وسيم أحمد الفلو
29-08-2009, 03:11 PM
اما جوهر الدعوة إلى الله، فلون من أجل ألوان العبادة التي يتقرب بها الإنسان المؤمن إلى ألله عز وجل، بل هو ممارسة لأسمى معاني العبودية الضارعة له. إذن فهو ليس وظيفة حركية من جنس الوظائف الحركية التي يمارسهما أصحاب المذاهب أو رجال الأحزاب الأخرى، إذ يتنافسون في سباق لاهث إلى فرض أنظمتهم ثم سلطانهم على المجتمع الذي يعيشون فيه بقطع النظر عن حال الأخلاق الشخصية وواقع التربية الفردية وخط السلوك. الداعي إلى الله بحق، يجيش وقود الدعوة بين جوانحه، في ضرام الحقيقة الربانية القائله "لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس أو غربت" فهو يتجه بأمل الهداية الى الأفئدة والعقول، ويتعلق منه الطمع بعد ذلك برضا علام الغيوب، وينتظر من حصاد دعوته تربية قويمة تشيع بين الأفراد واستقامة على الخلق السليم والسلوك الرشيد في علاقة مابينهم على كل المستويات.
اما المتحرك سعيا إلى نصرة جماعته اوحزبه، فهو إنما يتجه بهم في حركة تكتيكية إلى مقاليد الحكم. ومن ثم فهو أبعد ما يكون عن الاهتمام بإصلاح القلوب وإقناع العقول وتهذيب النفوس. وإنما همه، بل كل همه، محصور في أن يقتنع الناس بضرورة إبلاغه إلى سدة الحكم والقيادة، ليريهم كيف يفجر لهم من نظامه الذي ينادي به، جنة تزخر بأمواج السعادة للجميع. وبوسعك أن تلاحظ، لتعلم أن أكثر الدعاة الإسلاميين، قد أصيبوا بعدوى هؤلاء الحزبيين من أصحاب المذاهب والأنظمة الدنيوية المختلفة. ومن ثم فهم ينهجون نهجهم، ويصورون من أنفسهم ، في أذهان الآخرين، واحدة من الجماعات أو الأحزاب التي تتزاحم سعيا وسبقا إلى مقاليد الحكم ! . فانظر كيف تتقطع الجسور، منذ أول يوم، بين هؤلاء الدعاة الإسلاميين، وبين أندادهم الداعين إلى أنظمة وأفكار أخرى. إنهم يتحولون إلى حزب مزاحم منافس في نظر هؤلاء الآخرين. . ذلك لأنهم فرضوا من أنفسهم جماعة تزاحمهم وتسابقهم إلى كراسي الحكم، ليس إلا ! . . وهكذا يجعل الإسلاميون من أنفسهم خصوما وأندادا لتلك الأحزاب والفئات الأخرى، من أول يوم. فكيف وبأي دافع تتهيأ منهم النفوس للإصغاء إلى دعوة هؤلاء الإسلاميين الذين ينافسونهم ويسابقونهم إلى عواطف الجماهير سعيا منهم عن طريق ذلك إلى الحكم . . هذا إن وجد هؤلاء الدعاة وقتا لمحاورتهم ودعوتهم إلى الله، وأغلب الظن أن الوقت لديهم أضيق من أن يتسع لذلك.
لا أعتقد أن في المنطق ما يوحي بأي استجابة لمثل هذه الدعوة من أناس اختاروا لأنفسهم هذا المناخ، بل لا أعتقد أن في المنطق ما يوحي بأي استعداد نفسي لدى الآخرين للثقة بإخلاص هذا الصنف من الدعاة. أجل، فإن الذي أقبل مسرعا ينافسني الوصول إلى مغنم ، لا يمكن أن أثق به في أي نصيحة يزعم انه يتقدم بها الي. وأغلب الظن أن نصيحته، لن تترجم في ذهني إلا إلى خديعة مقنعة وتكتيك سياسي مبرمج !.. ومن هنا يشيع في أوساط الحزبيين الآخرين اتهام الإسلاميين الحركيين باستغلال الشعارات الإسلامية التي من شأنها أن تهيج الجماهير للوصول إلى الحكم. سيما وهم يرون أنفسهم فقراء إلى تلك الشعارات ذات التأثير السحري على عواطف الناس.
قيل لي ذات يوم: ألا ترى أن من الخير إضافة كرسي آخر إلى كراسي الجبهة الوطنية التقدمية في سورية اليوم؟ وكانت الإشارة إلى كرسي يمثل القوى الإسلامية في القطر، وكانت الإشارة الثانية، ربما إلى أن أكون أنا الممثل لهذه القوى الإسلامية. قلت : عندما ينصب هذا الكرسي باسم القوى الإسلامية، على صف هذه الجبهة يكون ذلك إيذانا بأن الإسلام قد تقاسم مع اعضاء هذه الجبهة النفوذ والسلطان في القطر، ومعنى ذلك أنه قد فاز من ذلك بنصيب الخمس أو السدس. وذللك إعلان ضمني بأن علاقة الإسلام ببقية أعضاء الجبهة غدت علاقة تنافس سياسي، تماما كعلاقة أي من الأعضاء الآخرين بالبقية . . وهذا في الحقيقة تقليص لسلطان الإسلام وحكمه، ثم تحجيم له، لا بل سعي إلى القضاء عليه.
