ، هو معهم بسمعه و بصره وعلمه ،
له وجه تبارك اسم ربك ذو الجلال و الإكرام :
وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ
[ سورة الرحمن : 27]
له وجه و له نفس ، " تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ" .
[المائدة]
و له يد :
يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ
[ سورة الفتح : 10]
و له ساق ، و له قدم ، و له عين ، و له سمع ، و كل شي ليس كمثله شيء .
أوصاف الله عز وجل هكذا وردت في كتابه ، نقر بها من دون تمثيل و لا تعطيل ، لا نمثل أي ولا نعطل أي بل نفوض إلى الله المعنى الذي يليق بكماله ، أن تصف الله بما وصف به نفسه ،
و أن تفوض المعاني لهذه الأوصاف إلى الله عز وجل بحيث تليق بكماله من دون تمثيل ولا تعطيل ، من دون زيادة و لا نقصان ولا نفي ، هذا نوع من الأدب مع الله عز وجل ،
يقول عليه الصلاة و السلام :
(( ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة ، و فضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة )) .
أيها الإخوة : يقول الله عز وجل عن ذاته العلية :
#
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ
#
وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ
#
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
[ سورة الصافات : 180-182]
لا يوجد داع أن أقحم نفسي ، و أن أُعمل عقلي في شيء نهيت عن البحث فيه ، رُوي عن النبي عليه الصلاة والسلام : (( تفكروا في مخلوقات الله ، و لا تفكروا في ذاته فتهلكوا )) .
الآن الأدب في التوجه إلى الله : فرع آخر من فروع الأدب مع الله ،
سيدنا عيسى سئل :
وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ [ سورة المائدة : 116]
قد يخطر في بالنا أن هذا النبي الكريم ينفي عن نفسه هذا القول ، يقول : و الله يا رب ما قلت هذا ، قال :
إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ [ سورة المائدة : 116]
أرأيت إلى هذا الأدب الجم مع الله عز وجل ؟
ثم يقول :
مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
#
إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
[ سورة المائدة : 117-118]
قد تجد إنساناً تافهاً جداً يقول لك : فلان في النار قطعاً ، من أنت ؟ أنت ربه ؟
لا يمكن أن تحكم على المستقبل بحكم قطعي ، هذا يتناقض مع عبوديتك لله عز وجل .
الحكم على المستقبل القطعي ليس من شأن الإنسان ، تعلموا هذه القاعدة ، تقييم الأشخاص جملة ، وتفصيلاً ليس من شأن الإنسان ، لا توزع الألقاب والتهم على الناس ، إن رأيت إنساناً جيداً ومحسناً قل : أحسبه صالحاً ، ولا أزكي على الله حداً ، إن رأيته مسيئاً قل : أسأل الله أن يغفر له ، وأن يتوب عليه ، هذا الذي تراه مسيئاً لو أنه تاب ، و صدق في توبته لسبق من انتقده ...
للحديث تتمة بإذن الله تعالى .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
الزاهر
09-07-2010, 07:26 PM
بارك الله بك اختنا الفاضلة ... تجسيد لتعبير "مختصر مفيد" :)
Barbie
10-07-2010, 04:40 PM
و بكم بارك الله .
Barbie
10-07-2010, 05:00 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم
سيدنا موسى حينما فعل خيراً ، وسقى المرأتين ، الإنسان أحياناً يعمل عملاً بسيطاً يقول لك : أنا فعلت كذا ، و فعلت كذا ، و لحم كتف فلان من خيري ، و فلان أنا عملته رجلاً ،
أما سيدنا موسى حينما أجرى الله على يديه هذا الخير ، قال :
فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ
[ سورة القصص : 24]
حتى قال بعض علماء القلوب : إن رؤية العمل نوع من الشرك ،
سيدنا أيوب يقول :
وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ
[ سورة الأنبياء : 83]
سيدنا آدم :
قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ
[ سورة الأعراف : 23]
الجن :
وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا
[ سورة الجن : 10]
هل تلاحظون هذا الأدب الجم من خطاب الأنبياء لله عز وجل ؟
إذا قلت : مؤمن أي مؤدّب، مؤدب مع الله ، و مؤدب مع أنبيائه ، و مؤدب مع كبار العلماء ، و مؤدب مع عامة الناس ... مع الذين ينقلون العلم للناس ، و مع المؤمنين ..
قال بعض العلماء : من تأدب بأدب الله صار من أهل محبة الله ، و قال بعضهم : الأدب للعارف كالتوبة للمستأنف ، العارف بالله يتأدب مع الله أشد الأدب ،
و قد ورد في الأثر أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه و سلم : مثل بهم هؤلاء الذين مثلوا بعمك ، قال : لا أمثل بهم فيمثل الله بي ، و لو كنت رسولا .