إن الإسلام، في الواقع الملموس، هو القدر المشترك الذي يجب أن يجمع بين أعضاء هذه الجبهة، إن لم يكن عن قناعة دينية، فبالانتماء التاريخي والحضاري والقومي. تماما كالهوية المشتركة المتمثلة في انتسابهم جميعا إلى هذا القطر الإسلامي العربي العتيد. فإذا كان الإسلام يؤلف بينهم جميعا كما يؤلف المعصم الواحد بين الأصابع الخمسة المتعددة، فمنذا الذي يرضى أن يرجع ثم يرجع إلى الوراء، ليجعل من هذا المعصم الشامل اصبعا مجاورة اخرى؟ منذا الذي يرضى أن يحيل القدر المشترك إلى ند وقسيم ؟
أما الآن، وأنا البعيد عن مزاحمتكم على المطامع والمغانم . . القريب من مشاعرهم الإيمانية وفطرهم الإسلامية، فإن بوسعي أن أحاور فيهم جميعا هذا القدر المشترك، دون أن تكون بيني وبينهم أي فجوة فاصلة أو جسور مقطعة. والمأمول، عندئذ أن تحقق الدعوة غايتها وأن يثمر الحوار أهدافه، إن سار كل منهما على نهج سليم صاف عن شوائب المصالح والاغراض.
ولكن أي خير ينتظر من حواري معهم ودعوتي إياهم، عندما أجدني أجلس منهم مجلس الند من الند، وأتجاذب معهم القضايا والمشكلات المختلفة مجاذبة المتربص الذي يسعى إلى تطفيف أرباحه على حساب الآخرين. بل لن يكون هناك وقت للدعوة والتعريف بحقائق الإسلام في غمار هذه المنافسات الأخرى التي من شأنها أن تستقل بالفكر والجهد كله. هذا مثال واقعي عرضته. وهو نموذج لسائر الحالات المشابهة. وصفوة القول أن الدعوة إلى الله عبادة بل عبودية ضارعة لله. يتجه بها الداعي إلى عقول الناس وقلوبهم، لإقناع الأولى بالحق، وتطهير الثانية من الأدران وألآفات. وإنما ينهض المجتمع الإسلامي على عقول تؤمن بالحق وتذعن له، وقلوب اتجهت إلى الله بالخوف منه والحب له. فأما التكتيكات الحركية التي يخوض أصحابها ساحة منافسات ومسابقات إلى كراسي الحكم ومراكز النفوذ، فهى أبعد ما تكون عن حقيقة الدعوة التي أمر الله بها في محكم كتابه، وأكدها رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصاياه وأحاديثه. وذلك بقطع النظر عن قيمة هذه الأنشطة الحركية وضرورتها أو مدى الحاجة إليها.
اما المتحرك سعيا إلى نصرة جماعته اوحزبه، فهو إنما يتجه بهم في حركة تكتيكية إلى مقاليد الحكم. ومن ثم فهو أبعد ما يكون عن الاهتمام بإصلاح القلوب وإقناع العقول وتهذيب النفوس. وإنما همه، بل كل همه، محصور في أن يقتنع الناس بضرورة إبلاغه إلى سدة الحكم والقيادة، ليريهم كيف يفجر لهم من نظامه الذي ينادي به، جنة تزخر بأمواج السعادة للجميع. وبوسعك أن تلاحظ، لتعلم أن أكثر الدعاة الإسلاميين، قد أصيبوا بعدوى هؤلاء الحزبيين من أصحاب المذاهب والأنظمة الدنيوية المختلفة. ومن ثم فهم ينهجون نهجهم، ويصورون من أنفسهم ، في أذهان الآخرين، واحدة من الجماعات أو الأحزاب التي تتزاحم سعيا وسبقا إلى مقاليد الحكم ! . فانظر كيف تتقطع الجسور، منذ أول يوم، بين هؤلاء الدعاة الإسلاميين، وبين أندادهم الداعين إلى أنظمة وأفكار أخرى. إنهم يتحولون إلى حزب مزاحم منافس في نظر هؤلاء الآخرين. . ذلك لأنهم فرضوا من أنفسهم جماعة تزاحمهم وتسابقهم إلى كراسي الحكم، ليس إلا ! . . وهكذا يجعل الإسلاميون من أنفسهم خصوما وأندادا لتلك الأحزاب والفئات الأخرى، من أول يوم. فكيف وبأي دافع تتهيأ منهم النفوس للإصغاء إلى دعوة هؤلاء الإسلاميين الذين ينافسونهم ويسابقونهم إلى عواطف الجماهير سعيا منهم عن طريق ذلك إلى الحكم . . هذا إن وجد هؤلاء الدعاة وقتا لمحاورتهم ودعوتهم إلى الله، وأغلب الظن أن الوقت لديهم أضيق من أن يتسع لذلك.