و إنسان متطاول جلس عند عالم فقال له العالم : يا بني نحن إلى أدبك أحوج منا إلى علمك ،
انظر إلى هذا الدعاء النبوي الذي يعلمنا الأدب ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( إِنَّ سَيِّدَ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ : اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ ، أَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي ، وَأَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ فَاغْفِرْ لِي ، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ ، فَإِنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَإِنْ قَالَهَا حِينَ يُمْسِي مُوقِنًا بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ )) .
[ البخاري ، الترمذي ، النسائي ، أحمد ]
الآن الأدب مع أحكام الله وشرعه ،
قال تعالى :
وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ
[ سورة الحج : 32]
تعظيم شعائر الله ، تعظيم مناسك الحج ، تعظيم أحكام الصيام ، تعظيم أحكام الصدقة ، ...
وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ
[ سورة الحج : 30]
وربما لخصت لكم ما يجري في العالم الإسلامي الآن ، هان أمر الله عليهم فهانوا على الله ، لم يعظموا حرمات الله ،
قال بعض السلف : من تهاون بالأدب مع الله عوقب بحرمان السنن ، و من تهاون بالسنن عوقب بحرمان الفرائض ، ومن تهاون بالفرائض عوقب بحرمان المعرفة ، يبدأ الحرمان من سوء الأدب ،
وقال بعضهم : الزم الأدب ظاهراً وباطناً ، فما أساء أحد الأدب في الظاهر إلا عوقب ظاهراً ، و ما أساء أحد الأدب باطناً إلا عوقب باطناً .
يتبع إن شاء الله عز و جل .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
11-07-2010, 05:13 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم
الأدب مع أنبيائه صلوات الله عليهم
وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ
[ سورة آل عمران : 146]
أي كانوا في قمة الأدب مع رسول الله ، ما تململوا ، و لا تبرموا ، و لا حوقلوا ، بل صبروا ، و نصروا ، و تواضعوا ، و تحملوا :
فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ
[ سورة آل عمران : 146]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
[ سورة الحجرات : 1]
معنى لا تقدموا لا تقترحوا ، لا تقترح في حياته ، و أمام حضرته اقتراحات تخالف منهجه، أي إنسان يقول لك : أنا أرى أن هذا لا يصلح لهذا العصر ، فهو مشرع ، و غاب عن النبي أن هذا الشيء الذي يأمر به لا يصلح لهذا العصر ،
يقولون هذا عندنا غير جائز و من أنتم حتى يكون لكم عند
أدب مع رسول الله ، أن تأخذ سنته بكل إكبار ، لا أن تنتقض هذه السنة ، لماذا الطواف سبعة أشواط ؟ يتفلسف ، لماذا السعي بين الصفا و المروة ؟ ما الفائدة ؟ لماذا الصلاة ؟ لماذا السنن ؟
هذا الذي يسخر من سنة النبي عليه الصلاة والسلام ، ليس متأدباً مع رسول الله :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ
إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ
[ سورة الحجرات :2-3]
يقول الله عز وجل :
لا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا
[ سورة النور : 63]
لذلك أقرب الصحابة إلى الله أشدهم أدباً مع رسول الله ، وأقرب الناس إلى الله الآن أشدهم أدباً مع رسول الله ،
وكما أنه يمكن أن تكون مؤدباً مع رسول الله في حياته يمكن أن تكون مؤدباً مع رسول الله بعد مماته :
فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا
[ سورة النساء : 65]
أيها الأخوة ، عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ : (( صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا ، فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ، ذَرَفَتْ لَهَا الْأَعْيُنُ ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ ، قُلْنَا : أَوْ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ ، فَأَوْصِنَا ، قَالَ : أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا...)) .
[ الترمذي ، أبو داود ، ابن ماجه ، أحمد ، الدارمي ]
يوجد شيء في السيرة يفوق حد الخيال ، شاب في الثامنة عشرة من عمره يعيّنه النبي قائدًا لجيشه ، من جنوده أبو بكر و عمر و عثمان و علي ، سيدنا أسامة بن زيد يمشي أبو بكر ، و هو خليفة المسلمين ، و سيدنا أسامة راكب على الجمل ، و سيدنا أسامة كتلة من الأدب ، قال: يا خليفة رسول الله لتركبن أو لأمشين ، قال : والله لا ركبت ، و لا نزلت ، و ما علي أن تغبرّ قدماي ساعة في سبيل الله .
سيدنا الصديق حينما دخل المدينة ، كان يمشي قبل رسول الله ، كان يمشي قبله ليكون دريئة له ، وكان يمشي وراءه إذا شعر أن الطلب من ورائه ، وكان يمشي عن يمينه إذا خاف القتل من على يمينه ، و كان يمشي عن يساره ، لما دخل المدينة كان يمشي قبله ، وكان أهل المدينة لا يعرفون رسول الله ، فظنوا أبا بكر رسول الله ، فأقبلوا عليه معظمين ، ماذا يقول ؟ أمسك رداءه ، و ظلل به النبي عليه الصلاة والسلام ، فعرف الناس أن هذا هو رسول الله .
الأدب هو الذي يجعلك قريباً من الله عز وجل ، أيكما أكبر أنت أم رسول الله ؟ قال : هو أكبر مني ، وأنا ولدت قبله ،
وما لم نتحلَ بالأدب فيما بيننا ، إنسان أكبر منك ، إنسان أقدم منك في المسجد ، إنسان أكثر منك علماً ، تأدب معه ، استمع منه ، أحياناً يجلس إنسان لا يسمح لإنسان أن يقول كلمة في المجلس ، هو وحده يتكلم ، والباقون يسكتون ، نوع من الأدب ، لكن تكلم قليلاً واستمع كثيراً ، تكلم ، و افسح لغيرك أن يتكلم ،
بقدر ما الصحابة الكرام كانوا يعظمون رسول الله بقدر ما كان النبي عليه الصلاة والسلام متواضعاً ، كان مع أصحابه في سفر ، فقال أحدهم : علي ذبح الشاة ، وقال الثاني : علي سلخها ، وقال الثالث : علي طبخها ، قال عليه الصلاة والسلام : وعلي جمع الحطب ، قالوا : يا رسول الله ، نكفيك ذلك ، قال : أعلم أنكم تكفونني ، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه .
... يمكن أن تستنبطوا من هذين الحديثين مئات النتائج .
* إن أعرابياً دخل على رسول الله مع أصحابه ، قال : أيكم محمد ؟ فقط ، هل فهمتم كل شيء ، ليس له كرسي ضخم ، ولا هيئة معينة ، ولا ثياب معينة ، ولا مقام ، ولا طراريح ، أيكم محمد ؟
فقال عليه الصلاة والسلام : أنا .
* ومرة دخل أعرابي قال : أيكم محمد ؟ فقال له أحد الصحابة : ذاك الوضيء ،
كان يخسف نعله ، كان يحلب شاته ، كان يضع الإناء للهرة ، كان إذا دخل بيته بساماً ضحاكا ، كان إذا دخل بيته واحداً من أهل البيت ، كان يمشي على أربع ليركب الحسن و الحسين على ظهره ، وهو سيد الخلق ، وحبيب الحق ،
كان إذا رأى صبية قال : السلام عليكم يا صبية ، وإذا كانوا يتسابقون جرى معهم ، وتسابق معهم ، شيء لا يصدق .
وأحْسَنُ مِنْكَ لم تَرَ قَطُّ عَيْني وَأجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النّسَاءُ
خُلِقْتَ مُبَرَّأَ مِنْ كُلّ عَيْــبٍ كَأنّكَ قَدْ خُلِقْتَ كمَا تَشاءُ
يتبع إن شاء الله تعالى ..
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
Barbie
13-07-2010, 03:51 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
بسم الله الرحمان الرحيم
القسم الأخير لهذا الدرس :
الأدب مع حملة ميراث النبوة ،
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا ، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا ، وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ)) .
[ أحمد ]
بالمناسبة ليس من أمتي هذا وعيد خطير جداً ، أنت لا تنتمي لهذه الأمة ، من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ، ويعرف لعالمنا حقه .
عَنْ قَيْسِ بْنِ كَثِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ((مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ الْعِلْمِ ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ ، حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ ، وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ ، إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا ، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ)) .
[ الترمذي، أحمد ، ابن ماجه ، أبو داود ]
ما تفسير : حتى الحيتان في الماء تستغفر للعالم ؟ سألني مرة أحدهم عن هذا الحديث ، قلت له : المؤمن إذا اشترى سمكاً ، واصطيد أمامه لا يسمح بتنظيفه مباشرةً حتى تموت ، السمك لا تزال حية يشق بطنها ، وتنزع أحشاءها ، وقد عذبت مرتين ؟! فالمؤمن يرحم ، يرحم حتى السمكة إذا اشتراها ، ولم تمت بعد .
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ : ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ ، أَحَدُهُمَا عَابِدٌ ، وَالْآخَرُ عَالِمٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ ، حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا ، وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ)) .