لا أعتقد أن في المنطق ما يوحي بأي استجابة لمثل هذه الدعوة من أناس اختاروا لأنفسهم هذا المناخ، بل لا أعتقد أن في المنطق ما يوحي بأي استعداد نفسي لدى الآخرين للثقة بإخلاص هذا الصنف من الدعاة. أجل، فإن الذي أقبل مسرعا ينافسني الوصول إلى مغنم ، لا يمكن أن أثق به في أي نصيحة يزعم انه يتقدم بها الي. وأغلب الظن أن نصيحته، لن تترجم في ذهني إلا إلى خديعة مقنعة وتكتيك سياسي مبرمج !.. ومن هنا يشيع في أوساط الحزبيين الآخرين اتهام الإسلاميين الحركيين باستغلال الشعارات الإسلامية التي من شأنها أن تهيج الجماهير للوصول إلى الحكم. سيما وهم يرون أنفسهم فقراء إلى تلك الشعارات ذات التأثير السحري على عواطف الناس.
قيل لي ذات يوم: ألا ترى أن من الخير إضافة كرسي آخر إلى كراسي الجبهة الوطنية التقدمية في سورية اليوم؟ وكانت الإشارة إلى كرسي يمثل القوى الإسلامية في القطر، وكانت الإشارة الثانية، ربما إلى أن أكون أنا الممثل لهذه القوى الإسلامية. قلت : عندما ينصب هذا الكرسي باسم القوى الإسلامية، على صف هذه الجبهة يكون ذلك إيذانا بأن الإسلام قد تقاسم مع اعضاء هذه الجبهة النفوذ والسلطان في القطر، ومعنى ذلك أنه قد فاز من ذلك بنصيب الخمس أو السدس. وذللك إعلان ضمني بأن علاقة الإسلام ببقية أعضاء الجبهة غدت علاقة تنافس سياسي، تماما كعلاقة أي من الأعضاء الآخرين بالبقية . . وهذا في الحقيقة تقليص لسلطان الإسلام وحكمه، ثم تحجيم له، لا بل سعي إلى القضاء عليه.
إن الإسلام، في الواقع الملموس، هو القدر المشترك الذي يجب أن يجمع بين أعضاء هذه الجبهة، إن لم يكن عن قناعة دينية، فبالانتماء التاريخي والحضاري والقومي. تماما كالهوية المشتركة المتمثلة في انتسابهم جميعا إلى هذا القطر الإسلامي العربي العتيد. فإذا كان الإسلام يؤلف بينهم جميعا كما يؤلف المعصم الواحد بين الأصابع الخمسة المتعددة، فمنذا الذي يرضى أن يرجع ثم يرجع إلى الوراء، ليجعل من هذا المعصم الشامل اصبعا مجاورة اخرى؟ منذا الذي يرضى أن يحيل القدر المشترك إلى ند وقسيم ؟
أما الآن، وأنا البعيد عن مزاحمتكم على المطامع والمغانم . . القريب من مشاعرهم الإيمانية وفطرهم الإسلامية، فإن بوسعي أن أحاور فيهم جميعا هذا القدر المشترك، دون أن تكون بيني وبينهم أي فجوة فاصلة أو جسور مقطعة. والمأمول، عندئذ أن تحقق الدعوة غايتها وأن يثمر الحوار أهدافه، إن سار كل منهما على نهج سليم صاف عن شوائب المصالح والاغراض.
ولكن أي خير ينتظر من حواري معهم ودعوتي إياهم، عندما أجدني أجلس منهم مجلس الند من الند، وأتجاذب معهم القضايا والمشكلات المختلفة مجاذبة المتربص الذي يسعى إلى تطفيف أرباحه على حساب الآخرين. بل لن يكون هناك وقت للدعوة والتعريف بحقائق الإسلام في غمار هذه المنافسات الأخرى التي من شأنها أن تستقل بالفكر والجهد كله. هذا مثال واقعي عرضته. وهو نموذج لسائر الحالات المشابهة. وصفوة القول أن الدعوة إلى الله عبادة بل عبودية ضارعة لله. يتجه بها الداعي إلى عقول الناس وقلوبهم، لإقناع الأولى بالحق، وتطهير الثانية من الأدران وألآفات. وإنما ينهض المجتمع الإسلامي على عقول تؤمن بالحق وتذعن له، وقلوب اتجهت إلى الله بالخوف منه والحب له. فأما التكتيكات الحركية التي يخوض أصحابها ساحة منافسات ومسابقات إلى كراسي الحكم ومراكز النفوذ، فهى أبعد ما تكون عن حقيقة الدعوة التي أمر الله بها في محكم كتابه، وأكدها رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصاياه وأحاديثه. وذلك بقطع النظر عن قيمة هذه الأنشطة الحركية وضرورتها أو مدى الحاجة إليها.