[ الترمذي، الدارمي ]
الأدب مع الله ، ومع رسوله ، ومع تشريعه ، ومع أهل العلم من سمات المؤمن ، حتى الأدب مع طلاب العلم ، تواضعوا لمن تعلمون ، يجب أن تتواضع لمن تعلم ، يجب أن تتواضع لمن تتعلم منه ، ويجب أن تتواضع لمن تعلمه ،
الأدب مع كبار السن ، يقول عليه الصلاة والسلام : (( البركة مع أكابركم , وليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا )) .
الآن دققوا في هذا الحديث ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ ، غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ ، وَالْجَافِي عَنْهُ ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ )) .
[ أبو داود ]
ليس عالماً فقط ، بل متقدم في السن ، مسلم ، صائم ، مصلٍّ ، مستقيم ، محمود السيرة .
الأدب مع عامة الناس :
نكتفي بأدب سيدنا يوسف مع إخوته ، قال تعالى :
وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ
[ سورة يوسف : 100]
أيهما أخطر الجب أم السجن ؟ السجن حياته مضمونة ، لكن الجب مظنة موت وهلاك ، لم يذكر الجب لئلا يذكر إخوته بجريمتهم ، ثم قال تعالى :
وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ
[ سورة يوسف : 100]
ما قال : أنتم فقراء ، تموتون من الجوع ، فجئتم إلي فأطعمتكم ، لا ، قال : جاء بكم من البدو ، و ما قال : إن إخوته ظلموا ، بل قال : من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي ، ما جعلهم مسيئين ، قال : من بعد أن نزغ الشيطان ،
تعلموا الأدب من الأنبياء ، قال تعالى :
وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي
[ سورة يوسف : 100]
إذا كنت في قوم من عشرين رجلاً ، أو أقلّ أو أكثر ، فتصفحت وجوههم ، فلم تر فيهم رجلاً يهاب في الله عز وجل فاعلم أن الأمر قد رق ، هناك إنسان له هيبة ، كل إنسان موصول بالله له هيبة ، عشرون رجلاً ، ولا إنسان يهاب ، فاعلم أن الأمر قد رق ، لذلك في آخر الزمان ألف كأف ، ومع أصحاب رسول الله واحد كألف .
أختم هذا الدرس أن سيدنا الصديق جاءته رسالة من سيدنا خالد يطلب خمسين ألفاً نجدة لمعركة في نهاوند ، يبدو أنهم كانوا ثلاثين ألفاً ، وواجهوا ثلاثمئة ألف ، فطلب خمسين ألفاً ، بعث له الصديق بواحد اسمه القعقاع ،
قال له : أين النجدة ؟ قال : أنا ، قال له : أنت ؟ معه كتاب ، فتح الكتاب ، يقول سيدنا الصديق : يا خالد ، والذي بعث محمداً بالحق إن جيشًا فيه القعقاع لا يهزم بإذن الله ، وانتصر الجيش بواحد .
انتهى .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
ahmad11
13-07-2010, 09:08 PM
رائع ..........................................
بارك الله فيكي
ahmad11
13-07-2010, 09:12 PM
أنا ادعو الجميع الى شكرها
لا يكفي النظر والله الي كتبتون بدي عشر سنين يا اكتبون
Barbie
17-07-2010, 08:16 PM
و بكم بارك الله .
Barbie
17-07-2010, 08:25 PM
أنا ادعو الجميع الى شكرها
لا يكفي النظر والله الي كتبتون بدي عشر سنين يا اكتبون
للتوضيح و الأمانة : معظم هذه الدروس مقتبسة من موسوعة النابلسي للعلوم الإسلامية .
Barbie
17-07-2010, 09:02 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
إخواني و أخواتي ... مع الدرس 32 : الإحســان .
بسم الله الرحمان الرحيم
الإحسان و مواطنه :
الإحسان في تعريف بعض العلماء: فعل ما هو حسن، والشيء الحسن مشتق من الحسن، والحسن هو الجمال، الجمال المادي والمعنوي.
فالحلم شيء حسن، والإنفاق شيء حسن، والوجه الجميل وجه حسن، والحُسن مرتبط بالكمال البشري، والحُسن مرتبط بالفطرة، والحُسن يستدعي المديح بشكل عفوي.
أما مواطن الحُسن، فالقصد النية، هناك إنسان في داخله حب للخير، في داخله تسامح، في داخله عفو، وهناك إنسان في داخله حقد، استعلاء، كبر، فالإحسان أن تنطوي على نفس طاهرة تحب الخير لكل الخلق.
موطن آخر: الحال، حال الإنسان في تفاؤل، هناك حال آخر في تشاؤم، حال الإنسان في حب، حال آخر في بغض.
الموطن الثالث: العمل.
مواطن الإحسان : النية ، والحال ، والعمل.
فلسفة الإحسان :
أما فلسفة الإحسان، الله سبحانه وتعالى سخر لك ما في السماوات وما في الأرض تسخير تعريف وتكريم، كرمك إذ منحك نعمة الإيجاد، وكرمك إذ منحك نعمة الإمداد، وكرمك إذ منحك نعمة الهدى والرشاد.
هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ (60)
[ سورة الرحمن].
فلسفة الإحسان أنه ينبغي أن تقابل إحسان الله لك بإيجادك، وإمدادك، وهدايتك بإحسانك إلى الخلق، ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾.
والفلسفة الثانية للإحسان أن الله سبحانه وتعالى خلقك لجنة عرضها السماوات والأرض ، ثمنها أن تأتي إلى الدنيا ، وأن تكون فيها محسناً ،
والدليل قوله تعالى:
وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)
[ سورة الليل ].
الحسنى هي الجنة ، الذي صدق بالحسنى يدفع ثمنها في الدنيا ، ثمنها في الدنيا شطران ، انضباط وعطاء ، ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ﴾ ، اتقى أن يعصي الله فأعطى، أعطى من ماله، من علمه، من خبرته، من وقته، من عضلاته ،
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾ :
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى(7) وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى(9)
[ سورة الليل ].
الحسنى هي الجنة، ما دام كذب بالحسنى، وآمن بالدنيا، فاستغنى عن طاعة الله، وبنى حياته على الأخذ، فالإحسان عطاء، والأخذ نقيض الإحسان، إنسان يعطي ، إنسان يأخذ.
الإحسان و العدل :
لذلك يمكن أن يكون البشر جميعاً في حقلين، الحقل الأول: أعطى ولم يأخذ، في هذا الحقل أيضاً ملك القلب، في هذا الحقل عاش للناس، هذا المحسن ،
المسيء أخذ ولم يعطِ ، ملك الرقبة ، قوي ، شيء آخر، عاش الناس له ،
بين أن تعيش للناس وبين أن يعيش الناس لك ، بين أن تعطي وبين أن تأخذ، بين أن تملك القلوب وبين أن تملك الرقاب.
فلسفة الإحسان مقابلة إحسان الله لك، بإيجادك، وإمدادك، وهدايتك، بإحسانك إلى الخلق، و فلسفة الإحسان أن تعمل عملاً تستحق به دخول الجنة ، وهي الحسنى، وفضلاً عن ذلك فإن الله أمر عباده المؤمنين بالإحسان،
قال:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ
[ سورة النحل الآية: 90] .
العدل قسري، أما الإحسان فطوعي، وأنت مأمور بالإحسان كما أنك مأمور بالعدل، هناك مشكلات كثيرة لا تحل بالعدل، تحل بالإحسان ،
القانون معك، الشرع معك، لكنه أخوك، تفضل عليه، العدل أن تؤدي ما عليك من دين، أما الإحسان أن تنزل عن بعض الدين، العدل أن تأخذ، أما الإحسان أن تعطي، فإن الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾.
وقد قال بعض العلماء : الإحسان ما زاد على الواجب شرعاً، إنسان طلّق زوجته طلاقاً شرعياً، أعطاها حقها الكامل، أنا أعرف أشخاصاً، رتبوا لزوجاتهم المطلقات رواتب شهرية مدى الحياة، هذا إحسان.
لذلك ورد في بعض الأحاديث :
(( ...وأن أَصِلَ مَنْ قَطَعَنِي ـ إحسان ـ وأعطي مَنْ حَرَمَنِي ـ إحسان ـ وأعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَنِي )).
[أخرجه زيادات رزين عن أبي هريرة] .
وأصل هذا الحديث:
(( أَمَرَنِي رَبِّي بِتِسْع : خَشْيَةِ الله في السِّرِّ والعلانية، وكلمة العدل في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وأن أَصِلَ مَنْ قَطَعَنِي، وأعطي مَنْ حَرَمَنِي، وأعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَنِي، وأن يكون صَمْتي فِكْرا، ونُطْقِي ذِكْرا، ونظري عبرة )) .
[أخرجه زيادات رزين عن أبي هريرة] .
و يكفي المحسن شرفاً أن الله يحبه.
ahmad11
18-07-2010, 01:22 PM
كتبتون بدي عشر سنين يا اكتبون؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟عارف انو منون تأليفك انا اصدي نقلون على الكومبيوتر
السلام عليكم
تسجيل متابعة
Powered by vBulletin® Version 4.1.11 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir